تطوّر الفعل السّياسي لدى حركة مجتمع السلم ”حمس“


فئة :  مقالات

تطوّر الفعل السّياسي لدى حركة مجتمع السلم ”حمس“

تطوّر الفعل السّياسي لدى حركة مجتمع السلم حمس

ملخّص

يهدف هذا المقال إلى تتبع مسار أحد الأحزاب الإسلاميّة الجزائريّة (حركة مجتمع السلم "حمس") ورصد أهمّ التطوّرات والتحوّلات التي عرفها وتميز بها الفعل السياسي منذ التأسيس إلى غاية يومنا هذا، مروراً بالأزمة السياسيّة الدمويّة جرّاء توقيف المسار الانتخابي سنة 1992، وكيف استثمرتها القيادة الكاريزما ممثلة في شخص المؤسّس محفوظ نحناح بتقديم حزبه بديلاً عن الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ والاصطفاف إلى جانب السلطة آنذاك، والمشاركة في الحفاظ على الدولة ومؤسّساتها من الانهيار، ومن ثمّ تقديم نفسه مرشّحاً لرئاسة دولة الجزائر سنة 1995.

في تلك الفترة شكّلت هذه الخطوة بحق نقلة نوعيّة في مسار حركات الإسلام السياسي (الإخواني) في العالم العربي والإسلامي بصفة عامّة، ولحظة انبثاق عقلانيّة من وسط اجتماعي ومنظومة فكريّة لا عقلانيّة، كما شكّلت دافعاً حقيقيّاً لحركة مجتمع السلم في الانتقال من الطابع الاحتجاجي إلى المشاركة في الحكم ضمن تحالف سياسي مع أحزاب السلطة الحاكمة.

شهد الفعل السياسي لهذه الحركة خلال تلك الفترة عمليّة تطوّر تميّزت بتقديم صورة مغايرة لنموذج الحزب الإسلامي، خاصّة بعد وفاة المؤسّس، حيث استبدلت شرعيّة الكاريزما بشرعيّة المؤسّسات، وانتقل الفعل السياسي من فعل عاطفي مشدود بأطر تنظيميّة تقليديّة تهدف لأسلمة الدولة والمجتمع ومرتبط ارتباطاً مفرطاً بإلهام الكاريزما إلى فعل سياسي عقلاني يسهم في بناء الدولة حسب ما اقتضته المرحلة وفرضته التحدّيات وعمّقته التجربة.

حسب ماكس فيبر، فإنّ للعقلانيّة واللّاعقلانيّة وجوداً متزامناً داخل المجتمع وفي السلوك الفردي، وإنّ اللّاعقلاني شكّل بلا كلل مصدر العقلنة. فالمسار التاريخي لحركة مجتمع السلم يتخلله توتر بين العقلانيّة واللّاعقلانيّة في أنماط الفعل السياسي الذي تنتجه، والذي أعاق كثيراً عمليّة استكمال بناء مشروع سياسي مدني قائم على فكرة التمايز ما بين المجال السياسي والمجال الدعوي.

مقدّمة

إنّ مخبر التاريخ استطاع أن يخضع تصوّرات وأفكار حركات الإسلام السياسي بصفة عامّة للامتحان، مثلها مثل باقي التصوّرات والنظريّات العالميّة الكبرى كالرأسماليّة والشيوعيّة وغيرها من الأفكار، ورصد مدى قدرتها على التطوّر والتكيّف والانسجام مع الوقائع والقضايا الإنسانيّة والمجتمعيّة.

ولعلّ الأحداث التاريخيّة المتنوّعة انتهاء بأحداث الربيع العربي وما خلفته من آثار، كانت سبباً وجيهاً في إبراز صحّة توجّه بعض حركات الإسلام السياسي في المغرب العربي (حزب العدالة والتنمية المغربي، حركة النهضة التونسيّة، حركة مجتمع السلم ”حمس“ الجزائريّة) نحو التمكين لمسار العقلنة وتجسيد عمليّة التكيّف مع المفاهيم والطروحات الجديدة ذات الصلة بتعزيز الحرّيّات والشراكة، والقبول بالتعدّديّة وضمان حقوق الأقليّات، والتعاطي مع الواقع بشيء من البراغماتيّة السياسيّة )الواقعيّة).

إنّ الاقتراب من دراسة حركات الإسلام السياسي في إطار المقاربة السوسيولوجيّة يضعنا أمام ضرورة فهمها من عدّة زوايا؛ فهناك من اهتمّ بالتعرّف على قاعدتها الاجتماعيّة، ومعرفة وزنها الحقيقي من خلال معرفة درجة تعبئتها للجمهور، كما حاولت جهود أخرى الوقوف على بعض أبعاد هذه الظاهرة من خلال تتبّع مؤشرات تجذّرها الاجتماعي والاقتصادي وكذا الأوساط الحاملة لها، والفئات الاجتماعيّة الأكثر تأثراً بخطابها، ودرجة حضورها بين الجماهير وبين النخب المثقفة، ومدى انغراسها بين مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعيّة والفئات السوسيومهنيّة كالعمّال والفلّاحين والطلبة وفئة النساء. كما اهتمّ البعض بتتبّع مسار التحوّلات الداخليّة والمستترة التي تشكّل حالة المخاض العسير في تكييف الثوابت الدينيّة والقوالب التشريعيّة وتعاطيها مع الواقع الجديد الذي أفرزته الانتفاضات الشعبيّة.

اهتمّ آخرون بمعرفة مآل الثوابت النصيّة المتعالية في مجال التطبيقات والممارسات الأداتيّة، ومدى النجاح في الانتقال إلى جوهرها الفلسفي أثناء عمليّة التأسيس لنظام اجتماعي وسياسي ديمقراطي. هذا التنوّع في المقاربات هو ما دفعنا بصفتنا باحثين لتبنّي مقاربة سوسيوتاريخيّة، نتتبّع من خلالها الامتداد الطبيعي لحركة مجتمع السلم ”حمس“ والتحوّلات الطارئة من خلال فهم تطوّر نمط الفعل السياسي للحركة، باعتبارها إحدى مخرجات ديناميّة امتزاج الحركة الإصلاحيّة بالحركة الإسلاميّة المعاصرة.

تُعتبر حركة مجتمع السلم ”حمس“ أولى حركات الإسلام السياسي الجزائريّة استجابةً وتكيفاً مع التطوّرات السياسيّة الكبيرة والحادّة التي شهدتها الجزائر منذ بداية التسعينيّات إلى يومنا هذا، والتي ساهمت بشكل كبير في تميز الفعل السياسي لهذه الحركة عن باقي التنظيمات السياسيّة الإسلاميّة الأخرى. ممّا استوجب علينا بصفتنا باحثين ضرورة فهم نمط هذا الفعل السياسي، ومحاولة تتبّع مراحل تطوّره، وهل استطاعت الحركة حقّاً إنتاج فعل سياسي عقلاني من خلال تجربتها السياسيّة؟

الامتداد التاريخي لحركة مجتمع السلم حمس

إنّ المتتبع لتاريخ الحركة الإصلاحيّة في الجزائر التي أسّسها كلٌّ من عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي وغيرهما من العلماء، يجد أنّها لعبت دوراً كبيراً في إيجاد الأرضيّة الملائمة لميلاد الحركة الإسلاميّة الجزائريّة المعاصرة، بما كانت تدافع عنه من مسائل الهويّة المتعلقة بالدين واللغة والانتماء الحضاري للأمّة العربيّة والإسلاميّة، خاصّة بعد الاستقلال لمّا باشرت السلطة الجديدة تسلّم مقاليد الحكم صائفة 1962، حيث بدأت بعض أصوات النخبة الحداثيّة النشطة في جبهة التحرير تنادي بدستور لائكي للدولة الجزائريّة، يكون الإسلام بموجبه ديناً للشعب وليس ديناً للدولة[3]، فضلاً عن الاختيار الإيديولوجي المتمثل في الاتجاه الاشتراكي المنصوص عليه في الدساتير المتتالية 1963، 1964، ثمّ ميثاق 1976.

أدّى هذا الاختيار الإيديولوجي إلى استمرار التجاذبات حول موضوع الدّين في الدولة الجديدة، وأخذت القضيّة مجرى آخر كانت له تداعياته الخاصّة على كامل التطوّر التاريخي اللّاحق للمجتمع والدولة، حينما استغل الشيخ البشير الإبراهيمي مناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لوفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس والمصادفة لانعقاد مؤتمر جبهة التحرير في 16 أبريل 1964، فأدان توجّهات النظام وطريقته في ممارسة السلطة، محذّراً ممّا يمكن أن تؤول إليه البلاد من حرب أهليّة بسبب ما يتخبّط فيه المجتمع من أزمات سياسيّة واقتصاديّة، ومن انحراف عن الخطّ الأصيل وسقوط في المذاهب الأجنبيّة بعيدة الصلة عن جذور المجتمع الجزائري وانتمائه الحضاري العربي والإسلامي. فكان ردّ السلطة آنذاك على هذا التصريح ردّاً عنيفاً تمثل في قطع راتبه الشهري الرمزي، ووضعه في الإقامة الجبريّة إلى أن وافته المنية في 21 مايو 1965[4].

إنّ مسار وتطوّر الأحداث في الدولة الجزائريّة الجديدة جعل بعض رموز الجمعيّة الذين بقوا أوفياء للخط الباديسي يخرجون عن صمتهم، ويتخذون موقف النقد والاحتجاج ضدّ توجّهات النظام الحاكم، فيما رأوه تهميشاً لدور الإسلام الذي لم يحظَ سوى بمكان ضيّق في خطاب التعبئة الرسمي، بل ومن انحراف عن الإسلام نتيجة ما بدأ يشيع في المجتمع الجزائري من المظاهر المنافية للأخلاق والآداب الإسلاميّة، ثمّ ما تترجمه توجّهات النظام الحاكم واختياراته الكبرى من سير نحو وضع خيار مشروع المجتمع الاشتراكي موضع التنفيذ[5].

فالتهميش الذي مارسه النظام الجزائري لممثلي الاتجاه الإصلاحي، إضافة إلى التأثير الوافد لأدبيّات الإسلام النضالي )الإخواني(، جعل نخب جمعيّة القيم تتبنّى الخطّ الاحتجاجي بزعامة كلّ من الشيخ عبد اللطيف سلطاني والشيخ العرباوي، وتتقارب من حيث مذهبها وعقيدتها من تيّار الإخوان المسلمين، حتى وإن لم تكن هناك علاقة ارتباط عضوي تنظيمي بينهما. يقول عمّار طالبي: »نحن في الحقيقة اتّجاه مستقل ولسنا تابعين عضويّاً، لكن بالنسبة إلى الإخوان المسلمين، فإنّنا نتعاطف معهم ونشترك معهم في الاتجاه العام«[6]. عمل على توسّع هذه الحركة الإسلاميّة الاحتجاجيّة وتغلغلها في المجتمع بثوبها الإسلامي النضالي (الإخواني)، حسب عدد من الباحثين، طبيعة مرحلة الستينيّات والسبعينيّات التي كانت فترة حركيّة إيديولوجيّة وسياسيّة في مجمل البلاد العربيّة، وأيضاً الدور الذي لعبه المتعاونون المشارقة الذين استعانت بهم الدولة الجزائريّة في إنجاح عمليّة التعريب وتغطية نقص الإطارات الفرنسيّة المغادرة للجزائر في نشر أفكار الحركة الإسلاميّة الإخوانيّة وهيكلة المنتمين إليها من الأوساط الطلّابيّة والشعبيّة.

يؤكّد العديد من الدراسات المهتمّة بالحركة الإسلاميّة في الجزائر الدور التراكمي والبنائي الذي أحدثه جهد العلماء، وجهد جمعيّة القيم بالخصوص في مسار التمهيد لتشكّل الحركة الإسلاميّة الجزائريّة، حيث سيبرز نوع من التواصل الجيلي[7] بين أسلاف الحركة الإصلاحيّة جمعيّة العلماء، والحركة الإصلاحيّة الجديدة » جمعيّة القيم«، والحركة الإسلامّية الجزائريّة المعاصرة، في حركة تطوريّة يتغير من خلالها المشروع الإصلاحي العقلاني إلى مشروع صحوي احتجاجي[8] قائم على ردود الأفعال، ويتغذّى من صراعه للأنظمة الديكتاتوريّة والاستبداديّة المضيّقة على الحقوق والحريّات بدعوى تهديد الوحدة الوطنيّة المقدّسة.

تبلور الفعل السياسي لحركة حمس

بعد دستور 1989، شهدت الجزائر انفتاحاً سياسيّاً خرجت من خلاله المعارضة إلى العلن في شكل أحزاب سياسيّة، واغتنمت أطياف التيّار الإسلامي المنضوية تحت رابطة الدعوة الإسلاميّة بزعامة الشيخ أحمد سحنون هذا الواقع بتأسيس ثلاثة أحزاب إسلاميّة كبرى هي: الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ، حركة النهضة الإسلاميّة، حركة المجتمع الإسلامي ”حماس“. محاولة تجاوز مرحلة السرّيّة والتكيّف مع الواقع الجديد والتفاعل في الحياة السياسيّة من خلال الاستجابة لقواعد التنظيم الحزبي الحديث وفق مفاهيم وآليّات ديمقراطيّة غربيّة، غير أنّ هذا الانخراط لم ينزع عنها صفة الاحتجاجيّة أو طابع الإسلام النضالي الذي تميزت به في خطابها التصادمي، ممثّلاً في جبهة الإنقاذ والرافض الكلّي للعلمانيّة كونها موروثاً استعماريّاً تدميريّاً لمقومات المجتمع الجزائري المسلم، والمطالبة بقيام الدولة الإسلاميّة لتصحيح المسار الذي انتهج بعد الاستقلال من طرف النظام الحاكم. والملاحظ لشعارات ومطالب هذا التيّار الإسلامي السياسي العام، يستطيع أن يصنفها دون عناء ضمن نمط الفعل السياسي التقليدي الذي لا يتجاوز خطابه قضايا الهويّة والعمل على أسلمة الدولة والمجتمع بالعودة إلى مرجعيّة هذه الأمّة، وما صلح به أوّلها من كتاب وسنّة دون محاولة فهم وتنميط هذه المرجعيّة.

إنّ طبيعة المجتمعات التقليديّة واللّاعقلانيّة حسب ماكس فيبر، لا تنعدم فيها العقلانيّة كليّة، وتشهد مراحل انتقاليّة تؤسّس لميلاد لحظات عقلانيّة داخل المجتمع والسلوك[9]. فانبثاق العقلانيّة من صلب اللّاعقلانّية تتجلّى بداياته في الدور المهم الذي تلعبه شخصيّة الكاريزما في التأسيس لهذا الانتقال على مستوى الأفكار والسلوك، وهذا ما حاولت حركة المجتمع الإسلامي "حماس" بزعامة مؤسّسها محفوظ نحناح، وما يملك من كاريزما، تجسيده ميدانيّاً من خلال التميز عن باقي التنظيمات الإسلاميّة الأخرى. فخففت من شدّة الاحتجاج وحاولت تقديم فعل سياسي ينسجم مع شعار الحركة آنذاك ويتّسم بالمرحليّة والواقعيّة والموضوعيِّة وإنتاج خطاب سياسي معتدل متصالح مع الديمقراطيّة وقيم الحداثة في إطار تحقيق التوازن ما بين الأصالة والمعاصرة.

إنّ هذا التميز والاختلاف يضعنا بصفتنا باحثين، أمام ظاهرة متنوّعة ومتباينة تتطلّب منّا فهم كلّ فصيل على حدة، وألّا نتعامل مع الظاهرة على أنّها كتلة صلبة واحدة، وهنا تبرز أمامنا دعوة «جيل كيبل« إلى ضرورة أن نتحرّر من تلك النظّارات القديمة عند رؤيتنا للحركات الإسلاميّة، ونستبدلها بنظّارات نظريّة جديدة تنتج لنا فهماً أعمق مثلما هي متجسّدة في الواقع العياني لا كما نحبّ أن نراها[10].

شكّلت مرحلة كاريزما المؤسّس محفوظ نحناح إلى غاية وفاته مروراً بالأزمة السياسيّة التي شهدتها الجزائر جرّاء توقيف المسار الانتخابي سنة 1992، وترشحه للانتخابات الرئاسيّة سنة 1995، شكّلت نقلة نوعيّة بالنسبة إلى حركات الإسلام السياسي )الإخوانيّة(. فقد سبقت مقاربته السياسيّة أقرانه من قيادات الحركة الإسلاميّة في العالم الإسلامي، سواء كانوا من المتشدّدين أم من الذين قلّلوا من أهميّة المسعى الذي انتهجه، حتى أثبت سير الأحداث صحّة رؤيته في قراءة الأوضاع السياسيّة المحليّة والدوليّة.

عندما نتحدّث عن مقاربة نحناح السياسيّة، فإنّنا نسلّط الضوء على المسلك والطريق الذي كان يفسّر به الظواهر السياسيّة، وليس قراءة الأحداث فقط معزولة عن امتداداتها الداخليّة والخارجيّة، وحتى أبعادها النفسيّة والاجتماعيّة. كانت له رؤية جعل لها محدّدات سياسيّة مضبوطة بمفردات العقلانيّة، كما استطاع أن يكثف خطابه ويطوّع اللغة في التعبير عن تميز الفكر الذي يحمله، فكانت مفردة المرحليّة في التغيير والواقعيّة في التحليل والموضوعية في الطرح محدّدات فكريّة رئيسة في الفكر الجديد الذي يريد نحناح تسويقه عن رؤيته ومقاربته. كما أسّس من جهة ثانية لمرحلة انتقاليّة مهمّة تخصّ حركته ومناضليها، حيث شهد الفعل السياسي التنظيمي خلالها عمليّة تطوّر ومسايرة تميزت بتقديم صورة مغايرة لنموذج الحزب الإسلامي، ومحاولة لعب دور البديل عن الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ، وبداية الانتقال من الفعل السياسي العاطفي المشدود بالأطر التنظيميّة التقليديّة الهادفة لأسلمة الدولة والمجتمع والارتباط المفرط بإلهام الكاريزما إلى الفعل السياسي العقلاني القيمي القائم على المساهمة والمشاركة في الحفاظ على الدولة ومؤسّساتها من الانهيار من جهة، والحفاظ على القاعدة النضاليّة الشابّة في صفوف الحركة من التطرّف والجمود من جهة أخرى، من خلال رفع خطاب التسامح والحوار مع الديمقراطيين والعلمانيين والانفتاح على العالم عن طريق تبنّي منهج الوسطيّة والاعتدال بين الغلوّ والتطرّف، والاستبداد والمواجهة. بدأ نحناح في صياغة قاموسه السياسي الجديد، ووجد لنفسه موقعاً بين الشورى والديمقراطيّة، فأنتج مصطلح (الشوراقراطيّة) وعالج إشكاليّة الخصام التاريخي بين التيّارات الثلاثة: الوطني والإسلامي والديمقراطي، فشارك في كلّ اللقاءات السياسيّة التي تستهدف ردم الهوّة بين التيّارات الثلاثة. وهكذا شاركت الحركة في إعادة بعث المسار الانتخابي بعد توقفه وإلغاء نتائجه، وساهمت في كسر إرادة التدويل، وأقنعت بعض أطراف السلطة الرافضين للمصالحة الوطنيّة.[11]

لقد درج نحناح على نشر خطابه تحت شعار الانتقال من «دال الدعوة إلى دال الدولة« بين مناضليه خاصّة، ليعرّف الأطر النضاليّة بالرؤية والمشروع السياسي الذي يحملون، وضرورة الانتقال إلى بناء الدولة، وهي ضرورة اقتضتها المرحلة وفرضتها التحدّيات وعمّقتها التجربة[12]. بات لزاماً على هذه الحركة أن تجتهد اجتهادات لم تكن مقبولة آنذاك لدى الكثير من السياسيين والإعلاميين، وحتى جزء من الرأي العام الجزائري وجمهور الحركات الإسلاميّة في العالم، فاجتهدت الحركة في التمييز بين الدولة والحكومة، والدولة التقليديّة والدولة الحديثة، كما اجتهدت في ربط الوطنيّة بالإسلام والإسلام بالوطنيّة، واجتهدت مبكراً في الشورى والديمقراطيّة وألّا تنافي بينهما مادام الهدف محاربة الاستبداد وفتح الحريّات فيما يستهدف درء المفاسد وجلب المصالح، والاعتماد على خيار الشعب وتبنّي الانتخاب ونبذ الإرهاب، واجتهدت في إشراك المرأة في العمل السياسي وإعارتها اهتماماً يفوق غيرها من الحركات على مستوى الهياكل التنظيميّة والسياسيّة والمجتمعيّة[13]، وغيرها من الاجتهادات المختلفة التى تعنى بالمسائل الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة والمجتمعيّة، ممّا حضّر الحركة للانتقال إلى مرحلة اختبار ذلك ميدانيّاً من خلال المشاركة في الحكومة وفق ائتلاف حكومي مع حزبي السلطة )جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديمقراطي(.

صاغت الحركة استراتيجيّة مشاركتها السياسيّة على أولويّة حماية الدولة قبل أيّة أولويّة أخرى، وحقن دماء الجزائريين وإقرار المصالحة الوطنيّة كأولويّة شرعيّة، حتى وإن تمّ اختزال هذه المشاركة في عدد من الوزراء والنوّاب ورؤساء البلديّات والمجالس الولائيّة وبعض الإطارات الإداريّة التي انغمست في العمليّة الإداريّة والسياسيّة المتعارف عليها لدى الرأي العام، دون تقديم وجه الاختلاف والتمايز عن سابقاتها من أحزاب السلطة. الأمر الذي زاد في توسيع الهوّة بين الرأي العام والحركة إلى جانب ما فرضه الدستور المعدّل لسنة 1996 بتغيير اسم الحركة من حركة المجتمع الإسلامي ”حماس“ إلى حركة مجتمع السلم ”حمس“، واعتبرت هذه التنازلات في مصافّ الخضوع للسلطة الحاكمة، ممّا أثر على وعائها الانتخابي، فكانت النتيجة سلبيّة لانتخابات سنة 2002، وسجّلت الحركة تراجعاً انتخابيّاً كبيراً وصل إلى حدّ فقدانها نصف عدد النواب في البرلمان، من 71 مقعداً إلى 38 مقعداً[14].

إلّا أنّ مشاركة الحركة في الحكومة من خلال تحالفها مع حزبي السلطة ومساهمتها في تسيير بعض مؤسّسات الدولة من وزارات وإدارات محليّة مختلفة أكسبها تطوّراً وانتقالاً، خاصّة بعد وفاة المؤسّس، من شرعيّة الكاريزما إلى شرعيّة المؤسّسات[15] وفق آليتي التكيّف والتجدّد الفكري، والعمل على تجسيد لحظات العقلانيّة التي أسّس لها نحناح في مسيرته. قدّمت ورقة السياسات العامّة للمؤتمر الرابع المنعقد سنة 2008 طرحاً فكريّاً مؤسّسيّاً يعكس عمليّة التجدّد، فآليّات التكيّف وحدها لا تكفي لحصول التطوّر، حسب ماكس فيبر، الذي يعوزها أيضاً برامج توحي بتجديدات تخضع لعمليّة انتقاء عقلاني.[16]

لم تمرّ مرحلة مشاركة النظام الحاكم ومحاولة الانتقال بالحركة من حركة جماعاتيّة إلى حركة مجتمعيّة دون تكلفة أضرّت بتمثيلها السياسي من خلال نتائج العمليّات الانتخابيّة، وبالتنظيم والبناء الهيكلي الذي لم يسلم من الهزّة الطبيعيّة والتصدّع الذي يصاحب كلّ عمليّة انتقال، خاصّة التنظيمات الإيديولوجيّة المغلقة. شهدت الحركة صراعات وانقسامات من القمّة إلى القاعدة وضعت خياراتها ومؤسّساتها على المحك، ترتّب على ذلك كلّه انسحاب حركة ”حمس“ من التحالف مع حزبي السلطة وإعادة التخندق في صفّ المعارضة لتثبيت ما قرّرته مؤسّسات الحركة في ورقة السياسات العامّة للمؤتمر الخامس، والتي تؤكّد عمليّة التجديد في الممارسة السياسيّة لحمس، والحفاظ على استكمال البناء المؤسّسي، والعمل على عقلنة الفعل السياسي من خلال رفع خطاب يدافع عن قيم الديمقراطيّة وقضايا المواطنة، وخدمة الشأن العام وفق مقاربة سياسيّة سيّدة مستفيدة من تجربة المعارضة الأولى، ومن تجربة المشاركة في الحكومة.

تداعيات الربيع العربي على مسار العقلنة عند حركة حمس

إنّ أحداث الربيع العربي وما ترتّب عليها إلى يومنا هذا، دفعت بحركة مجتمع السلم إلى اتّخاذ التوجّه نفسه الذي اتّخذته الأحزاب الإسلاميّة المغاربيّة )العدالة والتنمية المغربي، حركة النهضة التونسيّة) ومحاولة العمل على صياغة مشروع سياسي مدني قائم على فكّ الارتباط بين ما هو دعوي، وما هو سياسي، وتسريع وتيرة الدخول في مسار التمييز الوظيفي بين المجالين للإجابة عن الأسئلة الموضوعيّة الآنيّة المتعلّقة بمدنيّة الدولة وقضايا الديمقراطيّة والمواطنة.

أكيد أنّ هذا التقارب في الطرح ما بين التيّار السياسي الإسلامي المعتدل والتيّار العلماني المعتدل هو ما جعلنا بصفتنا باحثين نتّجه نحو الخروج من الثنائيّة الحادّة (علماني، إسلامي)، ونتجاوز الفرضيّة القائلة بفشل الإسلام السياسي، وأنّه وصل إلى طريق مسدودة كما قال »أوليفي روا«[17]، والإقرار بالمأزق التاريخي الذي تشترك فيه كلّ الاتجاهات الفكريّة التي خبرها العالم العربي والإسلامي، بما فيها الليبراليّة العربيّة أو القوميّة في تقديم مشروع سياسي-اقتصادي-اجتماعي مقنع للنهوض بالأمّة[18]، والنظر إلى الأحزاب الإسلاميّة، كما يقول عبد الوهاب الأفندي، بأنّها نتاج ظروف الحداثة وواقع العلمنة، وهذا بالضرورة يعني أنّه لا صحّة للمقولة السائدة إنّ هذه الحركات معادية للحداثة؛ لأنّه لا وجود لهذه الحركات خارج إطار الحداثة[19].

لقد أبدت حركة مجتمع السلم ”حمس“ عبر تاريخها اعتدالاً ومرونة في التعامل مع الآخر، وباتت تتعاطى مع الواقع بصورة أكثر عقلانيّة، وبشيء من البراغماتيّة السياسيّة )الواقعيّة(، ولكن في صورتها الإسلاميّة المقبولة التي تحاول التوفيق أو المزاوجة دائماً بين التمسّك بالمرجعيّة الإسلاميّة والأخلاقيّات من جهة، ومسايرة مجريات الواقع السياسي ومتغيّراته ومتطلّباته من جهة أخرى. فالدمج بين المرجعيّة الدينيّة والفعل السياسي البراغماتي عند الحركة يمكن اعتباره حسب ماكس فيبر فعلاً عقلانيّاً من وجهة نظر مزدوجة (وجهة نظر عقلانيّة أداتيّة وأخرى عقلانيّة أخلاقيّة) تعمل على تطوير الرؤية السياسيّة لها وتساهم في انتقالها بشكل كبير من إطار العموميّات إلى البرامج والمبادرات السياسيّة المتنوّعة، ابتداءً من مبادرة» ميثاق الإصلاح السياسي« إلى فكرة تكوين» لجان قطاعيّة« توازي عمل الوزارات الحكوميّة إلى مبادرة» الحريّات والانتقال الديمقراطي«؛ فمبادرة» التوافق الوطني« التي كانت إحدى مخرجات المؤتمر السابع[20] المنعقد سنة 2018، والذي أرادته حركة مجتمع السلم أن يكون عقداً سياسيّاً اجتماعيّاً يجمع أطياف المجتمع الجزائري كلّها بما فيها مؤسّسات الدولة الجزائريّة الحامية والمرافقة لهذا التوافق، والأحزاب والشخصيّات السياسيّة بكلّ توجّهاتها، والنقابات والنخب الوطنيّة، ومنظّمات المجتمع المدني، وكذا الشعب الجزائري الحاضن للمبادرة في مختلف أنحاء الوطن.[21]

تحدّيات مسار العقلنة عند حركة حمس

إذا ما تجاوزنا القول باستحالة نجاح مثل هذه المبادرة، فإنّنا نقرّ بالمستوى العقلاني الرشيد الذي بلغته الحركة في طرحها، والعمل على تجسيد الفعل السياسي القائم على التعاقدات الاجتماعيّة والسياسيّة وفق منهج ديمقراطي منفتح ومتجدّد من خلال مدّ الجسور مع باقي الفاعلين السياسيين لتحقيق الأهداف والغايات الوطنيّة المرتبطة بالمشروع المجتمعي.

إنّ الانشغال بالانطلاق من الواقع السياسي وما ينتج عنه من إشكالات على مستوى حقل الممارسة السياسيّة، وما ينعكس سلباً على باقي المستويات الأخرى الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة في محاولة البحث عن سبل تجاوز هذه المشاكل ميدانيّاً من خلال آليّة التعاقد السياسي، وإنجاز مداخل مرحلة الانتقال الديمقراطي، لا يكون نتاج التجربة الميدانيّة والاجتهادات الفرديّة القياديّة فحسب، وإنّما يستوجب عادة أرضيّة فكريّة ونظريّة سياسيّة تشكّل ناظماً وبوصلة للعمل والاشتغال في قلب المجتمع والدولة.[22] الأمر الذي ما زال يشكّل عبئاً أمام حركة مجتمع السلم لمسألة التأسيس الفكري والسياسي لمشروعها المجتمعي ذي الامتداد الجماهيري، وتقديم صورة واضحة ودقيقة حتى في بعض تفاصيله وجزئيّاته، وإعطاء تصوّر عمّا يمكن أن تكون عليه الأمور في حال اختيار الشعب لهذا المشروع.

فبرنامج التكوين المعتمد لدى الحركة، ما زال مثقلاً بالنصوص الدينيّة العقديّة والتربويّة، وضعيفاً إن لم نقل فاقداً للمحاولات التنظيريّة الفلسفيّة والسياسيّة في مقابل التقدّم الملموس على مستوى الحضور الميداني. هذا الاختلال في السير ما بين الممارسة السياسيّة الميدانيّة والممارسة السياسيّة التنظيريّة سيفوّت على الحركة الفرصة التاريخيّة لاندماجها في الحداثة السياسيّة من جهة، والتأسيس لمشروع مدني مجتمعي في ظلّ هذه الأزمة التي تعيشها الجزائر من جهة ثانية.

خاتمة

إنّ تطوّر حركة مجتمع السلم ”حمس“ ومحاولة الانخراط في عمليّة التأسيس لتاريخانيّة عقلانيّة هو حقيقة سياسيّة وحكم واقعي انتهت إليه الحركة من خلال تعاطيها وتفاعلها مع الصيرورة التاريخيّة للأفكار الإصلاحيّة والتغيريّة، ومحاولة تكيّفها مع الواقعة السياسيّة البراغماتيّة. ومن خلال تتبعنا للمسار التاريخي والفكري والسياسي لهذه الحركة استنتجنا ما يلي:

  • حركة مجتمع السلم ”حمس“ هي نتاج ديناميّة الحركة الإصلاحيّة والحركة الإسلاميّة الصحويّة.
  • ابتدأت الحركة نضالها بصفتها حركة اجتماعيّة وسياسيّة دينيّة لها أهدافها وخصائصها المتميزة.
  • التحوّلات السياسيّة الطارئة التي شهدتها الجزائر جرّاء أزمة 1992 ساهمت في انتقال الحركة من فلسفة وسياسة الدعوة إلى المشاركة السياسيّة من داخل المؤسّسات الحكوميّة، واستطاعت أن تحقق نقلة نوعيّة في الفعل السياسي.
  • غياب الشخصيّة القياديّة الكاريزميّة دفع الحركة للانتقال من شرعيّة الكاريزما إلى شرعيّة المؤسّسات والتمكين لها تنظيميّاً.
  • ساهمت المشاركة السياسيّة المستمرّة للحركة في المناسبات السياسيّة المختلفة، لإكسابها نضجاً في التعامل مع الحراك السياسي والتمهيد لنقل الحركة من حركة جماعاتيّة إلى حركة مجتمعيّة.
  • السياق السياسي العام وتداعيات الربيع العربي الفكريّة والسياسيّة على الحركة شكّلا عاملاً مهمّاً في إثارة البُعد التجديدي وعقلنة الفعل السياسي من خلال ضرورة العمل على تجسيد مبدأ التمييز الوظيفي بين المجالين السياسي والديني.
  • ما زال الفكر التجديدي لدى الحركة يفتقد لكثير من الأبعاد التي تؤهله لصياغة مشروع مجتمعي ذي عمق فكري وسياسي، لافتقادها للبُعد الأكاديمي والبحثي المتخصّص ضمن برنامجها التكويني المعتمد، ولاكتفائها بالاجتهادات القياديّة الفرديّة فقط.

ومع ذلك، تشكّل البنية الفكريّة السياسيّة المرنة والتنظيميّة لحركة مجتمع السلم ”حمس“ مادّة خاماً أمام الباحثين لتتبّع الجينات الأولى الممهّدة، لتكون مشروعاً مجتمعيّاً ديمقراطيّاً ذا خصوصيّة محليّة في إطار المشاريع البحثيّة المستقبليّة.

[1] معاوية أمحمد: باحث جزائري، أستاذ مساعد بجامعة مصطفى اسطمبولي ولاية معسكر، متحصّل على شهادةالماجستير في علم الاجتماع السياسي، ميدان التخصّص البحثي حول سوسيولوجيا الدولة الحديثة.

[2] ميلود طواهري: باحث جزائري، أستاذ التعليم العالي، متخصّص في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الثقافيّة.

[3] طاهر سعود، الحركات الإسلاميّة في الجزائر، الجذور التاريخيّة والفكريّة، ط1)دبي: مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2012(، ص327

[4] طاهر سعود، المرجع نفسه، ص329

[5] François Burgat, et François Gézes, Les Partis et mouvement islamistes en Algérie ;quelle perspectives pour l’union europpéenne ? www. algérie-watch. org

[6] طاهر سعود، المرجع نفسه، ص314

[7] المرجع نفسه، ص316

[8] عبد الإله بلقزيز، الإسلام والسياسة، دور الحركات الإسلاميّة في صوغ المجال السياسي، ط1)الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي2001(، ص153

[9] لوران فلوري، ماكس فيبر، ترجمة محمّد علي مقلد، ط1 )بيروت: دار الكتاب الجديد المتّحدة، 2008 (، ص39

[10] طاهر سعود، المرجع نفسه، ص202

[11] فاروق أبو سراج الذهب، حركة مجتمع السلم "حمس" أين وإلى أين تركيز المقاربة وتجديد الوظائف، ط1)الجزائر: دار الخلدونيّة، 2016 (، ص5

[12] فاروق أبو سراج الذهب، إسلاميو الجزائر: هل يخوضون انتخابات الرئاسة المقبلة؟ (الجزائر: مجلة المجتمع 21 فبراير2009م(.

[13] فاروق أبو سراج الذهب، المرجع نفسه ص7

[14] عبد الرزاق مقري، التحوّل الديمقراطي في الجزائر: رؤية ميدانيّة، ط1 )الجزائر: دار الخلدونيّة، 2008 (، ص17

[15] حمس. نت: المؤتمر الرابع.

[16] ريمون بودون، أبحاث في النظريّة العامّة في العقلانيّة، العمل الاجتماعي والحسّ المشترك. ترجمة جورج سليمان، ط1)بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2010)، ص192

[17] Olivier Roy, l’échec de l’islam politique (Paris: Seuil ,1992) p 76

[18] محمود حدّاد وآخرون، ندوة مستقبل الإسلام السياسي في الوطن العربي، ط1) بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2013(، ص123

[19] عبد الوهاب الأفندي، الحركات الإسلاميّة وأثرها في الاستقرار السياسي في العالم العربي، ط1)أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيّة، 2002(، ص15

[20] حمس. نت: المؤتمر السابع.

[21] حمس. نت: مبادرة التوافق الوطني.

[22] سامر أبو القاسم، التديّن والسياسة مساهمة نقديّة، ط1)الرباط: منشورات دار التوحيدي، 2005 (، ص87