المساجد بين رهانات الدعوة والتحكّم الديني بالمغرب


فئة :  مقالات

المساجد بين رهانات الدعوة والتحكّم الديني بالمغرب

مقدمة

نسجّل في البدء، أنّ ثمة ضعفا ملموسا فيما يخص الدراسات السوسيولوجية حول المسجد بالمغرب، بالرغم من أهمية هذه المؤسسة الدينية والاجتماعية والثقافية في حياة الأفراد والمجتمع والدولة. فباستثناء الدراسة التي أنجزها كل من برينو إتيان ومحمد الطوزي[1]، والإشارات التي نجدها في المؤلف الجماعي لكل من محمد العيادي وحسن رشيق ومحمد الطوزي، حول الإسلام في الحياة اليومية[2]، لا نعثر إلاّ على صفحات معدودة، موزّعة في دراسات وأطاريح جامعية تحوّلت إلى كتب، نذكر منها: مؤلف عبد الغني منديب[3]، عكاشة بن المصطفى[4] وعبد الحكيم أبو اللوز[5]. بينما في المقابل، نجد إنتاجا مهما وضافيا خصّص للأضرحة أو للزوايا وللإسلام المارابوتي عموما. يتعلّق الأمر، بتوجّه قوي في دراسة التديّن اختار الابتعاد عن مقاربة الممارسات المعيارية كالصلاة التي تقام داخل المساجد أساسا، ومن ثمة لم يتخلّص من ثقل التراكم الكولونيالي وطروحاته المنجزة حول مؤسسات دينية ركّزت على الزوايا والشرفاء والصلحاء في علاقة بالتنظيم القبلي والسلطة المخزنية. والحال أنّ إهمال المساجد لم يعد له اليوم من مبرّر، بالنظر إلى أهميتها السوسيولوجية الراهنة وضرورة فهم الظواهر الدينية والثقافية والسياسية والإيديولوجية المتّصلة بها والمنفصلة عنها.

يعكس الحديث عن المسجد، أهمية مؤسسة مركزية في الثقافة الإسلامية وفي التاريخ الإسلامي الممتد منذ قرون إلى غاية اللحظة الراهنة، مؤسسة صنعت أحداثا وأطّرت وقائع واحتضنت أدوارا واضطلعت بوظائف مختلفة، يلتقي فيها الديني بالسياسي والاجتماعي بالاقتصادي، كما تتقاطع فيها الدعوة بالدعاية والوعظ الديني بالتعبئة السياسية. فمنذ زمن النبوة المبكّرة، جمع المسجد بين الديني والسياسي واعتبرت إشارة النبي لاستخلافه من قبل أبي بكر في الصلاة، إشارة قوية على استخلافه في تسيير شؤون المسلمين وحكمهم. فبالإضافة إلى كونه مكان عبادة ونسك، يمثّل المسجد حرما يحتمي فيه الأفراد، وفضاء تربويا للصغار وتنشئويا للكبار، يتلقّون فيه مجموعة من التعاليم والمبادئ والقيم الاجتماعية والمواعظ الدينية، وإطارا مؤسّسيا تضامنيا لجمع الأموال والتبرّعات لدعم الفقراء والمحتاجين. والحق، أنّ المتأمل في مكانة المسجد ومنزلته الحيوية عبر مختلف لحظات تاريخ المغرب السالفة والمعاصرة، سيلفي إلى جانب ما ذكر، أنّه كان ولازال أهم أدوات التحكّم الديني والسياسي للدولة، من خلال توظيفه ومراقبته ومحاصرته إذا لزم الأمر، ففي المغرب حتما، لا نستطيع الفصل بين مراقبة شؤون المعتقد ومراقبة المجال الترابي.

فما هي إذن، رهانات الصراع والتنافس الديني التي تطرحها المساجد اليوم قياسا إلى مراحل سابقة؟ وهل هناك محدّدات ثابتة لتدخّل الدولة -عبر مراقبة أماكن العبادة ومتابعة أنشطتها ونشطائها- تعكس تبلور سياسة دينية واضحة المعالم؟ وأخيرا ما هي الأشكال التي لازالت تدار بها لعبة التحكم الدّيني عبر منابر المساجد بالمغرب؟

1- أهمية المساجد ومركزيتها في المجتمع المغربي

يشكّل المسجد[6] فضاء مقدّسا ومعياريا بالنسبة إلى المسلمين، لما يؤديه بين ظهرانيهم من وظائف حيوية في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية. هندسيا يقع وسط الأحياء الحضرية وفي قلب مساكن الدوار أو المداشر القروية، فهو مركز حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، لذا تحاط به متاجر وحمّامات تكون عائداتها لفائدته. ولأهميته الشديدة في حياة الناس، فإنهم يتضامنون في بنائه[7]، بل كثيرا ما يبادرون بالمشاركة في جمع التبرّعات والمساهمات. نلمس هذا الحرص في الأحياء الجديدة، تدشينا لبدايات يحوز فيه المقدّس قدرا مهما، ونوعا من إعادة الأسلمة داخل هذه المنشآت الحديثة أيضا؛ هي فرصة لهؤلاء المبادرين لمضاعفة رصيدهم الديني والرمزي وسط الساكنة، لهذا يسعى الأفراد عادة للحصول على مساكن مجاورة له؛ يتعلق الأمر في النهاية بحرص قوي للالتفاف حول المسجد والاقتراب منه بوصفه مكانا مقدّسا ومباركا.

المسجد قِبلة يومية يؤمهّا الناس في أوقات محدّدة لأداء الصلوات الخمس المعروفة، وفضاء لتبادل الأفكار والأخبار وتعميق الروابط والمصالح الدنيوية، من هنا يتّجه إلى توحيدهم، بجمعهم مكانيا في مواعيد يومية محددة. وبالرغم من أنّ طقس الصلاة في الإسلام قد يتم خارج المكان المخصص للعبادة كمحلّ البيع أو بالبيت أو غيره، فإنّه بالمسجد يحظى بأهمية دينية كبرى خصوصا صلاة الجمعة؛ إذ تمثّل فرصة للأفراد للإنصات للخطبة والإفادة من مواعظها وفرصة للأئمة والخطباء أيضا، للتواصل مع جمهورهم وممارسة سلطتهم الدينية والبلاغية والخطابية وحقن أفكارهم وتوجّهاتهم في قوالب حماسية ملتهبة، أو الاكتفاء بترديد خطب باردة، مفارقة لحياة الناس وقضاياهم اليومية المباشرة، كما هو حال عدد من الخطباء التقليديين و"الفقهاء البلديين".

ظلّت المساجد مسرحا لخطابات دينية متعددة، مفتوحة على أصناف من التوجيه والإرشاد والتلقين، وهو ما صنع اختلاف جمهورها أيضا، تبعا لطبيعة الخطب والخطباء الذين يعتلون منابرها. هل هي خطب احتجاجية، تعادي السلطة وتعترض على سياساتها؟ أم أنها مهادنة وبعيدة كلّية عن تناول الشأن السياسي؟

للمسجد أيضا أهمية سوسيولوجية وديموغرافية لا يمكن تجاوزها، ففيه يحتشد الناس وإليه يفد القاطنون من مختلف الأحياء المجاورة والبعيدة، وإليه أيضا يأتي المسافرون والزوار العابرون والباعة والتجّار من مختلف المناطق، وتحت سقفه يجتمع المصلّون من كافة الشرائح والمهن والمستويات المعرفية والانتماءات الحزبية والنقابية، وبرحابه يتبادلون الأحاديث والأفكار والأخبار، مؤسّسين لعلاقات جديدة اقتصادية واجتماعية..، معمّقين الروابط القائمة مثل الجوار أو الانتماء المهني أو الوظيفي... إلخ. ولئن كان المسجد يسمح، عبر حلقات الذكر ودروس الوعظ، بتكوين مجموعات يوحّدها الانتماء الفكري أو العمري (مراهقين- شباب- شيوخ..) أو التنظيمي (خلايا وأنوية لجماعات دعوية)، فإنّه أيضا يضمن شروط المواطنة الأساسية، لاسيما في صلوات الجمعة حيث يقصده المصلّون، مجتمعين في صفوف متراصّة، منصتين لخطب الإمام-الخطيب، ومباركين من خلال الدعاء لملك البلاد، سياساته الكبرى ومجدّدين له البيعة والارتباط بسلطاته الدينية والدنيوية.

في مستوى آخر، نجد أنّ المساجد ومناراتها العالية، ظلت رموزا سامقة تؤشّر على الهوية الدينية والإسلامية، لاسيما خارج المغرب أو بديار المهجر، إذ تستحيل إلى علامات تؤشّر على النجاح الذي يحققه الدين الإسلامي كل يوم بانتشار رقعته خارج الديار الإسلامية. وحتى بداخل البلاد، فإنّ الأفراد يتفاخرون بها، سواء بالمدن وأحيائها أو بالمداشر والدواوير القروية؛ فبالوسط القروي مثلا نجد أنفسنا أمام "الجامع"* من حيث هو مؤسسة جماعية مشتركة بين أهل الدوار، وجزء من بنياته الأساسية[8] لكنه يتجاوز شؤون العبادة مادام فضاء يحتضن إضافة إلى الصلاة، وظائف كثيرة كتعليم الأطفال وغسل الموتى وتخزين المياه المنزلية الصالحة للشرب في الشهور الجافة وإيواء الغرباء وضيوف الطريق، أو لعقد اجتماعات الساكنة. فهو يتمتّع بقداسة خاصة[9]، تنطلق منه معظم الأنشطة القروية اليومية، ففيه يجتمع أفراد "الجمْاعة" (تسكين الجيم) لتدارس قضاياهم، وداخله تتعمق علاقاتهم وتتقوّى صلتهم بالفقيه المسؤول عن "الجامع"؛ وأمام غياب مؤسّسات قوية وفاعلة، يصبح الإطار المؤسسي الوحيد لاحتكار كلّ الوظائف الدينية والدنيوية المتصلة بحياتهم اليومية، حيث يغيب تدخّل الدولة وتغيب مؤسساتها التعليمية والصحية وغيرها[10]، مثلما أنّه الحصن الذي يحتمي به القرويّون والمعلمة التي تجسد هويتهم وانتماءهم الديني في بعدها المحلي[11]. من هنا يصبح موضع مراقبة واهتمام الجميع، فبالإضافة إلى "الفقيه" و "مقدّم الجامع" بإمكان كلّ فرد من "الجماعة" أن يبدي رأيه بصدد هذه المؤسسة الجماعية التي يعدّها القرويون جزءا لا يتجزأ عن حياتهم اليومية وملكياتهم الخاصة والمشتركة.[12] بل إنهم حينما يتحمّلون عبء تمويلها والأقساط المادية "للشرط"، ينطلقون من اقتناع ثقافي تعتبر هذا السلوك عبادة في حدّ ذاتها.

2- المساجد رهان الدعوة والدعاية

لا شكّ أنّ الدعوة خطاب ومعطى تاريخي لظاهرة دينية اقترنت أساسا بالنبوّة[13]، فلا وجود لدعوة خارج النبوّة، لأنهّا ابتدأت برسالة ووحي انتهى بصريح التعبير القرآني: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا..."[14]؛ ووفقا لهذا المعطى التاريخي، فالنبوّة حتما لا تستأنف[15]. أمّا ادعاء مشروعية الدعوة، فمبرّراته كثيرة منها أنه يوفّر لصاحبه رأسمالا مهمّا في المنازعات السياسية والدعوية، لاسيما في مجتمع، مشروعيته السياسية وثقافته العميقة دينية؛ فالدعوة رأسمال يعين الداعية على مهمّته ويتيح له امتلاك سلاح لا يقهر في مخاطبة الجمهور. من هنا نفهم كيف ظلت الدعوة سلطة تزايد عليها الطلب في مختلف محطات تاريخ الإسلام، وهو ما يفسر أيضا كيف أنّ دولا كثيرة حكمت المغرب، سبقتها عمليا دعوات ومهّدت لها حركات دينية أو صوفية ودعوية، فالمرابطون مثلا سبقتهم دعوة عبد الله ياسين، والموحّدون تزعم حركتهم المهدي بن تومرت. هاهنا يصبح المشروع السياسي مسبوقا بحركة دعوية، لأنّ الدعوة شكل من أشكال التعبئة والتجييش.

أمّا اليوم، فيمكن الحديث عن أسواق للدعوة ومؤسسات لإنتاجها وترويجها، مما يجعل الربط بين الدعوة والدعاية ربطا قويا، اتسع وامتد ليشمل صنف الدعاة الذين اخترقوا الساحة الإعلامية ووسائل الاتصال الرقمي الجديدة بغاية الوصول إلى أكبر عدد من الناس وعبر مجموع الأوساط والبلدان العربية والإسلامية.[16] ولئن كان الشائع اختلاف مفهوم الدعوة عن الدعاية، فإنّ باحثا مثل عبد الله حمّودي يرى أنهما مرتبطان، داعيا إلى ضرورة تفكيك هذا المفهوم وإعادة النظر فيه من حيث هو يتضمن حركة في ذاتها لها تنظيماتها وزعاماتها، ومن ثمة تحديد المسافة التي تفصل الديني عن السياسي وما يلفّهما معا، مثل التوظيف والاستعمال والنزعة التحكمية المفضية إلى العنف وتجميع الثروة.[17] ولئن كان مفهوم الدعوة يحمل معنى الانفتاح بالدعوة إلى الله والدين والأخلاق واستحضار الآخر، فإنّ الدعاية إيديولوجيا مغلقة على ذاتها تسعى لأن تبسط وجودها. ثم إنّ "الدعوة إلى الله" ليست مفهوما مجرّدا، بل هي رهان واقعي للتنافس بين مجموعة من الأطراف، لأنّها: "من المهام الأساسية للحكّام المسلمين، وهو الأمر الذي جعل منها فضاء يتنافس فيه الدعاة الرسميّون ومؤسّساتهم مع الدعاة والحركات التي تنصب نفسها للقيام "بواجب الدعوة" إلى الله".[18] إنّها تجربة تاريخية أفرزت دعاة مختلفين ومتعدّدين، إن على المستوى السرّي أو العلني، بأهداف متباينة مصرّح بها أحيانا وغير مصرّح بها أحيانا أخرى.

بالتوقّف عند لحظات من تاريخ المغرب، نجد أنّ المسجد لعب أدوارا كبرى تبرز تمفصلات الدعوة والدعاية سياسيا وتنظيميا وحركيا، فقد كان مثلا قناة تواصل أعضاء الحركة الوطنية ومجالا قويا لنشر الفكر السّلفي، كما ساهم في الرفع من مستوى الوعي الوطني لدى النخب الدينية وتوطيد الروابط بين الأفراد من مختلف مناطق وجهات البلاد. فقد كان فضاء للتنظيم السياسي، بدليل أنّ قراءة اللطيف ضدّ ما عرف ب"الظهير البربري" انطلقت من رحابه لمّا خرج المصلون سنة 1930، محتجين ومعلنين رفضهم، حيث "شكّلت خطب الجمعة مجالا لنشر الفكر السياسي للنخبة الوطنية، (...) وكانت هذه الخطب تنتهي بتظاهرات احتجاجية يكون المسجد منطلقها"[19]؛ بهذا حقّق هذا الفضاء في تلك الفترة التاريخية، وظيفة جديدة تمثلت في ربطه بين النخبة والمجتمع، سواء على مستوى التمثل أو السلوك السياسيين[20].

وعبر محطات تاريخية وسياسية مختلفة، راكم المسجد بالتدريج رأسمالا قداسيا لا يقهر، تحوّل بموجبه إلى منبر دعوي وسياسي، بل أمسى من خلاله مدارا للصراع ورهانا للتنافس الإيديولوجي بين أطراف مختلفة، لأنه ببساطة كان ولا زال قادرا على لعب أدوار مختلفة تبلغ مبلغ التباين، من تعزيز الطاعة وتبرير الخضوع والمصادقة على الأمر الواقع ومباركة الوضع القائم، إلى التعبئة والتجييش ضدّ الحكام والساسة والأحزاب، وصولا إلى مستويات التحريض والتمرد والعصيان والاحتجاج. فمثلما يمكن للمسجد أن يكون مصنعا لتفريخ جماعة الطيّعين والمطيعين، يمكنه أن يستحيل أيضا إلى حاضنة لإنتاج محتجّين وعصاة متمرّدين.

في سبعينيات القرن المنصرم، صارت المساجد رهانات دعوية كبرى بالنسبة إلى الحركات الدينية وللجماعات السلفية مثلا بمختلف تلويناتها وشبكاتها الموزعة بالأحياء والمنتظمة في حركات لبناء المساجد[21]، بعد تنفّذها في الأحياء الهامشية والفقيرة، عبر آليات التضامن الاجتماعي والاقتصادي التي استطاعت تطويرها في صفوف الفئات المسحوقة خصوصا في المدن الكبرى. في هذا السياق، وجدت مجموعة من الحركات الإسلامية في الشبيبة المتمدرسة[22] التوّاقة إلى الابتعاد عن التمثيليات الدينية التقليدية (الفقيه، الزوايا، الطرقية...) قاعدتها الصلبة، كما وجدت في المساجد منابر مواتية لمخاطبة الجماهير الواسعة بشكل مقنّن أيام الجمعة، معتمدة على مجموعة من الوعاظ المتمدرسين والمهتمين بالشأن العام والمتتبعين للقضايا الاجتماعية والسياسية الراهنة والمنفتحين كذلك على المرجعيات الحداثية[23]. فقد بدا الرابط بين الحركات الإسلامية و"الحداثة" واضحا، خصوصا مع روّادها الكبار في العالم العربي سواء مع "عبد السلام ياسين" بالمغرب أو مع "حسن الترابي" بالسودان أو لدى "راشد الغنوشي" بتونس. فقد "كفّت العديد من الحركات الإسلامية في العقدين الأخيرين عن النهل من مرجعيات الإسلام السياسي التقليدية، ولا يتمّ التذكير بأسماء الرواد مثل "ابن تيمية" و"الغزالي" و"المودودي" و"سيد قطب"، إلاّ من قبيل الإشادة بفضائل أصحابها"[24]؛ تزايد عدد نشطاء هذه الحركات، كردّ فعل عن الحرمان الذي تعيشه الطبقات الوسطى والدنيا، ومن منابر المساجد وظّفوا خطب الجمعة للتنديد بتهاون السياسيين في الدفاع عن الدين وتطبيق التعاليم الشرعية[25]؛ ويبدو أنّهم في ذلك، استطاعوا ملء فراغ كبير في صفوف الفئات الشعبية، لا سيّما بعد الفشل الواضح لمؤسّستين كبيرتين بالمغرب هما جامع القرويين ودار الحديث الحسنية[26]، مستثمرين قدراتهم الواسعة على التواصل مع الناس والتأثير فيهم من خلال الخطب ودروس الإرشاد[27].

وممّا هو غير خاف أيضا أن جماعة دينية، "كالدعوة والتبليغ" مثلا، استطاعت أن تجعل من المسجد مركزا قويا لنشاطها الديني والدعوي؛ لمّا عمدت منذ تأسيس فرعها بالمغرب سنة 1975، إلى شراء كنيسة قديمة وتحويلها إلى مسجد تحت اسم "مسجد النور"، لتتمكن عبره أن تضمن لنفسها قاعدة متزايدة خصوصا في صفوف القرويين والفئات الشعبية بالمجتمع ككل، موجهة استقطابها كذلك لشخصيات دولية وأخرى محلية فنّانين ومطربين مشهورين[28]. في هذا الزمن السبعيني، كانت الخطبة أهم أداة لتمرير الخطاب الإسلاموي، بعد بروز خطب على شاكلة "الخطب الكشكية" (نسبة للشيخ عبد الحميد كشك) لقدرتها الواسعة على تحميس جماهير المصلين وتعبئتهم بسرعة فائقة[29]. غير أنه بانتشار هذا الصنف من الخطب النّارية في كثير من مناطق المغرب، تنبّهت السلطة لخطورتها[30]، فعملت من خلال وزارة الأوقاف على تحديد مواصفات خاصة للخطيب في مؤتمر فاس1987[31]؛ كما حاولت لاحقا من خلال النشرات الخاصة التي تسهر على نشرها تحت عنوان "نشرة الأئمة والخطباء"، أن تحمّل الأئمة والخطباء مسؤولياتهم الدينية دون أن تعلن بشكل مباشر حجرها على حريتهم الخاصة التي تقتضيها مزاولة مهامهم بمنابر المساجد.

وبدول مجاورة، يمنحنا النموذج الجزائري تجربة خاصة، تحوّلت فيها المساجد من أماكن للعبادة إلى مراكز للجهاد وتفريخ المجاهدين المساهمين في حرب العصابات والمنضوين تحت ألوية جبهة الإنقاذ، التي عبأت شبابها بأفكار سياسية معارضة، من خلال المضمون السياسي الذي أضفته على خطابها الديني[32]، هاهنا نكون أمام مستوى يتحوّل فيه المسجد، تحت التأثير الدعوي والإيديولوجي، إلى مركز تنظيمي لثقافة العنف والوصول إلى السلطة، وإن كان هذا العنف يأخذ في لغة هذه التنظيمات معنى مغايرا هو "الجهاد"[33].

وعلى غرار ما يقع في المدن والحواضر الكبرى، لم تعد خطبة الجمعة بالأوساط القروية خطبة مواعظ ودروس دينية فقط، بل صارت بالتدريج قناة لتمرير خطابات جديدة قياسا لما كان عليه الحال فيما سبق[34]؛ بعد أن برزت داخل الدواوير القروية، نماذج جديدة من النقاشات الدينية والمظاهر المجسدة لانتماءات خاصة، سواء على مستوى اللباس والهندام أو على مستوى التعامل مع الجسد (اللحية- شكل تصفيف الشعر- الحجاب بأنواعه وأشكاله المختلفة...)، مخترقة نسيجها الاجتماعي، ليتقوّى هجوم هذه النماذج الدينية مع ما ساوقها إعلاميا في بعض القنوات الفضائية العربية المعروفة، متجاوزة بذلك نموذج إسلام "فقيه الشرط"؛ والحال أنّ بقاء صنف شبه أمّي[35] من هؤلاء الخطباء التقليديين على منابر المساجد وضعف دور الدولة في تكوين أطر مؤهلة وقادرة على الاضطلاع بمسؤولية الإمامة والخطبة خصوصا بالبوادي، سمح ببروز زعامات دينية جديدة منافسة، وتضاعف انتقاداتها لتكوينه الضعيف ولإشرافه على الشأن الديني بالبادية المغربية.

يتيح المسجد اليوم إذن، فرصة كبرى لشباب يملكون ثقافة دينية "عصرية" تنهل من مرجعيات علمية مختلفة وينضّدها تكوينهم الدراسي والجامعي، قياسا إلى "الفقهاء" والوعّاظ التقليديين بسطاء التكوين. يتعلّق الأمر بجيل جديد يتمتع بقدرات التواصل مع المستمعين بعيدا عن اللغة الفقهية الصعبة، يعتمد أسلوبا بسيطا ومباشرا في تناول مواضيع مختلفة ومنفتحة على المستجدات الراهنة، أحداثا وقضايا وظواهر متجاوزا مفهوم الموعظة التقليدية. والجدير بالذكر، أنّ هؤلاء الأئمة والوعاظ الجدد لا يخفون في كثير من الأحيان تأثرهم السّافر بالمشرق ونماذجه الدعوية وأفكاره المذهبية؛ والملاحظ أنّ أعدادهم باتت في تزايد مستمرّ، بالغة عمق المداشر والدواوير القروية، مستفيدة من عوامل كثيرة، نذكر منها هاهنا:

- ضعف الإعلام الديني بالمغرب، رغم الجهود المبذولة في هذا الباب.

- قوّة الخطاب الدعوي المشرقي لاعتماده على ترسانة إعلامية مهمة، أبطالها دعاة جدد ومشايخ متخصصون في الإفتاء المباشر من على منابر قنوات فضائية مشهورة.

- ضعف الكتابات الفقهية المغربية وميلها إلى التعقيد مع ابتعادها أيضا عن قضايا الناس ومعيشهم اليومي.

- غيابها في الأسواق، مقارنة مع كتابات المشارقة التي تفيض بها المكتبات الشعبية وعتبات المساجد وأسواق القرويين أيضا!

يبتعد هؤلاء الخطباء الشباب "المتمشرقون" في خطبهم، عن خصوصيات الإسلام المغربي ومشاكله الفقهية، لأنهم باعتمادهم على كتب ومراجع مشرقية، استنسخوا مشكلات فقهية لا تناسب دائما الواقع الاجتماعي والثقافي المغربي. ونستطيع أن نؤكد أنّ استعارة هذه المرجعيات الفقهية المشرقية، أو لنقل النماذج الإسلامية المشرقية، أضحت مشكلة حقيقية تهدد الفهم الديني بالمغرب وتلبسه بمجموعة من البدع والمحدثات التي لا تلائم حياة المغاربة ولا تناسب في شيء نمط وجودهم الاجتماعي والثقافي.

3- استراتيجيات الدولة في التحكم الديني عبر المساجد

إدراكا منها لخطورة المنابر المسجدية، ظلت مهمة الإشراف على دروس الوعظ والإرشاد[36]، من اختصاص الدولة المغربية، التي كانت منذ القرن السابع والثامن الهجريين، تتدخل في بناء المساجد والإشراف عليها من خلال تحبيس الأوقاف وتعيين القيمين الدينيين، كما أن دروس الوعظ والإرشاد لم تكن تلقى دون استئذان من السلطات التي تعمد إلى مراقبة هؤلاء المرشدين والوعّاظ؛ ففي عهد المرينيين مثلا، كانت الدولة تسهر على تسيير شؤون المساجد وتعيين قيميها والمشرفين على الكراسي العلمية بها[37]، مدركة خطورة الانحراف السياسي الذي يمكن أن يميز الدروس العلمية والدينية، لذلك اتخذ إشرافها على هذه الفضاءات شكل متابعة ومراقبة حتى للمضامين والمحتويات الملقنة داخلها حتّى لا تتحول إلى شؤون الدولة؛ كما ظل الحكام وأعوانهم يتوجّسون من كراسي المساجد، من حيث إمكانية تحولها إلى منابر سياسية مناوئة[38].

ومع فجر الاستقلال، عملت الدولة الوطنية على احتكار تسييرها للشأن الديني، مقلصة من دور العلماء ومقزّمة لمكانة رابطتهم العلمية[39]، إلى الحدّ الذي أصبحت فيه مغيّبة عن الحياة اليومية والمجتمعية، فاستحالت إلى مجرّد مؤسّسة لتقديم المشورة الشكلية دون القدرة على المشاركة السياسية؛ كما أنّ المجالس العلمية التي تمّ تأسيسها، ظلّت غير قادرة هي الأخرى على المبادرة ولو بعقد اجتماع دون إذن من الملك أو الحصول على موافقته[40].

بعد احتجاجات أبريل 1984، التي تورّطت فيها جماعات إسلامية[41]، ستضاعف الدولة من سياسة الرقابة على المساجد، حيث تمّت محاصرة أنشطة "الدعاة المستقلّين" وفرضت نماذج جاهزة من الخطب يكتفي الخطباء بتلاوتها[42]، كما تمّ إقفال أماكن العبادة خارج أوقات الصلاة[43]وتشديد التضييق على الأنشطة الدينية التي تقام بالمساجد[44]. إلاّ أنّه من الواضح أنّ هذه السياسة أخفقت جزئيا في مراقبة الحركات الإسلامية، طالما أنّ هذه الأخيرة ظلّت تستعمل أساليب كثيرة للتملص من المراقبة ومنها التنظيم أو العمل السرّي.

بالموازاة مع ذلك، سعت السلطات أيضا إلى تقليص أماكن العبادة، وتمّ التحكّم بكلّ قوّة في بناء المساجد وأخضعت لموافقة مسبقة من وزارة الأوقاف، على اعتبار أنّ المسجد "ليس مجرّد مبنى يجب أن تتوافر له الإرادة الحسنة وأعمال الترميم والتصليحات شأنه في ذلك شأن كافة الأملاك العامة، ولا يكفي أن يكون مملوكا لأحد لكي يكون لمالكه الحق في الإشراف على استخدامه"[45]، كما وسّعت من صلاحيتها في قبول أو رفض رخصة بنائه وألزمت صاحبه، بتمليك مبان خاصة للحبوس (دكاكين في الغالب) من خلالها يتمّ دفع أجور صيانة المسجد وأجور المشرفين عليه[46]؛ على أنّ تعيين الخطباء والأئمة من طرف الأوقاف، سيصبح رهين استشارة سلطات الدائرة أو العمالة وكذا أعضاء المجلس العلمي[47]؛ ولأجل متابعة الجمعيات الدينية والنشطاء الدينيين المتعددين، تمّ تعيين أطر خاصة لها تكوين في "المسائل الدينية"، ألحقت بالعمالات وأنيطت بها مهامّ الإشراف على المصالح والشؤون الدينية[48]. كما تحكّمت الدولة أيضا، في طلبات الترخيص الخاص ببناء المساجد الجديدة، وضم المساجد التي شيّدها الخواص إلى الوزارة الوصية وجعلت تحت تسييرها المباشر، كما عملت على الإشراف على تكوين القيّمين الدينيين بتنسيق مع المجالس العلمية وتنظيم دورات لفائدتهم، وإنجاز تقارير متتالية ودورية حول أحوال المساجد وحاجياتها وسائر الأنشطة القائمة بها.

إدراكا منها لأهمية المسجد وخطورة خطب الجمعة التي تلقى داخله، بل ولوعيها بتأثيرها الإيديولوجي، ظلّت الدولة المغربية تراقب باستمرار وحذر شؤون المعتقد، كما تراقب بنفس الاهتمام مجالها الترابي، سعيا منها للحفاظ على الأوضاع القائمة دون أي فصل بيّن بين الأمن المادي والروحي؛ فباسم الدين ترسّخ وجودها وشرعيتها كما تعمق سلطتها، "لأن من يتحكم في المعتقد، في السلطة الدينية والروحية، في السلطة الرمزية، يمكنه التحكم في السلطة المادية ومن ضمنها المجال، وكذا التحكم في المجال السياسي أي في اتخاذ القرار"[49]. لكن ينبغي القول، إن سياستها تجاه المساجد اتسمت عموما ببراغماتية واضحة[50]، بمدّ يد الدعم والمساعدة حينا وقطعها أحيانا أخرى؛ فقد عرفت مثلا تشجيعا قويا، سواء بالمدن أو بالبوادي، أيام كان "علال الفاسي" على رأس وزارة الأوقاف (1961-1962) لمّا هو حاول أن يجعل منها قناة لتوسيع قاعدة حزب الاستقلال في صفوف الأئمة وفقهاء الكتاتيب القرآنية؛ وأمام ضغط الحزب الذي حظي بتمثيلية الأغلبية بالبرلمان، استجاب القصر لهذا التوجه الإيديولوجي[51]، إلا أن آمال هذه الفئات الدينية سرعان ما منيت بخيبة شديدة، ليكشف مآل الأمور تدريجيا عن مغرب سائر في طريق مغاير وليبدو الدعم والتشجيع الذي لقيته المساجد ونشطاؤها لم يكن إلا نوعا من المغازلة السياسية الظرفية[52].

بعد أحداث 2003، ستعرف سياسة الدولة تجاه المساجد منعطفا مهما[53]، بتشديد الاحتراز والحذر، إلى حدّ إغلاق مجموعة منها لكونها اعتبرت أنوية صلبة لخلايا متطرفة، تنشر من خلالها أفكارها المتشددة، بل عقب الأحداث مباشرة، ستتم تعبئة المساجد في كل أنحاء البلاد للتنديد بالأعمال العنيفة، ووظّف الخطباء بأمر من الجهات المسؤولة، منابرهم الأسبوعية لتبرئة ساحة الإسلام من هذه الممارسات التي وصفت بالإجرام والإرهاب، وأكدت بعض الأصوات على أن الحقل الديني لا ينبغي أن يبقى مفتوحا كما كان أمام أئمة وخطباء نصف أميين أو متطرفين أو لا تتحقق فيهم ضوابط الإمامة من الاجتهاد الفقهي والديني[54]، في هذا السياق الأمني، تمّ إغلاق المساجد الصغرى التي كانت عبارة عن مرائب، لا سيما تلك التي توجد في وسط الأزقة والأحياء المزدحمة للمدن العتيقة، والتي يرتادها الحرفيون وصغار التجار، والراجح أنها كانت تقع تحت سلطة نشطاء سلفيين تحديدا، كما تم إغلاق جمعيات الدعوة إلى القرآن والسنة، التي تنشط بمساجد في حوزة محسنين أوفياء لنشطاء سلفيين.[55] نستطيع أن نؤكد إذن، أنّ الدولة انتبهت لهذه المخاطر الدعوية وتغلغل أفكارها الإيديولوجية، عبر سياسة عرفت بـ "تأهيل الحقل الديني منذ 2004"، فألحقت المساجد لمندوبية خاصة تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومن ثمة باتت تتكفل بتنظيم وتتبّع وتوجيه الوعظ والإرشاد داخل أماكن العبادة بتنسيق مع الهيئات والمجالس المحلية[56].

وعبر سياسة الضمّ والدمج، تم إلحاق عدد من المساجد لوزارة الأوقاف؛ ولئن كانت من قبل أحداث 2003، تشترط توافر مجموعة من العناصر للنظر في طلبات الدمج الواردة، كأن يكون المسجد مؤهلا ومستقلا بموارده ومرافقه، في محاولة منها للتخفف من أي عبء مالي إضافي، فإن أحداث 16 مايو العنيفة سرّعت في الواقع من وثيرة تأميم وضم المساجد للوزارة الوصية، خوفا من تنامي المد السلفي من جهة، ورغبة من جهة ثانية في إحكام القبضة على هذه المنابر ضد أي خطر محتمل، متنازلة عن الشروط الصعبة التي كانت تضعها في قبول طلبات ضم المساجد.[57]

في سنة 2005، ستضاعف الدولة تحكمها في مصادر تمويل المساجد، وذلك عبر قانون متعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي، للحيلولة دون استغلالها لأهداف أخرى مخالفة. من هنا تم جعل الوالي أو العامل، هو المسؤول عن الترخيص لبناء مسجد معين، بعد تأكيد اللجنة المسؤولة مدى احترامه للشروط المحددة من قبل الوزارة المعنية.[58] كما تم الحد من أنشطة الجمعيات المسجدية التي لا توافق الخط الديني والمذهبي للدولة وفقا لقوانين خاصة، وبموجبها تم تجميد عدد من هذه الجمعيات، تورطت في تحصيل أموال بطرق غير شفّافة وخارج وصاية السلطة التي تراقب عملية جمع التبرعات وطرق إنفاقها. لكن نتساءل، إلى أيّ حد وفقت الدولة بهذه الإجراءات في الحد من استغلال المساجد لأغراض دعوية وإيديولوجية؟ وهل تراها تستطيع بذلك القضاء على التطرف والتشدد الدينيين؟

نؤكد بداية أنّ التطرف، وهو الظاهرة القديمة-الحديثة، ليس وليد الدين وإنما هو وليد نوعية فهم أو تدين خاص[59]؛ وبشكل أوضح فمبررات وجوده تتداخل في صنعها عوامل كثيرة بعضها خارجي، لكن أغلبها بنيوي ويوجد لصيقا بالمجتمع المغربي. لذلك هناك من يرى[60] أنّ النظام السياسي، ساهم هو نفسه في صنع القاعدة الأساسية للإسلاموية بمختلف مشاربها وأصنافها، لأنه بعد أن تم إفقاد الأحزاب والهيئات السياسية شرعيتها ومصداقيتها، بدأ البحث يتجه نحو بدائل أخرى جسدتها بذكاء وبراغماتية حركات دينية وجماعات الإسلام السياسي[61]ولئن انتهى بعضها إلى الدخول في اللعبة السياسية والانخراط في ممارسة التدبير الحكومي والتنصل التدريجي من خطابها الأخلاقي المتشدد الذي كانت تمارسه في المراحل السابقة، فما زال بعضها الآخر يعمل في سرية مطلقة أو يرفض الانخراط في لعبة السلطة.

بالرغم إذن من كل هذه الإجراءات، فإنّ جزءا من المساجد ما يزال تحت سيطرة عناصر دعوية وجماعات إسلاموية على الأقل رمزيا، بالنظر إلى أساليبها السرية في التنظيم والعمل والاشتغال. كما أن إخضاع المساجد غير التابعة للأوقاف لمراقبة الوزارة الوصية، ما زالت تخترقه مجموعة من الاختلالات، ما دامت الجمعيات المسيرة هي التي تتكلف باختيار الخطباء بعد تزكية من أحد المجالس العلمية، ولا شك أن الأمر لا يحدّ من تسلل دعويين نشطاء إلى منابر الجمعة في المساجد بطرق أو بأخرى.

لا ننسى أيضا أنّ الدولة رسّخت عبر مراحل مختلفة صورة، تبدو فيها شبه متخلّية عن المساجد أو لا تدعمها كفاية ومتى ما قارننا بين تحكمّها في هذه المؤسسات ودعمها، سنلفي كفّة الدعم أخفّ بكثير من كفّة المراقبة والتحكّم. فالتمويل والإعانات الموجهة إلى الجمعيات المسجدية هزيل جدا إذا ما قورن بحجم الدعم الذي تقدمه الدولة لجهات أخرى، زوايا وأضرحة وغيرها. وإلى اليوم لا زالت أجور بعض المسؤولين الدينيين على المساجد تتوقف على إعانات المحسنين، كما أنّ المساجد غير التابعة للأوقاف ما تزال متروكة لدعم المحسنين وتبرّعاتهم، مما يفتحه على سبل أخرى قد تكون مشبوهة أو تتحكّم فيه أطراف وخلايا، يتعلق الأمر أحيانا بأموال سخية تكثف بها هذه الأخيرة شبكاتها الدعوية والسياسية.

خلاصة

يمكن القول، إنّ نمط السياسة الدينية للسلطة المغربية وتعاملها مع أماكن العبادة مر بمراحل مختلفة، اخترقتها تكييفات وتعديلات وأهداف لحظية وأخرى بعيدة، إذ يقوم النظام المغربي ككل على توظيف قوي للدين، فالملك هو في الوقت نفسه أمير للمؤمنين وإمام[62]؛ وقد ظل قادرا على مراكمة السلطة الدينية والسياسية والعسكرية، لكونه المشرف المباشر على الجيش وبيعته الشرعية لا يسندها غير العلماء، باعتبارها الصيغة القرآنية للسلطة السياسية، المجسدة للصورة النموذج والمعبرة عن فكرة العهد والعقد[63].

على أنّ هاجس الدولة وحرصها على التوظيف الإيديولوجي للدين، إلى الحد الذي يمكن أن نتحدث فيه عن "أصولية الدولة" وتشدّدها في مراقبة المساجد، كان يحركه باستمرار الخوف من أن تتحول هذه الأخيرة ومنابر خطبائها إلى أسلحة تهاجمها عبر مشاريع دعوية، فقد أدركت عبر مسار التاريخ، أنّ الدعوة مشروع سياسي إيديولوجي، فالوعظ والإرشاد يخفيان دعوة إلى تفسير معين للدين يهدف إلى جمع الأفراد سياسيا عبر الدين.

ولأنّ الدولة المغربية تعي مخاطر هذا التمفصل بين المشروعين، فإنها بالإضافة إلى اعتراضها على أي مشروعية دينية منافسة، ترفض تحويل الدين من ملكية المجتمع إلى ملكية مجموعة صغرى أو أفراد ينضوون داخل جماعة مذهبية، لأنها تعي أنّ الدعوية إنما هي تمارس تضليلا كبيرا، وهي التواقة لدخول الحلبة السياسية، متعمّدة إخفاء مضمونها السياسي ومدّعية أسلوب الوعظ والإرشاد الأخلاقي الخالص، والحال أنها تتوسّل كافة سبل التجييش والتعبئة. أفلم يكن مبدأ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، البوابة الأساسية لمهاجمة النظام وتهديده؟


[1] Bruno Etienne et Mohammed Tozy: «Le Glissement Des Obligations Islamiques vers Le Phénomène Associatif à Casa Blanca»: Annuaire de L’Afrique du Nord, Paris (CNRS), 1973, Vol 18, pp(235-257).

[2] Mohammed El Ayadi Hassan Rachik Mohammed Tozy, L'Islam Au Quotidien, éd, La croisée des Chemins, Coll., Essais, Casa Blanca, 2013.

[3] عبد الغني منديب، التدين والمجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب، أفريقيا الشرق، البيضاء، 2006

[4] عكاشة بن المصطفى، الإسلاميون في المغرب، دار توبقال للنشر، البيضاء، ط1، 2008

[5] عبد الحكيم أبو اللوز، الحركات السلفية في المغرب، بحث أنثروبولوجي سوسيولوجي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2009

[6] المساجد أنواع، مساجد كبرى وأخرى صغرى ملحقة بالأضرحة والزوايا وثالثة تابعة للإدارات والكليات والحاميات العسكرية وغيرها... لكن نميز عادة بين مساجد تابعة للأوقاف وأخرى تسيرها جمعيات مسجدية، كما نميز بين المساجد الجامعة التي تقام بها صلاة الجمعة إضافة إلى الصلوات الخمس اليومية، وتلك التي تقتصر على الصلوات الخمس فقط.

[7] العادة بالمغرب، أنّ المساجد يبنيها المحسنون بشكل تضامني، لكن ثمة مساجد صغرى أنشأتها جماعات دينية سلفية بمرائب داخل الأحياء الهامشية، وأخرى تكون أكبر أنشأتها اتجاهات صوفية، أي أنّ لها هوية مذهبية واضحة، مثلما نجد في بعض المدن العتيقة كمراكش، غير أنّ هذا الصنف تقلّص في الآونة الأخيرة. انظر بهذا الصدد: عبد الحكيم أبو اللوز، م، س، ذ، ص 272

* يختلف "الجامع" كما هو متداول في لغة القرويين، عن الجامع في دلالته اللغوية والاصطلاحية أي المسجد المخصص للصلاة الجامعة بالقياس إلى المساجد الصغرى التي تقتصر على الصلوات اليومية.: طه الولي، المساجد في الإسلام، دار العلم للملايين، ط I، بيروت، 1988، ص 145. كما يختلف عن الجامع المخصّص لحلقات الدروس الدينية والعلمية، مثل جامع القرويين بفاس المغرب، والزيتونة بالعاصمة تونس، والأزهر بقاهرة مصر، نفس المرجع السابق، ص 147

[8] Mohamed Tamin «La Rétribution du Taleb et ses Soubassements Socio-économiques dans les Moda (Douars) de Montagne du Haut Atlas du Toubkal (Tifnout et Ourein): ABHAT, n°: 4, 1994, p. 75

[9] Ibid, p. 75.

[10] Lucien Paye, Introduction et Evolution de l’Enseignement Moderne au Maroc (Des Origines jusqu’à 1956), éd. et Introd. par: Med Benchekroun, imp. «Arrissala», Rabat, 1992, p. 33

[11] يمكن أن نذهب بعيدا للقول–متفقين مع رأي كولونا– بأنّ الجامع يلعب دورا أكبر، في تجسيد هوية تتجاوز بعده المحلي الضيق، إذ يساهم في خلق وساطة بين ثقافة المغرب الصغير والمغرب الكبير، تنتهي بتكوين ثقافة واسعة للمغرب الكبير. انظر:

F. Colonna «La Répétition. Les Tolba dans une Commune Rurale de l’Aurès»: L’Annuaire de l’Afrique du Nord, éd. CNRS, 1979, p. 189.

[12] F. Colonna, Les Versets de l’invincibilité. Permanence et Changements Religieux dans l’Algérie Contemporaine, Presse de la Fondation Nationale des Sciences Politiques, 1995, p. 60

[13] عبد الإله بلقزيز، نهاية الداعية الممكن والممتنع في أدوار المثقفين، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت 2010

[14] القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية: 3

[15] وان كنّا نجد في التاريخ من قال بذلك، لاسيما في التقليد الشيعي. ونموذج ذلك الإمامية؛ ففكرة النبوة استمرت منذ جعفر الصادق حتى اليوم، واستحالت خلافة في الدين والدنيا. خلافا لما نجد لدى السنّة من معنى الاستخلاف، التي لا تبلغ حد القول بخلافة النبي، بينما الإمامة المزعومة لدى الشيعة مورّثة بمحض تعيين إلهي، منذ علي بن أبي طالب، لتستقر مع الخميني في مفهوم "ولاية الفقيه" المعصوم والمستعيد لإمامة الإمام الغائب على نحو تسلّط مطلق ومقدّس في آن.

[16] عبد الله حمودي، الحداثة والهوية. سياسة الخطاب والحكم المعرفي حول الدين واللغة، المركز الثقافي العربي، البيضاء، 2015، ص 35

[17] عبد الله حمودي، المرجع نفسه، ص 38

[18] عبد الله حمودي، الحداثة والهوية، ص 40

[19] Ahmed Zouggari «la presse écrite au Maroc sous le protectorat français»: Revue Juridique Politique du Maroc, n: 12, 1982, p. 117

[20] نور الدين الزاهي، الزاوية والحزب: الإسلام والسياسة في المجتمع المغربي، أفريقيا الشرق، البيضاء، 2001، ص 211

[21] عبد الحكيم أبو اللوز، م، س، ذ. ص 272

[22] محمد الطوزي، الملكية والإسلام السياسي في المغرب، ترجمة: محمد حاتمي وخالد شكراوي، مراجعة: ع.الرحيم بنحادة، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، 2001، ص 12، 166 – 167

[23] اعتبر الطوزي أنّ المثقفين الدينيين الجدد يميلون إلى اكتساب شرعية جديدة، عبر الدخول في مساجلات فكرية مع منظري الفكر الحداثي والتنويري، محدثين بذلك قطيعة مميزة مع النزعة السلفية التقليدية.: محمد الطوزي "الأمير والمثقف الديني والدولة: معاودة بنينة المجال الديني بالمغرب": مجموعة باحثين، المثقف والمناضل في الإسلام المعاصر، إعداد جيل كيبل ويان ريشارد، ترجمة: بسام حجار، دار الساقي، الطبعة الأولى، 1994، ص 82

[24] محمد الطوزي، الملكية والإسلام السياسي في المغرب، م. س.ذ، ص 168

[25] محمد الطوزي، المرجع نفسه، ص 12

[26] محمد عابد الجابري "الحركة السلفية والجماعات الدينية المعاصرة في المغرب": مجموعة مؤلفين، الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1987، ص 224، 225. ومحمد ضريف، الإسلام السياسي في المغرب، مقاربة وثائقية، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، الطبعة الأولى، 1992، ص ص 40، 41

[27] محمد الطوزي، الملكية والإسلام السياسي في المغرب، م.س.ذ، ص 101

[28] يمكن أن نذكر مثلا، "سعيد الزياني" و"عبد الهادي بلخياط".

[29] محمد الطوزي "الأمير والمثقف الديني والدولة": م، س، ذ، ص 66

[30] من مظاهر هذه الخطورة ما نجده في إيران مثلا، حيث تصبح خطبة الجمعة بؤرة الحدث السياسي، فالخطيب يناقش سياسة الحكومة، ويعرض مشاكل الحياة السياسية مباشرة أمام حشود عريضة من المصلين، إلى درجة أن الذين يعادون الاتجاهات الدينية مضطرون لمتابعة ما يقع يوم الجمعة. ديل أيكلمان: "التعليم العالي الجماهيري والتصور الديني في المجتمعات العربية المعاصرة"، ترجمة: محمد أعفيف، المستقبل العربي، العدد170، 1993، ص 64

[31] محمد ضريف، الإسلام السياسي في المغرب، مقاربة وثائقية، م، س، ذ، ص ص 179 و 180

[32] محمد الطوزي المرجع نفسه، ص 173

[33] يعتقد "سيد قطب"، الذي صارت أفكاره، "إنجيل" الجماعات الإسلامية بمختلف أصنافها وتلاوينها، أنّ الجهاد ركن أساسي من أركان تأسيس المجتمع الإسلامي وفقا لشريعة الله.: سيد قطب، معالم في الطريق، دار الشروق، بيروت 1988، ص 91، 151، 163. غير أننا نرى أن الجهاد الذي يعده البعض فريضة سادسة، إنما هو تاريخيا مؤسسة سياسية، أي أنه كان جهاد دفع ومقاومة، أما فتاوى الجهاد، فقد جاءت لاحقا؛ وهنا يمكن أن نتحدث عن تديين الجهاد، مثلما تم تديين الفتح أيضا، فالفتح كان توسعة للإمبراطورية الإسلامية أكثر مما كان نشرا للإسلام بالسيف، والدليل على ذلك هو عدم الإكراه على الدين الإسلامي ووجود مقابل هو الجزية.

[34] منذ أكثر من30 سنة، أكد "ريمي لوفو"، غياب معلومات ومعطيات كافية حول نشاط الحركات الدينية بالوسط القروي قياسا إلى العالم الحضري، إلا أنه أشار إلى أحداث وملامح دالة للنشاط المتزايد، الذي صار اليوم واقعا لا يمكن تجاوزه، انظر:

Rémy Leveau «Réaction de l’Islam Officiel au Renouveau Islamique Au Maroc»: Le Maghreb Musulman en 1979, CNRS, Paris 1981, p. 206

[35] سبق لـ"فاني كولونا" أن لاحظت أن البادية الجزائرية أيضا، يسيّر شأنها الديني فقهاء يمارسون دور الإمامة، إلاّ أن تكوينهم البسيط والضعيف أحيانا يجعلهم أشبه بالفلاحين، لهذا تصفهم برجال الدين–الفلاّحين (Clercs–paysans) في مقابل الأئمة المسؤولين على مساجد خاصة تعينهم الدولة ويتمتعون بتكوين خاص:

 F. Colonna, Les Versets de L’invincibilité, Permanence et Changement religieux dans l’Algérie Contemporaine, Presse de la fondation Nationale des Sciences politiques, 1995, p.60

[36] إبراهيم أنوار "إشكالية المعرفة والتعليم في المغرب الكبير منذ نهاية القرن السابع حتّى منتصف القرن الثامن الهجري"، رسالة لنيل د.د.ع (تاريخ)، خزانة كلية الآداب و العلوم الإنسانية، الرباط-أكدال، 1996 -1997، ص 21 و 28

[37] إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، الجزء الثاني، دار الرشاد الحديثة، الطبعة الثالثة، البيضاء، 1993، الصفحات: 133، 136، 137

[38] إبراهيم أنوار، م.س.ذ، ص 25

[39] محمد الطوزي، الملكية والإسلام السياسي. م. س.ذ.، ص 105. وانظر أيضا: محمد عابد الجابري "الحركة السلفية والجماعات الدينية المعاصرة في المغرب"، م.س.ذ، ص 226

[40] محمد الطوزي، م.س، ص ص 107 و 108

[41] محمد عابد الجابري، م، س، ذ، ص 226

[42] أثارت الخطب الجاهزة اعتراضا شديدا لدى بعض العلماء مثل الداعية "عبد العزيز بن الصديق"، الذي حاول إعادة النظر في وظيفة العلماء، مؤكدا أن خطبة الأوقاف الجاهزة أمر غير شرعي، ولم يجزه أئمة المذاهب الأربعة، وذهب في القول ببطلانها حدا، نبّه فيه عبر جواب خاص، المشرفين على وزارة الأوقاف لهذا الأمر الذي يعتبره خطيرا ومفسدا لصلاة الجمعة. انظر نص الجواب: محمد ضريف، الإسلام السياسي في المغرب، م.س.ذ، ص 185

[43] محمد الطوزي "الأمير والمثقف الديني ..."، م.س.ذ، ص 66. ومحمد الطوزي، الملكية والإسلام السياسي، م.س.ذ، ص 115

[44] شمل التضييق حتى الجماعات المعتدلة والمهادنة، "كالدعوة والتبليغ" وأصبح على كل من يرغب في قضاء الليل بالمسجد أن يخبر السلطة ويسلم لها أوراق هويته.

[45] محمد الطوزي "الأمير والمثقف الديني والدولة..." م.س.ذ، ص ص 64 - 65

[46] المرجع نفسه، ص 65

[47] محمد الطوزي، الملكية والإسلام السياسي...، م.س.ذ، ص 108

[48] محمد الطوزي "الأمير والمثقف الديني..."، م. س.ذ، ص ص 65، 66

[49] عبد الجليل حليم "المجال والمعتقد كوسيلتين لمقاربة التغير الاجتماعي": دفاتر مختبر الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، العدد الأول، دجنبر 1997، ص 18

[50] عملت الدولة في السبعينيات من القرن المنصرف، على أدلجة الإسلام ومغازلة رجال الدين، وذلك بالاعتماد أيضا على سن تعليم إسلامي، أو بأسلمة المدارس والجامعات، في سياق ما أسماه النظام نفسه، بردء "الغزو الخارجي" وأفكار المتياسرة. انظر:

Mohammed El Ayadi «De L’enseignement Religieux»: Prologues, n°: 21, 2001, p. 36, 37.

[51] ريمي لوفو "الإسلام والتحكم السياسي في المغرب": المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، العدد 13– 14، 1991، 1992، ص 171

[52] لمس العلماء فيما بعد، أن الإسلام عرف تقلصا كبيرا وبدت معالم "علمنة" المجتمع واضحة في التعليم وبرامج الإذاعة التي تعتمد اللغة الفرنسية والطابع الموسمي للبرامج الدينية، كما أن مظاهر الحياة الاجتماعية بدت أميل إلى أسلوب الحياة الحضرية، بما تتضمنه من خروج المرأة للعمل واختلاط الجنسين، وتهميش العلماء ذوي التكوين التقليدي.

[53] لمسنا هذا الأمر بالوسط القروي، فخلال تحرياتنا الميدانية، تبيّنا أنّ مسؤولية الفقيه عن "الجامع" أمست أكثر حساسية، فبعدما كان مسؤولا فقط أمام سكان "الجماعة"، أصبح مسؤولا أمام السلطات المحلية، فقد وقفنا على ارتفاع الحسّ الأمني لدى "الفقيه" فيما يتعلق بمسؤوليته عن الجامع، والتزامه الشديد بمراقبته وتغليق أبوابه بعد كل صلاة. انظر: عبد الهادي أعراب، "الفقيه كمؤسسة بالمجال القروي. دراسة لتغير مكانة وأدوار فقهاء الشرط بالمغرب، إقليم خريبكة نموذجا". رسالة لنيل دكتوراه في علم الاجتماع إشراف: مختار الهراس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس –أكدال، الرباط 2007.

[54] حنان السقاط "العلماء غير المتحزبين وتحديات 16 ماي": وجهة نظر، العدد 21، 2003، ص 55

[55] بالنسبة إلى نموذج مدينة مراكش، راجع: عبد الحكيم أبو اللوز، م، س، ذ، ص 273

[56] افتتح المجلس العلمي المحلي بالدار البيضاء، سلسلة ندواته وأبحاثه، بكتيب متوسط الحجم حول خطبة الجمعة، يعرض فيه منهجها ومقاصدها وفق الكتاب والسنة، ضمنه بملحق يشمل نماذج من الخطب وأخرى للاستئناس. انظر: المجلس العلمي المحلي بالدار البيضاء، خطبة الجمعة، المنهج والمقاصد في ضوء الكتاب والسنة، منشورات المجلس العلمي، سلسلة الأبحاث والدراسات، رقم 1، السنة الأولى، 2005، (155 صفحة).

[57] عبد الحكيم أبو اللوز، م، س، ذ، ص 274

[58] المرجع نفسه، ص 277

[59] كمال صبري أبو الوفاء، الحركات الإسلامية. إرهاب أم إرهاب مضاد، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ط. I، 1995، ص 144

[60] راجع: محمد ضريف، النسق السياسي المغربي المعاصر، مقاربة سوسيو-سياسية، أفريقيا الشرق، البيضاء، 1991

[61] محمد ضريف، الإسلام السياسي في المغرب، مقاربة وثائقية، م.س.ذ، ص 175

[62] Laroui, Les Origines Sociales et Culturelles du Nationalisme Marocain (1830-1912), éd. Maspero, Paris, 1977, p. 67

[63] Ibid, p. 81.