مدخل إلى سوسيولوجيا المجتمعات المسلمة: التاريخ، القضايا، المجالات، النماذج

فئة: المشاريع البحثية السابقة

مدخل إلى سوسيولوجيا المجتمعات المسلمة: التاريخ، القضايا، المجالات، النماذج

تمثل هذه الورقة المشروع البحثي لقسم "الدراسات الحداثية للدين" في مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، وهو بمثابة الأرضية العامة لكل الأبحاث العلمية المعتمدة للنشر في القسم.

-عنوان المشروع

-السياق التاريخي والإشكالية العامة

-الأهداف العامة للمشروع

-التصميم العملي الأولي

-أصناف المشاركة في المشروع

-الجدول الزمني للمشروع

-الشروط الفنية لمقترحات المشاريع

-استمارة اقتراح المشروع


السياق التاريخي والإشكالية العامة:

اكتُشف الإسلام في العالم الحديث موضوعا بحثيا جديدا في الصناعة المعرفية بالغرب لم يعرف من قبل. ينطلق هذا الاكتشاف من اعتبار الإسلام "قضية أو إشكالية" على حد تعبير كارل بيكر [Karl H .Becker , Islamstudien. Vom Werden und Wesen der Islamischen Welt. Leipzig .1924].

لقد ترتب على هذا الوعي بالإسلام على هذه الشاكلة نشوء حقل علمي مثَّل ساحة حرب ضارية حول تعريف مفهوم الإسلام في سياق الغرب وضمن شروطه الحضارية والفكرية والامبريالية لاحقا. أطلق على هذا الحقل أسماء عديدة، من أكثرها شيوعا "الاستشراق" لوصف العلم المهتم بدراسة الشرق، وفي عجالة يؤدي هنا التساؤل عن البدايات وظيفة تسييقية لا غنى عنها : فما هو الوضع المعرفي الغربي الذي تمّ في حضنه اكتشاف الإسلام؟

في تحليل نقدي بارع للرؤية الغربية للعالم، يؤكد ماكس شيلر "أن أحد السمات الأساسية للغرب الحديث ولعه الشديد باكتساب المعرفة والسيطرة على العالم المادي، موجها في ذلك بإرادة قبلية دينية موروثة وغريزة طبيعية انتهت إلى بنية – فكرية شاملة جداً هي الأساس لكل تفكير واقعي منذ عهد النهضة. وهذا الاتجاه المتوالي للهيمنة ليس فقط نحو الأمر "البهيمي" و"الجامد"، ولكن أيضاً نحو الذات والكائنات الإنسانية. وهكذا تشكلت رؤية العالم الحديثة التي في مجملها هي البنية الفكرية التي تقف خلف فكرة المؤسسة الأكاديمية". في هذا السياق، "كانت الكتابة الحديثة للتاريخ نتاج هذه الرؤية وشكلا من أشكال الهيمنة؛ أي هيمنة المؤلف الذي يملك القوة المفوضة له من طرف مجتمعه ومؤسساته وبناه الفكرية في تصوير تاريخ الآخر وتقديمه، بل وحتى تشكيله في النهاية، ويتم ذلك عن طريق "عناية بحثية" كافية وعن طريق "بحث دقيق" و"غوص تحليلي"، وجميعها جزء لا يتجزأ من المعرفة الاجتماعية والبنية الفكرية".

ولكن لا يمكن أن تكون هناك هيمنة بدون الآخر والمسافة الإبستيمية بين الذات والآخر، والتي بالضرورة يجب أن تشمل الآخر بحسبانه جزءا لا يتجزأ من النظرة الكونية العامة. وإذا كانت المعرفة هي القوة، كما هو الحال في بنية الفكر الحديث، (...) فالمعرفة متورطة في نزعة الامتداد الكونية (...). ومع ذلك، فهذا ليس كل شيء. فالنقطة الأهم في عزل المادة بوصفها "بهيمية" و"جامدة" حسب ماكس شيلر هو الظاهرة الناجمة والحاسمة لعملية فصل الحقيقة عن القيمة، والتي هي بالتالي تشكل عاملا رئيسا وأساسيا في المشروع الحديث. وإذا كانت المادة، في ذاتها، مفرغة القيمة، عندها يمكننا معاملتها بوصفها شيئا، وبإمكاننا دراستها، وتعريضها لقدر واسع من جهازنا التحليلي بدون أن تكون علينا أية متطلبات أخلاقية. [ بتصرف شديد من دراسة لوائل حلاق بعنوان : حول الاستشراق و وعي الذات والتاريخ، ترجمة أبو بكر باقادر].

لا شك أن هذه الرؤية وسمت حقل الاستشراق في كل مفاصله. أدرك ذلك عدد من الفلاسفة والمفكرين الغربيين بأنفسهم، ولم يطمئنوا لهذا العلم، فتوالت النقود والمراجعات وإعادة النظر في أسس الحقل ومفاهيمه.مع مطلع القرن العشرين لم تعد كلمة الاستشراق تحظى بوجاهة معتبرة في الأوساط الأكاديمية، بل وأصبح وصف المستشرق ذي دلالة قدحية ( نشير هنا مثلا إلى كارل بيكر"علم الاسلام" وبرنارد لويس الذي يرفض وصفه بالمستشرق)، كما أن اقتناعا واسعا حصل بمحدودية الاستشراق المُكتفي بالمقاربة الفيلولوجية لفهم حضارة الشرق، والمشكلة في هذا التصور كما يقول رضوان السيد هو "افتراض نموذج لساني بدئي يمثل الروح الحقيقية للدين والحضارة، واعتبار التطورات اللاحقة للمفردات والأساليب بدعا وهوامش وحواشي عارضة لا تغير من ذلك الجوهر الخالد".

صدر سنة 1978 كتاب إدوارد سعيد "الاستشراق" ذائع الصيت، ليسهم في إحداث تحولات كبرى في حقل الاستشراق أفضت من بين ما أفضت إليه، تعاظم الحديث عن "ما بعد الاستشراق" والانزياح التدريجي عن استعمال هذا المفهوم ليحل محله في الاستعمال الأكاديمي اسم سوسيولوجيا الإسلام Sociology of Islam أو سوسيولوجيا المجتمعات المسلمة.

لا نود بعرض هذه الخطوط العامة الإيحاء بالحسم في قضايا ما زالت في دائرة البحث، ولكن، ما يهمنا الإشارة إليه أن القصد ينصرف عموما حينما نقول سوسيولوجيا الإسلام / أنثروبولوجيا الإسلام/ سوسيولوجيا المجتمعات المسلمة إلى:

أولا: مقاربة سوسيولوجيا الإسلام المؤسَسة على المبادئ العامة للأنثروبولوجيا التي تؤكد على فهم الإسلام "من تحت" على حد تعبير إرنست جلنر؛ أي كما يفهمه المسلمون أنفسهم دون قبليات وإسقاطات؛ يعني هذا الفهم : أساليب عيش المسلمين لحياتهم، دور المذاهب الفقهية وفهمهم لها، فهم المسلمين للقرآن والرسول والأركان الخمسة، تمثلهم لتجارب الإصلاح في الإسلام، قضايا المرأة والأسرة، القبيلة والدولة والمجتمع ، أساليب الحياة اليومية في الريف والمدينة...إلخ.

ثانيا: مختلف الأعمال التي أنتجتها الأكاديميات الغربية حول المجتمعات المسلمة منذ مطلع القرن التاسع عشر وإلى حدود اليوم. وعادة تبدأ هذه الأعمال بكتاب رحلة إلى مصر وسوريالفولني شاسبوف سنة ﴿1787﴾ ووصف مصر ﴿1798﴾، وليس انتهاءً بعدد ضخم من المجلات والمونوغرافيات والتقارير(...). وبهذا الشكل، تجمّع في النهاية ما يسمى الأرشيف الكولونيالي الفرنسي حول المجتمعات الإسلامية، الذي بلغ ذروته مع الاستقلال الجزائري سنة 1962. [Burke, III, E.( 2007). France and the Classical Sociology of Islam, 1798-1962 , In: The Journal of North African Studies, Vol. 12, No. 4.(551-561). ] وبكل تأكيد، لا يقتصر الأمر على التقليد الفرنسي، بل تبقى هناك تقاليد أخرى لها تراكمها الوثائقي، مثل التقليد البريطاني أو الهولندي أو الألماني، لكنها لم تضاهِ الأرشيف الفرنسي بأي حال، حتى جاء "القَرن الأمريكي" على حد تعبير زكاري لوكمان [ زكاري لوكمان، تاريخ الاستشراق و سياساته: الصراع على تفسير الشرق الأوسط، ترجمة شريف يونس، دار الشروق، 2007، ص 173]، والذي يمكن التأريخ لبداياته بمجلة "العالم الإسلامي" ذات التوجه البروتستانتي التبشيري الصادرة سنة 1907عن معهد هارتفورد اللاهوتي وقبله عدد من الإرساليات الأمريكية إلى الخليج والجزيرة العربية.

سرعان ما ازداد عطش الجمهور الأمريكي إلى التعرف على هذا الآخر المسلم على ضوء التوسع الأمريكي المطرد في العالم الإسلامي، واتسع الاهتمام أكثر وبرز مفكرون مشهورون أصبحوا متخصصين في الإسلام، وتم تأسيس أقسام جامعية ومعاهد تحت أسماء"الدراسات الشرقية" أو "دراسات الشرق الأدنى" أو "لغات وحضارات الشرق الأدنى". وفي خضم هذا الوضع، انطلقت حركة النقد والمراجعات لأطروحات الاستشراق المبكر ولمناهجه على ضوء النظريات الاجتماعية المستجدة، وبرز جيل من الدارسين المحليين للمجتمعات المسلمة من داخل الجامعات الغربية، وبدأ في توجيه نقود صارمة تُفكك المركزية الغربية وتُسلط الضوء على المعتم واللا مفكر فيه.

يشير هذا المسح الوجيز للغاية إلى حقل علمي حيوي يزيد عمره عن قرنين، له مرجعياته وعرف تحولات وصراعات حول تعريف الإسلام ومجتمعاته، ومازالت تعقدُ عليه آمال للمساهمة في فهمعالَم الإسلام؛ رغم كل النقود الموجهة، فإن هذا الحقل يمثل فعليا الإنتاج المشترك بين عالم الغرب وعالم الإسلام. ونحن نقترح في قسم الدراسات الحداثية للدين الاطلاع على هذا الحقل في تاريخه وقضاياه ومجالاته، بقصد محاورته جماعيا وإبداع مسلكيات أفضل في فهم الإسلام ومجتمعاته.

الأهداف العامة للمشروع:

إن الغاية الأساسية لهذا المشروع تتحدد في رسم صورة/ بروفيل عن مجال سوسيولوجيا المجتمعات المسلمة وحصيلته في فهم مجتمعات الإسلام من خلال:

-التعريف بتاريخه وقضاياه ورواده، والاشتباك بروح نقدية مع أحوازه المفهومية والسياقية وتحولات الحقل على ضوء الشروط التاريخية والاجتماعية المنتجة.

تتفرع عليه أهداف جزئية، من بينها:

-فتح مساقات لتطوير أساليب فهمنا وتفسيرنا للمجتمعات المسلمة عبر التحاور مع النظريات والأطروحات.

-كشف الخلفيات والأصول الثقافية والديينة لسوسيولوجيا المجتمعات المسلمة والرهانات التي تقف خلف النظريات والأبحاث.

-إبرازالتعدد والتنوع الذي يطبع المدراس والاتجاهات والمؤسسات داخل حقل سوسيولوجيا المجتمعات المسلمة.

-اختبار فرضيات ونتائج الدراسات الغربية من جديد في حقلنا الثقافي ( مثال عبد الله حمودي مع إرنست جلنر، طلال أسد مع كليفورد جيرتز...إلخ).

التصميم العملي الأولي:

مفهوم سوسيولوجيا الإسلام: تنكب المقترحات في هذا العنصر على بناء مفهوم سوسيولوجيا الإسلام، ورصد التقاطعات بينه وبين مفهوم الاستشراق، وتحقيب أساليب الاشتغال على الإسلام على مدى القرون الثلاثة الأخيرة.

تاريخ ومرجعيات سوسيولوجيا المجتمعات المسلمة: يعالج هذا المستوى القضايا النظرية التي يثيرها حقل سوسيولوجيا الإسلام وعلاقته بالتاريخ الأوروبي والمسالك الفكرية والفلسفية السائدة، وأيضا المصالح الحضارية التي أنتجت الحقل. يتضمن أيضا رصد المؤسسات العلمية المحتضنة لهذا الحقل بما فيها المجلات والبعثات العلمية والتقارير والمونوغرافيات...إلخ.

مجالات وقضايا سوسيولوجيا المجتمعات المسلمة: تقاطعت سوسيولوجيا الإسلام، مع الاستعمار والمشروع الإمبريالي الأوروبي، وأسهمت في إنتاج صور عن الآخر، و دينه، ولغاته، قبائله، نسائه، نخبه وعلمائه، تقاليده، ومسلكياته اليومية...إلخ.

رواد ونقاد سوسيولوجيا المجتمعات المسلمة: عرفت في هذا الحقل أسماء علمية مشهورة، ألّفت عدة دراسات، معظمهم من الباحثين الغربيين يمتدون زمنيا من منتصف القرن التاسع عشر، وإلى حدود اللحظة الراهنة (رحالة، ضباط عسكريون، وهواة مدنيون، وأكاديميون وجامعيون ...وغيرهم).

ويسعى هذا المحور إلى التعريف بمتونهم وأطروحاتهم( فولني شاسبوف، ماسينيون، رودنسون، لوشاتوليي، غوستاف غرينبوم، جاك بيرك، مونتان، مارشال هودجسون، إرنست جلنر، هاملتون جب، كليفور جيرتز، ديل إيكلمان، غفانز بريتشارد، بريان تيرنر، برنارد لويس...إلخ). أيضا يضم هذا المستوى الباحثين الذين انتقدوا هذه الدراسات عبر تاريخها أو أنجزوا ما يتجاوزها(أنور عبد الملك، إدوارد سعيد، هومي بابا، عبد الله حمودي، طلال أسد، علي شريعتي، علي الوردي، فؤاد العجمي، ليلى أبو اللغد، بسام طيبي، أنور الجندي، عبد الرحمن بدوي، عب الحميد الزين، رفعت علي أبو الحاج، أبو بكر باقادر، إدموند بورك، نزيه الأيوبي، مصطفى شاكر، زكاري لوكمان...إلخ).

أصناف المشاركة في المشروع:

تتوزع المواد العلمية المشاركة في هذا المشروع البحثي إلى أربعة أصناف:

الصنف الأول: دراسة علمية لإحدى القضايا المقترحة في المحاور في حوالي 7000 كلمة إلى 12000 كلمة.

الصنف الثاني: قراءات وصفية نقدية في حوالي 2000 كلمة إلى 3000 كلمة لإحدى الكتب المرجعية أو الصادرة حديثا في سوسيولوجيا الإسلام.

الصنف الثالث: ترجمة إحدى الدراسات التي تتناول مواضيع المشروع بعد اقتراح ملخص عنها على اللجنة العلمية للمشروع، والموافقة على ترجمتها.

الصنف الرابع: اقتراح كتاب للإنجاز( مع خطة تفصيلية) أو تم إنجازه في حوالي 30000 كلمة إلى 50000 كلمة.

إشراف وتنسيق: ذ.يونس الوكيلي

y.loukili@mominoun.com