في الدَّعوة والدّعاة: مقدّمات نقديَّة


فئة :  أبحاث محكمة

في الدَّعوة والدّعاة: مقدّمات نقديَّة

 في الدَّعوة والدّعاة([1]):

مقدّمات نقديَّة


ملخص:

ليس التفكيرُ في سؤال الدعوة اليوم تفكيراً في سؤال ديني -ولو أنَّ الدعوة في هذا السؤال بمنزلة الأساس منه- إنَّما هو تفكيرٌ في مسألة أُخرِجت من نطاق الدّين إلى السياسة، وباتت تجارةً مُربِحة يقصِد إليها كلُّ ذي مصلحةٍ في الكسب الدّنيوي. التفكير في الدعوة، بما هي ظاهرة دينيَّة، تفكيرٌ في مسألةٍ وقعتْ في زمنٍ مضى، وانتهت بانتهاء النبوَّة واستكمال الرسالة. وهو لذلك، إذن، تفكير تاريخي في ظاهرة تاريخيَّة. أمَّا التفكير في الدعوة على نحو ما هو عليه أمرُها، اليوم، بل على نحو ما بات عليه أمرُها منذ انقضاء النبوَّة، فتفكيرٌ في ظاهرة أخرى مختلفة عن الأولى، وهي ـ بالتعريف ـ ظاهرةٌ سياسيَّة، وهو لذلك السبب تفكيرٌ سياسي غيرُ متجرّد من أحكام الموقف السياسي. لا يجوز الخلطُ، في الحديث عن الدعوة، بين شكلين منها مختلفيْن اختلافاً ماهويَّاً. نعرف، على التحقيق، أنَّ مَن يَحْكم تفكيرَهم اغتراضٌ إنَّما يُمَاهون بين الشكلين في صورة واحدة يَسْعون في القول إنَّها صورتها الوحيدة، وبالتالي معناها الوحيد المتكرّر في الزمان؛ ففي المماهاة تلك ما يخلع الشرعيَّة الدينيَّة على أفعال ينهضون بها، باسم الدعوة، فيما هي أفعال سياسيَّة هي عن الدعوة ـ بمعناها الدينيّ ـ بمعزل. لقد سبق لنا أن وصفنا الفعل السياسيَّ لهؤلاء بأنَّه (فعلٌ) يُفصح عن نفسه من طريق استثمار رأس المال الدّيني في الصراع على المصالح والسلطة، وهو عينُه ما يصدق على الدُّعاة، والقائلين بوجوب الدَّعوة، أو استمرار وجوبها، وعلى مؤسَّساتهم التي يُنشئونها لهذا الغرض؛ إمَّا في صورة مؤسَّسات "دينيَّة" دعويَّة، أو في صورة مؤسَّسات حزبيَّة سياسيَّة صريحة.

على أنَّ التمييز بين معنييْ الدَّعوة المختلفيْن ووظيفتيْهما المتمايزتين لا يمنع من إعادة قراءة سياق تكوُّن المعنى الأوَّل، الدّيني، لاتِّصال بيان ذلك ببيان المعنى الذي صارَهُ معنى الدعوة بعد انصرام مفهومها الأصل. كما أنَّ إلقاء ضوء التحليل على معنى الدَّعوة، اليوم، والوظائفِ التي يَكِلُها الدُّعاة إلى دعوتهم ومؤسَّساتهم الدعويَّة، يتوقف ـ إلى حدٍّ بعيدٍ ـ على معرفة تاريخ هذه الدَّعوة المزعومة، أو التي يزعُمها أصحابُها لأنفسهم، بحسبانه ذلك الإطار المرجعي الذي إلى رصيده تستند دعوات اليوم، وتكتسب الشرعيَّةَ لنفسها. وقد يفيدنا التعرُّف إلى هذا التاريخ المديد في فهم، أو إدراك، الأسباب التي تُمَكِّن للدعوة، في عصرنا الحاضر، وتزوِّد مشروعها بالطّاقة اللَّازمة للاشتغال؛ ذلك أنَّ قوَّتها تتغذَّى، بالذات، من هذا المخزون التاريخي الكبير، المنغرس في الذاكرة الجمْعيَّة، الذي يُشَكِّــلُ العقلَ المتلقيّ وقابليتَه للتفاعل مع فِعْل الدعوة، حين يخاطبه، بوصفه فعلاً "دينيَّاً" و"طبيعيَّاً" ومألوفاً في تاريخ الإسلام والأمَّة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا


[1]- نصّ المحاضرة التي ألقاها الدكتور عبد الإله بلقزيز بدعوة من مؤسّسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" بصالون جدل الثقافي التابع للمؤسَّسة، بتاريخ السبت 30 أبريل 2016م.