الإرهاب التشخيص والحلول


فئة :  قراءات في كتب

الإرهاب التشخيص والحلول

عنوان الكتاب: الإرهاب التشخيص والحلول

المؤلف: عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه

دار النشر: شركة العبيكان للنشر

مكان النشر: الرياض

تاريخ النشر: 2007

عدد الصفحات: 156

مقدمات

لقد كتب حول الإرهاب والتطرف كثير من الكتب والبحوث والدراسات والتقارير، ومن مرجعيات مختلفة: سياسية وقانونية واجتماعية واقتصادية ودينية، ولا تزال الكتابات والنقاشات حول هذا الإشكال مستمرة، للوقاية منه وللتخفيف من آثاره. وضمن هذا الإطار العام يتنزل كتاب الإرهاب التشخيص والحلول للشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، فهو محاولة جادة في اتجاه الوقاية من الإرهاب وتجفيف منابعه. وترجع أهمية هذا الكتاب لعدة أسباب:

الأول: لأنّه يصدر عن فقيه أصولي مقاصدي ومنفتح على الفلسفات الحديثة والمعاصرة، الثاني: أنّه خلاصة خبرة كبيرة في المؤسسات والمجامع العلمية والفقهية، في العالم الإسلامي وفي أوربا وأمريكا وكندا. والثالث: يرجع إلى أنّ الشيخ ابن بيه مع خبرته العلمية فلديه أيضًا خبرة عملية كبيرة داخل بلده وخارجه، الأمر الذي يجعله على دراية كبيرة بكثير من القضايا الدولية والإقليمية والمحلية.

ليس كتاب الإرهاب التشخيص والحلول العمل الوحيد الذي تعرض فيه ابن بيه لمسألة "العنف" و"التطرف" بل هو خلاصة لعدة محاضرات وبحوث وكتب نذكر منها على سبيل المثال: خطاب الأمن في الإسلام وثقافة التسامح، وفتاوى فكرية، وحوار عن بعد حول مسألة حقوق الإنسان في الإسلام، فهذا الكتاب خلاصة لتجربة علمية وعملية طويلة، وهنا تكمن أهميته.

وهذا الكتاب في الأصل محاضرة ألقيت في مقر منظمة المؤتمر الإسلامي، ثم طورها المؤلف بعد ذلك لتكون على هذه الحال. وأسباب تأليف هذا الكتاب كما ينص على ذلك المؤلف أربعة، وهي:

1-    أنّ الإرهاب أدى إلى كثير من الفساد، والخسائر في الأنفس والمنشآت مع نشر الذعر وعدم الاستقرار.

2-    أنّه كان سببًا في حروب على العالم الإسلامي فقد كان ذريعة للحرب على بعض البلدان وإعادة احتلالها.

3-    شوه صورة الإسلام ونفر العالم منه، وهذا مخالف لمقصد الشرع حيث أمر بحسن الخلق اللين والصبر وكف الأذى.

4-  القلق الدائم الذي أوجده لدى الدوائر الغربية من حصول المتطرفين على أسلحة تدميرية الأمر الذي جعلهم يضيقون الخناق على الجميع.

"لهذه الأسباب كان شجب ولحي الإرهاب والبحث عن سبل إيقافه عند حده، أمرًا لامناص منه عرفًا وشرعًا"[1].

واعتمادًا على ما تقدم فإنّ الهم الرئيسي للكتاب وإشكاليته الأساسية هي: كيف نتخلص من الإرهاب؟ ولمقاربة هذه الإشكالية يحاول الكتاب الإجابة على ثلاثة أسئلة محورية هي: ما هو الإرهاب؟ وما هي أسبابه؟ وكيف نحل مشكلته؟

يتكون الكتاب من تقديم ومدخل تاريخي وثلاثة فصول وخاتمة. أما المصادر التي استند إليها الكاتب فهي كثيرة ومتنوعة، تجمع بين القديم والحديث، والإسلامي والغربي، وإن كان المؤلف لا يصرح بها كاملة، حيث يكتفي بذكر اسم المؤلف دون ذكر الكتاب في أحيان كثيرة. وأهم هذه الأسماء التي ذكرها المؤلف هي: ابن هشام، أبو يوسف، الطبري، ابن قدامة، الماوردي، الفخر الرازي، ابن عرفة، أبو يعلى، النسائي، البيهقي، ابن حبان، ابن رجب، ابن تيمية، ابن القيم، الشاطبي، خليل، الزرقاني، عياض، الرصاع، الخرقي، ابن عبد السلام المالكي، ابن حجر، ابن بطال، الرملي، ابن عابدين، ابن خلدون، البعلي، مونتسكيو، جان جاك روسو، تومس أرنولد، الطاهر بن عاشور، توماس شيفلين، غولد سير، هانس كيويج، طه عبد الرحمن، مراد هوفمان، هانز توكنج.

أما الكتب التي صرح بذكرها المؤلف فهي: سيرة ابن هشام، المغني لابن قدامة، شرح حدود ابن عرفة للرصاع، فتح الباري لابن حجر، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، صحيح البخاري والأدب المفرد للبخاري،، المستدرك للحاكم، الدعوة إلى الإسلام لتوماس آرنولد، كتاب الخراج لأبي يوسف، الموافقات للشاطبي، التحرير والتنوير لابن عاشور، العبر لابن خلدون، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي لطه عبد الرحمن، الاختيارات للبعلي، رسالة القتال والسياسة الشرعية لابن تيمية. هذا بالإضافة إلى العديد من المعاجم والمجلات ونصوص الاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بموضوع الكتاب.

وكما يظهر فإنّ أغلب مصادر الكتاب قديمة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل ما مدى فاعلية هذه المصادر في تناول ظاهرة تكاد تكون يومية مثل الإرهاب؟ وهنا تكمن طرافة تناول الشيخ لهذه الظاهرة حيث يستعين بمعارف من داخل بيئته الثقافية لتناول هذه الظاهرة وليضيف وجهة نظر جديدة ليست تكرارًا وتردادًا لما هو متداول، حيث يستعين بمفهومي "الحرابة" و"البغي" في تناول هذه الظاهرة كما سنرى لاحقًا، ولعل ذلك من قدرة الشيخ الكبيرة على تحقيق المناط أي تنزيل النصوص سواء كانت نصوصًا تأسيسية أو مرجعية.

المرجعية العامة

تقوم رؤية ابن بيه على مرجعيتين متداخلتين، المرجعية الأصولية والمقاصدية. أما المرجعية الأصولية فتتعامل مع النصوص في ثلاث دوائر: دائرة التفسير والتأويل، وتقوم على معادلة الدلالة اللغوية بالاقتضاء العقلي. دائرة التعليل، من الكلي إلى الجزئي ومن الجزئي إلى الكلي ومن الجزئي إلى الجزئي. دائرة التنزيل أو تحقيق المناط: الواقع التوقع، وتقوم على موازنة النصوص والقواعد الكلية من جهة والواقع من جهة ثانية.

أما المرجعية الثانية فهي المقاصدية، فالمقاصد بالنسبة إلى ابن بيه "هي فلسفة التشريع الإسلامي لأنّها تقدم إجابة لثلاثة أسئلة أساسية: السؤال الأول: ما مدى استجابة التشريع الإسلامي للقضايا المتجددة؟ والسؤال الثاني: ما مدى ملاءمة هذا التشريع للمصالح الإنسانية وضرورات الحياة؟ السؤال الثالث: ما هي المكانة الممنوحة للاجتهاد البشري العقلي المؤطر بالوحي؟[2]. استنادًا إلى المقاصد الثلاثة الكبرى المعروفة: الضرورات والحاجيات والتحسينات.

على هذه الأرضية الأصولية المقاصدية إذا يتحرك الشيخ عبد الله بن بيه، ولكي نفهم وجهة نظره في مسألة "الإرهاب" لابد أن نستحضر هذه المرجعية خاصة ما يطلق عليه الشيخ "فقه الواقع والتوقع".

النشأة والمفهوم

نشأة الإرهاب

بدأ الشيخ كتابه بعد التقديم بلمحة تاريخية حول نشأة الإرهاب مبينًا "أنّ استعمال العنف في حل المشاكل الإنسانية، وفي العلاقة مع الغير لم يكن حديثًا، ولا شيئًا مستغربًا، في التعامل بين سكان هذه الكرة، بعد قصة ابني آدم"[3]. مذكرًا أنّ أسباب العنف عديدة ومتنوعة عبر تاريخ الإنسان، وقد يكون لأعلى الأسباب ولأتفهها.

واستنادًا إلى بعض الدراسات التاريخية الغربية حول العنف فإنّ أقدم جماعة إرهابية حسب الكتاب، "هي حركة "الورعاء" اليهود في القرن الأول للميلاد"[4]. ينتقل الكتاب من القرن الأول إلى القرن السابع للميلاد، القرن الأول للهجرة مع ظهور فرقة "الخوارج" حيث يعتبرها أول حركة إرهابية في الإسلام، ثم ينتقل المؤلف إلى القرن الخامس الهجري، ميلاد فرقة "الحشاشين"، ثم يقفز الكتاب مباشرة إلى القرن العشرين. في طي كبير لمراحل التاريخ تجعل المتلقي يتساءل: هل كل المراحل المتبقية خالية ممّا يمكن أن يوصف بالإرهاب؟ وهل حركة ورعاء Zelopes والخوارج والحشاشين يمكن وصفها بالإرهاب بالمعنى الدقيق للكلمة؟ خاصة إذا ما تذكرنا أنّ حركة "ورعاء" كان هدفها مكافحة الاحتلال الروماني.

وحمل الكتاب الأفكار القومية واليسارية مسؤولية "إشعال الحروب وتأجيج زخيخ جمر المعارك"[5]، في بداية القرن الماضي. إلا أنّ بداية عصر الإرهاب الحقيقية حسب المؤلف كانت مع وصول عصابات الهاجانا إلى فلسطين حيث كان الترويع والقتل بلا حدود. كما كانت حروب التحرر في العالم العربي والإسلامي تسمى "إرهابًا" من قبل المستعمر "إلا أنّه في أواخر القرن الماضي ومنذ قيام الثورة الخمينية في إيران، أصبحت الحركة الإسلامية الشيعية، في الواجهة في أعمال عنف هنا وهناك"[6]. ثم كان الغزو السوفيتي لأفغانستان واحتلال العراق للكويت والرد الدولي عليه، كل ذلك أطلق شرارة حرب دينية. وبلغ المشهد قمة الدراما بعد عمليات الحادي عشر، حيث "تبدلت القوانين وتغيرت الأنظمة، واختلت الموازين... وأصبحت الحملة على الإرهاب تمثل ساحات قتال حقيقية من حدود باكستان إلى منطقة الخليج وتركيا وسوريا"[7].

ثم يكتفي المؤلف بالتسلسل التاريخي الذي قامت به مجلة القضايا الدولية: Questions Internationales في ملفها الخاص عن "الإرهاب" عدد يوليو 2004، وذلك نظرًا لتنوع القائمة التي رصدتها، وامتدادها في الزمان والمكان الأمر الذي يبرهن على "أنّ الإرهاب لا يختص بدين دون آخر، ولا ببقعة دون أخرى"[8].

تعريف الإرهاب

في سعيه لتعريف الإرهاب بدأ المؤلف بتتبع كلمة "رهب" ومشتقاتها في القرآن، ليجد أنّ أغلب معانيها يتعلق بالخوف من الله، باستثناء مدلول آية الأنفال الذي "يوحي بظلال قد يخالها البعض ذات صلة بالإرهاب المعاصر"[9]. إلا أنّ الأمر عند التأمل يدل على العكس. لذلك فإنّ بعض المهتمين بهذا الشأن يرون أنّ مادة رهب في القرآن لا تدل على معنى Terrorism، فكل الآيات المشتملة على كلمة رهب ومشتقاتها لا تدل على القتال ولا الحرب بما فيها آية الأنفال، ولا تترجم المصطلح Terror وإنّما يترجم هذا المصطلح كلمة "الرعب" ومنه Terrorism "الإرعاب" وTerrorist المرعب[10]، كما تدل على ذلك الآيات رقم 12 من سورة الأنفال و26 من سورة الأحزاب والآية 2 من سورة الحشر.

يرى ابن بيه أنّ الإرهاب ينبغي تعريفه انطلاقًا من منبعه الغربي فمصطلح "الإرهاب" ظهر أول مرة 1798م في ملحق الأكاديمية الفرنسية لوصف حكومة الثورة التي كانت ترهب الشعب.. فكان الإرهاب وصفًا لنظام الحكم[11]. ويذكر المؤلف أنّ أول تعريف دولي للإرهاب كان تعريف عصبة الأمم 1937م. ثم يستعرض المؤلف مجموعة من التعريفات المعجمية وغيرها، معتبرًا أنّها على وجاهتها في كثير من الأحيان لا تفي بالغرض، لذلك فإنّه يقترح إدخال بعض المفاهيم من التراث الفقهي الإسلامي على تلك التعريفات لتكون أشمل وأوضح، مثل مفهومي "الحرابة" و"البغي"، ومرجع ذلك إلى أنّ أغلب التعريفات تركز على البعد السياسي والقانوني، ومع أنّ الشيخ لا يغفل هذا الجانب إلا أنّه لا يرى أنّه هو الحاسم، لأنّ مشكلة الإرهاب في رأيه مشكلة ثقافية بالأساس، كما سيتضح ذلك لاحقًا من خلال الأسباب والحلول. وهنا يقترح ابن بيه تغيير مصطلح "إرهاب" وإبداله بمصطلح "تخريب"، لأنّه أشمل وأوصف[12]، ودمج بعض الجرائم المنظمة الأخرى ليكون تعريف الإرهاب هو: مجموعة "الأعمال العنيفة التي ترمي إلى التدمير والإفساد وترويع الآمنين، بقتل الأبرياء وتدمير المنشآت، وترويج المخدرات، وكذلك الأعمال العنيفة التي تقوم بها العصابات ضد السلطة الشرعية، لخلق جو عام من العصيان، يشل النشاط العام، ويخوف المدنيين، أو لقلب النظام الشرعي القائم"[13]. وميزة هذا التعريف كما يقول الشيخ هو انطلاقه من البيئة المعرفية للأمة كما أنّه واضح للجميع. وبناءً على ذلك يرى المؤلف أنّه يمكن لمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تقترح هذا التعريف على المنظومة الدولية في ظل غياب تعريف متفق عليه للإرهاب.

إنّ تعريف الإرهاب انطلاقًا من مفهومي "الحرابة" و"البغي" قد يثير مجموعة من الإشكالات المتعلقة بنوع العقوبة، خاصة أنّ عقوبة كل منهما أي الحرابة والبغي كما ينص على ذلك الفقه الإسلامي القتل والقتال، كما أنّه يعطي محورية كبيرة للإمام في إنزال العقوبة وتحديد نوعها، وهذا ما قد يكون غير واضح تمامًا في ظل استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية. كما يثير الشيخ أثناء تعريفه للإرهاب إشكالاً كبيرًا وسؤالاً محوريًّا، وهو مطروح للعرب والمسلمين أكثر من غيرهم، وهذا السؤال هو: كيف نميز بين الإرهاب والمقاومة؟ خاصة أنّ الفكر الغربي المعاصر لا يفرق كثيرًا بين ما هو مقاومة وما هو إرهاب. ويرى ابن بيه "أنّ التغلب على هذه المعضلة يكمن في الإحالة على الشرعية الدولية والأخلاقية"[14]، في الحالة الفلسطينية وفي غيرها من الحالات المشابهة.

الإرهاب: الأسباب والدوافع

في هذا السياق يرصد الكتاب مجموعة من الأسباب والدوافع التي تقف وراء الإرهاب، ولكنه يقر في البداية بصعوبة حصر أسباب الإرهاب "لأنّ كل جهة تريد أن تحمله رؤيتها أو أجندتها الخاصة.. وعلى كل منها اعتراضات لا تجعله يستقل بالعلية عند السبر وتنقيح المناط"[15]. ولعل أهم هذه الأسباب حسب ابن بيه هي: الفقر، وغياب الديمقراطية، وعدم حرية المرأة... ولكن كل هذه الأعراض كانت قائمة ولم تحدث إرهابًا كما يقول الشيخ ابن بيه، فكم من شعب فقير ولم يظهر عنده الإرهاب وكم من قوم لم يسمعوا عن شيء اسمه الديمقراطية يعيشون في سكينة كما يشهد على ذلك تاريخ الإسلام، والشيء نفسه بالنسبة إلى حرية المرأة[16]، وإن كان لبعض هذه الأسباب دور في نشوء الإرهاب دون أن يكون كافيًا.

ويلخص ابن بيه بناءً على دراسة قامت بها مجموعة من الباحثين في جامعة مونتريال أسباب الإرهاب في خمسة رئيسة هي:

-      أسباب نفسية

-      أسباب دينية

-      أسباب سياسية

-      أسباب اقتصادية

-      أسباب ثقافية.

ولكن أهم هذه الأسباب في نظر ابن بيه هي الأسباب الثقافية، نظرًا لاشتمال الثقافة على الإيديولوجيا والدين. لذلك فإنّ الشيخ يركز على ثقافة العنف لأنّها مرجع ومنبع الإرهاب.

فأعمال العنف الناتجة عن المعتقدات الدينية والإيديويوجية تفوق بكثير ما يحصل من العنف لأسباب أخرى. وقد تجسدت هذه الحوافز العقدية بحسب ابن بيه "في التيارات القومية، واليسارية، والليبرالية الغربية، وتيارات الإحياء الديني"[17]، فالسبب الرئيسي للإرهاب خاصة في البلدان الإسلامية هو الفكر المشوه، والثقافة المأزومة، والفهم المغلوط للدين. وتتميز هذه الثقافة "بضيق الأفق، وعدم الاكتراث لرأي الآخر، والانغلاق الفكري والتعصب، وعدم قبول الاختلاف، والحرفية في التفسير، وغياب فقه المقاصد، واختلال ميزان المصالح والمفاسد"[18]. وما نشأ عن ذلك من تكفير الحاكم وأحيانًا المجتمع كاملاً، وما ترتب عليه من استباحة الدماء والأموال تأسيسًا على فهم مغلوط لمفاهيم الجهاد والولاء والبراء.

وعلى الرغم من إصرار الشيخ على أنّ الأسباب الثقافية: الأيديولوجية والدينية، هي الأكثر تأثيرًا في ظاهرة الإرهاب فإنّ كثيرًا من المفكرين يرون أنّ الأمر أصبح أكبر من كل ذلك، فنحن الآن في ما وراء الأيديولوجيا والسياسة والدين، "فالطاقة التي يغذيها الإرهاب لا يمكن لأي قضية حتى لو كانت إسلامية أن تفسرها"[19]. ما الذي أدى إلى ظهور هذا المارد في هذه اللحظة التاريخية بالذات؟ لماذا ظهر بأبشع صوره؟ كيف انفجر في وجه أمريكا وبعض الدول الأوربية والعربية الحليفة لها دون غيرها؟ لماذا لم نره بالبشاعة نفسها في الصين أو الهند أو بعض الدول الإسكندنافية؟

يرى جان بودريار أنّ ثمة مزاجًا عامًّا هو الذي أدى إلى ظهور الإرهاب في هذه البيئات دون غيرها، لأنّ "الأمر أصبح أكبر من أمريكا والإسلام، إنّها العولمة المنتصرة على ذاتها"[20].

فهل إلى خروج من سبيل

يقول ابن بيه في مفتتح الفصل الثالث والأخير من كتابه إنّ الحلول متعددة ويمكن التركيز على بعضها دون بعض، ولكن بشرط: أن تكون متكاملة، وأكثر نجاعة، وأقل تكلفة. "فتستعمل الوسائل الأمنية، والثقافية، والنفسية، والإجراءات السياسية في خطة متكاملة"[21]، وكما أكد المؤلف من قبل أنّ الأسباب الثقافية هي الأكثر تأثيرًا في الإرهاب، خاصة في البيئة الإسلامية، فإنّ أهم الحلول ستكون ثقافية وليس معنى ذلك أنّه يهمل الحلول الأخرى.

وتنقسم الحلول حسب ابن بيه إلى قسمين أساسيين، قسم سياسي وقسم ثقافي، وتندرج تحت كل منهما مجموعة من الحلول الفرعية. أما الحلول السياسية فتنقسم إلى حلول حكمية، وحلول أمنية، وحلول اقتصادية.

-   الحلول الحكمية: وهي المتعلقة بأساليب الحكم وطرق الوصول إلى السلطة وتحقيق العدالة، فالعدل أساس الملك ولا تخمد الفتن إلا به، كما قال "عمر بن عبد العزيز لما كتب إليه واليه يذكره فتنة الخوارج كتب إليه يقول: أخمد فتنتهم بالعدل"[22].

ولكن السؤال الملح هو كيف يتحقق العدل؟

يعتقد الشيخ أنّ ثمة طريقين لتحقيق العدالة: الشورى والديمقراطية. ويرى الشيخ أنّ العدل يتحقق بالشورى أكثر من الديمقراطية خاصة في البيئات الإسلامية، لأنّ "الشورى في الإسلام نظام حياة، يدخل في الحياة الاجتماعية من خلاياها الأولى، وهي خلية الأسرة، إلى الصروح الكبرى في الحكم"[23]، كما تنص على ذلك الآية رقم 233 من سورة البقرة والآية 15 من آل عمران والآية 38 من سورة الشورى. وكما تدل على ذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتجربة أصحابه.

والشورى يمكن أن تطبق بأشكال مختلفة، والانتخاب أحد آلياتها، كما أنّها أكثر التصاقًا بمشاعر الناس وأقرب إلى نفوسهم، فقد أضحى "شعور الناس نحو دعوة الغربيين إلى الديمقراطية في العالم الإسلامي: كلامك يعجبني ويدك تريبني"[24]. كما يرى الشيخ ابن بيه أيضا أنّ الديمقراطية قد تكون سببًا من أسباب الإرهاب، خاصة إذا كانت ديمقراطية "مرائية" وفي بيئة غير ناضجة، كما حدث في بعض البلدان، وكأنّ الشيخ هنا يشير إلى التجربة الجزائرية 1991. "فاعتبار الديمقراطية بلا سقف شفاءً من كل داء أمر مبالغ فيه، ولكنها قد تصلح لبعض البيئات دون بعضها"[25]. والشيخ هنا ينطلق من مسلمة أساسية عنده -أصبحت أكثر وضوحًا في السنوات الأخيرة- وهي أنّ الاستقرار مقدم على الحقوق، والسلم مقدم على العدالة[26]. ولكن الإشكال هل يمكن أن يتحقق الاستقرار دون نيل الحقوق؟ وهل من سلم دون عدالة؟ إنّ الشيخ لا يغفل عن هذا الأمر، حيث يقول "لابد من إصلاح لإزالة الاحتقانات الحقيقية، والموهومة، ذات الأسباب الداخلية والخارجية"[27].

-      الحل الأمني:

القاعدة الأساسية في الحل الأمني أنّه لابد أن يقوم على "سياسية ردعية زجرية فاعلة وعادلة"[28]، ويتحقق ذلك بمجموعة من الشروط حسب المؤلف وهي:

-      التفريق بين الرؤوس والأذناب

-      احترام حقوق المتهم

-      الإنصاف وعدم القسوة

-      عدم الإكراه والتعذيب.

لكن ما هي العقوبات المناسبة لردع الإرهابيين؟ يؤكد ابن بيه أنّ عقوبة الإرهاب لابد أن تكون في أعلى درجات سلم العقوبة، وذلك تأسيسًا على التعريف الذي انطلق منه للإرهاب، وهو أنّه حرابة وبغي، مستدلاًّ بالآية رقم 33 من سورة المائدة والتي تحصر العقوبات هذه الجرائم في: القتل، الصلب، قطع الأيدي والأرجل من خلاف، والنفي. ولولي الأمر يقول ابن بيه أن يحدد عقوبة الإرهاب حسب درجة الجرم[29].

أما آلية الحل الأمني فهي التوسط وعدم الإفراط لأنّ المبالغة في العنف والتجاوز في حق المتهمين لا يؤدي إلا إلى مزيد من العنف، والأمثلة في التاريخ معروفة، وأساس كل ذلك "قضاء مستقل نزيه عادل، وليس القضاء المبني على فكرة الصراع الغربي بين السلطات، التي تمثلها عبارة مونتسكيه الشهيرة السلطة توقف السلطة"[30]. هل نفهم من هذا أنّ الشيخ ضد فصل السلطات؟ وكيف يكون للقضاء أن يكون مستقلاًّ في ظل القول إنّ من حق ولي الأمر تحديد نوع العقوبة؟

-      الحل الإقتصادي:

يأخذ هذا الحل منحيين أساسيين الأول داخلي والثاني خارجي. 1-الحل الداخلي ويتمثل في سياسة اقتصادية تراعي ظروف المواطنين، وتخلق الفرص للشباب، وتكافح الفقر والبطالة، وتنعش سوق العمل وترفع الرواتب، وتقوم على "الموازنة بين حوافز الاستثمار وبين ضمان حد أدنى للفقراء، عن طريق المؤسسات الخيرية، والأوقاف، وبرامج التشغيل"[31]. 2-الحل الخارجي ويتعلق بالسياسة الدولية. ويقوم الحل هنا على خلق حالة من التوازن والعدل في السياسة الاقتصادية الدولية، للتخفيف من آثار الاختلالات التي تسود العلاقة بين الدول الغنية والفقيرة، فهذه العلاقة "يسودها منطق القوة، والكبرياء والطغيان والجبروت، وهي مفتقرة إلى الحد الأدنى من الأخلاقية، والمصداقية، واحترام المواثيق الدولية"[32]. والتخفيف من آثار الاتفاقيات الاقتصادية الدولية المجحفة بدول العالم الثالث.

-      القسم الثاني الحل الثقافي

ويتأسس هذا الحل على ثقافة التسامح وقيم تقبل الآخر، لذلك فإنّ الكتاب يبدأ بتعريف الثقافة. ويستعرض المؤلف مجموعة من التعريفات لينتهي إلى أنّ الثقافة "حصيلة النشاط الاجتماعي في مجتمع، وأساليب الحياة والسلوك وأنماط القيم السائدة"[33].

أما التسامح فيحيل إلى عدة معان منها: "اليسر والسهولة والسعة مما يدل على رفع الإصر والحرج والبعد عن التشدد"[34]. وقد هيأ الإسلام الأرضية المناسبة لترسيخ قيم ثقافة التسامح، فقرر العدل وشرع الحوار ونهى عن سوء الظن والغيبة، وأمر بالرفق والتراحم وحسن الخلق ورأب الصدع[35]، ونهى عن الغلو والتشدد، وتتجلى مظاهر سماحة الإسلام في:

-      اعتباره البشر جميعًا أخوةً

-      اعترافه للآخرين بحقهم في ممارسة دينهم

-      اعتبار الحوار الوسيلة المثلى

-      إقراره أنّ أصل العلاقة مع الآخر السلم

-      تحديده أسباب الحرب بالاعتداء وليس الكفر[36].

مستشهدًا على صحة ذلك بالأدلة الشرعية والشهادات التاريخية. وإذا أردنا أن نقضي على ثقافة الإرهاب لابد أن نواجهها ويكون ذلك "بالخطاب الحي الواعي الذي يقوم على نبذ العنف وزرع ثقافة التسامح والمحبة، وتقديم البديل أمام الشباب اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، ومحاولة صرف جهودهم ونشاطهم في قنوات لصالح المجتمع ولصالح التنمية، وجسر العلاقة بين مختلف الفئات وتجديد الفكر التوفيقي والمنهج الوسطي في النفوس، وحشد جهود الطبق المثقفة في الجامعات والمدارس والإعلام لذلك"[37].

ويتحقق كل ذلك بالقيام بدراسات جادة في المجالات الشرعية والاجتماعية، وإصلاح منظومة التعليم وتغيير المناهج، لكن لابد أن يكون الإصلاح من داخل المرجعية العامة للأمة، وبعيون إسلامية معاصرة. "فلابد إذًا من تقديم وصفة ثقافية ممزوجة بروح حضارتنا لعلاج الإشكالات المطروحة، تقوم على الوسطية، وتفعيل فقه الاختلاف، والحوار مع الآخر ومع الذات، وتصحيح مفهوم الجهاد، وتصحيح مفهوم الولاء والبراء، ومفهوم التكفير"[38].

خاتمة

ويختم "الشيخ" كتابه بخطة لمكافحة الإرهاب، هي في حقيقتها إيجاز وتلخيص لمضمون الكتاب، وينهي هذه الخطة بمجموعة من الأسئلة والمحاور المرشحة للنقاش وهي: تعريف الإرهاب بين الماضي والحاضر، الفائدة منه والتكييف القانوني له وعلاقته بالأخلاق. مسألة الدين هل العنف في طبيعته بنيوي؟ هل المظالم محفز ومحرض فقط؟ أم سبب أصيل؟ وهل يمكن اجتثاث الإرهاب دون إزالة هذه المظالم ولو جزئيًّا؟ هل التركيز على الديمقراطية جزء من الحل أم تهرب بالنسبة إلى الفاعلين الدوليين من الحلول الأكثر صعوبة؟[39].

أهم أعمال الشيخ عبد الله بن بيه

  • توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال.
  • حوار عن بعد حول حقوق الإنسان في الإسلام.
  • خطاب الأمن في الإسلام وثقافة التسامح والوئام.
  • أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات.
  • سد الذرائع وتطبيقاته في مجال المعاملات.
  • فتاوى فكرية.
  • صناعة الفتوى وفقه الأقليات.
  • مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات.
  • أثر المصلحة في الوقف؟
  • البرهان؟
  • الإرهاب، التشخيص والحلول.
  • دليل المريض لما له عند الله من الأجر العريض
  • تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع
  • مشاهد من المقاصد
  • إثارات تجديدية في حقول الأصول
  • علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه

[1]- عبد الله بن المحفوظ بن بيه، الإرهاب التشخيص والحلول، الرياض، شركة العبيكان للنشر، 2007، ص 11

[2]- ابن بيه، علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه، مؤسسة الفرقان، 2006، ص 21

[3]- ابن بيه، الإرهاب التشخيص والحلول، ص 13

[4]- نفسه، ص 14

[5]- ابن بيه، المرجع السابق، ص 15

[6]- نفسه، ص 16

[7]- نفسه، ص 17

[8]- نفسه، ص 22

[9]- نفسه، ص 25

[10]- محمد شحرور، تجفيف منابع الإرهاب، بيروت، الأهالي للطباعة والنشر، 2008، ص ص 23-24

[11]- ابن بيه، الإرهاب التشخيص والحلول، ص 25

[12]- نفسه، ص 29

[13]- بن بيه المرجع السابق، ص 29

[14]- ابن بيه، المرجع السابق، ص 28

[15]- نفسه، ص 39

[16]- نفسه، ص 40

[17]- بن بيه، الإرهاب التشخيص والحلول، ص 43

[18]- نفسه، ص 47

[19]- جان بودريار، روح الإرهاب، ترجمة بدر الدين عردوكي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010، ص 15

[20]- نفسه، ص 16

[21]- ابن بيه، المرجع السابق، ص 49

[22]- ابن بيه، الإرهاب التشخيص والحلول، ص 56

[23]- نفسه، ص 57

[24]- نفسه، ص 61

[25]- نفسه، ص 63

[26]- انظر نص المداخلة التي القاها الشيخ عبد الله بن بيه في ملتقى ثقافة السلم والاعتدال الذي نظمه المعهد الموريتاني للدراسات الاستراتيجية بتاريخ 19 -20 08 2015

[27]- ابن بيه، الإرهاب التشخيص والحلول، ص 63

[28]- ابن بيه، الإرهاب التشخيص والحلول، ص 64

[29]- نفسه، ص 65

[30]- نفسه، ص 69

[31]- ابن بيه، والحلول الإرهاب التشخيص، ص 69

[32]- ابن بيه، نفسه، ص 69

[33]- نفسه، ص 71

[34]- نفسه، ص 73

[35]- نفسه، ص ص 82-83

[36]- نفسه، ص 86

[37]- نفسه، ص ص 95-96

[38]- ابن بيه المرجع السابق، ص 99 وما بعدها.

[39]- نفسه، ص ص 155-156