أزمة الإسلام السياسي


فئة :  مقالات

أزمة الإسلام السياسي

 أزمة الإسلام السياسي

حمدوش المصطفى

 

بعد مرور عشر سنوات على ما سمي بالربيع العربي، تغيرت الخارطة السياسية للمجتمعات التي شهدت أحداثا اجتماعية وحراكا سياسيا بشكل جذري. ولكن القاسم المشترك بينها هو صعود التيار الإخواني، ولاسيما ظاهرة الإسلام السياسي بشكل كبير. بالفعل مفهوم الإسلام السياسي كان سابقا لهذه المرحلة المفصلية في التاريخ الحديث، ولكن الظروف الدولية والإقليمية ساعدت على إنضاجه وإيصاله إلى مراكز القرار. وإذا كانت تجربة الإسلاميين في مصر لم تستمر طويلا، حيث لم تتجاوز السنة، وذلك نظرا لعدم قابليتها على التأقلم مع خصوصيات النظام الاجتماعي والسياسي المصري، وكذلك طريقة تدبير الإسلاميين للشأن السياسي التي تطبعها فكرة تغليب رأي الجماعة على الوطن، وعدم الإيمان يمفهوم الدولة كنظام سياسي مدني مؤسساتي يجب أن تؤطره قواعد براغماتية تقنية، بعيدة عن الإيديولوجيا، فإن الإسلام السياسي في كل من تونس والمغرب عمر بشكل أكبر، ولكن تجربته لم تكن بتلك السهولة، وهو ما يؤكده واقعه اليوم، ألا وأنه في أزمة حقيقية.

إن تحليلنا للوضع الذي يعيشه الإسلام السياسي اليوم، ينبغي الإجابة عنه من خلال تساؤلين محوريين؛ السؤال الأول : أين تتمظهر أزمة الإسلام السياسي؟ والسؤال الثاني: لماذا يعيش الإسلام السياسي على وقع أزمة وما هو مصيره الحتمي على ضوء ذلك؟

في البداية، يعاني الإسلام السياسي، وبالضبط الحركات التي تتبنا هذا التيار وتنتمي إليه، من أزمة هوية؛ فهي تحاول التنظير لأفكار بعيدة عن موطنها ومكان نشأتها. أفكار تقمصتها دون أن تراعي خصوصيات البلدان والأوطان التي توجد بها. فهي لا تؤمن بفكرة الوطن بقدر ما تقدس مفهوم الجماعة والمرشد؛ أي الفقيه والمريد، بل تكاد تغيب أيضا مفهوم المؤسسات والقانون والبراغماتية التي تحكم التسيير الاقتصادي والسياسي والعلاقات الدولية. وفي نفس الوقت، وصلت لتدبير الشأن السياسي وهي عاجزة عن تطوير مشروع مجتمعي تنموي حقيقي تؤمن به، لأنها ليس لها مشروع تنموي مجتمعي بقدر ما لها مشروع سريالي ينبني على إيديولوجيا معينية لا تتلاءم مع الواقع.

ويمكننا القول إن حركات الإسلام السياسي كالأسماك لا تعيش خارج المياه، ولا تتأقلم مع البر والجو، ومياهها هي الخطابات الدينية المبنية على قراءات معينة للنصوص الدينية، وخطاب شعبوي يستميل الناس لتظهر في صفة المنقذ، ولكن حين تخرج من فقاعة الماء هذه تصير عاجزة عن وضع مشروع حقيقي يلبي حاجيات الناس الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.

ثنيا، هناك مسألة معادلة الإسلام السياسي وازدواجية الخطاب: ازدواجية المعايير والخطاب من أبرز تمظهرات الأزمة العميقة التي يعيشها الإسلام السياسي، في صيغته الحالية. جميع حركات الإسلام السياسي التي وصلت للسلطة حاولت جاهدة مواصلة تبني خطابها القديم الذي تقدمه عبر قنواتها وكتائبها الإعلامية، وفي الآن نفسه ارتداء عباءة خطاب يتلاءم مع وجودها السياسي وما صارت تشغله من مناصب تدبيرية. ولكن هذه الازدواجية جعلتها تعيش إعاقة فكرية، وتجعلها تبدو من جديد دون مشروع أوهدف، وغير قادرة على التشبث بأي مشروع كان. وهذا ناجم عن غياب رؤية الإسلام السياسي للأمور من منظور البراغماتية السياسية ومواصلته التشبت بأفكار وقراءات إيديولوجية معينة.

إن التطورات المجتمعية والسياسية التي يعيشها العالم اليوم، توحي بأن الإسلام السياسي غير قادر على مواكبة هذه التغيرات؛ فالوضعية الحالية تحتاج نخبا قادرة على التعامل بمنطق رياضياتي عقلاني مع مختلف القضايا، وتيارات قومية تؤمن بفكرة وحيدة هي وحدة الدولة والوطن، وسيادة الدستور والقانون. وأن المؤسسات لا تسير بمنطق جماعاتي، وإنما بمنطق سياسي محض، ينجم عنه التفكير في الوطن أولا وأخيرا. والأكيد أن الإسلام السياسي بمفهومه الحالي، غير مستعد وغير قادر على خوض هذه التجربة.

إن الحركات التي لا تواكب التطورات التي يسير بها مجرى التاريخ، ينتهي بها المطاف خارج صفحاته. وإذا لم تستوعب حركات الإسلام السياسي ضرورة تجديد خطابها والعمل على إرساء مشروع حقيقي تدافع عنه، مشروع يتلاءم مع المفاهيم الوضعية والفلسفية للدولة والقانون والمؤسسات، فإنها لن تستطيع البقاء.

والأكيد أن تجربة الإسلاميين في كل مناحي التسيير أظهرت كل تجليات هذه الأزمة البنوية التي يعيشها الإسلام السياسي، وأن عدم قدرته على تبني مشروع حقيقي اقتصادي اجتماعي سياسي تنموي، يحاول تصريفها في الترويج لخطاب ديني مستهلك مبني على الشعبوية، ودغدغة المشاعر، واستمالة القلوب. ولكن سنوات ما بعد ما سمي بالربيع العربي غيرت بنية الشعوب التي صارت تسير في منحى التخلي عن هذا الخطاب الديني المستهلك، وتتبنى خطابا قوميا وطنيا، وعمليا بالأساس الأول، يطمح لمشاريع حقيقية تستجيب لاحتياجاته وليس لشعارات رنانة لاوقع لها على حياته وعلى واقعه المعيشي.