التحليل النفسي الأنثربولوجي والأدب والمحكي الديني


فئة :  مقالات

التحليل النفسي الأنثربولوجي والأدب والمحكي الديني

التحليل النفسي الأنثربولوجي والأدب والمحكي الديني

ملخص

يرومُ هذا البحثُ تسليطَ الضوء على نموذج تحليليّ في النقدي العربي المعاصر، استثمر مكتسبات التحليل النفسي في تفكيك النصوص الأدبية (السردية والشعرية)، والدينية، وفق رؤية نقدية بنائية. ونقصد على وجه التخصيص الناقد النفساني المغربي حسن المودن، الذي راكَمَ تجربة علمية مهمة في مقاربة المحكيات الأدبية من منظور التحليل النفسي المعاصر، بل وانتقل في أعماله الأخيرة إلى فتح آفاق مبتكرة في تفعيل المعرفة النفسانية والأنثربولوجية داخل حقل الدراسات الدينية؛ وذلك من خلال مقاربته للمحكي الديني، قصد استمداد واستنباط عقد، وتصورات نفسية من النصوص الدينية ذاتها، بعيدا عن العُقَد والمفهومات الجاهزة، وهو ما يساعد على فهم أعمق للإنسان، ولغته، وإنتاجاته الفنية والأدبية، وتجربته الوجودية.

مقدمة

أمدنا الفكر الحديث بجملة من المعارف العلمية التي أتاحت إمكانية فهم النصوص والخطابات الدينية وفق أساليب علمية، بعيدا عن الانفعالات العاطفية، والرؤية الثيولوجية. ومن التفسيرات التي تهمنا هنا تلك التي اقترحها التحليل النفسي الأنثربولوجي.

ربما، يعدّ رولان بارت[1] أول من اهتم بالتحليل النفسي الأنثربولوجي عند سيجموند فرويد، بعد عقود من سيادة النقد النفسي البيوغرافي. وتدخل أبحاث حسن المودن[2] في إطار إعادة الاعتبار لهذا المقترح التحليلي المركّب، والسعي إلى إعادة قراءة التراث السردي الإنساني، بما فيه السرد الديني، من هذا المنظور، وهو ما يتيح إمكانية استنباط مفهومات نفسانية جديدة، ومركبات عُقَدية مغايرة لتلك التي ابتكرها التحليل النفسي الكلاسيكي.

ولتحقيق هذا المسعى العلمي، يقترح علينا حسن المودن جملة من النصوص الدينية والأدبية، موضوعها المركزي "الإخوة الأعداء"، والأسئلة المؤطِّرة لهذا المسار البحثي الجديد: ما السؤال الذي ينبغي له أن يحظى بالأولوية: أسؤال الأب أم سؤال الأخ؟ ما الجريمة الأولى في أقدم المحكيات الإنسانية: جريمة قتل الأب، كما يدّعي التحليل النفسي، أم جريمة قتل الأخ كما تؤكّد العديد من النصوص الأسطورية والدينية والأدبية؟ ما العقدة الأصلية المتجذّرة في النفسية الإنسانية: عقدة أوديب في التراجيديا الإغريقية أم عقدة قابيل في القصص الديني؟

ويفترض الباحث أنّ قصّة النبي يوسف القرآنية هي عكس أسطورة أوديب التي مَسرَحها التراجيديّ الإغريقيّ سوفوكليس، وعندما عاد إلى قصّة قابيل وهابيل الدينية، افترض أنّ قتل الأخ هو الخاصية الراسخة في العائلة الأولى. أما في المحكي الإبراهيميّ، وعلاقة إبراهيم بابنيه إسماعيل وإسحاق، والصراع بينهما حول مَنْ يَحقُّ له أنْ يَرثَ الأب، فكان السؤال المركزيّ: أيتعلّق الأمر بعقدة أوديب أم بعقدة إبراهيم أم بعقدة قابيل؟

يمكن للمحكيات الدينية، والقرآنية منها، أن تكون نماذج لاكتشاف مكنونات الذات الإنسانية، والدوافع المتحكمة في نزعاتها وسلوكياتها، ولاستنباط مفهومات وتصورات جديدة؛ وذلك للتشابه القائم بينها وبين المحكيات الأسطورية والأدبية. وخير دليل على هذه الفكرة استمداد جاك لاكان بعض مفهوماته من الدين، من قبيل مفهوم "اسم الأب Le Nom du pére"، يقول لاكان: "(...)أن نخص الأب بالإنجاب أمر لم يكن إلا تحت تأثير دال خالص، فهو إشارة لا إلى الأب الواقعي، بل إشارة إلى ما علمنا الدين أن ندعوه: اسم الأب"[3]. وهذا الأمر هو الذي دفع ناقدنا إلى الانتقال من تحليل النصوص الأدبية السردية إلى تحليل المحكيات الدينية، لكن وفق رؤية تحليلية جديدة، تبتغي استمداد تصورات نفسية من النصوص ذاتها.

والفرضية المتحكمة في هذه المقاربة العلمية هي أن: "عقدة الأخوة" هي العقدة المركزية في المحكيات الإبراهيمية"، وليس "عقدة أوديب (Oedipus complex)" كما هو شائع. والسؤال الكبير الذي يؤطر دراسات ناقدنا لهذه المحكيات هو: أليس من الممكن أن نطبق القرآن على التحليل النفسي، فنستمد منه بعض المفاهيم أو التصورات النفسية التي تساهم في تطوير التحليل النفسي المعاصر؟

1 ــ فرويد والأدب*

واجه التحليل النفسي*، عندما أراد تطبيق مقولاته ومناهجه على الأعمال الأدبية والفنية، معارضة قوية من لدُن نُقاد الأدب والفن، الذين رأوا أن موضوع التحليل النفسي، الحَصْري، الأمراضُ النفسيةُ، ولا

يجوز معاملةُ الأدباء والفنانين معاملةَ المرضى النفسانيين؛ لأن ذلك يؤدي إلى الحطّ من قيمة الإبداع الإنساني، ويجعله مجرد تجلّ للانفعالات اللاواعية، والاستيهامات المرضية، إلا أن هذه المعارضة خفّت مع مرور الزمن، وتطور مناهج تحليل الأدب، وأصبح للتحليل النفسي موقع داخل خريطة مناهج النقد الأدبي.

ويُعد الطبيب النمساوي سيجموند فرويد(1856 ــ 1939) أول ناقد نفساني للأدب، فعلى الرغم من أنه اختص بالعلاج السريري للأمراض النفسية، وخاصة أمراض الجهاز العصبي، إلا أن العودة إلى حياته الشخصية، وأبحاثه العلمية ستكشف لنا مدى علاقته الوثيقة بالأدب، وعشقه الشديد له منذ الطفولة، وهو ما جعله يمتلك ثقافة أدبية واسعة وعميقة. ولم تقتصر اهتماماته بالأدب على المطالعة، وإنما تجاوزتها إلى القراءة التّفحّصية الدقيقة، والتي تمثلت في استنباطه لجملة من المُركبات العُقَدية من نصوص أدبية، أهمها "عقدة أوديب" التي استوحاها من أسطورة أوديب للمسرحي التراجيدي اليوناني سوفوكل(495 ق.م ــ 405 ق.م)، وهذا ما يفسر أن فرويد كان على وعي تام بأن الأعمال الأدبية العظيمة مصدر أساس لمعرفة أسرار النفس الإنسانية، والكشف عن مكنوناتها الغائرة.

وتبدأ الدراسة التحليلية النفسية للأدب عند فرويد من خلال الرسالة التي أرسلها إلى صديقه ويلهيلم فليس سنة 1898م، والتي أشار فيها إلى تحليل نفساني قام به تحت عنوان: "المرأة ــ القاضية" للشاعر والروائي السويسري كونارد فرديناند ماير(1825 ــ 1898)*، لتتلوها جملة من الأبحاث التي تؤكد فكرة أن الإنتاج الأدبي لا يُنتج دون تدخل اللاوعي في تشكيله؛ أي إن مصدر الإبداع كامن في الذات نفسها، في منطقة "اللاشعور ــ اللاوعي"*.

ويمكن توزيع التحليل النفسي للأدب عند فرويد إلى ثلاثة مستويات[4]:

ـــ المستوى الأول: اهتم فيه فرويد بالتحليل السريري للمبدع، وذلك بالتركيز على الشخصية المُبدعة، وتجلى ذلك في تحليله لشخصية فيدور دوستويفسكي(1821 ــ 1881)، مستثمرا في ذلك أبحاثه حول الحُلم والعُصاب، وهو ما جعله يهتم بالشخصية العُصابية لدوستويفسكي أكثر من أعماله الأدبية.

ـــ المستوى الثاني: انصب اهتمام فرويد في هذا المستوى على الأثر الذي يخلفه العمل الأدبي في نفسية المتلقي/القارئ، فمتلقي العمل الأدبي لا يتمايز عن المبدع(الرغبة المشتركة)[5]؛ إذ إنّ مُجمل المؤثرات اللاشعورية التي تحكمت في عمل المبدع يمكنها أن تتحكم في قارئه، ويصبح الأدب تلبية خيالية للرغبات اللاشعورية لقارئه؛ لأنه يحرك رغباته الدفينة، ويحقق حاجات نفسية مكبوتة ومقموعة، بل وقد يتجاوز الأدب استجابته الفردية هذه إلى استجابة لرغبات وحاجات "اللاشعور الجمعي"، فتكون له بهذا وظيفة اجتماعية، وثقافية، وحضارية.

ــ المستوى الثالث: يعد هذا المستوى أهم من المستويين السابقين؛ لأن فرويد سيمهد من خلاله الطريق إلى ما أصبح يُعرف عند جان بيلمان ــ نويل(1931م) بـ "التحليل النصي Text-analyse"*، الذي انتقل فيه من "لاوعي المؤلِّف" إلى "لاوعي النص". وتتمثل أهمية هذا المستوى عند فرويد في تركيزه على الأثر الأدبي في ذاته بعيدا عن المبدع، وحياته الشخصية، والنموذج المعروف في هذا الإطار دراسته التشريحية لرواية "غراديفا"[6] للكاتب والشاعر الألماني ويلهلم جنسن(1837 ــ 1911).

وهكذا، فإن فرويد كان "يؤسس، من خلال تحليله لقصة "غراديفا"، ومن خلال تحاليله للحلم والإبداع الشعري والذات المبدعة قراءة، هي قراءة داخل الأثر الأدبي باعتباره نشاط كائن إنساني، وباعتباره نتيجة هذا النشاط، نتيجة لما يقوله دون أن يظهر أن يجهله، هي قراءة لما يخفيه من خلال هذا الخطاب بالذات. وكل شيء له دلالته داخل الأثر، وما يستثير فرويد هي قذائف اللاوعي"[7].

2 ــ التحليل النفسي في الخطاب النقدي العربي المعاصر: حسن المودن أنموذجا

إن جُلّ الأبحاث العربية المنتمية إلى حقل النقد النفساني للأدب، والتي تناولت نماذج من الأدب العربي القديم والحديث، انطلقت من المُركّبات العُقَدية التي صاغها فرويد، ومن أشهر تلك الأبحاث: "أبو نواس الحسن بن هانئ" لمحمود عباس العقاد*، و"نفسية أبي نواس وشخصية بشار" لمحمد النويهي*، و"عقدة أوديب في الرواية العربية" لجورج طرابيشي*..

وعلى الرغم من أهمية هذه الأبحاث، والتي ساهمت في تأسيس نقد نفساني في النقد الأدبي العربي الحديث، إلا أنها كانت "تسعى إلى تطبيق عقد نفسانية جاهزة على النصوص وأصحابها"[8]؛ أي إنها لم تستطع الانفكاك من العُقَد التي صاغها فرويد في نظرياته التفسيرية، والبحث عن مركبات عُقدية جديدة من النصوص ذاتها، بعيدا عن الإسقاطية والجاهزية. والذي ينبغي التّنبه إليه هو أن فرويد استوحى جملة من العُقد النفسية* من نصوص ذات طبيعة سردية أدبية بالأساس، فعقدة أوديب، وعقدة نرجس، مثلا، مستنبطة من الأساطير الإغريقية، ومن هنا "فإنه ليس على التحليل النفسي أن يضيء الأدب، بل على الأدب أن يضيء التحليل النفسي باستمرار؛ ذلك أن الأدب هو الذي يتجدد على نحو مستمر، وهو الأقدر على تجديد التحليل النفسي وتطويره"[9]. فالأدب لا يتوقف عن الخلق والإبداع، وباستطاعته تقديم نظريات في النفس البشرية أعمق بكثير مما يقدمه التحليل النفسي، وهو ما يقرره فرويد نفسُه عندما يقول: "إن الشعراء والروائيين هم أعز حلفائنا، وينبغي لنا أن نقدر شهادتهم أحسن تقدير؛ لأنهم يعرفون أشياء... لم تتمكن، بعد، حكمتنا المدرسية من الحلم بها. فهم في معرفة النفس مُعلمونا نحن ــ معشر العامة ــ لأنهم ينهلون من موارد، لم نفلح، بعد، في تسهيل ورودها على العلم"[10].

من هنا، أزعم، أنّ ما يُميّز حسن المودن عن كثير من النقاد النفسانيين تَمثّلُه الواعي للتراث النفسي الفرويدي في علاقته بالأدب، ومتابعتُه المستمرة لما يُستجد في ساحة التحليل النفسي الغربي المعاصر، اطلاعا، وترجمة، وتحليلا. وتتخذ هذه المتابعة في أبحاث ناقدنا صيغة تفاعلية نقدية، فهو لم يكتف ببسط تصورات فرويد ومن جاء بعده من قبيل شارل مورون(1899 ــ 1966)، وجاك لاكان(1901 ــ 1981)، ورولان بارت(1915 ــ 1980)، وجان بيلمان نويل(1939)، وبيير بيار(1954) وغيرهم، وإنما تجاوزها إلى المُحاورة المعرفية النقدية التجاوزية، والتحليل التطبيقي التجريبي[11]. ومُنطلقه في ذلك ضرورة فتح آفاق جديدة أمام فهمنا للتحليل النفسي والأدب، والعلاقة بينهما، وتجاوز تلك التحليلات التي تنطلق من الجاهز النظري والمفهومي محاولة تطبيقه على الأعمال الأدبية. وإذا كان السائد تطبيق التحليل النفسي على الأدب، فإن ما بات جليّا اليوم هو: "أن الأدب لا يكف عن الإنتاج، ولا يكف عن الحديث، وهو الذي يقول الإنسان باستمرار، ويغير من زوايا المقاربة، ويجرب باستمرار أدوات ومناهج جديدة في قراءة الإنسان، وهذا ما يؤهله ليكون هو ما ينبغي تطبيقه على التحليل النفسي، هذا الذي لا يتطور إلا قليلا في قراءته للإنسان"[12].

3 ــ تحليل المحكي الديني من منظور نفساني أنثربولوجي

3 ــ 1 فرويد والدين

خصص فرويد جملة من الدراسات لتقديم تحليل نفساني للظواهر الثقافية(الفن، الأدب، الدين..)، إلا أن تفسيراته للدين أثارت الكثير من الإشكالات والجِدالات؛ وذلك بسبب نظرته السلبية للظاهرة الدينية، وهي نظرة ترتبط بالسياق التاريخي والمعرفي الذي عاش فيه، والمقصودُ طبيعةُ التفكير الذي أعقبَ عصر الأنوار، وساد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والذي كان ميّالا إلى رفض تجليات اللامعقول والتفكير الماورائي، والاعتقاد بأن الظواهر الطبيعية، والاجتماعية ــ الإنسانية ينبغي أن تُدرس دراسة علمية ــ عقلانية[13]، وهو التفكير الذي رسخته الوضعية؛ أي الاكتفاء بالعلم، والوسائل العلمية التجريبية لفهم العالم والوجود، مما أدى إلى "إلغاء الروح من علم النفس، والحيوية من علم الأحياء، والغائية من التطور"*.

وتفسيره للدين، ودوافع نشأته، نجدها واردة في أربعة كتب: الطوطم والتابو(1914)*، ومستقبلُ وهْم(1927)، وقلق في الحضارة(1930)، وموسى والتوحيد(1939)*. وتركز تفسيراته لسيكولوجيا الظاهرة الدينية على دراسة العلاقة بين عُصاب الوسوسة(الأفعال القهرية)، والطقوس والشعائر الدينية، وذلك من خلال منظورين اثنين: الأول أنثربولوجي نفساني، ونجده في دراستيه "الطوطم والتابو"، و"موسى والتوحيد"، والثاني نفساني، ونجده في "مستقبلُ وهْم" و"قلق في الحضارة".

ترتبط دوافع الممارسات الطّقْسية الدينية الموغلة في التاريخ بما يسميه فرويد "العُصاب الرّهابي الاستحواذي الجماعي"؛ أي الخوف من ارتكاب الخطيئة، ولهذا يربط الإنسان عبادته لمقدس ما بشعائر تعبر عن بنيته النفسية العُصابية، ويجعلها وسيلة دفاعية ضد ما قد يصيبه إذا تخلى عنها.

ويرى فرويد أن الشعور الديني المتجلي في الشعائر، والمعتقدات، التي تنظم علاقة الإنسان بما فوق الطبيعة(مقدس، آلهة، إله..) متجذر في اللاشعور، ووظيفته النفسية تقديمُ العزاء للإنسان؛ أي إن العزاء الديني يلبي رغبة عميقة تسكنه، وتتمثل في رغبته الطفولية في نيل حب وحماية أب وَدُود وقوي، ولهذا نجد في كثير من الأديان اسم الإله يقترن بكلمة "الرب ــ الأب".

ارتكزت تفسيرات فرويد، في بدايتها، على تأمل التقابل بين تحريم قتل الطوطم*، وتحريم الاتصال الجنسي بأي امرأة من عشيرة الطوطم نفسِها، وبين عُنصريْ "عقدة أوديب"؛ أي قتل الأب والزواج من الأم، ودفعه ذلك إلى أن يساوي الطوطم الحيوان بالأب، وهو ما تفعله الشعوب البدائية؛ لأنها تقدسه بوصفه الأب الأول للعشيرة، ثم استنتج أن قتل الأب هو نواة الطوطمية، وبداية نشأة الدين[14]. وسيتأكد عنده هذا الاستنتاج لمّا طالع كتاب "ديانة الساميين" لروبرتسون سميث*، الذي تحدث فيه عن وليمة الطوطم بوصفها جزءا رئيسا في الديانة الطوطمية. يُقتل الحيوان الطوطم، الذي كان من قبلُ مقدسا، مرة كل عام، في مراسم خاصة على مرأى من جميع أعضاء العشيرة، ويُلتهم ثم يُناح عليه بعد ذلك، ويعقُب الحداد احتفال كبير. وعندما تأمل فرضية "داروين" القائلة إن الناس في الأصل كانوا يعيشون قبائل، كل منها تحت سيطرة رجل واحد قوي، عنيف، غيور، بنى فرضية مفادها أن أب القبيلة كان طاغية لا حدّ لسلطانه، فاستولى على جميع النساء، ولأن أولاده كانوا غرماء خطرا عليه، فقد قتلهم أو نفاهم، إلا أن الأبناء تجمعوا ذات يوم، وائتمروا على أن يقهروا أباهم، ويغتالوه ثم يفترسوه، أباهم الذي كان لهم عدوا ومثلا أعلى في الوقت نفسِه. وبعد أن تمّ لهم ما أرادوا دبّ الخلاف بينهم، فعجزوا عن الاضطلاع بما ورثوا، ولكنهم استطاعوا تحت تأثير الإخفاق والندم أن يُصلحوا ذات بينهم، وينتظموا في قبيلة من الإخوة مستعينين بقوانين الطوطمية، التي تهدف إلى تجنب تكرار مثل هذه الفِعلة، وأجمعوا أمرهم على أن يتخلوا عن امتلاك النساء اللائي من أجلهن اغتالوا أباهم. وكان عليهم بعدئذ أن يلتمسوا نساء غريبات؛ وذلك هو الأصل في الزواج الخارجي الذي يتصل اتصالا وثيقا بالطوطمية. وما وليمة الطوطم غير إحياء ذكرى الفعلة الرهيبة التي نبع منها شعور الإنسان بالذنب(الخطيئة الأولى)، وكانت مبدأ التنظيم الاجتماعي، والديانة، والقيود الأخلاقية في آن واحد[15].

وسواء تصورنا أن هذا الحدث كان واقعة تاريخية أو لم يكن، فقد "أدخل نشأة الدين ضمن مجال عقدة الأب وأقامه على أساس الازدواج العاطفي الذي يسيطر على هذه العقدة. وبعد أن لم يعد الحيوان الطوطم يقوم مقام الأب، وأصبح هذا الأب ــ موضعُ الخوف والبُغض، والتقديس والغيرة في آن واحد ــ أصبح نموذجا أوليا للإله ذاته. وقام في نفس الابن صراع بين التمرد على أبيه وبين محبته له خلال محاولات متتالية للتوفيق بينهما، بغية التكفير عن فعلة اغتيال الأب من ناحية، وتدعيم المنافع التي أثمرت عنها من ناحية أخرى. هذه النظرة للديانة تلقي ضوءا قويا على الأساس السيكولوجي للديانة المسيحية، التي لا تزال وليمة الطوطم توجد فيها مع تحريف ضئيل على شكل التناول"[16].

في الفصل الأخير من كتابه "الطوطم والتابو" نجده يقرر أن الطوطمية في مختلف تجلياتها، التطور من شعائر وأعياد التضحية، والانتقال الذي يتلوه من الوليمة الطوطمية والتضحية إلى الدين، لا يمكن إعادتها إلى الرغبات الازدواجية المتناقضة فحسب، بل، أيضا، إلى جريمة قتل الأب، قائد الثلة الأولى. ولهذا، فإن فرويد ينسب لعقدة أوديب أهمية كبيرة في تطور البشرية كما في تطور الفرد[17].

والطوطميةُ أولُ أساليب النظام الاجتماعي في القبائل البدائية، وهي: "أسلوب اتحدت فيه بدايات النظام الاجتماعي بدين ساذج وسيطرة صارمة لعدد ضئيل من نواهي التابو. في ذلك النظام الكائن المقدس هو دائما أبدا حيوان، تدعي القبيلة أنها انحدرت منه. ومن الدلائل كثير يثبت أن كل جنس من الأجناس أيا كانت درجة رقمه قد مرّ لا محالة بطور الطوطمية هذا"[18].

والخاصية المميزة للنظام الطوطمي، والتي تجعل منه مدار اهتمام المحلل النفسي بصفة خاصة، هي حسب فرويد: "فحيثما سرى مفعول هذا النظام، اشتمل، بغير ما استثناء إجمالا، على قانون ينص على ما يلي: إن أعضاء الطوطم الواحد لا يجوز لهم أن يقيموا فيما بينهم علاقات جنسية، ولا يجوز لهم بالتالي الزواج فيما بينهم. ذلك هو قانون الزواج الخارجي، المتلازم والنظام الطوطمي، فلا يفارقه"[19].

في كتابه "مستقبل وهم"*، يرى أن الدين تعود جذوره إلى ضعف الإنسان، وتبعيته الأصلية للأب، وفي الرغبات المكبوتة لتلبية الحاجات الطفولية، التي تتجلى في صورة الله. وأن التعاسة والتبعية في مرحلة الطفولة، والخوف من غضب الأب وعقابه، تنتقل إلى حياة الكبار، وتحل محلها علاقة الفرد بربه. فعذاب القبر، والألم الناجم عنه، تُسكّنه وعود الآخرة. والتعاسة في الحياة تُعَوَّض باللذة المقدسة في الحياة الآخرة. إن الشعور بالتعاسة يدفع إلى الاحتماء بالأب في مرحلة الطفولة، وببديله ــ في مرحلة النضج ــ الأب السماوي القوي، الحيّ الحامي والمُعين. وهذه الرغبات والآمال المعقودة على الإله المعبود مجرد اقتباسات طفولية، تعكس رغباتنا الأساسية، ولأنها غير منسجمة مع الواقع، فهي فوق الخيال(وهم)، وشكل من أشكال الهذيان الجمعي Mass Delusion الذي تتشارك فيها الجماعة الاجتماعية المتدينة.

إن الهشاشة النفسية والاجتماعية التي يعاني منها الإنسان، تجعله دائم البحث عن ملاذ أبوي كلما تأزمت حالته، وهاجمته الخُطوب. ونعرف من خلال المعطيات الأنثروبولوجية أن بعض القبائل البدائية لا تمارس شعائرها الدينية، إلا عندما تواجه كارثة طبيعية تعيدها إلى الطفولة المحتاجة إلى الحماية الأبوية. هذه الرغبة في الحب، والرعاية، والحماية، التي تسكن الإنسان منذ العصور العتيقة دفعته إلى عبادة آلهة متنوعة، واعتناق أديان عديدة، المشترك بينها تقديم العزاء الرمزي له من خلال الوعد بالخلاص، والذي يسميه فرويد "وهما"، وهو عنده "الاعتقاد القائم على تحقيق الرغبة". والوهم(الاعتقاد) آلية بديلة عن الحقائق الواقعية المؤلمة. لذلك فهو نقيض للواقع، ويرتبط بالفكر السحري، الذي يعتقد أنه قادر على التحكم في الطبيعة، وإرغامها على مناقضة قوانينها. لهذا كان الإنسان البدائي يتسلى بالأساطير لا بالأفكار.

وإنسان الحضارة، حسب فرويد، هو أيضا مثل سلفه البدائي يتطلع إلى ملاذ وهمي آمن؛ لأن الحضارة بما هي حياة اجتماعية، في ظل مؤسسات بالغة التعقيد، تتطلب، للحفاظ على استمراريتها، قمعا للرغبات العدوانية واللااجتماعية المتجذرة في النفس، هذا القمع ينتج الإحساس بالإحباط، وهو ما يتطلب تعويضا رمزيا، وملاذا وعزاء، وهو ما يجده في الدين، لأنه ــ حسب فرويد ــ يقدم تبريرا مقبولا لتخلي الإنسان عن غرائزه العدوانية، ويضفي عليها دلالة أخلاقية نبيلة.

وفي آخر مؤلفات فرويد "موسى والتوحيد"* يذهب إلى أن موسى هو في الحقيقة مصري كان يعيش في قصر ملك مصري(أخناتون)، اهتدى إلى العبادة التوحيدية لإله اسمه آتون Aten، ثم نقل موسى هذه العبادة إلى العبرانيين، لكنهم لم يستطيعوا تحمل هذا الدين الصارم، فثاروا على هذا الزعيم، وقتلوه، فكانوا بذلك "يكررون في الواقع جريمة كانت، في الأزمنة البدائية، شريعة موجهة ضد الملك الإلهي، وهي عين الجريمة التي رأينا أن نموذجها الأصلي الأول يعود إلى حقبة أقدم أيضا"[20]. بعد ذلك أدرك اليهود أنهم بحاجة إلى الوحدة القبلية، والدين الجامع المشترك، فعادوا إلى الدين الموسوي(عودة المكبوت). فبعد "جهود متواصلة على مدى قرون وقرون، وبعد إصلاحين كبيرين، تم الأول قبل النفي إلى بابل والثاني بعده، تحقق تحول الإله الإثني يهوه، فصار هو الرب الذي كان موسى قد فرض عبادته على اليهود"[21].

وعودتهم إلى الدين الموسوي، على الرغم من صرامته وإكراهاته، غرضه أن يكونوا "شعب الله المختار وليحصلوا، ربما، على مزيد من المكاسب المماثلة"[22]. وإن استمرارية الشعب اليهودي، لا ترجع إلى القرابة الدموية، وإنما إلى الأثر الذي خلفه الدين الموسوي: "أولا، إلى أنه أتاح للشعب المشاركة في عظمة مفهوم جديد عن الألوهية، وثانيا، إلى أنه أكد أن الله(اختار) ذلك الشعب ومحضه دون غيره من الشعوب محاباته وآثره بحظوته، وثالثا، غلى أنه فرض على هذا الشعب أن يتقدم في طريق حياة الروح، وهو التقدم الذي أمكن له أيضا، علاوة عن أهميته في حد ذاته، أن يفتح الباب أمام احترام العمل الفكري وامام ضروب جديدة من نكران الدوافع الغريزية"[23].

والمستخلص من هذه الأبحاث الفرويدية أن الدين عُصاب وسواسي جماعي، من الآثار التي خلفها ذبح الأب في القبائل البدائية القديمة، والإحساس بالذنب الناجم عن ذلك، وعبادة الأب، الذي اكتسب صفة الألوهة، بوصفه تعويضا عن خطيئة القتل. إضافة إلى أن الدين تعبير عن الشعور البشري بالضعف، من مخلفات الخوف الطفولي، والحاجة المِلحاحة إلى حماية الأب، ورعايته، ودعمه.

3 ــ 2 القرآن بوصفه خطابا نفسانيا أنثربولوجيا

إن تجديد معرفتنا بالقرآن يقتضي النظرَ إليه بعيدا عن المسبقات اللاهوتية، والتقريرات التراثية التي تزخر بها مصنفات علوم القرآن، وعلم الكلام.. فطبيعتُهُ ليست مُتمايزة عن طبيعة النصوص والخطابات الأدبية، والأسطورية، وفي هذا السياق يقول محمد أركون: "إن الحكايات التوراتية والخطاب القرآني هما نموذجان رائعان من نماذج التعبير الميثي أو الأسطوري"[24]، والمقصود بالتعبير الميثي عرضُ فكرة أو تعاليم مجردة بصيغة مجازية أو شعرية، أو تقديمُ تصور مثالي رمزي عن حالة معينة من الحالات البشرية الماضية. فالمحكيات الدينية والأسطورية تؤرخ لوضعيات وحالات إنسانية في قالب سردي تشخيصي رمزي، ولهذا ينبغي تفكيك البنية التشخيصية الرمزية للوصول إلى الدلالات التصوّرية التي تختزنها وتعبر عنها، أي البحثُ عن قَصْديات جديدة لا تُدركُ من خلال التعبير الظاهر المباشر*. وهكذا ينبغي مقاربة المحكيات القرآنية بعيدا عن الحقيقة التاريخية لأحداثها وشخصياتها*.

إن رهبة الإنسان من العالم العُلوي، وانسياقه وراء الغامض من الظواهر مُحاولا تفسيرها، ورغبتُه الجامحة في كشف المجهول، وحيرتُه الشديدة أمام الموت، والنهاية الحتمية لوجوده.. كلها إشارات أنثربولوجية تعكسها الخطابات الأسطورية والدينية، وتُعبر عنها. والمحكيات القرآنية شكل تعبيري أنثربولوجي مشترك بين مجموعات بشرية متعددة، مع الاختلاف الحاصل في بعض تفاصيلها، والذي تقتضيه الخصوصية الثقافية واللغوية لكل مجموعة اجتماعية.

وإذا نظرنا إلى القرآن نظرة أنثربولوجية نفسانية، واعتبرناه إرثا إنسانيا مشتركا، فبإمكانه أن يُخبرنا أشياء كثيرة عن أحوال الإنسان الثقافية والنفسية، ويمكن لمحكياته(القصص القرآني) أن تكون نماذج لاكتشاف مكنونات الذات الإنسانية، والدوافع المتحكمة في نزعاتها وسلوكياتها. ولعل هذا الأمر هو الذي دفع الناقد النفساني حسن المودن إلى الانتقال من تحليل النصوص الأدبية السردية إلى تحليل المحكيات الدينية، لكن وفق رؤية مُبتَكرة، تبتغي استمداد واستنباط عقد وتصورات نفسية من النصوص الدينية ذاتها، بعيدا عن العُقَد والمفهومات الجاهزة، وهو ما يمكّننا من فهم أعمق للإنسان، ولغته، وإنتاجاته الفنية والأدبية، وتجربته الوجودية.

3 ــ 3 حسن المودن وتحليل المحكي الديني*

سعى حسن المودن في أبحاثه النقدية النفسانية إلى تجاوز النقد النفسي البيوغرافي[25] الذي امتد من ثلاثينيات إلى ستينيات القرن الماضي؛ لأنه نقد يفسر العمل الأدبي بالصراعات اللاواعية للمبدع كما يكشفها تاريخ طفولته، ويقيم علاقة بين المظاهر المرضية للمبدع ومحتوى الأثر الأدبي، ولهذا دعا إلى إعادة اكتشاف فرويد، والتركيز على الأبحاث التي درس فيها العمل الأدبي في ذاته بعيدا عن العوامل الخارجية (التحليل النصي ــ المحايث)، وخاصة تلك التي ربط فيها بين الإبداع والذات الإنسانية من منظور نفساني أنثربولوجي. وهذا المنظور هو الذي جعل فرويد يستنبط مفهوم "عقدة أوديب"، التي فسر بها البنية النفسية الأساس للإنسان، كما أنه تحكم في اعتباره الأساطيرَ بقايا مشوهة من استيهامات الرغبة عند الشعوب، وأحلاما عريقة عند المجتمعات القديمة.

وإن التحرر من مسلمات فرويد، وتوسيع مجال التحليل النفساني الأنثربولوجي، يقتضي استنباط عقد جديدة، حتى من تلك المحكيات والنصوص التي درسها فرويد نفسه، فحكاية "العُصبة البِدائية La horde primitive" التي اهتم فيها بمقتل الأب، وبالصراع بين الابن والأب، يمكن ــ حسب حسن المودن ــ أن نركز فيها على الصراع بين الإخوة الأعداء اللاحق لقتلهم أباهم، كما أن أسطورة أوديب التي استمد منها "عقدة أوديب"، معتبرا إياها جوهر الجهاز النفسي الإنساني، يمكن أن نهتم فيها بالصراع والاقتتال بين إيتيوكليس(القاتل) وأخيه بولينيس(المقتول) حول المُلك.

إن المحكيات الدينية المعنية بالدراسة لدى حسن المودن قصةُ إبراهيم وابنيه إسماعيل وإسحاق، وقصةُ قابيل وهابيل، وقصةُ يوسف. والفرضية المتحكمة في هذه المقاربة هي أن: "عقدة الأخوة"* هي العقدة المركزية في المحكيات الدينية"، وليس "عقدة أوديب" كما هو شائع. أما السؤال العام الذي يؤطر تحليلات الناقد لهذه المحكيات هو: أليس من الممكن أن نطبق القرآن على التحليل النفسي، فنستمد منه بعض المفهومات أو التصورات النفسية التي تساهم في تطوير التحليل النفسي المعاصر؟

3 ــ 3 ــ 1 قصة يوسف وإخوته

يحلل حسن المودن "قصة يوسف"[26] انطلاقا من عقدة الأخوة، والتي يرى أنها تتحكم في كثير من المحكيات الدينية وغير الدينية. ولكي يُدلّل على مُقترَحه التفسيري يَعقِد مقارنة بين المحكي القرآني والمحكي الأسطوري(أوديب)، مُبرزا التمايزات بينهما، وذلك لتجاوز التفسيرات السائدة التي تقرأ القصة القرآنية اعتمادا على "عقدة أوديب" الفرويدية.

الجامعُ بين الحكايتين وُجود حقيقة مخفية(نبوءة المُنجّمين ورؤيا يوسف)، سيكشفُ عنها مسارُ الأحداث ومآلاتُه. فنبوءة المنجمين في أسطورة أوديب ستتحقق بقتل الأخير لأبيه وزواجه من أمه. أما في القصة القرآنية التي تبدأ برؤيا مجازية رمزية: "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ(4)"، فسينكشف مدلولها في آخر القصة: "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(100)".

أما الاختلافات التي يقف عندها الباحث بين الحكايتين فعديدة، منها أن أسطورة أوديب تتأسس على ثالوث: "الطفل ــ الأب ــ الأم"، مع العلاقة الجوهرية بين الابن والأم، والحضور الشهواني للأم ــ الزوجة التي تشكل موضوع رغبة جنسية مُحرّمة. أما المحكي القرآني، فيتأسس على ثالوث مُغاير: "الطفل ــ الأبوان ــ الإخوة"، مع العلاقة غير الجوهرية بين الطفل والأم، فحضور هذه الأخيرة مُقترن بالأب وغير منفصل عنه، حيث تحضر رمزيا بداية القصة(الشمس) إلى جانب الأب(القمر)، وتحضر ماديا آخر القصة صحبة الأب أيضا. ويرفض الباحث المطابقة بين امرأة العزيز بحضورها الشهواني وجوكاست(أم أوديب)، على خلاف بعض الدارسين النفسانيين، رغم أن زوليخة كانت بمثابة أم ليوسف بالتبني: "وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(21)".

وإذا كان مصدر الرغبة في المحكي الأسطوري هو الطفل(أوديب)، فإنه في المحكي القرآني امرأةُ العزيز. وأوديب متّهم بزنا المحارم، أما يوسف فهو متّهم، ظلما وباطلا، بإغراء امرأة العزيز، وهو ما ستكشف عنه هذه الأخيرة بنفسها: "قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ(51)"، أضف إلى ذلك أن يوسف سيفضل السجن على تلبية رغبتها: "قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ(33)".

وعلى الرغم من أن العلاقة بين الطفل والأب مركزية في المحكيين معا إلا أن طبيعتها مختلفة، فأوديب غير مرغوب فيه قبل الولادة وبعدها، أما يوسف فمرغوب فيه، وتجمعه علاقة حبّ وودّ مع أبيه، وهي التي كانت سببا في كرهه وإبعاده من قبل إخوته: "إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (8)". وهكذا، فالعلاقة ومساراتها تختلف جوهريا بين المحكيين، ففي الأسطورة تبدأ بانفصال(كره وإبعاد) وتنتهي بانفصال(القتل والزواج من الزوجة ـــ الأم)، أما في القرآن فتبدأ باتصال(الحب والمودة) وتنتهي باتصال(استعادة البصر والاجتماع ورفع المقام). ولهذا يرى المودن أن القضية التي ينبغي الالتفات إليها علاقةُ يوسف بإخوته لا بأبويه، والتي ستبدأ بانفصال(حسد وكره ثم إبعاد)، ولكنها ستنتهي باتصال(الاعتراف بالذنب ــ الصفح ــ الاجتماع وإصلاح العلاقة الأخوية)؛ أي إن العقدة ستنفك وتؤول العلاقة إلى ما يُفترض أن تكون عليه منذ البدايات. وهنا نطرح سؤالا: هل يجوز لنا الحديث عن "عقدة الأخوة" في المحكي القرآني إذا أخذنا بعين الاعتبار مآلات الأحداث*؟

ومن التمايزات اللافتة للانتباه أن التموقع السلطوي ليوسف قاده إلى لمّ شمل الأسرة، من خلال الاجتماع بالأبوين وإصلاح العلاقة مع الإخوة. أما بالنسبة إلى أوديب، فأدى به إلى قتل أبيه والزواج من أمّه. ونودّ هنا أن نطرح تساؤلا: هل زواج أوديب من زوجة أبيه، مع جهله بأنها أمّه، يجعل الأمر "عقدة نفسية"، ورغبة جنسية مكبوتة موجهة نحو الأم(الجنس المغاير)، خاصة أنه لمّا علم بالأمر عاقب نفسه؟ وإذا اعتبرنا هذه عقدة نفسية تتحكم فيها رغبة محرمة، فكيف سنفسّر، نفسانيا، تزويج آدم بناته من أبنائه؟ وحول هذا قال المعري:

إذا ما ذكرنا آدما وفِعَــــــــــاله      وتزويجه لابنيه بنتيه في الخَــنَا

علمنا بأن الخَلْق من نسل فاجر      وأن جميعَ الخلق من عُنصر الزنا

وفي ختام تحليله لقصة يوسف يخلصُ الباحث إلى جملة من الاستنتاجات، أهمها قوله: "إذا كانت وظيفة الأمومة هي الرعاية، وخاصة في مراحل النمو الأولى، وإذا كانت وظيفة الأبوة فصلك عن الأم والدفع بك إلى العالم، فإن وظيفة الأخوة هي أن تتعلم التواصل مع الآخرين، وبناء روابط عائلية واجتماعية، ومعالجة العناصر السلبية المدمرة(المنافسة، الغيرة، الكراهية، العنف..)، أي أن تتعلم تدبير العلاقة بين الذات والغير، داخل نسق من الروابط الاجتماعية والثقافية والرمزية، لما فيه خير الجماعة وصلاحها".

3 ــ 3 ــ 2 قصة إسماعيل وإسحاق

العقدة المتحكمة في المحكي الإبراهيمي، حسب عبد الكبير الخطيبي[27]، "عقدةُ إبراهيم ــ الأب" وليس "عقدة أوديب"، حيث يقتل الابن أباه كما في المحكي الإغريقي لسوفوكليس؛ فإبراهيم أراد التضحية(تقديم قربان لإلهه) بأحد ابنيه(إسماعيل عند المسلمين وإسحاق عند اليهود)، ثم إن ما فعله بابنه إسماعيل، عندما طرده ونفاه إلى الصحراء، يوحي، رمزيا، إلى القتل. وهو ما يوافق عليه المودن بقوله: "أفترض أن النبي إبراهيم قد يكون سبب الصراع، لأنه هو من فاضل بين ابنيه وميّز أحدهما عن الآخر، وهنا يمكن أن نتحدث عن عقدة إبراهيم". ولكن تحول إبراهيم إلى موضوع صراع بين الإخوة، وامتداده إلى العصر الحديث، قاده إلى صوغ فرضية أخرى مفادها أننا أمام "عقدة الأخوة"؛ أي صراع إسماعيل وإسحاق حول البُكورة، أو حول من يحق له إرث الأب(أبرهام)، وهي العقدة التي يمكن أن نفسر على ضوئها الصراع العربي الإسرائيلي.

وما يسميه الخطيبي "عقدة إبراهيم" هو نفسه ما يسميه حسن المودن "عقدة الأخوة"؛ ذلك أن الصراع قائم بين الإخوة حول ميراث الأب، وأن هذا الميراث هو سبب صراع سارة(ساراي) وهاجر، وطرد إسماعيل وأمه. ويؤكد المودن على ضرورة الاستماع إلى إسماعيل، لأن في الاستماع إليه بحث عن "المعنى الخصب" المانح للحياة، ذلك أن هاجر كانت قادرة على الإنجاب عكس سارة، ثم لأن اسمه يعني: "الله يسمع/ يشمائيل"، فإذا كان الله قد فضل الاستماع إليه فحري بنا أن نستمع إليه، علّنا نكشف عن أشياء جديدة لم يكشفها الاستماع إلى إسحاق.

إن "عقدة الأخوة" التي تفسر العلاقة المتوترة بين الإخوة عندما تسود نزعات الحسد، والحقد، والمنافسة، لا تنفصل عن "عقدة الأبوة"، ولا عن "عقدة أوديب"، لأن رغبة الابن في قتل أبيه ــ ولو رمزيا ــ قد يكون دافعها تفضيل الأب ابنا على آخر(الميل العاطفي)، سواء أ كان التفضيل معنويا(اهتمام ومحبة) أو ماديا أو هما معا.

ثم ألا يمكن الحديث عن "عقدة الزوجة ــ الأم" في صراع إسماعيل وإسحاق حول البُكورة، وهو ما يشير إليه المودن، معلقا على تحليل عبد الكبير الخطيبي، بقوله: "(...)ولم يوضح الدور الذي كانت تؤديه الزوجة/الأم، وخاصة سارة في ميلاد الصراع بين الأخوين حول من يحق له أن يرث أباه إبراهيم: أهو الابن الأكبر، ابن الأَمَة هاجر، أم هو الابن الأصغر، ابن الحُرّة سارة؟"؛ أي إن الباحث يُقر بالدور التحريضي الذي قامت به سارة، وتدخّلها قصد الفصل بين الأخوين، من خلال دفع إبراهيم إلى إبعاد إسماعيل، وجعل إسحاق الوريث الشرعي الوحيد لاسم أبيه وميراثه.

وهكذا تتّضح صعوبة تفسير النفس البشرية ودوافع سلوكياتها بعقدة واحدة كما هو سائد في الدراسات النفسانية، وإنما ينبغي تفسيرها وفق مسار يأخذ بعين الاعتبار تعقيداتها، خاصة أن المحلل النفساني يتعامل مع اللاوعي محاولا تفسير تمظهراته في التفكير والسلوك من خلال إبراز دوافعها التي تبقى خفية وعصية على التحديد، وعند اشتغاله على النصوص والخطابات ذات الطبيعة الأدبية والرمزية فإنه يهتم بلغة واعية لكنها تستبطن اللاوعي، ويكون محكي هذه اللغة خاضعا لرقابة الوعي.

3 ــ 3 ــ 3 قصة قابيل وهابيل

لا نجد توافقا حول أسباب قتل قابيل لأخيه هابيل في التراث الديني القديم، وسنشير بإيجاز إلى هذه الاختلافات السردية؛ لأن التفسيرات والتأويلات الأنثربولوجية والنفسانية لهذا المحكي لا يمكن فصلها عن السردية التي ينطلق منها كلّ مُحلل. فإذا بدأنا بالتراث اليهودي، سنجد في الفصول الأولى من العهد القديم[28] أن قابيل أو قايين(معنى الاسم حداد) الذي كان يحرث الأرض، يُقرب للرب تقدمة "من ثَمر الأرض". أما هابيل(معنى الاسم نسمة أو ابن) الذي كان "راعي غنم"، فقد قدم للرب "شيئا من أبكار غنمه ومن سِمانها". فقبل الرب تقدمة الأخ الأصغر البدوي(هابيل)، ورفض تقدمة الأخ الأكبر الحضَري(قابيل)، فوثب الأخير على "هابيل أخيه فقتله". فقال له الرب: "والآن فملعون أنت من الأرض التي فتحتْ فاها لتقبل دماء أخيك من يدك. وإذا حرثت الأرض، فلا تعود تعطيك ثمرها، تائها شاردا تكون في الأرض"، ثم "خرج قايين من أمام الرب وأقام بأرض نُودَ شرقيّ عَدْن".

والمُستنتج من الرواية التوراتية أن السبب راجع إلى جودة القربان الذي قدمه هابيل، ورداءة قربان قابيل، وهو ما يشير إليه الكلام الموجه إلى هذا الأخير: "إذا أحسنتَ عملا، رفعتُ شأنك، وإذا لم تُحسن عملا، فالخطيّة رابِضة بالباب وهي تتلهّف إليكَ، وعليكَ أن تسودَ عليها".

أما الرواية القرآنية[29] فتقول: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)".

والملاحظ أنها رواية مُشابهة للرواية التوراتية، إلا أن سبب القتل غير واضح فيها، إلا إذا أوّلنا قول هابيل: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" بأنه إشارة إلى إيمانه بالله، وجحود قابيل وكفره.

وإذا طالعنا المرويات الإسلامية فسنجد تباينات بينها، فمنها ما يُرجع السبب إلى أن "الله" أوحى إلى "آدم" أن يجعل من "هابيل" وصيّا له، وأن يمنحه العلم، ومواريث النبوة التي أودعها إياه، فلما استجاب لأمر ربه غضب "قابيل"، ورفض موقف أبيه، ولكي يبرهن له آدم بأن القرار صادر من "الله" أمره وأخاه أن يقربا قربانا له، ومن أحرقت النار قربانه فهو الأَوْلى بالكرامة والوصيّة عند "الله"، وحين أحرقت النار قربان "هابيل" اشتد غضبُ "قابيل" وحنقُه على أخيه فقام بقتله.

ومنها ما يُرجع السبب إلى أن "الله" أوحى إلى آدم أن يُزوّج كلّ واحد منهما توأمة الآخر، وكانت توأمة قابيل أجمل، واسمها "إقليما" فحسد عليها أخاه وسخط، فقال لهما آدم: قرّبا قربانا، فمن أيّكما تُقبّل زُوّجها، فقُبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل حسدا وسخطا فقتل أخاه.

وتعد هذه الحادثة ــ قتل قابيل لأخيه هابيل ــ أول جريمة حسب المحكيات الدينية الإبراهيمية، ويعدها بعض الباحثين* الجريمة المؤسسة للعنف البشري. والقصة رمزية تكشف تلك الرغبة الجامحة التي تسكن لاوعي الإنسان في علاقته بأخيه، والتي تدفعه إلى التخلص منه عندما تطغى نوازع الحسد، والحقد، والمنافسة، وتختفي قيم المحبة والتعاون والتعايش. ولا يمكن فصل تلك النوازع عن الأب الحاضر(آدم) الذي يُفترض أن يكون له دور تربوي في تدبير العلاقة بين الإخوة والأخوات.

وهناك تشابه بين محكي "العصبة البدائية" ومحكي آدم وابنيه، ففيهما معا يمكن الحديث عن "عقدة الأخوة"، و"عقدة الأب"، أيضا، فآدم هو الذي شرّع "قانون منع نكاح المحارم، والملاحظ هو أن هذا القانون لا يتعلق بالأم، بل بالزواج بين التوأمين(...)، فرفض قابيل التبادل هو رفض لهذا القانون الموصوف بأنه "رمزي""[30]. كما أن آدم ــ حسب بن سلامة ــ لم يفرض تطبيق هذا القانون مُحيلا ابنيه على إلهه(أبيه)، فهو قد "حطّ من قانون التحريم الذي سنّه(...)، وأحل محله منطق التضحية والقربان.."[31].

وإذا قرأنا الحكايتين أنثربولوجيا فإنهما تشيران إلى الوضعية الاجتماعية للإنسان البدائي، وطريقة تدبيره للمسألة الجنسية؛ أي إنهما تحيلان إلى التنظيم الاجتماعي الأولي، والذي لا يمكن فهم الكيفية التي تأسس وفقها إلا إذا افترضنا قاعدة "تحريم انتهاك المحارم"، كما يفسر ذلك كلود ليفي ستراوس بقوله إن هذا التحريم: "هو الذي يعمل على إذابة الشروط البيولوجية للتزاوج والإنجاب، ويسمح للعائلات باستمرار أن تتحد في شبكة مصطنعة من المحرمات والإلزامات. هناك فقط يمكن أن نُموضع الانتقال من الطبيعة إلى الثقافة؛ أي من الشرط الحيواني إلى الشرط الإنساني، وبهذا فقط يمكن أن ندرك تمفصلهما"[32].

ونلفت الانتباه إلى مسألة نفسانية أنثربولوجية أخرى، وهي أن هذه الميثة(myth) التوراتية تعكس حقدا بدويا تجاه الحضارة، فالرب* يرفض التقدِمَة الزراعية الناتجة عن فعل حضاري هو الاستقرار، وحِراثة الأرض وزراعتها، لكنه يقبل بالمقابل التقدمة الحيوانية التي يقربها أحد الرعاة، والذي يرمز إلى البداوة والترحال. فقتل قابيل لهابيل تعبير عن عدم قدرة البداوة الصمود أمام المد الحضاري الصاعد، أما طرد الرب لقابيل فتعبير عن حقد المنهزم أمام المنتصر.

إن القصة التوراتية تصوير رمزي لحالة مجموعة من القبائل البدوية الطارئة، والمُحاطة بشعوب متحضرة مستقرة، عريقة في الحضارة، والصراع بين الطرفين لم يكن في صالح البدويين، ولذلك سعوا إلى تشويه الحضريين، والحط من شأنهم من خلال "الميثولوجيا ـــ التعبير الميتافيزيقي الرمزي"، وهو تعويض عمودي على فشل أفقي.

خاتمة

وأخيرا، ألا يمكننا الدفع بالتحليل النفساني الأنتربولوجي إلى منطقة لم تحظ بعدُ باهتمام الباحثين النفسانيين الذين اشتغلوا على المحكيات الدينية، كما تمظهرت في الخطابات اللغوية النبوية، وأقصد تحديدا منطقة "الإله ـــ الرب"، ليس بوصفه مُرسِلا ميتافيزيقيا للخطابات النبوية، وإنما بوصفه عنصرا بنيويا فاعلا داخل تلك المحكيات. وإذا تعلّق نظرنا بالمحكيات الإبراهيمية، خاصة، فلا يمكننا أن نغض الطرف عن هذا العنصر المُحرك لها، والعامل داخلها. وإذا كان الإله بصفته الأبوية حاضرا في اليهودية والمسيحية بشكل جليّ، فلا يمكن استبعاده من الإسلام، عكس ما يرى فتحي بن سلامة عندما أشار إلى أن القرآن قد فصل الإله عن الأبوة والبنوة، إذ أن الانفتاح على المقاربة الأنثربولوجية التاريخية للديني في المجتمعات العربية القبلية التي انبثق القرآن داخلها، تمنحنا إمكانية إعادة النظر في مفهوم "الله ـــ الرب" القرآني[33]. فإذا اعتبرنا، مثلا، أن سبب قتل قابيل لهابيل جودةُ القربان المقدم إلى الإله ورداءته، أو الإيمان والكفر، ألا يدفعنا ذلك إلى الحديث عن "عقدة الإله ــ الرب الإبراهيمي" بدل "عقدة الأخوة" أو "عقدة الأب"؟

[1] Roland Barthes: Sur Rasine, Club français du Livre et Editions du Seuil, 1963

[2] ينظر حسن المودن: الإخوة الأعداء في السرد الغربي والعربي، مقاربة نفسية جديدة، دار كنوز المعرفة العلمية، الأردن، الطبعة الأولى 2023

[3] نقلا عن حسن المودن: قراءة نفسانية في قصة النبي يوسف، عقدة الأخوة أولى من عقدة أوديب، مجلة تبين، العدد 10/3، 2014، ص 41

* الأدب حسب جان بيلمان ــ نويل مجموعة آثار تقدم خطابات تشكل تصورا للعالم، وجهة نظر حول واقع الإنسان، ووسطه، وحول الكيفية التي يدرك بها الإنسان هذا الوسط، والروابط التي يقيمها معه، ومن هنا فالأدب والتحليل النفسي هما نوعان من التفسير، طريقتان للقراءة، إنهما قراءتان: يقرآن الإنسان في حياته اليومية، وداخل قدره التاريخي. ينظر كتابه: التحليل النفسي والأدب، ترجمة حسن المودن، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان ــ الأردن، الطبعة الأولى 2018

* التحليل النفسي، حسب معجم التحليل النفسي، منهج ابتكره فرويد لتسهيل التلفيظ بما يتعذر على الذات بلوغه بما أنه مكبوت. ويفترض الاكتشاف الفرويدي وجود جهاز نفسي لا واع هو الذي يحددنا بلا علم منا، اللاوعي الذي ليس مجرد غياب الوعي بل المفعول البنيوي لكبت ما. ينظر:

Dictionnaire De Psychanalyse, Direction R. Chemama, Larchsse, 1993, P220

وحسب جان بيلمان ــ نويل فإن فرويد قد أحدث من خلال التحليل النفسي نفس ثورة كوبرنيك وداروين؛ وذلك عندما بيّن أن "الأنا ليست سيدة بيتها الخاص".

* ينظر حسن المودن: الأدب والتحيل النفسي، كتاب الدوحة 99، وزارة الثقافة والرياضة، قطر 2019، هامش الصفحة 5

* للتعرف على مفهوم "اللا شعور ــ اللاوعي" ينظر جان لابلانش وج. ب. بونتاليس: معجم مصطلحات التحليل النفسي، ترجمة مصطفى حجازي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الثالثة 1997، ص 596. فرج عبد القادر طه وآخرون: معجم علم النفس والتحليل النفسي، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الأولى(د ت)، ص 382

[4] ينظر جان لوي بودري: فرويد والإبداع الأدبي، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 23 ــ 1983، ص126، وحميد لحمداني: الفكر النقدي الأدبي المعاصر، مناهج ونظريات ومواقف، مطبعة أنفو ــ يرانت 12، فاس، الطبعة الثالثة، 2014، ص93

[5] ينظر سيجموند فرويد: حياتي والتحليل النفسي، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة ـ بيروت، الطبعة الأولى 1961، ص88

* للتعرف على منهج الناقد النفساني الفرنسي جان بيلمان ــ نويل ينظر كتابه: التحليل النفسي والأدب، ترجمة حسن المودن، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان ــ الأردن، الطبعة الأولى 2018

[6] ينظر س. فرويد: الهذيان والأحلام في الفن، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة ــ بيروت، 1978. و: الهذيان والأحلام في قصة "غراديفا لجنسن"، ترجمة نبيل أبو صعب، منشورات وزارة الثقافة، دمشق ــ سوريا، 1986

[7] حسن المودن: لاوعي النص في روايات الطيب صالح، قراءة من منظور التحليل النفسي(دراسة نقدية)، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى 2002، ص ص: 23 ـ 24

* محمود عباس العقاد: أبو نواس الحسن بن هانئ، المكتبة العصرية، صيدا ــ لبنان(د ط ت).

* محمد النويهي: شخصية بشار، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة ــ مصر، الطبعة الأولى 1951. شخصية أبي نواس، مكتبة الخانجي ــ دار الفكر، الطبعة الثانية(د ت).

* جورج طرابيشي: عقدة أوديب في الرواية العربية، دار الطليعة، بيروت ــ لبنان، الطبعة الثانية 1987

[8] حسن المودن: قراءة نفسانية في قصة النبي يوسف، عقدة الأخوة أولى من عقدة أوديب، مجلة تبين، العدد 10/3، 2014، ص 37

* لقد حددت معاني العقد منذ 1900 بوصفها ذكريات من الماضي، أو نوع من التمثيلات البيانية المشحونة بالانفعال وغير الواعية، أو نوع من الانفعالات الثابتة القابلة للنمو بعيدا عن الأنا الواعية. والعقدة عند يونغ هي مجموعة ذكريات أو أفكار مشحونة بالانفعال، مجموعة تشكل مشكلة شخصية حميمة بالنسبة للفرد، يحاول أن يدافع ضدها من غير وعي. وهي سر مزعج، ومكبوت في الوعي الفرد الآني، لكنه حاضر بدقة في ذاكرته. أما فرويد فالعقدة الأهم عنده "عقدةُ أوديب"، وهي مشكلة أحاسيس قوية تشكل الحياة العاطفية عند الطفل بين 3 و5 سنوات، وهي مزيج مركب من رغبات حب الولد لأحد والديه من الجنس المعاكس، ومن عدوانية حسودة مع رغبة في موت أحد الوالدين من الجنس نفسه الذي ينتمي إليه الطفل. ينظر روجيه موكيالي: العقد النفسية، ترجمة موريس شربل، منشورات عويدات، بيروت ــ باريس، الطبعة الأولى 1977، ص 15 ــ 19 ــ 22

[9] حسن المودن: قراءة نفسانية في قصة النبي يوسف، عقدة الأخوة أولى من عقدة أوديب، مجلة تبين، العدد 10/3، 2014، ص 37 ــ 38

[10] نقلا عن حسن المودن: الأدب والتحليل النفسي، ما معنى أن تكون ناقدا نفسيا اليوم؟، وزارة الثقافة والرياضة، قطر، كتاب الدوحة 2019، ص 103. ينظر سيجموند فرويد: الهذيان والأحلام في الفن، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة ــ بيروت، 1978

[11] ينظر دراسات حسن المودن التي خصصها للتحليل النفسي لبعض الأعمال الروائية العربية: لاوعي النص في روايات الطيب صالح، قراءة من منظور التحليل النفسي، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى 2002. الرواية والتحليل النصي، قراءات من منظور التحليل النفسي، منشورات الاختلاف، بيروت ــ الدار العربية ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى 2009

[12] حسن المودن: الرواية والتحليل النصي، قراءات من منظور التحليل النفسي، منشورات الاختلاف، بيروت ــ الدار العربية ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى 2009، ص 9

[13] يقول تزفيتان تودوروف: "فالأنوار تتسم بالعقلانية والتجريبية في الوقت نفسه، وهي وريثة ديكارت مثلما هي وريثة لوك(locke)"، روح الأنوار، تعريب حافظ قويعة، دار محمد علي للنشر، تونس، الطبعة الأولى 2007، ص 9

* ينظر مسعود آذربيجاني: علم نفس الدين، قراءة تحليلية في تنظيرات فرويد ويونغ، مجلة الاستغراب، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، بيروت، العدد الثالث، السنة الثانية، 2016، ص62

* س. فرويد، الطوطم والتابو: بعض المطابقات بين نفسية المتوحشين والعصابيين، ترجمه عن الأصل الألماني بوعلي ياسين، راجعه محمود كبيبو، دار الحوار للنشر والتوزيع ــ سورية ــ اللاذقية، الطبعة الأولى 1983

* س. فرويد: مستقبلُ وهم ــ قلق في الحضارة ــ موسى والتوحيد ــ فرويد والمسألة اليهودية، ترجمة جورج طرابيشي، دار مدار للنشر، الطبعة الأولى 2015، الأعمال شبه الكاملة، المجلد الثامن.

* الطوطم حسب تعريف فرويد هو: "بصفة عامة حيوان، من الحيوانات التي يُؤكل لحمها، وغير مؤذ، أو بالعكس خطِر ومُهاب الجانب، وفي النادر الأندر نبات أو قوة طبيعية(مطر، ماء) تربط بينها وبين الجماعة برمتها صلة خاصة. والطوطم هو، في المقام الأول، سلف العشيرة، وهو في المقام الثاني روحها الحامي وولي نعمتها الذي يبعث إليها بالنبوءات، والذي يعرف أولادها ولا يفترسهم حتى وإن يكن عظيم الخطورة على أولاد العشائر الأخرى وعلى هذا، فإن من يكون لهم طوطم واحد يكون عليهم التزام مقدس بالامتناع عن قتل(أو إتلاف) طوطمهم وبالامتناع عن أكل لحمه أو التمتع به بأي صورة أخرى، وأي انتهاك لهذا الالتزام يستتبع آليا العقاب. والصفة الطوطمية مباطِنة لا لحيوان مفرد بعينه ولا لموضوع مفرد بعينه(من نبات أو قوة طبيعية)، بل لجميع الأفراد التي تدخل في نوع الطوطم. وبين الحين والآخر تقام احتفالات يكرر فيها أعضاء الجماعة الطوطمية أو يحاكون، برقصات طقسية، حركات طوطمهم وخصائصه.

يُتناقل الطوطم وراثيا، بموجب عمود الأب والأم على حد سواء. ومن المرجح أن التناقل بموجب عمود الأم كان هو الأول في الزمن، ولم يحل محله التناقل بموجب عمود الأب إلا في طور متأخر. والتبعية للطوطم هي بمثابة الأساس في جميع الالتزامات الاجتماعية المترتبة على الأوسترالي، وهي تتخطى من جهة أولى التبعية للقبيلة، وتنزل من الجهة الثانية بقرابة الدم إلى مرتبة ثانوية. ولا يرتبط الطوطم لا بالأرض ولا بموضع بعينه، فأعضاء الطوطم الواحد يمكن أن يحيوا متفرقين عن بعضهم بعضا وفي وئام مع الأفراد التابعين لطوطم مغاير". ينظر: الطوطم والحرام، ترجمة جورج طرابيشي، الفصل الأول: خوف زنى المحارم، ص 10

[14] ينظر س. فرويد، حياتي والتحليل النفسي، ترجمة مصطفى زيور وعبد المنعم المليجي، دار المعارف(د.ت)، الطبعة الرابعة. ص ص101 ــ 102

* ويليام روبرتسون سميث(1846 ــ 1894) مستشرق اسكتلندي، معروف بكتابه دين الساميين الذي يعد نصا أساسيا في حقل مقارنة الأديان. من الموضوعات التي حللها في هذا الكتاب موضوع "الأضحية الدينية والقرابين"، وتتلخص نظريته في أن الدافع إلى الأضحية الرغبة في الاتحاد أو المشاركة بين أعضاء الجماعة من ناحية، وبينهم وبين إلههم من ناحية أخرى. وتتم المشاركة من خلال وجبة الأضحية، وهي وليمة دينية. وقد تطورت عن طقس المشاركة دلالة أخرى للأضحية، فهي تقدم أيضا حين تشعر الجماعة البدائية أنها أغضبت إلهها فتحاول إعادة كسب رضاه من خلال وجبة أضحية عامة. كما نتجت عن الطقس الأصلي دلالة تطهرية، حيث كان من المعتقد أن دم الأضحية يخلص من النجاسة. وقد استند في ذلك على دراسته للأضحية الحيوانية عند العرب القدامى. وبين في كتابه أن الديانات القديمة لا يمكن فهمها إلا من خلال الطقوس والشعائر، لأنها ليست لها بنية عقائدية، بل هي مجموعة من الممارسات الشعائرية. والوحدة الدينية لا تتكون من الفرد، بل من الجماعة، فالدين بهذا المعنى جزء من النظام الاجتماعي. واعتبر أن رابطة الدم هي التي تربط بين الجماعة الدينية البدائية بما تحتويه من بشر وآلهة، وأن ديانة الساميين تنتمي إلى هذا النوع من التفكير الديني. ينظر كتابه: محاضرات في ديانة الساميين، ترجمة عبد الوهاب علوب، مراجعة وتقديم محمد خليفة حسن، المجلس الأعلى للثقافة، 1997

[15] ينظر س. فرويد: حياتي والتحليل النفسي، ص ص102 ــ 103

[16] المرجع نفسه، ص 103. طقس أو سر التناول المقدس(Blessed Sacrament) هو الاعتقاد بالوجود الحقيقي، وليس الرمزي، لجسد يسوع في الخبز، ودمه في النبيذ، عند تقدمته في الكنيسة ليتناولهما المؤمن بفمه.

[17] ينظر س. فرويد، الطوطم والتابو: بعض المطابقات بين نفسية المتوحشين والعصابيين، ترجمه عن الأصل الألماني بوعلي ياسين، راجعه محمود كبيبو، دار الحوار للنشر والتوزيع ــ سورية ــ اللاذقية، الطبعة الأولى 1983. المقالة الرابعة: العودة الطفولية الطوطمية، ص 123

[18] س. فرويد: حياتي والتحليل النفسي، ترجمة مصطفى زيور وعبد المنعم المليجي، دار المعارف(د.ت)، الطبعة الرابعة. ص101

[19] س. فرويد: الطوطم والحرام، ترجمة جورج طرابيشي، الفصل الأول: خوف زنى المحارم، ص 12

* س. فرويد: مستقبلُ وهم ــ قلق في الحضارة ــ موسى والتوحيد ــ فرويد والمسألة اليهودية، ترجمة جورج طرابيشي، دار مدار للنشر، الطبعة الأولى 2015، الأعمال شبه الكاملة، المجلد الثامن.

* س. فرويد: مستقبلُ وهم ــ قلق في الحضارة ــ موسى والتوحيد ــ فرويد والمسألة اليهودية، ترجمة جورج طرابيشي، دار مدار للنشر، الطبعة الأولى 2015، الأعمال شبه الكاملة، المجلد الثامن.

[20] المرجع نفسه، ص ص 340 ـ 341

[21] نفسه، ص 341

[22] ن، ص 342

[23] ن، ص 358

[24] محمد أركون: تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ترجمة هاشم صالح، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة 1998، ص 210

* قد تتحقق هذه العملية التفكيكية ـــ التركيبية من خلال آلية التأويل، فـ "آل الشيء يؤول إلى كذا أي رجع وصار إليه، والمراد بالتأويل نقلُ ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما تُرك ظاهر اللفظ". ينظر: لسان العرب، مادة "أول".

* ينظر محمد أحمد خلف الله: الفن القصصي في القرآن الكريم، سينا للنشر، مصر، الطبعة الرابعة 1999

* ينظر حسن المودن: من أجل تجديد التحليل النفسي الأنتربولوجي: من عقدة أوديب إلى عقدة قابيل، مجلة أبوليوس، العدد 1، المجلد 7، 2020. قراءة نفسانية في قصة النبي يوسف: عقدة الأخوة أولى من عقدة أوديب، مجلة تبين للدراسات الفكرية والثقافية، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة، العدد 10، المجلد الثالث، خريف 2014

[25] ينظر حسن المودن: الأدب واللسانيات والتحليل النفسي، فرويد وسوسير ولاكان، مجلة البيت، العددان 23 ـــ 24، الرباط، أبريل 2014، ص ص 205 ــ 206

* يعرف حسن المودن "عقدة الأخوة" بقوله: "تنظيم جوهري للرغبات العاطفية والنرجسية في علاقة بهذا الآخر التي تعترف الذات بأنه أخ أو أخت، وهو تنظيم ينتمي إلى بنية العلاقات التي تجري بين الذوات، ويحكمها التمثل اللاواعي للمواقع التي تحتلها الذات والأخ والأخت بالنظر إلى موضوع الرغبة الذي يتحدد في الأب"، قراءة نفسانية في قصة النبي يوسف، ص ص 45 ــ 46

[26] ينظر حسن المودن: قراءة نفسانية في قصة النبي يوسف: عقدة الأخوة أولى من عقدة أوديب.

* يمكن أن نعتبر نهاية القصة فكّ للعقدة وعلاج لها.

[27] ينظر عبد الكبير الخطيبي: النقد المزدوج، منشورات عكاظ، الرباط 2000

[28] ينظر الكتاب المقدس، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، 1997، سفر التكوين، الإصحاح الرابع، ص ص 5 ــ 6

[29] سورة المائدة: 27 ــ 31

* فتحي بن سلامة: الإسلام والتحليل النفسي، ترجمة رجاء بن سلامة، دار الساقي، 2008

[30] المرجع نفسه، ص 309

[31] نفسه، ص 309

[32] Claude Lévi-Strauss: Le regard éloigné, Plon, 1983, p 83

* نتعامل مع مفهوم "الرب" و"الله" في السرديات الدينية بوصفه تعبيرا ميثولوجيا عن "الذات العليا" أو "الأنا الأعلى" للمعتقدين والمؤمنين به.

[33] ينظر جاكلين شابي(Jacqueline Chabbi): رب القبائل، إسلام محمد، ترجمة ناصر بن رجب، منشورات الجمل، بيروت ــ بغداد، الطبعة الأولى 2020. وجاكلين الشابي(1943م) مستشرقة فرنسية، وأستاذة شرفية في مجموعة من الجامعات، تخصصت في دراسة التاريخ الوسيط للعالم الإسلامي، وهي أستاذة مبرزة في العربية وحاصلة على الدكتوراه في الآداب. لها مؤلفات أخرى منها: "ركائز الإسلام الثلاث، قراءة أنثربولوجية للقرآن". قراءتها أنثربولوجية تاريخية تأويلية، وتقف مجابهة للأطروحة الإسلامية الأرثوذكسية التي تدعي التفسير الصحيح للإسلام، ولكنها في الحقيقة، حسب جاكلين، تُقوّل القرآن ما لم يقله، ولهذا تقترح علينا تفسيرها المنسجم مع المحيط القبلي الذي ظهرت فيه دعوة محمد، وانبثقت داخله الظاهرة القرآنية. وترى أن هذا الإسلام القبلي المحلي بعيد عن الإكراه والتشدد، ولا علاقة له بالإسلام الذي نعرفه اليوم. كما ترى أن فهم القرآن ورسالته الأصلية ينبغي أن يعتمد على ثلاثة أركان(بدل الأركان المعروفة): التحالف والإرشاد والهبة، وهي كما هو واضح أركان لها بنية قبلية بطابع صحراوي تعكس بيئة الإسلام المبكر(الأصلي).