المهاجرون إلى الله


فئة :  مقالات

المهاجرون إلى الله

المهاجرون إلى الله[1]

أو: الهجرة وهشاشة قيم الثقافة الغربيَّة المعاصرة

سُميَّة المحفوظي

(إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ...).

القرآن: سورة العنكبوت 29: الآية 26.

شهادة المرء لأهله في فقه القضاء مجروح فيها، ويُفضّل القضاةُ وأهل العدل والإنصاف عدم الأخذ بها، وإنّي لأحسب أنَّ ما سأقوله في شأن «الهجرة وآداب الضيافة» لا يخرج عن ذلك النطاق، وذلك انطلاقاً من أنَّ مقالي، أيَّاً كانت غاياته ومقاصده، هو أقرب إلى شهادة امرأة عربيَّة مسلمة هاجرت من وطنها منذ سنين عجاف طلباً للعلم، لينتهي بها المطاف إلى العمل في مؤسَّسات جامعيَّة ومراكز بحث أكاديمي في الولايات المتحدة الأمريكيَّة، ثمَّ مترجمة لمؤسسات أمميَّة تُعنَى بشؤون اللاجئين والنزاعات العسكريَّة، ولا سيما في الشرق الأوسط. فمن الشرق جئتُ وإليه أعود، ومن كان في وضعي لا ينبغي أخذ شهادته مأخذ الجدّ؛ لأنَّ الذات المكلِّمة إياكم -أيُّها القراء الأعزاء- عاشت الهجرة، واختبرت جزءاً من معاناتها من منظور المهاجر قبل كلّ شيء، وهي، إلى جانب ذلك، انغمست في معاناة اللاجئين والمهجَّرين من أوطانهم الرافعين أيديهم إلى السماء صباح مساء: أين المفر؟ فهل يبقى بعد ذلك شكّ في ضرورة أنْ يُؤخذ كلامها (الذات المخاطبة لكم) على جهة الاحتراس والحذر؟

ولكن قبل الخوض في أبعاد العلاقة القائمة بين «الهجرة وآداب الضيافة» تفرض الموضوعيَّة علينا التمييز بين مستويات عديدة للمسألة؛ منها أنَّ الهجرة من ناحية التعريف القانوني مختلفة اختلافاً واضحاً عن التهجير. ويكفينا في هذا المجال إحالة القارئ العربي إلى وزن الفعل الذي اشتُقّت منه كلُّ كلمة. فالهجرة من هَجر وهَاجر (الهجر/المهاجرة/...). أمَّا التهجير فمن هَجّر وهُجِّر (مبني للمجهول). وقد يُوحِي هذا الاختلاف في الاشتقاق بأنَّ الهجرة هي الاختيار الواعي الذي تعبّر من خلاله ذات المُهاجِر عن رغبتها في الانتماء إلى فضاء ثقافي واجتماعي مختلف عن الفضاء الذي نشأت فيه وترعرعت وقضت أيام الصبا. أمَّا التَّهجير فهو انتزاع المُهجَّر من أرضه والقذف به في أمواج المجهول بقصد اقتلاعه من جذوره.

والمسألة لا تخلو، من هذا الجانب، من تعقيد مفهومي هو قانوني أساساً، نسعى إلى تبسيط القول فيه على النحو الآتي: تُوجد نقاط تقاطع بين المجالين المشار إليهما (الهجرة، التهجير)، ويوجد بينهما أيضاً تماهٍ في مستوى الدوافع والغايات، فالمُهاجر ليس بالضرورة الذي اختار الهجرة، فربَّما يكون قد فُرضت عليه الهجرة لتحسين وضع مادي أو اجتماعي، وقد تكون الهجرة شكلاً من أشكال التوقّي السياسي والثقافي. تُضَاف إلى ذلك ضرورة الفصل بين اللاجئ والمُهاجر والمُهجَّر. فاللاجئ في التعريف القانوني هو ذلك الذي وَجَدَ في ترك الوطن ضرورة يقتضيها الحفاظ على سلامته وسلامة أهله[2]، وهو ما يعني أنَّ الوطن (وعادةً يُقصد بالوطن، في أغلب الأحيان، الأنظمة السياسيَّة والثقافيَّة والدينيَّة) غدا يمثّل خطراً حقيقياً على الفرد ومن رافقه في هجرته. وعادةً، تنغلق في أذهاننا هذه الفكرة على اللجوء السياسي، وكأنَّه لا يُوجد لاجئ غير السياسيين، ونحن بذلك نغضُّ النظر عن أطياف واسعة من اللاجئين مثل الأدباء والمفكرين والأكاديميين. ولعلَّ خير مثال على ذلك ما وقع للمفكر المصري الراحل نصر حامد أبو زيد، الذي وجد نفسه محاصراً من السلطة السياسيَّة والدينيَّة أيضاً[3]. أمَّا المهجَّر فيظلُّ ذلك الذي أُرغم على ترك أمكنة يرغب في البقاء فيها (الإيزيديون في جبل سنجار، ...)[4]؛ وذلك بسبب تصفيات عرقيَّة (الصراع في راوندا بين الهوتو (Hutus) والتوتسي (Tutsis))[5]، أو دينيَّة (البوسنة والهرسك[6]، الأرمن ...)[7].

لماذا الهجرة، وما دواعيها؟

إنَّ للهجرة دواعيَ عديدة تُعدُّ فلا تحصى، ولعلَّ من أهمها تجنُّب مختلف أشكال الإيذاء والقهر والحرمان. وقد تُطلب الهجرة رغبةً في السلامة، وتركاً لقوم تعطّلت لغة الحوار معهم، وانسدَّت آفاق التواصل بينهم. وقد ذهب كانط (1724م-1804م) إلى القول إنَّ الهجرات هي الوجه الآخر للاضطهاد السياسي والاجتماعي الذي يلقاه الفرد أو مجموعة في مسقط الرأس[8].

ومن هذا المنظور يمكننا القول إنَّ الهجرة تُعدُّ من أهمّ قواعد الوجود البشري وثوابته، وهي، في أبسط تعريفاتها، انتقال من حيّز جغرافي إلى آخر بقصد تحقيق غايات ومآرب عديدة، منها ما هو نتيجة رغبة الفرد أو الجماعة المهاجرة، ومنها ما كان نتيجة الضرورة أو الخوف على النفس. بيد أنَّ الهجرة في جميع الحالات تدلُّ على أمرين في غاية التداخل هما: ترك فضاء ثقافي واجتماعي إلى آخر يعتقد المهاجر إليه أنَّه الأكثر أمناً والأكثر قدرة على تلبية حوائجه ومتطلبات حياته الفكريَّة (الحريَّة، ...).

وفي خصوص هذه المسألة، نعتقد أنَّ المعاجم القديمة للغة العربيَّة قد أقرَّت هذا المذهب، عندما جعلت فعل «هجر» فعلاً لازماً حيناً، وفعلاً متعدياً حيناً آخر[9]، وفي ذلك إشارة إلى دلالات مهمَّة منها أنَّ التعدية ترتبط بحرفين هما «من» و«إلى»، فالحرف الأول يحيل على الفضاء الجغرافي الذي نهاجر منه، والثاني يشير إلى الفضاء الذي ننوي الاتجاه إليه (المهاجر إليه)، وبين «من» و«إلى» تكون الهجرة بما لها من دلالات رمزيَّة على ترك الموروث والعادات والتقاليد والأعراف التي نشأ عليها الإنسان (فرداً كان أو جماعة)، والاحتكاك بقيم وتقاليد جديدة بعضها يشبه ما تركناه، وبعضها الآخر يخالفه مخالفة واضحة.

وذلك ما يجرُّنا إلى التَّساؤل عن علاقة الهجرة بالاغتراب، أو بشعور المهاجر بالاستلاب. فالتعرُّف إلى الآخر الذي نمثّل بالنسبة إليه الغريب (المهاجر، ...) لا بدَّ من أنْ يؤدي، بطريقة أو بأخرى، إلى إعادة تشكيل الذات وقيمها ووعيها بذاتها وبالعالم، سواء اختار المهاجر الانخراط في النسيج الاجتماعي الجديد أم فضَّل الانزواء عنه.

أزمة اللاجئين وتنكّر أوروبا للقيم الإنسانيَّة

ما انفكّت قضية اللاجئين إلى أوروبا تحظى باهتمام متزايد من القادة الأوربيين، فالهجرة من أكثر القضايا الخلافيَّة في الفترة الأخيرة، ويعود ذلك إلى عوامل عديدة ساهمت في اتخاذ كلّ دولة من دول الاتحاد الأوربي موقفاً خاصاً بها؛ إذ لا يخفى على أحد دور المعطى الاقتصادي في تشكيل الموقف الأوربي؛ فبلدان أوربا الشرقيَّة، وجزء من بلدان جنوب أوربا، أظهرت مواقف متشدّدة من اللاجئين، ولا سيَّما الذين ركبوا البحر انطلاقاً من بؤر التوتر والموت (سورية، العراق، أفغانستان، ...)، والفقر والحاجة (أفريقيا ما وراء الصحراء الكبرى)، وهو ما تجلّى في سنّ قوانين ولوائح وأوامر تضيّق على اللاجئين حركتهم، وتفرض عليهم البقاء في مخيَّمات تفتقد، في أغلب الأحيان، أبسطَ متطلبات الحياة.

وبحجَّة حماية أمنها وأمن مواطنيها شرعت بلدان عديدة في مراقبة اللاجئين[10]، واستباحت حياتهم الخاصَّة (البيانات الشخصيَّة، ...) وقامت بطرد مجموعات دون الاحتكام إلى القانون الدولي والمعاهدات الدوليَّة، فإذا الحربُ على الإرهاب تتيح لتلك الدول انتهاك حقوق الإنسان والاعتداء على اللاجئين وكأنَّهم بشر من الفئة العاشرة[11].

في انتهاك واضح للقيم التي طالما تشدَّق بها الغرب، في فاليتا (Valette) عاصمة مالطا، وفي وضح النهار، اجتمع أصحاب القرار الأوربي في منتصف شهر تشرين الثاني/نونبر (13-14/11/ 2015) بمساكين أفريقيا (إشارة منَّا إلى القادة الأفارقة الذين حضروا القمة)[12] ليُعلمهم قادة أوربا بما يجب عليهم القيام به للحدّ من تدفق اللاجئين إلى شواطئ أوربا، وهو كلام ما انفكَّت أوربا تردّده. فبعد ارتكاب التونسي أنيس العامري (1992م- 2016م) جريمة قتل المدنيين الألمان في سوق الميلاد في برلين سعت المستشارة الألمانيَّة أنجيلا ميركل (1954 م -...) (تحت تأثير حسابات انتخابيَّة، وبتأثير من تعالي الأصوات التي تتهم ميركل بسوء إدارة أزمة الهجرة)، في لقائها برئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد (1975م - ...) في برلين، في 14 و15 شباط/ فبراير (2017)، إلى إلزام الحكومة التونسيَّة باستقبال نحو ألفين من مواطنيها تنوي ألمانيا ترحيلهم. وفي المقابل بيَّن رئيس الحكومة التونسيَّة للمستشارة الألمانيَّة رفض تونس إقامة معتقلات للاجئين على أراضيها. وهو الموقف نفسه الذي اتخذه السيد الباجي قايد السبسي (1926 م-....)، رئيس الجمهوريّة التونسيَّة، على هامش اللقاء الذي جمعه بالمستشارة الألمانيَّة ميركل، أثناء زيارتها في 3 آذار/مارس (2017)، بأنَّه ليس من حقّ أيَّة دولة، مهما علا شأنها، أنْ تطلب من بلاده بناء مآوٍ للاجئين هي بمثابة سجون يتمُّ فيها حبس اللاجئين الذين ترغب البلدان الأوربيَّة في ترحيلهم.

لقد سعى الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) (الحزب الذي ترأسه أنجيلا ميركل)، وحليفه الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني (DieSozialdemokratische Partei Deutschlands)، إلى سنّ قانون للهجرة يحدُّ من حركة المهاجرين إلى ألمانيا بالتركيز على قبول ما تحتاج إليه البلاد من يد عاملة متخصّصة، وترحيل باقي المهاجرين إلى معسكرات تجميع تشرف عليها منظمة الهجرة الدوليَّة ومفوضيَّة الأمم المتحدة السامية من ناحية، ومحاربة دوافع الهجرة بدفع الشركات الألمانيَّة إلى الاستثمار في أفريقيا للحدّ من تدفّق المهاجرين من ناحية ثانية. بالإضافة إلى عقد صفقات ماليَّة مع الدول الأفريقيَّة، وهو ما تجلَّى في زيارة ميركل إلى مالي والنيجر ومصر وتونس، محاولةً استنساخ الاتفاق الأوربي التركي مع تلك الدول.

وهي استراتيجيا أثارت سخط الأحزاب المعارضة الألمانيَّة، فقد رأى حزب اليسار الألماني (Die Linke)، وحزب الخضر في ألمانيا (Bündnis90/Die Grünen)، في هذه السياسة، إساءة للقيم التي أجمع عليها الألمان، وهي محاولة لإبرام اتفاقيات قذرة على حساب القيم الإنسانيَّة.

إنَّ التفكير في إقامة تلك المستوطنات يعبّر عن وقاحة الغرب. فالسعي إلى حلّ مشكلة اللاجئين بالتنصُّل من التبعات السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة لتدخلاته السافرة في البلدان العربيَّة، وأغلب بلدان العالم الثالث، يعبّر بعمق عن مفارقة واضحة بين التدخُّل باسم حماية حقوق الإنسان، وانتهاك تلك الحقوق عندما تتعارض ومصالح تلك الدول. ففقر تلك البلدان وتفاقم أزماتها وغياب الديمقراطيَّة فيها لا يُفهم إلا في ظلّ ما قام به الغرب من تفقير ونهب لخيرات تلك الشعوب التي تملك ثروات طائلة، ولكنَّها لا تتصرَّف فيها؛ فسلطة القرار بيد الشركات والبنوك الدوليَّة والأنظمة الاستعماريَّة الجديدة، التي تعاظم جشعها يوماً بعد يوم حتى أفقدها مصداقيتها أمام نفسها وأمام شعوبها. فإذا القيمُ شعاراتٌ تُرفع لانتهاك الشعوب، وتُحجب أثناء نهبها واغتصابها.

ويذهب الظنُّ بالمهتمين بشأن السياسة الأوربيَّة في الهجرة إلى أنَّنا إزاء موقفين مختلفين: موقف أوَّل يسعى إلى تضييق الخناق على المهاجرين واللاجئين[13]، وخير مثال على ذلك موقف رئيس الحكومة المجريَّة فيكتور أوربان (1963 م-...) (Viktor Orbán)[14]، وموقف ثانٍ أكثر تفهُّماً لحاجيات المهجَّرين واللاجئين، وفي مقدّمة من يقود هذا التوجُّه أنجيلا ميركل، التي رحَّبت، في أكثر من مناسبة، باللاجئين الآتين من كلّ مكان من أصقاع العالم الثالث الذي انتشرت فيه الحروب.

إنَّنا أمام موقفين مختلفين: موقف تدفعه نزعة عدوانيَّة لم تبرح قيود الماضي، الذي طغى عليه شعور بالتفوُّق، وبأنَّ الغربي يظلُّ أعلى درجة من باقي البشر، إنْ لم نقل هو الوحيد بينها مَن يستحق الحياة؛ إذ لا بدَّ من عزلهم في مخيمات، ولا بدَّ من حماية الذات، وذلك ببناء أسوار حول هنغاريا تحول دون دخول الهمج الفردوس من ناحية[15]، ومن ناحية أخرى يفتح بعض الأوربيين أذرعهم لاستقبال اللاجئين. على أنَّ تدقيق النظر يكشف لنا أنَّ تلك الدعوة احتوت على ممارساتٍ لا تقلُّ تضييقاً على اللاجئين من تلك التي اتخذتها الدول الرافضة لاستقبال المهاجرين. فألمانيا هدَّدت بإرجاع آلاف اللاجئين، بحجَّة أنَّهم «لاجئون مزيّفون». وهي لم تدّخر أيّ طريقة للضغط على الدول المصدّرة للهجرة (تقديم المساعدات الماليَّة والخبرات الأمنيَّة، ...). وهي سياسة ما انفكَّت دول الجنوب الأوربي تمارسها على دول شمال أفريقيا في إطار ما سُمّي مجموعة «خمسة زائد خمسة»[16].

هم المهاجرون إلى الله

لقد انعقدت مؤتمرات وقمم أوروبيَّة عديدة في السنوات الأخيرة حول إشكاليات الهجرة، ومن أهمّها مؤتمر بروكسل، بلجيكا، نيسان/ أبريل (2014)، ومؤتمر مالطا (2015)[17].

وما يشدُّ الانتباه في مخرجات تلك المؤتمرات اهتمامها الواضح بأمن أوربا، متناسية في ذلك البُعد الإنساني. فقد انصبَّ اهتمام الأوربيين على صياغة قوانين واتخاذ قرارات تحدُّ من تدفّق المهاجرين، وذلك بمراقبة الحدود وبناء مخيّمات لاحتجاز المهاجرين وطردهم. ومراقبة الحدود مراقبة حديديَّة مع تشديد شروط منح تأشيرات الدخول إلى أراضيها. وبهذا المعنى، انقلبت الهجرة في عرف المشرّع والسياسي والمتخيّل الاجتماعي الأوروبي إلى جريمة خطرها لا يوصف ولا يُحدّ. وما زاد الطين بلّة تعالي الأصوات اليمينيَّة لتحقيق مكاسب سياسيَّة وانتخابيَّة باعتماد الهجرة مدخلاً لمعاداة الآخرين. إنَّ التيارات السياسيَّة المختلفة (بما في ذلك اليساريَّة) وجدت نفسها لأسباب انتخابيّة أيضاً مدعوَّة إلى محاكاة الطرح اليميني، وخير مثال على ذلك مطالبة البرلمان الأوربي تركيا بتنفيذ الاتفاق المبرم بينهما، والقاضي باستقبال أنقرة اللاجئين على أراضيها، ورفض حكومة حزب العدالة والتنمية تنفيذ بنود الاتفاق بالنظر إلى عدم تنفيذ الجانب الأوربي ما تعهّد به في هذا المجال من ناحية، ومن ناحية أخرى إنَّ الموقف الأوربي في تملّص من المسؤوليَّة الأخلاقية والإنسانيَّة، وكأنَّ تركيا هي المسؤولة الوحيدة عن الحرب في سورية والعراق.

إنَّ تعاظم طموح قادة أوروبا اليوم في بناء منظومة أمنيَّة غير قابلة للاختراق في مستوى سواحلها الجنوبيَّة (دول شمال أفريقيا، ولاسيَّما ليبيا وتونس والمغرب)، والشرقية (تركيا...)، يكشف عن الهاجس الأوَّل والأخير بالنسبة إلى الدول الأوروبيَّة، وهو حماية مصالحها الماديَّة والاقتصاديَّة.

وقد نبَّهت شبكات حقوقيَّة ومنظمات دوليَّة إلى ما يترتَّب على تلك القرارات والتدابير من أخطار، أهمُّها تنامي تجارة الهجرة غير الشرعيَّة ومختلف أشكال استغلال البشر (التجارة بالأطفال، والتجارة بالنساء...)، زدْ على ذلك ما ينتجه ذلك الواقع المضطرب وغير المستقر من تداعيات خطيرة على اقتصاديات دول الاحتجاز، ولعلَّ ذلك ما دفع بقسم لا بأس فيه من دول الجنوب (تونس، المغرب) إلى رفض إقامة تلك المخيمات على أراضيها، أو التردّد في الاستجابة للدعوة الأوربيَّة المتكرّرة، على الرغم من الحوافز الماديَّة والاقتصاديَّة التي تعهَّدت دول أوربا بتقديمها.

وليس أدلّ على ذلك المأزق الذي يعيشه المهاجرون من أنَّ الدول الأوربَّية، التي شجَّعت (في سياق المشهد العالمي الجديد) تنصيب الأنظمة الديكتاتوريَّة، وعملت على القضاء على تلك الأنظمة باسم الانتصار للحريَّات (ثورات الربيع العربي...)، هي الدول نفسها التي حرصت على التواصل مع الأنظمة القمعيَّة بقصد البحث عن مخارج لها من هجمة المهاجرين.

مهاجرون ركبوا قوارب الموت ورأوا أبناءهم جثثاً ملقاة على شواطئ أوروبا، مهاجرون غادروا مدن الموت ليدخلوا مدن الموت الجديد، ذاك مصير المهاجرين الذين يقطعون في جنح الظلام البحر الأبيض المتوسط فإذا الصبح حلمٌ بعيد.

لا شيء يريده المهاجرون سوى الحياة، هم الحالمون بالجنَّة، الراغبون في إصابة بعض الراحة في الأرض بين أقوام ليسوا من بني شيعتهم. وبهذا المعنى هم المهاجرون إلى الله هجرة جديدة تختلف عن هجرة الأنبياء والأتقياء والمتصوّفة، التي نطالعها في كتب القدامى من كلّ حضارة ودين.

هم الحالمون بالأمن والرخاء والكرامة يقطعون في سبيلها آلاف الأميال، لعلّهم من الموت يُنتشلون وإلى الحياة يَدخلون، وبين المنشود والموجود تقبع أوهام الفقراء ومطامع الأغنياء وسطوة الرأسماليَّة الفاحشة.

وفي مخيَّمات الإيواء يتمُّ تصنيف اللاجئين وتوزيعهم إلى مجموعات بناء على ملاحظات أمنيَّة، تنتهي بالإذن للطيبين منهم بالدخول إلى أوروبا بشرط التخلي عن بعض حقوقهم المدنيَّة.

قيم الجشع والاستغلال وحبُّ الذات تقوّض القيم الإنسانيَّة في انتهاك واضح للمواثيق والمعاهدات الدوليَّة التي سنَّها الغرب وفرضها على الشعوب الفقيرة ليحتكم إليها في معاقبتها، وليكون أوّل من يخترقها عندما تصبح مصالحه مهدَّدة. فإذا الغرب، الذي ما انفكَّ يعلّم بقية الشعوب القيم الإنسانيَّة، هو أوَّل من ينتهكها، كاشفاً عن الوجه القبيح للنزعة الماديَّة المعاصرة. ومن آيات ذلك أنَّ الغرب لم يعد يجد حرجاً في مساومة الشعوب المصدّرة للهجرة، ومناطق العبور أيضاً، ضارباً بعرض الحائط المقرَّرات الأمميَّة، ولاسيما ما نصَّت عليه المادة الثالثة عشرة والمادة الرابعة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (كانون الأول/ ديسمبر 1948). ففي الأولى نقرأ: «لكلّ فرد حقُّ حريَّة التنقل واختيار محلّ إقامته داخل حدود كلّ دولة. يحقّ لكلّ فرد أن يغادر أيَّة بلاد بما في ذلك بلده، كما يحقّ له العودة إليه». أمَّا الثانية فنصَّت على أنَّ «لكل فرد الحقّ في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد. لا ينتفع بهذا الحق من قدّم للمحاكمة في جرائم غير سياسيَّة أو لأعمال تناقض مبادئ الأمم المتحدة...».

على هذا النحو ينكشف للمتأمّل في واقع الهجرات المعاصرة أيَّاً كانت أشكالها (هجرة الأزمات الطبيعيَّة، الهجرة القسريَّة، هجرة الأزمات[18]، هجرة الحروب والصراعات المسلحة[19]، ...) أنَّ العوامل المتحكّمة في تلك الهجرات، وما يترتب عليها من أزمات، يظلُّ في جزءٍ منه نتيجة مطامع سياسيَّة وحسابات ضيّقة تتاجر بالواقع المتردّي للإنسان.

إنَّنا إزاء شعوب فقيرة مادياً، نُهبت خيراتها، وافتكّت منها مقدّراتها من جهة، ومن جهة أخرى شعوب فقدت كلَّ القيم، وغدا فيها الإنسان ذئباً لا يتوانى عن الإتيان بكلّ الأفعال اللاإنسانيَّة للمحافظة على مصالحه الذاتيَّة، ذاتيَّة مفترسة تتعلل بالخوف من الإرهاب لإبادة الآخرين، ولممارسة إرهاب من نوع خاص عليهم، متناسية في ذلك أنَّ تلك الهجرات التي لم تشهدها البشريَّة منذ نهاية الحرب العالميَّة الثانية هي من صنعها.

اتخذت الحكومة الفيدراليَّة في كندا قرارات مهمَّة تعطي الهجرة قيمة إنسانيَّة. وقد ساهمت وسائل الإعلام في تشكيل رأي عام مساند للهجرة، وذلك ما جعل كندا تستقبل، في نهاية سنة 2016م، نحو خمسـين ألف لاجئ، على أنَّ الأحداث المتتالية، وإنْ تكشَّفت عن وجود ثوابت في الموقف الكندي، فإنَّ العنف الممارس على المهاجرين المتمثّل في تفجيرات...، يكشف النقاب عن وجود أصوات معادية للمهاجرين لا يُستهان بها ولا بدَّ من ترويضها.

وأنت تهاجر تقطع علاقتك بالأرض والناس، وتبحث لك عن أرض أخرى وأناس آخرين، وتمحو ذاكرة وتشيد أخرى لها بالقديمة وشائج قربى عديدة لا تُعدُّ ولا تحصى. الهجرة رؤية إنسانيَّة للعالم، وإقرار بأنَّ مبدأ الحياة ومنتهاها الحركة.

عندما نهاجر نغترب عن الأهل والوطن، ونُقدِم على مجازفة صادقة نغترب فيها عن الذات لنؤسّس الذات.

إنَّنا نحيا في عالم ثقافي بقدر ما يتأسَّس على عناصر فيزيائيَّة وماديَّة يقوم على رموز وعلاقات اجتماعيَّة وتاريخيَّة، وبمقتضى تلك العناصر نجد أنفسنا في علاقة ضروريَّة مع الآخر، وهو وضع يفرض علينا الوعي بأهميَّة التعايش[20]، بما هو اعتراف بالتنوُّع والتكامل تجاوزاً للمركزيَّة، فالأنا لا وجود لها إلا في ظلّ التبادل بينه وبين الآخر والعالم[21].

ونحسب أنَّ الدعوات المستمرَّة إلى إلغاء الآخر ورفضه (عدم الضيافة، العنصريَّة...) تكشف عن نزعة انفعاليَّة وحمق واضح يلغي العقل وما أثبته من ضرورة الاستناد إلى قيم الأخذ والعطاء.

اقتداء بما ذهب إليه إيمانويل كانط في (نحو مشروع سلم دائم) (1795م) (Vers la paix perpétuelle)، يجب التفكير اليوم وبصدق في إقامة سلم دائم لا يتأسَّس على قوانين كونيَّة فحسب، وإنَّما لا بدَّ أيضاً من بناء رؤية مخصوصة للإنسان تؤكد أنَّ الإنسان هو القريب وليس الغريب، احتراماً للآخر ومحافظة على حقّه في الضيافة. فلئن يمكننا القانون السياسي الكوني من تنظيم العلاقات بين البشر ويضمن لهم حريَّة التنقل من دولة إلى أخرى، فإنَّ الالتزام الأخلاقي يحقّق ذلك من منظور إنساني لا يراعي شروط الضيافة الكونيَّة بعيداً عن سلطة القانون، التي تجعلنا نعترف بحقّ الآخر في الضيافة، باعتباره العدو الذي يجوز طرده أو معاداته إذا لم يبقَ مسالماً.

اليوم، لا بدَّ من تجاوز دائرة الحقّ في الزيارة والتواصل إلى حقّ الإقامة، وبين هذا وذاك يطرح السؤال عن حقّ الضيافة، بما هو سؤال عن رخصة تُعطى للوافد الأجنبي بمقتضى شروط محدودة تتيح التواصل مع ساكني البلد المضيف، وهو ما يوفر فرصة مهمَّة للتقارب والتعارف، في ظلّ مسؤوليَّة أخلاقيَّة وإنسانيَّة عمادها الرئيس المحبَّة والثقة في مدى قدرة القيم على توحيد الإنسانيَّة[22].

فمن المعلوم أنَّ إحساس بعضنا ببعض قلّما يكون محايداً؛ فهو إمَّا إيجابي قائم على المحبَّة ومدِّ يد المساعدة، وإما سلبيٌّ قائم على الكراهية وسوء الظنّ.[23]

لا بدَّ من العودة إلى قيم الضيافة وآدابها، وذلك من منظور نفعي براغماتي على الأقل، في انتظار أنْ يتحوَّل ذلك إلى إيمان صادق وثابت بالتعدُّد والاختلاف، وبأنَّ القيم الإنسانيَّة هي الملجأ الوحيد للإنسانيَّة في زمن سيطرت فيه المصالح الماديَّة على الإنسان مهدّدة وجوده على الأرض.

ولعلَّ أفضل ما نختم به بحثنا قول المؤرّخ البريطاني أرنولد توينبي (1889 م- 1975 م) (Arnold Joseph Toynbee) في وصف تأثير المهاجرين في ثقافة وتقاليد البلاد المستضيفة لهم؛ فـ«المنتزعون من أرضهم، والمنقولون إلى بلاد أخرى، سواء كان ذلك ثابتاً أم مؤقتاً، يحملون ما يمكن حمله من أساليب حياة الأسلاف. وقد أصبح هؤلاء المهاجرون بطريقة أوتوماتيكيَّة ناشرين لهذه الأمور التقليديَّة بين الأكثريات الأجنبيَّة من مواطن المغتربين الجديدة. وقد يصبح المغتربون أيضاً ناشرين واعين للثروة الروحيَّة التي حملوها معهم»[24].

[1]- مجلة يتفكرون العدد11

[2] ـ عرَّفت الاتفاقيَّة الخاصَّة بوضع اللاجئين، الصادرة يوم 28 تموز/ يوليو 1951 عن مؤتمر الأمم المتحدة للمفوضين بشأن اللاجئين وعديمي الجنسيَّة، المنعقد بناء على قرار الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة عدد 429 (د-5)، الصادر في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1950، في المادة الأولى: «تعريف لفظة «لاجئ» كلّ شخص اعتبر لاجئاً بمقتضى ترتيبات 12 أيار/ مايو 1926، و30 حزيران/ يونيو 1928، أو بمقتضى اتفاقيتي 28 تشرين الأول/ أكتوبر 1933، و10 شباط/ فبراير 1938، وبروتوكول 14 أيلول/ سبتمبر 1939

كلّ شخص يوجد، بنتيجة أحداث وقعت قبل 1 كانون الثاني/ يناير 1951، وبسبب خوف له ما يبرّره من التعرُّض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعيَّة معينة أو آرائه السياسيَّة، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظلَّ بحماية ذلك البلد، أو كلّ شخص لا يملك جنسيَّة ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد».

[3] ـ راجع: أعلام تجديد الفكر الديني، سلسلة المشاريع البحثيَّة، مؤسّسة مؤمنون بلا حدود، الرباط- المغرب، ط1، 2016. ج1، ص 95-113

[4] ـ بعد انسحاب قوَّات البشمركة (الكرديَّة) من بلدة سنجار، قام تنظيم الدولة الإسلاميَّة في العراق والشام (داعش) باقتحام سنجار في الرابع من آب/ أغسطس 2014. وقد أباد التنظيم نحو خمسة آلاف من الإيزيديين وسبى آلاف النساء والأطفال، في واحدة من أفظع انتهاكات حقوق الإنسان وحريته في التاريخ المعاصر.

[5] ـ ساهم الاستعمار البلجيكي لراوندا في تأجيج التناحر القبلي بين قبيلتي «الهوتو» (المزارعون، وهم الأغلبيَّة)، وقبيلة «التوتسي» الرعاة (وهم الأقليَّة المتنفذة والحاكمة)، ومن مظاهر ذلك الدور (البلجيكي) التمييز بين القبيلتين بفرض بطاقات هويَّة خاصة بكلّ قبيلة. ولم يتوقف الدور الاستعماري على ذلك؛ إذ اتهم الرئيس الراوندي بول كاغامه (1957م-...) (Paul Kagame) فرنسا بالمشاركة في المذابح التي عرفتها الحرب الأهليَّة سنة 1990. راجع الموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة البريطانيَّة BBC 07/04/2014.

[6]ـ اندلعت حرب البوسنة والهرسك سنة 1992 بعد انهيار الأنظمة الشيوعيَّة في أوربا الشرقيَّة. وقد انتهت الحرب بين الصرب الأرثوذكس والكروات الكاثوليك ومسلمي البوسنة والهرسك (البوشناق)، سنة 1995، بتشريد الآلاف من المسلمين؛ نحو ربع مليون قتيل ومليوني لاجئ ونازح، وستين ألف حالة اغتصاب. راجع المزيد من الأرقام المتعلقة بهذه الحرب على الموقع الإلكتروني الآتي: Elbosna.com.html#.WOSNZbhFfIU

[7] ـ تُوجَّه دائماً إلى الأتراك تهمة «الجريمة الكبرى»، أو ما يُعرَف في الأدبيات الأمميَّة بالمحرقة الأرمينيَّة، التي تعني تعمُّد الأتراك بطريقة مخطّط لها إبادة العرق الأرميني خلال فترة الحرب العالميَّة الأولى.

[8] - Kant, Emmanuel, Vers la paix perpétuelle, éd Hatieréd, Collection Classiques & Cie Philo, Paris, 2013, PP. 25 - 39

[9] ـ راجع مختلف الاستعمالات العربيَّة في: ابن منظور الأفريقي، جمال الدين، لسان العرب، دار صادر، بيروت - لبنان، ط1، 1997، مادة (هـ، ج، ر).

[10] - The World Bank, Involuntary Resettlement Source book: Planning and Implementation in Development Projects, 2004.

[11] ـ من أهمّ الأحداث الدالة على ذلك أنَّ محكمة روكزي في المجر، التي تعهدت بالنظر في قضيَّة مصوّرة القناة المجريَّة (N1) بيترا لازلو (Petra László) (المصورة التي أوقعت، في 8/9/2015، أرضاً لاجئاً سورياً وابنه أثناء هروبهما من الشرطة على الحدود المجريَّة الصربيَّة) قد قضت بالحكم على المصوّرة بالسجن ثلاث سنوات بتهمة «المعاملة السيئة»، والتسبب في إصابة شخص. إلا أنَّ الحكم لم يطبَّق (وقف التنفيذ). راجع موقع قناة روسيا اليوم، 13/01/2017 (RT).

[12] ـ حضر القمّة 35 من قادة الدول الأفريقيَّة، و28 من الدول الأوربيَّة. وقد تناول المجتمعون مجموعة من القضايا أهمُّها: مقاومة أسباب الهجرة، وتمييز الهجرة الشرعيَّة من الهجرة غير الشرعيَّة، واللجوء السياسي، ومحاربة تجارة تهريب البشر، وتحسين عمليات العودة إلى الوطن وإعادة الدخول. وقد طغت على مخرجات القمَّة الرؤية الأوربيَّة، وذلك ما دعا ألفونسو ريكاردو، المنسّق السابق لمنظمة الهجرة القسريَّة، إلى القول: إنَّ ما حدث في مالطا لا يعدو أنْ يكون مسرحيَّة ألّفها وأخرجها ومثّلها الأوربيون، واكتفى الأفارقة بالفرجة والتصفيق.

[13] ـ لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الاتفاقية نصَّت، في المادة الثانية والثلاثين والمادة الثالثة والثلاثين، على وضعيَّة الطرد أو الردّ، وذلك على الشكل الآتي:

 المادة 32:

أوَّلاً: لا تطرد الدولة المتعاقدة لاجئاً موجوداً في إقليمها بصورة نظاميَّة، إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام. ثانياً: لا ينفذ طرد مثل هذا اللاجئ إلا تطبيقاً لقرار متّخذ وفقاً للأصول الإجرائيَّة التي ينصّ عليها القانون. ويجب أن يُسمح للاجئ، ما لم تتطلب خلاف ذلك أسباب قاهرة تتصل بالأمن الوطني، بأن يقدّم بينات لإثبات براءته، وبأن يمارس حقَّ الاستئناف، ويكون له وكيل يمثّله لهذا الغرض أمام سلطة مختصة، أو أمام شخص أو أكثر معينين خصيصاً من قبل السلطة المختصة. ثالثاً: تمنح الدولة المتعاقدة مثل هذا اللاجئ مهلة معقولة ليلتمس خلالها قبوله بصورة قانونيَّة في بلد آخر. وتحتفظ الدولة المتعاقدة بحقّها في أن تطبق، خلال هذه المهلة، ما تراه ضرورياً من التدابير الداخليَّة.

 المادة 33:

أوَّلاً: لا يجوز لأيَّة دولة متعاقدة أن تطرد لاجئاً أو أن تردَّه، بأيَّة صورة من الصور، إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعيَّة معينة، أو بسبب آرائه السياسيَّة. ثانياً: لا يُسمح بالاحتجاج بهذا الحق لأيّ لاجئ تتوافر دواعٍ معقولة لاعتباره خطراً على أمن البلد الذي يوجد فيه، أو لاعتباره يمثل، نظراً لسبق صدور حكم نهائي عليه لارتكابه جرماً استثنائيّ الخطورة، خطراً على مجتمع ذلك البلد.

[14] ـ صرح رئيس الحكومة المجريَّة المحافظ فيكتور أوربان بأنّ الهجرة، بالنسبة إلى الأوربيين، «ليست حلا بل مشكلة، ونحن نعتبرها سُمَّاً ولا نريد تجرُّع هذا السُّم». راجع الموقع الإلكتروني للمجموعة اللبنانيَّة للإعلام، قناة المنار، 26/07/2016

[15] ـ راجع ما ذكره إبراهيم عوض، في مقال له بعنوان: «رئيس وزراء المجر ومأساة اللاجئين السوريين»، منشور ضمن موقع الشروق في 4 حزيران/ يونيو 2016، من أنَّ المجر «أقامت سوراً من الأسلاك الشائكة بطول مئة وعشرة أميال على حدودها مع الصرب وكرواتيا، وتعاملت الشرطة فيها بعنف شديد مع اللاجئين. ولمَّا تحرَّكت مفوضيَّة الاتحاد الأوربي، وقدَّم رئيسها اقتراحاً في أيار/ مايو 2015 بإعادة توزيع 45000 لاجئ أو إعادة توطينهم في المجر واليونان وإيطاليا وفي كلّ الدول الأعضاء، رفضت المجر الخطة».

[16] ـ مجموعة خمسة زائد خمسة هي تجمُّع لدول غرب المتوسط بضفتيه الشماليَّة (مالطا، إيطاليا، فرنسا، إسبانيا، البرتغال)، والجنوبيَّة (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا)، وهذه المجموعة تعمل في ظلّ الاتحاد الأوربي، وتعمل على معالجة قضايا مشتركة في مستويات عديدة أهمُّها الهجرة. وقد عُقد آخر اجتماع لهذه المجموعة في مدينة مرسيليا الفرنسيَّة في 28/10/2016

[17] ـ ما ينبغي التنبيه إليه أنَّ الموقف الأوربي قد عرف تطوراً واضحاً بين القمتين، فلئن كان الموقف في مؤتمر بلجيكا (شارك في أشغاله المصرف الدولي والمفوضيَّة الأوربيَّة والمنظمة الدوليَّة للهجرة) يميل إلى معالجة الهجرة من منظور اقتصادي بالبحث عن طرق مجدية لتحقيق التنمية؛ فإنَّ قمة مالطا سعت إلى اتخاذ إجراءات عمليَّة للحدّ من تدفّق المهاجرين إليها باعتماد وسائل أمنيَّة.

[18] ـ جين ماك آدم (mcadam) «مفهوم هجرة الأزمات»، وسوزان مارتن، وسانجو لافيراسنغي، وآبي تايلو، «ما هي هجرة الأزمات؟» نشريَّة الهجرة القسريَّة، العدد 45، آذار/ مارس 2014

[19] ـ رأى المفوَّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سابقاً، والأمين العام للأمم المتحدة حالياً، أنطونيو جوتيريس (1949م- ...) (António Guterres)، أنَّ أسباب النزوح القسري تتزايد، مؤكّداً أنَّ نزوح الناس ليس دائماً نتيجة الصراع والاضطهاد، وإنَّما بسبب الفقر المدقع وتغيُّر المناخ أيضاً. راجع نشريَّة:

The UN Refugee Agency UNHCR 2014

[20]- Merleau-Ponty, Maurice (1908- 1961), Phénoménologie de la perception, éd Gallimard, Paris, 1967, P. 400- 401

[21] ـ ارتأى المخرج التونسي الحائز الجائزة الأولى في مهرجان البندقيَّة للسينما، علاء الدين سليم، في فيلمه (آخر واحد فينا)، معالجة قضيَّة الهجرة غير الشرعيَّة (الحَرْقَه) في فيلم خالٍ من الحوار، صوَّر فيه قصَّة شاب من جنوب الصحراء الأفريقيَّة يسعى إلى عبور الضفة الجنوبيَّة للمتوسط نحو الضفة الشماليَّة، لكنَّه يتوه في مكان مجهول، ليبدأ بعدها في رحلة استكشافيَّة تنتهي إلى إعادة اكتشاف الذات وعلاقتها بالعالم وبالآخر.

[22] - Kant, Emmanuel, Vers la paix perpétuelle, op, cit, pp. 93- 95

[23] ـ بوحديبة، عبد الوهاب، القصد في الغيريَّة، الوسيطي للنشر، صفاقس، تونس، ط1، 2007، ص 47

[24] ـ توينبي، أرنولد، تاريخ البشريَّة، ترجمة نقولا زيادة، الأهليَّة للنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، ط1، 2004، ص 360