التفكير العلمي عند علماء العرب والمسلمين


فئة :  قراءات في كتب

التفكير العلمي عند علماء العرب والمسلمين

التفكير العلمي عند علماء العرب والمسلمين:

"علماء الكيمياء أنموذجاً" عمّان: وزارة الثقافة، 2017، 126 صفحة

يقع هذا الكتاب في (126) صفحة من القطع العادي موزعة على أربعة أبواب ومدخل وخاتمة للكتاب، بالإضافة إلى قائمة المراجع.

أولت المؤلفة في مدخلها للكتاب الأهمية الأساسية له، وهي الاهتمام بالتفكير العلمي عند علماء العرب والمسلمين، والسعي للكشف عن خصائص هذا التفكير عند هؤلاء العلماء، مُتخذاً من علماء الكيمياء أنموذجاً. ويعود ذلك، إلى أن علم الكيمياء يُعطي صورة أوسع وأشمل لطبيعة التفكير العلمي والمنهج العلمي التجريبي الذي اتّبعه علماء العرب والمسلمين، فتكون عناصرها في هذا الحقل أوضح من تلك التي تتعلق بحقول المعرفة الأخرى، خاصة وأن جانب التجريب في المنهج العلمي يكون أكثر وضوحاً وغنى من خلال هذا الأنموذج، كما أنه يماثل إلى حد كبير التفكير العلمي لدى علماء العرب والمسلمين في مختلف حقول المعرفة الأخرى.

وقد جاء عنوان الكتاب شاملاً للعرب والمسلمين، لأن هذه الحركة العلمية النشيطة ساهم فيها علماء من أصل عربي، وآخرون ينتمون إلى مختلف البلاد التي أصبحت تدين بالإسلام، فقد كان الجو الذي يشيع في كتاباتهم إسلامياً بحتاً، في الوقت الذي كانوا فيه يكتبون ويفكرون بالعربية، الأمر الذي جعل منهم - مهما بعدت بلادهم - يشعرون بالانتماء إلى تلك الحضارة التي ابتعثت إشعاعاتها الأولى من قلب الجزيرة العربية.

جاء الباب الأول من الكتاب تحت عنوان "خصائص التفكير العلمي عند علماء العرب والمسلمين"، والتي أجملتها المؤلفة بـ: "الموضوعية، التنظيم، الدقة والضبط، الحتمية أو السببية" وكيف فهم علماء العرب والمسلمين هذه الخصائص، وموقفهم تجاه كل خاصية منها.

فالموضوعية بمعناها المعاصر من حيث هي تحقيق نقدي واختبار عن طريق الملاحظة والتجربة، بالإضافة إلى تجرد الباحث عن الأهواء والميول والرغبات "النزاهة"، لا يجد الباحث في التراث العربي الإسلامي استخداماً لنفس هذا المصطلح -الموضوعية- بالمعنى الذي نستخدمه في الوقت الحاضر، فلا يوجد استخدام لهذا المصطلح في أبحاث الرواد من العلماء والفلاسفة العرب والمسلمين ومصنّفاتهم ورسائلهم.

لكن الباحث يجد مصطلحات أخرى تصل إلى مرتبة المفاهيم والمقولات الواجبة مثل: الحق والعدل وطلب الحقيقة واليقين والابتعاد عن الميول والأهواء، وهذه المصطلحات وإن كانت دينية في الأصل وذات جذور فقهية، إلا أنها بفضل العلماء العرب والمسلمين اكتسبت صيغة علمية حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الفكر العلمي العربي الإسلامي، وتحمل مضامين "الموضوعية" إلى حدّ كبير.

فالأساس الفكري للطريقة العلمية عند علماء المسلمين مبني على مجموعة من الأصول التي تستمد قوتها من العقيدة الإسلامية، إذ فتح الإسلام أمام الباحث سُبل الولوج في خفايا الطبيعة والنفس الإنسانية، وأزال من طريقه كل معوق في سبيل التقدم العلمي، فكانت العقلانية في الفهم، والحجة في البرهان، والعدل في الحكم، والطلب المثابر لاستجلاء الحقيقة وإزالة الشكوك.

أما بالنسبة إلى الخاصية الثانية للتفكير العلمي وهي التنظيم، فقد أوردت المؤلفة أن للتنظيم مظهرين أساسيين: أولهما يتمثل في اتباع العالِم لمنهج منظم منذ بداية بحثه (يتمثل هذا المنهج المُنظم في الملاحظة الحسية والتجريبية - إجراء التجارب العلمية- والاستدلال العقلي الاستنباطي أو الاستقرائي)، والمظهر الثاني للتنظيم يتمثل في قيام العالم بإيجاد نسق مُحكم ومترابط للقضايا التي يتوصل إليها؛ فالعالم لا يكتفي بحقائق مفككة، فالمعلومات التي يتوصل إليها العالِم من تجاربه، لا تعني أنه توصل إلى معرفة علمية مُثمرة ما لم يجد فيها نسقاً يقوده إلى وضع قانون أو نظرية.

وتظهر خاصية التنظيم كواحدة من خصائص التفكير العلمي أوضح ما تظهر عند علماء العرب والمسلمين، في إرساء لقواعد المنهج العلمي التجريبي في الكيمياء. فالعصور القديمة والوسيطة كانت تتبع التفكير الاستنباطي الصّرف، الذي كان قائماً على أسس يفرضها العقل لنفسه فرضا، أو على قواعد يوحي بها إلى الفرد إيحاءً، وليس عليه في هذه وتلك إلا أن يستنبط النتائج من تلك الفروض المسلّم بصدقها.

فقد اهتم جابر بن حيان بالتجربة، وكان يسميها "التدريب"، كما رفض أبو بكر الرازي السحر والتنجيم، فخلّص الكيمياء مما كان يحيط بها من غموض ورمزية، واتجه بها اتّجاهاً علمياً تجريبيّاً، مُجاهراً بأنه لا يسلِّم إلا بما تثبته التجربة من حقائق.

وتعتبر الدقة وما يلحقها من ضبط، السمة الثالثة من خصائص التفكير العلمي التي أوردتها المؤلفة، وقد كان من أبرز الخطوات التي أنجزها العلماء العرب في الدقة هي الانتقال من مجرد وصف الظواهر كيفياً إلى دقة التعبير في وصفها كمياً، وقد أتاح لهم هذا الانتقال استخدام العلم الرياضي من هندسة وحساب وجبر في التعبير عن حقائق العلم الطبيعي، وإدراك العلاقة الوثيقة بين العلم الرياضي والعلم الطبيعي في التعامل مع الظواهر والحوادث والوقائع الطبيعية. وتطلب الوصف الكمي من العلماء العرب والمسلمين تثبيت وحدات قياسية مناسبة، اقتضتها أيضاً صناعة الأجهزة المختبرية والآلات العلمية توخياً للدقة في العمل والحصول على نتيجة محسوبة.

السمة الرابعة والأخيرة التي أوردتها المؤلفة لخصائص التفكير العلمي هي "العليّة" أو السببية، فلكل ظاهرة علّة توجب وقوعها، ويمهد فهم الظواهر لتفسيرها وتعليلها من ناحية، ومن ناحية أخرى للتحكم بها والسيطرة عليها عندما يمكننا التنبؤ بها. فقد ذهب "ديفيد هيوم _ David Hume" (1711- 1776م) إلى أن "ما يجعلنا ندرك أن شيئاً ما سبب لشيء آخر هو قدرة الذهن على الربط بينهما، وملاحظة أن الأول سبب أو مؤثر والثاني مسبَّب أو أثر، فاستخدام السببية في التفكير إذن هو عادة ذهنية".

ولقد فطن علماء عرب ومسلمون -حسب ذكر المؤلفة- إلى هذا قبل "هيوم" ببضعة قرون، وأشار جابر بن حيان إلى ذلك في القرن الثامن الميلادي، فيقول في كتاب "التصريف": "إن هذا التعلق من الشاهد بالغائب (يقصد الاستدلال الاستقرائي) على ثلاثة أوجه وهي المجانسة، ومجرى العادة، والآثار".

وبشكل عام، فإن المنهج التجريبي عند المسلمين يعود إلى منهجهم في القياس الأصولي، أو قياس الغائب على الشاهد عند علماء أصول الفقه والمتكلمين. ويقوم هذا القياس على الفكرتين اللتين أقام "جون ستيورات مل" استقراءه العلمي عليها، وهما قانون العلية أو التعليل، وقانون الاطَّراد في وقوع الحوادث.

تحت عنوان "جهود العلماء العرب والمسلمين في إرساء قواعد المنهج التجريبي في الكيمياء" جاء الباب الثاني من الكتاب، وقد ذكرت فيه المؤلفة أن المقصود بعلم الكيمياء عند العلماء المسلمين الوسائل التي يستطيع بها الكيميائي أن يبدل طبائع الأشياء تبديلاً يحول بعضها إلى بعض، وذلك إما بحذف بعض خصائصها أو بإضافة خصائص جديدة إليها، لأنه إن كانت الأشياء ترتد إلى أصل واحد، فإن تنوعها راجع إلى اختلاف في نسب المقادير التي دخلت في تكوينها.

وبناء على ما ذُكر، تعددت وجهات نظر العلماء المسلمين حول "إمكان" علم الكيمياء؛ أي قدرته على تحويل مادة إلى أخرى، وبالأخص مسألة تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب، وعدم تمكين السابقين من النجاح في تحقيقها، وانقسم العلماء آنذاك المسلمين بشكل عام إلى فريقين.

فريق حارب الاتجاه القائل بإمكان تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب أو فضة، منهم ابن سينا والبيروني، فقد حاول ابن سينا في كتابه "الشفاء" أن يقيم الحجّة على بطلان تبديل طبائع الأشياء وتحويلها بعضها إلى بعض، بحجة أن تحول الأشياء إلى بعضها بعض، هو صفات عرضية لا تمس جواهر الأشياء فليست هي بالفواصل الحقيقية التي تميز نوعاً من نوع، فهذه الفواصل الحقيقية مجهولة –حسب قول ابن سينا- وإذا كان الشيء مجهولاً، فكيف يُتاح لنا أن نوجده إيجاداً أو نفنيه إفناء؟ "فليس ندري ماذا في الذهب مما يجعله ذهباً، ولا ماذا في النحاس ما يجعله نحاساً".

أما الفريق الآخر، فقد آمن بإمكان ما يستطيعه هذا العلم، ومن هؤلاء الإمام فخر الدين الرازي الذي عقد فصلاً في "المباحث الشرقية" يبيّن إمكان علم الكيمياء، ومنهم الشيخ نجم الدين ابن البغدادي الذي ردّ على ابن تيمية وزيف ما كان قد قاله عن استحالة علم الكيمياء، ومنهم كذلك أبو بكر محمد بن زكريا الرازي الذي يتصدّى للرد على الكندي في الموضوع نفسه. وجابر بن حيان الذي آمن بإمكان هذا العلم فعلاً وقولاً، فقد تساءل في كتابه "إخراج ما في القوة إلى الفعل" بعجب: "كيف يُظن العجز العلمي بالعلم دون الوصول إلى الطبيعة وأسرارها؟ ألم يكن في مستطاع العلم أن يجاوز الطبيعة إلى ما وراءها؟ فهل يعجز عن استخراج كوامن الطبيعة ما قد ثبت قدرته على استخراج السر مما هو مستور وراء حُجبها؟".

وهناك من العلماء المسلمين من وقف موقفاً وسطاً من إمكان علم الكيمياء واستحالته، منهم أبو نصر الفارابي، مستنداً في ذلك إلى أرسطو وموقفه من الموضوع نفسه، فرأى أن تحول الأشياء بعضها إلى بعض مُتعذر إن كانت أعراضاً ذاتية، وأما إن كانت أعراضاً عرضية أمكن التحول الذي قد يكون مقبولاً من الوجهة الصورية النظرية، لكنه عسير من الوجهة الفعلية العملية.

إن كلا الطرفين –سواء القائلين بإمكانه أو القائلين بعدم إمكانه- كان في حجتهما، إلى حد كبير، ما يمت بصلة لأصول البحث العلمي ومناهجه وسماته، بغض النظر عن مدى اقتراب أي منهما من المعرفه العلمية الصحيحة. ناهيك عن أن حال السجال بين العلماء، وما أحدثته من تفاعل وبحث، هي حال تعكس صورة الحراك العلمي الذي حفلت به مجالس ومؤلفات العلماء آنذاك.

بالإضافة إلى ما تقدم، فقد ذكرت المؤلفة في هذا الباب، أن النهج التجريبي في الكيمياء، أدى خدمات جليلة في صناعة الدواء عند العلماء المسلمين، وفي البحث عن مركبات كيميائية جديدة، وفي اكتشاف خصائص بعض المواد من العناصر والمركبات، وقد وضع ابن البيطار (1197-1248م) رئيس العشابين (أي نقيب الصيادلة) في مصر أكبر موسوعة في هذا المجال، وكتابه الجامع في الأدوية المفردة، والذي تضمن أكثر من ألف وأربعمائة صنف من الأدوية المختلفة مرتبة على حروف المعجم، ومنها ثلاثمائة لم يعرض لبحثها كتاب في الصيدلة من قبل.

"منهج العلماء العرب والمسلمين في الترجمة" هو عنوان الباب الثالث من الكتاب، الذي أوضحت فيه المؤلفة جهود العرب والمسلمين في جمع ما استطاعوا من كتب الإغريق وترجموها إلى اللغة العربية، وقد استعانوا في ذلك بفئة من الإغريق وأقباط مصر الذين يعرفون الإغريقية والعربية. وقد بدأت الترجمة في عهد الدولة الأموية لكنها اقتصرت على العلوم العملية كالصنعة (تحويل المعادن إلى ذهب) والطب والنجوم. أما ترجمة العلوم العقلية من منطق وفلسفة وهندسة وغيرها، فكانت من عمل الدولة العباسية.

واتسمت جهود العلماء العرب والمسلمون في الترجمة عن علوم الآخرين بمجموعة من السمات أهمها:

1- التقاء الحضارات وعالمية المعرفة: حيث أدرك المسلمون أن الترجمة طريق إلى المعرفة، ومواكبة حركة التقدم، وتعرُّف على التيارات الفكرية العالمية، فأقبلوا على التعلم من حضارات الأمم الأخرى، اليونانية والهندية والفارسية، ولم يمنعهم عن ذلك الاختلاف مع الآخر في المعتقد والرأي والعادات والتقاليد.

2- منهج الشك العلمي: كان الشك هو أول الطريق نحو إزالة الأوهام أو الشبهات، فهو طريقة في النقد، نقد العقل الإنساني من جهة، ونقد المفاهيم والأقوال من جهة أخرى. وقد طور عدد من العلماء العرب والمسلمين منهج الشك العلمي بغية الوصول إلى اليقين والرأي الصائب، فنظر هؤلاء إلى الآراء والنظريات اليونانية، وغير اليونانية، بعين الحذر والتحوط، واتخذوا منها مواقف نقدية وشيكة. والجدير بالذكر في هذا المقام أن تدهور الحضارة العربية الإسلامية صاحبه تدهور في منهج العلم نفسه، فضعف النقد العلمي ولم يعد المؤلفون يلتفتون للأسس التي وضعها السابقون للنقد العلمي في عهد ازدهار الحضارة الإسلامية.

3- مواصلة البحث والتوصل إلى معارف جديدة: فلم يكتفِ العلماء العرب والمسلمون بما صار متاحاً لهم من المعرفة، لكنهم أضافوا إليها ثروة من الحقائق والنظريات، ويتضح ذلك الأمر في مؤلفاتهم ودراساتهم التجريبية الواعية، والتي كانت للكيمياء نصيب وافر منها.

4- احترام الإرث العلمي بالمحافظة عليه وإشاعته في العالم: فما ترجمه العلماء العرب والمسلمون عن اليونانية كان العامل الأول في حفظ علوم اليونان لأن أوروبا في القرون الوسطى لم تجد سبيلاً إلى تلك العلوم إلا بترجمة الترجمة. ناهيك عن أن ما استرده الأوروبيون من إرث أجدادهم اليونان كان أوفر من هذا الإرث الأصلي، فالعرب قد أضافوا على ترجماتهم جهودهم الخاصة من تعليق وتصويب وشرح على المعرفة اليونانية.

وفي نهاية هذا الباب، ذكرت المؤلفة أن ازدهار الترجمة يعود في المقام الأول، إلى كفالة حرية الفكر، ورخاء الدولة الإسلامية، وحرص الخلفاء على تقدير المشتغلين بالعلم والترجمة.

جاء الباب الرابع والأخير من الكتاب تحت عنوان "معيقات التفكير العلمي في المجتمعات العربية والإسلامية" أوضحت فيه المؤلفة ما تعاني منه مجتمعاتنا العربية والإسلامية من تفشي مظاهر من التفكير هي أبعد ما تكون عن التفكير العلمي، بل وتكرس نوعاً من الإعاقة للتفكير العلمي، وتقف حائلاً دونه، من أهمها: الأسطورة والخرافة، والخضوع للسلطة الفكرية والعلمية السائدة، وإنكار قدرة العقل، والتعصب، والإعلام المضلل.

ويصبح الأمر أكثر خطورة مع التقدُّم العلمي والتكنولوجي، والتسارع الهائل في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وما جاءت به من وسائط رقمية تتيح التواصل بين جماهير واسعة من مختلف بقاع العالم خلال لحظات. وهذا الأمر، مع ما يحمله من جوانب إيجابية إلا أن له جوانب سلبية في الوقت نفسه، تتمثل في إتاحة انتشار آراء خاطئة وغير منطقية بين جماهير واسعة من الناس، "فالرأي يكتسب سلطة أكثر كما ازداد عدد القائلين به، بحيث يغدو من الصعب مقاومته".

ولولا وجود بعض العلماء المصلحين والمفكرين الذين اعترضوا على رأي شائع بين الناس ويقول به ألوف مؤلفة منهم (الناس)، لما تقدمت البشرية في مسيرتها، ولما اهتدت إلى حقائق أصدق أو شرائع أفضل أو قيم أسمى مما كان يسودها من قبل.

ناهيك عن تفشي نوع من التفكير في وقتنا الحاضر يرفع راية الدين، لكنه في حقيقته أبعد ما يكون عن الدين القويم، فيسيء للدين وللإرث العلمي للحضارة الإسلامية، ويكرس المظاهر السلبية كـ "تقديس" جميع الآراء التي تصدر عمّن لهم سلطة فكرية أو علمية أو اجتماعية، كما تنبذ القيم النابعة من جوهر الدين الإسلامي، كالسعي، وإتقان العمل، وطلب العلم، والصدق، والأمانة، والصبر والمثابرة، والتحقق من أيّ نبأ، وتقبل ثقافة الآخر واحترامها، وغيرها من القيم التي تلعب دوراً مهماً في ارتقاء الإنسان بتفكيره وسلوكه.

خلصت المؤلفة في خاتمة الكتاب إلى وجود اتجاهات معادية للعلم في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية، هذه الاتجاهات" ترى في العلم تكريساً وحشواً للأدمغة بمعلومات، بقصد نيل الشهادات العلمية فقط!" أو تحارب التفكير العلمي، إما بتكريس أنماط من التفكير الجاهل، أو باتباع أنماط تفكير غير منطقية لا مكان فيها للاستنباط والاستقراء والقياس، فتقفز إلى الاستنتاجات دون مقدمات صادقة.

وقد أشارت المؤلفة إلى نقطة مهمة في خاتمة الكتاب وهي، ارتباط التفكير العلمي بمفهوم العلمانية، ووسم من يفكر بطريقة علمية بأن فكره علماني، "وصارت صفة كفيلة بوضع الفرد في خانة النبذ والتكفير"، مع أن التفكير العلمي هو طريق التفكير المثمر التي انتهجها أجدادنا في أوج ازدهار الحضارة العربية الإسلامية.

بعد هذا العرض الموجز لأهم ما تضمنه الكتاب من أفكار، أستطيع القول، إن ما يحسب له يتمثل في النقاط الآتيه:

1- محاولة التأصيل للموضوعية، باعتبارها وسيلة من وسائل منهج البحث في الإرث العلمي للحضارة العربية الإسلامية، وهي محاولة بذلت فيها المؤلفة جهدا واضحا من خلال صفحات الكتاب المختلفة.

2- قد يشعر القارئ لعنوان الكتاب أنه متخصص في موضوع معين، وهو علم الكيمياء في الحضارة العربية الإسلامية، لكن عند الإبحار عبر صفحات الكتاب يكتشف القارئ أنه كتاب في منهج البحث العلمي عند المفكرين العرب والمسلمين، وأن الغاية من فرز علم الكيمياء كعنوان فرعي، هو محاولة توضيح أسس المنهج العلمي عند العلماء في الحضارة العربية الإسلامية، بالاستناد إلى علم هو أقرب للدقة من باقي العلوم، وهو علم الكيمياء.

3- اعتماد المؤلفة على مراجع تُعتبر غنية في مسائل التفكير العلمي، والمنهج العلمي، ومفهوم العلم، حيث لم تتوقف عند الشأن التاريخي إلا للاستفادة منه أو توظيفه لما يخدم أفكار الكتاب في المنهج العلمي عند العرب والمسلمين.

وبناء على ما سبق، اعتبر أن هذا الكتاب إضافة نوعية للمكتبة العربية في العلوم بعامة، وفي المنهج العلمي بخاصة.