الطفل الفلسطيني في صورة الكاريكاتير دراسة سيميائية


فئة :  مقالات

الطفل الفلسطيني في صورة الكاريكاتير  دراسة سيميائية

الطفل الفلسطيني في صورة الكاريكاتير[1]

دراسة سيميائية

تعاين الدراسة صورة الطفل الفلسطيني في فن الكاريكاتير وفق رؤية سيميائية تحلل صورة الكاريكاتير للكشف عن الأبعاد الفكرية والفنية والنفسية. وتتوزع الدراسة على خمسة محاور متكاملة؛ فالمحور الأول يرصد التعالق بين الطفل الفلسطيني اللاجئ وحق العودة إلى الوطن، الثاني: يسجل مظاهر تحدي الطفل للجدار العازل بين شطري الوطن، ومعاناته من الحصار القاتل، والثالث: يخلد الأطفال الشهداء، ويُسقط "ورقة التوت" عن همجية الاحتلال الذي يستهدف حياة الأطفال، والرابع: يحلل البعد النفسي للأطفال المحرومين من رؤية آبائهم الأسرى.

الطفل اللاجئ وحق العودة

يشكل المفتاح أيقونة رمزية في الخطاب الثقافي الفلسطيني؛ لأنه يختزل الثوابت الفلسطينية، ويرمز لعودة اللاجئين، وإنهاء معاناة الشتات، وبؤس المخيمات. وقد ارتبط المفتاح الرمز بالطفل. ومن البديهي أن يوظف رسام الكاريكاتير المفتاح، ليجسد المفاصل الرئيسة للقضية الفلسطينية، وبخاصة أن المفتاح أضحى رمزاً مألوفاً في الذاكرة الثقافية الفلسطينية، وهو رمز يتسم بشفافية المعنى، ووضوح دلالته الوطنية والسياسية، ولا يحتاج إلى تأمل عميق في المشهد البصري لصورة الكاريكاتير للكشف عن البنية العميقة أو المضمرة، كما هي حال البنية المضمرة في الخطاب الشعري أو اللوحة التشكيلية.

وما دام المفتاح يختزل بعداً تاريخياً ووطنياً، فقد جسده فنان الكاريكاتير قنينة حليب يرضع منها الطفل الفلسطيني للتعبير عن التربية الوطنية التي تحرص عليها الأسرة الفلسطينية في تربية أبنائها على الثوابت الفلسطينية، والتمسك بحق العودة إلى فلسطين. كما أن ارتباط المفتاح بالطفل الفلسطيني الرضيع ينفي مزاعم السياسة الصهيونية بأن الأجيال ستنسى وطنها فلسطين، وأن حق العودة إلى فلسطين سينتهي بالتقادم الزمني، فصورة الكاريكاتير خطاب وطني سياسي يؤكد على بطلان تلك المزاعم، ويثبت أن حق العودة قائم ما دام طفل فلسطيني يرضع. ولم يغفل رسام الكاريكاتير خصوصية الدلالة على القضية الفلسطينية، فبدا الطفل الفلسطيني مرتديا ألوان العلم الفلسطيني، والكوفية طوقا في عنقه. ولا يخفى أن ملامح النضارة والصحة والعافية، وارتواء الطفل من "حليب المفتاح" تدل على ثقة الطفل الفلسطيني بحقه في العودة.

وتحمل الصورة خطابا إعلامياً يتضمن رفض فكرة "الوطن البديل"، واقتراح "التعويض" للفلسطيني الذي فقد بيته وأرضه. إن صورة المفتاح الذي تحمل إلى قنينة حليب خطاب ثقافي يجسد الثوابت الوطنية التي قد يعجز عنها خطاب سياسي مكتوب؛ إذ تكمن في بساطة الصورة عناقيد دلالية في المستوى الأفقي يتمثل بتمسك الفلسطيني بحق العودة، وفي المستوى الرأسي يتمثل بالحق التاريخي في فلسطين.

ويكشف المفتاح عن البعد الوطني لتربية الأم لأبنائها؛ إذ تتخلق الجينات الثقافية للطفل من الأم قبل المصادر الثقافية الأخرى، فتأثير الأم في الفضاء الوجداني والنسيج الفكري يبقى وشما في الذاكرة التي تحدد قناعة الطفل وسلوكه المستقبلي. ولهذا ظهر المفتاح المعلق في رقبة الأم حليباً للطفل الفلسطيني، ويشير هذا المشهد الرمزي إلى البيئة الثقافية التي ينشأ فيها الطفل. إن حق العودة الذي يرمز له المفتاح ليس درساً في التاريخ يتلقاه الطفل في المدرسة، وليس أنشودة عاطفية حماسية يرددها في مناسبة، بل إن حق العودة جزء من تنشئة الطفل وكيانه الاجتماعي، وفضائه الوطني، وآفاقه السياسية.

وتجسد اللوحة التالية ثقافة الإرادة والتحدي والمواجهة لدى الطفل الفلسطيني، ومشهد المواجهة بين الطفل الفلسطيني والدبابة، ليس من خيال رسام الكاريكاتير، بل هو حقيقة شهدتها وقائع الانتفاضة الفلسطينية التي حفلت بمشاهد الأطفال الذين واجهوا دبابات الاحتلال وآلياته العسكرية بصدورهم وحجارتهم الصغيرة. ولعل انتشار صورة الشهيد الطفل (فارس عودة) في وسائل الإعلام، وهو يواجه دبابة الاحتلال خير شاهد على البطولة الأسطورية لأطفال فلسطين. أما ظهور الطفل الفلسطيني، وهو يحمل المفتاح على كتفه في مواجهة الدبابة، فيجسد ثقافة الإرادة المستمدة من حق العودة، وبخاصة أن الصورة جاءت موسومة في الأعلى بـ (ستون عاما على النكبة). وقد حوت صورة المواجهة ثلاث علامات سيميائية ذات دلالات اجتماعية وفكرية ونفسية؛ فالأولى: ظهور رقعة في ثياب الطفل المقاوم، وهي تشير إلى معاناة الأطفال من الفقر والبؤس، وعلى الرغم من معاناتهم الاجتماعية فهم صامدون عاشقون للمواجهة. والثانية: رفع الطفل لعلامة النصر، وهي علامة سيميائية تعبر عن مفارقة مدهشة، مفارقة خارجة عن نطاق "المألوف"، مفارقة بين طفل أعزل من السلاح، مؤمن بالنصر، وجنود الاحتلال المدججون بالسلاح والمختبئون داخل الدبابة، والثالثة: ظهور الهلال في خلفية الصورة الذي يرمز لبشرى الخلاص والتحرر.

الطفل بين الجدار العازل والحصار القاتل

رصد فنانو الكاريكاتير تأثر الطفل الفلسطيني بنتائج الجدار الذي أقامه الاحتلال الإسرائيلي بين فلسطين المحتلة عام 1948، وفلسطين المحتلة عام 1967 (الضفة الغربية). ومن المعلوم أن الجدار أفضى إلى مصادرة آلاف الدونمات، وحرمان الفلسطينيين من دخول أرضهم المحاذية للجدار لزراعة الأرض وجني الثمار، كما حرم الجدار الفلسطينيين من التواصل الاجتماعي بين شطري الوطن. وقد تجمعت هذه النتائج المأساوية في وجدان الطفل وذاكرته. أما أجزاء الجدار الملاصقة للأماكن السكنية، فقد تحولت إلى لوحات وجداريات ضخمة كتب عليها الفلسطينيون الشعارات والعبارات الرافضة للجدار والفصل بين شطري الوطن. وكان للطفل الفلسطيني دور في التعبير عن رفضه للجدار، كما يبدو في الصورة التي تحول فيها الطفل إلى فنان ينحت مفتاح العودة على الجدار الاسمنتي. وإذا كان مشهد نحت المفتاح على الجدال تقنية فنية من خيال رسام الكاريكاتير، فإن المشهد يستدعي مشاهد حقيقية لأطفال كتبوا ورسموا أفكارهم وأحلامهم على الجدار.

ومن المألوف أن يتجمع الأطفال عند أجزاء من الجدار العازل في الأماكن الملاصقة لمنازلهم، ليمارسوا هواياتهم في اللعب والرسم، وأحياناً يعمدون إلى الهتاف المناهض للاحتلال على مسمع جنود الاحتلال المتحصنين في أبراج المراقبة للجدار العازل، ولعل الصورة التالية من أبرز المشاهد التي تصور التفاعل الوطني للأطفال الرافضين للجدار العازل؛ فالأطفال الثلاثة في الصورة يشكلون من أجسامهم سلماً يبدو أكثر ارتفاعاً من الجدار العازل، ولا يخفى أن المشهد مفعم بالدلالات الرمزية، فالأطفال لا يقدرون على تشكيل سلم من أجساده، ولكن صورة الكاريكاتير تجسد خطاباً سياسياً بأن إرادة الأطفال أقوى من سياسة الفصل والعزل بين شطري الوطن، وبخاصة أن الصورة اقترنت بعلامات سيميائية رمزية ولغوية؛ فالطفل الأول يحمل العلم الفلسطيني على ظهره لانشغال يديه برفع زميله الثاني الذي اقترنت صورته بلفظ (سنعود)، وبدا الطفل الثالث قائدا لزميليه، فهو يضع المقلاع في جيبه، ويرفع المفتاح الرمز تعبيرا عن الحلم واليقين بالعودة إلى الوطن. أما الطفلة في الزاوية اليسرى للصورة، فبدت منشغلة بكتابة عبارة (العودة حق)، وبهذا تتكامل دلالة رفع المفتاح ودلالة العبارة على الجدار. وتظهر بعض أسماء المدن الفلسطينية مكتوبة على الجدار، نحو (حيفا ويافا والمجدل والقدس).

وتابع رسام الكاريكاتير المشهد الإنساني للحصار الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وما نجم عنه من نقص في الأدوية والتجهيزات الطبية، ومنع المرضى من السفر للعلاج. وتؤكد التقارير الإخبارية وفاة عشرات المرضى والمصابين جراء العمليات العسكرية المتكررة على غزة وغيرها من المدن الفلسطينية. وتجسد الصورة التالية حجم المأساة والأبعاد الإنسانية للمرضى ومصابي الحرب، وبخاصة الأطفال. والصورة ليست تسجيلاً فنياً للواقع السياسي الذي يعاني منه الطفل الفلسطيني فحسب، بل إن الصورة صرخة مدوية كي يستيقظ الضمير الإنساني للدول الكبرى القادرة على إنهاء الحصار على غزة. وتشير الصورة إلى المستوى الكمي للأطفال الذين بُترت أطرافهم بسبب العدوان الإسرائيلي.

وبسبب الحصار ومنع وصول المحروقات إلى غزة يتكرر انقطاع التيار الكهربائي، فيضطر الأهالي لإيقاد الشموع لقضاء حاجاتهم المعيشية، وقد حدثت كارثة إنسانية حينما احترق ثلاثة أطفال أشقاء (صبري وندين وفرح / رائد بشير) بسبب اشتعال شمعه في بيتهم، فقد نام الأطفال الثلاثة بعد انتهائهم من تحضير دروسهم، واحترق البيت بسبب لهيب الشمعة! ولا يهدف رسام الكاريكاتير من تجسيد الأطفال بثلاث شموع إلى تخليد ذكرى الأطفال الثلاثة الأشقاء، أو تسجيل حدث مفعم بالحسرة والحزن، بل يرمي إلى الكشف عن النتائج المأساوية والكوارث الإنسانية التي يسببها الحصار الذي يعد عقابا جماعيا يدفع الأطفال حياتهم بسببه. والشموع الثلاث علامات سيميائية تختزل دلالة نفسية مكثفة؛ لأنها مشهد بصري يستحضر احتراق الأطفال الأشقاء.

الأطفال الشهداء

يواجه أطفال فلسطين بطش الترسانة العسكرية للاحتلال، فسقط منهم عشرات الشهداء في غير مكان، والطفل الشهيد "محمد الدرة" من أبرز الأطفال الشهداء تأثيراً في الفضاء الإعلامي العالمي بسبب استشهاده، وهو يحاول الاحتماء بأبيه الذي عجز عن حماية ابنه من الرصاص، على الرغم من صراخه وتوسلاته وعبارته المشهورة (مات الولد). وأضحى "محمد الدرة" أيقونة رمزية تعبر عن معاناة الأطفال في فلسطين، وعلامة سيميائية تختزل خطر الموت الذي يترصد الطفل الفلسطيني. ويبدو في الصورة الخوف والهلع على الأب الذي لم تسعفه الاستغاثة والصراخ، والابن الذي لم يحمه حضنُ والده من الموت؛ فالصورة تجسد حقيقة مؤلمة بأن الآباء عاجزون عن حماية أبنائهم من رصاص الاحتلال، كما تشكل الصورة تحدياً أخلاقياً للمنظمات والمؤسسات التي تتابع حقوق الإنسان عامة، وحقوق الطفل بخاصة. ويزداد المشهد الدموي بشاعة حينما يستشهد طفل رضيع يجسد رمز النقاء والطهارة والبراءة، كما هي حال الطفلة الرضيعة (إيمان حجو 4 شهور) التي استشهدت، وهي في حضن أمها حينما أصابتها شظية قنبلة دخلت من صدرها وخرجت من ظهرها، وأصيبت الأم بجروح بالغة. أما الأب، فهو مقعد عاجز عن الحركة بعد أن أصيب برصاص الاحتلال قبل ستة أشهر من استشهاد ابنته الرضيعة.

وتستدعي رسامة الكاريكاتير "أمية جحا" مشهد استشهاد الصحابي "حمزة بن عبد المطلب" رضي الله عنه بوساطة العبارة المكتوبة في أعلى الصورة (أما أطفالنا فلا بواكي لهم)، فالعبارة امتصاص وتحوير لقول النبي عليه السلام: (ولكن حمزة لا بواكي له)، بعد عودته من معركة أحد وسماعه بكاء نساء الأنصار على شهداء معركة أحد. فالعبارة مقاربة نفسية وجدانية بين الشهيد حمزة الذي لم تبكه النساء في البداية، والشهيدة الرضيعة إيمان حجو التي لم يتخذ المجتمع الدولي مواقف تتناسب مع جريمة قتل الأطفال. وفي الصورة تقنيات فنية مفعمة بالمشاعر الإنسانية؛ إذ إن قطرة الحليب ما زالت على شفة الطفلة الرضيعة، وقنينة الحليب ما زالت تقطر لطفلة لم تعد قادرة على الرضاعة، واختلاط الحليب بدم الرضيعة مشهد تعجز عن وصفه أبجديات العالم، واقتران الرصاصة بقنينة الحليب انهيار لمنظومة القيم الإنسانية، وفضح لهمجية الاحتلال.

الطفل بين الحرمان من رؤية أبيه الأسير والإجراءات الأمنية

يرصد رسام الكاريكاتير مشاعر الأطفال تجاه آبائهم القابعين في معتقلات الاحتلال، وتنص تعليمات إدارة السجون الإسرائيلية على السماح للمعتقلين برؤية الأقارب من الدرجة الأولى مرة في الشهر، ومن المألوف أن تلغي سلطات الاحتلال الزيارة لأي سبب. ويتعرض ذوو الأسير إلى إجراءات "أمنية" صارمة قبل دخولهم مبنى المعتقل للزيارة، ولا يستثني الاحتلال الأطفالَ من إجراءات التفتيش، كما تُصرح الصورة التالية. إن منع الأسير من رؤية أطفاله من أشد وجوه الاحتلال قبحا وظلما، وهو جزء من مخطط سياسي نفسي يهدف إلى تدمير البنية النفسية للأسير، والنيل من إرادته وعنفوانه، فالاحتلال لا يكتفي بحزمة الإجراءات العقابية داخل المعتقل، بل يستغل المشاعر الإنسانية، والعلاقات العاطفية العائلية.

وقد أكدت وسائل الإعلام أن الطفلة (عبير يوسف اسكافي) من مدينة الخليل حُرمت من زيارة أبيها الأسير، فأصيبت بصدمة عصبية حادة أدت إلى وفاتها. وقد حوت الصورة السابقة علامتين سيميائيتين؛ الأولى: علامة لغوية جاءت باللون الأحمر لعبارة (لأسباب أمنية)، والعبارة بلونها الأحمر استنكار لحرمان الطفلة من رؤية أبيها الأسير، واستغراب من تلك الأسباب الأمنية المزعومة، إذ كيف يمكن أن تشكل طفلة خطرا أمنيا؟! والثانية: علامة فنية نفسية تتجلى بالدهشة التي تبدو في عيني الفتاة المحرومة من زيارة أبيها، وقد عبر فنان الكاريكاتير في صورة أخرى عن سخافة الإجراءات الأمنية التي يتعرض لها الأطفال، حينما يصلون المعتقل لزيارة آبائهم، فيبدو جندي الاحتلال يفحص حذاء الطفلة بأداة فحص إلكترونية، والطفلة تشير إليه غاضبة مستغربة (مش عارف ليش بتفتش في الحذاء.؟)، ويأتي جواب الجندي (احتياطات أمنية) أكثر غرابة من التفتيش ذاته. إن الإجراءات "الأمنية" التي تعرضها صورة الكاريكاتير تكشف عن "الهوس الأمني" الذي لا يفرق بين الطفل والكبير، فكل فلسطيني متهم وفق النظرية الأمنية الإسرائيلية. ومن البدهي أن تبقى هذه المواقف وشما في ذاكرة الأطفال الذين يذهبون إلى المعتقلات لزيارة آبائهم، وتصبح تلك المواقف والإجراءات خلايا ثقافية تتخلق منها أفكار الأطفال وسلوكهم تجاه الاحتلال.

الخطاب السياسي للأطفال

يتصف الخطاب السياسي لدى الطفل الفلسطيني بالعفوية والتلقائية، وهو مستمد من مفردات الحياة التي لا تغيب عنها المشاهد السياسية، والطفل ليس بحاجة إلى مشاهدة نشرات أخبار في الفضائيات، ولا قراءة الصحف والمنشورات؛ لأن السياسة جزء من كيانه العائلي والمكاني، ففي معظم الأسر الفلسطينية سيرة شهيد، وقصة أسير، وحكاية بطولة. ولعل أبرز صور الكاريكاتير التي تجلى فيها الوعي السياسي الفطري لدى الطفل الفلسطيني صورة فازت بجائزة أفضل صورة كاريكاتير في الولايات المتحدة الأمريكية، يتحاور فيها طفل يهودي مع طفل فلسطيني. يقول الطفل اليهودي: أخبرني أبي أن العرب حيوانات وإرهابيون وشريرون. ويجيب الطفل الفلسطيني: إن أبي لم يخبرني أي شيء؛ لأن أباك قتله!!! وبهذه العفوية والتلقائية من الطفل الفلسطيني تتكشف السياسة العدوانية للاحتلال، ويتعرى الخطاب الصهيوني العنصري في تربية أبنائهم على الحقد والكراهية، فالصورة تجسد ثنائية بين الضحية وثقافة الكراهية. كما حرص الرسام على إظهار التفاوت بين الطفلين؛ إذ يظهر الطفل الفلسطيني مصابا بجراح في حين يبدو الطفل اليهودي سليما. ويظهر الطفل الفلسطيني حافي القدمين، والطفل اليهودي يرتدي حذاء رياضيا، وهو تفاوت يجسد الفرق الطبقي بين طفل بائس فقير، وطفل مترف. والطفل الفلسطيني يضع في جيبه مقلاعا، واليهودي يضع في جيبه سلاحا ناريا، وهذا هو الفرق بين شعب أعزل يقاوم بالحجر، واحتلال مدجج بالسلاح.

واستئناسا بما تقدم، فإن الطفل الفلسطيني يتساءل عن أبرز القضايا السياسية حينا، ويفصح عن موقف سياسي بعفوية وبراءة حينا آخر. ولهذا حفلت صورة الكاريكاتير بالتعبير عن علاقة الطفل الفلسطيني بالقضايا السياسية التي تشكل عصبا نابضا في حياته اليومية، نحو الصورة التالية التي يسأل فيها الطفلُ أباه عن سبب تسمية المستوطنات، وسؤال الطفل ناجم عن واقع سياسي يتردد فيه لفظ الاستيطان في غير مكان، ويكشف السؤال عن حجم الاستيطان الذي بات يهدد وجود الفلسطيني، ويأتي جواب الأب مشبعا بالسخرية المريرة والكوميديا السوداء في قوله: (عشان مستوطيين حيطتنا)، والسخرية في الإجابة تختزل خطابا سياسيا يُضمر انحسار الموقف السياسي العربي وتخاذل الموقف الدولي من الاستيطان، وبخاصة في القدس.

[1]- ذوات العدد 37