واقع الهوية الثقافية المصرية أعقاب الربيع العربي أغاني "المهرجانات" ما لها وما عليها

فئة :  مقالات

واقع الهوية الثقافية المصرية أعقاب الربيع العربي أغاني "المهرجانات" ما لها وما عليها

واقع الهوية الثقافية المصرية أعقاب الربيع العربي

أغاني "المهرجانات" ما لها وما عليها

الملخص:

تحاول الدراسة تسليط الضوء على تغير الذوق العام في الراهن؛ متخذة من "أغاني المهرجانات" شاهدًا على تغير الذوق الغنائي من التراثي إلى ما هو عاكس لثقافة بعض المجتمعات المحلية المنغلقة التي سعت نحو التعبير عن نفسها بعد أن لقيت ألوانا من التهميش منذ عقود متتابعة، الأمر الذي أسهم في إشاعة حالة من الفصام القيمي بين ما هو راسخ وأصيل، وما هو وافد شعبوي.

وقد انحازت الدراسة إلى "الآليات الشفهية" وسيلة بحثية لرصد ذلك التغير، بغية تمثيل المكون الثقافي المنتج لـ"أغاني المهرجانات" تمثيلا صادقا، وتعقب هذا اللون الغنائي من ناحية بناء النص ومعاني ألفاظه وفق ضوابطه وممارساته الذي خرج بها، لاسيما وأن الظرفية الحديثة وملازماته الأيديولوجية انتصرت للممارسة الشفهية في ظلال انحصار الثقافة الكتابية في أروقة الممارسات الأكاديمية.

وقد خرجت الدراسة بمجموعة من النتائج منها:

تعدّ "أغاني المهرجانات" بما جاءت فيها من مضامين تهديدًا صارخا للهوية المصرية.

تقديم:

عايشت البنية المجتمعية المصرية حديثا حزمة من التحولات التي فرضت نفسها على الساحة الفنية والثقافية؛ نتاج تنوع الأنماط الفاعلة فيها، وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال انتشار "أغاني المهرجانات" التي برهنت على تغير الذوق العام السائد؛ بسبب وجود حالة من الفراغ الضابط لمسارات الذوق الغنائي تحت ظلال الدعوة إلى الحرية المفقودة وحالة الانفلات الرقابي إبان ما أطلق عليه "الربيع العربي"؛ الأمر الذي تسبب في انفراجه لبعض المكونات الأيكولوجية المهمشة في مصر للتعبير عن ثقافتها، بل ومحاولة فرضها على المجتمعات المجاورة، وتهديد الهوية الأصيلة بالتلاشي والتبدد أمام ما هو وافد من الشعبوية المهمشة، وقد تجلى ذلك الأمر من خلال رصد حالة الهيمنة التي فرضتها "أغاني المهرجانات" على الذوق العام، والتي تنازعت جماهيريا ما بين القبول والرفض لتلك الظاهر.

ومن ثم اقتضت الضرورة التنقيب في الأسباب الداعية إلى ذلك التنازع متجردًا عن الهوى أو الميل، متخذا من درس الشفهية مطية بحثية لنقد "أغاني المهرجانات" في ظلال توصيفها بأنها انحراف صارخ عن الهوية المصرية الثقافية الأصيلة.

فالدراسة بذلك، تعد أول عمل بحثي جاد – على حد قراءتي – يرصد التنازع بين التقاطع الثوري في مصر أعقاب ما أطلق عليه "الربيع العربي"، وتغير الذوق العام الغنائي فيها، كما تدرس "أغاني المهرجانات" ما لها وما عليها بوصفها طارئا فنيا له ضوابطه الجاذبة والماتعة والمستشرفة لميلاد لون فني شريطة ضبطه بأطر أخلاقية وقيمية.

وقد اعتمدت الدراسة على المنهج الأسلوبي في ثنايا الدرس والنقد؛ بغية الوقوف على الأسباب الدافعة إلى رفض النخب الثقافية إلى هذا اللون الغنائي، على الرغم من حالة القبول الجماهيري التي حققته.

وعلى هذا، فقد جاءت الدراسة على ثلاثة عناصر وفق النحو التالي:

أولا: القوة الضمنية الجاذبة لـ "أغاني المهرجانات"

ثانيا: القوة الإيقاعية الجاذبة لـ "أغاني المهرجانات"

ثالثا: أسباب رفض ظاهرة "أغاني المهرجانات"

ثم خلصت إلى نتائج، وثبت للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها الباحث.

أولا- القوة الضمنية الجاذبة لـ "أغاني المهرجانات"

إذا ما دقق الناظر في تأثير "أغاني المهرجانات" على الذوق العام المصري، فإنه يجد انحياز قطاع فئوي لا يستهان به إليها، على الرغم من انتهاجها منهجية (ضمنية وفنية) مخالفة لتوجه الهوية الثقافية المصرية المرتكزة على الأعراف بتقاليدها الموروثة وتعاليم الأديان السماوية، الأمر الذي دعا إلى حتمية تفهم الأسباب الجاذبة لهذا اللون الغنائي، على الرغم من مخالفته لما هو كائن وقائم من توجهات ثقافية. يحاول الباحث في هذا العنصر رصد الأسباب التي تضمنتها "أغاني المهرجانات" لجذب المتلقي إليها؛ متخذا من درس الشفهية وسيلة لذلك على النحو التالي:

1- إبراز الشخصية "الكارزميه" الشعبوية:

اعتمدت "أغاني المهرجانات" على العديد من التوجهات الضمنية، ويأتي على رأسها التعظيم من بطل الأغنية بوصفه ذات طبيعة كارزميه جاذبة، حيث يرتكز مضمون جل "أغاني المهرجانات" على إبراز مواجع الشعوب وأزماتها ونكباتها، الأمر الذي يسهم في مد جسور لا شعورية مع المتلقي، تتشابك وتتقاطع لحد كبير مع الوعى الجمعي لتحقيق "الأنا" الثقافية المأمولة، من خلال الإعلاء من "الأنا المحلية" العاكسة لثقافة (المؤدى أو المغنى) – الشعبوي- في مشهد استعلائى، رغم هامشية البيئة المنحدر منها، وادعاء أن "الشعب"- الممثل في بيئته المجتمعية المنحدر منها - هو وحده مالك الحقيقة وبإمكانه تخليص العالم من كل الشرور، في تحد للمنظومة المؤسساتية المتجذرة في تشكل الدولة بمؤسساتها التقليدية([1])؛ تبريرًا للأفعال والتوجهات الشاذة الموجهة في "أغاني المهرجانات" على ما هو سائد من عرف مجتمعي، لرصد أكبر تأييد شعبي عبر فرض قيم غير تقليدية ونقض قيود الموروث بعامة والضابط القانوني بخاصة.

ونظرًا لأن بناء "أغاني المهرجانات" جاء على نهج شفهي عامي مفتقر القدرة على إنتاج صور جاذبة على نهج البنية النظمية لأشعار المدارس الأدبية العربية؛ نجد أنها عززت في بنائها الضمني من عنصر الحكاية مسارًا فنيا جاذبًا من خلال عرض للسير الذاتية الخاصة بالمغني وفق تداخل قيمي ما بين التقاليد الموروثة والعادات المستجدة في مكون بيئي أبدعته الأغنية، وقد مثل لهذا التوجه العديد من "أغاني المهرجانات"؛ ففي معرض أغنية "نمبر ون"([2]):

أنا في الساحة واقف لوحدي

وأنت واصحابك ليا بصين

أنا جمهوري واقف في ضهري

نمبر وان وأنتو عارفين

تجلت الشخصية "الشعبوية" ذات الحالة الكاريزميه التي تتحدى الآخر(الخصم)؛ بدلالة التركيب اللفظي: "جمهوري واقف في ضهري"، والمتأمل في هذه الكلمات يجدها تعلي من روح الممارسة الشعبوية التي ترفض الآخر في مقابل الانحياز للـ "أنا"، في إطار من التستر وراء القيم الإنسانية العليا، وهذا التلبيس القيمي هو الذي أسهم في زيادة جماهيرية "أغاني المهرجانات" في الوسيط الاجتماعي؛ سعيًا إلى إيجاد الرمزية الأسطورية القادرة على إحالة الظلم إلى المدينة الفاضلة.

2- التعظيم من الخصومة مع الآخر:

إن إشكالية الجذب الممثلة في "أغنية المهرجانات" باتت من الأمور التي تثير ماهية التساؤل عن الكيفية الرابطة بين حالة المظلومية - السائدة في الأغنية – والمتعة، لاسيما وأنها ترتكز على مضامين الحالة المأسوية التي يعيشها الفرد من مفاهيم تعظم من (الظلم – الخيانة)؛ تبريرا يشرعن حالة العنف التي تبثها في بنائها الضمني، هنا يكمن ما يسمى بـ "المفارقة المأساوية" على حد تعبير أرسطو، والفكرة التي تبدو لنا متناقضة، وقد مثل أرسطو لهذا التوجه من خلال التحدث عن كيفية سماح المسرح المأساوي للجمهور بتطهير النفس من المشاعر السلبية، في مفهومه المعروف باسم التطهير (Catharsis).. ومن ثم، يمكن تفهم الاستعانة بـ "أغنية المهرجانات" في المآتم والمحافل الاجتماعية، رغم انحياز مضمونها إلى الإعلاء من الحالة المأسوية / المظلومية؛ ذلك لأن التصور السالف يسمح للمتلقي بإحالة عالمه الواقعي إلى عالم افتراضي يتخلص فيه من المعكرات والمنغصات الحياتية، ويعظم فيه من "أنا" في مقابل الآخر وفق مضمون غنائي يشرعن لذلك التصور؛ وهذا ما يمكن إيضاحه من خلال التعرض إلى البنائي الضمني لكلمات المهرجان التالي:

ولعة وكلها بتضيق الأخصام بالتوابير

وأنت مسكت السرير؛ خفت تدخل في اشتباك

أنت وشك زي أفاك([3])

ده أنا وزير الشباب عندي مخلب وناب

لاء ده زمن الصحاب؛ أصل أنا صحبي الجنية

تضمنت الأغنية دلالات داعية إلى التعظيم من روح الخصومة، الممهورة بالافتخار لإذلال الآخر(الخصم)؛ في إطار من الرفع لروح المادية المفرطة والانحياز إلى المال دون العلاقات الإنسانية الروحية.

وفي معرض أغنية "الأفعى والحاوي"([4]):

لو عشت الدنيا أسد .. وسط الضباع هتسد

هتعشها بالطيبة... الدنيا فيك هتهد

لازم تكون وتد ....تخرب على أي حد

علشان في زمانا دا ....محدش بيرحم حد

انحازت أغنية "المهرجانات" إلى إظهار بطل الأغنية في إطار من المظلومية؛ سعيا إلى حصد تعاطف المتلقين له، الأمر الذي أسهم في إبداع حالة من التكاتف والتآزر الجمعي القائم بين المغني والمتلقين في إطار بنية درامية أسطورية؛ ذلك لأن التوجه الضمني للأغنية يسعى صوب إحالة الواقع المعيش إلى عالم افتراضي يصور فيه المتلقي وكأنه بطل أسطوري يعادي فيه كل ألوان الشرور المجتمعية، ويشرعن لنفسه أفعال العنف بوصفها آلية لتطهير الواقع؛ الأمر الذي أسهم في الإعلاء من قيم العدوان والعنف في مجتمع آمن انتهاج المفاهيم العرفية القائمة على موروث العادات المرتكزة على تعاليم الأديان السماوية وسماحتها.

3- إبراز مضمون خيانة الصديق:

تعد الشخصية المصرية في عمومها مائلة نحو تعظيم النوستالجيا([5]) والحنين إلى الذكريات الفائتة بوصفها ذات مرجعية عربية؛ فقد اتخذ الشاعر الجاهلي هذه المطية الضمنية منهاجا شعريا لنظم قصيدته، والأدلة على ذلك يمكن رصدها من خلال تعقب بناء القصيدة الجاهلية في مطلعها التي انحازت إلى الحنين إلى مواطن الذكريات ومناجاة الصاحبين.

ومن ثم لم يك بدعة من الأمر أن تلجأ "أغاني المهرجانات" في مضمونها إلى التعظيم من الصاحب وفق نمطية تعبر عن التغير الثقافي الملازم للمكونات البيئة المنغلقة التي سودت بالفقر، الجهل، والعدوان؛ الأمر الذي لعب على أوتار مشاعر المتلقي جذبا واستمالة، ويمكن التدليل على ذلك من خلال التعرض إلى أغنية "هنضرب نووي"([6]):

دُول دَكترة في الندالة والأيامة والخيانة

اصحى صحصح للرسالة أنتو بتخونو الأمانة

اعتمدت على إبراز عنصر (خيانة الأمانة) الصادرة عن الصديق؛ الأمر الذي أسهم في إحاطة مضمون الأغنية بحالة من المظلومية الداعية إلى تعاطف المتلقي مع ما يأتي من توجهات بوصفها ردة فعال للخيانة التي تأَبَاها التوجهات الشخصية للعربي، والتي صارت إرث ثقافي تتناقله العربية عبر العصور.

وفي معرض "شقلطوني في بحر بيرة"([7])، حيث قال المغنى:

صحبي مجدع مع البنات ... عندي يقفل التليفونات

في البلالا الصحبة عايشة ...والرجولة في الماية بايشة

اعتمدت الأغنية على بيان حالة من المظلومية التي عايشها المغني مبررا للأفعال العدوانية المنتهجة، سعيا لإيجاد فرجة للعيش في بيئة أطر قانونها بالعنف - في المخيال - بات المسبب فيه مفهوم "الخيانة"، والتي مطيتها "الصديق"؛ الأمر الذي أسهم في تفعيل العدوان مع الآخر تحت مبرر حماية "الأنا" المتسترة بإعلاء مفهوم "الأمانة"، وهذا ما أسهم في اللعب على الشعور الجمعي لدى المتلقين؛ تآزرا وتأييدا لما يأتي به المغني من نتائج ضمنية لأغنية عكست ملابسات الواقع المعيش في إطار من التلبيس.

5- الاعتماد على الدلالة المجازية: (ما وراء اللغة)

لا شك في أن توظيف الدلالات المجازية كان لها عظيم الأثر في رواج "أغاني المهرجانات" لاسيما المعنية بالألفاظ ذات الدلالات المجازية الجنسية، الأمر الذي حل مبررا يشرعن الألفاظ المستخدمة ذات الدلالة المصاحبة، ويمكن التدليل على ذلك من خلال:

"قاعد لوحدك .. كدة سرحان ...شيطان يوزك ... لسكة شمال ...يفضل يقولك ... "ألعب يلا"

تحمل العبارة الغنائية معاني مجازية (محلية) مفهومة الدلالة التداولية في البيئة الشعبوية المنتجة لألفاظها، والتي عملت بدورها على التصادم مع المستمع نتيجة حملها لمقاصد وتوجهات جنسية متسترة وراء "الدلالة المجازية/ الهامشية للألفاظ([8])"، الأمر الذي دعا إلى التعظيم من الترابط الحميمي([9]) بين المتكلم الممثل في (المغني) والمخاطب الممثل في (المتلقي) وذلك لأن كلاهما يلتقيان عند نقطة واحدة قوامها التلاقي الثقافي المبيح لإدراك الدلالة المجازية الموظفة في "أغنية المهرجانات".

6- الاعتماد على السلم الحجاجي:

إن إشكالية التناقض الممثلة في "أغاني المهرجانات" النابعة عن الدعوة إلى التحرر من الإرث الثقافي المصري وإقبال الجمعي، يمكن تفهمها نتاج ما اعتمد عليه ذلك اللون الغنائي من خصيصة ضمنية عظمت من "التسلسل الحجاجي" في التواصل مع المتلقي، وهذا أحد الآليات الشفهية التي أسهمت في إقناع المتلقي بكل ما يأتي به المتكلم من نتائج، كما أشار إلى ذلك أرسطو([10])، والمدقق في "أغاني المهرجانات" يجد أنها لا تكاد تخلو من آلية "التسلسل الحجاجي" مطية شفهية لإقناع المتلقي بما تأتي بها الأغنية من أفعال العنف والترهيب؛ ففي معرض أغنية "الأفعى والحاوي"([11])، قال المغني:

دنيا قانونها انحل ..... حتى ميزانها اختل

دا الصاحب صاحب صاحبُه ... وباعه بأرخص سعر

عيشنا ما بين ذئاب ... ينهشوا من الرقاب

دا الحوت يابا قل مقامه... لما طلع من البحر

لو عشت الدنيا أسد ... وسط الضباع هتسد

قال السنيد:

حب وما تتعلقش طنش وما تطنش .... أسحب سكينة طرشة على أي جاحد

اعتمدت الأغنية السالفة على تعدد المبررات الداعية إلى الخصومة مع الآخر وفق بناء ضمني يعتمد على التقابل بين الجمل وألفاظها، على النحو التالي:

(دا الصاحب صاحب صاحبُه) التي تقابل (باعه بأرخص سعر)

ولفظة (حب) التي تقابل (ما تتعلقش)

ولفظة (طنِّش) التي تقابل (ما تطنش)

(فكك([12]) من المعلوم) التي تقابل (دور على المجهول).

وهذا التقابل أسهم في إقناع المتلقي بالمراد الذي قصده (المغني) عبر مطية شفهية اعتمدت على ذكر الفعل والمبرر له في إطار من التقابل بين الشيء ونقيضه؛ للبرهنة على ما تأتي به الأغنية من نتائج ضمنية تشرعن العنف.

الشاهد:

جاءت ثورات "الربيع العربي" في مصر مصحوبة بحالة من التناقض القيمي بين ما هو أصيل ووافد ثقافي، نتاج إعلائها لقيم إنسانية عليا تمثلت: (الحرية والكرامة الاجتماعية)؛ الأمر الذي تلقفته العديد من المكونات البيئية المنغلقة فرصة للإعلاء من الـ "أنا" الثقافية المعبرة عنها. وجاءت "أغاني المهرجانات" خير شاهد ودليل على ذلك؛ إذ كشفت عن سعيها إلى فرض قانونا يعلي من القيم الإنسانية الزائفة في إطار أسطوري وروافده: (رد المظلومية / خيانة الصديق / الانتصار على العدوان). وهذا ما أسهم في إبداع حالة من التسلية الفنية في إطار درامي، وإحاطة المتلقي بحالة من التعاطف مع الأحداث القصصية التي يعانيها بطل الأغنية (المغني)، الأمر الذي يكشف علة إقبال الجمهور عليها سماعا رغم مخالفتها للتوجهات الثقافية الأصيلة التي بنيت عليه مكونه الثقافي.

ثانيا- القوة الجاذبة الإيقاعية لـ "أغاني المهرجانات"

أَوْلَتْ "أغنية المهرجانات" اهتماما كبيرا للإيقاع على الدلالة اللفظية، سعيا وراء التوافق مع المناسبات التي تذاع فيها من مآتم وأفراح وحفلات شبابية؛ بغية الإعلاء من حالة التسلية والترفيه وكسر حالة الرتابة والممل، ففي معرض مهرجان "العب يلا([13])"، الذي صُدر بعبارة([14]):

"... وفي الأغنية ده بخلاف إنك هترقص عليها، بس حبينا نوضح فيها رسالتنا، يلا بينا ..."

فعلى الرغم من تصدير الأغنية بمضمون إنساني، إلا أن المغني صرح بهدفها الممثل في الإيقاع والرقص، ومن ثم فإن الغرض من "أغاني المهرجانات" هو إشاعة حالة من الفرح والسرور تتناسب مع الظرفية التي تقال فيها.

وإذا كانت العربية وبنائها النظمي هي القادرة على خلق إيقاع لها، بات من الضروري التنقيب في البنية النظمية لـ "أغاني المهرجانات" والكشف عن الموسيقى الناتجة عنها؛ بغية تفهم الأسباب الدافعة إلى خروجها على ما هو عليه إيقاعيا، وهذا ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1- البنية الفنية لـ "أغاني المهرجانات":

بنيت "أغاني المهرجانات" على شكل مقطوعات شعرية، في كل مقطوعة عدد من الأسطر تتراوح ما بين عدد (4-8) أسطر، تتواصل كل مقطوعة مع قريناتها عبر تشابه قافية السطر الأخير مع قافية مطلع المقطوعة التالية، فضلا عن التلاعب الصوتي الناجم عن (النبر/ التنغيم) قِبل مؤدي الأغنية الممثل في:

-المغني الرئيس: الذي يسهم في تخليق نسق موسيقي يتغلب من خلاله على العقبات اللفظية الممثلة في كلمات الأغنية، والتي تعددت وسائله الشفاهية فيها منها آلية (الصمت) بين الجمل، والتي تقوم بدور العطف بين الجمل المنطوقة؛ فضلا عن قدرته على توظيف التلاعب الصوتي (التنغيم – النبر) الذي يبدع من خلاله تناغما وإيقاعا مقصودا.

- السنيد: ويأتي دور (السنيد)([15]) في "أغنية المهرجانات" من خلال تدخله الغنائي للحافظ على البناء الإيقاعي العام للأغنية، لاسيما وأن "أغنية المهرجانات" اعتمدت على البناء النظمي العامي الذي يفتقر في ذاته إلى أبداع إيقاعا موسيقيا كما هو الحال في الشعر العرب؛ ففي معرض مهرجان" الأفعى والحاوي"([16])، قال المغني:

دنيا قانونها انحل

حتى ميزانها اختل

نجد أن قافية الأغنية قامت على حرف (ل)؛ وتدخل (السنيد)؛ قائلا:

عيشنا ما بين ذئاب

ينهشوا من الرقاب

فتدخل (السنيد) عمل على سهولة طرق أبواب إيقاعية تتوافق مع الإيقاع العام الذي تقوم عليه الأغنية، على الرغم من عدم السير على نفس القافية الصادرة عن (المغني)، معتمدا في ذلك التدخل على إبداع إيقاعا جديدا؛ ولعل هذا هو أحد الوسائل التي تعمل على تجاوز العوائق الفنية لبناء "أغنية المهرجانات" المفتقد لجودة البناء النظمي، وبذلك يعد دور (السنيد) محوريا في تذليل كافة العوائق اللفظية التي تحول دون الخروج بإيقاع موسيقي منسجم.

وإذا ما افتقدت "أغاني المهرجانات" الجودة اللفظية في بنائها، إلا أنها اعتمدت على قدرة العربية على تجوزها من خلال إبداع إيقاعا موظفا غير مقيد بالقيود الموسيقية الشعرية المتعارف عليها؛ ذلك لأنها انتهجت المنهجية الشفهية في بنائها الفني، والتي تتعدد مشارب إيقاعها بحسب الطاقة الشفوية الممارسة، وهذا ما يمكن بيانه على النحو التالي:

2- التلاعب الصوتي (النبر/ التنغيم)

تعد آلية "التلاعب الصوتي" إحدى الركائز الرئيسة المعتمدة في البنية الإيقاعية لـ "أغاني المهرجانات" من خلال إخضاع المغني البناء اللفظي لإيقاع موسيقي يتوافق مع البناء العام للأغنية؛ ففي معرض مهرجان (الأفعى والحاوي)([17])، قال المغني في أحد الفقرات الغنائية:

لو عشت الدنيا أسدا .. وسط الضباع هتسد

هتعشها بالطيبة... الدنيا فيك هتهد

لازم تكون وتد ....تخرب على أي حد

علشان في زمانا دا ....ماحدش بيرحم حد

فعلى الرغم من سير الفقرة الشعرية على قافية واحدة (د) إلا أن المغني عمد إلى (النبر) بنمطية ثابتة في نهاية كل سطر شعري باستحالة الحركات القصيرة (الفتحة) في الحرف الأول من كل كلمة إلى حرف مد طويل (الألف)، والممثلة في ألفاظ:

(أسد، هتسد، وتد، محدش)؛ رغبة في الحفاظ على الإيقاع العام السائر عليه الأغنية.

3- الإيقاع النابع عن طبيعة الكلمة

وهو إيقاع تفرضه طبيعة الكلمة العربية بما اشتملته من تقاطع بين الحروف "المتحركة" و"الساكنة"، والذي يرتهن عليه مغني "المهرجانات" لإبداع إيقاع موسيقي لغوي، ففي معرض مهرجان "شايف الوشوش ألوان"([18])، قال المغني:

عايم في بحر الغدر ...شط الندالة مليان

بقلوب ما ليها الشر...والــبر مـــاله أمان

نجي الخسيس منه....أما الأصيل غرقان

والقوي في قـــــوته ... بـــــس على الغلــبان

فبالإضافة إلى سير الأغنية من خلال هذا المقطع المكون من أربع أسطر على قافية واحدة (ن)؛ نجد المغني يعتمد في إيقاعه الموسيقي على التحليل اللفظي للكلمة وفق مقتضى(الساكن/المتحرك) لحروف الكلمة الواحدة؛ على النحو التالي:

عا/يمْ /في/ بحْ/ر/ الغْ/غَدْ/ر ... شطّ/النْ/ ن/ دا / لة / ملْ/ يا/ن

لتكون الفواصل اللفظية الممثلة في الحرف "الساكن/ حروف المد الطويل" للكلمة الواحدة؛ مبعثا لتداول إيقاعي تقوم عليه الأغنية كلها وتعمل على تفعيل لاشعوري، وخير شاهد ودليل على ترابط الإيقاع مع المضمون انفعال الشباب تراقصا وتمايل على حالة الحزن أو المآتم التي يذاع فيها تلك الأغنية.

وفي السياق ذاته يمكن التعرض إلى أغنية "نمبر وان"([19]):

أنا في الساحة واقف لوحدي

وأنت وأصحابك ليا بصين

أنا جمهوري واقف في ضهري

نمبر وان وأنتو عارفين

خرج الإيقاع الموسيقي لهذه الفقرة المكونة من أربع أسطر؛ اعتمادا على التحليل اللفظي للكلمة، على النحو التالي:

أ/ نا / في / السْ/سا/حــة/ وا / قِفْ/لِ/ وَحْ/دِي

4- التقارب اللفظي

اعتمد البناء الإيقاعي في أغنية "المهرجانات" على التقارب اللفظي بين نهايات الكلمات كأحد البدائل المستخدمة للتغلب على العقبات اللفظية التي تحول دون جريان الموسيقى على نهج ثابت مقصود؛ ففي أحد مقاطع مهرجان "الأفعى والحاوي"([20])؛ التي جاءت على النحو التالي:

صاحبي دا كان راجل

داخل وبيقاتل

قام قال أموت راجل

أحسن ما أعيش مكسور

عمد المغني إلى قافية (لـ) في الأسطر الشعرية الأولى من الفقرة السابقة. أما في السطر الأخير، فلجأ المغني إلى حرف (ر) قافية بديلة، اعتمادًا على التقارب اللفظي بين الحرفين (الراء، واللام) فكلاهما (حلقي لثوي، لثوي) وهذا التقارب أدي إلى انسجام القافية وخروج الإيقاع على وتيرة إيقاعية منسجمة.

5- (آلية العطف بين الجمل)

وقد يكون الإيقاع الموسيقي في "أغنية المهرجانات" نابع عن (آلية العطف بين الجمل) بحسب التوظيف المنطوق، ولم يك المقصود به ذلك العطف المختص بالممارسة الفصيحة للعربية، بل المراد بذلك العطف الموظف في الممارسة الشفهية العامية، ويخص الباحث بالذكر آلية العطف الممثلة في "الصمت" التي كان لها ظهور بارز في أغلب "أغاني المهرجانات"، ففي أحد مقاطع أغنية "صحبي دراعي" قال المغني:

أنا حبي ناسي.. ده شيء أساسي... ربي علاني

في ناس كتير ..سودا الضمير... بعيونها نظراني

هو أنتو ليه... حاسدني ليه ....ما كفايا أحزاني

دايما قهركم ... جايب أخركم ....ما ليش شبيه تاني

قامت الفقرة الغنائية على إيقاع موسيقي ناتج عن العطف بين الجمل العامية وآليته "الصمت" بين العبارات القصيرة، التي تيسر جريان الكلام على لسان المغني بسهولة دون العوائق اللفظية المسببة للتنافر والتباعد بين منطوق كلمات الأغنية، والعاملة على إبداع إيقاع موسيقى عجزت عن إيراده البنية النظمية لـ "أغاني المهرجانات" والمفتقدة لقوة النظم المعتادة على الأذن العربية من خلال الشعر بتنويعاته وألوانه الممنهجة.

ثالثا- أسباب رفض ظاهرة "أغاني المهرجانات"

إن المدقق في ظاهرة "أغاني المهرجانات" يجد قدرتها على تحقيق قدر كبير من التوافقية مع المكونات البيئية المنتجة له، والتي جاءت انعكاسا لتمدد الحالة الشعبوية بالشارع المصري بصفة خاصة إبان التقلبات المجتمعية التي لازمت ما أطلق عليه بـ "الربيع العربي"، وهذا تطور طبيعي للفنون المعبرة عن مجتمعاتها، إذا ما آمنّا بعبارة: "إن الفن ابن بيئته".

بيد أن هذا التوافق تسبب في حالة صراع بين الأصيل والوافد في المكون البيئي المصري قوامه الانتصار لهوية الثقافية المعبرة عن الـ "أنا"؛ إذ كان لهذا اللون من الأغاني أثر واضح على التوجهات الثقافية للبيئات المنغلقة والمهمشة، والتي اعتبرته انتصارا بنكهة ثورية على واقعها المعاش تعدته الى ما دون ذلك، وهو ما يفسر تلازميه ديناميكية القائمين عليه وحماسهم المفرط في التقدم به إلى مساحات واسعة من الجمهور، حتى أضحى هذا اللون جاذبا لشتى التنويعات الطبقية مجتمعيا وثقافيا، الأمر الذي قابله تيار رافض تمثل في النخب الثقافية الذين رأوا في هذا اللون الغنائي الطارئ ما هو مهدد بتلاشي الهوية الثقافية المصرية الأصيلة.

في موازاة ذلك، يقع إشكال الهوية كجزء رئيس وملمح أساسي في مسألة الرفض لظاهرة "أغاني المهرجانات"؛ إذ إن الهوية في فضائها الواسع والعريض تنظر إلى كل طارئ ومفاجئ على أنه بدعة تهدد وجودها وماهيتها، وهكذا الهوية المصرية بتنويعاتها الفنية والثقافية والمجتمعية، التي توخت الحيطة والحذر من كل ما يهدد ملامحها التي نشأت وتشكلت عليها منذ عقود تلو عقود، وفي ذلك يمكن الرجوع إلى رأي "ستيوارت" الذي تفحص فيه أثر العولمة في الهويات الثقافية، ووصل في أبحاثه إلى إثبات أن الاتجاهات الفكرية والأيديولوجية حين تنتشر وتسود؛ تتعرض إلى رفض الشعوب والجماعات الأكثر شعورا بخصوصيتها، في محاولة لإعادة إثبات اختلافها، وتصبح بالتالي أكثر تقاربا أو تلامسا مع تراثيتها حتى لو كانت حداثتها تفرض نوعا من التلاقي والتجانس مع العولمي.([21])

ولهذا بات بيان الأثر الناتج عن تقاطع "أغاني المهرجانات" مع المكون الأصيل للثقافي المصري ضرورة ملحة؛ ذلك أن هذا اللون الغنائي اعتمد في انتشاره على توجه دلالي يحرض على ثالوث تلاشي الهوية العربية الأصيلة لأي مكون ثقافي لاسيما المكون المصري، والممثل في: (الإحالات الجنسية - التحريض على العنف والدعوة إلى التحرر من الضوابط القانونية)، وعلى هذا يمكن الاستشهاد ببعض التوجهات الضمنية التي اعتمدتها "أغاني المهرجانات"؛ على النحو التالي:

1- الإحالات الجنسية:

لم تكن المنهجية الدلالية في "أغاني المهرجانات" منحازة إلى الإبداع الفني بقدر اللفت إلى الإثارة الجنسية، الأمر الذي تناقض مع الهوية المصرية الأصيلة المؤطرة بالتقاليد الدينية والأعراف الخلقية الرافضة للإباحية في الفن دون غرض أدبي يعضد له، حيث اعتمدت "أغاني المهرجانات" على إحالات لفظية تضمنت بعض الدلالات الجنسية، بوصفها أحد آليات الإثارة في العمل الفني، ويمكن التمثيل لذلك من خلال ما جاء في مهرجان "هنضرب نووي"([22]):

هاتلي فوتكا وجيفاز([23])

انحرفتم بلجام

يلعن أبو الجواز

دا الغرام هو المراد

حوى المهرجان – السالف-العديد من المضامين المناقضة للمكون الثقافي المصري الأصيل من خلال الدعوة إلى التحرر من القيود الدينية والعرفية والممثلة في معاقرة الخمر، والتحرر الخلقي؛ الأمر الذي بات معارضا للراسخ الثقافي المصري القائم على تعاليم الأديان السماوية والأعراف والتقاليد المؤيدة لها.

وفي معرض مهرجان فرقة "المدفعجية "([24]) الذي لاقى رواجا بين المستمعين في مصر وبخاصة في الأحياء الشعبية عبر "صدمة فنية" قوامها البنية اللفظية التالية:

" أديك في السقف تمحر([25])

أديك في الأرض تفحر

أديك في الجركل تركن

أديك في الجزلك زيت

أديك وبكل سهولة شكلك لسة في سنة أولى

أديك وفي وسط الشارع

أديك ما أنا أصلا بارع

أديك على الفضائيات

أديك ما كفايا عياط"([26])

حاولت الأغنية اختراق عالم الشباب من خلال إبداع مفاهيم جديدة تعبر عن الخصومة وتبرر أفعال العنف؛ اعتمادا على الدلالات المجازية في إطارها الجنسي، حيث باتت الإحالات الجنسية منهجية ملازمة لـ "أغاني المهرجانات" في بداية ذيوعها ذلك لأنها اتخذت مسارات عدة منها التعبير عن الخصومة في إطار من الهيمنة والسيطرة الممهورة بإذلال الأخر(الخصم).

الأمر الذي رفضته التوجهات الثقافية المصرية بإطاريها العرفي والديني، وبات ذلك التوجه في نظر النخبة الثقافية تهديدا صريحا للمكون الثقافي المصري وهويته.

ثانيا: التحريض على العنف والدعوة إلى التحرر من الضوابط القانونية:

لا شك أن "أغنية المهرجانات" جاءت معبرة عن حالة التهميش التي عانتها بعض المكونات الثقافية المنغلقة في مصر تحت ظلال النظم الحاكمة قَبل الأحداث الثورية الملازمة لما أطلق عليه "الربيع العربي"؛ متخذة من الفراغ الأمني والقانوني فرصة سانحة لترسيخ قانون جديد يتطلع إلى إعادة إنشاء مفاهيم وأعراف مجتمعية سائدة تتفق وتوجهاتهم وثقافتهم، وقد عظمت "أغاني المهرجانات" ومضمونها اللفظي من هذا التوجه، ففي معرض البناء اللفظي لأغنية "الأفعى والحاوي"([27]):

دنيا قانونها انحل ... حتى ميزانه اختل

دا الصاحب صاحب صحبه ... وباعوا بأرخص سعر

عشنا ما بين ذئاب ... ينهشوا من الرئاب

عظمت الأغنية من العنف، والتحرر من الإطار القانوي الضابط في إطار من إشاعة بشاعة حالة المظلومية المعاشة للمكونات البيئية المنغلقة "المهمشة"؛ رغبة في اكتساب مساحة جماهيرية من استعطاف المتلقين لاستبدال الثقافة الأصيلة للمكون المصري بثقافة المكون البيئي المنتج لـ "أغاني المهرجانات"، الأمر الذي أبت أن تتقبله النخب الثقافية في مصر؛ حفاظا على الدولة بمفهومها المؤسساتي ومرجعيتها الثقافية الأصيلة.

و في معرض أغنية هنضرب نووي([28]):

مرحبتين خطوة عزيزة معديين من غير (Visa)([29])

أصحى لمليكة الجيزة

ضرب نار للصباح

يلا من غير سياح نفضي خزنة الآلي

استهلالة غنائي تدعو إلى تهميش القانون وتعظم من العنف بدلالة اللفظ المستخدمة في المقطوعة الغنائية، والممثلة في (ضرب نار – خزنة الآلي).

ومن أبرز الآليات التي اعتمدتها "أغنية المهرجانات" مضمونا في تواصلها مع المتلقي إبراز حالة المظلومية التي يعيشها بطل الأغنية والمبررة لمنهجية العنف المنتهجة في مضمونها، ففي معرض أغنية "السبقانة كسابة":

وأولنا هنمشي جمب الحيط هنبأى في حلنا نمشي يمين

لَإِينا الناس علينا بتظيط وجم علينا البني أدمين

دنيا عيزة اللي خلف خلاف

دنيا مش عايزة ..لاء الضعيف

دنيا عايزة اللي مش بيخاف ويلعبها ويكون حريف

اعتمد مضمون الأغنية على البناء الشفهي العامي المصري؛ ساعيا نحو الإعلاء من حالة الخصومة مع الآخر بوصفها ردة فعل للأفعال المنتهجة، الأمر الذي بدا أمام الناظر وكأن "أغنية المهرجانات" تحاول إبداع حالة من الفصام القيمي المجتمعي لتبرير أفعال العنف والعدوان في إطار "أسطوري/ ملحمي"؛ لرد المظالم وترسيخ قيم الحق المزيف.

الشاهد:

تعد "أغاني المهرجانات" بما جاءت به من مضامين تهديدا صارخا للهوية المصرية التي ارتكزت على دعامتين: التعليم الدينية السماوية، والعادات والأعراف الخلقية؛ لما أوردته من مضامين تعكس ثقافة المكون البيئي التي تولدت عنه والمؤطر بالفقر والتهميش؛ ساعية نحو الإعلاء من الـ "أنا" المحلية في إطار من المظلومية؛ لإبداع عالم افتراضي جديد -في المخيال- يعلي من قيمه وعاداته أمام المكون البيئي الأشمل الممثل في الهوية المصري؛ الأمر الذي بدا وكأنه لون من ألوان الصراع الهوياتي بين ما هو أصيل ووافد ثقافي، لاسيما في ظرفية وسمت بالانفلات الأمني والرقابي أعقاب ما أطلق عليه "الربيع العربي".

النتائج:

يمكن القول وبعد تفكيك بعض من نصوص "أغانى المهرجانات" لغويا والتعرض لإيقاعاتها الفنية وتنويعاتها، إننا أمام لون فني جديد، له تكوينه وتراكيبه وعالمه الخاص بل والمستقل الذي يتميز به عن غيره، وإن كان يحتاج إلى المزيد من التأصيل الفكري الذي يسهم في ترسيخ قاعدته الفنية.

يمكن النظر إلى "أغاني المهرجانات" على أنها أحد التطورات الطبيعية لفن المكونات الشعبوية المنغلقة من خلال تداخل مجموعة من الفنون الشعبية. وعلى الأرحج، فإن هذا اللون الغنائي جاء نتاج تطور الفنون المنبثقة عن "العامية" المعاصرة، حيث حلّ لون غنائي مستقل تمايز عن غيره من الفنون الشعبية، الممثلة في: (الشعر الشعبى، الزجل، المنولوج ([30])، الشعر العامي)

بمقاربة أخري يمكن النظر إلى "أغاني المهرجانات" على كونها تطورا لأحد الفنون الشعرية "الغنائية"، والتي تأتي في صدارتها "الأغنية الشعبية" بوصفها أحد روافد التراث الشعبي، والتي تتكون من ثلاثة أو أربعة أبيات من الفن الطفيف، خاصة ثماني المقطع، والتي تبدو متقاربة في بنائها النظمي مع "أغاني المهرجانات"؛ بيد أن أغلب الأغاني "الشعبية" اتخذت من التوجه الرومانسي سبيلا لها. أما "أغاني المهرجانات"، فقد اتسعت في شموليتها لتعكس صورة الواقع من منظور شعبوي محلي منغلق.

ولم تك هذه الموازنة بين اللونين بدعة من الأمر؛ فالمكون البيئي([31]) يعد المصّدر لأي اللون الغنائي؛ فـ "الموشحات" على سبيل المثال التي ظهرت في الأندلس جاءت خروجا عن النهج الكلاسيكي الشعري من حيث الشكل؛ مؤصلة لبناء نظمي له ضوابط محكمة تعبر عن مكون البيئة الأندلسية الجديدة الذي تولد عنها هذا الفن.

 

ثبت المصادر والمراجع

المراجع

- حول الهوية الثقافية، ستيوارت هول، ترجمة بول طبر، مجلة إضافات، العدد الثاني، ربيع 2008

- الخطابة - أرسطو طاليس - تحقيق عبد الرحمن بدوي، وكالة مطبوعات الكويت / دار القلم، بيروت، 1979

- مجلة ذوات العدد عدد "47"، كلمة العدد، الشعبوية ونزوعات التفكير السياسي الجديد- كلمة هذا العدد، سعيدة شريف، 2018م.

*- المواقع الإلكترونية

- https://www.youtube.com/watch?v=qGWn3Hdxo2c

- https://www.youtube.com/watch?v=ymkO_gLI8Hw

- https://www.youtube.com/watch?v=_a-THDfbZ3I

- https://www.youtube.com/watch?v=ymkO_gLI8Hw

- https://www.youtube.com/watch?v=VU_RvaW8I_U

- https://www.youtube.com/watch?v=ymkO_gLI8Hw

- https://www.youtube.com/watch?v=7YVydzZHU6U

- https://www.youtube.com/watch?v=ymkO_gLI8Hw

- https://www.youtube.com/watch?v=ymkO_gLI8Hw

- https://www.youtube.com/watch?v=J3UesvwWdlA

- https://www.youtube.com/watch?v=_a-THDfbZ3I

- https://www.youtube.com/watch?v=F5Zf8fRQf-Q

- https://www.youtube.com/watch?v=vInOzJ-NJzg

[1] – مجلة ذوات العدد عدد "47"، كلمة العدد، الشعبوية ونزوعات التفكير السياسي الجديد- كلمة هذا العدد، سعيدة شريف، 2018م، ص4

[2] - https://www.youtube.com/watch?v=_a-THDfbZ3I

[3] - لفظة عامية تعبر عن أسفل الرقبة والعنق

[4] - https://www.youtube.com/watch?v=ymkO_gLI8Hw

[5] - هو مصطلح يستخدم لوصف الحنين إلى الماضي، أصل الكلمة يرجع إلى اللغة اليونانية

[6] - https://www.youtube.com/watch?v=vInOzJ-NJzg

[7] - https://www.youtube.com/watch?v=VU_RvaW8I_U

[8] - الدلالة الهامشية: هي المعاني المرافقة للفظة وفق ممارسة المنطوق الكلامي في بيئة بعينها

[9] - ينظر: الخطابة - أرسطو طاليس – تحقيق عبد الرحمن بدوي، وكالة مطبوعات الكويت / دار القلم، بيروت، 1979، ص ج/د/هـ

[10] - نفس المرجع، ص 65

[11] - https://www.youtube.com/watch?v=ymkO_gLI8Hw

[12] - لفظة شعبوية يراد منها الترك والنبذ

[13] - لفظة شعبية مصرية يراد بها "الولد"

[14] - https://www.youtube.com/watch?v=7YVydzZHU6U

[15] - المغني الذي يتداخل مع مغني "أغنية المهرجانات"

[16] - https://www.youtube.com/watch?v=ymkO_gLI8Hw

[17] - https://www.youtube.com/watch?v=ymkO_gLI8Hw

[18] - https://www.youtube.com/watch?v=J3UesvwWdlA

[19] - https://www.youtube.com/watch?v=_a-THDfbZ3I

[20] - https://www.youtube.com/watch?v=F5Zf8fRQf-Q

[21] - حول الهوية الثقافية، ستيوارت هول، ترجمة بول طبر، مجلة إضافات، العدد الثاني، ربيع 2008، ص164

[22] - https://www.youtube.com/watch?v=vInOzJ-NJzg

[23] - نوع من أنواع الخمور

[24] - أحد فرق المهرجانات

[25] - فعل مضارع يدل على تأسيس الحوائط كأحد ملازمات مهنة النقاشة.

[26] - https://www.youtube.com/watch?v=qGWn3Hdxo2c

[27] - https://www.youtube.com/watch?v=ymkO_gLI8Hw

[28] - https://www.youtube.com/watch?v=vInOzJ-NJzg

[29] - تأشيرة الدخول إلى البلاد

[30] - الذي يعد أحد الإفرازات الفنية التي شرعنت لتواجد الألوان "الغنائية الشعبية" في العصر الحديث على الرغم من انحصار ممارساته في الراهن، فـ "المنولوج" فن غنائي تواصل مع متلقيه عبر بناء نظمي إيقاعي؛ محطما القوالب الفنية المتعارف عليها، ومشرعنا لنفسه التواجد في الساحة الفنية؛ نتيجة خروجه عن مفهومية الأغنية السائدة؛ معتمدا على الممارسة اللغوية الشعبية من خلال تعظيم العادات والممارسات السائدة التي قد يلازمها الاستعانة بالألفاظ الأجنبية وفق الممارسة الشفهية في آنها، فبات لونا فنيا متقاربا مع الشعب.

[31] - او الايكولوجية والتي تعنى بدراسة البيئة المجتمعية المنتجة


مقالات ذات صلة

المزيد