الإسلاميون المغاربة و إشكالية تأصيل خيار المشاركة السياسية


فئة :  أبحاث عامة

الإسلاميون المغاربة و إشكالية تأصيل خيار المشاركة السياسية

الإسلاميون المغاربة و إشكالية تأصيل خيار المشاركة السياسية: دراسة في المحددات و الأسس المرجعية


نال موضوع انخراط الحركات الإسلامية في العمل السياسي الرسمي قسطا كبيرا من البحث في البلاد العربية والإسلامية و خارجها، ليتجاوز بذلك مجرد الاقتصار على دراسة تاريخية هذه الحركات من خلال نشأتها و تطورها في إطار مقاربة وثائقية ووصفية، وأيضا دراسة مرجعيتها التصورية والفكرية[1]؛ ليصل إلى دراسة علمية أكثر ونظرا لأهمية الحضور والوزن الذي أصبحت تتمتع به، يكاد يجمع المتتبعون المختصون أنه لا يمكن الحديث عن المستقبل السياسي والاجتماعي في هذه البلاد، دون الحديث أو الأخذ بعين الاعتبار دور هذه الحركات[2]. وبناء عليه تكمن أهمية هذه الدراسة، نظرا للدور المتميز الذي أصبح يحتله تيار خط المشاركة من داخل الحركة الإسلامية، في بنية النظام السياسي المغربي، وذلك من خلال انفراد حركة التوحيد والإصلاح بتبني خيار المشاركة، والدفاع عنه في مرحلة زمنية، كانت شروطها غير واضحة لدى باقي العناصر الإسلامية الأخرى خاصة سليلة حركة الشبيبة الإسلامية التي أسسها عبد الكريم مطيع سنة (1976) (البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة)... فإذا كان موضوع الحركة الإسلامية في المغرب، مازال في حاجة إلى دراسة متخصصة ومتعمقة، تواكب تحولاتها، وتباين مواقفها، فإن الأهمية تزداد إذا كان موضوع الحركة الإسلامية و المشاركة السياسية من المواضيع الراهنية، التي مازالت مفتوحة على المزيد من البحث و التمحيص. رغم ما يثيره من إشكالات منهجية وقيمية، تقتضي ضرورة تحري الموضوعية والدقة العلمية في التحليل[3]. فرغم الدراسات العلمية، التي قدمت في محاولة رصد اندماج الحركة الإسلامية في العمل السياسي الرسمي، فإن هناك إشكالات تأصيلية عميقة يثيرها تحول هذا الفصيل من "الدعوة" إلى "السياسة" بالمملكة المغربية في ظل نظام سياسي يتأسس على مفهوم إمارة المؤمنين وإسلامية الدولة الأمر الذي انعكس على طبيعة الحركة الإسلامية المشاركة، فهي من جهة أولى "تتماهى" مع رغبات أو اختيارات النظام والقبول بقواعد الديمقراطية في محاولة توفيقية وتكييف مرجعيتها، و من جهة ثانية استبطانها في نفس الآن تمثل الدولة الإسلامية و"محاولة" إعادة إنتاج النموذج النبوي الديني، في دولة دينها الرسمي الإسلام، ورئيسها يتمتع بصفة أمير المؤمنين. الأمر الذي عقد إشكالية إدماج وانخراط الحركات الإسلامية داخل الأنظمة التي تحكمها. سنحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال رصد تحليلي للعملية التأسيسية، والتأصيلية لقرار المشاركة السياسية، وسيرورة اتخاذ القرار السياسي، ورصد محدداته و خلفياته، وذلك في محاولة الإلمام بالجوانب الشمولية لعملية المشاركة في أبعادها العامة، دون الوقوع في الاختزال والاقتصار على عنصر أو هدف محدد[4]. وإذا كانت حركة التوحيد و الإصلاح، اجتهدت وفق معطيات خاصة وتاريخية في تبني الخيار الأول، و بالتالي اجتياز امتحان المرور من المجال الديني الدعوي إلى المجال السياسي، وبالتالي الانخراط في إطار العملية السياسية الرسمية، يطرح التساؤل الإشكالي التالي:

كيف تعاملت الحركة مع مسألة المشاركة تأصيلا ومرجعية؟ بناء على هذه الإشكالية تطرح عدة تساؤلات فرعية:

- ما هي المحددات الموضوعية و الذاتية، التي ساعدت حركة التوحيد والإصلاح، في تبني موقف المشاركة السياسية؟

- ما هو موقفها من المؤسسات السياسية عموما؟

- كيف تم الانتقال من الدعوة إلى السياسة؟

- ما مدى توفقهم في تأصيل اختيار المشاركة السياسية، وتقديم إجابات بخصوص الواقع السياسي المعاصر؟

_ هل الحركة الإسلامية المشاركة دافعت عن ضرورة الخروج إلى الساحة السياسية و تبني خيار العمل السياسي السلمي، بعدما اقتنعت بعدم صوابية المنهج الانقلابي والعمل السري؟

_ إسلاميو المشاركة السياسية أبانوا عن برغماتية وواقعية في التأصيل لخيار المشاركة؟

أولا: الموقف الإيجابي من المشاركة/ترجيح المشاركة ونقد المقاطعة

عرف خيار المشاركة السياسية خلافا سياسيا وإيديولوجيا بين تيارات الحركة الإسلامية يتعلق بجدواها و محدداتها و شروطها، و كذلك جدالا فقهيا بين الإسلاميين حول مدى شرعية العمل السياسي، و هل يمكن اعتباره من المسائل الاعتقادية، و الأحوال الدينية التي تتعلق بثوابت الدين و قطعياته، و من ثَمَّ يحرم الاختلاف حولها؟ أم أنها مسألة اجتهادية يتكفل الجهد البشري بتقرير شرعيتها في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد[5]؟ يستحضِرُ صلاح الصاوي[6] في كتابه "مدارسة حول العمل السياسي من منظور شرعي"، اجتهادات المختلفين حول المشاركة السياسية، هذه "الاجتهادات التي استند عليها و وازن بينها تيار المشاركة من داخل الحركة الإسلامية . فهكذا، أورد الفريق الأول الرافض للعمل السياسي في إطار اجتهاداته " الأدلة و الحجج الآتية:

-أن البرلمانات مجالس شركية قامت على اغتصاب الحق في التشريع المطلق...، إذ لا فرق بين الشرك في الحكم، و بين الشرك في العبادة، لذلك فالأصل في هذه المجالس هو الاجتناب.

-ما يتعرض له العضو بداية التحاقه بهذه المجالس، من القسم على احترام الدستور و القوانين، و فيها من الكفر و الشرك ما يناقض الإسلام.

-ما يتضمنه ذلك من التدليس على بقية أعضاء المجلس، و على العامة من الأمة بإضفاء الشرعية على هذه الأوضاع الشركية، و الإقرار بها على الجملة.

-ما يتضمنه الدخول إلى هذه المجالس من موالاة الظالمين، و هي محرمة بنص القرآن.

-مخالفة المعهود في دعوة الرسل و الصبر على الأذى، و الجهاد في سبيل الله وطاعة الذين كفروا، بما أنزل الله في بعض الأمور، و هو باب من أبواب الردة.

-إن ما يقام من الشريعة بهذا الطريق، لا يكون معتبرا شرعا لأن المقصود الالتزام بهذه الشريعة دينا و تقربا، لا مجرد الالتزام بها قانونا وقضاءً[7].

أما الضوابط التي حددها الفريق الثاني المؤيد للاشتغال بالعمل السياسي فهي كالآتي:

-إقامة الحجة، و نقل قضية التوحيد و رسالة الإسلام إلى هذه المواقع.

-إقامة ما يمكن إقامته من أحكام الشريعة، و الحيلولة دون مزيد من الإضاعة لما بقي منها.

-القيام بواجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و ذلك بمحاربة الفساد، وكشف رموزه، و تعقبهم في مختلف المواقع في إطار من الأمن النسبي الذي تخوله الحصانة البرلمانية.

-تحصيل بعض المصالح للعمل السياسي، و دفع أو تقليل بعض المظالم التي تقع عليه[8].

لذلك فإن الالتزام بتحقيق هذه الأهداف يؤطر مشروعية العمل السياسي، والانخراط فيه، لولا ذلك لانتفت الغاية من القيام به[9].

فكيف يفسر هذا الاختلاف في الموقف من المشاركة السياسية؟

عمدت "حركة التوحيد و الإصلاح" في مسارها الحركي إلى مراجعات كبرى للأسس التي كانت تقوم عليها من الناحية المذهبية، والسياسية، تأسيساً على هذا التصور، يُطرح السؤال حول الأسس النظرية التي استندت إليها الحركة في بلورة خطاب إصلاحي في أفق بلورة حركة إسلامية "تتماهى" مع اختيارات النظام و تتعايش مع أغلب مكوناته؟ فأهم ما ميز قيادة حركة التوحيد و الإصلاح "تعددية" جمعت بين مكونات مختلفة ومتنوعة مما انعكس إيجابا على أدبياتها، وجعلها تشكل في مجملها مجهودا متواصلا وظف نظرية أبي إسحاق الشاطبي في الفقه المقاصدي في خدمة نوع من البرغماتية السياسية[10]. هذا التحرك الممنهج نحو توظيف الثقافة الإسلامية في "شرعنة المراجعات السياسية يحيل إلى ضرورة التمييز بين منطقين يتحكمان في أدبيات الخطاب الإسلامي"، منطق تَمثل القيم التي يؤمن بها الإسلاميون، و المسالك التي يستعملونها في ذلك، ومنطق تحركهم في المجتمع. فعلى المستوى الأول، نجد التجليات "الماضوية"، أما منطق التحرك فهو منطق عصري حداثي (...)، فمن مميزات الكتابات الإسلامية أو الخطاب الإسلامي، أن الفاعل الإسلامي يعطي لنفسه حق إعادة إنتاج التراث الإسلامي بأدواته الخاصة.[11] فكيف إذن يمكن قراءة هذه الأطروحة داخل أدبيات حركة التوحيد والإصلاح في انطلاقها من الواقع الراهن، لصياغة إيديولوجيا إصلاحية اعتمادا على الفكر المقاصدي، وفقه المشاركة؟. ارتكزت الحركة في قرارها المشاركة السياسية على اجتهادات العديد من الفتاوى الفقهية لتبرير، وإبراز مدى شرعية هذه المشاركة، و نستحضر في هذا السياق مجموعة من القواعد المستشفة من اجتهادات أحد "قيادات" تيار خط المشاركة (سعد الدين العثماني) و المستقاة من فقه "ابن تيمية" للتعامل مع العمل السياسي والمتمثلة في:

1- لا دعوة بدون فقه، ذلك أنه من بديهيات الشرع أن يجعل العلم شرطا لكل عمل صالح.

2- العمل السياسي مجال حكم و مقاصد لا مجال تعبد.

3- العمل السياسي مجال للاجتهاد و اختلاف الآراء.

4- العمل السياسي مجال لترجيح الراجح من المصالح و درء المفاسد.[12]

فهكذا، و إدراكا من حركة التوحيد و الإصلاح لأهمية العمل السياسي في التغيير الاجتماعي إلى جانب العوامل التربوية و الثقافية و الدعوية، جاء الاقتناع بالمشاركة السياسية، و العمل في ظل الشرعية القانونية، حيث صرح عبد الإله بن كيران:"حيث نشارك نصبح محصنين بالقانون عوض أن نبقى خارجه ونكون حاضرين في مراكز القرار عوض أن نبقى خارجه، و نكون حاضرين عوض أن تصرح برأيك و لا يكاد يسمعك، إلا القليل من الناس، فإن وسائل الإعلام تضطر إلى حمل رأيك إلى كل المجتمع"[13]. ويضيف محمد يتيم (المنظر الإيديولوجي للحركة) في هذا الصدد "لا يعدم المنطقان، منطق المشاركة، و منطق العزلة و المقاطعة من أدلة الشرع الحنيف، والمشكلة اليوم هي في جوهرها مشكلة تنزيل لهذا الفقه في واقع الأمة الإسلامية و على هذه الحالة أو تلك."[14] فما هي الخلفيات التي تؤطر و تحدد موقف الحركة من المشاركة؟ من الصعوبة أن نعطي تفسيرا شاملا لهذه الإشكالية، لأن الفاعل السياسي قد يعي حقيقة موقفه، إلا أنه يدرك الأبعاد المرجعية العميقة التي حددته، كما أن الأهداف الحقيقية لموقفه قد تكون مُستبطنًة، و لا يستطيع الفاعل التصريح بها لكونها تمتزج بالقيم و المعايير و المعتقدات التي يؤمن بها. فالمرجعية الفكرية التي تبناها التيار الإسلامي الإصلاحي، تؤطر بجلاء الموقف الإيجابي من المشاركة، في إطار رؤية واقعية تستند على فكر سياسي اعتدالي واع حقيقةً إشكالية السلطة، دون أن نُغفل أيضا المكانة الاجتماعية للعديد من رموزها و قيادييها، والتي لا يسعها إلا أن تشجع على موقف المشاركة، و الدفع به إلى الأمام، في إطار نهج التيار الإسلامي المعتدل، و الشريحة التي يمثلها في البحث عن مواقع سياسية/اجتماعية ظلت "مبعدة" عنها في ظل نظام سياسي يراقب و يوجه اللعبة السياسية[15]. "فمنطق المشاركة السياسية هو ضرورة لابد منها، في ظل انتشار قيم العلمنة وإقصاء الدين من طرف القوى المناوئة عبر العديد من المؤسسات". وتتضح دوافع الاختيار أيضا في ما لخصه محمد يتيم في قوله: "والمتأمل في منطق الرفض، يجد أنه غير مرجوح في ظروفنا الراهنة، لعدة اعتبارات حددها كالتالي:

الاعتبار الأول: إن الانسحاب من الساحة السياسية و تبني منطق الرفض يريح خصوم الحركة الإسلامية، وإخلاء الساحة يساهم في إحكام قبضة التهميش وذلك ما يريده المتعلمنون وأصحاب الأهواء و المنافع السياسية، ممن يخاصمون الحركة الإسلامية في الظاهر و الباطن.

الاعتبار الثاني: هو أن رفض المشاركة يقلب العلاقة من المخالطة إلى المقاطعة، فالأصل في التصور الإسلامي هو الخروج إلى الناس، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير لقوله تعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر."[16] و كذلك ربط العلاقات بالناس والتعرف على الأمم و الشعوب "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"[17].

أما المقاطعة فإجراء وقائي و تأديبي و ليس أصلا في العلاقة مع الآخرين: إنه إجراء وقائي في الحالة التي يبلغ فيها الضعف بالفرد أو الجماعة إلى درجة لا يستطيع معه إنكار المنكر، و إقرار المعروف أو يخشى فيه على دينه.

الاعتبار الثالث: هو أن المقاطعة، إنما هي إجراء تأديبي الغاية منه إنكار المنكر، فإذا لم تؤت المقاطعة آثارها المرجوة في تغيير المنكر، أو أدت إلى تغيير لا يصل إلى حد التغيير، الذي يمكن أن يحصل في حالة المخالطة والمشاركة أو أدت إلى عكس ذلك، أي اتساع دائرة الصلاح والمعروف، ورجحت المشاركة على المقاطعة...

الاعتبار الرابع: هو أن المشاركة السياسية وما قد تؤدي إليه من تولي الولايات والمسؤوليات ليس يشترط فيها أن يقيم فيها المسلم العدل كله، و الإصلاح كله، ويقيم المعروف و يبطل المنكر كله. إن الهدف من المشاركة قد يكون هو تخفيف المفاسد والتقليل منها، وذلك يعني احتمال بعض المفاسد خاصة، إذا كانت المصالح لا تنفك عن بعض المفاسد، وإقامة الأولى إقامة البعض من الثانية، و لا معنى بما يروج على ألسنة بعض الإسلاميين من أن المشاركة في واقع فاسد هو تزكية لذلك الواقع، فإن ذلك كلام لا يستند إلى اعتبارات شرعية، إذ المعتبر في الشرع النيات، والمقاصد التي يدخل بها الإنسان في المؤسسات التي فيها فساد، والمعتبر في الشرع أيضا مقدار ما يدفع من المفاسد ومقدار ما يجلب من المصالح..."[18]. هذه أهم الاعتبارات الترجيحية التي دفعت "حركة التوحيد و الإصلاح" إلى تبني وترجيح كفة المشاركة السياسية على المقاطعة السياسية، وذلك انطلاقا من فقه الموازنة المرتبطة بالجانب الشرعي، و انطلاقا كذلك من قراءة للواقع الموضوعي.

ثانيا: التأسيس النظري والعملي لخيار المشاركة

يُحيلنا هذا الموضوع على طرح سؤال إشكالي، هو: ما هي الدلالات المفاهيمية والشرعية التي استندت عليها حركة التوحيد و الإصلاح، لتأسيس و تأصيل خيار المشاركة، باعتبارها حركةً دينيةً، تنطلق حسب أدبياتها من مرجعية الكتاب و السنة[19]، والحال أنها مرجعية مشتركة بين تيارات الإسلام السياسي؟. فحركة التوحيد و الإصلاح لم تتوان ـ منذ تأسيسها الأول في إطار"جمعية الجماعة الإسلامية" وحتى صيرورتها حركة الإصلاح والتجديد ـ لحظة في مراجعة طروحاتها النظرية وتليين مواقفها، بل التعبير بإلحاحية عن رغبتها في الانخراط في إطار سياسي يؤهلها للاندماج في العملية السياسية الرسمية، عبر المشاركة والتفاعل، وبالتالي الانتقال من مرحلة القطيعة التنظيمية مع أسلوب السرية و العزلة الذي طبعها في بدايتها[20]. تجسَّد ذلك عبر إجماع المؤسسين على القطيعة مع ما سمي مرحلة الشبيبة الإسلامية، و تكثيف الكتابات المعبرة عن طروحات نظرية، تؤسس لمفهوم الإصلاح والتدرج، في إطار "مدرسة التغيير الحضاري"، التي تولي أهمية للفرد، وتنطلق من "موقع الدعوة من أجل تغيير القاعدة الفكرية للإنسان"[21] القائم على مبدأ "أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ولأجل تحقيق هذه الأهداف حاولت الحركة إيجاد المُسوغات النظرية و العملية لذلك، بدءاً بقبول الديمقراطية، و التعددية السياسية بل الاجتهاد في التأصيل لها من منطلق "الشورى السياسية". هكذا، فإن الموقف الإيجابي من شرعية النظام السياسي المغربي، والقبول بالملكية الدستورية الحاكمة، القائمة على أسس مرجعية دينية تخدم في أقصى حالاته مواقف الحركة، بل يعد حقلا مستثمرا فيه ومستندا عليه في إطار سعيها، لجعل الدين الأساس المرجعي لكل تشريع قانوني ، باعتبار أن الدولة الإسلامية في المغرب نظريا ودستوريا قائمة. أكدت ذلك جل المراجعات النظرية التي قامت بها، كمدخل للمصالحة أو تأسيس ذلك التوافق الضمني مع النظام. تنطلق عملية التأسيس، أو تأصيل للمشاركة السياسية، عند عناصر حركة التوحيد والإصلاح، من منطلق نبذ الخيار الانقلابي الثوري، الذي دعمته الكتابات الإيديولوجية المؤسسة عند كل من "أبي الأعلى المودودي"، وكتابات "سيد قطب"، المكفرة للأنظمة الحاكمة و للشعوب، التي اعتبرتها في مرحلة الجاهلية. لذلك، فالأزمة في تقديرها، حضارية، ما يقتضي ضرورة معالجة الأوضاع من منطلق الإصلاح المتدرج، و وفق منهج سلمي يعطي الأولوية للفرد كنواة للمجتمع المستلَب. فهكذا، وجدت عناصر تيار المشاركة في المراجعات الفكرية، و النقد الذاتي الذي قام به أقطاب حركات إسلامية أغلبها مشرقية، الإطار المرجعي لرؤيتهم السياسية، وبالتالي ساهم أطر الحركة دون تردد في تأصيل" الآليات الديمقراطية"، من منطلق المرجعية الإسلامية، و في إطار البحث عن شرعية الوجود الرسمي لم تتردد الحركة في بياناتها و عبر صحافتها في التأكيد على الشرعية الدستورية للنظام، و التذكير بمؤسسة إمارة المؤمنين القائمة على عنصر البيعة، كحقل يقوم على جدلية الاستثمار والمنافسة بين الأطياف السياسية الرسمية، خاصة عندما لا تستطيع المؤسسة التشريعية استيعاب تعارض "المرجعيات"، والتوجهات التشريعية. لم يشكل خروج قيادات الحركة الإسلامية (تيار خط المشاركة)، من جمعية الشبيبة الإسلامية، بعد الوضع المسدود الذي آلت إليه، انشقاقاً عن الجماعة الأولى إلى جماعتين أو تنظيمين، بقدر ما كان تحولا شبه جماعي مع بعض الاستثناءات "الانتظارية أو الانسحابية"، محاولين تأسيس رؤى و قناعات تتبنى استراتيجية مهادنة في "مواجهة" السلطات الرسمية، تتسم أغلبها بالاعتدال و المرونة، و عدم التعرض بالنقد المباشر للحكومة و الأجهزة السياسية الرسمية، وتركيز حملاتها على الفكر العلماني والماركسي، و توظيف ما تتوفر عليه من مجال إعلامي، للاهتمام بقضايا المسلمين في العالم، في إطار مقولة التغيير الحضاري القائم على مفهوم الإصلاح للأزمة التي تعيشها الأمة، وبالتالي يقتضي الأمر من الحركة الإسلامية التعاطي المبدئي و الإيجابي مع المشاركة السياسية، التي تتجلى عبر الانتخابات، دون أن تجد أية صعوبة أمام اجتهاداتها في التأصيل للديمقراطية، بل وتقريبها من مبدأ الشورى كمصطلح قرآني، حتى تنسجم مع طروحاتها العقدية كحركة دينية تسعى إلى الانخراط في فضاء مؤسساتي حداثي.

ثالثا: إجماع المؤسسين و"فكر التغيير الحضاري"

عرفت الحركة الإسلامية في المغرب، منذ النشأة الأولى في بداية السبعينيات وإلى مرحلة التسعينيات، عدة تحولات على مستوى الفكر والتنظيم، ووسائل العمل، إلا أن أحداث بداية الثمانينيات أفرزت عقدين مختلفين من حياة الحركة الإسلامية، عقد ميزته الخلفية الانقلابية، وآخر تميز "بالعمل الإصلاحي الحضاري". هذه التحولات الحركية التنظيمية، كانت مصحوبة بتحولات نظرية وفكرية، كثيرا ما طبعت تحركات أبناء الحركة. وسجلت عملية المراجعة تلك مجموعة من المحطات كان أولها الخروج من دائرة العمل السري إلى العمل "القانوني" سنة 1983... واستمر العمل في ذلك الاتجاه أي مراجعة التوجه السابق إلى سنة 1985، وهي السنوات التي عرفت حوارا داخليا أفضى إلى تأكيد خيار المشاركة، والتفاعل مع الواقع، والعمل من خلال المؤسسات، ومن سنة 1985 إلى مرحلة التسعينيات فترةً لاستكمال بناء مؤسسات الحركة، واستكمال حضورها التنظيمي على المستوى الوطني، إضافة إلى ضبط علاقاتها الداخلية، ومواقفها الخارجية بمواثيق وقوانين و أوراق خاصة في الموضوع، حيث أجمع المؤسسون آنذاك على نبذ الخيار الثوري، والقطيعة مع أسلوب العنف، وإعطاء صورة إيجابية عن عملهم السياسي، متبنين منهج العمل السياسي السلمي، كمدخل لخيار الإصلاح، الذي يقتضي في إطار مشروعهم التغييري الحضاري تأسيسه على منطق التدرج و الاعتدال. إذا كانت مرجعية كل الحركات الإسلامية تعود إلى جذور واحدة، فإن البناء التنظيمي، والمنطلقات الفكرية لهذه الحركات، ارتبطت في بداياتها بـ "جماعة الإخوان المسلمين"، التي أسسها رجل التعليم آنذاك "حسن البنا" في مصر سنة 1928، وكذا بالجماعة الإسلامية الباكستانية التي أسسها الهندي "أبي الأعلى المودودي" عام 1941[22]. هذان التأثيران التاريخيان تكاملا بفعل تأثير "سيد قطب"[23] الحركي و الفكري، وتأثير انتصار الثورة الإيرانية [1979]، شكلت هذه المعطيات المرجعية الأساسية للحركة الإسلامية في المغرب (حركة الشبيبة)، قبل أن يقوم بعض الأعضاء بالتبرؤ من المنهج القطبي، القائم على الخيار الانقلابي (الجهادي)، والعنفي وتبني خيار السلم والوضوح التنظيمي.

1. منطق العمل السلمي ترجمة لنبذ الخيار الانقلابي العنيف.

يشكل رفض الانقلاب والعنف أهم مرتكزات البنية الفكرية، والتنظيمية عند أعضاء حركة الإصلاح كتيار معتدل، بعدما كان التصور الانقلابي، أو التغيير الثوري أحد ميزات العمل السياسي للحركة الإسلامية في الفترة الأولى، والذي ينبني على أساس تغيير بنيات المجتمع المغربي عن طريق الاستيلاء على السلطة والحكم، من منطلق واجب التمرد على الدولة الفاسِدة عبر "تكفير" الحاكم الذي يعتبر مرتدا، ومن هنا واجب الانتقال إلى أعمال العنف والثورة[24]. وقد كان سيد قطب من بين الإخوان المسلمين المصريين الذين نظروا للقطيعة، من خلال مفهومي الحاكمية والجاهلية[25]. إذن فالمهمة الأساسية والأولى هي تطبيق المنهج الإسلامي، والوصول إلى ذلك لا يمكن أن يتم إلا بتغيير واقع هذه المجتمعات.[26] ولكي تتحقق هذه المهمة لابد من تكوين "تجمع عضوي حركي" من طليعة أبناء الحضارة المؤمنة، تعيد إنتاج التجربة الإسلامية الأولى بتمامها، أي في تفاصيلها ومراحلها، "المرحلة المكية، وتكون بثورة ثقافية و جهاد داخلي يزيح أقنعة المنافقين، وينقض طواغيت الحكام، و يقيم الحاكِمية لله، و المرحلة المدنية، وهي إقامة الدولة الإسلامية"[27]. هذه الأفكار وفرت أرضية خصبة ومرجعية لجماعات إسلامية لبلورة رؤيتها للمسألة السياسية وقبل أن تتخذ موقفا نقديا من الطروحات الراديكالية، ذلك أن الحركة الإسلامية لم تفلت من التأثر بالأيديولوجية الانقلابية، والثورية التي عرفها العالم في بداية القرن العشرين، حيث اتخذ الصراع (الفكري و العقدي)، أبعادا سياسية انقلابية تتذرع بالعنف لتحقيق الأهداف[28]. فمن البديهي إذن في ظل أجواء العنف والقوة، أن يحتل التغيير السياسي عند الحركات الإسلامية المعاصرة المكانة الأولى، لأنه أقصر الطرق ظاهريا لامتلاك القوة المادية في عالم القوة المادية، وأن تتوسل هذه الحركات بالقوة لإحداث هذا التغيير السياسي[29]. إن الحركات الإسلامية وهي تعيش في هذا الجو، لم تفلت من عدوى العصر ولذلك فإن "أعمالها قد تأثرت في كثير من الأحيان تأثرا متفاوت الخطورة، بالنظر لوضعية التغيير، المتمثلة في الإعلاء من شأن التغيير السياسي، و الحجة في تحقيق ذلك التغيير والتوسل إليه بالعنف"[30]، ولتحقيق هذه الأهداف تم اعتماد السرية في "الدعوة" والتنظيم بغية الوصول إلى أهدافها .أما تبني العمل السري فكان يرجع إلى أسباب نوجزها حسب طروحات متبنيها آنذاك[31] في كون أن:

- العمل السري يعتبر أحسن طريقة للاتصال بالجماهير وتعبئتهم حسب الهدف المنشود.

- لضمان أمن التنظيم، وأمن أبناء الحركة و تحركاتهم، فإن السرية في العمل تعتبر أداة فعالة.

- إن إيصال الأفكار غير المسموح بها علنا لا يمكن أن يصل إلى الآخرين إلا عبر جلسات أو خلايا ضيقة.[32]

وكرد فعل عن هذه التحولات لم يتردد النظام في محاولة الإجهاز على الحركة الإسلامية، كما أنه أصبح يتوجس خِيفةً من كل ما هو إسلامي، خاصة بعد منحهم شرعية الوجود القانوني للعمل بوضوح وفي إطار سلمي، لكن تم الانزواء والدخول في متاهات سياسية أربكت حسابات كل الأطراف. خاصة مع وجود عوامل ذاتية تتعلق بالاضطراب التوجيهي على مستوى القيادة، مما حدا بأبناء الحركة إلى إعادة النظر في العديد من القضايا و المواقف. فحركة الإصلاح تُقر بأهمية السلطة السياسية في موضوع التغيير الاجتماعي، يقول محمد يتيم: " ليس من شك في أن الإسلام دين و دولة، مصحف و سيف و قد يكون من قبيل المراء أن نناقش أهمية السلطة السياسية الإسلامية التي تصدر عن شرع الله عز وجل في كل كبيرة و صغيرة، تحمي بيضة الإسلام و تقيم حدوده و ترفع راية الإسلام باسمه"[33]. كما أنه من خلال أدبياتها و رؤاها الفكرية، و السياسية، ترى أن الأزمة أعمق من أن تكون أزمة حكم سياسي، بل هي أزمة حضارية شاملة أزمة إنسان، و لهذا يضفي على خطابها الحديث عن "التغيير الحضاري"، في مقابل "التغيير السياسي الانقلابي."[34] ففي هذا المناخ الممزوج بتلاقح الأفكار، خرجت بعض العناصر من رحم الشبيبة، معلنةً القطيعة مع التوجه الانقلابي، و تبني العمل السلمي معتبرةً "أن مرحلة الشبيبة قد انتهت و هي تمثل في نظرنا طور الاندفاع، والحماس في حياة الدعوة الإسلامية المعاصرة لبلادنا"[35] . يقول عبد الإله بنكيران، أحد المؤسسين في هذا الخصوص: "فمعاملتنا مع السلطة سابقا تميزت بقلة الرشد، نقلنا واقعا ليس لنا، تصورنا أن سلطتنا هي السلطة في عهد عبد الناصر، فبنينا على ذلك اجتهادات، احتجبنا عن الناس ولم نعد نقم بواجبنا في الخروج إليهم ودعوتهم في كامل الوضوح، مادامت الدولة لا تمنع الناس من عقيدة الإسلام، و لا من عبادات الإسلام، و لا حتى من حرية الدعوة للإسلام بالتي هي أحسن و تقريبه إلى الناس"[36]. هكذا، فالمراجعات النقدية أظهرت أن السرية لم ترق إلى تحقيق الأهداف المرغوبة و ذلك راجع إلى:

- استحالة تكوين قاعدة عريضة من الشعب عن طريق العمل السري.

- طبيعة النظام السري لا يسمح باستغلال كل القنوات المتاحة (أي المؤسسات)، التي لا يمكن ولوجُها إلا في إطار الشرعية القانونية.

- كما أن العمل داخل المؤسسات مع وجود شيء من الحرية يسمح بمخاطبة جمهور عريض من طرف دعاة متخصصين في مجالات العلوم الشرعية وغيرها.[37]

أما فيما يخص الجانب الأمني فقد طالت الاعتقالات أطر وأفراد الحركة، و قُدِّموا إلى المحاكمات "كمجرمين لا كرجال دعوة " لهذا فالعمل في الوضوح يجعل كل الناس يعرفون الداعية ورسالته، ومن تم إن قدر عليه الابتلاء عرف الناس سببه وربما حملوا رسالته من بعده"[38]. إلا أنه ليس من الغريب في شيء أن تتبنى الحركة الإسلامية المغربية هذا التوجه، خاصة و أنها تأثرت بالأدبيات الحركية للإخوان المسلمين بمصر و سوريا، وهي أدبيات تتعلق بالمحنة و التعذيب والسجون، وهجرة المجتمع، وكل ما هو مؤسساتي متأثرة ببرامج تكوينية تستند إلى كتابات سيد قطب، وزينب الغزالي، وأبي الأعلى المودودي وفتحي يكن[39]...لكن ستعرف الحركة الإسلامية المغربية مرحلة جديدة، برجوعها إلى كتابات مالك بن نبي حول مفهوم الصراع الحضاري.[40] وكذلك كتابات خالص جلبي" ومفهوم النقد الذاتي في صفوف الحركة الإسلامية"[41] وقد ساهمت إلى حد ما في "ترشيد" الحركة الإسلامية وإخراجها من انغلاقها وإيديولوجيتها العُنفيِة[42]. فمما يمكن استخلاصُهُ أن أبرز التحديات التي كانت مطروحة على عناصر الجماعة الإسلامية، وقيادييها تتعلق بإعادة ترتيب الصورة، ومحاولة إثبات الطابع السلمي والقانوني للحركة هذا على المستوى الخارجي، أما على المستوى الداخلي، فكان من الضروري إحداث تغيير في القناعات والتصورات والرواسب التي حملها من الفترة السابقة (أي مرحلة الشبيبة)، خصوصا على مستوى رؤية الواقع المجتمعي، وأسلوب إصلاحه وتغييره[43]. ورغبة منها في الدفع نحو مزيد من الاعتدال عمدت الجمعية إلى تبني أسس جديدة لنشاطها تمثلت خاصة في التخلي عن السرية[44]، و نبذ العنف اللفظي، وتبني خيار الحوار والحرص على العمل في ظل المشروعية، كعملية تصحيحية من خلال مراجعة للتصورات، وبناء ما اصطلح عليه " التوجه الجديد"[45]، القائم على مراعاة "خصوصيات المغرب"[46]، فإذا كان هذا على مستوى التصورات والقناعات فكيف انعكس على المستوى التنظيمي للحركة؟

2. الإطار التنظيمي بين السرية والعلن/ في قلب جدلية الدعوة والسياسة.

اختلفت جل المدارس الفكرية حول تأصيل نظرية عامة للتنظيم، لاختلاف المرجعيات و لعدم الاتفاق على مبادئ مشتركة للنظرية، و لتنوع وجهات نظر الباحثين ومناهج البحث[47]، و قد تناولت بعض الكتابات مسألة التنظيم الذي أصبح كعلم قائم بذاته، له خبراؤه و دارسوه في الجامعات، و تناولته كتابات العديد من أطر و قيادي الحركات الإسلامية. فارتباطاً بالموضوع يمكن أن نسير في الاتجاه الذي يعرف التنظيم بأنه : " "تكاثف مجهودات أفراد و توجيهها من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف في أقل فترة زمنية، و بأقل التكاليف الممكنة"[48]، و يمكن أن يكون التنظيم منتجا فعالا، كما يمكن أن يكون مجرد بيروقراطية معوقة، فرغبة الأشخاص، و الإمكانيات المتاحة لهم عنصران مهمان في تحديد مسار التنظيم و توجيهه. " إذ أصبح مستوى أي تنظيم و درجة فعاليته رهينة بمدى تطور الأسس النظرية و القانونية التي يقوم عليها"[49]. ويميز "خالص جلبي" بين "التنظيم السري" و "التنظيم العلني"، فيجعل الأول مناسبا للتنظيمات السرية، و الثاني للتنظيمات العلنية[50]، موضحا عدم اقتناعه بالتنظيمات السرية، حيث يصفها بأنها "خرافة"، لكونها غير قادرة على الصمود في وجه السلطة القائمة، وأساليب التعذيب المستحدثة، خاصة إن كانت طبيعته هرمية، فطبيعة التنظيم السري "تناسب طبيعة العمل الإسلامي الذي يوسع انتشاره، و يمتاز بطول النفس لأن عمله تربوي طويل الأمد "[51]. استلهمت حركة الإصلاح هذا النقد و تبنته بعدما تأثرت بالأيديولوجية الانقلابية (مرحلة الشبيبة)، كما حصل تحول على مستوى التسمية من اسم التنظيم، المنظمة...الخ إلى إطلاق اسم "الجماعة"، التي تحمل مدلولات دعوية أكثر منها سياسية. و ذلك كأول تسمية بعد الانفصال عن تنظيم الشبيبة. فهكذا، و بعد إصدار بيان "البراءة"، والانسلاخ عن التجربة "الجهادية" – الحماسية- تقدم المؤسسون بملف إلى السلطات قصد تأسيس جمعية الجماعة الإسلامية[52]، و قد قاد هذه العملية التأسيسية كل من (عبد الإله بنكيران، محمد يتيم، عبد الله باها، سعد الدين العثماني، الأمين بوخبزة ومحمد عز الدين توفيق) في أبريل 1981[53] . إلا أن الجماعة لم تحصل على رخصة العمل، مما دفع بها إلى مراسلة الملك مرتين، الأولى في 29 نونبر 1985، و الثانية في 12 أكتوبر 1987، وقد أوضح عبد الإله بنكيران رئيس الجمعية آنذاك فيهما أهداف الجمعية، ملتمسا تدخل الملك من أجل منحها الترخيص القانوني "لكن يظهر أن السلطات أرادت التريث حتى تتبين الأمر"[54]. وفي رسالة وجهها إلى وزير الداخلية قال:

1- إننا جمعية سلمية نرفض العنف و الإرهاب.

2- إننا لا نعادي نظام الملكية الدستورية بما يقوم عليه من مشروعية دينية، وما تمثله من أصالة تاريخية في بلادنا.

3- إننا نحمد الله على ما في بلدنا من حرية العقيدة، و حرية العبادة، و حرية الدعوة مما يفتقد في كثير من بلاد المسلمين.

4- إننا لا نرى مخالفة الأمة، في اعتمادها مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، ذلك أن المذهب ساعد على حفظ وحدة المغاربة، و ساهم في تأصيل هويتهم، وإننا نعتقد أن المطلوب اليوم، هو التعاون على المحافظة على الأصول، وليس الاختلاف في الفروع.

5- إننا نؤكد، أنه لا علاقة لنا بأية هيئة، أو دولة خارج بلدنا، وأن ما يمكن أن يكون بيننا، و بين غيرنا من المسلمين، هو التناصح في الدين، و التعاون على البر و التقوى.

6- إننا نعتقد أن مطيع، و أمثاله لا يمكن أن يجدوا موطئ قدم، إذا سمح للدعاة المخلصين الذين يريدون إرضاء ربهم بخدمة أمتهم لا يبتغون بذلك مالا و لا جاهاً.[55]

و نفس هذه المبادئ تمت صياغتها، و التأكيد عليها في الرسالة الموجهة إلى الملك يوم 12 أكتوبر 1987 " ...ونود أن نؤكد لجلالتكم:

1- إن جمعيتنا، جمعية دعوية إلى الله في إطار القوانين العامة للبلاد.

2- إن جمعيتنا جمعية سلمية، لا تقبل العنف سبيلا، و لا ترضاه، و لا تؤيده، بل تلتزم بمبدأ الحوار الهادئ، و الإقناع الهادف بالتي هي أحسن.

3- إن جمعيتنا تتمسك بمقدسات البلاد، و مقوماتها كما حددتموها، و هي الإسلام، وحدة المذهب، الملكية الدستورية، الوحدة الترابية، اللغة العربية.

4- إن جمعيتنا لا ارتباط لها بأية دولة أو هيئة أجنبية، بل هي جمعية مغربية أصيلة".

وفيما يتعلق بخط و مسار الجماعة، تمت الإشارة إلى أن التحول إلى السرية، وفي إطار الصراع مع السلطة، إنما كانت فترة شاذة، و عابرة زالت بزوال أسبابها الذاتية، ثم رجعت الجماعة إلى الأصل السلمي القانوني نابذة بذلك إطارها القديم[56]. وبحلول سنة 1985، بدأت العلاقة بين الحركة و السلطة تعرف نوعا من الانفراج، خصوصا بعدما بدأ يتبين لهذه الأخيرة، إصرار الأولى على خط الاعتدال والهدوء والمرونة، وعدم التعرض بالنقد المباشر للحكومة، والأجهزة السياسية الرسمية، وتركيز حملاتها على اليسار و الفكر الماركسي. كل هذه المبادرات تدل على دخول الجماعة في مسلسل "محاولة التوافق السياسي"، الذي فرض عليها الخضوع لنفس المنطق البرغماتي الذي قبلت به النخب السياسية، والنهل من الثقافة السياسية السائدة[57]. علما أن الجماعة عملت جاهدة في هذه المرحلة على إبراز دورها الأساسي، المتمثل في "الدعوة"، و إلى حد استفزاز النظام أحيانا، و الدخول معه في بعض التحديات[58]، و مناورته أحيانا بأسلوب سلمي متزن، يعضدها بعض أدبياتها المتضمنة في الميثاق، الذي يؤكد أن الجماعة – الجمعية- لا تعتبر نفسها جماعة المسلمين، و لا ممثلا وحيدا للإسلام، و لا وصية عليه، و إنما هي جماعة من المسلمين، تعمل على إقامة الدين في مجالات الحياة ... منطلقة في ذلك من مبادئ محدودة، لتحقيق أهداف واضحة، ومستعملة الوسائل المشروعة. علما أن التسمية تحيل على مرجعية نظرية خاصة، حافظت على روابط مع إرث المنظومة الفكرية للشبيبة الإسلامية، كما يحيل المصطلح –الجماعة- على كافة العناصر المكونة للأمة، و يتضمن طموحا، إلى احتكار تمثيل الجماعة المسلمة، و الدفاع عن مشروع اجتماعي إسلامي[59]. ومما أبرزته أدبياتهم، كذلك هدفهم في رؤية "الإسلام مرة أخرى واقعا و ليس كلاما، حقيقة و ليس خيالا، إن الإسلام أصلح نظام سواء على المستوى الفردي، أو الأسروي، أو الجماعي، أو على مستوى الدولة. و سواء كان ذلك في الاقتصاد، أو السياسة، أو الاجتماع، أو الأدب، أو الفن... مطلوب أن ندعو في المغرب إلى البديل الإسلامي"[60]. مما يستفاد أن حركة الجماعة لازالت تستلهم بعض أفكارها، و رؤيتها للواقع من دروس الشبيبة خصوصا، ثم حركة الإخوان المسلمين عموما في محاولتها أسلمة الدولة والمجتمع، متبنية مجموعة من المبادئ كحركة "دعوية بالأساستتمثل بالأساس في النقط التالية:

1- إرضاء الله بتحقيق العبودية له

2- الالتزام بالإسلام

3- الدعوة إلى الإسلام

4- العمل الجماعي المنظم

5- المحبة و الأخوة

6- الشورى

7- الطاعة و الانضباط

8- التدرج

9- المشاركة و التفاعل

10- التعاون مع الغير لمصلحة المسلمين[61].

و في إجابة لعبد الإله بنكيران عن سؤال حول ظروف نشأة الجمعية، و عن أهدافها و وسائلها. لخص هذه الأهداف بعد أن أبرز بأن الجماعة جمعية ناشئة، صغيرة في حجمها لا في شكلها و مضمونها، و أن الهدف من تأسيسها هو القيام بواجب الدعوة. "وإن كنت ألقي شخصيا بعض الدروس في المساجد، فمن المفهوم أن النشاطات المطلوبة في ميدان الدعوة اليوم، لا يمكنها أن تقتصر لا على الخطبة، و لا على الموعظة الموجودة في المسجد، إذن لابد من إطار لكي يقوم فيه الدعاة بهذا النشاط الذي تستفيد منه الدعوة الإسلامية"[62]. وبالرغم من تحول خطاب الجمعية، فإنها لازالت تؤكد على أنها حركة دعوية بالأساس، و رغم تبنيها خطابا معترفا بثوابت النظام، فإن الحمولة الثقافية لهذه الجمعية بقيت متأثرة إلى حد ما بالمبادئ التي سبق أن تبنتها أغلب الحركات الإسلامية في العالم العربي، و التي يظهر استلهامها الواضح من جماعة الإخوان المسلمين في مصر. ( قيام الدولة الإسلامية، إرجاع التربية الواقعية للإسلام على مستوى الشخص و الأمة، الجاهلية...). الأمر الذي تنبه له مؤسسو الجماعة، معتبرين أن حركتهم مرت بمرحلتين كبيرتين تعرضت فيها الجوانب الإيديولوجية، و التنظيمية إلى تطورات ملموسة، امتدت المرحلة الأولى ما بين سنتي 1973 و 1984، و هذه المرحلة تأسست فيها جمعية الجماعة تميزت بغلبة الخيار الثوري الانقلابي، أما المرحلة الثانية فعرفت ترجيح نظرة إصلاحية وفق منهج يفرض مقاربة شمولية للمجتمع[63]. من خلال تصويب نظري مهم حدد غايات أكثر واقعية، و تحقيق توافقات مع السلطة تضمن التعايش، و العمل في إطار المشروعية، رغم الصعوبات المتمثلة في رفض السلطات الاعتراف بالجمعية ـ الجماعة[64]، و كذلك معارضة الفاعلين السياسيين الرسميين، إلا أن السؤال الذي يجدر طرحه هو حول العوامل المساهمة في انفتاح الحركة ـ الجماعة و انفتاحها على النظام، و رغبتها في معانقة العمل السياسي الرسمي بإلحاح وإصرار.

رابعا: منطق الإصلاح / التغيير.

دشنت مرحلة الثمانينيات – لحظة الانفصال عن الشبيبة- إعلان القطيعة مع الخيار الانقلابي الثوري في فكر الجماعة، و تبني المشروع الإصلاحي الحضاري، و ذلك بعد تراكم مجموعة قناعات عند أبناء الحركة، مستخلصين أن المشكلة في المغرب ليست مشكلة نظام يجب تغييره، و لكن مشكلة عامة و شاملة، يجب إعادة النظر في إصلاحها، لهذا اختير "الخيار الإصلاحي الحضاري"، معتبرين أن المسألة مبسطة و متصورين أنها مسألة تغيير فوقي لإقامة الدولة الإسلامية النموذجية، بما يرتبط بهذا التغيير من إعداد لمختلف مظاهر القوة العملية والفكرية، و ما يرتبط بذلك من سرية، و رفض لأي صور المشاركة...[65]. تعد هذه الأدبيات و الالتفاف عليها مرحلة تاريخية، لم تدم طويلا لدى التيار الإصلاحي من داخل الحركة الإسلامية المغربية، خصوصا و أن الجمعية[66]أرادت من ذلك الاعتراف بها في شرعية قانونية كاملة حتى "... تتمكن من القيام بالواجب في ترشيد الصحوة الإسلامية، و في الحيلولة دون توظيف الطاقات الإسلامية الشاردة في أعمال الشغب و التخريب..."[67]. وفي هذا الإطار نجد نفس الرؤية لدى رئيس الجماعة محمد يتيم واضحة، وبغية التقرب من السلطة، وتوضيح نوايا حسنة أكد على أنه " من غير المعقول التمادي في أسلوب أعمى مناهض للنظام، لأن المغرب دولة أصولية"، مشيرا أن الوضع يتطلب مقاربة خاصة "لأن الإسلام في المملكة ليس مشكل نظام، فصلب المشكلة، هو أن النخب التي حكمت المغرب منذ الاستقلال هي نخب تلقت دراستها وتكوينها في أوروبا، فكان طبيعيا أن تحكم المغرب وفق تصورات غربية، فكان من واجب الجماعة الإسلامية، أن تشرح للنخب القديمة، أن اعتماد المرجعيات الإسلامية، ليس أمرا ثانويا، وإنما هو واجب ملزم"[68]. هكذا، وفي محاولة بناء "عقلية جديدة و إيجابية" في التعامل مع الواقع، تم "التفطن" أو "تدارك" أن المشكلة في المغرب ليس هو بناء الدولة الإسلامية، فهذه الدولة دستوريا ونظريا قائمة، ومشروعية الدين في المجتمع وفي المؤسسات الدستورية، غير متنازع حولها، والأمر هنا لا يتعلق بحزب علماني حاكم يلغي كل صور المشاركة. هكذا يقرر أطر جمعية الجماعة الإسلامية، بأن جوهر التصور يقوم على المشاركة السياسية، والتفاعل و التدرج، وطرح قضية "التغيير" في إطار حضاري شامل[69] لا في إطار تغيير سياسي انقلابي ضيق، لم يكن فقط مرتبط بظروف أمنية سياسية داخلية، بل ارتبط بتفاعل فكري و ثقافي مع تحول في إطار الحركة الإسلامية، في كثير من بلدان العالم الإسلامي، والذي ظهر في شكل كتابات تتجه إلى النقد الذاتي لتجربة الحركة الإسلامية، ساهم في إحداث تغير على مستوى الرؤية المنهجية، و الرؤية المبدئية، وليس فقط تغير أملته ظروف الضغط السياسي، أو الانحسار الأمني[70]. هكذا، ستحدد معالم تصور الجماعة لعملها و رؤيتها للنظام السياسي المغربي على محاور يمكن إيجازها في:

1- الاعتراف بالشرعية الدينية للنظام الملكي، و بأصالته التاريخية، و بمقدسات البلاد، ومقوماتها كما حددها الملك و هي: "الإسلام، و وحدة المذهب، الملكية الدستورية، الوحدة الترابية، و اللغة العربية و بالمؤسسات الشرعية"، وبدورها و بواجبها في القيام بالدعوة و الإصلاح و التجديد، وخاصة العلماء و وزارة الأوقاف، والمجالس العلمية.

2- تركيز العمل الإسلامي على فكرة الإصلاح، و الابتعاد عن مفهوم الثورة، والقيام بدور تجديدي إصلاحي في مجال العقيدة يعيد الأمور إلى نصابها.[71]

لعل المتمعن في أدبيات هذا التيار من الحركة الإسلامية، وبعد القيام بشبه نقد ذاتي وفق المعطيات والمناخ السياسي الذي وجد فيه، سيجد أن اختياراته تتقارب، مع اختيارات النظام نفسه، انطلاقا من الاعتراف بالثوابت كأصل وقد مكنتها استراتيجيتها هذه من النفاذ، واحتلال موقع داخل الخريطة السياسية، والمساهمة في تحديد معالم الحقل السياسي الحديث لاحقا، انطلاقا من اعتمادها "المشاركة" كمبدأ استراتيجي في الحياة السياسية المغربية، وتوجت الجماعة هذا التوجه بإصدار جريدة الإصلاح، التي عبرت فيها عن توجهاتها الجديدة، إلى أن تعرضت للمنع بعدما أصدرت منها ستين عدداً. فهكذا، أبدت جمعية الجماعة الإسلامية رغبة سياسية واضحة في معانقة العمل السياسي الرسمي، من أجل البحث عن الشرعية والاعتراف القانوني والرسمي، في ظل جو سياسي أصبح يميل إلى منع ظهور أحزاب إسلامية في دول المغرب العربي، أو حلها وإلغائها من المشهد السياسي[72].

مضمون الإصلاح "الحضاري"

سعت أطر جماعة الإصلاح إلى محاولة بلورة أفكارها، والتعبير عن أيديولوجيتها حتى يتطابق مع سلوكها السياسي المعتدل، " و إلى تحقيق تقدم تصاعدي يضمن لهم مكانة متميزة داخل الحقل السياسي"[73]، لهذا نجد محمد يتيم باعتباره الناطق الرسمي باسم الجماعة، و رئيسها فيما بعد (الإصلاح و التجديد)، يعطي تفسيرا للمفهومين معا اللذان يجدان أصلهما و دلالتهما في الكتاب و سنة رسول الله (ص)، بما أن حركتهم تؤمن بإحياء المصطلح القرآني السني على مستوى التداول، وفي واقع الحياة، فماذا نفهم من الإصلاح؟ وما هو الإصلاح الذي ينشدونه؟ تعلن الحركة أن الإصلاح الذي نريده ليس هو ما اصطلح عليه التداول السياسي الوضعي، الذي يجعل من الإصلاح ترقيعا للواقع و تصالحا معه، إن هذا التداول ينطلق من ثنائية تجعل الإصلاح مقابلا للتغيير، فبينما يميل الإصلاح إلى الجزئية، يحيل التغيير إلى التحويل الجذري من حال إلى حال أحسن منه، إن الإصلاح في التداول القرآني لا ينطلق من هذه الثنائية، و لا يقبل إيحاءاتها، بل إن الإصلاح مقابل الفساد الذي نهى الله عنه في مواقف عدة من كتابه. فإن الإصلاح في القرآن شمولي و من هنا لا علاقة له بالدلالات التي اتخذها في التاريخ الأوروبي، أو ما التبس به من معاني تربطه بالتجزيء و الترقيع. فهذا التجديد مثله مثل الإصلاح، غير أن التجديد في هذه الأمة له خصوصياته، وموضوعه هم المسلمون لا الإسلام، و حركة التجديد تتناول فهم المسلمين للدين و صور تطبيقهم له.[74] وإذا كان محمد يتيم في تناوله لمفهوم الإصلاح، قام بتأويل مفاهيم شرعية، وأعطاها بعدا دلاليا يتوافق مع التصور النظري الذي يدافع عنه، فإن "أحمد الريسوني" وبعقلية "الفقيه"، يبتعد عن كل تحوير نظري، أو فلسفي في تناوله لموضوع الإصلاح، جازما منذ البداية أن "الإصلاح لا ينبغي أن يقتصر على مؤسسات الدولة و شؤونها، الإصلاح هو إصلاح للأمة و الدولة معا...، لأن كل من تحدث عن الإصلاح، وعن الفساد و عن الإفساد عادة ما تنصرف الأذهان إلى الدولة، كأن هذه الأمة صالحة كلها. فلماذا هذه النظرة الضيقة و الأحادية لقضية الإصلاح، و كأن الشعب ليس فيه ما يعاب".[75] سيعبر محمد يتيم عن هذه الرؤية، وذلك بربطه بين العمل الإسلامي، والإصلاح معتبرا أن " العمل الإسلامي في جوهره عمل إصلاحي للمجتمع، وليس بالمعنى السياسي الذي يحيل على التصالح مع الواقع وترقيعه"[76]، محيلا بشكل تأصيلي على دلالة مفاهيمية و نصية من القرآن "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله"[77]، و كذلك من نص الحديث "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"[78]. ففي هذا الإطار يتلخص عمل حركة الإصلاح، و كذلك ظهورها الذي يعود حسب رؤيتها إلى الانحراف الذي عرفه المجتمع المغربي و كذلك الأمة الإسلامية لتتأسس فكرة الدعوة و الإصلاح عند هذا التيار من الحركة الإسلامية.[79] لم تتوان الجمعية في إصدار العديد من البيانات تعبر عن وجهة نظرها للإصلاح جاء في إحداها "...فامتثالا لأمر الله تعالى في قوله: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، و يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، و أولئك هو المفلحون)"[80]، جاء هذا البيان رسالة مفتوحة لكل الأفراد، و الأسر و الهيئات و المؤسسات تدعو إلى التوبة الشاملة، والإصلاح لكل تلك الانحرافات التي باتت تهدد ديننا و تنذر بذهابه أيضا، و إن شعبنا وجهاده التاريخي في سبيل هذا الدين، وانتسابه إلى أهل السنة، و مذاهب السلف، هو الذي حملنا إلى إصدار هذا البيان..."[81]. فدفاع الجماعة عن فكرة إصلاح المجتمع، و بالتالي جعل نفسها نائبا عن الفرد في شؤونه الدينية، و التحدث باسمه، تنطلق في الإحالة عليها من الاجتهادات التي أتى بها الإمام الشاطبي، و هو مفكر تميز بمنهاج خاص، يسعى إلى الوصول إلى خلاصات تخدم المصلحة العامة، وفق ضوابط يحددها علم فقه المقاصد[82]. ويضيف في السياق نفسه أصحاب مشروع التغيير الحضاري بأن الفعل السياسي الإسلامي يستوجب بداية للقيام بمهمته الإصلاحية القيام بالعمل على تشخيص أدواء المجتمع و أمراضه تشخيصا صحيحا، لأن كل خطأ في التشخيص يستتبعه بالضرورة خطأ في العلاج المقدم و أساليبه، "لذلك كان من أولى الأولويات تحليل أعراض الداء، والرجوع به إلى أصوله و تطوره، و كان من الضروري أن نجيب إجابة واضحة، ودقيقة عن السؤال التالي: ما طبيعة الأمة الإسلامية؟ هل هي مشكلة سياسية، أم مشكلة حضارية؟"[83]. لهذا، فإن الإصلاح عند تيار التغيير الحضاري (تيار المشاركة)، يتخذ طابعا أشمل، و أعمق لا يقف عند حدود أزمة سياسية فقط، بل يتعلق الأمر بانحسار حضاري شامل، يقول محمد يتيم: " إننا ننطلق من أننا نعيش في القرن العشرين، و هو قرن التحديات الفكرية، و العلمية الحضارية و التكتلات الأممية، إننا نواجه أزمة سياسية، تتطلب حلا سياسيا و ينتهي الأمر، بل إننا نعاني من تراجع حضاري، و الأمم اليوم لا تفكر ليومها و ليلتها، بل تفكر لأجيال المستقبل، و تنقل الصراع من إطاره الضيق المباشر، إلى إطاره الحضاري الواسع"[84]. فتيار الإصلاح الحضاري إذن، لا يتوانى في التأكيد على أسلوب "الدعوة"، و الذي يعتبر المنطلق التأسيسي، و كحركة "دعوية إصلاحية" بالأساس، فالأمر يقتضي تقديم الدعوة، و مضاعفة العمل لتصحيح الأمور "فحينما ندعو إلى تقديم الدعوة في إطارها الحقيقي باعتبارها دعوة خير، و هداية، و ليس دعوة طلاب دنيا و رئاسة، فإننا لا ننطلق من منطلقات المناورة السياسية التي أملت على كثير من الاتجاهات السياسية إعادة تقييم فكرها و سياستها، إننا لسنا تجمعا موضعيا، و دعوة ظرفية بل إننا دعوة ضاربة في جذور الزمن، موصولة بركب التجارب السابقة تجارب الأنبياء و المرسلين عليهم أفضل الصلاة و التسليم..."[85]. يتأسس إذن منهج التيار الإصلاحي من منطلق التغيير الحضاري الإسلامي على منطق الدعوة، لأنه يهدف إلى بناء الإنسان و إعادة إحياء "الثورة الروحية" لأن جوهر المشكل في نظر هذا التوجه يتعلق بالتراجع الحضاري الذي شهدته المجتمعات العربية الإسلامية،" و التي ابتدأت بتعطيل حركة العقل المسلم و إقفال باب الاجتهاد"[86]، "مما انعكس على المجتمع الذي أصبح يتخبط في أزمة تاريخية حضارية، كان من نتائجها تدني و تراجع أهمية الدين كقيمة مرجعية على مستوى الحكام و المحكومين"[87]. وبالتالي من مؤشرات هذه النكسة الحضارية أنها خلقت فراغا ثقافيا و فكريا مقرونا بنفسية محبطة، و مؤهلة لكافة أشكال الاستعمار، و التي استسلمت للهزيمة أمام الحضارة الغربية، و انتصار قيمها و نماذجها، فالهزيمة إذن بنظر هذا التوجه، و عموما عند باقي الحركات الإسلامية، تتميز عن الهزائم الظرفية التي كانت تتعرض لها الأمة الإسلامية في تاريخها، بأنها هزيمة داخلية أصابت هذه المرة العقل و الوجدان الإسلامي[88]. فالإسلام قبل أن يكون دعوة إلى تغيير الأشكال و الأنماط و الأحكام، هو دعوة إلى تغيير ما بالنفس أولا وقبل كل شيء... فهو يدعو إلى منهج معين في مختلف مجالاته و أول عنصر يركز عليه هو الإنسان. وتتلخص في نظر "منظري و إيديولوجيي" الحركة قصة التراجع الحضاري من خلال الهزيمة الحضارية أمام الغرب وانتصار قيمه، وبالتالي إلغاء الشريعة الإسلامية التي لم تكن نتيجة قرار سياسي، بل نتيجة لتراجع حضاري طويل عاش فيه أبناء الأمة، وأخطر من ذلك انتصار قيم للتغيير تجد أصلها في الحضارة الغربية في نفوس كثير من أبناء الدعوة الإسلامية، ومنها الإعلاء من شأن التغيير السياسي[89] لإحداث أنواع التغيير الأخرى، والتوسل إلى ذلك بالعنف، الذي هو أحد مظاهر العصر[90]. إلا أن هذا التوجه لا يخلو من نبرة تغييرية إصلاحية وجذرية خاصة ما يطرحه أحد عناصرها قائلا "نحن نؤمن بأن التغيير يجب أن يكون شاملا، وأن عملية الإصلاح ينبغي أن تكون جذرية، وأن أعراض المرض قديمة، وأن أسبابه لا تنحصر لا في السلطة ولا في النظام، ولا في نخبة متغربة، ولو أنها الآن هي الوجه البارز لذلك"[91]. تتلخص إذن، الأخطار التي تهدد "الحل الإسلامي" عند تيار التغيير الحضاري في أنها ليست أخطارًا سياسية فحسب، وقد لا تكون مسألة الحكم الإسلامي هي التحدي الحقيقي، الذي يواجه دعوتهم الإسلامية، بل إن الأخطار التي تهدد الحل الإسلامي في نظرهم تتمثل في انتصار القيم الحضارية الغربية. إذن تعتبر عملية التشخيص، و ما يتبدى من انحراف تدريجي عن الإسلام، بنظر الاتجاه الحضاري، و الذي لا يربط نتائج ذلك بقرار سياسي، و إنما يعود ذلك بنظره أساسا إلى افتقاد الإنسان لعوامل المنعة الإيمانية الحضارية، والمتجلية في انحراف على كافة المستويات "عقديا من خلال الانحراف و الابتعاد عن العقيدة الإسلامية... واجتماعيا من خلال تدني مستوى المعاملات، و تراجع القيم و المبادئ الأخلاقية، و سياسيا بتفشي الرشوة..."[92]. عموما يعتبر هذا هو المدخل الذي يتأسس عليه "المشروع الإصلاحي الحضاري"[93] لدى حركة الإصلاح و التجديد سابقا (التوحيد و الإصلاح حاليا)، كتيار له رؤية للإصلاح من خلال الانخراط في المؤسسات السياسية الرسمية، ويؤمن بمسألة التدافع و الصراع السياسي لأجل تحقيق استراتيجيته السياسية القائمة على الاستنباط من المرجعية الإسلامية كقيمة و ليست موضوع خلاف بل إجماع بين الأطراف السياسية، مما يجعلها لا تنازع أي طرف سياسي أو تشكك في مشروعيته. إلا أن السؤال الذي يطرح هو حول ماهية وحظوظ فلسفة هذا الإصلاح؟

فلسفة التدرج و الاعتدال

إذا كانت الحركة الإسلامية متبنية لمنطق المشاركة السياسية المؤسساتية، تعتمد أطروحة و مشروع التغيير الحضاري، فإن هذا التصور يعطي الأولوية لسنة التدرج، بدءًا بتغيير الإنسان، ثم تعزيز البعد الديني فيما بعد في الواقع السياسي، و هو مجال يساهم الواقع الاجتماعي، بمعطياته و قواه المختلفة في صياغته...". لذلك، فإن تيار المشاركة و "الإصلاح" ينطلق من منطلق دعوي يحاول "تأهيل المجتمع دينيا و تربويا، لأن هذا المجتمع "يتسم بنوع من الجاهلية، كما فيه قدر لا بأس به من الإسلام، و رغبة و استعدادا للعودة إليه، مهما بدت درجة الانحراف واضحة على مستوى التصور و السلوك"[94]، و بعد أن تتم عملية الإصلاح التربوي والديني، فإنه يسهل على الحركة الإسلامية، و في إطار عملية التدرج، من القيام بالاستثمار سياسيا في المجتمع المؤهل حسب أطروحتها لتبني رؤيتها و تصورها، أو مساندتها. تعتبر هذه الأطروحة أو الرؤية المنطلق الأساسي، الذي تتبناه جل الحركات الإسلامية، إلا أنها تختلف في درجة و عمق الاستثمار في المجتمع "الجاهل" من حركة إصلاحية تحاول ترشيد المجتمع دينيا و تربويا، ليشكل جسما سياسيا، و انتخابيا، في إطار عملها السياسي المؤسساتي، و الذي يعتبر أحد أهم مداخل الإصلاح بصفة عامة، و منها من تسعى لإعداده "فكريا و تربويا" ليشكل في إطار إيديولوجية التدرج دائما، المسلك الأساسي لبناء الدولة الدينية، ثم إقامة دولة الخلافة عبر المنهج الثوري أو الانقلابي. لهذا فإن قياديي حركة التوحيد و الإصلاح، حاولوا باستفاضة توضيح المرجعية الإيديولوجية و الفكرية، انطلاقا من واقع المجتمعات " غير الراشدة"[95]، هذه المرجعية التي عرفت قطيعة جذرية مع مرجعية جمعية الشبيبة الإسلامية المستندة على الطرح النظري لسيد قطب و المكفر للسلطة، و المجتمع الجاهل كذلك، مما يفرض تقويم الأوضاع و إعادتها لنصابها عبر اللجوء إلى القوة و العنف لإتمام عملية التغيير[96]. ويشير محمد يتيم إلى هذا الأمر قائلا : " وقد تكون نقطة البداية بالنسبة للدعوات الإسلامية، إعادة ترتيب نظرتها لأساليب التغيير وفقا لقيم الإسلام"[97]. فمحاولة البناء الإسلامي والرجوع به إلى الحياة بنظر الحركة، لابد أن تراعى سنن البناء بالبداية بالأسفل، و الاهتمام بما هو روحي، ليتم في النهاية الرجوع بالقاعدة الجماهيرية إلى الإسلام، أما لو توجهت جهود العاملين في إطار الدعوة الإسلامية، إلى إصلاح "العروة الأعلى"، أي الحكم، لوجدوا أنفسهم أمام "خندق كبير"، يحول دون ذلك، والمتمثل في عدم وجود قاعدة شعبية تسند الحل الإسلامي، و قاعدة من الإطارات والكفاءات العلمية القادرة على صياغة البديل الإسلامي، في صورة معاصرة، و الخروج به من حيز التعميمات النظرية إلى حيز التطبيق الفعلي[98]. لم يكتف أطر الإصلاح بالتبشير لمشروعهم النظري، المستند على رؤية الإصلاح والتغيير الحضاري، والمتضمن لفلسفة التدرج، بل لم يترددوا في الرد والدفاع عن أفكارهم، و اعتماد أسلوب المقارنة و التقابل لاستخلاص الأفضل، ففي دفاعهم عن فلسفة البناء أمام من يعارضهم، أو يعتبر أن الدعوة إلى مراعاة سنة التدرج، إماتة لروح الجهاد، و إيثارا للأسلوب السهل، و تهربا من مسؤوليات الدعوة، و ما يترتب عليها من تضحيات، فهم يتبنون منطق ترشيد التضحية التي تتطلب النفس الطويل، و كذا نضجا في الرؤية، و الصبر على الخصوم. ونظرا لأهمية هذا المفهوم في فكر الحركة، فإنها ضمنته في ميثاقها، تحت إطار المبادئ و المنطلقات، معتبرة التدرج سنة كونية، و سنة شرعية أيضا، و القرآن نزل على مكث يتوافق مع تدرج التشريع للكائن البشري.[99] وإذا كان الأمر صحيحا بالنسبة لنزول القرآن لأول مرة و بناء أول حياة إسلامية، فإن الأمر صحيح أيضا عند أي محاولة لإعادة استنبات الحياة الإسلامية.[100] كما أن أطر الجماعة لم يترددوا في أية لحظة في الإحالة على المنهج النبوي معتبرين أنه "حينما نرجع إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم سنجد أنه قد راعى سنة التدرج في تغييره للواقع، الذي كان يحيط به، دون أن يطعن ذلك في شمولية المنهج الإسلامي"[101]. ذلك، أن غياب التدرج في فكر بعض الحركات الإسلامية، و بالتالي افتقاد ميزان الأولويات، جعل خطاباتها في كثير من الأحيان يتحرك في مساحات عريضة أكبر من حجمها، و فتحت جبهات متعددة أوسع مما تستوعبه قدراتها[102]. لهذا، فإن ميثاق الحركة شدد على هذا المبدأ متضمنا "و الحركة الإسلامية المعاصرة بحاجة إلى اتباع هذا المنهج الرباني النبوي في عملها، لأن الاستعجال، والتصرف تبعا للاستفزازات، و ردود الفعل يفضي عادة إلى مصائب و كوارث تعود أضرارها على الدعوة، فلا يمكن للحركة الإسلامية أن ترفع هذا الفساد بين يوم و ليلة، ولابد من التدرج لترتيب المهام و التأكد من سلامة السير و صواب الاتجاه"[103]. هكذا فإن مبدأ التدرج عند الحركة الإسلامية الإصلاحية، يعد استراتيجية معدة بشكل أساسي، بالمنهج الإصلاحي، البعيد عن كل أشكال القوة، و المتبني لمنطق "الاعتدال و الرشد". و في إطار منهج "التغيير الحضاري" المتدرج عند حركة الإصلاح، فإن أهم مضامينه ترتكز على الإنسان الفرد، أو المواطن كمدخل أساسي لكل إصلاح أو تغيير. فمن خلال هذه "الواقعية"، استطاعت الحركة الإسلامية، على حد تعبير عبد الإله بنكيران، تفجير العديد من الأوضاع، إلا أنها لم تستفد من ذلك لأن المجتمعات العربية الإسلامية لا تستند على القانون، و إنما تعتمد على القوة و الغلبة من جهة، و من جهة أخرى لأن الشعوب التي يحكمونها غير راشدة[104]. و على هذا الأساس يستبعد منظرو الاتجاه الإصلاحي قيام الخلافة الراشدة، التي لا يمكن أن يقوم لها أساس مادامت أحد أهم شروطها ناقصة، و المتمثلة في أشخاص راشدين، لأن الخلافة الراشدة كانت قائمة على أشخاص راشدين هم الصحابة هذا بالإضافة إلى أهلية من يقول بها. و كخلاصة، إذا كانت أغلب الحركات الإسلامية تدعو ضمنيا أو علنا إلى إقامة الدولة الإسلامية، فإن التوجه الذي يسير عليه أصحاب مشروع التغيير الحضاري، لا يلغي من ذهنيته حلم إقامة الدولة الإسلامية، حتى يقوم للخلافة ركنها، بل يعتبرها أحد أهم المتمنيات، لكن وانسجاما مع المسلك الفكري الذي يتبنونه يضعون كل مشروعهم في إطار من التدرج، لتتسم مقاربتهم للأمور بشيء من الواقعية، كشفت عنها كل المحاولات النقدية للتوجه الذي تم تبنيه خلال المرحلة الأولى في إطار الشبيبة[105]. لهذا، يجب التنبُّه إلى أن جل الحركات الإسلامية، انطلقت من ضرورة الاستيلاء على السلطة و ممارستها، و لكن التيار المعتدل و الإصلاحي دعى إلى السلطة من "تحت" عبر قنوات "الدعوة"، و إنشاء حركات اجتماعية ـ ثقافية[106]، و الضغط على القادة بفضل التحالفات السياسية لأسلمة المجتمع من "فوق" (إدراج الشريعة و التشريع)، " و ستكون هذه هي السياسة التي انتهجها الآباء المؤسسون مثل البنا و المودودي، اللذان لا يقبلان بالثورة، إلا بعد استنفاد وسائل الضغط السلمية، أو في حالة إذا ما اتخذت الدولة بوضوح موقفا معاديا للإسلام"[107].

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا


[1]- ومن أمثلة هذه الكتابات يمكن الرجوع إلى:

- فرانسوا بورجا: الإسلام السياسي: "صوت الجنوب" ترجمة لورين زكري، نشر تانسيفت دار العالم الثالث، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، 1994.

- حيدر إبراهيم علي: أزمة الإسلام السياسي: الجبهة الإسلامية القومية في السودان نموذجا، مركز الدراسات السودانية، دار قرطبة للطباعة والنشر، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 1991.

- عمارة محمد: من مظاهر الخلل في الحركات الإسلامية المعاصرة، دار البرق الطبعة الثانية، تونس 1990.

- مجموعة مؤلفين: الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي "ندوة فكرية"، منشورات مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الرابعة، يونيو 1998.

- مجموعة من المؤلفين: الإسلاميون و المسألة السياسية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى نوفمبر 2003.

- مجموعة من المؤلفين: الحركات الإسلامية و الديمقراطية، دراسات في الفكر والممارسة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، سلسلة كتب المستقبل العربي 14، الطبعة الأولى يناير 1999.

- حسن سعد: الأصولية الإسلامية العربية المعاصرة بين النص الثابت والواقع المتغير، سلسلة أطروحات الدكتوراه، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى ، مارس 2005.

- موصللي أحمد: قراءة تأسيسية في الخطاب الإسلامي الأصولي، نظريات المعرفة والدولة والمجتمع 1993.

- أوليفي روا: الإسلام السياسي (نشأته، مكوناته، آفاقه) ترجمة "مصطفى أعراب" و"المكي بوسراو"، منشورات الحرية، الطبعة الأولى، يناير 1998.

- عارف نصر محمد: نظريات السياسة المقارنة و منهجية دراسة النظم السياسية العربية، جامعة العلوم الإسلامية، و الاجتماعية، فيرجينيا 1998.

- Zeghal (M): Les islamistes, le défi à la Monarchie, Editions, le Fnec, Paris 2005.

- Lamchichi (A) : Islam et contestation au Maghreb, L’Harmattan, Paris 1985.

- Bertrand (B) : Islam et politique : approches méthodologiques inclus dans le grand Maghreb : Donnés socio-politiques et facteurs d’intégrations des Etats du Maghreb », 1988, P. 201-206.

- Burgat (F) : L’islamisme en Face, Editeur, La découverte collitentes à l’appuie islam et société, Paris 1995.

- Nicolas Beau et Catherine Graciet : Quand le Maroc sera Islamiste, éditions la découverte, Paris 2006, PP.75-96.

[2]- حيث تنامت الكتابات حول الظاهرة الإسلامية، ما بين مؤيد و معارض، و اهتم بها الغرب، و رصد لها العديد من مراكز الأبحاث، و تولت وكالة المخابرات الأمريكية في سنة واحدة (1983)، التمويل الكامل أو الجزئي لأكثر من (120) ندوة و مؤتمر في موضوع واحد هو الصحوة الإسلامية....انظر: صلاح الجو رشي: "الحركة الإسلامية مستقبلها رهين بالتغيرات الجذرية، ضمن الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية أوراق في النقد الذاتي، و إعداد عبد الله النفيسي مكتبة مدبولي، 1410/1989، ص. 119.

[3]- انظر بهذا الخصوص:

- Weber Max : « Le savant et le politique », Paris 1959, PP. 79-80

- Boudon Rymond : « L’idéologie ou l’origine des idées reçues », Fayard 1986, PP. 46-49.

- Freund Julien : « Sociologie de max Weber », PUF, 1968.

- Durkheim Emile : « Les règles de la méthode sociologique », PUF, 19 édition 1977.

[4]- انظر، مصطفى الخلفي: المشروع السياسي للحركة الإسلامية بالمغرب، دراسة مقارنة لإشكالات الفكر و الممارسة، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية الحقوق، جامعة محمد الخامس أكدال الرباط، 1999-2000.

- بابا أحمد فاطمة الزهراء: السلوك السياسي لحزب العدالة و التنمية، و موقف المساندة النقدية، بحث دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية الحقوق جامعة محمد الخامس الرباط، 1999-2000.

- مقتدر رشيد: الحركة الاسلامية و إشكالية المشاركة السياسية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في علم السياسة، كلية الحقوق جامعة الحسن الثاني، البيضاء 2002.

- فريد الأنصاري: الفجور السياسي للحركة الإسلامية بالمغرب، دراسة في التدافع الاجتماعي، سلسلة اخترت لكم رقم 3، منشورات الفرقان، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، ص.ص. 71-74.

- Aourid (H) : Le substrat culturel des mouvements de contestation au Maroc, Analyse des discours islamiste et amazighe, Thèse de doctorat d’Etat, Faculté des sciences juridique, économiques et sociales, Rabat , 1999.

- Zeghal (M) : Les islamistes, le défi à la Monarchie, ibid., PP. 189-225.

- Tozy (M) : Monarchie et islam politique au Maroc, presse de sciences politiques, ibid. 1999.

- Olivier (R) : L’échec de l’islam politique, Paris, édition de Seuil, 1997.

[5]- انظر صلاح الصاوي: مدارسة حول العمل السياسي من منظور شرعي ، رسالة الصحوة 1، مطبعة النجاح الجديدة، ص. 4.

[6]- حيث يعد هذا الكتاب حسب ما صرح لنا به عدد من أعضاء حركة التوحيد و الإصلاح، أحد المراجع الأولية و الأساسية الذي تم الاستناد إليها في اختيار منهج المشاركة السياسية.

[7]- صلاح الصاوي: "مدارسة حول العمل السياسي من منظور شرعي"، المرجع السابق نفسه، ص.ص. 4-5.

[8]- هذا على مستوى الأهداف الكبرى التي تطمح إلى تحقيقها من خلال المشاركة في العمل السياسي، إلا أن ذلك لا ينفي وجود بعض الأهداف الثانوية، كالتمرس على العمل السياسي، و تكوين الكفاءات و الأطر، و توظيف الحصانة التي يتيحها هذا العمل في تبليغ الدعوة، انظر صلاح الصاوي، المرجع السابق، ص.ص. 32-33.

[9]- صلاح الصاوي: المرجع السابق نفسه، ص.ص. 32-33.

[10] - Tozy (M) : Monarchie et islam politique au Maroc, Paris presse de sciences politiques, 2ème édition 1999.

[11]- تصريح محمد الطوزي: لجريدة الراية، عدد 263 بتاريخ 28 غشت 1997، ص. 16.

[12]- سعد الدين العثماني: المشاركة السياسية في فقه شيخ الإسلام ابن تيمية، سلسلة الحوار 29، منشورات الفرقان، ص.ص. 8-13.

[13]- عبد الإله بن كيران : الحركة الإسلامية وإشكالية المنهج، سلسلة اخترت لكم، منشورات الفرقان، ص. 70.

[14]- محمد يتيم:"الإسلاميون و المشاركة السياسية"، مجلة الفرقان، العدد 34، نونبر 1994، ص.ص. 37-38.

[15] - Voir, Gubertafand (B) : « Le système politique Marocain », éd. L’Harmattan, Paris1997.

[16]- سورة آل عمران، الآية 110

[17]- سورة الحجرات، الآية 3.

[18]- محمد يتيم: نظرات في فقه المشاركة والمقاطعة، جريدة الراية، عدد 251، سنة 1997.

[19]- جاء في ميثاق الحركة "كل ما تبث في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو قولنا ومذهبنا وشرعنا" ، حركة التوحيد والإصلاح ، الميثاق، الطبعة الثانية، ماي 1999، الرباط، ص. 18.

[20]- المبدأ التاسع من ميثاق حركة الإصلاح والتجديد الذي يقابله المبدأ العاشر من ميثاق حركة التوحيد والإصلاح.

[21]- محمد حسين فضل الله: الحركة الإسلامية هموم وقضايا، دار الملك للطباعة والنشر، الطبعة الثانية 1413 هـ/ 1991 م، ص. 23.

[22]- حيدر إبراهيم علي: التيارات الإسلامية و المسألة الديمقراطية"، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت، 1996، ص.90.

[23]- أعدم سيد قطب في 1966 من طرف النظام المصري الذي يرأسه جمال عبد الناصر آنذاك.

[24]– انظر: أوليفيه روا: تجربة الإسلام السياسي، ترجمة نصير مروة، الطبعة الأولى 1994، دار الساقي، ص.ص. 45-46

[25]– ففي كتابه "معالم في الطريق" يتجه مباشرة إلى إعلان خيار واحد و دائم، و هو القبول بالمنهج الإسلامي الذي يتميز عن كافة النظم البشرية (الليبرالية الرأسمالية، و الشيوعية الشمولية)، حيث الحكم لله و ليس لأي بشر أو جماعة من البشر، و أن أي حاكم إنسان بل أي مسؤول إنسان، إنما ينازع الله سلطته، بل إن الشعب نفسه لا يملك حكم نفسه، لأن الله هو الذي خلق الشعوب، وهو الذي يحكمها بنفسه أو أن تبقى في الجاهلية. انظر: محمد حافظ ذياب: " المشروع الناصري و الخطاب القطبي، سيد قطب دراسة حالة، مجلة الوحدة، العدد 52، يناير 1989، ص. 67.

[26]– سيد قطب: معالم في الطريق، دار الشروق بيروت، الطبعة 8، السنة 1985، ص. ص. 54-55.

[27]– نفسه، ص. 61.

[28]– ذلك أن القرن العشرين هو قرن العنف الثوري (الثورة الروسية و الصينية)، و كذلك قرن الانقلابات العسكرية في دول العالم الثالث. فإذا كان قاموس الأحزاب السياسية التي كانت تؤمن بالعنف الثوري أسلوبا للتغيير، قد اغتنى بمجموعة من المصطلحات الجديدة، فإن جوهر الرؤية السياسية بقي كما هو: أي تغيير الهياكل السياسية الحاكمة، لإحداث أنواع التغيير الأخرى في الأفكار والعادات و القيم و المثل بالقوة و الإكراه.

[29]- للمزيد انظر: الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الرابعة، بيروت، يونيو 1998، (مجموعة من المؤلفين).

[30]- انظر: محمد يتيم: العمل الإسلامي و الاختيار الحضاري، منشورات حركة الإصلاح و التجديد 2 ، الطبعة الرابعة، ص.ص. 32-33

[31]- انظر: جريدة الراية، عدد 15، شتنبر 1991، ص.2.

[32]– إذن فالسرية في العمل كان يقصد منها التعبئة و الأمن و التربية، فإلى أي حد نجحت في تحقيق هذه المقاصد خاصة و أن الأمر واكبته مجموعة من الأحداث بعضها محلي، كاغتيال عمر بن جلون سنة 1975، و أخرى دولية كالثورة الإيرانية سنة 1979، و إعلان "الجهاد الأفغاني" 1979، ثم اغتيال أنور السادات سنة 1981.

[33]– محمد يتيم: "العمل الإسلامي و الاختيار الحضاري" مرجع سابق، ص. 73.

[34]– انظر: محمد يتيم: حركة التوحيد والإصلاح، التجربة الوحدوية، التوجهات العامة، مجلة الفرقان، عدد 41، 1998، ص. 32.

[35]–المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[36]– حوار مع عبد الإله بنكيران عن خصوصيات الصحوة الإسلامية في المغرب و تحدياتها، منشور بمجلة الفرقان، العدد الخامس، السنة الثانية، ماي-يونيو 1985، ص.ص. 46-52.

[37]– ذلك أن العمل السري و على مستوى البناء "التربوي" كما تسميه أدبيات الحركات الإسلامية، والقائم على أساس الخلايا والأسر المكونة من مجموعة أفراد ذوي كفاءات علمية، غالبا ما تكون ضعيفة لا ترقى إلى فهم الدين، أصولا ومقاصد، وأحكام ثم إن "المربي" أو المشرف على العملية لا يمكنه أن يزود بشيء هو يجهله أصلا، لهذا كانت الرغبة في العمل داخل المؤسسات، ورفض البقاء و الدعوة إلى العمل في إطار القانون، من الحوار الذي أجريناه مع عبد الإله بنكيران بتاريخ 1 يونيو 2006 بمقر جريدة التجديد بالرباط.

[38]– انظر: جريدة الراية، عدد 15، سبتمبر 1991، مرجع سابق.

[39]– كتابات تصور الإخوان المسلمين في السجون في عهد جمال عبد الناصر، حتى أصبح على حد تعبير عناصر من الحركة الإسلامية المغربية، "الإسلامي يعيش في هاته المرحلة و كأنه في مصر أو في حماة في سوريا".

[40]– لم تكن الكتابات لوحدها هي جسر التواصل و المؤثر في إيديولوجيات الحركة الإسلامية، بل إن التقاء القادة و تلاقح الأفكار ساهم في ذلك، حيث كان لمالك بن بني في القاهرة علاقة مع أحد مؤسسي الحركة الإسلامية المغربية، و هو عبد السلام الهراس (جمعية الدعوة بفاس 1976) و الذي كان له الفضل في تعلم ابن نبي اللغة العربية، بل أصبح مترجما له حيث قام بطبع كتاب "شروط النهضة" على حسابه و أهدي إلى أ نور السادات الذي أعجب به، و كان آنذاك رئيسا لمجلس الشعب فاستدعى مالك بن نبي و عينه مستشارا بالمؤتمر الإسلامي هذا من جهة، ثم كون الحركة التي أنشأها الهراس ستكون أحد التيارات المشكلة لرابطة المستقبل الإسلامي، ثم حركة التوحيد و الإصلاح حاليا، و هذه التيارات تعتبر كلها عن توجه إصلاحي معتدل كما سنفصل ذلك لاحقا (الفصل الثاني من هذا القسم).

[41]– انظر: بالخصوص كتاب خالص جلبي: "في النقد الذاتي، ضرورة النقد الذاتي للحركة الإسلامية"، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الثالثة 1405هـ موافق 1985 م .

[42]- يرى محمد يتيم في هذا الإطار بأن حركة الإصلاح هي: " ... نتيجة عملية نقد ذاتي... و نتيجة لعملية مراجعة فكرية وتصورية لاجتهادات الشبيبة الإسلامية... و قد تفاعلنا يومها تفاعلا قويا مع كتاب في "النقد الذاتي" للحركة الإسلامية للأستاذ خالص جلبي، و استلهمنا كثيرا من خلاصاته في تقييم تجربتنا، و في رسم ما كنا نسميه آنذاك "بالتوجه الجديد"... كما تفاعلنا كثيرا مع كتاب "أوراقفي النقد الذاتي" الذي جمعه الدكتور فهد النفيسي، و مع سلسلة "أين الخلل"، التي نشرتها مجلة الأمة القطرية عبر ملفات متعددة، و كانت تلك الحركة الفكرية المفتوحة هي التي جعلتنا نراجع تسمية "الجماعة الإسلامية"، و هي التي قادتنا إلى عملية التوحيد التي أدت إلى ولادة "حركة التوحيد و الإصلاح"، بما يبغيه ذلك من وضع كل الاجتهادات السابقة تنظيميا و سياسيا و تصوريا، و وضع كل الأسماء و المسؤوليات، و وضع ذلك على الطاولة في تجربة فريدة من نوعها على امتداد الخريطة الإسلامية"، المرجع نفسه.

[43]- ذلك أن الأحداث السابقة كاغتيال عمر بن جلون و اتهام جمعية الشبيبة بالتورط في الجريمة، إضافة إلى المواقف المعبر عنها ضد النظام من طرف زعيم الشبيبة "عبد الكريم مطيع"، و ما نتج عنها من مخلفات ستساهم فعلا في خلق حوار و نقد ذاتي في إطار الجماعة الإسلامية التي بدأت عملها في سرية تامة، قبل أن تعلن عن نفسها كتنظيم مستقل عن الشبيبة و بالتالي الخروج إلى العلنية، و أسلوب التغيير السلمي في إطار المشروعية القانونية.

[44]– ذلك أن العمل السري الذي نتجت عنه العزلة عن المجتمع، و المتابعات الأمنية، يمنح حسب تعبير الجماعة سهولة كبيرة في اتهام التنظيمات السرية بمخالفات لم تقم بها... لأن الذي يختفي حسب مفاهيم الناس وارد أن يقوم بأي شيء...و يمكن أن يقع في قبضة السلطة من أجل أتفه الأسباب، فالسرية حسب عبد الإله بنكيران، ساهمت في إكساب الحركة قاعدة لا يستهان بها من الشباب و الأطر، "و لكننا لا يمكن أن نبقى أسرى إلى الأبد"، انظر: "الحركة الإسلامية وفقه الحركية و الإصلاح" بجريدة الإصلاح، السنة الثالثة، عدد 15، بتاريخ 18 مارس 1988، ص.ص. 14-15.

[45]– هذا المفهوم تداولته أدبيات الحركة داخليا، في مرحلة الثمانينات، و أكده لنا بعض أطر وقيادات حركة التوحيد والإصلاح في لقاءاتنا معهم.

[46]– انظر حوار عبد الإله بنكيران، عن "خصوصيات الصحوة الإسلامية في المغرب وتحدياتها، مرجع سابق، ص.ص. 46-52.

[47]– هناك الاتجاه السلوكي الاجتماعي، و يركز على المفهوم الاجتماعي للتنظيمات، الاتجاه الوظيفي يعتبر التنظيم أداة عملية، ووسيلة فعالة للإدارة، و يتألف من مجموعة من التخصصات الهادفة إلى تحقيق البرامج و تنفيذها، و بهذا التعريف لا يمكن اعتبار التنظيم كوظيفة مستقلة، و إنما يجب ربطه بالإطار العام الذي ينتمي إليه و يؤثر فيه و يتأثر به، انظر: محمد نجيب بوليف: "التنظيم بين النظرية و التطبيق: الجماعات الإسلامية نموذجا"، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1998. للمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع انظر:

Michel Crozier, et hard friendbery : « L’acteur et le système, les contraintes de l’action collective », édition du seuil, 1977.

[48]– انظر: مخلص السبتي: الصحوة الإسلامية بالمغرب: الأسس المعرفية و تحليل الخطاب، مطبعة النجاح 1995، ص. 61.

[49]– عبد الله النفيسي: "الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية، أوراق في النقد الذاتي"، مكتبة مذبولي، الطبعة الأولى 1989، ص. 30.

[50]– خالص جلبي: في النقد الذاتي، ضرورة النقد الذاتي للحركة الإسلامية، م.س. ص. 273.

[51]– خالص جلبي: النقد الذاتي، م .س.، ص. 274.

[52]– و منذ الإعلان عن تأسيسها ما فتئت الجمعية تغير التوجهات التي كانت تنهجها الشبيبة الإسلامية، إلا أن هذا لم يحل دون تعرضها للمضايقات و أعضائها للاعتقالات، خاصة الاعتقالات التي ضمت ثمانية عشر عضوا بمكناس سنة 1984. إلا أن هذا لم يمنع مجموعة الدار البيضاء بقيادة سعد الدين العثماني من تقديم ملفها إلى سلطات الدار البيضاء قصد فتح فرع تابع للجماعة الإسلامية و ذلك في أكتوبر 1986.

[53]– باستثناء محمد عز الدين توفيق (أستاذ جامعي في الدراسات الإسلامية، و عضو المجلس العلمي بالدار البيضاء)، كل هؤلاء المؤسسين أصبحوا أعضاء بالبرلمان (مجلس النواب)، علما أن محمد عز الدين توفيق لم يتقدم بترشيحه للانتخابات بالمرة.

[54]– انظر، مخلص السبتي: الصحوة الإسلامية بالمغرب، المرجع السابق، ص. 319.

[55]– عبد الإله بنكيران: رسالة إلى وزير الداخلية يوم 6 رجب 1406 موافق 17 مارس 1986.

[56]– ومضيفين أيضا " ذلك يا صاحب الجلالة إننا جماعة من الشباب المغربي المتدين، سبق لعدد منا كانوا أعضاء في جمعية الشبيبة الإسلامية، بناء على قانونها الأساسي والذي خلاصته الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، إلا أن رئيسها، وبعد أن صدر في حقه حكم غيابي بالسجن المؤبد في قضية جنائية، بدأت تصدر منه تصرفات لا نقرها، ولا نزكيها مخالفة بذلك القانون الأساسي للجمعية الآنفة الذكر، مما حذا بنا إلى مفارقته وإعلان الانفصال عن جمعية الشبيبة الإسلامية...".

للمزيد انظر نص الرسالة في محمد ضريف: الإسلام السياسي في المغرب، مقاربة وثائقية منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، الطبعة الثانية نونبر 1992.

[57]– انظر، محمد الطوزي: "الملكية و الإسلام السياسي في المغرب"، ترجمة محمد حاتمي، و خالد شكراوي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1998، ص 232.

[58]- يقول عبد الإله بنكيران:" و آخر التحديات التي نراها في أسلوب التعامل مع السلطة، نحن لازلنا نتخبط مع السلطة، لا ندري الأسلوب الأفضل الذي سنتبعه، و بالنسبة لي، أرى والله أعلم أن أفضل أسلوب للتعامل مع السلطة، و مع غيرها هو أسلوب الإسلام، يعني أسلوب الحق، إعطاء كل ذي حق حقه. فالسلطة يجب أن نكون قادرين على أن نقول لها أحسنت، و أساءت متى أسأت، و أن نكون صرحاء و شجعان معها، و لكن ملتزمين بأدب الإسلام في كل ذلك، و أن نراعي أحوال الناس قبل إبداء آرائنا، و أن نكون صادقين في مواقفنا، و أن نسلك لكل شيء الطريق الأسلم له"، انظر، الفرقان: العدد 5 السنة الثانية، يونيو 1985، مرجع سابق، ص.ص. 46-56.

[59]– محمد الطوزي: الملكية و الإسلام السياسي، المرجع السابق نفسه، ص. 231.

[60]– انظر، مجلة الفرقان: العدد الخامس 1985، المرجع السابق نفسه، ص.ص. 46-56.

[61]- و تعمل الجمعية كذلك على تحقيق مجموعة من الأهداف لخصتها فيما يلي:

1- تجديد فهم الدين و الالتزام به

2- إقرار الحقوق و الحريات.

3- الدعوة إلى تحكيم الشريعة

4- العمل على تحسين أوضاع المسلمين المادية و المعيشية

5- العمل الخيري التكافلي

6- تحقيق نهضة حضارية

7- العمل على وحدة المسلمين.

أما كيف سيتحقق هذا، فذلك ما تجيب عنه الجمعية، بتحديد وسائل عملها التي حددتها كالتالي:

1- الدعوة الفردية

2- الدعوة العامة

3- العمل النقابي

4- العمل الاجتماعي

5- العمل الاقتصادي

6- العمل السياسي و النقابي، العمل التربوي و التنظيمي.

[62]– انظر، عبد الإله بنكيران: مجلة الفرقان، العدد الخامس، المرجع السابق، ص.ص. 46- 52.

[63]– انظر، محمد الطوزي: الملكية و الإسلام السياسي، المرجع السابق، ص. 233.

[64]– لقد أبدت جمعية الجماعة الإسلامية "مرارا" رغبتها في الحصول على الاعتراف القانوني أكد هذه الرغبة المراسلات المرفوعة من طرف رئيس "جمعية الجماعة الإسلامية"، عبد الإله بنكيران، انظر: نموذجا لهذه المراسلات في محمد ضريف: "الإسلام السياسي في المغرب مقاربة وثائقية، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، الطبعة الثانية، نونبر 1992، ص. 257.

[65]- ففي حوار مع الناطق الرسمي لحركة الإصلاح و التجديد سابقا يصرح :" و تراث أدب المحنة مع الإيحاءات السلبية التي يخلفها هذا التراث عند الشباب الذي يتعامل معه، فكل شخص ينخرط في إطار الحركة الإسلامية سيصبح تبعا لهذه الإيحاءات معرضا لما تعرضت له تجربة الإخوان من مواجهة دموية"، الراية 23 مارس 1992، ص.ص. 6-7.

[66]- من الناحية القانونية تأسست جمعية الجماعة سنة 1983، إلا أنه من ناحية الظهور العلني فكانت سنة 1981، لكن لم يعلن عن انفصالها التام عن الشبيبة إلا في يناير 1983، و قاد العملية التأسيسية كل من عبد الإله بنكيران الذي ترأس الحركة منذ 1985 إلى 1994، و هي مرحلة مهمة في حياة الحركة نضجت فيها الرؤى و التصورات بشكل كبير ثم محمد يتيم الرئيس الأول لها منذ سنة 1981 كبداية إلى سنة 1985 ثم من سنة 1994 إلى سنة 1996، و الناطق الرسمي باسمها سابق. ففي المرحلة الأخيرة لعبت شخصية يتيم التوفيقية في تركيز أسس الحركة و انفتاحها على فعاليات أخرى، هذا بالإضافة إلى دور عناصر أخرى كعبد الله باها، سعد الدين العثماني، محمد عز الدين توفيق و الأمين بوخبزة ثم أحمد عبادي، الأمر الذي استخلصناه من خلال حواراتنا ولقاءاتنا المتعددة مع عناصر الحركة.

[67]- عبد الإله بنكيران: جريدة العلم، السنة 39، عدد 12762 بتاريخ 12 ذي القعدة 1405 الموافق لـ 13 يوليوز 1985. وارد في الإسلام السياسي لمحمد ضريف، نفس المرجع السابق.

[68]– انظر، الفرقان: 06 يونيو 1986، نفس المرجع السابق، ص. 46.

69]– بخصوص هذا الموضوع انظر محمد يتيم: "العمل الإسلامي، و الاختيار الحضاري"، مرجع سابق، الطبعة الرابعة، الدار البيضاء 1996.

[70]- يصرح محمد يتيم: "فمن سلبيات الحركات الإسلامية، أنها لا تزال تفتقد إلى كثير من التأطير العلمي الكفيل بنقلها من مستوى اليقظة الوجدانية، إلى مستوى الإدراك الواعي لحقيقة هذا الدين و لحقيقة الواقع، و للأسلوب الأمثل في تغييره دون مصادمة"، العمل الإسلامي و الاختيار الحضاري، نفس المرجع السابق، ص 18.

[71]– من الرسالة التي بعث بها زعيم الجماعة عبد الإله بنكيران إلى جلالة الملك الحسن الثاني في سنة 1987.

[72]– كما هو الشأن بالنسبة للجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية (Fis) بعد الانتخابات، و ما عرفته الحياة السياسية آنذاك من صدام و صراع أدخل الجزائر في دوامة من العنف، و كذلك في تونس فرغم تأييد حركة النهضة التونسية للنظام التونسي في 1988 برفعها لشعار "الإسلام ديننا و بن علي رئيسنا"، فإن الدستور التونسي ظل يمنع قيام حزب سياسي على أساس ديني أو لغوي، أو إقليمي. كما رفض النظام الموريتاني الترخيص لحزب الأمة الإسلامي كذلك.

[73]– انظر، محمد الطوزي: "الملكية و الإسلام السياسي"، المرجع السابق، ص. 234.

[74]– انظر محمد يتيم: لماذا حركة الإصلاح و التجديد؟ جريدة الراية، عدد 15 بتاريخ 10 فبراير 1992، ص.3.

[75]– انظر: حوار مع أحمد الريسوني: جريدة التجديد، عدد 132 دجنبر 2000.

[76]– محمد يتيم: "العمل الإسلامي و الاختيار الحضاري"، المرجع السابق، ص. 31.

[77]-سورة هود الآية 88

[78]- الحديث رواه أحمد في مسنده و أهل السنن الأربعة

[79]- فإن الأمة الإسلامية لم تنج من الانحراف، من أجل هذه الأسباب، قامت فئة من أبناء الشعب، بعد أن استشعرت مسؤولياتها أمام الله، ثم أمام المسلمين، و التاريخ، تبغي الاضطلاع بالدعوة إلى تجديد فهم الدين، و الالتزام به على مستوى الأفراد، و على مستوى الدولة..."، انظر: ميثاق حركة الإصلاح و التجديد، الطبعة الثانية 1995.

[80]– سورة آل عمران، الآية 104.

[82]– راجع، محمد الطوزي: الملكية و الإسلام السياسي، المرجع السابق، ص. 234.

[83]– محمد يتيم: العمل الإسلامي و الاختيار الحضاري، المرجع السابق، ص.ص. 31-32.

[84]– محمد يتيم: نفس المرجع السابق، ص.92.

[85]– محمد يتيم: نفس المرجع السابق، ص.92.

[86]- محمد يتيم: نفس المرجع السابق، ص. 31.

[87]- محمد يتيم: أوراق في منهج التغيير الحضاري، سلسلة اخترت لكم 5، مطبعة النجاح الجديدة، 2000، ص.42.

[88]– يقول محمد يتيم:" فلأول مرة في التاريخ الإسلامي ينهزم العقل والنفس الإسلاميين أمام القيم الحضارية الغربية بشقيها الليبرالي والشيوعي، وهكذا فإذا كانت الحركات الوطنية قد نجحت في إحراز الاستقلال السياسي، فإنها خسرت كثيرا في معركتها الحضارية ضد الغرب، فنشأ وكلاء للقيم الحضارية الغربية، هؤلاء الوكلاء يمكن تصنيفهم إلى نموذجين، النموذج الليبرالي: الذي تلقى تعليمه بأوروبا وتشرب القيم الغربية، وفي غياب تعليم إسلامي وأصيل... ترسبت في ذهن هذا النموذج صورة مشوهة عن الإسلام وثقافته وحضارته... هذه النخبة ستكون محظوظة في الهرم الاجتماعي والسياسي عند الاستقلال... ومن الإنصاف أن نقول إن كثيرا ممن يمثلون هذا النموذج لم يكونوا يكنون عداء للإسلام غير أنهم لم يكونوا يحملون أي صورة حول إمكانية استلهام حلول اجتماعية، واقتصادية وسياسية، من الأصول العامة، والتوجهات القطعية للدين فأسقطوا على الدين الإسلامي النظرة العلمانية الأوروبية...فإلى جانب النموذج الليبرالي فإن النموذج الماركسي يعتبر كذلك أحد مظاهر الانهزام الحضاري أمام الغرب، فالفلسفة الماركسية ليست سوى إحدى مظاهر التطور الفكري والحضاري للمجتمع الغربي (مستشهدا بما قاله الأستاذ عبد الله إبراهيم حول الحزب الشيوعي و مدى تأثيره على الشباب المهاجر)"، انظر: محمد يتيم، نفس المرجع السابق، ص. 53.

[89]– يمثل هذا التوجه إلى حد ما جماعة العدل والإحسان التي تتبنى في أدبياتها ما يسمى لديها بالقومية والزحف لبناء الدولة الإسلامية، ثم إقامة الخلاقة على منهاج النبوة، سالكة أسلوبا تعبويا (دعويا) يهدف إلى تكوين قاعدة عريضة أهم عناصرها من الشباب والفئات الاجتماعية الضعيفة والشبه المتوسطة، للمزيد انظر: عبد السلام ياسين: "المنهاج النبوي تربية تنظيما و زحفا"، المرجع السابق.

[90]- انظر، محمد يتيم: نفس المرجع السابق، ص. 53.

[91]– انظر: أبو زيد المقرئ الإدريسي: الحركة الإسلامية بين الفكر و الواقع، سلسلة اخترت لكم 11، منشورات ألوان مغربية، الطبعة الأولى 2002، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص. 59.

[92]– عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية، و إشكالية المنهج، نفس المرجع السابق، ص.ص. 25-26.

[93]– لم يكتف أطر جماعة الإصلاح بترديد رؤيتهم الإصلاحية القائمة كما سبق الذكر على فلسفة التغيير الحضاري، في إطار كتابات متفرقة بل حاولوا تضمينها في وثيقة الرؤية السياسية من خلال نقطتين، الأولى حول تحولات النظام السياسي الاجتماعي المغربي قبل الاستقلال، و ذلك بالتدهور التاريخي و الحضاري، كعامل انحطاط قبل دخول المستعمر الأجنبي، و هي عوامل جعلت قابليته للاستعمار كبيرة، رغم المقاومة الدبلوماسية و العسكرية، و ما نتج من استدراج و استقطاب، محيلين على كل من علال الفاسي في النقد الذاتي، و محمد بن الحسن الوزاني في حياة و جهاد، هذا بالإضافة إلى عوامل لاحقة تتمثل في الاختراق الاستعماري على المستوى الاقتصادي و المالي، ثم بإدخال إصلاحات إدارية و قضائية لبسط النفوذ، ليسهل الاختراق الثقافي وليحصل التكامل، و بالتالي إنشاء نخبة تدافع عن قيم المستعمر..."، انظر ورقة الرؤية السياسية لحركة التوحيد و الإصلاح، الطبعة الأولى 2002، ص.ص. 31-35.

[94]– انظر، محمد يتيم: أوراق في منهج التغيير الحضاري، نفس المرجع السابق، ص. 31.

[95]– حيث تحدث زعيم الحركة سابقا عن عدم رشد المجتمعات الإسلامية والتي ما زالت فيها جاهلية، انظر: عبد الإله بنكيران، نفس المرجع السابق، ص. 35.

[96]– ليس سيد قطب وحده صاحب هذا الطرح، بل نجد كذلك كتابات أبو الأعلى المودودي و خاصة كتابه منهج الانقلاب الإسلامي، خاصة النقطة الأولى حول منهج الانقلاب الإسلامي، ثم النقطة المتعلقة بسبيل الانقلاب الإسلامي.

[97]– انظر، محمد يتيم: العمل الإسلامي، نفس المرجع السابق، ص.ص. 54-55.

[98]– نقلا عن محمد يتيم: المرجع السابق، انظر مقال حول العمل الإسلامي، مراجعة و تقويم في ركن أين الخلل، مجلة الأمة القطرية، عدد 49.

[99]– انظر، ميثاق حركة التوحيد و الإصلاح: الطبعة الثانية، ماي 1999، ص.ص. 40-45.

[100]– محمد يتيم: العمل الإسلامي، نفس المرجع السابق، ص. 58.

[101]– انظر: محمد يتيم: العمل الإسلامي، نفس المرجع السابق، ص. 58.

[102]– "فقد أرادت طرد المستعمرين، و مقاومة الحكام العلمانيين، و مواجهة الفساد الاجتماعي، و الظلم الاقتصادي، و تطبيق شرائع الإسلام بكل أبعادها، و في الوقت نفسه، في مجتمع ابتعد فيه كل شيء عن الإسلام فرد و أسرة وجماعة، فكانت النتيجة أن استدرج العمل الإسلامي أحيانا إلى معارك لم يكن معدا لها، فضرب ضربات قوية مزقته و زعزعت كيانه، و حيل بينه و بين بناء المجتمع الإسلامي بالقوة والعنف، ثم بالتخطيط المعاكس من موقع التسلط..."، نقلا عن محمد يتيم: نفس المرجع السابق، أنظر مقال محسن عبد الحميد في ركن أين الخلل، مجلة الأمة القطرية، عدد 2.

[103]– انظر: ميثاق الحركة، نفس المرجع السابق، ص. 44.

[104]– انظر عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية و إشكالية المنهج، نفس المرجع السابق، ص.ص. 49-57.

[105]- و في إطار الحديث عن المرجعية الفكرية للخطاب السياسي سواء عند أغلب الحركات الإسلامية عموما، وعند حركة الإصلاح كذلك، ينبغي الإشارة إلى أن هذه الحركات "لها جهاز مفاهيمي سياسي مختلط، مستمد إما من المقولات الماركسية، أو من العلوم السياسية الغربية، وإما من المصطلحات القرآنية"، إلا أن اختلاف هذه الحركات في الوسائل المؤدية إلى أسلمة المجتمع والدولة، كان طبيعيا أن تنقسم إلى حركات إسلامية معتدلة، و أخرى راديكالية، و بالتالي انعكس ذلك الاختلاف على تنوع الاستعمالات المفاهيمية. انظر: أوليفيه روا: تجربة الإسلام السياسي، ترجمة نصير مروة، دار الساقي الطبعة الأولى، بيروت 1994، ص. 45.

[106]– بخصوص حركة التوحيد و الإصلاح اتخذت منذ بداية التسعينات منطلقا لتأسيس العديد من الجمعيات بتسميات مختلفة، أهلتها للانفتاح على المجتمع خاصة من خلال أنشطتها "الدعوية الثقافية"، و بالخصوص ساهمت في استقطاب قاعدة شعبية مهمة لم توفرها حتى الأحزاب السياسية التاريخية، ثم التركز فيما بعد على العمل الاجتماعي الذي أحرج النظام فسارع إلى محاولة ترتيب أموره في المجال الاجتماعي؛ و عموما فهذا الانتشار الواسع للجمعيات المحلية، و التي هي في الأصل فروع الجمعية/الحركة الأم ساهم بشكل كبير، و ساعد على التموقع في المشهد السياسي، والحزبي بنوع من الثقل والاحترافية.

[107]- أوليفيه روا: تجربة الإسلام السياسي، نفس المرجع السابق، ص.46.