علم الكلام والهرمينوطيقا... أيّ رهان؟


فئة :  أبحاث محكمة

علم الكلام والهرمينوطيقا... أيّ رهان؟

علم الكلام والهرمينوطيقا... أيّ رهان؟

مقدّمة

نقترح علمَ الكلام أفقاً تطبيقيّاً نستهدف من خلاله النظر في إمكانات سَحْبه من الحيّز العقائديّ الذي نشأ فيه، واستدراجه إلى منطقة تقاطع الاختصاصات عسى أنْ نظفَرَ بفائض القيمة الذي يُوفّره الرهان على البيْنيّة. وعلم الكلام واحد من العلوم الدينيّة التي رافقها منذ النشأة كثيرٌ من الصخب؛ فهو لئن تَنَزَّلَ عند بعض المصنّفين القدامى منزلةً مرموقة، جعله بعضهم الآخر في دائرة الارتياب والتوجّس. وبسبب هذا التنازع حول موقعه ودوره، حضر في نظريّة المعرفة الإسلاميّة حضوراً إشكاليّاً، وهو يُسْتدعَى اليومَ في كثير من الدراسات استدعاءً إشكاليّاً أيضاً، ولكنْ من زاوية أخرى. وإذْ نصطفيه موضوعَ دراسة، فلأنّنا نفترضُ أنّه قادر بالإمكانات التي تُتِيحُها عمليّات تشبيك المعارف والمناهج على أنْ يكون ورشة عمل ضخمة للتجديد والتنوير، ومِنْ ههنا تحديداً نروم أنْ نتناوله الدرس.

لا نرى، في هذا الإطار، فائدة حقيقيّة من تفصيل القول في ما استقرّ تعريفا للعلوم الشرعيّة إجمالاً، أو لمكوّناتها تفريعاً. وحَسْبُنا في هذا الإطار، أنْ نكتفيَ ببيان موضوعها ومَوْقِعِ علم الكلام فيها، جاء في تعريف العلم الشرعيّ أنّه «علم صَدَرَ عن الشرع أو توقّفَ عليه العلم الصادر عن الشرع... والعلم الشرعيّ تفسيرٌ وحديث وفقه»[1]. وجاء في بيان علاقة علم الكلام بالعلوم الشرعيّة أنّ علم الكلام هو العلم الذي تُبنى عليه العلوم الشرعيّة، فهو «أساسها وإليه يؤول أخذُها واقتباسُها... موضوعه أعمّ الأمور وأعلاها، وغايته أشرف الغايات وأجداها، ودلائله يقينيّة يَحكُم بها صريحُ العقل، وقد تأيّدتْ بالنقل وهي الغاية في الوثاقة، وهذه هي جهات شَرَفِ العلم التي لا تعدوها، فهو إذن أشرفُ العلوم»[2]. وجاء أيضاً في مَعرَضِ التعريف بموضوعها: «وتُسمّى العلوم الدينيّة، وهي العلوم المدوّنة التي تُذكَر فيها الأحكام الشرعيّة العمليّة أو الاعتقاديّة، وما يتعلّق بها تعلّقاً معتدّاً به... وهي أنواع، فمنها علمُ الكلام»[3].

ولكنّ مَطلبَنا ليس علمَ الكلام بإطلاق، بل «علم الكلام الجديد» تخصيصاً. وبهذا، يكتسبُ الموضوع راهنيّتَه من جهة، كما يكتسِب عمقَه الإشكاليّ من جهة ثانية بناء على السؤال التوجيهيّ الكبير الذي ستنجذب نحوه سائرُ مكوّنات الفصل وهو: إلى أيّ مدى تَضْمَنُ الدراسات البينيّة إنتاج معرفة غير تقليديّة تتطوّر بها علوم الشرع وتنسكبُ بها في مَجرى القيم الحديثة؟

وأمّا الهرمينوطيقا، فهي التي سنختبر بها مَدى جاهزيّة علم الكلام للخروج من «موطنه» الأصليّ تصوّراً ومقاصدَ، والاندراجِ في فضاء معرفيّ حديث. ولا نرانا أيضاً في حاجة ماسّة إلى تفصيل القول في الهرمينوطيقا والمسارات التي عرفتْها في التاريخ تفصيلاً مدرسيّاً، فهذا ممّا يَسْهُل الظفر به في التآليف الكثيرة الخاصّة بها. إنّ ما يَعنينا منها في هذا المقام التمهيديّ هو أنّها ليست التفسيرَ ولا التأويل كما مارسهما «علماء الدين»، وإنْ كانت تتقاطَعُ معهما تقاطُعاً شكليّاً من خلال ما يحيل عليه التعريف المعجميّ في درجته الصفر للمفردتيْن فسّر وأوّل عربيّاً، أو للدلالة المعجميّة المباشرة لفعل hermeneia في اليونانيّة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

[1] - محمّد علي التهانوي، موسوعة اصطلاحات الفنون والعلوم، تحقيق علي دحروج، الجزء الأوّل، (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 1996)، ص: 1020

[2] - عبد الرحمان الإيجي، المواقف في علم الكلام، (بيروت: عالم الكتب، د. ت)، ص: 8

[3] - التهانوي، موسوعة، مصدر سابق، ص ص: 28- 29