بيداغوجيا تقنيات إعداد المشاريع التنموية الدكتور مبارك الطايعي


فئة :  قراءات في كتب

بيداغوجيا تقنيات إعداد المشاريع التنموية  الدكتور مبارك الطايعي

بيداغوجيا تقنيات إعداد المشاريع التنموية[1]

الدكتور مبارك الطايعي[2]

المصطفى مرتبط*

يعرض لنا الخبير السوسيو-اقتصادي مبارك الطايعي في هذا المؤلف، بمعرفته الواسعة وخبرته الميدانية، مشروعا بيداغوجيا محمسا وطموحا، مرتبطا باستئناف التداخل بين تقنيات إعداد المشاريع وميكانيزمات التنمية وآليات التخطيط الاستراتيجي. فالمؤَلَّف هو باكورة الدروس البيداغوجية والورشات التكوينية التي راكمها الخبير، سواء من داخل المؤسسة التعليمية، أو من خلال تواجده بالميدان في إطار دورات تكوينية لفائدة الفاعلين الترابيين والجمعويين؛ فالمحاور التي يتناولها تغني التفكير وتكسب المعرفة في تقنيات إعداد المشاريع التنموية، وتمكن القارئ من المراحل التي يجب التقيد الخطي بها في صياغة المشاريع، وتُمَلّكه -في نفس الآن- منهجية التدخل بمنطق المشروع بجميع أطواره.

كما هو معروف، فالكاتب، ميثودولوجي في أعماله، ميداني في أبحاثه، لذلك نجده يتناول محاور هذا الدليل بدرجة عالية من الدقة والتركيز والتسلسل الهرمي المحكم، خصوصا فيما يتعلق بضبط المفاهيم وربطها بقضايا التنمية ومحدداتها. فطموحه يظهر في صورة استطرادية خارقة، حيث يدعو الفاعلين الترابيين والمجتمع المدني والمؤسسات الاجتماعية إلى الارتقاء بأساليب العمل إلى مستوى الاحترافية على مستوى التخطيط الاستراتيجي ومنهجيات العمل والتدبير وأشكال التدخل بمنطق المشروع، حتى تصبح لهم المكانة والقوة الاقتراحية كشريك فعال وفاعل في مسلسل التنمية الاجتماعية (ص 7).

يشدد صاحب الكتاب على الأهمية القصوى في اكتساب منهجية وتقنيات إعداد المشاريع، على اعتبار أنها المدخل الأمثل لامتلاك معايير وشروط الشراكة مع المؤسسات والهيئات المانحة باختلاف مشاربها، ومن تم حيازة ثقتها لتوفير مزيد من الدعم والمساعدات المادية لتنفيذ وإنجاز المشاريع التنموية (ص 8 وص 102).

من هنا جاءت المهمة المزدوجة للمؤَلّف، فهو دليل بيداغوجي موجه للطلبة والباحثين بأسلاك التعليم العالي من جهة، ومرشد عملي وتقني في التخطيط الاستراتيجي وتقنيات إعداد المشاريع بالنسبة للفاعلين الترابيين والجمعويين من جهة أخرى.

أما الأهداف التي توسمها الباحث في هذا الدليل، ووضع على عاتقه مسؤولية تحقيقها، فقد كثفها في النقط التالية:

- معرفة عناصر وآليات ومكونات وأهداف التخطيط الاستراتيجي،

- استيعاب وضبط دورة المشروع وتقنيات إعدادها على أساس تفعيل المقاربة التشاركية،

- اكتساب منهجية التخطيط بالأهداف وكيفية صياغة وثيقة المشروع،

- التمكن من طرائق البحث فيما يتعلق بتمويل المشاريع وآليات تعبئة الموارد.

ولتحقيق هذه الأهداف، حرص الباحث - وبناء على دقة الحس المنهجي الذي أسسها عليه- على صياغتها في محاور كبرى، انطلاقا من تفكيك وتحليل وإعادة بناء المراحل الأساس في إعداد أي مشروع كيف ما كان.

في ورقتنا هذه، سنحاول تقديم قراءة جديدة لمحاور الكتاب، انطلاقا من تفكيك رموزها وفهم مقاصدها ومعاودة تركيبها بصيغة مختصرة ومركزة، لذلك، ارتأينا أن نجعل قراءتنا على شكل فقرات، تتناول كل محور بشكل مستقل.

-1-

نلمس في المحور الأول، الذي عنونه المؤلف بمفهوم التخطيط الاستراتيجي من حيث الدلالة والاستعمال، محاولته تجاوز الخلط الشائع بين مفهوم الإدارة الاستراتيجية، ومفهوم التخطيط الاستراتيجي، حيث يشير إلى أن الثاني يتموقع ضمن الأول وهو جزء مكون له، ويستعين في إزالة اللبس بتقديم تعريف شامل للتخطيط الاستراتيجي، يقول فيه بأنه: "ذلك الأسلوب المحدد للتوجه المستقبلي لأي تنظيم أو مؤسسة، وإلى الكيفية التي ينبغي اتباعها لبلوغ هذا التوجه المستقبلي وتحقيقه" (ص11) فهو يعتبر أن التخطيط الاستراتيجي وسيلة بناء وتشكيل في بيئة متغيرة، ويميز من داخل منظومة التخطيط بين التخطيط الاستراتيجي والتخطيط الطويل المدى، ويعمد إلى تعداد الفروقات بينهما. لأنه إذا كان التخطيط الطويل المدى يركز على تحديد الأهداف، وترجمتها إلى برامج عمل في إطار زمني طويل وحيد الاتجاه، يخفي الحاضر في المستقبل مع عدم التركيز بشكل كبير على شرطية التكامل، وعدد ومدى القرارات، فإن التخطيط الاستراتيجي على العكس من ذلك، فهو يستهدف مواجهة القضايا البالغة الأهمية داخل الإطار التنظيمي اعتمادا على آليات التحليل والتقييم للبيئة مع توقع حدوث المفاجآت؛ وذلك لوضع شكل تصوري لكيفية تحقيق النجاح، على مدى متكامل في المستقبل، أو على الأقل افتراض المستقبل الأكثر احتمالا للتنظيم المؤسساتي. هذا التمييز بين كلا النمطين من التخطيط دفع الباحث إلى صياغة خصائص ومميزات للخطة الاستراتيجية باعتبارها كلا واحدا متكاملا وشاملا، يراعي تحقيق أهداف المؤسسة من خلال تنظيمها في شكل متناغم بين أداء مختلف الأنساق الفرعية المكونة للتنظيم.

وبخصوص أهداف التخطيط الاستراتيجي عموما - وحسب ما ذهب إليه صاحب الكتاب- فإنها تتلخص في قدرة التخطيط على تحديد المسار لمواجهة المتغيرات البيئية بجميع أشكالها، من خلال جرد القدرات الحالية والمستقبلية كضمانات للنجاح في تحقيق الأهداف، وتوفير الإطار العام لنشاط التنظيم المؤسساتي، مما يحسن من تطوير أدائه، والتقليل من المخاطر بما يضمن النمو والتطور في الأجل الطويل، وتوجيه المسارات الاستراتيجية وقرارات الاستثمار نحو التوسع والربحية، والتعامل الجيد مع المشكلات بأسلوب إدارة الأزمات. ثم توفير آليات المراقبة والتنفيذ والتقييم من داخل التنظيم المؤسساتي اعتمادا على تطوير قدرات الموارد البشرية.

ينتقل صاحب الكتاب بعد ذلك، إلى وضع خمس مراحل أساسية للتخطيط الاستراتيجي، ونوردها على الشكل التالي:

أولا: التهيئة والإعداد من حيث قدرة التنظيم على تبني فكرة التخطيط الاستراتيجي والالتزام به، وتأطير عملية التخطيط، ثم الانتقال إلى تكوين فريق عمل جيد.

ثانيا: تحليل الوضع الراهن، ويشمل تحليل البيئة الخارجية العامة والخاصة[3]، لاقتناص الفرص وتجنب التهديدات الأكبر قيمة، وتحليل البيئة الداخلية[4]، لتحديد مواطن القوة ومواطن الضعف، بغية ضبط عناصر الارتقاء بالتنظيم المؤسساتي بناء على نموذج التحليل الرباعي SWOT[5].

ثالثا: وضع الخطة الاستراتيجية، وتقوم على أربعة أركان أساسية: الرؤية – الرسالة – الأهداف – الاستراتيجيات.

رابعا: التنفيذ، وتعني الشروع في تنزيل الخطة الاستراتيجية.

خامسا: المتابعة والتقويم، وهي تقنية ترافق تنزيل مقتضيات الخطة الاستراتيجية.

نؤكد أن هذه المراحل منسجمة ومتسلسلة، بل ومبنية بشكل عمودي، وأي إخلال أو تقصير في إحداها يؤدي بالضرورة إلى فشل باقي المراحل، وبالتالي ينتفي الحديث عن عملية تخطيط استراتيجي في إعداد مشروع تنموي محكم.

ينبهنا الباحث إلى وجود أساليب أخرى للتحليل البيئي والتنبئي، منها على الخصوص: التنبؤ الإسقاطي، السيناريوهات، المحاكاة، أسلوب ديلفي في التنبؤ، المستقبليات البديلة، أسلوب التقسيم إلى المكونات الجزئية، أسلوب مونت كارلو للتحليل التنبئي، أسلوب النماذج السلبية، وأسلوب التنبئي التحليلي للقوى، وهي أساليب، لم يتوفر المقام للكاتب التفصيل فيها، ونميل معه في اختياره لنموذج التحليل الرباعي (الفرص- التهديدات - نقاط القوة - نقاط الضعف) لتحليل الوضع الراهن، الأمر الذي يساعد -بكل تأكيد- في مرحلة قادمة، من وضع الخطة الاستراتيجية بشكل جيد.

-2-

يعرض الباحث في المحور الثاني تقنيات إعداد المشروع، حيث ينطلق في البداية من تعريف المشروع باعتباره: "مجموعة من الأنشطة المتكاملة والمبرمجة خلال فترة زمنية محددة وفي مكان معين؛ وذلك بغية تحقيق أهداف ونتائج محددة انطلاقا من مجموعة من المعطيات، واعتمادا على وسائل محددة، وفق مراحل متسلسلة ومترابطة مع بعضها ارتباطا وثيقا" (ص25)، ثم ينتقل إلى جرد مراحل دورة المشروع[6] ويحصرها في أربع: التشخيص، الإعداد والتخطيط، التنفيذ ثم التقييم والمتابعة.

ونظرا لأهمية هذه المراحل، وباعتبارها محورية الكتاب ككل، ارتأينا أن نتناولها بشيء من التفصيل:

مرحلة التشخيص[7]

هذه المرحلة بدورها قسمها المؤلف إلى ثلاث محطات أساسية، هي:

1- بناء فهم خاص بمنطقة المشروع انطلاقا من تحديد أسباب المشكلة بناء على دراسة الوثائق والمعطيات المجمعة، وباستخدام تقنيات البحث العلمي في العلوم الإنسانية (المقابلة - الملاحظة - الاستمارة...)،

2- إشراك الساكنة في معرفة الإشكالات المجالية التي تهم معيشهم اليومي، خصوصا الحاجيات الأساسية، اعتمادا على مقتضيات وإجراءات المقاربة التشاركية،

3- تحديد مشكل جوهري يبرر أهمية المشروع، ثم الإعلان عن هدف يكون بمثابة حل للمشكل المطروح.

يشدد الكاتب - خصوصا في مرحلة التشخيص- على التوسل بآليات عدة، على رأسها: تقنية المقاربة التشاركية، فبواسطتها يمكن تحقيق أهداف التشخيص، وتتم (المقاربة التشاركية) بواسطة فريق متعدد التخصصات، لاستنطاق المعرفة المحلية والواقعية، ونشيد بالباحث عند استحضاره لهذه التقنية في تناوله لجميع مراحل دورة المشروع بالتفصيل المسهب، فعبرها يتم تكوين الفرضيات الأولية، وتحليل الأسئلة الموضوعاتية، وتحفيز المعنيين للمشاركة في عملية التخطيط، وتقييم نتائج البرامج، وتقاسم تحمل المسؤولية بين المتدخلين والمستفيدين في كل مراحل المشروع، لأن اعتماد هذه المقاربة، خصوصا في المشاريع التنموية، يساهم في معالجة المشاكل الحقيقية بطريقة واقعية.

ينتقل الباحث إلى جرد تقنيات أخرى، منها: تقنية تنشيط المجموعة البؤرية، النقاش المكثف، شجرة المشاكل ثم شجرة الأهداف.

مرحلة التخطيط التشاركي

في التخطيط التشاركي، يجب إشراك الفئات المستهدفة في كل مراحل إعداد المشروع، انطلاقا من التشخيص لتحديد المشكلات، مرورا بترتيب الأولويات وتحديد الاحتياجات التنموية، وانتهاء بإعداد مخطط لمشروع قابل للتنفيذ، ونابع من احتياجات الفئات المستهدفة، وهذا ما يسميه الباحث بتخطيط المشاريع بالأهداف، حيث يمكن هذا الأخير من تأسيس مسلسل تواصلي يجمع كافة المعنيين، لتحديد أهداف ونتائج وأنشطة واضحة وواقعية، تتأسس عليها عملية توزيع الوسائل الضرورية والمسؤوليات على مختلف المتدخلين.

ونميز في هذه المرحلة بين آليتين اثنتين:

  • التحليل: يشمل تحليل المشاركة من خلال تكوين صورة عن المستفيدين والمتضررين من المشروع، وتحليل المشاكل باعتماد تقنية الشجرة (الجذور/الأسباب[8] - الجدع/ المشكل - الأغصان/التجليات أو الأثار)، وتحليل الأهداف يتم من خلال تقنية الشجرة أيضا (الجذور/الوسائل - الجدع/الهدف الحل - الأغصان/النتائج)، وتحليل البدائل الذي يقصد من ورائه تحديد الاستراتيجيات الملائمة التي تحقق أهداف المشروع.
  • التخطيط: يتطلب تحديد الهدف العام، إلا أن تحقيق هذا الأخير غير مرتبط فقط بالمشروع، وتساهم الأهداف الخاصة في تحقيقه، أما الهدف الخاص فهو غاية المشروع، والنتائج المطلوب تحصيلها هي التي تساهم في تحقيق هذا الهدف الخاص، فيما يخص أنشطة الانطلاق، فهي العمليات التي تبلغ المتدخل إلى تحقيق النتائج، بهدف صياغة منطق التدخل المناسب. إنها جملة من المراحل الداخلية الخاصة بالمشروع، ولضمان نجاحها وفعاليتها وجب تحديد المؤشرات الموضوعية الخاصة بالنتائج والخاصة بقياس الأثر، وبناء مصادر التحقق وتكون اعتمادا على الإحصائيات والتقارير والمعاينات والدراسات والزيارات، ووضع الافتراضات الأساسية/ الاحتمالات، حيث أن هناك دائما عوامل خارجية تؤثر في المشروع ولا يمكن التحكم فيها، ويجب أخذها بعين الاعتبار، مع رصد الموارد البشرية والمادية الضرورية والحاجيات المالية. إن هذه العناصر مجتمعة ومتداخلة يتم بناؤها في إطار منطقي على شكل مصفوفة[9].

في عملية التخطيط، ينبهنا المؤلف إلى عدم الخلط بين الغايات والأهداف والنتائج والإنجازات والأنشطة.

بمعنى أن الغاية هي ما يساهم المشروع في تحقيقها، والهدف هو الأثر أو النتيجة المرغوب تحقيقها بعد إنجاز المشروع، والإنجاز هو محصلة عملية تنفيذ النشاط، والنشاط هو الفعل أو العمل الذي يمكن من الحصول على إنجازات خاصة، انطلاقا من ضبط الإمكانات اللازمة لإنجاز المشروع بتحويل الوسائل إلى معطيات مالية.

مرحلة التتبع والتقييم

وقد جعلها الباحث آخر مرحلة من دورة المشروع، وتستهدف معرفة الحالة التطورية للمشروع، بما تمتلكه من عناصر التحقق لبلوغ نتائج وأهداف المشروع، ومعرفة انسجام وتعثر مختلف الأنشطة المبرمجة؛ بمعنى أن تقنيتي التتبع والتقييم تحضران في كل خطوة من خطوات المشروع، فامتلاك عناصر هاتين التقنيتين يضمن الاستمرارية، ويعمل على تجاوز الإخفاقات التي يمكن أن تعترض عملية الإنجاز.

فتقنية التتبع بالمشاركة، سواء تعلق الأمر بالإنجاز أو سير المشروع، والتي تكون من المهام المنوطة بالمسؤولين عن المشروع أو جهة الإشراف مع إشراك المعنيين، فهي تعني - باختصار- المواكبة اليومية لأنشطة المشروع، من أجل جمع المعطيات والبيانات بشكل منتظم، لتحليلها وضبط مسار هذه الأنشطة في علاقتها بالأهداف والنتائج المعلنة، ولمعرفة درجة الانسجام بين الموارد والوسائل المعبأة، ومدى احترام الإطار الزمني المرسوم لإنجاز الأنشطة، وللتأكد من ملاءمة استخدام الموارد وفق الميزانية وطبيعة الجدولة المحددة لها، وقياس فعالية الموارد والوسائل المعبئة لإنجاز المشروع.

أما تقنية التقييم، فيقصد بها: "تلك العمليات المعتمدة من طرف متتبعي المشروع لمعرفة مدى ملاءمة الأهداف وأنشطة المشروع، وقياس نسبة تحقيق النتائج، ومدى أهميتها التنموية" (ص 71)، وهي تقنية تعمل على معالجة النتائج والآثار المنتظرة من المشروع وانعكاساته على المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمستفيدين، بمعنى أن التقييم هو الحكم على ما تم إنجازه من أنشطة وأهداف المشروع. فعملية التقييم تكون قبل إنجاز المشروع[10]، وأثناء إنجازه[11]، وعند نهاية المشروع، وبعد نهاية المشروع بمدة من الزمن[12]، أما أهمية هذه العملية فيمكن حصرها في: التأكد وتعني مدى ملائمة قدرات والتزام الفاعلين في المشروع مع طبيعة المهام المنوطة بهم، التعرف بمعنى تحصيل معرفة جديدة، التعلم وهو نتيجة التأكد والتعرف، وهو هدف عمليتي التتبع والتقييم، التطوير الذي يقصد به تطوير الأداء من خلال تغيير طرق وأساليب العمل، ثم التوصيات وهي مخرجات تقارير التقييم وتقارير المتابعة.

ويقسم صاحب الكتاب التقييم، إلى تقييم داخلي، وهو تقييم ذاتي، يقوم به شخص من ضمن التنظيم المسؤول عن المشروع، رغم ما يؤخذ على هذا النوع من عيوب كغياب الموضوعية وعدم انفتاحه على الخارج، ثم تقييم خارجي ويقوم به شخص من خارج التنظيم، ومن مميزاته تعدد واختلاف وجهات النظر كأساس موصل إلى نتائج أكثر مصداقية.

فالارتباط بين عمليتي التتبع والتقييم هو ارتباط تكاملي عملي بالرغم من تواجد بعض الفروقات.

بناء عليه يمكن القول، إن مرحلة التتبع والتقييم تستهدف الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات والتقييمات، لتجاوز احتمالية فشل المشروع أو المخاطرة به.

فيما يخص خطوات إعداد تقارير التتبع والتقييم، فقد لخصها الباحث في:

- الشعور بالمشكلة وتحديدها وتحليلها،

- تحديد غاية التقرير وهيكله،

- تنظيم البيانات والمعلومات ثم تحليلها،

- كتابة التقرير وتحديد طريقة العرض.

وحتى يكون التقييم جيّدا وجب التقيد بمجموعة من المعايير، أهمها: الفعالية، النجاعة، الإتقان، الملاءمة ثم التأثير أو الوقع.

ينهي المؤلف دليله البيداغوجي بمحور ثالث تناول فيه طرق تعبئة الموارد، وكيفية تحديد آليات البحث عن تمويل المشاريع.

ونجد الكاتب يراهن على أن تطوير العمل التنموي لا يمكن بلوغه إلا من خلال تأهيل الفاعلين للعب دور فعال ضمن إطار ثلاثي الأبعاد، كطرف وكشريك وكفاعل؛ وذلك لبلورة مشاريع نابعة من واقع الفئات المعنية بالمشروع، وتستجيب لمتطلبات المجتمع المحلي. ونشاطره الرأي في رفضه لأشكال التسول والإحسان التي تعتمد عليها بعض المشاريع، حيث يدعو إلى الانتقال إلى أسلوب تعبئة الموارد المادية بطريقة احترافية (ص 99)، وهو ما يعني تعبئة الموارد من خلال حشد الهمم والطاقات، للبحث عن الموارد العينية والبشرية والنقدية الممكنة والمتاحة ضمن سياقات مجتمعية معينة.

يعدد المؤلف الجهات المانحة[13] المساعدة في تمويل المشاريع، ويذكر من بينها:

- المؤسسات الحكومية،

- المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية،

- المقاولات والمؤسسات العامة والخاصة،

- الأفراد المحسنون،

- وكالات الدعم التقني،

وهي جهات ينبغي على معد المشروع أن يكون على معرفة بها، وبالشروط التي تضعها من أجل الاستفادة من منحها ودعمها.

***

إذا ما فُهمت الغاية البيداغوجية التي يتوخاها الكاتب من وراء إصداره لهذا الدليل، وإذا ما حيزت الآليات والميكانيزمات التي جاءت بها محاور هذا الكتاب، سواء من طرف الطلبة والباحثين، أو من طرف الفاعلين في تنظيمات ومؤسسات المجتمع المدني، وإذا ما استوعبت منهجية التدخل بمنطق المشروع، إلا وامتُلكت القدرة على الفعل والتدخل، لتحويل الوضعيات السلبية أو الأقل إيجابية، إلى وضعيات إيجابية، وبلورة تصورات أفضل في إعداد المشاريع التنموية على أساس التكامل والتناسق والتشارك.

وإذا كانت التنمية في عمومها قضية الجميع، فإن تملك تقنيات إعداد المشاريع التنموية باتت حاجة ملحة تفرض نفسها على جميع المستويات، وعلى جميع المتدخلين والفاعلين، وهو الهدف الذي راهن عليه الخبير السوسيو- اقتصادي مبارك الطايعي من وراء إصداره لهذا الدليل.

بقي في الأخير أن ننبه إلى أن الكتاب، وبالرغم من صغر حجمه (لا يتجاوز 119 صفحة)، فهو جاء بتركيز دال، وحمال بالعديد من المفاهيم المضبوطة، والأفكار الإرشادية، والمنهجيات العملية، والتوجيهيات والتقنيات الميدانية، وهي عناصر متداخلة ومتكاملة لا يمكن أن يستغني عنها كل باحث ودارس وفاعل مدني وجمعوي ومؤسساتي متخصص وغير متخصص في ميدان صياغة وإعداد المشاريع التنموية.

[1] مبارك الطايعي، "بيداغوجيا تقنيات إعداد المشاريع التنموية"، مطابع الرباط نت، طبعة 2021

[2] الدكتور مبارك الطايعي علوي، أستاذ علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، المغرب

mor.mustapha@gmail.com

[3] من بين العوامل الداخلية العامة هناك العوامل: الاقتصادية والطبيعية والاجتماعية والسكانية والثقافية والتكنولوجية والسياسية والقانونية والتشريعية والدولية، أما العوامل الداخلية الخاصة فهي الفرص والتهديدات.

[4] تعني القدرات الذاتية، وتشتمل جميع العوامل الخاضعة لسيطرة التنظيم منها: سياسات ونظم وقواعد وإجراءات العمل والتسهيلات المادية والموارد البشرية وظروف العمل وغيرها.

[5] Strength, Weakness, Opportunity, and Threat (Forces, Faiblesses, Opportunités et Menaces)
L’analyse SWOT est un cadre utilisé pour évaluer la position concurrentielle d'une entreprise et pour développer une planification stratégique. L’analyse SWOT évalue les facteurs internes et externes, ainsi que le potentiel actuel et futur.
- L’analyse SWOT est une technique de planification stratégique qui fournit des outils d’évaluation.
- L’identification des forces, des faiblesses, des opportunités et des menaces de base conduit à une analyse factuelle, à de nouvelles perspectives et à de nouvelles idées.
- L’analyse SWOT fonctionne mieux lorsque divers groupes ou voix au sein d’une organisation sont libres de fournir des points de données réalistes plutôt que des messages prescrits.

[6] دورة المشروع يسميها الباحث ب"حياة المشروع"

[7] يتم فيها تحديد فكرة المشروع أو المشكل الذي يريد المشروع أن يجد له حلا، انطلاقا من الواقع وبإشراك الفئة المستهدفة، ويجب أن تكون الفكرة ملائمة لحامل المشروع في توافق مع قدراته التدبيرية ولوسائله وتجربته.

[8] يجب عدم الخلط بين الأسباب والنتائج

[9] لمزيد من التوسع حول عناصر مصفوفة الإطار المنطقي وكيفية صياغته، نحيل القارئ إلى الجدولين 1 و 2 ص 52، ص 53

[10] يسميه الباحث أيضا "تقييم الرأي"

[11] ويدعى "التقييم الوسطي"

[12] ويسمى أيضا "تقييم الأثر"

[13] يميز في الجهات المانحة بين الممولين باعتبارهم شركاء وأصدقاء وليس صناديق للدعم، والممونون، فالصنف الأول يقدم التمويل المالي، الصنف الثاني فهو يمنح الموارد سواء كانت تقنية أو فنية أو بشرية أو مادية أو غيرها.