الغفران في الأديان الكتابية

فئة: كتب

الغفران في الأديان الكتابية

حاولنا في هذا البحث استجلاء أهمّ خصائص الغفران في الأديان الكتابية، وقد حملنا البحث في النصوص المقدّسة على النّظر فيها، باعتبارها علامات لغوية تحمل دلالات متنوّعة. وفي النّظر في ضروب القول اللّغوي المتعلّق بالغفران، تناولنا بالدّرس الغفران والدوال اللّغوية القريبة منه دلالياً في الكتاب المقدس وفي القرآن الكريم، وقد انتهينا إلى استنتاجات عديدة، أهمها أنّ الغفران لم يتّخذ في لغات هذه النّصوص ماهية واحدة... وقد تبيّن لنا أيضاً أنّ الغفران في الثّقافة العربية متّصل بالعفو والصفح والكفّارة، على أنّه تميز عنها بأنّه ستر وفعل خاص بالله - في الظّاهر- وفي مقابل ذلك، فإنّ الغفران في التّصوّرين المسيحي واليهودي له دلالة وسطى بين العفو والغفران. وللمسألة أسباب تاريخية ودينية. لعلّ أهمّها أنّ صورة الإله في العهد القديم وفي العهد الجديد قريبة من صورة الإنسان مع اختلاف الأسس والغايات في النصين...

 إنّ اختلاف اللّغة العربية ولغات الكتاب المقدس في تحديد ماهية الغفران يكشف عن منظومة من المفاهيم، يشكّل الغفران حلقة من حلقاتها، وهو أمر يؤكّده النّظر في تمثّل كلّ دين من الأديان الثّلاثة للغفران، إذ امتدّ الاختلاف من ماهية الغفران ليطول ماهية الأطراف والشّروط والمجالات، وفضاء الغفران وزمنه، وذلك لاختلاف الغايات والأسس التي حدّدت منزلة الإنسان والله... إنّ العهد القديم لم ينعت عدم التزام آدم بوصايا الرّبّ وأوامره بالخطيئة، وذهبنا إلى اعتبار الخطيئة مفهوماً مسيحياً صرفاً... فاليهودية الأولى عدّت الإنسان صنواً للرب الإله...  وفي المقابل بَعُدَ الإسلام بالله، وفصل بينه وبين الإنسان دون أنْ يقطع حبائل القربى. فنظرة الإسلام إلى الخطيئة وإلى منزلة الإنسان في الوجود وعلاقته بالله حدّدت ملامح الغفران ومنحته دلالات عديدة تختلف اختلافاً واضحاً عن الغفران المسيحي والغفران اليهودي.