Next Page  5 / 242 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 5 / 242 Previous Page
Page Background

اﻟﻌﺪد

(12)

4

ﻛﻠﻤﺔ رﺋﻴﺲ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ

ﻛﺎن اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻷﳌﺎني ﻣﺎرﺗﻦ ﻫﺎﻳﺪﻏﺮ ﻳﻘﻮل إن اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻻ ﻣﻮﺿﻮع ﻟﻬﺎ، وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﺗﻌﻨﻲ أﻣﺮﻳﻦ:

ارﺗﺒﺎﻃﻬﺎ ﺑﺴﺆال اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺬي ﻳﺨﺮﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞّ ﺗﺤﺪﻳﺪٍ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ، ﻛما ﻫﻮ ﺷﺄن اﻟﻼﻫﻮت اﻟﻌﻘﲇ ﻗﺪيمﺎً

واﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻲ ﺣﺪﻳﺜﺎً، واﺗﺴﺎع أﻓﻘﻬﺎ ﻟﻠﺘﺄوﻳﻞ واﻟﺘﻔﻜير اﻟﺤﺮ اﻟﻨﻘﺪي اﻟﺬي ﻻ ﻳﻘﻴﺪه ﻋﻠﻢ أو ﻣﻌﺮﻓﺔ

ﻗﺎئمﺔ.

ﻣﻦ اﺗﺠﺎﻫﺎت اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺮاﻫﻨﺔ ﺗﻮﺳﻴﻊ أﻓﻖ اﻟﺘﻨﺎول اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﳌﻮﺿﻮﻋﺎتٍ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻌﺪﱡ ﻋﺎدةً ﺧﺎرجَ

اﻫﺘمام وﺗﺨﺼﺺ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﺗﺮاﺟﻊ ﻓﻴﻪ ﻃﻤﻮح اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻋﻦ إﺑﺪاع اﻷﻧﺴﺎق اﻟﻜﻠﻴﺔ

وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻹﺟﺎﺑﺎت اﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﰲ اﻷﺳﺌﻠﺔ واﻹﺷﻜﺎﻻت اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ اﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ. أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﺈﻳﺤﺎء

ﻧﻴﺘﺸﻮي ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﺮﻏﺒﺔ واﻟﺠﻨﻮن واﻟﺴﻴﻨما واﻟﺴﺠﻮن واﳌﺮض، وأﺻﺒﺢ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﻘﺎﻧﻮن واﻷدب ﻣﻦ

ﺣﻘﻮل ﻣمارﺳﺘﻬﺎ اﻻﻋﺘﻴﺎدﻳﺔ.

ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻳﺸﻜّﻞ اﳌﻮﺿﻮع اﻟﺪﻳﻨﻲ رﻫﺎﻧﺎً إﺷﻜﺎﻟﻴﺎً ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ، اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﰲ أﺻﻠﻬﺎ ﰲ ﻣﻮﻗﻒ

ﻣﻠﺘﺒﺲ ﺑﺎﻟﺪﱢ ﻳﻦ، اﻟﺬي ﻫﻲ ﰲ ﺣﺎل اﻟﻘﻄﻴﻌﺔ ﻣﻌﻪ وﺗﺠﺎوزه ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر اﻟﺘﻌﻘﻞ اﻟﱪﻫﺎني، وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻦ وﺟﻪ

آﺧﺮ ﻫﻲ اﻟﺘﻌﺒير اﻟﻌﻘﲇ ﻋﻦ ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ، وﻫﻲ اﻟﺼﻴﺎﻏﺔ اﳌﻔﻬﻮﻣﻴﺔ ﳌﻌﺘﻘﺪاﺗﻪ وﻣﻌﺎﻳيره اﻟﻘﻴﻤﻴﺔ.

ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ اﻷﻣﺮ ﺟﻮﻫﺮﻳﺎً ﺑين اﳌﻮﻗﻒ اﻷﻓﻼﻃﻮني ﰲ ﺻﻴﺎﻏﺘﻪ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻟﻸﺳﺎﻃير اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ، وﺑين

اﳌﻮﻗﻒ اﻟﻬﺎﺑﺮﻣﺎﳼ اﻷﺧير ﰲ ﺗﺮﺟﻤﺔ اﳌﻀﻤﻮن اﻟﻌﻘﲇ-اﻟﻘﻴﻤﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺑﻠﻐﺔ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻌﻤﻮﻣﻲ.

ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﺪرك ﺿﺤﺎﻟﺔ اﳌﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﰲ ﻗﺮاءة اﻟﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻮﺳﻴﻂ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر اﻟﺘﻌﺎرض

اﻟﺠﺬري ﺑين ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻻﻫﻮت اﻹﺳﻼم اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي، واﳌﺪوﻧﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻣﺨﺘﺰﻟﺔً ﰲ ﻧﺼﻮص

ﴍاح وﻣﺮوﺟﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎت أﻓﻼﻃﻮن وأرﺳﻄﻮ )ﻣﻦ اﻟﻜﻨﺪي إﱃ اﺑﻦ رﺷﺪ(.

إن ﻫﺬه اﳌﻘﺎرﺑﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﲆ ﻣﺼﺎدرات زاﺋﻔﺔ أﺑﻄﻠﻬﺎ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺮاﻫﻦ ﰲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؛ وﻣﻦ ﻫﺬه

اﳌﺼﺎدرات ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي ﻻ يمﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎره ﻻﻫﻮﺗﺎً ﻋﻘﻠﻴﺎً وإن ﻛﺎن ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻌﻘﺎﺋﺪ

اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ؛ ﻛما أﻧﻪ لم ﻳﺘﺸﻜﻞ ﰲ ﻗﻄﻴﻌﺔ وﺗﻌﺎرض ﻣﻊ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﻃﻌﺖ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺎً وﻣﻔﻬﻮﻣﻴﺎً ﻣﻊ

اﳌﺪوﻧﺔ اﻟﻜﻼﻣﻴﺔ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ اﺳﺘﺒﻄﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﻳﺎﺗﻪ اﳌﻔﺎﻫﻴﻢ واﻷدوات اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ.