الجنس السايبراني في سوسيولوجيا العلاقات الجنسية والعاطفية لهاجر لمفضلي

فئة :  قراءات في كتب

الجنس السايبراني في سوسيولوجيا العلاقات الجنسية والعاطفية لهاجر لمفضلي

الجنس السايبراني في سوسيولوجيا العلاقات الجنسية والعاطفية

لهاجر لمفضلي

ماذا يحدث بين الجنسين في مواقع التواصل الاجتماعي؟ بهذا السؤال حاولت الباحثة المغربية في علم الاجتماع، هاجر لمفضلي، بداية كتابها المعنون "الجنس السايبراني في سوسيولوجيا العلاقات الجنسية والعاطفية" الصادر عن دار النشر سليكي أخوين وشارك في الدورة الأخيرة من معرض الكتاب. يتألف الكتاب من مقدمة وخمسة فصول إضافة إلى خاتمة، جاءت منظمة في 282 صفحة من الحجم المتوسط.

لقد حاولت أستاذة علم الاجتماع بجامعة السلطان مولاي سليمان في مقدمة الكتاب، طرح جلّ الأسباب الثّاوية خلف إصدارها لهذا المؤلف، والذي يندرج ضمن إطار السوسيولوجيا الرقمية، التي باتت حقلًا معرفيًّا مهمًّا، لفهم تحولات المجتمع المغربي في العوالم الافتراضية والشبكية.

وانطلاقا من قراءة تأليفية تتساءل الكاتبة في الفصل الأول من الكتاب، عن العلاقات الجنسية والعاطفية في العالم الافتراضي ومدى اعتبارها امتدادًا للعلاقات في العالم الواقعي، باعتبار أن الافتراضي هو جزء لا يتجزأ من العالم الاجتماعي، وانصب جزء كبير من هذا الفصل على السياقات المحددة لأشكال العلاقات الجنسية عبر الأنترنيت، وترى الكاتبة أن فعل الكتابة هو الشكل الأولي والرئيس في العلاقات عبر الأنترنيت، ثم يتأتى بعده مشاركة الصور والانتقال لتبادل المقاطع (الاباحية)، ويأتي في الأخير استعمال الكاميرا في التفاعل عن بعد. ويعد الشكل الأخير هو أعلى درجات الجرأة في الممارسات السايبرانية، كونه الأقرب تماهيا مع اللقاء الفيزيقي.

واقترحت الباحثة في الفصل الثاني فهم التعابير والاستعمالات المتعددة للغة الإيروتيكية الحاضرة في ثقافة المجتمع الرقمي، وأبانت محاولتها على مدى بروز السرديات الدينية والتمثلات الموروثة حول الجسد الأنثوي، المختزل حسب التجربة الميدانية للباحثة في مجموعة من التقاسيم، ما يدفعنا في هذا الفصل إلى إبداء ملاحظتين:

الأولى: أن استحضار التراث الديني من خلال الثقافة الإسلامية، كان عاملا مهمًّا في إبراز مدى استمرارية نفس البناءات الاجتماعية والثقافية لحركية الجسد الأنثوي، المختزل فيما هو تناسلي ومرتبط بالخصوبة.

الثانية: تعد مسألة الطقوس السحرية والوصفات التي يتم مشاركتها في العالم الافتراضي إحدى الشهادات الحية على مدى حضور التمثلات الموروثة، مما يهدم الجدار الفاصل بين القديم والجديد، ويحدث اتصالات ثلاثية بين السماء والأرض والوسائط الرقمية.

لقد سعت الكاتبة في هذا الفصل إلى تبيان عدم قدرة الرقمي على الانفلات من الخطاب الديني، فحسب المقابلات التي أجرتها، برزت مسائل التحريم والخطيئة والشعور بالذنب، عند ممارسة الجنس عن بعد من طرف المستجوبين، وهو ما يعكس نفس البنية الثقافية للعلاقات الجنسية خارج وقبل الزواج، كما يقرّ مجموعة من شيوخ وفقهاء (الإسلام ويب) حسب المنوغرافيات الرقمية للباحثة، أن هذه العلاقات تدخل ضمن "الزنا الإلكتروني".

تنتقل الباحثة في الفصل الثالث إلى مسألة الجسد بوصفه موطنًا للهوية الجندرية؛ وذلك وفق سياقات تحددها مسائل كشفه وإخفائه، فتبقى العلاقة بالشريك الجنسي هي العامل الرئيس لتحديد هذه الهوية في الوسائط الرقمية، حيث إنه لا يمكن إخفاء أي شيء عن هذا الشريك، ما دامت العلاقة تتوفر على مستوى عالٍ من الثقة.

كما تطرق الفصل إلى دلالات التنقل في الفضاءات الرقمية، حيث يعد الانتقال من الفيسبوك إلى الواتساب هو انتقال من مستوى التعارف إلى فضاء أكثر حميمية، قد يؤدي إلى ممارسة الجنس السايبراني، وينتهي هذا الفصل بعلاقة الواقع الرقمي بموضوع البكارة، التي ظلّ النقاش حولها في العوالم الرقمية محافظ على رمزيتها الاجتماعية، المرتبطة بالشرف والوصم، ما يجعل فعل ممارسة الجنس عبر الأنترنيت، عند العديد من الفتيات حسب البحث هو استراتجية فعالة للحفاظ عليها وعدم افتضاضها خارج مؤسسة الزواج.

وتضيف الكاتبة في السياق نفسه أن استعمال مجموعة من البرامج والتطبيقات (كسنابشات...) لنحت صورة الجسد وجعله مثيرًا ومرغوبًا فيه جنسيًّا من طرف الآخر، هي عوامل تجعل الرقمي ذا حضورٍ قوي في هندسة الجنس وملء الغياب المطلوب فيه والمفقود أحيانا في الجنس الفيزيقي.

في الفصل الرابع الذي يحمل عنوان الجنس السايبراني وتقسيم أدوار الرجولة والنسوية تتناول أستاذة الاجتماع المغربية، العلاقات الجنسية عبر الأنترنيت، كآلية لإعادة إنتاج نفس أدوار الفاعلين، فيتم التباهي بسلطة القضيب والتجارب الجنسية من طرف الذكور، وربطها بالفحولة والقوة، بينما يتم تصنيف تجارب النساء الجنسية في سرديات العهر والدناسة.

وتستحضر الباحثة فضلا عن كل ما هو رجولي وأنثوي، العديد من الثنائيات المفسرة للجنس عبر الأنترنيت، كالسخونة والبرودة التي ترمز أن الفضاءات الرقمية تقوم بتسخين الفاعلين ليصير الجنس أمرًا ملحًّا سواء عبر الأنترنيت أو بشكل فيزيقي حين تعتبر (البرودة) دالًّا على عدم الرغبة والامتناع عن ممارسة الجنس في الأنترنيت، إضافة إلى ذلك نجد ثنائية (الزعامة) و(الحشومة) لدى الشريكات الجنسيات، بالخصوص اللواتي كسرت وسائل التكنولوجيا الجديدة لديهن الحياء الجنسي (الحشومة) بفعل التواصل والحديث اليومي أو شبه اليومي عنه في العالم الافتراضي، حين مازلت (الحشومة) تحافظ على حضورها في الجنس الفيزيقي، ورغم هذا التقسيم تحدد الباحثة ثلاثة أشكال للجنسانية النسوية في هذا الفصل:

-      وجود ازدواجية بين (الحشومة) في الجنس الفيزيقي و(الزعامة) في الجنس عبر الإنترنيت.

-      وجود تطابق بين العلاقات الجنسية عبر الإنترنيت والعلاقات الجنسية الفيزيقية بسبب غياب (الحشومة).

-      وجود حدود اجتماعية في (الزعامة) الجنسية عبر الأنترنيت بسبب الخوف من الفضيحة عبر تسرب المحادثات أو الصور أو الفيديو.

يتشارك الرجال مع النساء مسألة تطابق الجنس الرقمي مع الجنس الفيزيقي في كل من الشكلين الثاني والثالث.

تستحضر الدكتورة لمفضلي في الفصل الخامس مختلف السرديات المتعلق بالمعاناة والقلق العاطفي، من خلال دراسة الخطاب المتشكل في الفضاءات الرقمية، والمختلف بحسب اختلاف الأنماط العلائقية، وتبرز نمطين رئيسين هما (جنس الأصدقاء) و(العلاقات العابرة)، بوصفهما نوعين يرتبطان بثقافة الاستهلاك والمتعة المؤقتة، بعيدًا عن الالتزام أو الوفاء والجدية. ما يسمح بإمكانية التعدد العلائقي في الفضاء الرقمي عند العزاب والمتزوجين.

كما تعد قضية الحبّ والجنس والمال، إحدى القضايا الأساسية في الجدالات الفكرية والسوسيولوجيا الحديثة بوجه عام؛ فالسؤال الأساسي هنا، هل حقًّا تم فصل الحب عن الجنس في عالمنا المعاصر؟ وتستند الباحثة في طرحها هذا على الصّرح النظري الذي قدمته ايفا إلوز في قراءتها لمفهوم الانوميا عند دوركايم، واعتبرته أول من أدرك مغزى انهيار النظام العاطفي المعياري والمؤسساتي، فالأنوميا حسب إيلوز لا تصلح فقط لفهم الانتحار، وإنّما لفهم الرغبة الجنسية والزّوجية كذلك.(

وتقر الباحثة في نهاية الفصل أن الإنصات إلى المحكي من التجارب الحميمية المتعلقة بفضاءات التواصل، هو انصات إلى تاريخ شخصي مجندر وغير مرتبط بتاتا بالعوالم الرقمية فقط، وإنما بالحياة عمومًا.

مناقشة:

على الرغم من الترابط الموضوعي لفصول الكتاب الخمسة، إلا أنها كتبت بطريقة تجعل كل فصل مستقل بتيمة محددة، وكثيرة هي القضايا التي طرحها المُؤَلفة، فقد يعد من المساهمات الجدّية والجديدة في حقل السوسيولوجيا المغربية والعربية، وتأتي هذه الأهمية في محاولة إحياء أسئلة وإشكالات موضوع الجنس، التي خلفها بعض أقطاب هذا التوجه أمثال فاطمة المرنسي وعائشة بالعربي، ونعمان جسوس ونوال السعداوي وعبد الصماد الديالمي...وجل هؤلاء ركزوا على موضوعات الجنس والعلاقات بين الجنسين في إطارها الاجتماعي والواقعي آنذاك.

انطلقت الباحثة من طرح نفس القضايا ومساءلتها على ضوء التغير الاجتماعي والواقع اليومي للمجتمع، الذي أصبح ينزاح بشكل مستمر نحو الافتراضي والرقمي، بفعل وسائل التكنولوجيا، حيث لم تكتف الباحثة بتعداد معاني الجنس في هذا الواقع، بل أبرزت كيفية انتظامه في العوالم الافتراضية ضمن نماذج ثقافية محددة، ولا يسعنا هنا الا صك بعض الملاحظات المعرفية والمنهجية التي تبرز نوعية الكتاب:

أداة الدراسة: اعتمدت الدراسة المنهج النثنوغرافي والوصف المكثف لكل ما يجري داخل البنية الرقمية، فأدرجت العديد من المواد المصورة ـ عبر تقنية نسخ الشاشة ـ في صفحات الكتاب، والتي كان يتم تقديم تحليل عميق لها، بوصفها تفاعلات اجتماعية طرأت في العالم الرقمي. كما استعملت تقنية المقابلة عبر الإنترنيت، والتي من خلالها حددت العينة الخاصة بالدراسة، والتي تتكون من مجموعة من الأعضاء المنتمين إلى مجموعات فيسبوكية، لم تفصح الباحثة عن أسمائها.

الأدبيات ذات الصلة: تميز الكتاب باستحضاره للعديد المراجع العربية والأجنبية المتعلق بالموضوع، إضافة إلى استناده على مقاربة التحليل النفسي والعديد من الكتب الدينية التي تطرقت لموضوع الجنس والجنسانية في الثقافة العربية الإسلامية.

طريقة الكتابة: عرف الكتاب في أسلوب كتابته تمشي منهجي بين الإطارات النظرية والمادة الميدانية، حيث يتم بناء النماذج التحليلية، انطلاقا من المعطيات الميدانية، ما يجعل النقاش لا يسهب في أي توجه نظري محض، بالإضافة أن الكاتبة وظفت لغة غير مألوفة في البحوث والكتب السوسيولوجيا، بل قد نجزم أنها (جد جريئة)، وتستمد جرأتها هذه من طبيعة الكلمات المرادفة للموضوع المتطرق إليه، وكيف يتم التعبير عليها ضمن المعجم اللغوي للدارجة المغربية، غير مكتفية بنقلها فقط، بل البحث في أصلها وجدورها، التي غالبا ما يقبع في موروث اللغة العربية.

خلاصة:

بما أن العالم الافتراضي اليوم هو جزء من النظام الكوني، وما له من قدرة على التأثير بشكل كبير في حياتنا وثقافتنا، لاسيما في البعد التفاعلي العلائقي والاجتماعي، فإن مسألة دراسته ومحاولة فهمه تفرض نفسها. ومن هنا تبرز أهمية كتاب الجنس السايبراني في سوسيولوجيا العلاقات الجنسية والعاطفية للدكتورة هاجر لمفضلي، كونه مساهمة في فتح أصقاع جديدة في السوسولوجيا المغربية والعربية. كما هو محاولة لإعادة التفكير في موضوعات الجنس والجنسانية والفوارق الاجتماعية والثقافية بين الجنسين، بنفس جديد يتماشى مع واقع المجتمع، وكل ما خلفته الكتابات السوسيولوجيا حول الموضوع، والتي لم تتناف الدراسة معها بقدر ما جسدت الامتداد لها والتقاطع معها في عالمنا المعاصر.


مقالات ذات صلة

المزيد