الخطاب البيداغوجي... اللغة والهيمنة


فئة :  مقالات

الخطاب البيداغوجي... اللغة والهيمنة

الخطاب البيداغوجي... اللغة والهيمنة[1]

يعود إلى دوركهايم Durkheim، من بين علمـاء الاجتماع، فضـل السـبق في النظر إلى اللغة في جوانبها الاجتماعية، ويتبـدى ذلـك حين يقرر منذ البداية بأن اللغة ظاهرة اجتماعية.

وعن الأصول الاجتماعية للتباين بين أنماط اللغة يـرى برنشـتاين أن الوسـط الاجتماعي يحدد مستوى اللغة وشكلها عبر إواليات اجتماعية متعددة. ومثال ذلك لغة الفلاحين، لغة العمال، ولغة الفئات المتوسطة، ويضـاف إلى ذلك أن مستوى ونمط كل نموذج لغوي فئوي يتباين عن اللغة الرسمية (الفصحـى) بدرجـات مختلفة تتحدد بطابع ومستوى الحياة الاجتماعية لكل وسط اجتماعي خاص. وفي هذا السياق، يرى برنشـتاين أن أبناء العمـال يميلـون إلى المعرفة الوصفية، بينما يميل أبناء الفئـات الوسـطى إلى إدراك ذي طابع تحليلي، وهذا يعبر عن مرقى معرفي أعلى.

وتـبرز أهمية اللغـة الحاصلة في تأثيرها على مستوى النجاح المدرسي الذي يحققه أطفال الفئات الاجتماعية المختلفة، حيث لا تعدو لغة المدرسة المسربة عبر الخطاب البيداغوجي المستخدم (التواصل مع التلاميذ - المسائل المطروحة عليهم - المضامين - التقييم - التغذية الراجعة...إلخ) في كثير من جوانبهـا المعرفيـة أن تكون إلا صورة عن اللغة الرسمية التي تسود في إطار الحياة الاجتماعية، وهي لغة الطبقات الاجتماعية الميسورة والمهيمنة ثقافيا وماديا.

ويلاحـظ البـاحثون (أمثال برنشتاين وبودلو واستابليه) أن الأطفال الـذين يتحـدرون مـن أوساط اجتماعية عليا، يسـتطيعون تحـقيق نجـاح أكبر بالقياس إلى أبناء الفئات الاجتماعية الدنيا؛ وذلك للسبب المشار إليه آنفا. وينظـر جـورج سـيندر Synders George إلى التعـارض بيـن لغة المدرسة ولغة العمـال "عـلى أنـه تعـارض كلي وشامل"، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى إخفاق أبناء الفئات الاجتماعية المحرومة. وهذا ما يؤدي إلى نتيجة شبيهة بالتي تحدثت عنها نظرية إعادة الإنتاج لبورديو؛ أي إعادة إنتاج الهيمنة الاجتماعية بسبب الهيمنة اللغوية.

ومن هنا يكون التحدي البيداغوجي الأكبر هو ذاك المتمثل في الكيفية التي يجب أن يتم بها تحقيق تمييز إيجابي différenciation positive في الوضعيات التربوية، حيث يُحدّ من تأثير هيمنة اللغة الرسمية التي هي لغة الطبقات الميسورة على المصير الدراسي لأبناء الطبقات المحرومة ثقافيا وماديا.

هذه هي الفكرة العامة لهذه المداخلة، وسندخل الآن في بعض تفاصيلها من خلال فحص نظرية برنشتاين حول قواعد التواصل اللغوي في المجتمع وفي المدرسة وإسهامه في إعادة إنتاج الهيمنة الاجتماعية، لننظر في الأخير في إمكانيات كسر هذه الحتمية الاجتماعية، وإعطاء فرصة أكبر لأبناء الطبقات المحرومة حتى يخرجوا من علاقة الهيمنة الممارسة عليهم من قبل أبناء الطبقات المتوسطة والمرفهة.

1- أفكار برنشتاين حول قواعد التواصل اللغوي والتحكم الاجتماعي

لقد ظل بازيل برنشتاين طوال أربعين عاما عالم اجتماع مهم ومثير للجدل، ولقد تركت أعماله أثرا واضحا في جيل كامل من المختصين في علم اجتماع التربية وفي الألسنية الاجتماعية. ومنذ كتاباته الأولى حول اللغة وقواعد التواصل في المدرسة وفي المجتمع، إلى أواخر أعماله حول الخطاب البيداغوجي والطرائق التعليمية وتمرير المعارف، بلور برنشتاين نظرية قواعد التواصل اللغوي الاجتماعي والتربوي وأثرها في إعادة الإنتاج الاجتماعي. ولقد اصطبغت مقاربته لهذه المسألة بصبغة بنيوية مع كونها قد استوحت توجهات نظرية دوركهايمية وفيبرية وماركسية وتفاعلية، مما جعلها أقرب إلى تأليف عام لمختلف هذه المدارس والتوجهات السوسيولوجية في مستوى المسألة المشار إليها.

في كتاباته الأولى حول اللغة (برنشتاين، 1958، 1960، 1961أ) درس برنشتاين العلاقات القائمة بين لغة الفضاء العمومي والسلطة والأعراف السائدة (Danzig، 1995، ص. 146-147). ومنذ سنة 1962، شرع برنشتاين في تطوير نظرية في قواعد التواصل اللغوي بإقحامه لمفهومي القواعد التواصلية اللغوية المحدودة والقواعد التواصلية اللغوية المتطورة codes restreints et codes élaborés، الأولى خاصة باللغة الفصحى، والثانية خاصة باللغة العامية.

لقد تحولت نظرية قواعد التواصل الاجتماعي-اللغوي في المجلد الأول من كتاب "الطبقة الاجتماعية وقواعد التواصل اللغوي والتحكم الاجتماعي" (1973أ) إلى نظرية اجتماعية في العلاقات القائمة بين الطبقة الاجتماعية والعائلة وإعادة إنتاج منظومات التزكية الاجتماعية. وبحسب هذه النظرية، توجد اختلافات بين قواعد التواصل المستخدمة بحسب الانتماء الطبقي للأفراد، من أبناء الطبقة العاملة إلى أبناء الطبقة الوسطى، وهذه الاختلافات تعكس ضروب العلاقات الطبقية (طبقة كادحة/ طبقة برجوازية) والسلطوية (طبقة متنفذة/ طبقة فاقدة للنفوذ) في التقسيم الاجتماعي للعمل والعائلة (عائلة محرومة/ عائلة مترفهة) والمدرسة (تلامذة منحدرون من طبقات كادحة وتلامذة منتمون لعائلات ميسورة). وانطلاقا من دراسة ميدانية أمكن لبرنشتاين إقامة تمييز بين الكود اللغوي المحدود والهزيل لأبناء الطبقة الكادحة، والكود اللغوي المتطور والثري لأبناء الطبقة البرجوازية الصغرى. ما يميز الكود المحدود (اللغة العامية) كونه ملتصقا بالسياق ومخصوص جدا (مثلا الغيبة والنميمة تتبعان الكود المحدود وكذلك الحديث عن أسعار الخضر وعن حال الطقس اليوم وأخبار الزواج والطلاق...إلخ)، بينما يتصف الكود المتطور والثري (اللغة الفصحى) بكونه مستقلا عن السياق ويتشوف للكونية والتعميم (مثل قواعد التفكير المنطقي والقواعد الرياضية والمفاهيم العلمية والتفكير الفلسفي وتحليل الأحداث العالمية وتفسير الظواهر الطبيعية...إلخ).

تعـد الفصحى الشكل اللغوي الأكثر تطورا في بنيتها المنطقية، وفيما تنطوي عليـه مـن دلالات فنية وجمالية، وهي الشكل اللغوي الذي يواكب حركة التطور الفكـري والعلمي ويشكل إطاره الرمزي. ويتميز هذا الشكل اللغوي عن غيره وفقا لرؤية برنشتاين السوسيولوجية بالسمات التالية:

1- تأخذ الكلمات والعبارات مكانها في سباق قواعدي دقيق

2- تعتمد على درجة عالية من التسلسل المنطقي والعلاقات المنطقية التي تقوم بين الأشياء وبين الزمان والمكان

3- تميل إلى استخدام الضمائر غير الشخصية مثل: هو، هي، هم

4- غنية بالظروف والصفات وحروف الجر ذات الدلالة المنطقية

وهـذا يعني أن الفصحى، أو اللغة الرسمية كما يطلق عليها برنشتاين، تشكل نظاما منطقيا متكاملا يمكن الإنسان من التفكير الرمزي المجرد.

وعلى خلاف ذلك، تنقسم اللغة المحكية (العامية) بالسمات التالية:

1- تكون عباراتها قصيرة هـي غالبا عبارات غير كاملة تفتقر إلى البنية القاعدية وتتميز بضعف البنية العامة.

2- تميـل هـذه اللغـة إلى تـوظيف التعبيرات الحسية المجسـدة كالإشارات والإيماءات.

3- استخدام محدود للصفات والظروف

4- تنطوي عـلى تكـرار اسـتخدام أدوات الـربط الطفيلية مثـل: فـإن، لأن، وبالتالي، وهكذا.

5- استخدام محدود الضمائر غير الشخصية مثل: هو - هي - هم

6- تنطـوي عـلى تـأكيدات تأخذ صيغـة الأسئلة الغامضة مثل: تصور ذلك، هذا طبيعي أليس كذلك

7- هناك خلط عميق بين الأسباب والنتائج.

8- مستوى الاستخدام الرمزي يتميز بالغموض والعمومية.

وفي إطار المقارنة بين النموذجين اللغويين يمكن أن يبرز ما يلي:

1- اللغـة الرسمية لغـة تعتـمد التسلسل المنطقي والنحوي على خلاف اللغات المحكي.

2- تميـل اللغة الرسمية إلى الرمزية، بينما يمثل اللغة المحكية إلى الحسية كالإيماءات والإشارات الجسدية.

3- في الوقت الذي تتجه فيه اللغة الرسمية إلى استخدام الضمائر غير الشخصية مثل: هو، هي، هم، تـنزع اللغة المحكية إلى التركيز على الأنوية؛ أي استخدام اللغة الشخصية مثل أنا ونحن. وهذا يعني ابتعاد اللغة المحكية عن مبدأ الموضوعية.

4- تتجـه اللغة الرسمية إلى الموضوع، بينما تنزع اللغة المحكية منزعا ذاتيا في وصف الأحداث أو الحكم على الأمور.

كيف نفسر التباين اللغوي بين الأطفال؟

يذهب الباحثون عموما إلى تفسير ذلك بالأصل الاجتماعي للطفل؛ أي الأسرة من حيث مستواها الثقافي والمادي، حيث يلاحظ أن أجواء الأسرة تشكل مناخا لغويا مناسبا كلما ارتفع مسـتوى تحـصيل الأبـوين التعليمـي والثقـافي. ونعنـي بالمنـاخ الأسري جملة المثيرات اللغوية والثقافية التي تتمثل بسلوك الأبوين الثقافي؛ فالآباء الـذين يتميزون بارتفاع مستوياتهم الثقافية، غالبا ما يحيطون الطفل بدفق مـن العبـارات اللغوية المتكاملة التي يكتسبها الطفل بشكل عرضي ولا شعوري وشعوري أحيانا، وهم بذلك يشكلون مناخا لغويا مناسبا لنمو السلوك اللغوي الفصيح عند أطفالهم. وفي أغلب الأحيان يلجأ الآباء المثقفون إلى استخدام الأساليب الديمقراطيـة فـي علاقاتهم مع الأطفال، ويتركون لهم حرية التعبير الحر عن ذواتهم ونشاطاتهم، وهم يساعدون الأطفال على تطوير أنماط سلوك لغوية متطورة ومتقدمة. فالأسر ذات المستوى الثقافي المتطور يمكن أن تتيح للطفل ما يلي:

- فرص متنوعة للتعليم داخل المنزل.

- مفردات لغوية متطورة وغنية.

- أسلوب لغوي متميز ومتطور.

- يجد الطفل إمكانية واسعة لتصحيح أخطائه اللغوية.

- غالبا ما يجد الطفل المثيرات الثقافية في الكتب والمجلات والصحف.

- غالبـا مـا تكـون الأحاديث التي تدور بين الأبوين أو الأصدقاء ذات مضمون اجتماعي ثقافي متطور، وهذا من شأنه أن ينعكس على مستوى لغة الطفل.

- تميـل العلاقات السائدة في وسط الأسرة إلى تحقيق حرية واسعة في التعبير.

وعـلى خـلاف ذلك، عندما يكـون مستوى الأسرة متدنيا في السلم الثقافي أو التعليمـي، فإن الطفل يجـد نفسـه فـي بيئـة لا تساعده على نمو استعداداته العقليـة واللغوية. وبالطبع، فإن ذلك يؤثر على تطوره الفكري واللغوي اللاحق.

وعـلى المسـتوى الاقتصـادي، يُلاحظ أن الأسـر الميسورة تستطيع دائما أن تقدم مساعدات مهمـة في مجال تطوير المستوى العقلي واللغوي عند الطفل، وذلك عن طـريق تـأمين احتياجاته المختلفة، وغالبـا مـا يقترن المستوى الاقتصادي بالمسـتوى الثقـافي للأسرة، ويصبـح منـاخ الطفـل أفضـل عندما تقترن السوية الثقافية العالية للأبوين بسوية اقتصادية ومهنية عاليتين.

2- اللغة والنجاح المدرسي:

تـبرز أهمية اللغـة الحاصلة في تأثيرها على مستوى النجاح المدرسي الذي يحققه أطفال الفئات الاجتماعية المختلفة، ولا تعدو لغة المدرسة في كثير من جوانبهـا المعرفيـة أن تكون إلا صورة عن اللغة الرسمية التي تسود في إطار الحياة الاجتماعية.

ويوجه عادة نقد لنظرية برنشتاين السوسيولغوية مفاده أنها مثال عن نظريات الفشل الاجتماعي المرتبط بلا نجاعة الكود اللغوي الهزيل للطبقات الكادحة خصوصا عند المرور من المدرسة. ولكن برنشتاين لا يقبل بهذا الحكم على نظريته، ويقول إن الكود اللغوي محدودا كان أو ثريا، مرتبط وظيفيا بالتقسيم الاجتماعي للعمل، وأن ارتباط اللغة بالسياق استخدامها أمر ضروري في سياق الإنتاج الصناعي أو الفلاحي. وأن الكود اللغوي المستخدم من قبل الطبقات المتوسطة لازم هو الآخر، ولكن لأداء وظيفة أخرى وهي إعادة الإنتاج التقسيم الاجتماعي للعمل ولا لإعادة الإنتاج نفسه. وكون الكود الثري أو اللغة المجردة أمر ضروري للنجاح المدرسي، فهذا يعني أن أطفال الطبقات الكادحة سيكونون عموما أقل حظا في هذا النجاح لا لكون لغتهم غير ناجعة؛ فهي ناجعة في وسطهم الاجتماعي اليومي، ولكنها غير ناجعة في الوسط الذي هو مقام على قياس أولاد الطبقات المتوسطة والمترفهة؛ أي الوسط المدرسي. وهذا أمر لا يسعنا إلا أن نقر مبدئيا بموضوعيته، فليس للغة المدرسة المنطقية والمجردة أن تتحول إلى لغة يومية. ولكن ألا توجد طريقة تمكن أبناء الطبقات الكادحة والمحرومة من نيل حقهم في النجاح والرقي الاجتماعي. ألا يوجد مخرج من هذه الحتمية الاجتماعية التي تبدو قاسية إلى حد كبير؟

حاول برنشتاين أن يدرس العلاقات القائمة بين ما هو ميكرو، وبين ما هو ماكرو في هذه الظاهرة الاجتماعية: أي العلاقة بين المعارف واللغة والوساطة البيداغوجية من جهة، والتراتب الطبقي وعلاقات الهيمنة من جهة ثانية. وما أوصلت إليه الملاحظات الإمبريقية المنتظمة (برنشتاين، 1990 على سبيل المثال) وباستخدام منهج استكشافي مركب ومبني بعناية من حالات تمفصل تنظيم المعلومات (تنظيم محكم وصارم أو تنظيم مرن) وحالات الخطاب البيداغوجي (خطاب تلقيني أو خطاب متمركز حول المتعلم) هو أنه كيفما كانت الطرائق البيداغوجية: كلاسيكية تمريرية للمعارف أو حديثة متمركزة حول المتعلم، فهي لا تفلح في تخطي حاجز إعادة إنتاج علاقات الهيمنة والتحكم الطبقي الرمزي المؤدي في النهاية إلى إعادة التحكم المادي.

وما توصل إليه برنشتاين هو عين ما لاحظه بـاحثون آخرون؛ أي أن الأطفال الـذين يتحدّرون مـن أوساط اجتماعية عليا، يسـتطيعون تحـقيق نجاح أكبر بالقياس إلى أبناء الفئات الاجتماعية الدنيا. ويرجعون ذلك إلى وجود تماثل وتجانس بين الثقافة المدرسية وثقافة الأوساط الاجتماعية الميسورة وخاصة فيما يتعلق باللغة بوصفها المؤشر الثقافي الذي يحدد مستوى ثقافة اجتماعية ما. ولا تقـف دلالـة اللغـة، التـي يتكلمهـا الأطفال في المدرسة، على دلالة اللغة كمـادة تـدرس، وإنما ترتكز خصوصا على دلالتها الاتصالية التكيّفية وعلى جوانبها الثقافية بوصفها نظام معرفي اجتماعي.

عندمـا يصـل أبنـاء أبناء الفئات العمالية إلى المدرسة، يجدون أنفسهم في أوساط ثقافيـة مباينـة لثقـافتهم، ويجدون أنفسهم إزاء لغة تختلف عن لغة الوسـط المنغمسين فيـه، ومـن هنـا، بـالذات، تـأتي إشكالية الإخفاق المدرسـي. وفـي هذا الصدد، يقول بودلو واستابليه: "إن لغة المدرسة لا معنى لهـا بالنسـبة إلى الأطفال الفئـات الاجتماعيـة المحرومة، وذلك لأنها لا تعبر عن تصوراتهم وطرائق حياتهم وأنماط تفكيرهم، واللغة المدرسية تجعل من المدرسة بالنسـبة إليهـم عالما غريبا لا يستطيعون العوم فيه. وعلى خلاف ذلك يجد أبناء الفئات الاجتماعية الميسورة في ثقافة المدرسة امتدادا طبيعيا لثقافتهم، وفي لغتهـا اسـتمرار لتطـور وجـودهم اللغوي، وذلك يشكل منطـلقهم في النجاح والتفوق المدرسيين".

وينظـر جـورج سـيندر Synders George إلى التعـارض بيـن لغة المدرسة ولغة العمـال "عـلى أنـه تعـارض كلي وشامل". ومن شأن ذلك أيضا، أن يؤدي إلى إخفاق أبناء الفئات الاجتماعية المحرومة. إن عـدم قـدرة أبناء الفئات الشعبية على مواكبة النجاح المدرسي دفع عددا مـن البـاحثين إلى تقصّـي هـذه الظاهرة. وبدأت الدراسات الجارية في هذا الميـدان، تشـكل اتجاهـا نظريا متكاملا حول مسألة اللغة والإعاقة اللغوية.

3- بعض مسارات كسر الحتمية الاجتماعية في التعلم

لعل الأبحاث حول الجارية حول الصلة بالمعرفة rapport au savoir كالتي أنجزها برنار شارلو أو بيارو، والتي تؤكد على تأثير علاقة بعض الأفراد الحميمية بالمعرفة - بغض النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية- تمثل مخرجا نظريا أمبريقيا من كابوس الحتميات الاجتماعية التي تكرسها نظرية الكود اللغوي أو نظرية وراثة الرأسمال الثقافي الرمزي لبورديو. ومع ذلك، تبقى مقاربة الصلة بالمعرفة صالحة فقط لإقامة الدليل على وجود الاستثناءات، والأهم من ذلك بيداغوجيّا هو التفكير في كسر هذه القاعدة أو على الأقل تنسيبها. هنا يمكن أن تلعب البيداغوجيا الفارقية دورا في إعطاء أوفر لأبناء الطبقات الكادحة، وذلك من خلال مراعاة نسقهم التعلمي وأسلوبهم المعرفي. كما يمكن لبيداغوجيا التحكم التي تمنح وقتا أكبر للتعلم لصالح التلاميذ المتعثرين. ولعل سياسة فعالة في الترغيب على المطالعة كفيلة هي الأخرى بتذليل نصيب من هذه العقبة اللغوية التعلمية لدى هذا الصنف من التلاميذ. ولا ننسى كذلك دور التلفاز، عندما يوظف بطريقة مناسبة لغمس الأطفال في حمام لغوي ثري. وأخيرا لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار السياق الثقافي الاجتماعي الذي يوجد فيه المتعلم عند بناء الوضعيات التعليمية-التعلمية، كالسياق الريفي أو القروي مع فتح نوافذ على أنماط ثقافية أخرى عبر نصوص القراءة والمطالعة والأقلام التعليمية.

 

قائمـة المـراجع:

- Atkinson, P. 1985. Language, structure and reproduction: an introduction to the sociology of Basil Berstein. Londres, Methuen.

- Baudelot.C.C- Estabelet.C.. 1982., L'école capitaliste en France. Paris, Maspero.

- Beillerot J. 1990. (dir.) Savoir et rapport au savoir. Paris, Editions universitaires.

- Berstein, B. 1960. Language and social class: a research note. British journal of sociology (Londres), vol. 11, n°3, p. 271- 276

——. 1961a. Social structure, language and learning. Educational research(Londres), vol. 3, n°3, p. 163- 176

- ——. 1961b. Social class and linguistique development: atheory of social learning. In Halsey, A. H.; Floud, J.; Anderson, C. A. (dir. Publ). Education, economy and society, p. 288- 314. New York, Free Press.

- —— 1962b. Social class, linguistic codes and grammatical elements. Language and speech (Teddington, Royaume-Uni), vol.5, n°4, p. 221- 240

- ——. 1973a. Class, codes and control, vol. 1. Londres, Routledge et Kegan Paul.

- ——. 1973b. Class, codes and control, vol. 2. Londres, Routledge et Kegan Paul.

- ——. 1977. Class, codes and control, vol. 3. Londres, Routledge et Kegan Paul.

- ——. 19990. Class, codes and control, vol. 4. Londres, Routledge.

- Bourdieu, P. & P.J. 1970. La reproduction. Éléments pour une théorie du système d'enseignement. Paris, Ed. Minuit.

- Charlot, B. 1997. Du rapport au savoir. Eléments pour une théorie. Ed. Anthropos.

- ——. 1999. Le rapport au savoir en milieu populaire. Une recherche dans les lycées professionnels de banlieue. Ed. Anthropos.

- Danzing, A. 1995. « Application and distortions of Basil berstein’s code theory ». In Sadovnik, A. R. (dir. Publ.) Knowledge and pedagogy: the sociology of Basil Berstein, p. 145- 170. Norwood, New Jersey, Ablex Publishing.

- Synders. G. 1971. Ecole, classe et lutte des classes. P.U.F., Paris.

[1]- ذوات العدد 48