الأنثروبولوجيا الفرنسية: دراسات ومراجعات في تراث إميل دوركهايم ومارسيل موس


فئة :  قراءات في كتب

الأنثروبولوجيا الفرنسية: دراسات ومراجعات في تراث إميل دوركهايم ومارسيل موس

1- تقـديـــم

هيمنت على الساحة العربية، ولفترات متعاقبة، أطروحات فكرية، وقراءات مصاحبة لها، صنفت نفسها في خانات كـ "القومية "، "الماركسية" و"الإسلاموية السلفية"، وانعطفت إما نحو نزعة تغريبية لاستيراد نماذج مجتمعية غربية في قوالب نظرية جاهزة، قصد استنباتها في تضاريس اجتماعية، ثقافية واقتصادية مختلفة، أو نحو استعادة "نماذج تاريخية" تشكلت في "الماضي التليد" للتقدم بشكل معكوس نحو الماضي.

وأظهرت التحولات التي عرفتها الساعة العربية، كيف صنعت هذه القراءات، وقودا إيديولوجيا لخوض سجالات ومعارك سياسية عقيمة، دعمتها في أحايين كثيرة، سلط سياسية استبدادية. كما اعتقدت أنها انخرطت في مشاريع "التحديث" و"النهضة"، غير أنها لم تفعل لا هذا ولا ذاك[1].

على ضوء هذه المفارقات المعرفية، نباشر قراءة محتوى هذا الكتاب الجماعي، الذي يتناول جزءا من الرصيد المعرفي لرائدين من رواد الفكر الأنثروبولوجي، حيث العودة إليهما متزايدة، لتنامي القراءات النقدية في العلوم الاجتماعية، واتساع فرص تدريسها في جامعات عربية تصحو تدريجيا من هيمنت الأطروحات والقراءات المشار إليها أعلاه، وبدأت تستنبت، هذه الجامعات، فكرا نقديا جديدا يشيد عتاده النظري بعودته المتجددة إلى نصوص الرواد المؤسسين للنظريات الاجتماعية.

2- هندسة الكتـــاب

صدرت عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الطبعة الأولى لكتاب (الأنثروبولوجيا الفرنسية دراسات ومراجعات في تراث إميل دوركهايم ومارسيل موس)[2]، في 640 صفحة. تحت إشراف وتقديم يونس الوكيلي، وتفضلت المؤسسة بإهداء هذا الكتاب إلى أستاذنا المرحوم محمد الدهان (1953 - 2013م)، الذي تخرجت على يده أجيال من طلبة شعب الفلسفة، علم النفس وعلم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط.

يضم هذا الكتاب تقديـــما وفهرسا وقسمين كبيرين، بُوًبَت محتوياتهما بطريقة بيداغوجية، وتعريفا بالمساهمين في الكتاب.

حمل القسم الأول عنوان "دراسات وقراءات في أعمال إميل دوركهايم"، وضم ثلاثة فصول:

أ- دراسات: تناولت جوانب مختلفة في فكر دوركهايم، وعددها ست دراسات:

- أصول ما قبل دوركهايم.

- نظرية المعرفة عند دوركهايم.

- إميل دوركهايم والتأسيس السوسيولوجي للحداثة.

- نظرية دوركهايم حول التماسك الاجتماعي والانتحار.

- ما مصير الدراسات الدينية لو لم يكتب دوركهايم "الأشكال الأولية للحياة الدينية: نظام الطوطم في أستراليا".

- في منهج دراسة المعتقدات السحرية من منظور إميل دوركهايم.

ب- عروض كتب: يقدم قراءتين في كتابين لدوركهايم:

- قراءة نقدية في كتاب (الأشكال الأولية للحياة الدينية) لإميل دوركهايم.

- مقاربة سوسيولوجية للانتحار- قراءة في كتاب (الانتحار) لإميل دوركهايم.

ج- نصوص دوركهايمية: يحتوي على مقال واحد:

- علم الاجتماع الديني ونظرية المعرفة.

القسم الثاني: حمل عنوان "دراسات وقراءات في أعمال مارسيل موس". وضم هو الآخر ثلاثة فصول:

أ- دراسات: ضم أربع مقالات تناولت نظرية مارسيل موس:

- الواقعة الاجتماعية الكلية.

- موس والدين: إرث موس عند ليفي ستروس وباتاي (وتجاوز موس لهما).

- الأسس الأخلاقية للعلاقات الاقتصادية: مقاربة من منظور مارسيل موس.

- مقاربة أخرى للأمة: مارسيل موس.

ب- عروض كتب: وضم ستة عروض تركيبية لفكر موس:

- المقدس: بنيته ووظائفه - قراءة في كتاب (الوظائف الاجتماعية للمقدس) لمارسيل موس.

- أنثروبولوجيا الهدية وانساق التبادل - عرض كتاب الهبة لمارسيل موس.

- سوسيولوجيا الصلاة - تقديم كتاب الصلاة لمارسيل موس.

- نحو فهم انثروبولوجي لشعيرة الأضحية - قراءة في دراسة مارسيل موس وهنري هوبير حول طبيعة الأضحية ووظيفتها.

- الجماعة والسحر - عرض عام لكتاب (موجز في النظرية العامة للسحر).

- الملاحظة الإثنوغرافية من خلال كتاب (موجز في الإثنوغرافيا) لمارسيل موس.

ج- نصوص موسية: يضم أربعة نصوص مترجمة، (منهما نَصان بمعية بول فوكوني وإميل دوركهايم):

- السوسيولوجيا: موضوعها ومنهجها.

- حول بعض أشكال التصنيف البدائية.

- تقنيات الجسد.

- الانتقادات الداخلية لـ "أسطورة إبراهيم": الروابط والتشابهات: منظور مقارن.

3- أهـداف الكتــــاب ومنهجيته

يشير يونس الوكيلي، في تقديمه للكتاب، إلى القيمة النوعية التي يضيفها الاهتمام بتاريخ النظرية الاجتماعية للرواد، في تحليل الظواهر الاجتماعية. وتبقى أعمال دوركهايم وموس مصدر إلهام لكل دارس للأنثروبولوجيا، لجهودهما في التأسيس النظري والمنهجي وفرادة أعمالهما.

وراهنت منهجية هذا الكتاب على تقديم فكر الرجلين إلى كل المهتمين بالعلوم الاجتماعية بمختلف مستوياتهم، لتنوع الدراسات والنصوص المترجمة وعروض كتب، لملامسة أهم القضايا النظرية والإبستمولوجية لفكرهما.

4- أنثروبولوجيا إميل دوركهايم ومارسيل موس: السياقات الفكرية العامة

لقراءة مضامين هذا الكتاب، نستحضر سياقات فكرية ومجتمعية، ساهمت في تشكل الأنثروبولوجيا الفرنسية التي كانت بدورها شاهدة على تلك التحولات.

اتسمت فترة ما قبل دوركهايم وموس بالإيمان بالفرد العاقل خلال عصر التنوير. مع تمدد الحركة الرومانسية[3] توارى الفرد لصالح الجماعة والعاطفة. ومهدت الفلسفات الديكارتية والكانطية والكانطية الجديدة، لظهور تصورات جديدة. فقد صاغ كانط (1724م-1804م)، في كتابه (نقد العقل الخالص) مشروعا فلسفيا للصلح بين العقلانية والإمبريقية، وأدخل الفكر والتجربة في ديمومة أظهرت أهمية "خلق العالم" لدراسته. وستضيئ هذه الفكرة طريق أغلب الأنثربولوجيين.

بانتشار فلسفة هيغل (1770م-1831م)، سيحدث تغيير في خط التفكير من كانطية ظلت فيها حركة الفكر متدفقة دياليكتيكيا من نقطة ثابتة هي الفرد نحو وجهة غير معلومة. وستتلاشى هذه النقطة الثابتة (الفرد)، لتصبح جزءا ونتيجة في صيرورة المعرفة.[4] من هنا فصاعدا، سيُعَرف الفرد من خلال "العملية الجمعية"، ليشكل هذا التحول الفكري، الأسس الإبستمولوجية للنظرية الاجتماعية الحديثة، والممهد لبروز مفاهيم تفسيرية كـ "البناء الاجتماعي"، "الوظيفة" التضامن"، "النسق" وغيرها، نجدها في العتاد النظري لدوركهايم وموس.

وتفيدنا المتغيرات السياسية والعسكرية في الإضاءة على علاقة الأنثروبولوجية الفرنسية، بمثيلاتها الأنجلوساكسونية والألمانية.

ساهمت التحولات الكبرى التي صاحبت كلا من "الثورة الفرنسية العظمى" (1792م - 1815م) وحقبة حكم الملكة فيكتوريا من 1837م إلى 1901م وتوسع الحركة الاستعمارية، في ازدهار الأبحاث الأنثروبولوجية وظهور جمعيات "كملاحظي الإنسان".[5] وشكل ميلاد المدرسة التطورية التاريخية رافدا كبيرا للدراسات اللاحقة، وصدور أعمال مُؤسسة ككتاب (المدينة القديمة) (1864م) لكولين فوستيل في فرنسا، وكتاب (أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة) (1884م) لإنجلز وماركس في ألمانيا، و(الثقافة البدائية) (1871م) لإدوارد تايلور و(الغصن الذهبي) (1890م) لفريزر في إنجلترا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية صدر كتاب (المجتمع القديم) (1877م) للويس هنري مورغان (1818م-1881م)، رائد المدرسة التطورية وصاحب فكرة الأمومة الأصلية التي تأثر بها ماركس وإنجلز[6]. وأيضا بفضل مورغان، تحولت القرابة إلى مدخل لفهم المجتمع، إذ بيّن في كتابه (أنظمة القرابة والمصاهرة في العائلة البشرية) (1871م)، كيف تشتغل القرابة كنظام موحد للمجتمعات، ممهدا لأفكار مؤسسة لنظريات أنثروبولوجية منها: "التضامن الاجتماعي"، "تفسير الاجتماعي بما هو كذلك"، "تطورية الأنظمة الاجتماعية والثقافية حسب مراحل"، "الإنسانية الموحدة وحتمية انتصارها" وغيرها.

في ألمانيا، انتقد أودولف باستيان (1826م - 1905م) المخططات التطورية التبسيطية، وقال بالأصل المشترك الذي تفرعت منه ثقافات باتجاهات مختلفة، واضعا الأسس الأولى للمدرسة الانتشارية والبنائية.

وفي إنجلترا، أنجز جيمس فريزر (1854م-1941م)، تلميذ تايلور النجيب وآخر الأنثربولوجيين التطوريين الفيكتوريين، كتاب (الغصن الذهبي)، (طبع في البداية في مجلدين سنة 1890م بعدها في اثني عشر مجلدا) ضمنه دراسات ومقارنات للخرافة والسحر والدين والمعتقدات الغربية، معززا بأمثلة من مختلف بقاع العالم وعبر أزمنة مختلفة، شكلت مرجعا للأنثروبولوجيا الفرنسية.

وبتراجع المدرسة الرومانسية (النصف الأول من القرن التاسع عشر) لصالح الفلسفة الوضعية (النصف الثاني للقرن التاسع عشر)، ظهرت دعوات إلى علم وضعي يدرس شؤون الاجتماع البشري لإنجاز الإصلاح الشامل للفوضى السياسية، العسكرية والأخلاقية التي عرفها المجتمع منذ قيام الثورات الفرنسية الأولى. أهمها دعوة أوغست كونت (1798م - 1857) التي مهدت لدراسة ثلاث قضايا مركزية في الفكر المعاصر: الحريات الفردية، المسألة الاجتماعية وبناء النظام السياسي.

استقى دوركهايم من أستاذه كونت فكرة إخضاع المجتمع للقوانين الوضعية، فوضع قواعد لدراسة الظواهر باعتبارها أشياء، وانتبه، كما يقول ليفي ستروس الوريث الشرعي للأنثروبولوجيا الفرنسية[7]، إلى أهمية الوثائق المكتوبة وعادات وتقاليد الشعوب ومصادر المعلومات التاريخية والإثنولوجية في تعزيز المادة الأساسية لعالم الاجتماع، وتجلى ذلك في كتابه (الأشكال الأولية للحياة الدينية).

لم يهتم دوركهايم وموس كثيرا بالنظريات التطورية والانتشارية، وانشغلا أساسا بالتفسيرات التزامنية لمجتمع يتوفر على أنساق منطقية موحدة تترابط وتتكامل بعيدا عن فكرة "التطور عبر مراحل" الذي أشاعتها تفسيرات مورغان، كونت وماركس.

واشتهر دوركهايم بأعماله: (في تقسيم العمل الاجتماعي)، 1893م، (الانتحار) 1897م، (قواعد المنهج في علم الاجتماع) 1895م و(الأشكال الأولية للحياة الدينية)1912م (صدر قبل خمس سنوات من وفاته).

وأطل موس في بداياته من شرفة دوركهايم، لتنتشر شهرته بدراسته لمواضيع مختلفة، قسمها إلى "ثلاثة مستويات للبحث: الإثنوغرافيا (الدراسة التفصيلية للعادات)، الإثنولوجيا، (الصنعة المرتكزة ميدانيا للمقارنة الإقليمية) الأنثروبولوجيا (تعني المسعى النظري العاِلم فلسفيّا للتعميم)"[8]. ليدمج الدراسات الميدانية بالإنتاج النظري.[9] ويعتبر موس من بين الرواد الكبار الذين أنتجوا أغلب أعمالهم بين فترتي خمسينيات القرن التاسع عشر وبداية الحرب العالمية الأولى، إلى جانب سبنسر، كونت، ماركس، دوركهايم، جورج سيمل وماكس فيبر.

5- مضامين الكتـــــاب

القسم الأول: دراسات وقراءات في أعمال إميل دوركهايم

أ- دراسات

في الدراسة الأولى الموسومة "أصول ما قبل دوركهايم"، يشير روبرت باركن إلى تشبث الأنثروبولوجية الفرنسية بتقاليدها الفكرية العقلانية بإعلائها من قيمة النظرية، وعدم إيلاء الممارسة الميدانية ما تستحقه من الاهتمام. هكذا أدرك دوركهايم مع مونتسكيو أن روح القوانين تطبق على المسائل الاجتماعية، لكون النظم التشريعية تستمد أساسا من طبيعة البشر وبيئاتهم، وترجم موقف روسو القائل بأن الحياة الاجتماعية "تتطلب الاندماج الذاتي للفرد مع الجماعة الكبيرة"[10] ومع سان سيمون، اتضح لدوركهايم، أنه لابد من وجود قيادة تؤمن بالدين الوضعي، تصبح منبعا للإلهام الأخلاقي والرمزي.

ويشرح حسن أحجيج، في تقديمه للترجمة التي أنجزها لدراسة آن وارفيلد راولز الموسومة "نظرية المعرفة عند دوركهايم"، كيف عارض دوركهايم، في كتابه (الأشكال الأولية)، أجوبة كل من التيار "التجريبي" و"القبلي" لعدم قدرتهما على تقديم برهان اختباري "لعملية المعرفة"، فاعتبرها مجرد ظاهرة اجتماعية وموضوعا للدراسة السوسيولوجية التي تجعل من "الممارسات الطقوسية" الجماعية مصدرا لنشأة الفكر المنطقي ومقولات الفكر[11].

ومن خلال كتاب (الأشكال الأولية)، توضح آن وارفيلد راولز في دراستها، كيف صاحب سوء الفهم تراث دوركهايم. وكيف تم إهمال قضايا نظرية ذات أهمية قصوى في فكر الرجل نتج عنه تأويل خاطئ لنظريته في المعرفة لهيمنة القناعة القائلة بـ "استحالة الاستدلال على الصدق التجريبي للعلاقة بين الفكر والواقع"، مما أدى إلى سيادة مبدأ اللاتحديد داخل العلوم الإنسانية والاجتماعية وفكر التوافق والتعريفات المقبولة اجتماعيا، إذ اعتبرت، هذه الأخيرة، مقياسا لكل "تعريف للصدق الاختباري"[12].

ولدحض هذه المغالطات الإبستمولوجية، توضح راولز كيف استبدل دوركهايم المقاربة الفردانية لكل من التجريبية والقبلية بنظرية للمعرفة تفسر "أصل المفاهيم الأولية الضرورية" "بالعمليات الاجتماعية الملموسة والمنجزة اجتماعيا". وكيف تقوم الجماعات بتطوير تنظيمها الداخلي بتقسيم المجتمع والطبيعة إلى أصناف (تسمى طواطم)، هذه الأصناف مجتمعة تشكل "تمثلا تاما ونسقيًا للعالم"[13]. بهذا، يصبح المشروع الدوركهايمي، مشروعا طموحا، يراهن على "أن يصبح العلم السوسيولوجي الجديد مركز المشاريع العلمية والفلسفية معا"[14].

وتناولت دراسة زكرياء الإبراهيمي الموسومة "إميل دوركهايم والتأسيس السوسيولوجي للحداثة"[15]، عمليات التفسير الجديدة التي أسست بموجبها سوسيولوجيا دوركهايم لما يسمى بالحداثة الأوروبية؛ مفسرة الأخلاق في ارتباطها ببنية المجتمع الذي يمارسها، ومظهرة توفر كل صنف اجتماعي على أخلاقه الضرورية التي أنشاها هو نفسه تمكنه من الوقوف والاستمرار[16]، ونسج التناغم بين ما هو فردي وجماعي. وموازاة للتحولات المجتمعية الغربية طور دوركهايم نظرية متكاملة جعلت من تقسيم العمل الاجتماعي مصدرا للتلاحم والتضامن ومظهرا من مظاهر الحداثة. ولكون المجتمعات الغربية كانت تعيش حالة انتقالية بين نموذجين من الوجود الاجتماعي، راهن دوركهايم على التربية لتلعب دور إصلاح اختلالات التحولات وتعزيز مؤسسات الدولة.

وتبين الدراسة الموسومة "نظرية دوركهايم حول التماسك الاجتماعي والانتحار"[17]، ليوسف صديق كيف راهن دوركهايم على تقعيد الدراسة العلمية لظواهر اجتماعية عامة وخارجة عن "الرغبات" و"العوالم الفردية" بغية فهم الآليات التي يندمج بواسطتها الأفراد داخل المجتمع، ويحافظون في نفس الآن على استقلاليتهم، فوجب حسب دوركهايم، وضع قواعد عامة لمنهج سوسيولوجي يدرس بحذر إبستمولوجي موضوعاته بالكيفية التي تدرس بها العلوم الحقة موضوعاتها. ودراسة ظاهرة الانتحار كانت فرصة لمعرفة كيف يمكن لنظام اجتماعي أن يبقى واقفا على رجليه متماسكا ومكملا لمسيرة عبوره، مراهنا على وضع أخلاق جديدة قائمة على الفكر العلمي لتقوية تماسك البنيات الاجتماعية.

ولأن كتاب (الانتحار) ترويض لقواعد المنهج السوسيولوجي، يقف رشيد جرموني في قراءته الموسومة "مقاربة سوسيولوجية للانتحار قراءة في كتاب (الانتحار) لإميل دوركهايم"[18]، عند المنهجية التي درس بها دوركهايم ظاهرة الانتحار، حيث رسم تطورها عبر حقب تاريخية وفي ثقافات مختلفة مستعملا منهجه المقارن، ومعتمدا على الوصف والتفسير، وبناء نمذجات نظرية تفسر الاجتماعي بما هو اجتماعي. متجاوزا التصورات الأنثروبولوجية الشائعة والمتداولة التي سقطت في سذاجة علمية مفسرة الظواهر الاجتماعية بالفروقات الإثنية والعرقية والدم.

وكما أشارت إلى ذلك سابقا، دراسة آن وارفيلد راولز، فإن أهمية (كتاب الأشكال الأولية)، تجعلنا نتساءل عن "ما مصير الدراسات الدينية لو لم يكتب دوركهايم "الأشكال الأولية للحياة الدينية نظام الطوطم في أستراليا؟""[19]، وهو عنوان دراسة محمد يوسف إدريس، التي يؤكد من خلالها على فرادة فكر دوركهايم الذي شرح لمعاصريه كيف يصدر الدين عن "سلطة متعالية" هي "سلطة المجتمع" وخارجة عن سلطة الأفراد، يخضعون لها لتيسير اندماجهم الاجتماعي، لكون الظاهرة الدينية هي "كل ضرب من السلوك الثابت، أو غير الثابت، الذي يمارس قهراً خارجياً عن الأفراد، وهي، أيضاً، كل سلوك يسود المجتمع"[20]. ولفهم هذه الظاهرة، على الدارس البحث في بنية المجتمع وتماسكه، لأن الدين يوحد ويحافظ على ديناميكية الحياة الاجتماعية. هكذا يفسر دوركهايم الظاهرة الدينية، ولا يقيمها واضعاً علم الاجتماع الديني على أسس وضعية.

وفي دراسته الموسومة "في منهج دراسة المعتقدات السحرية من منظور إميل دوركهايم[21]، يفسر يونس الوكيلي كيف شيد دوركهايم صرحه العلمي وسط نقاشات صاخبة حول "طبيعة العقل البدائي". فبين بأن مصدر المعتقدات السحرية "للإنسان البدائي" هي نفس المصادر للإنسان الغربي متمسكا "بكونية التفكير البشري" وباستمرارية التطور المنطقي ابتداء مما سماه بروهل بـ "العقلية - قبل المنطقية". وأكثر من ذلك، يؤكد دوركهايم أن "المنطق الغربي ولد من المنطق البدائي"[22]. وسيؤثر هذا التصور على الإنتاج الأنثروبولوجي اللاحق عليه.

ب- عروض كتب

يبدأ هذا الفصل بالعرض الموسوم "قراءة نقدية في كتاب (الأشكال الأولية للحياة الدينية) لإميل دوركهايم"[23] لحسن أحجيج، قراءة تمنحنا فرصة العودة إلى دوركهايم (المتأخر)، الذي درس في الكتاب ظاهرة واحدة هي الظاهرة الدينية، وبنى حولها أطروحة متكاملة.

انتقد دوركهايم التعريفات الشائعة للدين، فاتبع تطور الظاهرة الدينية تاريخيا، وقسمها إلى فئتين أساسيتين هي المعتقدات الدينية والطقوس، ثم بنى تصوره حول الطوطمية التي تخلق إحساسا بالتبعية لأعضاء العشيرة بعضهم إلى بعض وترسخ انتماءهم إلى الجماعة، ليظهر القدرة التوليدية للدين وأهميته في حياة الأفراد والجماعات بإذكائه للشعور وإنتاج المثل العليا التي توحد المجتمع وتطور مقولات الفكر. وبهذا عدل وطور دوركهايم تصوره للدين، بعدما كان يضعه إلى جانب كل من الأخلاق والقانون كمؤسسات ضابطة للسلوك الاجتماعي في كتبه: (تقسيم العمل الاجتماعي) 1893م، (قواعد المنهج) 1895م و(الانتحار) 1897م. وبهذا التصور أقبر كل التفسيرات الكلاسيكية للدين في أنثروبولوجيا تايلور، سبنسر وفريزر.

ج- نصوص دوركهايمية

يحتوي هذا الفصل على نص واحد موسوم "علم الاجتماع الديني ونظرية المعرفة"[24] ترجمه محمد الحاج سالم. تكمن قيمته النظرية في كونه خطاطة لمشروع دوركهايم كعالم اجتماع، وهو مقدمة كتاب (الأشكال الأولية)، تناول فيه الظاهرة الدينية التي تبدو كطقوس غرائبية في أعين الأنثربولوجيين، في حين أنها تترجم حاجة إنسانية، وجانب من جوانب الحياة الخصبة للأفراد والجماعات، ولكونها كذلك فـ "لا وجود لأديان زائفة أساسا؛ إذ جميع الأديان قويمة على طريقتها الخاصة؛ أنها تستجيب جميعها، ولو بطرق مختلفة، لأوضاع معينة من الوجود البشري."[25]، والدهن البشري مدين للدين فهو لا يشكل فقط جزءا من مادة معارفه، بل أيضا بالشكل الذي تطورت من خلاله تلك المعارف، وأن ما يسميه الفلاسفة منذ أرسطو بمقولات الفهم فهي قد ولدت في الدين ومن نتاج الفكر الديني.

القسم الثاني: دراسات وقراءات في أعمال مارسيل موس

أ- دراسات

يعتبر مارسيل موس (1872- 1950م) من أهم رواد الأنثروبولوجيا في القرن العشرين، نظرا لفرادة أعماله والتأثير الذي مارسته على مستوى النظرية والمنهج، ولتنوع المواضيع التي تناولها كالهبة واقتصاد التبادل والأضحية والدين والصلاة والجسد والسياسة وغيرها.

يبدأ الفصل الأول في هذا القسم الثاني الخاص بموس بدراسة موسومة "دراسات وقراءات في أعمال مارسيل موس" "الواقعة الاجتماعية الكلية البناء والترابط الجزئي وإعادة التركيب" لنايوكي كاسوغا[26]، ترجمة عبد السلام الفقير ومراجعة حسن أحجيج، يظهر فيها الكاتب صورة الحياة الاجتماعية في فكر موس، ففي حالتها الأكثر كثافة، وفي وضعيات "خاصة تتداخل فيها مختلف "العلاقات" بمستوياتها الاقتصادية والدينية والسياسية والقانونية[27]. تتشكل ما يسميه موس بـ "الواقعة الاجتماعية الكلية"، إذ "توجد بين الظواهر الاجتماعية أكثر التشابهات غرابة. فالعادات والأفكار تطلق جذورها في كل الاتجاهات. وإنه لمن الخطأ إهمال هذه الترابطات التي لا حصر لها والعميقة"[28].

أما الدراسة الموسومة "موس والدين ارث موس عند ليفي ستروس وباتاي (وتجاوز موس لهما)، لفرانسوا غوتيي"[29]، ترجمة هدى كريملي ومراجعة حسن أحجيج. فتناولت مكانة الدين في بعض المقاربات الأنثروبولوجية، وكيف حصرته العلوم الاجتماعية المعاصرة في مجال ضيق، خصوصاً لدى الورثة الشرعيين لمارسيل موس. فبعدما كان موضوعا مركزيا للرواد الأوائل، أذابه ستروس في الرمزي واختزله في أجزاء فقط منه، وأغرقه جورج باتاي في تجربة المقدس.

وتُسائل دراسة دافيد غرايبر الموسومة "الأسس الأخلاقية للعلاقات الاقتصادية مقاربة من منظور مارسيل موس"[30]، مفهوم الهبة عند موس، إذ لم ينل المفهوم من قبل الدارسين الاهتمام الكافي، ليتجاوزه مختلف العمليات التبادلية التي لا تستند لأي أداء و"تجري وفق منطق متعدد متباين من المعاملات. قلما أخذ بعين الاعتبار"[31]. ولإيلاء اهتمام أكبر للهبة، يقترح غرايبر النظر إلى المجتمع كمزيج من التصورات حول العالم نقرأها بثلاثة أشكال منطقية سماها على التوالي: "منطق الشيوعية"، "منطق التبادل" و"منطق التراتبية" وتشكل الهبة مداراتها الرئيسة.

وفي دراسة "مقاربة أخرى للأمة: مارسيل موس" لبرونو كارسنتي[32]، ترجمة مصطفي النحال، يثير فيها الكاتب أهمية التناول العلمي لظاهرة "الأمة" وإشكالية الالتزام السياسي، موجها دعوته إلى السوسيولوجيا بأن لا تنحط إلى مستوى العلم التطبيقي وفن السياسة. إنه الدرس الأساسي الذي كان يتوخى مارسيل موس إيصاله عبر كتابته لمقالته حول "الأمة".

ب- عروض كتب

العرض الأول الموسوم "المقدس: بنيته ووظائفه - قراءة في كتاب (الوظائف الاجتماعية للمقدس) لمارسيل موس"[33]، لعبد الهادي الحلحولي، يشرح فيه كيف احتل المقدس حيزاً وافراً في سوسيولوجيا الدين لموس، لا لشيء، إلا لكون المقدس غير مفارق في نظره للحياة الاجتماعية، فهو يوحد الجماعة ويمدها بالتماسك الاجتماعي.

وفي العرض الموسوم بـ "أنثروبولوجيا الهدية وأنساق التبادل عرض كتاب الهبة لمارسيل موس"[34]، يركز فيه يوسف بن موسى، على أهمية العلاقة القائمة بين أشكال التبادل الاقتصادي وما هو روحي، رمزي وأخلاقي داخل نظام اجتماعي اشمل وأعمق.

أما عرض محمد سالم الحاج الموسوم "سوسيولوجيا الصلاة تقديم كتاب الصلاة لمارسيل موس"[35] فنقرأ فيه ذلك الطموح الكبير لموس لفصل موضوع "الصلاة" ودراستها عن تصورات غير دقيقة، هيمنت على هذا الموضوع سواء كانت لاهوتية، فلسفية، روحانية أو غيرها. للإدماج "الصلاة" ضمن مشروعه الأنثروبولوجي وتأسيس نظرية حولها. ورغم أن طموح موس لم يكتمل بإتمام كتابه، إلا أنه تناول الظاهرة في بعدها الشامل بعد تعريفها، لتبدو "مليئة بالمعنى بوصفها أسطورة ... ومليئة بالقوة والفعالية بوصفها طقساً"[36].

ولكون أعمال موس انفتحت على ظواهر مختلفة، فإن موضوع الأضحية احتل بدوره مكانة فريدة في تراث موس. ففي العرض الموسوم "نحو فهم انثروبولوجي لشعيرة الأضحية قراءة في دراسة مارسيل موس وهنري هوبير حول طبيعة الأضحية ووظيفتها"[37]، يبرز مصطفى العوزي كيف عملا، موس وهوبير، على تبيان الوظائف النفسية والاجتماعية للأضحية في حياة الأفراد والجماعات، بعدما صنفها إلى "أضاحي الكفارة، أضاحي التوحد الديني، أضاحي التواصل لسمة مقدسة، ثم أضاحي طرد سمة مدنسة"[38]. ولا يخفي هذا التصنيف التشابه القائم بينها من حيث المنطق والأهداف والغايات وقواعد الشعائر والعمليات الطقوسية، ليظهرا أن شعيرة الأضحية ترتبط في نهاية المطاف بمفهومين أنثروبولوجيين مركزيين هما مفهوما المقدس والمدنس.

ومواكبة لتنوع انشغالات موس، يساهم يونس الوكيلي بعرضه الموسوم "الجماعة والسحر: عرض عام لكتاب (موجز في النظرية العامة للسحر)"[39]، موضحا كيف تناول موس ظاهرة السحر كظاهرة اجتماعية كلية عرفتها مختلف المجتمعات، وكيف يشتغل المقدس من خلال ظاهرة السحر. وكيف يشتغل السحر من خلال المكونات الثلاثة: الوكلاء، الأفعال والتمثلات، وكذلك فعالية الطقوس باستعمال مفهوم المانا، ليخلص موس إلى أن للسحر نتاج اعتقاد جماعي يتمتع بفعالية ذهنية واجتماعية.

وانصب العرض الأخير في هذا الفصل، الذي أنجزه محمد طلحة، والموسوم "الملاحظة الإثنوغرافية: قراءة في كتاب (موجز في الإ‘ثنوغرافيا)"[40]، على إبراز أهم الخطوات المنهجية الواردة في الكتاب، مذكراً بالمبادئ الأساسية للملاحظة كاعتماد المنهج الفيلولوجي القائم على تجميع الشهادات، الأمثال والحكايات. وتوزيعها على الأصناف، واعتماد مبادئ الشمولية والوضوح والبساطة والتأطير الزمكاني، ثم الانتقال إلى الاهتمام بتصميم الدراسة الإثنوغرافية للمجتمع المدروس، بتوظيف كل من المورفولوجيا والفيزيولوجيا الاجتماعيتين.

ج- نصوص موسية

في هذا الفصل، تم انتقاء نصوص لموس ذات قيمة نظرية لافتة للنظر، اهتم النص الأول الموسوم بـ "السوسيولوجيا: موضوعها ومنهجها"[41] لبول فوكوني ومارسيل موس، ترجمة هدى كريملي ومراجعة حسن أحجيج. بمناقشة "كل من موضوع السوسيولوجيا والمنهج الذي تستعمله ثم...الفروع الرئيسة للعلم الذي يشير إليه هذا الاسم."[42] مدافعين عن علموية السوسيولوجيا، باعتبارها العلم الذي يدرس الوقائع التي تنعت بالاجتماعية، الموجودة في الطبيعة. وتختلف عن تلك التي تدرسها علوم أخرى كالسيكولوجيا، ويتم تعقل وقائعها لكونها تخضع لمبادئ النظام والحتمية الكونيين.

يشير بول فوكوني ومارسيل موس إلى نشأة هذا العلم في أحضان فلسفة التاريخ الممجدة للتأمل والمتغاضية عن التفاصيل واضعة نصب أعينها مراحل توجه البشرية كما هو حال أعمال سبنسر وتارد. كما يشير الرجلان إلى

توفر السوسيولوجيا على موضوع خاص بها، لوجود وقائع اجتماعية خالصة، وقوانين السوسيولوجيا هي إلى حد ما جزئية، حيث الربط بين وقائع محددة تبعا لعلاقات محددة.

أما مسألة المنهج السوسيولوجي، فـ "يجب على السوسيولوجيا، شأنها شأن كل علم، أن تبدأ دراسةَ كلِّ مشكلةٍ بتقديم تعريف له، إذ ينبغي أولاً وقبل كل شيء تعيين حدود حقل البحث، لكي نعرف عن أيّ شيء نتحدث. إنّ تلك التعريفاتِ أوليّةٌ، وبالتالي مؤقتةٌ. إنّها لا تستطيع، ولا ينبغي لها أن تعبر عن جوهر الظواهر المراد دراستها، بل فحسب تعيينها بشكل واضح ومميز."[43]. بعد التعريف، عليها بملاحظة الوقائع بشكل منهجي ودقيق لبناء الوقائع وليس سردها، وبالتنظيم المنهجي لها نضفي الطابع العلمي للفرضيات السوسيولوجية، بابتكارها والتحقق منها بواسطة وقائع ملاحظة بشكل جيد.

وفي سياق نفس الانشغال بتقعيد الممارسة الأنثروبولوجية، تناول النص المشترك بين دوركهايم وموس، والموسوم بـ "حول بعض أشكال التصنيف البدائية"[44]، ترجمة محمد هاشمي، مسألة تشكل التصنيفات وكيف تترابط فيما بينها والصلة العاطفية بين "الأشياء" وبين "الأفراد" التي تحدد الاختلاف والتشابه. ليخلصا إلى أن لإطار التصنيف عوائد ذهنية تمدنا بتمثل الوقائع والأشياء على شكل تصنيفات مترابطة ومتعاقبة.

هذه الخلاصات النظرية العميقة، تمكن السوسيولوجيا من فهم وظائف العمليات المنطقية للتكوين البدئي، ليس فقط للفاهمة الإنسانية، وإنما تطبيقها أيضا لفهم تشكل الأفكار المجردة في التفكير الإنساني كالسببية والجوهر وغيرهما كثير[45].

ويسرد مارسيل موس في نص هو الموسوم بـ "تقنيات الجسد"[46]، ترجمه حسن أحجيج، سرد حيثيات اكتشافه لموضوع هذه الدراسة، وكيف واضب على تجميع ملاحظاته اليومية لتشييد الموضوع، وكأنه يسمح لنا بالدخول إلى مطبخه الأنثروبولوجي. انتهى موس إلى وجود "ترابط بين الجسد والرموز الأخلاقية أو الفكرية". ولإغناء دراسته، قام موس بتقسيم تقنيات الجسد حسب الجنس والسن والمردودية والوضعيات الاجتماعية التي يمكن جردها بيبلوغرافيا. فاستنتج بأن تقنيات الجسد مركبة "بوساطة السلطة الاجتماعية ومن أجلها"، وبها "يعرف كل فرد في كل مجتمع، ويجب عليه أن يعرف ويتعلم ما يجب عليه أن يفعله في كل الوضعيات."[47]

وفي نص لمارسيل موس، ترجمته جميلة شرادي، والموسوم "الانتقادات الداخلية لـ "أسطورة إبراهيم" الروابط والتشابهات: منظور مقارن"[48]، يعتمد موس على مادة تاريخية غنية للتأكيد على الأسس التاريخية لأجزاء من التراث الديني، خصوصا عن حياة اليهود قبل موسى. والغاية من ذلك، إبراز زيف الحقائق التي نشرتها التيارات المتأثرة بالعقلانية الرومانسية، حيث أشاعت الكثير من المعطيات غير الدقيقة لاعتمادها على "جدلية لغوية" من أجل بناء حقائق تاريخية تخلط فيها بين الوقائع والمراحل التاريخية. وقد اعتمد موس في هذه الدراسة على المقارنات السوسيولوجية والأركيولوجية لتفحص التمثلات التاريخية.

خلاصات نقدية

جاء هذا الكتاب، كما كتب يونس الوكيلي، في تقديمه، "من منطلق الوعي بأهمية تاريخ النظرية الاجتماعية من خلال إسهامات الرواد الأوائل، فأعمالهم تظل ملهمة في تحليل الظواهر الاجتماعية عامة، والدينية خاصة، سواء من حيث الأسس العلمية والمنهجية العامة أم من حيث المجالات البحثية"[49]. ونضيف، في نظرنا سيبقى هذا العمل الجماعي يؤرخ للحظة مهمة من تاريخ اهتمام المثقفين الناطقين بالعربية بجزء من التراث الفكري لعَلمين مهمين من أعلام الفكر الأنثروبولوجي الفرنسي، لشحذ أدواتهم النظرية من أجل تجويد الدراسات الإنسانية والاجتماعية، وذلك بإنتاج مشاريع فكرية قائمة على أعمال بحثية تخدم النظرية والمنهج لإشاعة المعرفة العلمية البديلة وإحداث قطيعة مع مقاربات "الوقود الأيديولوجي" التي هيمنت على الساحة الثقافية العربية لعقود، وتبقى القراءات النقدية التي تتوفر على قدرة الانتباه أولاً، إلى الارتباطات القائمة بين النظرية الاجتماعية والواقع الاجتماعي الذي اتخذته موضوعا للدراسة[50]، وإلى أهداف وغايات هذه النظريات ثانيا، حيث البعض منها موجه لحاجيات النظرية نفسها بغية توطين علميتها. هذه الهواجس نفسها نجدها في أعمال الرواد المؤسسين مما يستدعي دوما العودة المتجددة إليها.


 

[1]- للتوسع حول هذه المفارقات انظر: شايغان، دريوش، النفس المبتورة هاجس الغرب في مجتمعاتنا، بيرون، دار الساقي، 1991

[2]- مجموعة مؤلفين، الأنثروبولوجيا الفرنسية دراسات ومراجعات في تراث إميل دوركهايم ومارسيل موس، الرباط، مؤمنون بلا حدود للنثر والتوزيع، 640 صفحة، الطبعة الأولى 2018

[3]- هايلاند أيركسون، توماس، وفين سيفرت، نلسون، تاريخ النظرية الاجتماعية، ترجمة ا. د. لاهاي، عبد الحسين، منشورات الاختلاف ومنشورات ضفاف، 2013م، ص 23

[4]- المرجع نفسه. ص: 25

[5]- للتوسع حول هذا الموضوع انظر:

Jean-Luc Chappey, La Société des Observateurs de l’Homme (1799-1804). Des anthropologues au temps de Bonaparte, Paris, Société des études robespierristes, 2002, 573 p

[6]- انظر:

http: //www.aranthropos.com/التطور-من-المنظور-الأنثروبولوجي

[7]- عبد الله عبد الرحمن يتيم، إميل دوركهايم: ملمح من حياته وفكره الأنثروبولوجي، مجلة إضافات المجلة العربية لعلم الاجتماع، العدد 25 شتاء 2014م، ص ص 28. 29

[8]- هايلاند أيركسون، توماس، وفين سيفرت، نلسون، تاريخ النظرية الاجتماعية، ترجمة ا. د. لاهاي، عبد الحسين، منشورات الاختلاف ومنشورات ضفاف، 2013م، ص 73

[9]- فريدريك بارث - أندريه غينغريتش –روبرت باركن- سيدل سيلفرمان، الأنثروبولوجيا حقل علمي واحد وأربع مدارس، ترجمة أبو بكر أحمد باقادر وإيمان الوكيلي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2017. ص 240

[10]- الأنثروبولوجيا الفرنسية دراسات ومراجعات في تراث إميل دوركهايم ومارسيل موس، الرباط، مؤمنون بلا حدود للنثر والتوزيع، 640 صفحة، الطبعة الأولى 2018. ص 34

[11]- المرجع نفسه. ص ص: 49-50

[12]- المرجع نفسه. ص ص: 51-52

[13]- المرجع نفسه. ص: 91

[14]- المرجع نفسه. ص: 101

[15]- المرجع نفسه. ص: 135

[16]- Durkheim, Emile, Sociologie et philosophie, Paris, Libraire Félix AGAN, 1924, pages: 20 et 21

[17]- المرجع نفسه. ص: 171

[18]- المرجع نفسه. ص: 233

[19]- المرجع نفسه. ص: 187

[20]- المرجع نفسه. ص: 193

[21]- المرجع نفسه. ص: 206

[22]- المرجع نفسه. ص: 207

[23]- المرجع نفسه. ص: 217

[24]- المرجع نفسه. ص: 258

[25]- دوركهايم، إميل "علم الاجتماع الديني ونظرية المعرفة"، ترجمة محمد الحاج سالم، مجموعة مؤلفين، الأنثروبولوجيا الفرنسية دراسات ومراجعات في تراث إميل دوركهايم ومارسيل موس، الرباط، مؤمنون بلا حدود للنثر والتوزيع، 640 صفحة، الطبعة الأولى 2018. ص 259

[26]- المرجع نفسه. ص: 289

[27]- المرجع نفسه. ص: 290

[28]- المرجع نفسه. ص: 297

[29]- المرجع نفسه. ص: 303

[30]- المرجع نفسه. ص: 321

[31]- المرجع نفسه. ص: 321

[32]- المرجع نفسه. ص: 347

[33]- المرجع نفسه. ص: 365

[34]- المرجع نفسه. ص: 387

[35]- المرجع نفسه. ص: 401

[36]- المرجع نفسه. ص: 403-404

[37]- المرجع نفسه. ص: 411

[38]- المرجع نفسه. ص: 416

[39]- المرجع نفسه. ص: 425

[40]- المرجع نفسه. ص: 433

[41]- المرجع نفسه. ص: 453

[42]- المرجع نفسه. ص: 453

[43]- المرجع نفسه. ص: 480

[44]- المرجع نفسه. ص: 495

[45]- المرجع نفسه. ص: 569

[46]- المرجع نفسه. ص: 571

[47]- المرجع نفسه. ص: 595

[48]- المرجع نفسه. ص: 603

[49]- الوكيلي، يونس، تقديم، مجموعة مؤلفين، الانثروبولوجيا الفرنسية دراسات ومراجعات في تراث إميل دوركايم ومارسيل موس، الرباط، مؤمنون بلا حدود للنثر والتوزيع، 640 صفحة، الطبعة الأولى 2018

[50]- Craig Browne, traduction par Emmanuel Renault, «la théorie sociale comme projet et comme institution», Sociologie 2018/1 (vol.9, p. 73-89