من التحرر إلى الاضطراب


فئة :  ترجمات

من التحرر إلى الاضطراب

من التحرر إلى الاضطراب:

شبكاتُ التواصل الاجتماعي والديمقراطية[1]

جوشوا أ.تاكر، يانيس ثيوكاريس، مارغريت إ.روبرتس، بابلو باربيرا

ترجمة: محمد معاذ شهبان*[2]

جوشوا أ. تاكر أستاذ العلوم السياسية، وشريك مؤسس ومدير مشارك لمختبر التواصل الاجتماعي والمشاركة السياسية (SMaPP) بجامعة نيويورك. يانيس ثيوكاريس زميل باحث بمركز مانهايم للأبحاث الاجتماعية الأوروبية (MZES). مارغريت إ. روبرتس، أستاذة مساعدة في العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، سان دييغو. بابلو باربيرا أستاذة مساعدة بكلية العلاقات الدولية بجامعة جنوب كاليفورنيا. ساهم كل الكتاب بشكل متساوٍ، وهم مرتبون عكس الترتيب الأبجدي. يستوحي جزء من هذا المقال أفكاراً من كتاب روبرتس الذي يصدر قريباً (تحت الرقابة: الإلهاء والتمويه داخل جدار الحماية العظيم بالصين) (Princeton University Press).

في العام (2010م)، اختارت مجلة التايم مارك زوكربيرغ «شخصية العام»، حسب المجلة الأسبوعية كان هو من حول «عالم الفرص العشوائية اللااجتماعي والمنعزل إلى عالم ودود، عالم المفاجآت السارة» من خلال منصته الاجتماعية الواسعة الانتشار الفيسبوك[3]. بعدها بسنة حلَّ «المتظاهر» مكان زوكربيرغ شخصية للعام. جاءت هذه الشخصية لتُمثل أولئك الذين خرجوا -في الغالب من خلال التنظيم على الفيسبوك أو تويتر- ليحتجوا على الحكام المستبدين في كل من البحرين ومصر وسورية وتونس واليمن، وكل أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع على مدى أشهرٍ احتجاجاً على البطالة وسياسات التقشف واللامساواة في اليونان وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية من جملة دول ديمقراطية أخرى.

بعد ست سنوات مضت سريعاً، وقعَ اختيارُ مجلة التايم على الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد جونيور ترامب شخصيةً للعام. وهو ما تفاعل معه الرئيس الأمريكي عبر تويتر، وسيلة التواصل المفضلة لديه، بقوله: «شكراً لمجلة التايم وفاينانشال تايمز لاختياري «شخصية العام». إنه لتشريفٌ كبير لي»[4] تويتر كان الوسيلة الأنسب لجواب ترامب، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الدور المحوري الذي لعبته شبكات التواصل الاجتماعي في الانتخابات الأمريكية لسنة (2016م). لقد تزايدت أهمية شبكات التواصل الاجتماعي خلال تلك الانتخابات لدرجة أن مستشاراً قانونياً خاصاً تم تعيينه، ليُشكل فريقاً «مكدساً بالمدعين ووكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي المتوافرين على كل الإمكانات الضرورية للتحقيق في صلة موسكو بالحسابات الوهمية على تويتر والأخبار الكاذبة على الفيسبوك، والتي تمخضت عنها كل تلك العناوين المتعلقة بالحملة الانتخابية التي رجحت كفة ترامب»[5]. بتعبير آخر، في ظرف خمس سنوات فقط تحولت شبكات التواصل الاجتماعي -على الأقل في المخيلة الشعبية- من كونها طريقة تواجه من خلالها القوى المنادية بالديمقراطية المستبدين بالسلطة إلى أداة يلجأ إليها فاعلون خارجيون لمهاجمة الديمقراطيات.

لا زالت تكنولوجيا التواصل الاجتماعي مغمورة، إلا أنها لعبت فعلاً دوراً في عدد من الاحتجاجات العنيفة وفي انتخابات أمريكية طَبعتها القطبية بشكل كبير. لطالما وُصفت شبكاتُ التواصل الاجتماعي بأنها حلبةُ الصراع بين قوى «الخير» الديمقراطية التي تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي لإسماع صوتها وقوى «الشر» الاستبدادية والقمعية التي تسعى لفرض رقابتها على هذه القناة بهدف إسكات هذه العناصر التحررية؛ بيدَ أن المخاوف الأخيرة من أن تستخدم القوى المتطرفة والمتعصبة عالم التواصل الإلكتروني الطليق لتقويض الديمقراطية أعادت النظر في النقاش الدائر حول شبكات التواصل الاجتماعي. بعد الانتخابات الأمريكية التي جرت سنة (2016م) دعا زعماء الديمقراطيات إلى «ضبط» أكبر للإنترنت، وهُم بذلك كرروا -إلى حد ما- الخطاب الاستبدادي الذي يروج للرقابة و«توجيه الرأي العام».[6]

هل هناك إطار نظري يربط شبكات التواصل الاجتماعي والسياسة من شأنه أن يلقي الضوء على هذه التحولات والتناقضات؟ الإجابة نعم، لنبدأ بملاحظتين بسيطتين، أولها أن شبكات التواصل الاجتماعي جاءت لتعطي صوتاً لمن تُغيب آراؤهم عن النقاشات السياسية في وسائل الإعلام الرئيسية. بفضل شبكات التواصل الاجتماعي يُمكن لعموم الناس أن يجدوا مواطنين يُقاسمونهم الآراء نفسها، كما بإمكانهم تنظيم الاحتجاجات والحركات ودعم المترشحين السياسيين والأحزاب السياسية. باختصار، تعمل شبكات التواصل الاجتماعي على حل مشاكل العمل الجماعي التي لطالما شوشت على منْ تمَّ استبعادهم عن السياسة السائدة. ويمكن أن يشمل ذلك القوى المنادية بالديمقراطية بطبيعة الحال، إذ بمقدور شبكات التواصل الاجتماعي أن توفر لهم وسائل جديدة لمحاسبة حكوماتهم والضغط لإدماج أوسع في الحياة السياسية، وهنا يبرز الحديث المتفائل والمبكر عن «تكنولوجيا التحرر» كميزة من ميزات العصر الرقمي. ومع ذلك تبدو شبكات التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لانتشار الأصوات المتطرفة بما فيها تلك التي تعدّها الديمقراطية الليبرالية «معارضة للنظام».

ثانياً، وعلى عكس ما قد يعتقده المرء، فإن الانفتاح الكبير لبيئة شبكات التواصل الاجتماعي قد يُستغل لتعزيز الرقابة؛ إذ إن منصات حرية المعلومات قد تُستغل لإسكات الآخرين. إلى حدود اليوم، تجلت هذه الأنشطة بشكل كبير في الطريقة التي تجاوبت بها الأنظمة الاستبدادية مع الأنشطة الإلكترونية المعارضة للنظام. وبات بإمكان الرقابة الاستبدادية اليوم أن تسيطر على المضايقات الإلكترونية بالإضافة إلى الدعاية والإلهاء وهجمات حجب خدمة الإنترنت حتى يتسنى لها تكميم أفواه المنتقدين وغَلقَ الفضاء المعلوماتي أو تشويهه. وما زاد الأمور تعقيداً هو أن القوى غير الليبرالية المناهضة للنظام داخل الأنظمة الديمقراطية تعلمت كيف تستعمل هذه الأساليب الاستبدادية لاستغلال المنصات التي توفر المعلومات. ومن ثم، فإن استراتيجيات التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي التي كان للأنظمة غير الديمقراطية السبق في ابتكارها لغايات استبدادية باتت تؤثر اليوم على الحياة السياسية في ديمقراطيات العالم؛ ليبقى سؤال كيفية تفاعل الديمقراطيات مع هذا التحدي التكنولوجي دون جواب.

هذه الحقيقة المزدوجة لعالم الإنترنت المفتوح -القادر على منح صوت لمن لا صوت له، والذي يميل في الوقت نفسه لأهداف الرقابة والإقصاء- تُفسر تفاؤل الأفكار حول شبكات التواصل الاجتماعي أو تشاؤمها (كما صار عليه الحال مؤخراً) حينما يتعلق الأمر بالديمقراطية.[7] إن بيت القصيد هو أنه بينما تعد حرية المعلومات على الإنترنت مبدأً متأصلاً، فإن شبكات التواصل الاجتماعي ليست ديمقراطية بطبيعتها ولا غير ديمقراطية، بل إنها تُشكل فضاءً تتنافس فيه المصالح السياسية بهدف التأثير، مصالح ليست كلها ليبرالية أو ديمقراطية.

يُوضح هذا الإطار النظري كيف يُمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أن تكون في الوقت نفسه تكنولوجيا تحرر وتكنولوجيا تخدم الحكومات الاستبدادية العازمة على خنق المعارضة وكذا تكنولوجيا لتمكين أولئك الذين يسعون لتغيير الوضع القائم في المجتمعات الديمقراطية، بما في ذلك الجماعات المتطرفة المقصية. وهُنا وجب التذكيرُ بتحذيرين اثنين على التوالي؛ ذلك أنه بينما نعتقد أن تطوراً تاريخياً قد سُجل من حيث استعمال شبكات التواصل الاجتماعي- حينما سخَّر الديمقراطيون شبكات التواصل الاجتماعي لمواجهة الاستبداد؛ لتتفاعل القوى الاستبدادية مع ذلك من خلال رفع «لعبة الشبكة» (online game) الخاصة بها، ثم بدأت القوى المعارضة للنظام في الديمقراطيات بنقل الأساليب الاستبدادية الجديدة- تُستخدم هذه السلسلة اليوم كفرضية للتجريب عوض أن تكون معطىً مجرباً. ثانياً، وعلى الرغم من تركيزنا على الطرق التي منحت من خلالها شبكات التواصل الاجتماعي الصوت للفاعلين الديمقراطيين في الأنظمة غير الديمقراطية وكذا للفاعلين المعارضين للنظام في الأنظمة الديمقراطية، فإن الخلاصة الإجمالية التي خرجنا بها تزعمُ أن شبكات التواصل الاجتماعي أعطت صوتاً للفئات المقصية. ويمكن لهذا أن يشمل أيضاً اصطفاف المجموعات إلى جانب النظام عوض معارضته، بمعنى آخر، يمكن أن تخدم شبكات التواصل الاجتماعي الأصوات المنادية بالديمقراطية في الديمقراطيات والأصوات المناهضة للديمقراطية في الأنظمة الاستبدادية.

أمل جديد: تكنولوجيا التحرر

غيرت شبكات التواصل الاجتماعي من طريقة تواصلنا وتفاعلنا واستهلاكنا لأنواع متعددة من المعلومات، بما في ذلك المعلومات السياسية. في القاموس التكنولوجي تُكون شبكات التواصل الاجتماعي مجموعة من التطبيقات التفاعلية ويب 2.0 التي تسمح بإنشاء المحتوى الذي ينتجه المشتركون وتوزيعه (مثل النصوص والصور والفيديوهات) بشكل فوري وعبر شبكات واسعة من المستخدمين. وعلى عكس تكنولوجيات الكمبيوتر السابقة تسمح شبكات التواصل الاجتماعي للمستخدمين بأن يُصبحوا منتجي محتوى نشيطين (عوض أن يظلوا مستهلكين فقط)، مع توضيح صِلاتهم وتعميمها مع الأفراد الآخرين مِمَّن يتفاعلون ويتعاونون معهم. لقد غيرت شبكات التواصل الاجتماعي من بنية التواصل بأن سمحت للمستخدِمين الأفراد ببث المعلومات، وهو ما يخلق بنية تواصل «الكثير مع الكثير» التي تختلف عن البنية التقليدية «فرد واحد مع الجميع» التي تسمح لقليل من المستخدمين فقط (النخب المختلفة، الإعلام التقليدي) بنشر المواد إلى عموم الجمهور. بنية الكثير للكثير هذه تتيحُ التنسيق بين الأفراد كما تتيح «انتشار» الرسائل أو المحتوى الذي يُرسل عبر مثل هذه المنصات، أي أن يتم بثها أفقياً عبر شبكات النظير لنظير آخر في الوقت الحقيقي[8].

تُلقي هذه الخاصيات الجديدة الضوء على ما يجعل من شبكات التواصل الاجتماعي أداة سياسية فعالة داخل نطاق المؤسسات وما وراءها. هناك نحو ملياري شخص أو ما يفوق ربع ساكنة العالم متواجدون على شبكات التواصل الاجتماعي التي تتحول بسرعة في المجتمعات المختلفة إلى المصدر الأول للمعلومات، فبحسب أرقام مركز بيو للأبحاث، يطلعُ (62) في المئة من البالغين في الولايات المتحدة على الأخبار عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بينما يُشير تقرير معهد رويترز للأخبار الرقمية إلى أن (46) في المئة من الأوروبيين يطلعون على الأخبار من خلال شبكات التواصل الاجتماعي[9]. بالإضافة إلى أن هناك دليلاً على أن منصات التواصل الاجتماعي بإمكانها أن تُنتج جمهوراً جيد الاطلاع، وتزيد من ثم من عرضِ الآراء السياسية المتقاطعة[10].

حينما يكون الاضطراب هاجس الأنظمة غير الديمقراطية، تبرز قدرة شبكات التواصل الاجتماعي على نقل المعلومة، فيُصبح بإمكان كل من الصحفيين الدوليين والناس «في الميدان» والفاعلين الإقليميين والدوليين وعموم القراء التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي. غالباً ما تتم الإشارة إلى الربيع العربي كمثال لقدرة شبكات التواصل الاجتماعي على نقل المُهمشين بين ليلة وضحاها من الإقصاء إلى الشهرة وطنياً ودولياً. خلال موجة الحركة الخضراء الإيرانية التي شهدتها إيران سنة (2009م)، وفرت شبكات التواصل الاجتماعي للمحتجين في الشوارع وسائل التواصل، ونقلت انتهاكات النظام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى وسائل الإعلام الدولية على الرغم من الرقابة الكبيرة المفروضة وحملة القمع التي شنها النظام على مواقع الإنترنت. لقد ربطت شبكات التواصل الاجتماعي تزوير الانتخابات وسخط الشباب والاعتداء على المُحتجين، مُسببة مشاكل جدية للنظام[11].

تُتيح الطبيعة الجماعية لشبكات التواصل الاجتماعي تنسيق العمل الجماعي بطرق من شأنها رفع المشاركة في المجتمعات الديمقراطية، حتى في غياب التنظيمات الرسمية أحياناً. يمكنُ أن تَصيرَ القصص والرموز الخاصة وسائل تعبئة قوية، حيث أظهرت الأبحاث التجريبية التي درست آثار التعبئة على الفيسبوك خلال فترة الانتخابات بأن ظهور الرسائل على الصفحة الرئيسية للأخبار المُحينة (News feeds) قد تؤثر بشكل مباشر على التعبير السياسي عن الذات وطلب المعلومات والسلوك الانتخابي[12]. وقد وجدت الدراسات التي همَّت الاحتجاجات الإسبانية في (2011-2012م) أنه بالإضافة إلى المستعملين المؤثرين ومعلوماتهم المُتدفقة يمكن أن تساهم أعداد القواعد الشعبية والمستخدمين المشتركين المنخرطين في النشاط المنخفض التكلفة على شبكات التواصل الاجتماعي في إيصالها إلى جمهور أوسع[13]. وفي سياق متصل، ومن خلال توفيرها لأشكال جديدة وتعبيرية من المشاركة في العملية السياسية فقد صارت شبكات التواصل الاجتماعي ضرورية لتسهيل نشر الرسائل من المجموعات الأكثر التزاماً من المستخدمين عبر شبكات التواصل إلى المشاركين الهامشيين الأقل مشاركة الذين يساهمون في الرفع من مقدار التعبئة على الإنترنت من خلال المشاركة المُصغرة[14]. ومن شأن هذا بدوره أن يقود إلى زيادة في الاهتمام العام والإعلامي – وهو ما يتجسد في صعود كل من حركة الشاي وحركة حياة السود مهمة بالولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى التعبئة خارج نطاق الإنترنت والتي تجسدها احتجاجات الربيع العربي وحركة احتلوا وول ستريت وحركة 15 مايو بإسبانيا.

ومن ثم تتمتع شبكات وسائل التواصل الاجتماعي بالقدرة على مساعدة الحركات الديمقراطية من خلال نشر المعلومات، وإعادة إحياء المشاركة، وتسهيل العمل الجماعي. باختصار، يُمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أن تساهم في دمقرطة الولوج إلى وسائل المعلومات والتواصل. ويمكن للمجموعات التي تُفرض عليها في العادة رقابة أو يتم إسكاتها أن تَبْلغ جمهوراً عريضاً، وتجد سهولة في محاسبة النخب القوية.

بينما صارت المزايا والفوائد المحتملة لشبكات التواصل الاجتماعي أكثر جلاءً لمن يسعون لديمقراطية أكبر فكذلك هو الأمر بالنسبة إلى نقائص شبكات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن هذه المنصات تتيح للأفراد المنتمين لطبقات متفاوتة والذين لم يكونوا على تواصل من قبل تنظيمَ احتجاجات مباغتة فلا يبدو أن بإمكانهم الضغط باستمرار على النخب، وهو مطلب جوهري ليس فقط بالنسبة للبناء الديمقراطي وإنما للإبقاء على قضية معينة على الأجندة. يظهر الاختلافُ بين هذه المُخرجات في التنظيمات الهرمية التي تبرع شبكات التواصل الاجتماعي في تفاديها. في غياب هذه التنظيمات قد يتحول النشاط الديمقراطي الذي يتيحه الإنترنت إلى بريق سرعان ما يخفت، يُصدر حرارة وضوءاً لكن سُرعان ما يحترق ولا يترك أثراً دائماً. ولعلَ مردَّ ذلك هو تسخير الحكومات الاستبدادية الإنترنت، لتتمكن من تعطيل احتمال التغيير على المدى البعيد، وهو المنظور الذي نتطرق إليه لاحقاً.

الإمبراطورية تعيد الضربات: تكنولوجيا القمع

لطالما كانت مقاومة الإمكانية الديمقراطية لشبكات التواصل الاجتماعي أمراً محتوماً، حيثُ إن الحكومات التي تجد نفسها مهددة بمطالب مُحاسبتها تلجأُ لطرق تهدف من خلالها إلى ردعها. ومثلما أشار البعض لذلك سابقاً، سرعانَ ما تأقلمت الأنظمة الاستبدادية لتحد من تأثير هذه التكنولوجيا الجديدة[15]، كما أن عدداً من الوسائل التي تستعملها لهذا الغرض هي استراتيجيات رقابية مألوفة –تم تطويرها منذ وقت بعيد في غياب الإنترنت، إلا أنها انتشرت الآن على الإنترنت- هدفُها إسكات معارضة الأنظمة الاستبدادية، بينما برزت وسائل أخرى جديدة خاصة بشبكات التواصل الاجتماعي تهم تكتيكات هدفها استغلال الطبيعة الجماعية للإنترنت بطرق من شأنها تضخيم رسائل النظام مع إخفات رسائل المعارضة. كل الوسائل، القديمة منها والجديدة، يُمكن أن تُنظم في ثلاث فئات تُطلق عليها مارغاريت روبيرتس في كتابها (the three Fs الفاءات الثلاث): الخوف (Fear)، وهي القوة التي تكمن وراء الرقابة التي تردع، هناك الاحتكاك (Friction)، وهي الرقابة التي تكبح، ثم هناك الفيضان (Flooding) وهو الرقابة التي تصرف الانتباه وتُشوش[16].

أولاً، يمكن أن يسعى المستبدون للحد من النشاط الإلكتروني من خلال تخويف أو سجن أولئك الذين يستخدمون المنصات الإلكترونية للمعارضة والانشقاق (أو ما هو أسوأ من ذلك). تكتيكات «الخوف» جزء من مجموعة الأدوات التقليدية التي يستخدمها المستبد، التي ترمي إلى إسكات من يجرؤون على التحدث. وِفقَ لجنة حماية الصحفيين، تمَّ سجنُ (259) صحفياً حول العالم إلى غاية كانون الأول/ديسمبر (2016م)[17]. عدد كبير من هؤلاء الصحفيين نشروا مقالات على الإنترنت تطرقت لموضوعات مثل عدم المساواة والاحتجاجات والفساد- وكل «الموضوعات المحرمة» في أعين الممسكين بزمام السلطة، والذين يتهربون من المحاسبة. كما تزخر الأمثلة بحالات استهداف الحكومة لعموم المواطنين الذين استخدموا المنصات الإلكترونية لنشر المعلومات التي لا ترغبُ الحكومات في الكشف عنها. وعلى الرغم من غياب إحصاء رسمي بعدد المدونين الموجودين خلف القضبان، فإن البحث عن «المدونين المُعتقلين» على غوغل الأخبار يُحيل على آلاف النتائج. وبما أن قوة الرصد الرقمي للإنترنت بين يدي الدول فقد سهَّل ذلك تحديد خصوم النظام، ومن ثم توقيفهم.

وعلى الرغم من أن الإنترنت يتيحُ كل ما سبق ذكره، إلا أنه وسع بشكل كبير أعداد وأنواع الناس النشيطين في الحياة العامة؛ لدرجة أن الأنظمة الاستبدادية لم تعد قادرة على تحمُّل تكلفة الأنواع التقليدية من القمع. في بعض الأنظمة الشمولية فقط يُمكن تخويف كل الناس أو معظمهم، وفي أغلب الأنظمة القمعية يمكن أن يُسبب الخوف المستفحل رد فعلٍ عنيف ويَخلق مشاكل تَحول دون جمع المعلومات والابتكار[18]. ومن ثم، لجأت الأنظمة الاستبدادية إلى خلق تكتيكات «احتكاك» صامتة في حربها على الإنترنت، يشملُ ذلك أنظمة حجب معقدة مثل النظام الرقابي السيئ السمعة «جدار الحماية العظيم للصين»، وبطء شبكات الإنترنت وإغلاقها والاستئصال الجراحي للمنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي والتلاعبات الخوارزمية لنتائج البحث بهدف حظر المعلومات التي لا تَروقُ الحكام المستبدين. قد لا يَفطن مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي في العديد من الحالات لتأثير هذه الرقابة عليهم، والتي يستحيل تجنبها أو مواجهتها.[19]

بينما تلجأُ الأنظمة الاستبدادية لتكنولوجيا القمع لتقويض حرية المعلومات على الإنترنت، يُمكن أن تلتف هذه الأنظمة نفسها على الطبيعة الحرة والمنفتحة لشبكات التواصل الاجتماعي لمصلحتها. إن من يكسب معركة فضاء شبكات التواصل الاجتماعي هم أولئك الذين ينجحون في إيصال رسائلهم إلى قمة الهرم، ذلك ما تعيهِ الأنظمة الاستبدادية لتقوم بتسخير قدرة أيّ فردٍ على النشر على شبكات التواصل الاجتماعي للترويج لأجندات النظام والتشويش على أجندات معارضي النظام، وهو ما يُسمى بــ «الفيضان».

يُمكن للحكومات الاستبدادية، على سبيل المثال، أن تُؤدي ثمناً مقابل المنشورات، حتى يتسنى لها بث رسائل في وقت استراتيجي على شبكات التواصل الاجتماعي. كما أن بإمكانها استخدام البوتات الآلية التشغيل (automated bots) المُسلحة للترويج لأجندة الحكومة أو إغراق وسوم الاحتجاجات المعادية للنظام، كما أنها قد تشوش على المعارضة من خلال الإلهاء. وقد تنشر نفس الأنظمة معلومات مُضللة لإرباك عموم الناس والحط من قدر فائدة المعلومات على الإنترنت، وقد تُضايق معارضي النظام على الإنترنت.[20]

تُشكل الحملات الإلكترونية التي تقودها الحكومة للترويج لدعايتها أو لإسكات المنتقدين أشكالاً من المشاركة والرقابة على التوالي. وقد سمحت الطبيعة المفتوحة للإنترنت لمعارضي النظام -المقصيين من الإعلام الرسمي المملوك للدولة- بالتعريف بآرائهم والتنظيم في المبادرات السياسية، لتحاول الحكومات الاستبدادية من جهتها مواجهتهم عن طريق تنظيم حملات إلكترونية مكثفة. استغلال ما هو ليبرالي في جوهره مثل الانفتاح الكبير للإنترنت في مجهودات الرقابة والترويج للأفكار غير الليبرالية هو ما يُشكل مأزقاً للعلماء وصناع القرار على حد سواء. مثل الأخطار التي تُشكلها «مزارع النقرات»[21] على محركات البحث، وتلك التي تُشكلها الاستعراضات الوهمية على أنظمة الاستعراضات الإلكترونية، فإن التقديم الاستراتيجي للمعلومات السياسية للأسماء المستعارة يُهدد الحالة الهشة التي تطبع شبكات التواصل الاجتماعي كحلبة للتشاور العمومي الحقيقي. إن خدعة «إغراق منطقة (شبكات التواصل الاجتماعي)» كنوعٍ من الرقابة هو في حد ذاته أداة سياسية قوية يمكن تسخيرها بشكل أوسع من اقتصار ذلك على الفاعلين من النظام؛ الذين يحاولون تقويض المشاركة والنقاش السياسيَين الواسعين في بلدانهم.

عودة القوى المعارضة للنظام: التكنولوجيا الصاخبة

كما رأينا، يُمكن لنفس البنية التحتية التي من شأنها تعزيز المعارضة الديمقراطية أن تُستعمل لأغراض استبدادية. كما أن التكتيكات التي استحدثتها الأنظمة الاستبدادية مُتاحة كذلك للمجموعات التي تشتغل داخل المجتمعات الديمقراطية، لتسعى من خلالها لأهداف متعصبة.

إن الآلية نفسها التي لعبت دوراً كبيراً في الربيع العربي - قدرة شبكات التواصل الاجتماعي على منح صوت لمن لا صوت له- هي التي تعمل على تمكين مجموعات على الهامش لتتحدى بذلك القيم الديمقراطية الجوهرية. ربما أن المثال الأوضح هي الطريقة التي جعلت من خلالها جماعات إرهابية مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام شبكات التواصل الاجتماعي قناتها التواصلية الأساسية – حتى يتسنى لها تجنيد المقاتلين الأجانب وتنسيق الهجمات وتوسيع أنشطتها من خلال الوصول الفوري لجمهورها الدولي العريض.[22]

إلا أن هذه النزعة لا تقتصر على المجموعات الخارجية، مثلما تذكر كل من أليس مارويك وريبيكا لويس: «بينما يختلفُ بشكل كبير كل من المتصيدين والقوميين البيض ونشطاء حقوق الرجال والواقفون وراء حملة وسوم (#Gamegate) و«اليمين البديل» ومنظرو نظرية المؤامرة من حيث مبادئهم فإنهم يتقاسمون التكتيكات نفسها، ويلتقون في القضايا ذات الاهتمام المشترك»[23]. هناك العديد من العوامل التي تقف وراء الارتفاع الأخير في بروز هذه المجموعات، إلا أن صعود شبكات التواصل الاجتماعي مهَّد دون شك الطريق أمام من يحملون آراء الأقلية في مجتمعاتهم ليجدوا من يشاطرهم الآراء في أماكن أخرى، ويشكلوا من ثم مجتمعات أوسع مما كانت لتبدو عليه قبل العصر الرقمي.

في الآن نفسه، وبينما يرى الصحفيون ووسائل الإعلام التقليدية أن أدوارهم التي تتلخص في حراسة البوابات الإعلامية، والتحقق من المعطيات آخذة في الانحسار، فإن أفكاراً كثيرة مثيرة للجدل تبقى دون منازع، إذ إن بالإمكان تعزيزها عن طريق الخاصيات الخوارزمية للمنصات الإلكترونية التي تُحفز العناوين المضللة من خلال حاذب النقرات (clickbait) والرسائل العاطفية، ثم تنتشر بشكل أوسع بمساعدة المتصيدين أو البوتات لبلوغ شرائح عريضة من الجماهير. وبهذه الطريقة لا يمكن لمعارضي النظام في الديمقراطيات أن يعتمدوا فقط على الدروس التي استخلصها من سخروا في الأصل شبكات التواصل الاجتماعي لخدمة الحركات المنادية بالديمقراطية في البلدان الأكثر استبداداً، بل بإمكانهم أيضاً اللجوء للوسائل التي طورتها الأنظمة الاستبدادية (مثل المتصيدين والبوتات)[24] لمواجهة الحركات الديمقراطية.

ومثلما قال البعض، فإن في مقدور الحركات المعارضة للنظام أن تستخدم حرفياً الأدوات التي طورتها الأنظمة الاستبدادية لمواجهة خصومها الإلكترونيين[25]. ويبدو أن هذه الوضعية الجديدة قد فاجأت الأنظمة السياسية الديمقراطية بقدر ما فاجأت شبكات التواصل الاجتماعي الأنظمة غير الديمقراطية في فترة مبكرة من هذا العقد.

مثلما تمت الإشارة من قبل، يمكن أن تمنح شبكات التواصل الاجتماعي الصوت لكل من كانت تُعد اتجاهاته ومعتقداته بعيدة جدّاً عن التيار السائد. ويمكن أن يشمل ذلك القوى المعارضة للنظام التي تسعى جاهدة لتقويض الديمقراطية الليبرالية، بالإضافة إلى المجموعات السياسية التي تسعى إلى تحويل السياسات الديمقراطية لتقليص اللامساواة الاقتصادية والسياسية. وعلى الرغم من أن هذه المجموعات لا تعبر كلها بشكل صريح عن عدائها للديمقراطية الليبرالية فإن قاسمها المشترك هو حرصها على الرفع من أولوياتها السياسية التي لم تكُن مقبولة أو غير جديرة بالاهتمام من قبل سياسيي وأحزاب، وكذا وسائل إعلام التيار السائد.

إن الصعود المتقارب جداً من حيث التوقيت للأحزاب الشعبوية اليمينية واليسارية في أوروبا وبرنامج دونالد ترامب الانتخابي الحمائي الناجح والمُعارض للمهاجرين في الولايات المتحدة، والحركات التي خرجت للاحتجاج على اللامساواة السوسيو اقتصادية (مثل احتلوا وول ستريت في الولايات المتحدة، أو حركة الاحتجاجات الإسبانية سنة 2011م بإسبانيا) تؤكد على الأهمية المتصاعدة لشبكات التواصل الاجتماعي في الأنظمة الديمقراطية. وحتى نكون واضحين، فإننا لا نقول: إن شبكات التواصل الاجتماعي تقف وراء الصعود الأخير للشعبوية. بيدَ أن الشعبويين وجدوا في المنصات الإلكترونية أداةً مساعدة لهم بعد أن وجدت أصواتهم التي كانت مُهمشة من قبل مكاناً لها في ظل القوانين الجديدة للعصر الرقمي، وهي القوانين التي تُحول السياسات الديمقراطية بطريقتين.

تتمثلُ الطريقة الأولى في كونِ الحملات والحركات من هذا النوع لم تتعلم فقط من أنماطها الخاصة للاستعمال عبر السنوات، بل بالأساس من ممارسات البث والتعبئة للحملات الانتخابية في الديمقراطيات. كان لحملات شبكات التواصل الاجتماعي الرائدة التي قادها سياسيو الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة من أمثال هاورد دين وباراك أوباما تأثير كبير على الطريقة التي استُغلت بها تكنولوجيا المعلومات والتواصل لكسب عموم الجمهور.[26] على الأقل منذُ فوزر أوباما في الانتخابات الأمريكية لسنة (2008م) أخذ الفاعلون داخل وخارج الحلبة الانتخابية علماً بالاستعمالات السياسية المبتكَرة لشبكات التواصل الاجتماعي، كما تعلموا إعادة ابتكار أساليب مخاطبة الجمهور من خلالها. ما كان يُشكل من قبل ميداناً خاصاً بالسياسيين الشباب العارفين بالتكنولوجيا صار اليوم ميدان الجميع، فاتحاً المجال أمام ساحة معركة سياسة جديدة كلياً.

وتتمثل الطريقة الثانية التي تسمح من خلالها شبكات التواصل الاجتماعي لمعارضي الوضع القائم بالاستفادة من القواعد الجديدة في الاختصار الذي يحكم التبادلات على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي. فتغريدات تويتر التي لا تتجاوز (140) حرفاً للتغريدة ليست فقيرة فقط من حيثُ ملاءمتها لتعزيز النقاش ذي الفوارق الدقيقة، بل يمكن أن تُستعمل لتقويض المبادئ الأساسية في المجال العمومي الديمقراطي[27]. لا يهتم المتصيدون الإلكترونيون في العادة بالنقاش المبني على الحجج، ذلك أن هدفهم هو شن سلسلة من الاعتداءات التي من شأنها إسكات أو تسريح أفراد أو مسؤولين عموميين، أو خلق ظروف إلهاء توجه تركيز مستخدِمي الإنترنت إلى قضية أو رسالة أخرى. لقد ارتقت شبكات التواصل الاجتماعي كأدوات قوية في أيدي المرشحين والأحزاب الشعبوية على حد سواء، خصوصاً وأن شبكات التواصل الاجتماعي تسمح لهم بخلق المشهد بسرعة مع تجنب النقاشات التي يمكن أن «يخسروا فيها» في الآن ذاته. ومن ثم فما الداعي للانخراط في نقاش ما بينما يُمكننا أن نحصل على كل الانتباه الذي نسعى إليه عبر تصريح مثير للجدل؟

تُعد أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا أمثلةً مميزة لهذا الاتجاه. قدَّم مؤسس الحركة الألمانية المناهضة للمهاجرين بيغيدا (Pegida) (وهو اختصار ألماني لحركة الوطنيين الأوروبيين ضد أسلمة الغرب) استقالته من زعامة الحركة في بداية الأمر بعد تسريب صورة له وهو يُقلد فيها هتلر بشاربه، إلا أنه عاد إلى منصبه بعد فترة قصيرة[28]. أما السياسي اليميني الهولندي خيرت فيلدرز، والذي دأب على استعمال تويتر لإثارة الغضب من خلال نعت أنداده اليساريين «إسلاميين فاشيين»، فقد نشر على تويتر قبل شهر من انتخابات آذار/مارس (2017م) صورة مفبركة لزعيم حزب معارض بالبرلمان، وهو يُشارك في مسيرة مع محتجين مسلمين يرفعون لافتاتٍ عليها عبارات من قبيل «الإسلام سيغزو أوروبا» و«طبقوا الشريعة في هولندا»[29] وبينما أدان السياسيون الهولنديون فعلة فيلدرز، فقد ظل حديث الأخبار لأيام عديدة خلال فترة مفصلية من الانتخابات التي حل فيها حزبه ثانياً.

بينما تتعدد استعمالات شبكات التواصل الاجتماعي من قبل المجموعات المعارضة للنظام في الديمقراطيات، ويصعبُ التطرق لها في مُجملها هنا، فإن الكثيرين يعتمدون على الآليات نفسها التي تلجأُ لها المجموعات الديمقراطية والأنظمة القمعية على حد سواء لتسخير قوة شبكات التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، يتَّبعُ انتشار المعلومات المضللة على شبكات التواصل الاجتماعي منطق النشر نفسه عبر الشبكات وعبر المنصات، وهو ما سمح للمتظاهرين في مصر بتحويل قصصهم الشخصية والمؤثرة من الضرب والقمع الذي تعرضوا له إلى شرارة للثورة. ولأن منشورات شبكات التواصل الاجتماعي تنتشرُ عبر روابط ضعيفة، وتُقدم في سياق إشارات اجتماعية قوية، فإن «الأخبار الزائفة» تنتشر بسرعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي دون أن يتم دحرها. وعلى نحو مُماثل تستفيد تقنيات قرصنة الاهتمام التي استخدمتها الأنظمة القمعية، مثل حاذب النقرات (clickbait) ونتائج البحث المُتلاعب بها، بشكل كبيرٍ من الانتشار السريع. عمليةٌ يُمكن أن تزداد قوةً بفضل تعرض المستخدِمين بشكل عرضي للمحتوى المنشور على شبكات التواصل الاجتماعي (بخلاف البحث الانتقائي). محتوى من هذا القبيل حتى وإن كان يتعارض مع مبادئ مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي سيُثير فضولهم، على الأقل في بعض الحالات، في وقت لم يطلعوا فيه على الموضوع.

القانونُ يستفيق: تضييق على التكنولوجيا؟

مثلما سببت تكنولوجيا التحرر مشاكل للأنظمة الاستبدادية، فقد شكل نجاح شبكات التواصل الاجتماعي وَقوداً للاضطرابات السياسية في الديمقراطيات. مردُّ بعض من تلك الاضطرابات النقاش الطليق والثاقب، ولكن الدينامي العادي في المجتمعات الديمقراطية. إلا أن بعض النقاشات تسقط في نطاق التطرف، وقد تصل إلى حد التطرف العنيف. فهل بإمكان الحكومات الديمقراطية أو من واجبها أن تفعل شيئاً ما حيال الأمر، وإذا كان الجواب بالإيجاب، فما هو؟ بعد هجمات جسر لندن الإرهابية في (3) حزيران/يونيو (2017م) والتي أودت بحياة (11) شخصاً (بما في ذلك منفذي الاعتداء الثلاثة) وتسببت في جرح (48) آخرين، في ثالث أكبر عملية اعتداء ضربت المملكة المتحدة منذ آذار/مارس، نسبت مستشارة الأمن القومي البريطاني آمبر رود الهجمات لما أسمته «الإرهابيين الإسلاميين الراديكاليين»[30]. في اليوم نفسه دعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريسا ماي إلى ضبط أكبر للإنترنت بهدف «منع انتشار المخططات المتطرفة والإرهابية»[31]. بعدها بأسابيع واستباقاً لانتخابات البوندستاغ الألماني التي كانت مقررة في أيلول/سبتمبر (2017م)، مررت الحكومة الألمانية قانوناً يفرض غرامات ثقيلة على شركات التواصل الاجتماعي إن هي فشلت خلال (24) ساعة في حذف تعليقات أو منشورات متطرفة كانت أو كاذبة («والتي تبدو غير قانونية» حسب تصريح وزير العدل الألماني هيكو ماس)[32].

قد تختبرُ هذه القرارات حدود حرية التعبير في المجتمعات الديمقراطية، وتُصور بشكل واضحٍ تنافراً بنيوياً مستمراً بين الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية. وبينما يُمكن أن تتخذ الأنظمة الاستبدادية الخطوات المشار إليها سابقاً لنشر الأفكار المعارضة على شبكات التواصل الاجتماعي، يمكن أن تكون الأنظمة الديمقراطية أكثر تقييداً، إذ لا يُمكن لدولة ديمقراطية أن توظف الأخبار الكاذبة، أو تُغير القوانين بشكل تعسفي، أو تبدأ في اعتقال من يدعمون الأفكار السياسية المثيرة للجدل.

لقد نتجَ عن الواقع الجديد إجراءات مثيرة للجدل، حيث يؤدي على سبيل المثال التشابه بين القانون الألماني الجديد لمجهودات «توجيه الرأي العام» في المجتمعات الاستبدادية إلى تساؤلات معيارية مُثيرة للقلق حول إعادة استعمال الحكومات الديمقراطية لهذه البنية التحتية التنظيمية بهدف القمع أو الرقابة أو المراقبة. بل إن التبني المُباشر لنسخة افتراضية من القانون الألماني من قبل روسيا بوتين جلبَ عليها انتقاداً حاداً من قبل منظمات المجتمع المدني. حسب منظمة مراسلون بلا حدود «عندما تُقسم الديمقراطيات الكبيرة التشريعات الصارمة فإنها تُوفر بذلك أفكاراً للأنظمة القمعية».[33]

وما يزيد الأمور تعقيداً، هو عدم وضوح مدى إمكانية تحقيق النتائج التي تتصورها الحكومات من خلال هذه الإجراءات، ذلك أن المهام التي قد تبدو تافهةً بالنسبة للبعض، من قبيل تحديد الأخبار الزائفة والحسابات الوهمية على الإنترنت، وتصنيف المحتوى من حيثُ صدقيته أو زيفه والبث فيما «يبدو غير قانوني»، تبقى صعبة التطبيق، كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه المجهودات ستنجحُ أم لا. هذا وقد تُحدثُ تدخلات تدقيق الحقائق ردود فعل عنيفة[34]، كما أن الشبكات الإرهابية قد تلجأ لمنصات أخرى يصعبُ فيها تعقبها. علاوة على ذلك، قد تصطدم المحاولات الرامية إلى تقنين الخطاب بكل التحديات التقنية الجديدة، مثل فصل المواطنين الذين يتمتعون بحقوقهم المدنية عن الفاعلين الأجانب -وحتى عن وكالات الاستخبارات الأجنبية- والذين قد لا يحظون بالحقوق نفسها، هذا دون الحديث عن التحدي الذي يترتب عن فصل البشر عن الأشكال المتطورة من الذكاء الاصطناعي.

أن نقولَ: إن هذه التطورات تطرحُ تحديات جديدة على العلماء وصناع القرار وشركات التواصل الاجتماعي والمحاكم والفاعلين السياسيين؛ ففي ذلك تبخيس في الأمر. ومثلما هو من الصعب بمكان الإجابة عن الأسئلة التي تهم كيفية مراقبة الحكومات الديمقراطية أو تقنينها لمنصات التواصل الاجتماعي التي تستخدمها المجموعات الإرهابية، يزدادُ الأمر صعوبة حينما نُعيد صياغة السؤال من حيث المجموعات في المجتمعات الديمقراطية، التي تبدو أنها تستعمل شبكات التواصل الاجتماعي لاتخاذ إجراءات بهدف تقويض الديمقراطية والمعايير الديمقراطية. لقد قاربت عدد من الدول تاريخياً سؤال الخطاب خارج شبكة الإنترنت بطرق عديدة، لكن هل لهذه المقاربة التي تُطبقها كل دولة على حدة جدوى في وقت صار فيه امتداد الخطاب غير متحكم فيه على مستوى الحدود الوطنية؟ وبالفعل فإن الغالبية العُظمى من المنشورات اليومية على شبكات التواصل الاجتماعي (خصوصاً خارج الصين وروسيا) تحتضنها الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات مثل تويتر وفيسبوك، وهي المنشورات التي تُؤثر على تصنيفات البحث التي تُشرف عليها شركة عتيدة متعددة الجنسيات ممثلة في غوغل.

هل تلعبُ الشركات دوراً في ضمان بقاء منصاتها بعيدة عن الرقابة أو الإزعاج؟ إن توظيف فيسبوك لعدد كبير من مراجعي المحتوى لمواجهة هذه التحديات بالإضافة إلى تطبيق غوغل للتعلم الآلي للمساعدة في حذف المحتويات ذات الطابع المُتطرف دليل على أن هذه الشركات بدأت تتحملُ مسؤولياتها في محاربة انتشار الأفكار المُتطرفة عبر شبكات الإنترنت[35]. كيف يُمكن لها التعامل مع ما تطلبه منها الحكومات من معطيات أو إغلاق لحسابات بعينها؟ يرتبط الجواب هنا بشفافية أكبر في مثل هذه القضايا وبمشاورات موسعة مع المجتمع المدني.

في الأخير، هل هناك ما يُمكن للمواطنين فعلهُ لدعم الإدماج الإلكتروني والتشاور الديمقراطي؟ على سبيل المثال، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أهمية التلميحات الاجتماعية في انتشار المعلومات، هل يُمكن اعتبار تدقيق حقائق الروابط الاجتماعية لشخص ما واجباً جديداً من واجبات المواطنة؟ أي التفاعل بصوت عالٍ كلما نشر شخص ما على قائمتي معلومات مضللة. بينما يُمكن أن تُعبد هذه الأنواعُ من المبادرات الطريقَ أمام أشكال جديدة من ردود الأفعال العنيفة على المستوى الشخصي (مثل «الحذف من قائمة الأصدقاء»)، فقد أكد العلماء مراراً على أن البيئة التعاونية لشبكات التواصل الاجتماعي من شأنها أن تُنتج معايير جديدة من المواطنة والانخراط السياسي. وبالفعل، فإن بعض مَن درسوا هذه المسألة يُبدون تفاؤلاً حذراً لكون المواطنين، خصوصاً الشباب منهم، سيقطعون مع الاستهلاك السلبي للمعلومات لصالح مزيد من الانخراط النقدي والمُتبصر في التعامل مع عالم الادعاءات والادعاءات المُضادة التي تتدفقُ جيئةً وذهاباً على الإنترنت[36].

هذه الأسئلة وغيرها تُبرز أهمية التفكير ملياً في المسؤوليات الجديدة للحكومات والشركات والمواطنين على حد سواء في العصر الرقمي. يمكن أن يلعب العلماء دوراً هنا. كما أن بعضَ الأسئلة التي طُرحت أعلاهُ معيارية: هل يجب على الحكومات ضبط الخطاب الإلكتروني؟ لكن هناك أسئلة أخرى إيجابية: هل بإمكاننا تطوير الخوارزميات لتحديد الحسابات الوهمية وهي تتطور تدريجياً مع مرور الوقت؟ هل تُساهم محاولات ضبط الخطاب الإلكتروني في الرفع من دعم المعايير الديمقراطية أم تُقلصها؟ لكلٍّ من هذين النوعين من الأسئلة تحدياته. ويبقى أملنا أن يُبرهن الإطار الذي رسمناه من خلال هذا المقال على أهميته لمن هم داخل الحقل الأكاديمي وخارجه، وهم في خضم صراعهم مع ما يعنيه عالم الإنترنت الدائم التطور للسياسات والديمقراطية، وما إلى ذلك.

للاطلاع على الملف كاملا المرجو الضغط هنا

_______________________________________________________________

[1]. مجلة ألباب العدد 14

[2] * باحث ومترجم مغربي.

. مجلة الديمقراطية Journal of Democracy، المجلد 28، العدد 4، تشرين الأول/أكتوبر 2017م، ص: 46-59 (مقال).

Johns Hopkins University Press

[3]. Lev Grossman, “Person of the Year 2010: Mark Zuckerberg, ” Time, 15 December 2010,

http://content.time.com/time/specials/packages/article/0, 28804, 2036683_2037183, 00.html.

[4] . Donald Trump, “Thankyou to Time Magazine and Financial Times for naming me ‘Person of the Year’—a great honor!” Twitter, 15 December 2016, https://twitter.com/realdonaldtrump/status/809384826193276928.

[5]. Darren Samuelsohn, “Fake News Could Prove Vexing in Mueller Probe, ” Politico, 11 July 2017, www.politico.com/story/2017/07/11/fake-news-robert-muellertrump-240376. On social media and the 2016 U.S. election, see Nathaniel Persily, “The 2016 U.S. Election: Can Democracy Survive the Internet?” Journal of Democracy 28 (April 2017): 63–76. On media manipulation in democracies generally, see Alice Marwick and Rebecca Lewis, “Media Manipulation and Disinformation Online”, Data &Society Research Institute, 2017,

https://datasociety.net/pubs/oh/DataAndSociety_MediaManipulationAndDisinformationOnline.Pdf

[6] . See David Z. Morris “U.K. Conservatives Want to Dramatically Increase Internet Regulation, ” Fortune, 20 May 2017, http://fortune.com/2017/05/20/u-k-election-internetregulation; Catherine Cadell, “China Says Terrorism, Fake News Impel Greater Internet Curbs, ” Reuters, 19 November 2016, www.reuters.com/article/us-china-internet-idUSKBN13F01K.

[7] . Blake Hounsell, “The Revolution Will Be Tweeted: Life in the Vanguard of the New Twitter Proletariat”, Foreign Policy, 20 June 2011, www.foreignpolicy.com/articles/2011/06/20/the_revolution_will_be_tweeted; Vyacheslav W. Polonski, “Is Social Media Destroying Democracy?” Newsweek, 5 August 2016, www.newsweek.com/socialmedia-destroying-democracy-487483 ;Nicholas Carr, “How Social Media Is Ruining Politics, ” Politico, 2 September 2015, www.politico.com/magazine/story/2015/09/2016-election-social-media-ruining-politics-213104

[8] . Larry Diamond, “Liberation Technology, ” Journal of Democracy 21 (July 2010): 69-83.

[9] . Jeffrey Gottfriedand Elisa Shearer. “News Use Across Social Media Platforms 2016, ” Pew Research Center, 26 May 2016, www.journalism.org/2016/05/26/news-useacross- social-media-platforms-2016; Nic Newman et al., “Reuters Institute Digital News Report 2016, ” Reuters Institute for theStudy of Journalism, http://reutersinstitute.politics.ox.ac.uk/sites/default/files/Digital-News-Report-2016.pdf.

[10]. Daniela V. Dimitrova et al., “The Effects of Digital Media on Political Knowledge and Participation in Election Campaigns: Evidence From Panel Data,” Communication Research 41 (February 2014): 95; Eytan Bakshy, Solomon Messing, and Lada A. Adamic, “Exposure to Ideologically Diverse News and Opinion on Facebook, ” Science, 5 June 2015, 1130; Cristian Vaccari et al., “Of Echo Chambers and Contrarian Clubs: Exposure to Political Disagreement Among German and Italian Users of Twitter, ” Social Media + Society 2 (September 2016): 1-24.

[11] . Philip N. Howard, The Digital Origins of Dictatorship and Democracy: Information Technology and Political Islam (New York: Oxford University Press, 2010), 5–8. For alternative interpretations, see Evgeny Morozov, “Iran: Downside to the ‘Twitter Revolution, ’” Dissent 56 (Fall 2009): 10–14; and Sean Aday et al., “Blogs and Bullets: New Media in Contentious Politics, ” U.S. Institute of Peace, September 2010

[12]. Robert M. Bond et al., “A 61-Million-Person Experiment in Social Influence and Political Mobilization, ” Nature 489 (September 2012): 295–98.

[13]. Sandra González-Bailón, Javier Borge-Holthoefer, and Yamir Moreno, “Broadcasters and Hidden Influentials in Online Protest Diffusion, ” American Behavioral Scientist 57 (July 2013): 943–65.

[14]. Pablo Barberáet al., “The CriticalPeriphery in the Growth of Social Protests, ” PLoS ONE 10 (November 2015), http://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0143611

[15] . يجدر التنويه هنا بالكاتب إيفجيني موروزوف الذي سبق أن ذكر سنة 2019م بأن «أغلب الدول الاستبدادية ... تستغلُ الفضاء الإلكتروني بلهفة لصالح أهدافها الاستراتيجية» «إيران: الجانب السلبي من «ثورة تويتر»»، 12. انظر أيضاً كتابه وهم الإنترنت (نيويورك: Public Affairs, 2012). أدرك لاري دايموند أيضاً هذه الإمكانية مشيراً إلى أن «الدول الاستبدادية مثل الصين وبلاروسيا وإيران» اكتسبوا قدرات تقنية معتبرة (وشاركوها) بهدف فرز الإنترنت والتحكم فيه, وكذا بهدف تحديد المنشقين وملاحقتهم. يتنافسُ اليوم كل من الديمقراطيين والاستبداديين لضبط هذه التكنولوجيات. في النهاية ليست التكنولوجيا وحدها التي ستُحدد من «يكسب» الرهان بل الأمر يعتمد على التنظيم والاستراتيجية السياسية والقوى الاجتماعية والاقتصادية المعيارية المُتجذرة. «Liberation Technology» 70

[16] . تُحيل هذه الفقرة على عمل مارغريت روبرتس، تحت الرقابة: الإلهاء والتمويه داخل جدار الحماية العظيم بالصين (Princeton: Princeton University Press, forthcoming 2018) انظر أيضاً سيرجي سانوفيش ودينيس ستوكال وجوشوا أ.توكر، "قلب الموائد الافتراضية: استراتيجيات الحكومة لمواجهة المعارضة على الإنترنت من خلال الحالة الروسية" (صدر في 2018)Comparative Politics، حيثُ يُقدم خطاطة تصنيفية مختلفة لكن ذات صلة مبنية على الردود خارج نطاق الانترنيت والتضييقات التي تطال منع الوصول إلى المحتوى الإلكتروني والانخراط في المحتوى الإلكتروني.

[17]. Committee to Protect Journalists, “2016 Prison Census: 259 Journalists Jailed Worldwide, ” https://cpj.org/imprisoned/2016.php.

[18] . في كتابها القادم حول جدار الحماية العظيم بالصين، تقول مارغريت روبيرتس أن لهذه الأسباب يُشكل الخوف إشكالية من حيث استعمالها من قبل الحكومات الاستبدادية بطريقة واسعة على الإنترنت. وعوض ذلك، تُفضل مثل هذه الأنظمة في الغالب أن تُوفر تكتيكات الخوف لاستعمالات خاصة عند استهداف النخب الرفيعة المستوى والصحفيين.

[19]. Lotus Ruan, Jeffrey Knockel, and Masashi Crete-Nishihata, “We (Can’t) Chat: ‘709 Crackdown’ Discussions Blocked on Weibo and WeChat, ” Citizen Lab, 13 April 2017, https://citizenlab.ca/2017/04/we-cant-chat-709-crackdown-discussions-blockedon- weibo-and-wechat; Rebecca MacKinnon, “Liberation Technology: China’s Networked Authoritarianism, ” Journal of Democracy 22 (April 2011): 32–46; David Bamman, Brendan O’Connor, and Noah A. Smith, “Censorship and Deletion Practices in Chinese Social Media, ” First Monday 17 (March 2012),

http://firstmonday.org/article/view/3943/3169;

Gary King, Jennifer Pan, and Margaret E. Roberts, “How Censorship in China Allows Government Criticism but Silences Collective Expression, ” American Political Science Review 107 (May 2013): 326–43; Gary King, Jennifer Pan, and Margaret E. Roberts, “Reverse-Engineering Censorship in China: Randomized Experimentation and Participant Observation, ” Science, 22 August 2014; Sanovich et al., “Turning the Virtual Tables.”

[20]. Peter Pomerantsev and Michael Weiss, The Menace of Unreality: How the Kremlin Weaponizes Information, Culture and Money, special report presented by the Interpreter (a project of the Institute of Modern Russia, New York), 2014; Rongbin Han, “Defending the Authoritarian Regime Online: China’s ‘Voluntary Fifty-cent Army, ’” China Quarterly 224 (December 2015): 1006; Gary King, Jennifer Pan, and Margaret E. Roberts, “How the Chinese Government Fabricates Social Media Posts for Strategic Distraction, Not Engaged Argument, ” American Political Science Review 111 (August 2017): 484–501; Blake Andrew Phillip Miller, “Automated Detection of Chinese Government Astroturfers Using Network and Social Metadata, ” working paper shared with authors, 2016

[21] . مزارع النقرات مُصطلح يطلق على العمال ذوي الأجور المنخفضة الذين يتم الدفع لهم كي يمضوا الوقت ينقرون على روابط إعلانات مدفوعة، أو إبداء الإعجاب بمنشورات صفحة معينة.

[22] . Brendan I. Koerner, “Why ISIS Is Winning the Social Media War, ” Wired, April 2016, www.wired.com/2016/03/isis-winning-social-media-war-heres-beat; J.M. Berger, “How ISIS Games Twitter, ” Atlantic, 16 June 2014, www.theatlantic.com/international/archive/2014/06/isis-iraq-twitter-social-media-strategy/372856; although see Alexandra Siegel and Joshua A. Tucker, “The Islamic State’s Information Warfare: Measuring the Success of ISIS’ Online Strategy, ” Journal of Language and Politics (forthcoming),

which argues that although pro-ISIS content spreads globally and remains on message, it is far less prolific than anti-ISIS content.

[23]. Marwick and Lewis, “Media Manipulation and Disinformation Online, ” 1.

[24] . البوتات: برامج تقوم بعمل مهام تلقائية على الإنترنت، وعادة ما تقوم بإجراء مهام بسيطة ومركبة بصورة متكررة، بمعدل أعلى مما يمكن أن يقوم به الإنسان وحده.

[25] . See for example Emily Tamkin, “French Intelligence Agency Braces for Russian Bots to Back Le Pen”, Foreign Policy, 8 February 2017,

 http://foreignpolicy.com/2017/02/08/french-intelligence-agency-braces for-russian-bots-to-back-le-pen; Peter Stone and Greg Gordon, “FBI’s Russian-Influence Probe Includes a Look at Breitbart, InfoWars News Sites, ” McClatchy, 20 March 2017, www.mcclatchydc.com/news/politicsgovernment/ white-house/article139695453.html ; Emilio Ferrara et al., “The Rise of Social Bots, ” Communications of the ACM 59 (July 2016): 96-104.

[26]. Jennifer Stromer-Galley, Presidential Campaigning in the Internet Age (Oxford: Oxford University Press, 2014).

[27]. Yannis Theocharis et al., “A Bad Workman Blames His Tweets: The Consequences of Citizens’ Uncivil Twitter Use When Interacting With Party Candidates, ” Journal of Communication 66 (December 2016): 1007–31.

[28] . Ben Knight, “Pegida Head Lutz Bachmann Reinstated After Furore over Hitler Moustache Photo, ” Guardian, 23 February 2015, www.theguardian.com/world/2015/ feb/23/pegida-head-lutz-bachmann-reinstated-hitler-moustache-photo.

[29]. Adam Taylor, “Dutch Far Right Leader Geert Wilders Tweets a Fake Image of a Rival with a ‘Shariah for the Netherlands’ Sign, ” Washington Post, 6 February 2017, www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2017/02/06/dutch-far-right-leader-geertwilders-tweets-a-fake-image-of-a-rival-with-a-shariah-for-the-netherlands-sign

[30]. “UK’s RuddSays London Attackers Probably ‘Radical Islamist Terrorists, ’” Reuters, 4 June 2017, www.reuters.com/article/us-britain-security-rudd-idUSKBN18V0JC.

[31]. Charles Riley, “Theresa May: Internet Must Be Regulated to Prevent Terrorism, ” CNN, 4 June 2017, http://money.cnn.com/2017/06/04/technology/social-media-terrorismextremism-london/index.html.

[32] . “GermanyApproves Plans to Fine Social Media Firms up to €50m, ” Guardian, 30 June 2017, www.theguardian.com/media/2017/jun/30/germany-approves-plans-to-finesocial- media-firms-up-to-50m.

[33] . Reporters Without Borders, “Russian Bill Is a Copy-and-Paste of Germany’s Hate Speech Law, ” 19 July 2017, https://rsf.org/en/news/russian-bill-copy-and-pastegermanys-hate-speech-law.

[34]. See for example the #CNNBlackmail reaction to CNN’s identification of the creator of a .gif tweeted by President Trump that used footage from professional wrestling to show Trump physically attacking an opponent with the CNN logo overlaid on his head; e.g., Paul Joseph Watson, “Did CNN just re-unite the alt-right & the new right in a common cause?” Twitter, 5 July 2017, https://twitter.com/PrisonPlanet/status/882652805437304832.

[35] . See as well Facebook’s recent announcement regarding ad buys from inauthentic accounts linked to Russia during the U.S. presidential campaign: https://newsroom.fb.com/news/2017/09/information-operations-update.

[36]. Matt Ratto and Megan Boler, eds., DIY Citizenship: Critical Making and Social Media (Cambridge: MIT Press, 2014).