261
2016 )9(
العدد
امرأة في شعاب المتاهات
أدب وفنون / قصة قصيرة
ـ فأجبتُ: أي نعم.
ـ ووالدك السيد عبد الله
ـ أي نعم
ـ «ووالدتك السيدة زبيدة»
ـ بالضبط، لكن من أنت، وكيف عرفت عنّي كلّ هذا؟
ـ أنا فاطمة ابنة السيدة آمنة، والدي هو الحاج عبد القادر، هل تتذكرين شيئاً من هذا؟
لم أحر جواباً، فكلّ هذه الأسماء لا تعني لي شيئاً، لكنّني محرجة من أن أواجه السيدة الطيبة بهذه الحقيقة. وبلباقة مصطنعة أجبتها:
ـ هذه الأسماء تذكرني بأناسسبقتلي معرفتهم، لكنني لا أذكر الصلة التي تربطني بهم.
ـ جدتك يا سيدتي هيخالة والدتي، لذلك فوالدك وأمي أبناء خالة، آخر مرّة رأيتك فيها كنتطفلة يافعة، حضرتزفافي رفقة جدتك.
أغمضت عيني لاسترجاع المخزون من الذكريات، فبدأت أحداث طفولتي تعرضعلى إدراكي بسرعة خيالية، إلى أن ظهرتصورة
الزفاف المعني بوضوح، لتظهر على صفحة ذاكرتي تلك العروس التي أبهرتني وأنا طفلة، بجمالها ولباسها وحليها، والهالة التي أحيطت
بها من طرف العائلة.
تذكرت الحفلة التي كانتمحفورة بحذافيرها في ذاكرتي. إذ أ ّا كانت المرّة الأولى التي أحضرفيها حفلاً من ذلك النوع، نزولاً عند رغبة
جدتي التي أصرّت على أخذي معها كي أحضرزفاف قريبتها.
تجاذبنا أطراف الحديث، وأحيينا ذكريات تلك الحفلة، دون أن نتطرق لما تلا ذلك من أحداث. وقبل أن نفترق دعتني لزيارتها في بيتها،
اعتذرت بضيق الوقت، لكنّها أصرّت حتى أذعنت لطلبها، دافعي الفضول والشوق لمعرفة باقي قصتها. حددنا موعداً لهذه الزيارة، ثم
افترقنا على أن أزورها بعد يومين.
رجعت من هذه الجولة بذكريات طفت على صفحة وعيي، فبعثرت أفكاري، وجعلتني أسبح في عالم منسي، ظننت أنّه اندثر ولم يعد
له وجود في داخلي، إلى أن رأيت هذه السيدة التي أحيت كلّ تلك السنوات المكونة لطفولتي، ووجدتني أتذكر بوضوح قصة هذه القريبة
الجميلة التي استحضرت ذكريات زفافها وما تلاه من أحداث، سجلتها ذاكرتي باهتمام من خلال رواية جدتي التي كانت تندب حظ
قريبتها، وما نالها نتيجة هذا الزواج، والتي هي كما يلي:
مرّت الحفلة في بيت العروس على ما يرام، عمّت الفرحة والبشر الجميع، وساد التفاؤل الأجواء.
ثم نقلت العروس ليلة الدخلة، إلى بيت «ناسها» أهل العريس لتستأنف المراسيم كالعادة لدى الطرف الآخر، وبعد أن أغلق باب
الغرفة لاحتضان حميميتهما، أصيبت العروس بنوبة صرع. ذهل الأهل الذين رافقوها، إذ لم يسبق لها أن أصيبت بشيء من هذا القبيل،
ّ الجميع ذلك بالخوف من المجهول، لتواجدها مع رجل غريب دون سابق
وارتبك الزوج بعد أن رأى عروسه على تلك الحالة، وف
معرفة. حاولوا إسعافها بالوسائل المتعارف عليها وقتذاك، من رقى وبخور، وغير ذلك حتى استفاقت، واسترجعت ملامح وجهها
حالتها الطبيعية.
ُّ الأهل بالنتيجة، واستعاد العريس فرحته بعروسه، وظن الجميع أنّ ما وقع كان مجرد حادث عابر، سببه التوتر العصبي، لكنّ الأمر
لم يكن بهذه السهولة، إذ ظلت النوبة تعاودها، بين الفينة والأخرى، حتى صارت مزمنة حادة، تجعلها لا تتذكر إلا القليل من الناس
والأحداثحين تستفيق.
أسقط في يد الزوج، ونصحه أهله بطلاقها، لكنّه أحبها إلى درجة جعلته لا يتصور العيش بدونها، واقترح عليه والدها أن ينقلها إلى بيته
حتى تتعافى ممّا ابتليت به، لكنّه رفض، وأصرّ على الاحتفاظ بها، ورعايتها حتى تشفى من مصابها.
داوم على إحضار «الطلبة» وإقامة الطقوس المشار عليه بها، كي يغادرها ذلك الجنّي الكافر الذي استوطن جسدها (حسب استنتاجات
الطلبة) لكن دون جدوى. عرضها على بعض الأطباء الذين جزموا على أنّ ما بها حالة نفسية تستوجب مداومة أدوية تحدّ من توترها
وهيجانها، لكن دون نتيجة تذكر.
وظلت الشابة الجميلة كذلك تتأرجح بين نوبات الهستيريا وفترات وجيزة من الوعي. حملت خلالها ووضعت عدة أطفال وهي على




