الاثنا عشريّة في تونس: مرجعيّة واحدة ومصادر متعدّدة


فئة :  مقالات

الاثنا عشريّة في تونس: مرجعيّة واحدة ومصادر متعدّدة

الاثنا عشريّة في تونس: مرجعيّة واحدة ومصادر متعدّدة[1]

إنّ الثابت والمؤكّد هو انتماء التونسيين الشيعة في هذه المرحلة من تاريخ البلاد إلى الإماميّة الاثني عشريّة دون غيرها، ولكنّ أسباب ظهور هذا المذهب وتاريخه يحتاجان معلومة ثابتة ويقينيّة حوله. وتأتي صعوبة البحث في هذه المسألة من معطى مهم يتمثّل في سريّة دخول المذهب الاثني عشري إلى تونس، وفي كيفيّة انتشاره بين التونسيين. وليس من السهل القطع بالمعلومات المتوفّرة حول تاريخ العمل السرّي للجماعات الدينيّة، باعتباره تاريخ أفراد. وعادة ما يتضخّم الأنا لدى زعماء هذه الجماعات، ويتحوّل في مرحلة الظهور إلى أنا أعلى يصعب التمييز في صورته بين التاريخي والمُتَخَيَّل، وبين الحقيقة والواقع[2].

بناء على ما تقدّم، نعدّ كلّ ما سنعرضه مجرّد تحليل يحتاج إلى التحيين والمراجعة مع كل طارئ جديد. وقد راهنّا في جهودنا على المنطق والعقل في الربط بين ما جمعناه من أخبار مكتوبة وشفويّة، وما تأوّلناه من فرضيات ونتائج. ومن أجل الظّفر بما نحتاج إليه حول المسألة، اتجه اهتمامنا إلى أبناء المذهب لاستطلاعهم والبحث في ذاكرتهم المكتوبة والشفويّة. وبعد عمليّة بحث وتفكيك، سواء عن طريق المقابلات المباشرة أو من خلال الاطلاع على كتاباتهم القليلة، ظفرنا بموقفين اثنين بخصوص تأصيل الحالة الشيعيّة في تونس، وعدد من الحالات المكمّلة للموقفين نوردها تباعاً. يختلف الموقفان في تاريخها ويتطابقان في مرجعيتها الشرقيّة، وهذا منطقيّ باعتبار أنّ منطقة شمال إفريقيا لم تعرف هذا التمذهب إلّا في ظرف زماني ومكاني محدود هو منطقة السوس في المغرب الأقصى.

يصرّ أصحاب الموقف الأوّل على أنّ المذهب الاثني عشري هو مرجعيّة التشيّع في تونس، وأنّه قد جرى استئصاله من قبل السلطتين السنيّة والإسماعيليّة خاصّة. ويحتج أصحابه بظهور الإمارة البُجَليّة في بلاد السوس بالمغرب الأقصى وتبنّيها مقولة الإمامة بصيغتها الاثني عشريّة[3]، وأنّ أصل البُجَليّة يعود إلى مدينة نفطة بالجريد التونسي[4]. وأنّ حديث المؤرخ البكري (ت. 487هــــ/1094م) عن كوفة صغرى[5] يستبطن بالضّرورة أنموذجاً ناشئاً عن الأنموذج الاثني عشري الأصلي في العراق؛ فالكوفة المشرقيّة هي مدينة علي بن أبي طالب فاتحة الخط الإمامي، ولا يمكن أن يكون النفطيون أو الكوفيون الجدد، بهذه الصّفة، إلّا شيعة اثني عشرية في بداية تحوّلهم المذهبي الذّي فرضّه الفاتحون «السنّة» بالمعنى السياسي؛ أي ممن لم يناصروا عليّاً وأبناءه، أو قعدوا عن ذلك وأشرفوا على تنفيذ السياسات المعادية للعلويين.

لئن كانت هذه الحجج مهمّة، فإنّها لا ترجّح كفّة أصحاب هذا الموقف لاعتبارات عدةّ؛ منها ما يتعلّق بالحجج ذاتها، ومنها ما يتعلّق بالمعطى التاريخي العلمي لا الديني؛ فالحديث عن إمارة بُجَلِيّة في بلاد السوس بعقيدة اثني عشريّة، لا يمكن سحبه آليّاً على تونس، رغم غياب الحدود الموجودة اليوم في تلك المرحلة. ولأنّه لم يثبت أنّ هذه الإمارة قد عرفت توسّعاً مثل دولة الأدارسة أو الموحّدين أو المرابطين أو العبيديين أو الحفصيين، أو أنّها قد عمّرت طويلاً. ولا يعني أصل البجليين النفطي التونسي أنّ ما كان سائداً في منطقة الجريد هو بالضّرورة تشيّع إمامي بنسخته المشرقيّة الموجودة اليوم في تونس. ولا يمكن تحميل وصف البكري لمدينة نفطة بأنّها الكوفة الصغرى أكثر ممّا يحتمل، ونجعل ذلك علامة على اثني عشريّة النفطيين. وسندنا في ذلك ما ذكره القاضي النعمان من وصايا الإمام الصّادق لرسوليه أبي سفيان والحلواني؛ إذ اقتصر دورهما على الحديث في فضائل الأئمّة العلويين دون غيره. وهذا يعني أنّ ما وصل إلى النفطيين لا يمكن أن نصطلح عليه تشيّعاً اثني عشرياً بالمعنى المذهبي النسقي.

حتى لو افترضنا السؤال التالي: من علّم البُجَليين النفطيين العقيدة الاثني عشريّة التي أقاموا عليها إمارتهم في بلاد السّوس؟، فإنّ الإجابة تكون على هذا النحو: لم يثبت في أغلب المصادر أنّ أصحاب هذه الإمارة قد دعوا إلى الاثني عشريّة، أو كتبوا فيها أو درّسوها مثلما فعل الأدارسة والموحّدون بعدهم مع عقائدهم. ولم نعثر إلّا على إشارات يتيمة ذكرها ابن حوقل حول تبنّيهم مقولة الاثني عشر إماماً من أبناء علي وفاطمة. واللافت للنظر أنّ الكتب التي أرّخت لبلاد المغرب الأقصى، ومن بين المؤرّخين مغاربة، لم تأت على ذكر الإمارة البُجليّة إلا عرضاً ونادراً. ونضيف إلى ذلك عدم وجود أيّ أثر فكري، بمعنى التدوين، للعقيدة الاثني عشريّة في نفطة والجريد عامّة، رغم وجود آثار التشيع الكوفي مثل اللباس والبناء إلى اليوم في المدينة[6]. وما نرجّحه في مقابل هذا الطرح هو اقتصار التشيّع في تلك المرحلة التأسيسيّة على محبّة آل البيت التي بيّنا مظاهرها في الفصلين الثاني والثالث. وفي أقصى الحالات كان الحديث عن التشيّع الاثني عشري مقصوراً على دائرة خاصّة وضيّقة، ولا نستبعد أن يكون البجليون من بين مكوّناتها. وهذا هو السبب الأرجح لتبنيهم مقولة الاثني عشر إماماً من أبناء علي وفاطمة.

يرى أصحاب الموقف الثاني أنّ الحالة الشيعيّة المعاصرة ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين. وينقسم أصحابه إلى رأيين أيضاً؛ يتزعّم الرأي الأوّل التيجاني السماوي ويسنده امبارك بعداش وهما معاصران. ويؤكّد السماوي أنّ الاثني عشريّة لم يعرفها التونسيون قبل ستينيات القرن العشرين. وينسب دخول المذهب إلى نفسه بعد رحلة إلى العراق. وشدّد على ذلك في أغلب كتاباته[7] وفي مداخلاته مع المنتديات الإلكترونيّة الشيعيّة. ومن أقواله في هذا الإطار: «..إن الشيعة انقرضت منذ عهد الفاطميين ولم يعد لها أثر، ومن ثم ظهرت من جديد، ولكن ليس بالطريقة الفاطمية التي كانت إسماعيلية باطنية، إنّما بالطريقة الحقيقية لمذهب الإمامية الاثني عشرية الجعفرية..»[8]. يميّز السماوي في هذا الخطاب بين مرحلتين من التشيّع وبين مفهومين أيضاً. إنّ التشيّع الفاطمي عنده غير التشيّع الاثني عشري، وما ظهر في القرون الهجريّة الأولى بصفة عامّة ليس ما ظهر اليوم. وهذا منطقي بالنسبة إلى شيعيّ عقائدي يعي معنى الاختلاف مع الإسماعيليّة ويدرك طبيعتها السياسيّة المتشدّدة مع المخالفين مهما كان قربهم من عقائدها. ولكنّ اطلاعنا على أغلب مؤلفات هذا الرجل توحي بأنّه في إحدى حالتين: إمّا إنّه لم يدرس تاريخ التشيّع في تونس بجديّة، وإمّا إنّ نرجسيّته الواضحة منعته من الاعتراف بما أورده القاضي النعمان في الحدّ الأدنى.

نجد أيضاً تأكيد أسبقيّة التيجاني السماوي إلى التشيّع الاثني عشري في مذكّرات الوجوه الشيعيّة الأولى في تونس مثل محمد الرصافي المقداد وغيره. وقال الرصافي بخصوص دور السماوي في نشر التشيّع الاثني عشري: «في أحد الأيام قصدت بيت ابن عمّي (يقصد امبارك بعداش)، ولمّا انتهيت إليه حدّثني قائلاً: هل تعرف شيئاً عن الشيعة؟ فأجبته بالنفي، فقال: لقد كنت ذهبت منذ مدّة إلى مدينة قفصة (مدينة تقع غرب مدينة قابس، وتبعد عنها 146 كلم، تمتاز بمناخ جبلي صحراوي يغلب عليه البرد الشديد في الشتاء والحرارة المرتفعة في الصيف) لمقابلة الشيخ التيجاني السماوي والتعرّف على المذهب الشيعي الذي اعتنقه منذ سنوات عن طريق أحد الإخوة العراقيين، وعاد إلى تونس وهو يدعو النّاس إليه»[9].

في المقابل ينفي عدد من الشخصيات الشيعيّة ممن التقيناهم ربط التشيّع المعاصر في تونس بالتيجاني السماوي، رغم الاعتراف له بالفضل، ولدوره بالأهميّة في الستينيات[10]. واعتبر عبد الحفيظ البناني في هذا الإطار، أنّ ما يروّجه السماوي ضرب من التفاخر والانتهازيّة، وشكل من أشكال تضخّم الأنا والدعوة إلى الذات قبل الدعوة إلى مذهب آل البيت. ورغم توافقنا معه حول نرجسيّة السماوي ومبالغته في إعلاء درجة مساهمته في ظهور التشيّع المعاصر، والتي يعود جزء مهم منها إلى نيل ثقة المرجعيات الشيعيّة الكبرى في العالم، فإنّ الوثائق الورقيّة والرقميّة والمقابلات التي أجريناها والإشارات التي رصدناها، تجعلنا نرجّح أسبقيّة التيجاني السماوي في اعتناق التشيّع الحديث والدعوة إليه والعمل على نشره في دائرته الضيّقة، وخاصة بمنطقة الجنوب التي مثّلت تاريخياً حاضنة للحركات الدينيّة الوافدة من المشرق[11]. ولا تزال إلى اليوم حاضنة للمرجعيات الدينيّة في السياسة والثقافة.

ففي المستوى الجغرافي تعدُّ هذه المناطق فضاءً بصفتين متمايزتين، ولكنّهما تنموان في التربة نفسها وفي المناخ ذاته. فمن جهة، يمثّل الجنوب التونسي مكاناً منغلقاً يصعب اختراقه لمُناخه الصحراوي الصعب وغير المغري للوافدين ولصعوبة الحركة البشريّة فيه واقتصارها على أبناء الجهة غالباً. ويعدّ من جهة أخرى، ممرّاً للوافدين المشارقة، سواء كانوا غزاة أو دعاة، فيسهم ذلك في جعل ساكنيه هدفاً متقدّماً في الحالتين. وقد أسهمت هذه الخصوصيّة في جعل هويّة أهل الجنوب ثابتة وصعبة التحوّل، رغم اتصافهم بالكرم وتميّزهم بحسن استقبال للوافدين الأغيار بالمعنى الاجتماعي الديني. وفي المستوى الاقتصادي تعاني هذه المناطق من التهميش لأسباب طبيعيّة وسياسيّة. وهذا ما يجعل أهلها متحفّزين دوما وميّالين وجدانيّاً إلى الحركات المعارضة مهما كانت خلفيتها. وفي المستوى الاجتماعي تقوم البنية الاجتماعيّة أساساً على نظام القبيلة ذي الآليات الشمولية بالمعنى السياسي، إذ يتقلّص فيه حجم إرادة الفرد واختياراته في أغلب المسائل العامّة والخاصّة، وهو ما يفسح المجال غالبا للأعيان باتخاذ القرار.

تسهّل هذه البنية النفسيّة أساساً اختراق هذه الجماعات، رغم حصانتها الظاهرة، ولا يحتاج المخترق في هذه الحالة غير إقناع زعيم الجماعة أو قائدها أو أحد أعيانها بفكرة حتى يضمن ولاء الغالبيّة. وقد أكّد لنا عدد من أبناء قفصة وتوزر وقبلّي دور هذه البنية الاجتماعيّة في التعامل مع الانتخابات بعد 2011[12]. وأكّدوا لنا عدد منهم، وهم أبناء المنطقة، أنّ الأحزاب الكبرى لا تعير اهتماما للناخب في تلك الجهات، بقدر ما تحرص على التعامل مع ذوي النفوذ بأساليب متنوّعة من أجل استمالة الأصوات وكسبها. وقد حقّقت أغلب المحاولات أهدافها بسبب هذا النظام الاجتماعي التقليدي الذي يستند إلى العرف الأخلاقي المقدّس لدى أبناء تونس في الجنوب. ويحتاج الاستنتاج حول هذه الظاهرة إلى التنسيب بطبيعة الحال؛ لأنّ الإجماع حول السلوك الجمعي يبقى نسبيّاً ومتحوّلاً وظرفيّاً.

لا يختص بهذه الميزة سكان الجنوب التونسي دون سواهم، بل توجد لدى أغلب الجماعات التي تعيش النظام الاجتماعي نفسه في المشرق والمغرب. وتحدّث ابن حوقل عن وشائج بين المشرق والمغرب في رحلته، فقال: «أهل قسطيلية وقفصة ونفطة والحامة وسُماطة وبشرى وأهل جبل نفوسة فشراة، إمّا إباضيّة من أصحاب عبد الله بن إباض أو وهبيّة من أصحاب عبد الله بن وهب. وتجاورهم من البربر زناتة ومزاتة قبيلتان عظيمتان، والغالب عليهم الاعتزال من أصحاب واصل بن عطا[ء]»[13]. ويقدّم هذا الخطاب صورة مغربيّة مستنسخة عن الحالة المشرقيّة المماثلة في بيئتها الجغرافيّة والبشريّة والتنظيميّة.

يربط الرأي الثاني ظهور التشيّع الاثني عشري في تونس صراحة وتحديداً بالثورة الإسلاميّة في إيران. وينفي أصحابه كل الأطروحات السابقة. ويعبّر عن هذا الرأي عماد الدين الحمروني[14] وعبد الحفيظ البناني[15]، رغم حديثه في كتاب مدخل إلى تاريخ التشيّع في تونس عن حالة شيعيّة قبل ثورة 1979م تميّزت ببساطتها وتماهت في شكلها مع التصوّف الذي سيطر على الحياة الدينيّة في إفريقيّة مع الحفصيين وتواصل بعدهم[16]. ويؤكّد الحمروني الربط بين التشيّع المعاصر في تونس والثورة الإيرانيّة في إيران، فيقول: «ظهر التشيع الحديث مع ظهور داعي الله الإمام السيد الخميني وأول ظهور كان في بداية الثمانينيات تحت اسم 'المسلمين السائرون على خط الإمام'»[17]. وقد نشط هذا التيار في رحاب الجامعة التونسيّة بالتوازي مع بقيّة التيارات المتديّنة، لكنّ تأثيره كان محدوداً ولم يستطع تثبيت هياكله وأطروحاته أمام المعارضة الرسميّة وغير الرسميّة التي واجهته. ووافق المِقداد طرح الحمروني، فقال: «لم ألتفت إلى حقيقة أهل البيت (ع) إلّا لمّا انتصرت الثورة الإسلاميّة في إيران»[18] وقال البنّاني في السياق ذاته: «لقد كانت هذه الثورة المباركة بمثابة الصدمة الإيجابيّة في أعماق الأمّة ووعيها وروحها»[19].

فسّر عماد الدين الحمروني العلاقة بين الحدث الثوري الإيراني والحالة المذهبية التونسيّة، فقال: «في سبعينيات القرن الماضي بدأت تظهر في تونس بوادر عمل إسلامي ثقافي دعوي متأثر بمدرسة الإخوان المسلمين، استطاع أن ينمو ويكبر حتى قامت الثورة الإسلامية المباركة بإيران وانتصرت وجاءت بالحكومة الإسلامية، وأصبح كل العالم يتحدث عنها. وقد تأثرنا بنهجها الثوري وبأطروحاتها السياسية والثقافية حتى كتب حينها زعيم التيار الإسلامي السنّي راشد الغنوشي مقالاً بعنوان 'الرّسول ينتخب إيران للقيادة'»[20]. وقال عماد الحمروني ما معناه بدأنا في تونس، باعتبارنا شباباً ملتزماً ننهل من كتب الشهيد مطهري والشهيد الصدر والشهيد علي شريعتي ما نستطيع أن نواجه به الفكر المادي والماركسي والبورجوازي، حتى كان الناس في تلك الفترة يصفوننا بـ'الخمينيين' وليس بــ'خوانجية'. فحركة الاتجاه الإسلامي هي أهم مظهر من مظاهر تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية على الساحة التونسية[21].

إنّ ما ورد في خطاب الحمروني له ما يدعمه في الواقع والتاريخ. فالرجل لم يبالغ حين تحدّث عن تأثير الثورة الإيرانيّة في الحركات السياسيّة المتفقة معها في الإطار العام والمختلفة في تفاصيل بلغت درجة مهمّة وأساسيّة أحياناً. فأغلب رموز الجيل الطلائعي لمعتنقي المذهب الاثني عشري يتحدرون من حركة الاتجاه الإسلامي. وحتى الذين لم يتشيّعوا انبهروا ومدحوا. والدليل ما كتبه راشد الغنوشي في لحظة حماسيّة، كان خطابه فيها بيعة بأسلوب قديم ومضمون حديث. وأكّد الحمروني ارتباط أفق التيار الإسلامي التونسي بمبادئ الثورة الإيرانيّة وشعاراتها، وجعله أحد تأثيراتها في المنطقة. ولئن لم يجانب الحمروني الثواب، فإنّ خطابه يمثّل وجهاً آخر من الحماس المذهبي الذي لم تنطفئ شعلته منذ عقود. وتستلهم حالته الوجدانيّة إيقاعها من وقع السجال المذهبي في النفوس، وقد تجدّد بمجرّد استفاقة الإسلاميين السنّة من الصدمة التي أحدثتها الثورة الإيرانيّة فيهم.

لئن كان الربط الآلي بين التشيّع التونسي والثورة الإيرانيّة حقيقة ثابتة في خطاب الحمروني، فإنّه يقوم ببعض المراجعات أحيانا محاولة منه لتأصيل الحالة الشيعيّة المعاصرة في التاريخ التونسي؛ وذلك من خلال وصلها بالوجود الشيعي الفاطمي في القرون الهجريّة الأولى. وصرّح في هذا السياق، أنّ التشيع في تونس وشمال إفريقيا عموماً قديم قِدم الإسلام، وأنّ أهل إفريقية أقاموا أعظم دولة إسلامية التزمت النهج الجعفري وفقهه تحت قيادة الفاطميين الذين تركوا اؐثاراً ماديّة بمنطقة الساحل والقيروان، وآثاراً اجتماعية وفكرية. وربط هذه المرحلة بدولة الموحدين التي تأسّست على أفكار المهدي ابن تومرت الشيعيّة، وقد عرضنا لها سابقاً[22]. يمارس الحمروني انتقائيّة في دعم أطروحته دون أن ينتبه إلى انزلاقه في تناقضات لا يمكن الجمع بينها إلّا في سياق التاريخ الديني الذي ينتج القصّاص نصوصه وأخباره بقطع النّظر عن منطق العقل وصرامته.

فما هو معلوم هو أنّ الاثني عشريّة لا تعترف بالإسماعيليّة؛ لأنّ الاعتراف بها ينسف أسسها الفكريّة التي تواصلت بتغيير مسار الإمامة من إسماعيل بن جعفر إلى أخيه موسى بن جعفر، ثم في ذرّيته وصولاً إلى محمّد المهدي الذي تنتفي الاثني عشريّة في ظل عدم وجوده أو التشكيك فيه مثلما تفعل الإسماعيليّة. وحتى إذا اعتبرنا أنّ ما ورد في خطاب الحمروني نصف اعتراف، باعتباره تحدّث عن الفقه الجعفري، والجماعة الإسماعيليّة تنتسب إلى جعفر الصادق وتبني عليه، فإنّ ذلك لا يدعم أطروحته ولا يخدمها مادام التشيّع المعاصر في تونس اثني عشريا ولا أثر لجذوره الإسماعيليّة التي عاشها التونسيون وافتخر الحمروني بها. ورغم هذا التذبذب الفكري بالنسبة إلى شيعي اثني عشري، فإنّه لا يجد حرجاً في الفخر بمرحلة تنفيه ولا تثبّته. والحجّة في ذلك ما فعله العبيديون مع الأدارسة في المغرب مثلاً.

يسترسل الحمروني، بمناسبة مقابلتنا معه، في صناعة ذاكرة شيعيّة تونسيّة بآليات التاريخ الديني، فيمتدح سلاطين الدولة الحفصية وارثي الموحدين، وينسب إليهم إقامة مجالس العزاء داخل قصورهم بمناسبة عاشوراء[23]. ولم يثبت لدينا هذا الأمر في وثائق يُطمأنّ لها. وبيّنا في الفصل السابق، أنّ الدولة الحفصيّة ورثت عن المعزّ بن باديس دولة سنيّة معادية للشيعة في نسختها الإسماعيليّة في الحدّ الأدنى، وأنّ دورها كان حاسماً في تحويل معنى التشيّع من السياق المذهبي الإيديولوجي إلى السياق الاجتماعي الطبقي. وحتى الدولة الحسينيّة التي قرّبت العلويين أكثر من دائرتها منعت بعض طقوس عاشوراء مثلما ذكرنا في الفصل السابق. ولا نعتقد أنّ التمييز بين الجماعات الشيعيّة كان واضحاً في تلك المرحلة من تاريخ الصراع المذهبي وضوحه في المرحلة الراهنة. وتأكّد لدينا من خلال الذاكرة التاريخيّة التونسيّة أنّ أقصى ما فعله الحفصيون مع الشيعة هو تخصيص العلويين منهم بنقابة تحفظ نسبهم ومكانتهم، هي نقابة الأشراف، ومثلهم فعل الحسينيون. ونذكّر بما توصّلنا إليه سابقا لنؤكّده، وهو أنّ التونسيين يحبّون البيت العلوي ويجلّونه، مثل أغلب أهل السنّة، لأسباب غير مذهبيّة ولا نستثني منهم رجال السياسة والفكر في تلك المرحلة.

يمكن أن ندرج موقفاً ثالثاً حول ظهور التشيّع الاثني عشري في تونس. وتأسّس هذا الظهور على حالات فرديّة جمع بين أصحابها التفكير العقلي في بعض المسائل الفقهيّة والأحداث التاريخيّة التي تحمل استفهامات مزعجة للإشباع النفسي الذي وجده التونسيون في التسنّن المالكي. وذكر الهاشمي بن علي، وهو أنموذج، في مذكّراته حول بداية انتباهه إلى الفكر الشيعي، أنّ أوّل ما طرحه عليه صديقه الشيعي في حلقة سجال مذهبي، حديث العشرة المبشّرين بالجنّة. وكان سأله: هل يُعقل أن يكون طلحة والزبيّر وعلي في الجنّة، وقد قتل بعضهم بعضاً وشتم بعضهم بعضاً؟ وهل يعقل أيضاً أن يكونوا في النّار؟[24].

وجد هذا السؤال وأسئلة أخرى طرحت على الهاشمي بن علي، طريقه إلى فكر الرّجل وجعله يراجع مجموعة من المسلّمات اليقينيّة الموروثة. لقد كان هذا السؤال بمثابة فيروس أصاب الملفات المخزّنة في الوحدة الدماغيّة، فاستوجبت الحالة تفريغاً وإعادة تخزين بعد المعالجة. وباعتبار أنّ تمثّل الظاهرات الدينية يخضع أكثر عند إعادة البناء إلى العاطفة والوجدان، وأنّ مضامينه تنحو إلى التعالي على النقد والتقييم، وأنّ نصوصه يقوم أغلبها على الخارق والعجيب والغريب[25]، فإنّ الطمأنينة التي عاشها الهاشمي بن علي وغيره يمكن زعزعتها في أيّة لحظة، إذا أجبرت على التقييم الحقيقي. وينتمي أغلب أصحاب هذا الرأي إلى النخبة التونسيّة، ومن بينهم المربي والموظف والفنّان، وبعض الرياضيين. وتمارس هذه الفئة من الشيعة تقيّة[26] مفرطة لاعتبارات مهنيّة بحتة قد توظّفها الجهات الأمنيّة ضدّهم. ويعتبر هذا التصنيف أحد أحدّ أسلحة الأنظمة السياسيّة ضدّ المعارضين عامّة.

تطرّق عماد الحمروني إلى هذه الحالة، وأكّد استفحال حالة التقيّة الإجباريّة التي يعيشها الشيعي المعاصر في تونس، باعتبار أنّه يواجه أنواعاً من التضييق منذ البداية بسبب تمذهبه. ولتجاوز الإشكال يجبر على كتم عقيدته ومذهبه خشية على رزقه وحياته. وقال في هذا الإطار: «تعرّض الكثير منّا في عهد النظام السابق للإيقاف والسجن ومنع السفر ولنا الكثير من الإخوة والأخوات من قضوا أكثر من عشرين عاما لاجئين سياسيين، وقد تعرضت شخصياً للإيقاف والتحقيق أكثر من مرة منذ 1989 إلى حدود 2009. وتحصّلنا على الكثير من الوثائق الأمنية في 2011 تثبت التتبعات الأمنية من طرف وزارة الداخلية لكلّ من يُشتبه في أنه شيعي أو حتى متعاطف مع الشيعة»[27].

لئن مارس الشيعة التونسيون التقيّة الإجباريّة، فإنّ بعضهم تجرّأ وتكلّم وأعلن هويته المذهبيّة تحت تأثير دوافع متعدّدة. ومن بينهم محمد صالح الهنشير[28]. وقال في المقابلة معه حول سبب تشيّعه: إنّه نشأ مسلماً سنّياً مالكيّاً، ونشط في حركة الاتجاه الإسلامي منذ بداية ظهورها ضمن الكوكبة المؤسّسة. وأنّه كان في سنة 1997م يلقي بعض الدروس في جامع الزيتونة. وعند اقتراب موعد الصلاة اتجه إلى الوضوء وكان بجانبه شاب، فسأله: كيف أتوضّأ. فشعر بالاستفزاز في البداية، ولكنّه تمالك وأجابه. ولكنّ الشاب قال: يا شيخ إن ما قلته لا يتطابق مع قوله تعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المَائدة: 6]. وذكر الهنشير أنّه أصيب بدهشة فوريّة بسبب مقارنة مضمون الآية بأركان الوضوء التي يقوم بها على المذهب المالكي الموروث. فسأل الشاب: ماذا تقصد بقولك هذا؟ فقال: ابحث عن الوضوء على مذهب آل البيت، وستجد الجواب. وأكّد الهنشير أنّه انصرف من يومها إلى البحث والمراجعة. فكانت المسألة تؤدي به إلى أخرى في المسائل الفقهيّة والتاريخيّة، وانتهى به الأمر إلى التشيّع[29].

يمكن أن ندرج ضمن هذا الرأي الثالث صنفا آخر يتمثّل في عدد من طلّاب العلوم الشرعيّة بالحوزات في لبنان وسوريا والعراق وإيران. وقد أتيحت لهذا الصنف فرصة المقارنة بين المدوّنتين السنيّة التي تربّوا في أحضانها والشيعيّة التي استقطبتهم. وقد مكّنهم ذلك من اكتساب زاد ثري يمكّنهم من إدارة حلقات النقاش بشيء من الاقتدار على التعليل والتفسير. ويمثّل هذا الزّاد أداة أساسيّة في كلّ نقاش حول مسألة بعينها. وقد أسهمت هذه الفئة في خلق حركيّة فكريّة من خلال عقد مناظرات أسهمت في مزيد التعريف بالفكر الاثني عشري، وجمعت له أنصاراً وأتباعاً[30].

إذا أردنا التقييم الشامل لما عرضنا من آراء حول ظهور التشيع الاثني عشري في النصف الثاني من القرن العشرين، وبعد الاطلاع على ما توفّر من مراجع ورقيّة أو ميدانيّة، نرجّح بقوّة أن هذه الحالة الشيعيّة المعاصرة في تونس ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنجاح الثورة الإيرانيّة؛ لأنّ تأثير هذه الثورة تجاوز الفضاءين الشيعي والإسلامي ليلفت إليه أنظار العالم والباحثين في التاريخ السياسي للجماعات والشعوب. ولكنّ هذا الإقرار لا يعني أنّ التشيّع الاثني عشري عند التونسيين تأسس على فراغ، أو أنّ مرجعيّته إيرانيّة خالصة، ولا علاقة له بالموروث الشيعي القديم، مع الأخذ في الاعتبار أنّ الثورة الإيرانيّة سياسيّة مذهبيّة ولم تقتصر على الجانب العقائدي فحسب. ووجب التأكيد أنّ الذاكرة الدينيّة التونسيّة طويلة المدى خزّنت صورة إيجابيّة للعلويين تمتدّ جذورها إلى أواخر النصف الأوّل من القرن الثاني الهجري، وكان من اليسير دغدغتها في العقود الأخيرة.

اصطلحنا على هذه الحالة في الفصل الثاني مرحلة التشيّع الوجداني الذي تأسّس على مجموعة من القيم والفضائل المرتبطة بصورة النبي محمد وبمكانته عند المسلمين عامّة، وتغذّت من الاضطهاد الممنهج الذي تعرّض له العلويون عبر تاريخهم. وأمّا تأثير الثقافة الفاطميّة، فانحصر في الجانب الطقسي مثل الاحتفال بذكرى عاشوراء وعيد الغدير؛ لأنّ الأثر الفكري لهذه الجماعة لا وجود له في الفكر وفي الأدب، باعتبارهما المرآة العاكسة لأسس الحضارة العربيّة والإسلاميّة في أغلب مراحلها. يمكن إذن الجزم أنّ هذه الذاكرة التاريخيّة مثّلت أرضيّة خصبة أسهمت في سرعة التفاعل مع الثورة الإيرانيّة بمرجعيّتها الاثني عشريّة ولكن بشكل محدود.

وأمّا رواية التيجاني السماوي حول تشيّعه في ستينيات القرن العشرين بعد رحلة حجّ قادته إلى العراق دون سابق ترتيب، فلا اعتراض عليها من حيث المبدأ؛ لأنّ الشهادات حولها متواترة. ولكنّ الاحتراز يتعلّق بتفاصيلها التي سردها السماوي بأسلوب قصصي فيه من الصنعة والتنميق والتخييل والمبالغة والتضخيم ما يجعل المتلقي يفكّر مليّاً في العلاقة بين الخبر والخطاب. ويجرّنا هذا المعطى إلى القبول برواية السماوي دون الإقرار بوجود حالة شيعيّة في ستينيات القرن العشرين. ونرجح أن يكون التشيّع في هذه المرحلة منحصراً في عدد محدود من الأشخاص يمارسون بدورهم التقيّة والحذر. ولا شكّ في أنّهم استغلوا قيام الثورة الإيرانيّة وآثارها داخل الفضاء الإسلامي وخارجه لتكثيف نشاطهم الدعوي وتوسيع قاعدتهم البشريّة.

ذكرنا سابقاً، أنّه ليس من السهل أن تستجوب شيعيّاً أو تحاوره في عقيدته بسبب تقيّة إجباريّة فرضها على نفسه، رغم تبدّل الأحوال السياسيّة في تونس. وبسبب هذه الصعوبة تركّزت لقاءاتنا مع المتشيّعين على النخبة، باعتبارهم يمثّلون الأغلبيّة في تقديرنا. وقد ظفرنا منهم بسبب آخر لتبنّي الاثني عشريّة. ويتمثّل هذا السبب في تأثير شخصيّة الإمام الخميني قائد الثورة الإيرانيّة التي تقاطع فيها السياسي بالدّيني. ففي الجانب السياسي ظهر الخميني في صورة البطل الحضاري والمناضل الأممي الذي نجح في تحدّي سلطة الشاه السياسيّة والعسكريّة، واستطاع أن ينتصر على ديكتاتوريته بحراك فكري واجتماعي لا يحمل على العنف ولا يأمر برفع السلاح والقتل، رغم ما لحق بالثورة من إعدامات وتصفيات للخصوم. وقد تجسّم هذا التأثير داخل إيران باصطفاف القوى الوطنيّة المعارضة خلف الخميني بما فيها الحركات اليساريّة الممتعضة من سلطة رجال الدين ودورهم. وخارج إيران كانت مواقف الخميني الداعمة للقضيّة الفلسطينيّة حاسمة في الانبهار به والتنويه بحركته الثوريّة التي اتخذت من دعم المستضعفين في الأرض شعاراً لها. وقد امتد تأييده في العالم الإسلامي امتداد القضيّة الفلسطينيّة بعبارة أحد المستجوبين.

في المستوى الديني عُرف الخميني بمكانة معرفيّة ميّزتها المسحة العرفانيّة. ويثبت الواقع أنّ ما يحظى به الرجل في الأوساط الشيعيّة عامّة، وفي الحوزات الكبرى في النجف وقُمْ قلّما حظي به غيره من الفقهاء والمراجع. وقد تجاوزت شهرته حدود الجماعات الشيعيّة غير المقلّدة له لتبلغ الجماعات السنيّة المتنوّعة. وقد عبّر المسلمون السنّة عن تلقيّهم هذه المكانة وتأثيرها بطرائق متنوّعة؛ ومن بينها التحوّل من المذهب السنّي إلى المذهب الاثني عشري، أو مباركة الثورة وشرعنتها والثناء على شخص الخميني في البداية[31]، أو بكثرة النّقد والتجريح في شخصه وفي أعماله الفقهيّة، إلى حدّ استعادت فيه الجماعتان أجواء السجال المذهبي الذي بدأ منذ القرون الهجريّة الأولى.

أسهمت هذه الردود والانتقادات، دون قصد، في مزيد لفت الانتباه إلى هذا الزعيم الشيعي في الأوساط السنيّة بدل التعتيم عليه وتهميش فكره وثورته. وأكّد لنا عدد من محاورينا أنّ إيقاع التشكيك في الرجل والدّعاية ضدّه قد تعطّلا بدرجة لافتة حين تواصل المسلمون السنّة معه مباشرة أو مع محيطه خلال وجوده في العراق وتركيا وفرنسا، أو عند اطلاعهم المباشر على مؤلفاته؛ لأنّ الدعاية ضدّه تركّزت على ما يريد أصحاب الدعاية قوله، ولا معنى للأمانة العلميّة في هذا السياق. وقد ساعد عدم التمكّن من الاطلاع على أفكاره في الاكتفاء بما قيل عنه، باعتبار أنّ أغلب مؤلّفاته باللغة الفارسيّة غير المنتشرة بين النخب الدينيّة العربيّة. وذكر محدّثونا أنّ كلّ خطأ حول أفكار الخميني تم اكتشافه في هذه المرحلة، كان في صالحه وضدّ المدّعين عليه.

لمسنا مدى تأثير شخصيّة الرجل ومكانته أثناء زيارتنا إلى المدن الشيعيّة العربيّة مثل النجف والكوفة وكربلاء وبيروت. وقد شاهدنا مئات آلاف الزوار في مرقده جنوبي طهران. وكان الحضور العربي فيه بنسب عالية من عرب الخليج ومصر وشمال إفريقيا. وقد لاحظنا لدى عدد منهم حالات من الانسجام الروحي والعاطفي مع صاحب المرقد، لا نرى مثلها إلّا في مراقد العلويين بالنجف وكربلاء. وأكّدت كتابات عدد من شيعة تونس دور شخصيّة الخميني في تشيّعهم الاثني عشريّ. وقال المقداد في هذا السياق «محيّا الإمام الخميني (ق. س) أخذ مجامع قلبي وشدّني إلى ذلك الرجل الذي غيّر التاريخ وطوّع دوران عجلته إلى حيث إرادة قائد وشعب ترسّخت فيهم تقاليد العشق الإلهي، فكان الدافع الخفيّ نحو البحث في تفاصيل الثورة وأصولها»[32].

إنّ ما ذكره المقداد في هذه العبارات الموجزة يتجاوز مجرّد الإعجاب أو التأثر، ليبلغ مستوى الافتتان بهذا الزعيم الشيعي المجدّد. فالخميني لم يعد بالنسبة إليه، وإلى غيره، زعيماً سياسيّاً أو فقيهاً عادلاً مشهوداً له بسعة المعرفة[33]، بل هو مرجع روحي تقاطعت صورته في الوجدان بصورة الإمام المعصوم في الأدبيات المعاصرة. ولا غرابة في ذلك، ما دام اسم الرجل يقترن بصفة الإمام دوماً، مع أنّ الخميني لا يدّعي العصمة، وإن كان البعض من مقلّديه يروّجون لهذه الميزة، ويعتقد البعض الآخر فيها تحت ضغط حماس روحي فيّاض تجاهه. ولا شكّ لدينا في أنّ هذا الحماس يرتبط في جانب مهم منه بالحالة الفرديّة والجمعيّة لأصحابه في صلب مجتمعاتهم، وبما يعانون من ضغوطات وما يحلمون به من وضعيّات.

في هذا السياق، تزامن بروز شخصيّة الخميني مع فقد الشعوب العربيّة الرئيس المصري جمال عبد الناصر سنة 1970م. فهذا الرجل أثّر ولا يزال يصدر ذبذبات التأثير في الشباب العربي المكبوت سياسياً واجتماعياً وفكريّاً، باعتباره نجح في تقمّص صفة الزعيم بمعنييها القديم والحديث، واستناداً إلى المرجعيّات العربيّة. لقد أحدث غياب عبد الناصر، وليس موته، فراغاً في قيادة العرب ضدّ عدوّهم الإسرائيلي. غاب عنهم ووقع هزيمة سنة 1967م لا يزال مؤثّراً ومدوّياً. غاب عبد الناصر وبقي العرب ينتظرون المنقذ، فظهر الخميني بشخصيته المركبة بالمعنى الإيجابي حسب معايير صورة البطل الحضاري في الذاكرة العربيّة. وبسبب هذا الفراغ، لم يتوقّف تأثير شخصيّة الخميني عند عامّة الناس، بل تجاوز ما كان منتظراً، فاقتحم أكثر الحصون مناعة، وباركته الجماعات السنيّة الرافضة لفكرة التشيّع أصلاً.

مثّلت المواقف الأوّليّة لقادة الاتجاه الإسلامي في تونس أنموذجاً للإغراء الذي مارسته شخصيّة الخميني. فبعض قيادات هذا التيّار «استبصرت» وتحوّلت إلى رموز شيعيّة مثل امبارك بعداش ومحمد الرصافي المِقداد والهاشمي بن علي وغيرهم. ومدح بعضهم الإمام وثورته، وقال فيه قولاً غير مسبوق في العلاقة بين المذهبين. ونستحضر في هذا الإطار، مقال راشد الغنوشي بعنوان «الرّسول ينتخب إيران للقيادة» ضمن مجلّة المعرفة الناطقة باسم الاتجاه الإسلامي. وجاء فيه «إنّ إيران اليوم بقيادة آية الله الخميني القائد العظيم والمسلم المقدام هي المنتدبة لحمل راية الإسلام...لقد جاءت الثورة الخُمينيَّة في وقت مهم جدّاً بالنسبة إلينا، إذ كنا بصدد التمرد على الفكر الإسلامي التقليدي الوافد من المشرق [...] فجاءت الثورة الإيرانية لتعطينا بعض المقولات الإسلامية التي مكنتنا من أسلمة بعض المفاهيم الاجتماعية اليسارية.. فلما جاءت الثورة الخُمينيَّة علمتنا درساً آخر من الكتاب العزيز لخّصته هذه الآية من سورة القصص {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ *وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ} [القَصَص: 5-6]، وجدنا فيها الحل وكأننا نقرأها لأول مرة.. شعرنا كما لو أن الفكر الإسلامي من قبل لم يقرأ هذه الآية، وكأنما هي كشف الخميني»[34].

لو أحصينا العبارات التي تعلّقت بقائد الثورة في خطاب الغنوشي لوجدنا عددها يتجاوز بوضوح عدد ما قيل في الثورة ذاتها. إنّه آية الله والقائد العظيم والمسلم المقدام والمنتدب لحمل راية الإسلام ومصدر الإلهام والتجديد، باعتباره أسلم بعض المفاهيم الاجتماعيّة اليساريّة والمنقذ الذي ظهر في الوقت الحاسم والمعلّم الناطق باسم القرآن. هذه هي صورة الخميني في فكر عدد من زعماء الإسلاميين السنّة وفي وجدانهم، فكيف لا تكون مثلما بيّنا في وجدان المستضعفين والمهمشين والمسحوقين في الأرض العربيّة؟. لقد قفز أحد الناطقين باسم الإسلام السنّي على كلّ الخلافات والتفاصيل المذهبيّة، وأعلن البيعة للإمام الخميني بعبارات ملكيّة خليفيّة، نسبة إلى الخلافة، تنسي الشيعة ما كابدوه منذ السقيفة. وقد بلغ إعجاب الغنوشي بالخميني حدَّاً جعله يماهي بينه وبين الثورة، فتطغى في خطابه صفة «الخمينيّة» على «الإسلاميّة»، رغم أنّ أصحاب الثورة ومريديها والمشاركين فيها لا يعتمدون هذه الصفة لسبب أو لآخر. ومن الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن في خضمّ هذا الإيقاع الحماسي: ما الخلفيّة التي تحرّك هذا الزعيم السنّي؟ ولماذا تراجع بسرعة وعاد إلى نقد الشيعة والتشيّع؟ وهل إنّ العلاقة بين المذهبين الإسلاميين الكبيرين محكومة بالسياسة أم بالشرع والنص؟

إجابة عن هذه الأسئلة، أكّد عماد الدين الحمروني ابن الاتجاه الإسلامي تأثير شخصية الخميني وثورته في قاعدتهم الفكرية والبشريّة. وذكر أنّ الجيل الطلائعي من المتشيعين فقهياً وعقائدياً جاؤوا من داخل حركة الاتجاه الإسلامي. وتحدّث من داخل التيار فقال: «كنا وقتها بالحركة منفتحين على كل المدارس الفقهية الإسلامية ولا نفرّق بينها. المدرسة الفقهية والفكرية الشيعية كانت غائبة بالمطلق في الساحة التونسية في تلك المرحلة، ومثّل بروز الثورة الإسلامية الإيرانية فرصة كبيرة لشباب تونس والجزائر والمغرب للتعرّف على هذه المدرسة الغنية، خصوصاً وأنها تحمل إجابات عقلية وفلسفية ودينية عجزت باقي المدارس الأشعرية والسلفية والعلمانية على أن تأتي بها. وهكذا بدأ الكثير من الطلبة والمثقفين في البحث عن أصول التشيع التاريخية والعقائدية والأصولية وصولاً إلى المباني الفقهية، فرحلة التونسي إلى التشيع هي رحلة بالأساس علمية ودراسية تقوم على الدليل والمنطق»[35].

لقد كان الوجدان والعاطفة حاضرين دوماً لدى شعوب شمال إفريقيا عامّة، والتونسيين خاصّة، في تعاملهم مع الأبطال الحضاريين سواء كانوا في مجال السياسة أو الدّين. إنّهم طيّعون وسريعو الترويض والاستقطاب بمناسبة كلّ اختلال لتوازن الواقع المألوف، وخاصّة في الحالات الثوريّة. وقد ورثوا هذه الروحيّة من البربر، باعتبارهم السكان الأصليين للمنطقة إذا لم يكونوا من أصلابهم. ونستحضر في هذا السياق الموقف من الرئيس العراقي صدام حسين (ت. 2006م) في حرب الخليج الثانيّة سنة 1991م. فرغم ما عُرف به الرجل من شدّة وحزم في التعامل مع الجماعات الإسلاميّة، فإنّ إسلاميي تونس ساندوه مساندة مطلقة في مواجهة قوات الحلف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكيّة. وكانوا يهتفون باسمه ويرفعون صوره في كلّ تحرّك، شأنهم شأن التونسيين والمغاربة عامّة. وهذا طبيعي باعتبار أنّ راشد الغنوشي مثلاً نشأ قوميّاً ناصريّاً قبل أن يستقطبه الإسلام السياسي. وتكرّر المشهد نفسه مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله منذ سنوات 2000 و2006م. فقد تحوّل الرجل إلى مركز جذب واستقطاب للشعوب العربيّة على تنوّع خلفياتها الدينيّة والمذهبيّة والإيديولوجيّة، بخطاباته الحماسيّة وحسن ظهوره ودقة اختيار عباراته. واستفاد بروز نصر الله أيضاً من غياب زعامات سياسيّة أو دينيّة سنيّة تتبنّى مطالب الشعوب العربية خاصّة في سياق تراجع الدور المصري وتعاظم الخلافات العربية-العربيّة.

حين نعود إلى إسهام شخصيّة الخميني في ظهور التشيّع الاثني عشري في تونس، فنقول إنّ تأثير الرجل واستقطابه للشباب التونسي والمغاربي لم يقتصرا على البلاد العربيّة، بل لاحقتهم أخباره إلى البلدان الغربيّة في فرنسا وإيطاليا تحديداً. ويعود ذلك إلى وجوده بفرنسا في المرحلة الحاسمة من الإعداد للثورة. وبناء على هذا المعطى التاريخي، افترضنا حصول تواصل بين دائرته ومعاونيه والجاليات العربيّة الموجودة بأوروبا، وخاصة من أبناء الشمال الإفريقي. ونجد تأكيداً لهذا الافتراض في الوثائق التاريخيّة، المصوّرة أو المكتوبة[36]، حول أنشطة الرّجل أثناء وجوده بفرنسا، وفي بعض الشهادات التي حصلنا عليها من تونسيين يعيشون في المملكة المتحدة.

نقول أيضاً، إنّ الحالة العاطفيّة الشيعيّة في تونس قديمة ومتوارية عن الرّقيب الرسمي والمتعدّد مثل السياسة والمجتمع والثقافة الفقهيّة، وإنّها تتجدّد مع كلّ قادح. وليس من قبيل الصدفة أن تحدّثت تقارير رسميّة وغير رسميّة عن اتساع الجغرافيا البشريّة للشيعة في شمال إفريقيا تزامناً مع المكاسب العسكريّة لحزب الله اللبناني بين 2000 و2006م في صورة مستعادة لما وقع سنة 1979م[37].

[1] - المقال مقتطف من كتاب التشيع في البلاد التونسية، لصلاح الدين العامري، الصادر عن دار مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع 2023

[2] - يمكن التوسّع حول عمل الحركات السريّة في الإسلام لدى، محمود إسماعيل: الحركات السريّة في الإسلام، القاهرة - بيروت، سينا للنشر ودار الانتشار العربي، 1998م، ط5

[3] - ينظر في هذه المسألة: وداد القاضي، «الشيعة البجليّة في المغرب الأقصى»، ص172

[4] - يتبنى هذا الموقف بعض المثقّفين التونسيين ممّن يرفضون إظهار تشيّعهم لأسباب متعدّدة وتعهّدنا لهم بضمان هذا الطلب.

[5] - أبو عبد الله بن عبد العزيز البكري، المغرب في ذكر بلاد إفريقيّة والمغرب، دار الكتاب الإسلامي القاهرة، د.ت، ص75

[6] - زرت مدينة نفطة وجمعت معطيات حول آثار التشيّع فيها. وسأصدرها في مقال.

[7] - التيجاني السماوي، ثمّ اهتديت، لندن، مؤسسة الفجر، 1414هــــ/1993م، ط1

[8] - من حديث السماوي لوكالة إباء الشيعيّة بتاريخ 20 آذار/مارس 2003م.

[9] - محمد الرصافي المقداد، نعم لقد تشيّعت وهذا هو السبب، قم- إيران، مركز الأبحاث العقائديّة، 1430هــــ/2009م، ط1، ص ص295-296

[10] - عبد الحفيظ البناني، مدخل إلى تاريخ التشيّع في تونس، ص84

[11] - يقول ابن حوقل عن جبل نفوسة الواقع في الأراضي الليبيّة وعن احتضانه مدينتين إحداهما «تُعرف بجادو ناحية نفزاوة وفيها منبر وجامع والجبل بأجمعه دار هجرتهم (يقصد الخوارج) على قديم الأيام لهم، وبه معشر الإباضيّة والوَهْبِيّة ثووا بعد عبد الله بن إباض وعبد الله بن وهب الرّاسبيّ؛ لأنّهما قدماه وماتا به ولم يدخل أهل هذا الجبل عهد الإسلام إلى سلطان ولم يسكنه غير الخوارج مذ أوّل الإسلام، بل مذ عهد علي عليه السلام وقت انصرافهم عنه بمن سلم معهم من أهل نهروان. وقد أقام من خلَفهم على منهاج سلفهم به وبمن قاربه من مدن الخوارج وهي نفزاوة»، كتاب صورة الأرض، ص95

[12] - سنصطلح عليه «حراك 17/14» للتخفيف.

[13] - أبو القاسم بن حوقل النصيبي، كتاب صورة الأرض، ص96

[14] - عماد الدين الحمروني شيعي تونسي مقيم بفرنسا ومؤسس جمعية أهل البيت الثقافية في تونس. باحث وناشط سياسي بباريس خبير في الجغرافيا السياسية والعلاقات دولية أستاذ محاضر بفرنسا وخارجها، مدير مركز جامعة المصطفى العالمية بفرنسا.نورد تعريفه ضمن ملحق الحوارات. أجرينا المقابلة معه بواسطة السكايب والمراسلة الإلكترونيّة ما بين 1 و15 آب/أغسطس 2015م لأنّه يقيم بفرنسا.

[15] - درس في الحوزة أكثر من عشر سنوات، ويدير دار الزهراء للنشر، ويرأس الجمعية الثقافيّة «المودة» ومؤسس جريدة الصحوة في 2012م. أجرينا المقابلة مع عبد الحيفظ البناني يوم الثلاثاء 01 حزيران/يونيو 2011 بمكتبه بتونس العاصمة.

[16] - عبد الحفيظ البناني، مدخل إلى تاريخ التشيّع في تونس، ص82. (النسخة منقحة باعتبارها نُشرت إلكترونيّاً سنة 2010م ثم ورقياً سنة 2011م).

[17] - من مداخلة للحمروني في منتدى «شيعة الجزائر» بتاريخ 8 أيار/مايو 2004

[18] - محمد الرصافي المقداد: بيّنات من الهدى، قم- إيران، مركز الأبحاث العقائديّة، 1429هــــ/2008م، ط1، ص39

[19] - عبد الحفيظ البناني، مدخل إلى تاريخ التشيّع في تونس، ص84

[20] - راشد الغنوشي (أبو يوسف)، «نبوءة تتحقّق: الرّسول ينتخب إيران للقيادة»، مجلّة المعرفة، ع 8، السنة 5، بتاريخ 1 أيلول/سبتمبر 1979م، ص19 و22

[21] - المقابلة مع عماد الدّين الحمروني بواسطة البريد الإلكتروني بين 1 و15 آب/أغسطس 2015م؛ لأنّه يقيم في فرنسا. يُنظر حول العلاقة بين التيار الإخواني والثورة الإيرانيّة: عبد الله النفيسي: «الإخوان المسلمون في مصر: التجربة والخطأ»، ضمن الحركة الإسلاميّة رؤية مستقبليّة : أوراق في النقد الذاتي، الكويت، مكتبة آفاق، 1433هــــ/2012م، ط1، ص ص248-250. وصدر بيان عن جماعة الإخوان المسلمين نصّه: بسم الله الرحمن الرحيم بيان دعا التنظيم الدولي للإخوان المسلمين قيادات الحركة الإسلامية في كل من: تركيا - باكستان - الهند - اندونيسيا - أفغانستان - ماليزيا - الفلبين - بالإضافة إلى تنظيمات الإخوان المسلمين المحلية في العالم العربي، وأوروبا وأمريكا إلى اجتماع أسفر عن تكوين وفد توجه إلى طهران على طائرة خاصة وقابل الإمام آية الله الخميني لتأكيد تضامن الحركات الإسلامية الممثلة في الوفد كافة، وهي: الإخوان المسلمون: حزب السلامة التركي، الجماعة الإسلامية في باكستان، الجماعة الإسلامية في الهند، جماعة حزب ماسومي في أندونيسيا، جماعة شباب الإسلام في ماليزيا، الجماعة الإسلامية في الفلبين وقد كان اللقاء مشهداً من مشاهد عظمة الإسلام وقدرته في الوقت اللازم على إذابة الفوارق العنصرية والقومية والمذهبية، وقد أهتم الإمام الخميني بالوضع وأكد لهم انه ظل دائم الثقة في منفاه بأن رصيده هو رصيد الثورة الإسلامية في العالم وهو كل مسلم موحد يقول: لا إله إلا الله، ومكانها ليس إيران فقط، ولكن كل دولة إسلامية يتجبر حاكمها على الدين الإسلامي ويتصدى لتيار حركته، وان الله الذي أكرم الخميني بالنصر على الشاه سوف ينصر كل خميني على شاهه، وقد أكد الوفد من جانبه للإمام الخميني إن الحركات الإسلامية ستظل على عهدها في خدمة الثورة الإسلامية في إيران، وفي كل مكان بكل طاقاتها البشرية والعلمية والمادية، وبعد أن أدى الوفد صلاة الغائب على الشهداء، عقد سلسلة من اجتماعات مع الدكتور إبراهيم يزدي، نائب رئيس الوزراء والمساعد الشخصي للإمام الخميني، والذي كان على صلة شخصية بأعضاء الوفد في المهجر وأثناء التحرك السري لتنظيم الإمام الخميني ضد قوات السافاك، وقد ركزت هذه الاجتماعات على التنسيق والتعاون القادمين، ثم زار الوفد رئيس الحكومة الدكتور مهدي بازركان في مقابلة خاصة، ثم أعلن الوفد في مقابلة تلفزيونية مؤثرة الدعوة إلى يوم تضامن مع الثورة الإيرانية في جميع أنحاء العالم الإسلامي وخارجه حيثما توجد الجاليات والتجمعات الإسلامية، وتقام صلاة الغائب على شهداء الثورة الإيرانية بعد صلاة الجمعة يوم 16/3/1979 وإنا لندعو جميع العاملين في الحقل الإسلامي في كل مكان أن يذكروا هذا اليوم، ويُذكروا به ويجعلوا من صلاة الغائب فيه رمزاً لوحدة الأمة الإسلامية ومصداقاً لقول الإمام الخميني: إن رصيد الثورة الإسلامية في إيران هو كل مسلم موحد يقول: لا إله إلا الله... الله أكبر لله الحمد. الإخوان المسلمون. مجلة المجتمع (الممثلة للإخوان المسلمين في الكويت) العدد 434 بتاريخ 25/2/1979م (منقول عن شبكة أنوار البصيرة - الأربعاء 12/03/2014).

[22] - المقابلة مع عماد الدّين الحمروني.

[23] - المقابلة مع عماد الدّين الحمروني.

[24] - الهاشمي بن علي، الصحابة في حجمهم الحقيقي، قُم - إيران، مركز الأبحاث العقائديّة، 1427هــــ/2006م، ط2، ص10 يُنظر أيضاً كتابه حوار مع صديقي الشيعي، قُم- إيران، مركز الأبحاث العقائديّة، 1427هــــ/2006م، ط2، ص21 وما بعدها.

[25] - يقول وحيد السعفي: «ولمّا كان العجيب والغريب إبداعا بشريّاً صرفاً، خضع وصف الأشياء لما يعرف النّاس. فالمشهد تكوّنه عناصر الطبيعة التي يضفي عليها المخيال زينة بديعة، فتنقلب جديدة، يظنّها النّاس من عالم غير عالمهم. فقصّة الخلق مثلاً تنطلق من تراب جامد أو طين لازب أو صلصال من حمأ مسنون لتضع على البسيطة إنساناً يفقه الدّين ويتوجّه إليه الخطاب المقدّس. فلا التراب غريب ولا الصلصال، ولا الإنسان ينكره النّاس. ومع ذلك فقصة الخلق من أجمل القصص التي احتواها العجيب والغريب في العالم المقدّس»، العجيب والغريب في كتب تفسير القرآن، ص714 ينظر في هذه الخصوصيّة: رودولف أوتو (Rudolf Otto)، فكرة القدسي: التقصّي عن العامل غير العقلاني في فكرة القدسي وعن علاقته بالعامل العقلاني، بيروت، دار المعارف الحكميّة، 1431هــــ/2010م، ط1، ص23

[26] - عرّف الشيخ المفيد التقيّة بأنّها «كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا [..] وقد أمر الصادقون - عليهم السلام - جماعة من أشياعهم بالكف والإمساك عن إظهار الحق، والمباطنة والستر له عن أعداء الدين، والمظاهرة لهم بما يزيل الريب عنهم في خلافهم»، اعتقادات الإماميّة، بيروت، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، 1414هــــ/1993م، ص137

[27] - المقابلة مع عماد الدّين الحمروني.

[28] - أصيل منطقة مدنين بالجنوب التونسي، وهو ناشط صحفي وإعلامي يقيم بالعاصمة. أجرينا الحوار معه يوم الجمعة 13 حزيران/يونيو 2015 بمدينة الحمامات.

[29] - المقابلة مع محمد صالح الهنشير. يُنظر أيضاً: كتابه هكذا فهمت الإسلام، ميقابيب للطباعة والنشر، 2011م، ط1، ص14-21

[30] - عبد الحفيظ البناني، مدخل إلى تاريخ التشيّع في تونس، ص84

[31] - موقف الإخوان المسلمين أنموذجاً.

[32] - محمد الرصافي المِقداد، بيّنات من الهدى، ص41

[33] - تسمّى الأعلميّة في الأدبيات الشيعية المعاصرة.

[34] - راشد الغنوشي، «نبوءة تتحقّق: الرّسول ينتخب إيران للقيادة»، مجلّة المعرفة، ص22

[35] - المقابلة مع عماد الدّين الحمروني.

[36] - أطلعنا بعض من تقابلنا معهم من شيعة تونس على أقراص مضغوطة تعرض حلقات للقاءات الخميني مع الشباب المغاربي في فرنسا.

[37]- اطلعنا على تقرير صادر عن مركز الأبحاث العقائديّة بتاريخ 19/01/2011م. http://www.aqaed.com/mostabser/guestbook/477