ابن رشد والموسيقى


فئة :  مقالات

ابن رشد والموسيقى

تحتلّ الموسيقى الترتيب الخامس في سلّم العلوم الرياضية[1]، فلها أهمية قصوى في التربية عند ابن رشد؛ إذ هي "عشق للحسن بالذات"، ولذلك "لا يضاهي عشقـ[هـا]، عند أهلها، لذة من اللذات"[2].

وابن رشد يجاري أفلاطون في الحديث عن الموسيقى، وأهميتها، على الرغم من أنّه من الفلاسفة القلائل، الذين لم يتركوا شيئاً في التأليف الموسيقى، في حين نجد الكندي، العالم الرياضي، يترك مؤلفات موسيقية منها (رسالة الكندي في خبر صناعة التأليف)[3]، ويذكر الكندي، في هذا الكتاب، أنّه ألف كتابين في الموسيقى؛ كتابه هذا، وكتاب آخر سمّاه (كتابنا الأعظم في التأليف)[4]، الذي ألّفه -كما يقول- "بالقول المرسل، الذي يجب أن يُقال فيه بتقصّي البرهان"[5].

ونجد الفارابي، المهندس والفلكي، يكتب (الموسيقى الكبير) ليصبح أكبر شهادة على تضلعه الموسيقي، علماً ومزاولةً، "فكان ذلك أمكن له في تعريف المبادئ، والأصول، ودقائق الصناعة"، كما يقول محقّق الكتاب[6]، وهو الكتاب الذي تتلمذ عليه ابن باجة[7]، الذي صرّح، نفسَه، أنّه زاول صناعة الموسيقى، حتى بلغ فيها مبلغاً رضيه لنفسه[8]، وكان يفخر بأنّه يضرب على العود[9]، على الرغم من أنّه، على ما يبدو، لم يخلّف أثراً موسيقياً.

كما نجد ابن سينا، الذي خبر الموسيقى، يؤلّف فيها رسالةً يعالج فيها "الكليات دون الجزئيات، معطياً أبعاد الوتر، وتنوع النغمات في السلم الموسيقي، بأبحاث رياضية بحتة"[10].

فما العلة في أنّ فيلسوفنا لم يترك شيئاً في صناعة التأليف الموسيقي، على الرغم من أنّه كان يعرف للموسيقى أهميّتها القصوى في التربية. هل يكون لعدم تضلّعه في الرياضيات تضلعَ غيره من الفلاسفة، سببٌ في ذلك، ونحن نعلم أن الموسيقى علم رياضي بالدرجة الأولى؟ هل يكون هذا من النقص التربوي، الذي عانى منه ابن رشد، فلم يجد فضاء يتعلم منه هذه الصنعة؟ وهل كانت بيئته معادية للموسيقى؟

لا نملك إجابات شافية عن الجزئين الأخيرين من السؤال[11]، ولكنْ، يمكن القول إنّ ابن رشد، في حديثه عن الموسيقى، يتحاشى الجدل الدائر في المجتمع الإسلامي حول الموسيقى والسماع، تحليلاً أو تحريماً، ويثمّن رأساً أهمية الموسيقى، والألحان، والغناء، في تربية النشء، وتربية الفيلسوف، ولعلّ مردّ هذا الموقف الرشدي أنْ يكون امتلأ بمواقف الغزالي، الذي دافع، في (الإحياء)، عن السماع[12]، وموقف أبي بكر بن العربي، الذي دافع عن الموسيقى دفاعاً حاراً، وموقف ابن حزم كذلك. ولعلّه لم يلتفت إلى المواقف المضادة للموسيقى؛ لأنه يجد لها العذر، كما وجده لها الفارابي من قبله، في كتابه في الموسيقى، عندما أرجع المواقف السلبية من الموسيقى إلى الابتذال، الذي وقعت فيه، وكاد يعذر الشرائع في تحريمها، وأنشأ كتابه من أجل تصحيح النظر إلى الموسيقى[13].

وكذلك صاحب كتاب (كمال أدب الغناء)، معاصر ابن رشد؛ الذي ردّ الانصراف عن الموسيقى إلى إفراطها في الهزل[14]، ولعلّه لهذا السبب نفسه، كان ابن رشد يدعو إلى رفع مستوى الموسيقى، نغماً، وإيقاعاً، وقولاً، ولذا نهى عن اعتماد كثير من أشعار العرب. فكيف تفعل الموسيقى فعلها في تربية النشء عند ابن رشد؟

الارتباط بين صناعة الموسيقى والصناعة المدنية، أو العلم المدني، درس من الدروس يقدّمه ابن رشد، متابعاً، في ذلك، أفلاطون، وهو الدرس الذي عرج عليه أبو نصر، في كتابه (الموسيقى الكبير)؛ فبعد أن ذكر الفارابي أهمية الأقاويل الشعرية، وأثرها الإيجابي في الحياة المدنية، وأفصح عمّا يمكن أن تفعله الموسيقى في الإنسان، متى تلبست بالأقاويل الشعرية، أحال، لمن يريد التعمق في هذا الأمر، على المعرفة المنطقية، حيث مظانُّ فهم عميق لأصناف الأقاويل الشعرية، والأشياء التي تلتئم منها، ومن أين تصنع، كما أحال على الصناعة المدنية لمعرفة منفعة كلّ صنف من أصناف الأقاويل الشعرية في الأمور الإنسانية[15]، ما يؤكّد الارتباط العميق بين الشعر والموسيقى من جهة، وبين العلم السياسي من جهة أخرى، في حسّ الفارابي، متابعاً، في ذلك، أفلاطون.

تدخل الموسيقى في التربية، إذن، باعتبارها أداة يتوسّل بها إلى حمل النشء على العمل بالفضائل؛ بل إن الموسيقى ممّا تحسن أخلاق الرُضع في المهد[16]، فكُرْهُ الموسيقى هو بداية الانحراف في المدينة[17]، وبقدر الابتعاد عن الموسيقى، تفتقد الفضيلة؛ لذا يدعو ابن رشد إلى استعمال الألحان مع الأطفال، وهم أبعد عن سنّ التمييز؛ إذ إنّ هناك طريقين للتربية؛ طريق الأقاويل الإقناعية والانفعالية، وطريق العقاب. والموسيقى ألصق بالطريق الأول، الذي "يجري، من بين طرق التعليم، مجرى الطبع"[18]. والنساء، عند ابن رشد، أكثر حذقاً من الرجال في فنّ الموسيقى العملية؛ إذ الألحان تبلغ كمالها إذا أنشأها الرجال، وعملتها النساء[19].

أكّد أفلاطون في (الجمهورية)، كثيراً، أهمية الموسيقى في غرس حبّ القانون في النفوس[20]، وفي تيسرها للعقل لإدراك الفضائل[21]، وأكّد أنها تؤدّي، في النهاية، إلى حبّ الجمال[22]؛ ولذا سينهى عن الابتداع في الموسيقى؛ لأن في ذلك إفساداً للمجتمع[23]، وهو ما سيتابعه فيه ابن رشد.

إنّ "الموسيقى [عند ابن رشد] هي هذه الأقاويل المحكية التي يرافقها اللحن"[24]، والتي يحصل بها لأهل المدينة تهذيبهم، وهذه الأقاويل هي أقاويل شعرية يرافقها اللحن؛ لتكون هذه الأقاويل أقوى أثراً، وأكثر تحريكاً للنفوس[25]، فتؤدي الموسيقى، بذلك، خدمةً للشعر؛ ينفذ من خلالها إلى النفوس؛ ليفعل فيها فعله من التهذيب[26]، وقديماً، جعل الفارابي الصناعة الشعرية رئيسة الهيئة الموسيقية، وأن غاية هذه الهيئة، إنما تطلب لغاية تلك الصناعة الشعرية[27]، ما جعله يؤكّد، في مناسبات، العلاقة الوثيقة التي تجمع صناعة الموسيقى بصناعة البلاغة، وصناعة الشعر[28].

ومن هنا، يجب تجنيب الموسيقى الإسفاف، فَتُصرف عنها أشعار الغزل[29]، بل كلّ الأقاويل المحرّكة إلى اللذات[30]، والتي تحثّ على الكسب، وجمع المال؛ ولهذا السبب، نجد ابن رشد يحذّر من أشعار العرب؛ لأنها مليئة بالسقط من الأقاويل، التي لا تصلح لتربية الحفظة[31]، كما يحذر من الأنغام المائعة والمعبرة عن الحزن والخوف[32]، داعياً، من حيث القول الشعري، إلى اختيار الأقاويل المحفزة للصدق[33]، المحركة للشجاعة، وصواب الرأي، والتقوى[34]، منبهاً إلى ضرورة مراقبة الشعراء، حتى يتجنبوا محاكاة ما هو خسيس من الأشياء[35]، محذراً "من إحداث أيّة بدعة في الموسيقى"؛ لأنه، بذلك، ينتقل "الضرر بسهولة إلى المدينة كلها، من غير أن يُحسّ بذلك، ولا يبعد أن يتمكّن من النفوس شيئاً فشيئاً، إلى أن ينتهي إلى إفساد الشرائع، والنواميس"[36]، ففساد الموسيقى هو فساد للنفوس والشرائع إذاً.

أمّا من حيث الإنشاد الموسيقي، الذي يتركّب من ثلاثة عناصر؛ إيقاع، ولحن، وقول جارٍ مع اللحن، فإنّ ابن رشد، من حيث الإيقاعات، يدعو إلى البحث، في الأندلس، عن الإيقاعات التي تحضّ على رباطة الجأش، أو تميل، بالنفس، إلى السكينة لأهميتها في التربية[37]، كما يحضّ على التحبيب في الألحان المحرّكة إلى الشجاعة والفضائل الهادئة[38]. أما القول الجاري مع اللحن، وهو القول الشعري، فيريده -كما مر بنا- قولاً بعيداً عن الإسفاف، لتتكامل عناصر الإنشاد الموسيقي؛ لأن "الألحان الكاملة إنما توجد بالتصويت الإنساني"[39]، وتصبح الموسيقى - كما يريدها ابن رشد - عشقاً للحسن بالذات، ومرقى من مراقي سلم الفضائل؛ لأنّ فساد الموسيقى هو فساد للمدينة بأجمعها.

لقد أضاء الفارابي بعضاً من هذا المعنى، عندما أكّد أنّ كثيراً من الأخلاق تابعة للانفعالات النفسية، وللخيالات الواقعة فيها، ومن هنا، صارت الألحان الكاملة ذات نفع كبير في إفادة الأخلاق، وفي حمل السامعين على التلبس بالأفعال المطلوبة منهم، وعلى اقتناء سائر الخيرات الإنسانية، مثل الحكمة والعلوم[40]، وعلى تقبل القول الشعري الهادف، ما دام اللحن شيئاً آخر زائداً في معنى الشعر وبهائه[41]. كلّ هذا ما دامت الموسيقى مرتبطة بالأخلاق. أما إذا فسدت الموسيقى، فإنّها تكون سبباً في نشأة الشرور كما أكّد ابن رشد.

إن فساد الموسيقى، عند ابن رشد، سبب في تولّد الشرور. وتفسد الموسيقى عندما تفقد بساطتها، وتصبح موسيقى مركبة خالية من الأخلاق، ما ينذر بظهور صناعة القضاء[42]، التي تخلو منها المدينة الفاضلة. إنّ صناعة القضاء تظهر عندما تفقد الموسيقى دورها في ترسيخ الفضائل، وتهذيب النفوس، ما يشي بالأهمية التربوية للموسيقى في حسّ فقيهنا الفيلسوف، ويبين خطرها الجمالي الكبير، عندما تفسد، أو يخلو منها كلّ منطق تربوي هادف.

لكنّ الموسيقى لن تؤدّي دورها الكامل، إلا إذا كانت مصحوبة بالرياضة، فالموسيقى، دون رياضة، "تحمل النفس على اللين، وتصيرها ضعيفة، وفي غاية الخمول والدعة"[43]، فالتوافق في نفس الفرد، لا يتأتى إلا بهما معها؛ الرياضة تقوي النفس الغضبية، والموسيقى تهذبها، وتخضعها للعقل[44]؛ بل إنّ الشجاعة لا ترسخ في النفس إلا بالموسيقى، والرياضة معها[45].

كان ابن رشد حريصاً على أن يسمع الأطفال كلّ ما هو خير[46]، وانتصر للموسيقى انتصاراً كبيراً لتربية الذوق السمعي، حتى يستمرئ الألحان، والإيقاعات، والأقاويل، التي ترسخ الفضائل، وإن كانت الموسيقى لا تفيد في التهيّؤ للممارسة الفلسفية، أو -بعبارة ابن رشد- غير قادرة على أن تكسب النشء "القوة … التي بها يستطيع الإنسان أن يكتسب معقولات العلوم النظرية"[47]، ومن هنا حدودها التي تقف عندها.

دفع حرص ابن رشد على صحة الأبدان والنفوس جميعاً، إلى الرفع من شأن الرياضة، كما دفعه حرصه على تربية الحاسة الجمالية، عند الأطفال، إلى أن يؤكد أنّ على أطفال المدينة أن يروا كلّ ما هو جميل من أجل تربية عالية لحاسة البصر؛ لأهميتها في ترسيخ الأفعال الجميلة من جميع الوجوه. من أجل ذلك ينتصر للتصوير، ويحث المصورين، رسامين ونحاتين، على نحت الشخصيات الفاضلة، وتجنب تصوير الشخصيات الواقعة في حمأة الرذائل[48]، للمساهمة في التربية الجمالية والأخلاقية لساكني المدينة، وللأحداث منهم على الخصوص.

انتصر ابن رشد للجمال، وانتصر لكلّ ما هو جميل في تربية الإنسان؛ فالجميل، عنده، هو الذي يختار من أجل نفسه، ويتميز بأنه ممدوح، وخير، ولذيذ. ومن هنا، كانت الموسيقى، باعتبارها عشقاً للحسن بالذات، شيئاً جميلاً، وكان التصوير، باعتباره تجسيداً للفضيلة، شيئاً جميلاً، وكانت الفلسفة ذاتها، عنده، أمراً جميلاً[49].

ويمكن القول إنّ كلّ ما يفضي إلى الجمال، عند ابن رشد، مطلوب في التربية الجمالية لناشئة المدن. إنّ ابن رشد يريد لساكنة المدينة من الناشئة أن "يحاصرهم" الجمال من كلّ جانب، فيسمعوا ما هو خير، ويروا ما هو جميل، ويمارسوا، بالتفكير والرياضة، الجمال نفسه، "حتى ترسخ فيهم الأفعال الجميلة من جميع الوجوه"، وتبدو هذه المحاصرة، عندما يشبّه ابن رشد المدينة بالسكنى في مكان سليم يعود بالنفع على ساكنته، بما يتولّد فيه من أرائج، وخمائل، وغيرها[50].


المصادر والمراجع:

- الفارابي، إحصاء العلوم، تقديم: علي بو ملحم، دار ومكتبة الهلال، ط1، 1996م.

- أبو الوليد ابن رشد، الضروري في السياسة، مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، نقله إلى العربية: أحمد شحلان، مع مدخل ومقدمة تحليلية لمحمد عابد الجابري، منشورات دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 1997م.

- الكندي، رسالة الكندي في خبر صناعة التأليف، حققها: يوسف شوقي، ونشرتها دار الكتب المصرية، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1996م.

- الفارابي، كتاب الموسيقى الكبير، تحقيق وشرح: غطاس عبد الملك خشبة، مراجعة وتصدير: د. محمود أحمد الحنفي، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة.

- هنري جورج فارمر، تاريخ الموسيقى العربية حتى القرن الثالث عشر الميلادي، تعريب: جرجيس فتح الله المحامي، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت- لبنان.

- رسائل فلسفية لأبي بكر بن باجة، نصوص فلسفية غير منشورة، تح: جمال الدين العلوي، دار الثقافة، بيروت، دار النشر المغربية، الدار البيضاء- المغرب، 1983م.

- الغزالي، إحياء علوم الدين، ج2، دار المعرفة، بيروت - لبنان، 1982م.

- كتاب كمال أدب الغناء، تحقيق: غطاس عبد الملك خشبة، مراجعة: د. محمود أحمد الحنفي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975م.


[1]- الفارابي، إحصاء العلوم، تقديم: علي بو ملحم، دار ومكتبة الهلال، ط1، 1996م، ص 60

[2]- ابن رشد، الضروري في السياسة، مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، نقله إلى العربية: أحمد شحلان، مع مدخل ومقدمة تحليلية لمحمد عابد الجابري، منشورات دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 1997م، ص 97

[3]- الكندي، رسالة الكندي في خبر صناعة التأليف، حققها: يوسف شوقي، ونشرتها دار الكتب المصرية، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1996م.

[4]- المرجع السابق، ص 100

[5]- المرجع السابق، ص 111

[6]- الفارابي، كتاب الموسيقى الكبير، تحقيق وشرح: غطاس عبد الملك خشبة، مراجعة وتصدير: د. محمود أحمد الحنفي، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، ص 8

[7]- يذكر صاحب كتاب: تاريخ الموسيقى العربية، أنّ هناك نسخةً من كتاب الفارابي تُوجد في مدريد إلى ما قبل سنة 1138، وأنّها عملت لابن باجة. انظر: د. هنري جورج فارمر، تاريخ الموسيقى العربية حتى القرن الثالث عشر الميلادي، تعريب: جرجيس فتح الله المحامي، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت – لبنان، ص 257

[8]- انظر: "ومن كلامه ما بعث به لأبي جعفر بن حسداي"، ضمن: رسائل فلسفية لأبي بكر بن باجة، نصوص فلسفية غير منشورة، تح: جمال الدين العلوي، دار الثقافة، بيروت، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، 1983م، ص 78

[9]- تاريخ الموسيقى العربية، مرجع سابق، ص 284

[10]- انظر الرسالة في: تاريخ الموسيقى العربية...، مرجع سابق، ص ص403 – 416، وانظر: مقدمة المعرّب، ص 23

[11]- حول الجزء الأول، لا شك في أنه كان لابن رشد اهتمام رياضي تجلى، على الخصوص، في احتفائه بعلم الفلك، وقيامه بالرصد الفلكي بنفسه.

[12]- الغزالي، إحياء علوم الدين، ج2، دار المعرفة، بيروت – لبنان، 1982م، ص ص 270 -287

[13]- يقول الفارابي، في نصٍّ جميل وذي دلالات مهمّة في سياقنا هذا، ننقله رغم طوله النسبي: "ولما كانت الأفعال الإنسانية كلها، إنما يطلب بها السعادة القصوى، وكان يلزم أن تكون مُلذة دائمة أبداً، أو ملذة من غير أن يلحق الإنسان عنها أذى، أو كلال، أو تعب، أصلاً (...) ظنّ الجمهور، كذلك، في الأشياء المُتعبة، أنها شقاوات، وبالراحة، وأصناف اللعب، أنها سعادات؛ إذ كانت أفعالها تحاكي، أو تشابه، السعادة، التي هي بالحقيقة سعادة، وظنّ بها، أيضاً، أنها هي الغاية القصوى، فنحوا بأفعالهم كلها نحوها، وطلبوا تتميمها بكثرتها، وتقويتها بدوامها، وحازوا بها مقادير المراتب، فصارت -بحسب استعمالهم لها- أشياء باطلة لا جدوى لها في الإنسانية؛ بل صارت صادفة عن الأمور التي بها تنال السعادة بالحقيقة؛ إذ كانوا إنما يستعملونها على هذه الجهة.

ولذلك، صاروا يطلبون من الأقاويل الشعرية ما شأنها أن تستعمل في اللعب، وكذلك من الألحان التي تقرن بها، فإنهم إنما يطلبون منها ما كان شأنها أن تزين، أو تحاكي، أو تعين على تنفيذ المقصود بهذا الصنف من الأقاويل الشعرية، فمال من له القوة على صنعة الألحان إلى صنعة أمثال هذه وحدها، فظنّ؛ إذ لم يعلم أنّ في أكثر الأمر من الألحان غير هذه أنّ المقصود بها كلها لهذا المقصود، فكادت، لذلك، أن ترذل، وتخس عند من مقصده التخييل منهم، وقاربت أن تأتي كثير من الشرائع ناهية عنها. ولما كان ما يستعمل من الألحان، في زماننا هذا، وفي بلداننا هذه، هي التي كادت أن ترذل عند أهل الخير، وكان ما يعتقد، في جملتها، إنما يعتقد على حالها، التي بها تستعمل عند الجمهور في زماننا هذا، صار تبييننا للمقصود الخاص بجملة الألحان، وكيف مدخلها في الإنسانية يحتاج فيه إلى أقاويل كثيرة؛ إذ كنا إنما نبين آراء واعتقادات غريبة عنهم..."، ص ص 1186 -1187

[14]- يقول الحسن بن أحمد بن علي الكاتب: "فلما مال أهل هذه الصناعة إلى الصنف الهزلي، وتوهموا أن في ذلك كمال الراحة واظبوا عليه، وأفرطوا، صار كثير من الملوك يمتنعون من النظر فيها، والالتذاذ بها، أنفةً من أن يسلكوا فيها مسلك أولئك الذين اتخذوه لعباً، ونقصوا بهجته وشرفه". الحسن بن أحمد بن علي الكاتب،كتاب كمال أدب الغناء، تحقيق: غطاس عبد الملك خشبة، مراجعة: د. محمود أحمد الحنفي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975م، ص 27

[15]- كتاب الموسيقى الكبير، ص 1188

[16]- ابن رشد، الكليات في الطب، ص 321

[17]- الضروري، ص 181

[18]- الضروري في السياسة، ص 80

[19]- الضروري في السياسة، ص 124

[20]- الجمهورية، ص 127. ويقول الفارابي: "كان لصناعة الغناء، عند اليونانيين، شأن عجيب، ولأصحاب النواميس بها، عناية تامة، وهي، على الحقيقة، نافعة جداً، لنفوذ عملها في النفس خاصة. والناموس خاص بالنفس". تلخيص نواميس أفلاطون، ص 50

[21]- الجمهورية، ص 97

[22]- الجمهورية، ص 99

[23]- الجمهورية، ص 126

[24]- الضروري في السياسة، ص 86. ويعرّف الفارابي اللحن بقوله: "اللحن هو جماعة نغم كثيرة محدودة الكثرة متفقة كلّها، أو أكثرها، رتبت ترتيباً محدوداً من جمع محدود معلوم، استعمل فيه جنس محدود، وضعت أبعاده وضعاً محدوداً في تمديد محدود، ينتقل عليه انتقالاً محدوداً بإيقاع محدود..". الموسيقى الكبير، مرجع سابق، ص ص 487-488، بل إنّ لفظ الموسيقى نفسه، عنده، معناه «الألحان»، كما يقول. ص47. ويقسم الفارابي الألحان إلى ثلاثة أصناف، حسب تأثيرها في النفس. ص ص62-63، وص 66. كما يضع شروط اللحن المثالي، الذي يكون منه الالتذاذ، وتفهيم معنى القول في الوقت نفسه. ص 1099، وهي معطيات تضيء من قريب، أو بعيد، التصور الرشدي لصناعة الموسيقى، وعلاقتها بالصناعة المدنية.

[25]- يذهب الفارابي إلى أنّ الألحان تستعمل لتعين "الأقاويل في التخييل والتفهيم". الموسيقى الكبير، مرجع سابق، ص71

[26]- الضروري في السياسة، ص 86

[27]- الموسيقى الكبير، مرجع سابق، ص 1093

[28]- الفارابي، الموسيقى الكبير، ص 1176 وص 1178

[29]- الضروري في السياسة، ص 90

[30]- الضروري في السياسة، ص 91

[31]- الضروري في السياسة، ص 92

[32]- الضروري في السياسة، ص 95

[33]- الضروري في السياسة، ص 91

[34]- الضروري في السياسة، ص ص 93- 94

[35]- الضروري في السياسة، ص 94

[36]- الضروري، ص 114

[37]- تجدر الإشارة، هنا، إلى أنّ الفارابي ذكر، في كتابه: الموسيقى الكبير، الذي كتبه في بغداد، الإيقاعات العربية المشهورة، ولا نعرف موقف ابن رشد منها، ص 631 وص 1022

[38]- الضروري في السياسة، ص 96

[39]- الفارابي، الموسيقى الكبير، ص 68

[40]- الموسيقى الكبير، ص 1181

[41]- الحسن بن أحمد بن علي الكاتب، كتاب كمال أدب الغناء، مرجع سابق، ص 27

[42]- الضروري في السياسة، ص 99

[43]- الضروري، ص 98

[44]- الضروري، ص 122

[45]- الضروري، ص 117

[46]- يقول الفارابي: "والحسن في أنواع الموسيقى ما هو موافق للطبع الجيد، وما يحث على الأخلاق الجميلة النافعة مثل السخاء والشجاعة، والقبيح ما يحث على ضدّ ذلك". تلخيص نواميس أفلاطون، ص 46

[47]- الضروري، ص 158

[48]- الضروري في السياسة، ص 95

[49]- الضروري، ص 140

[50]- الضروري، ص 95