قراءة في كتاب: ثقافة ما بعد الكورونا الفيروسات الثقافية (المواجهة والعلاج والطريق نحو المستقبل) محمد سيد ريان


فئة :  قراءات في كتب

قراءة في كتاب: ثقافة ما بعد الكورونا الفيروسات الثقافية  (المواجهة والعلاج والطريق نحو المستقبل) محمد سيد ريان

قراءة في كتاب: ثقافة ما بعد الكورونا

الفيروسات الثقافية

(المواجهة والعلاج والطريق نحو المستقبل)

محمد سيد ريان[1]

 

د. عبد السلام شرماط

صدر عن دار مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع عام 2022 كتاب عنونه صاحبه الكاتب المصري، محمد سيد ريان بـ "ثقافة ما بعد الكورونا"، وهو عنوان يشي بالحال الذي ستؤول إليه المسألة الثقافية بعد انتهاء الجائحة، وقد يظن القارئ من قراءته للعنوان أن الفيروسات الثقافية ستتوقف، لكن الكاتب عدّدها ورأى أنها لا تتوقف، بل هي في ازدياد مستمر، وتزداد معها كلّ الأضرار والمخاطر التي يجب التصدي لها عبر التحسيس والتوعية، ولم يقف الكاتب عند هذا بل قدم مشروع تصور يتضمن حلولا لمواجهة أخطار الفيروسات وتخطيها نحو مستقبل أفضل.

ويجدر التنبيه إلى أن الكتاب تضمن مقدمة وثمانية فصول وخاتمة، مذيلا بمراجع. ففي الفصل الأول الذي وسمه بـ "الثقافة ووسائل التَّباعد الاجتماعيِّ"؛ قدم الكاتب توضيحا لمفهوم الإنترنيت، والذي كان لانتشار شبكته مع بداية الثَّمانينات دور كبير في الرَّبط الشَّبكيِّ بين دول العالم، ما سهل نقل البيانات والمعلومات، مبرزا أهم المراحل التي مرت منها الشبكات الاجتماعية (مرحلة التعارف- مرحلة الخدمات – ثم مرحلة الخدمات التي شهدت قاعدة واسعة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي). وأثار الكاتب نقطة في غاية الأهمية تعلقت بالانتقال من وسائل التَّواصل إلى وسائل التَّباعد، يقول: "أصبح مِمَّا لا شكَّ فيه وفق آراءِ الخبراء في الصِّحَّة العامَّة أنَّ التَّباعد الاجتماعيَّ هو الحلُّ الأمثل للتَّغلُّب على مرض كورونا المستجدِّ والحدِّ مِن مخاطره على المواطنين، وتقليل عدد الإصابات والوفيَّات النَّاتجة عن انتشار هذا الوباء الَّذي لم يتمَّ الكشف عن علاج له حتَّى لحظة كتابة هذه السُّطور. لقد تسبَّب المرض في صدمة علميَّة ومجتمعيَّة سيكون لها نتائج عديدة في المجالات السِّياسيَّة، والاقتصاديَّة، والثَّقافيَّة، والعقائديَّة، والفكريَّة، والنَّفسيَّة، وأصبح على الجميع أن يراجع نفسه في الكثير من النَّظريَّات الَّتي كانت هي حائط الصَّدِّ في مواجهة المشكلات؛ والَّتي سقطت حتَّى قبل أن تستخدم عمليَّاً وتطبيقيَّاً. فبعد أن كان الجميع يعيب على مُستخدمِي الإنترنت العزلة الاجتماعيَّة والانفصال عن الواقع؛ أصبحت الدُّول تدعو مواطنيها للعزل والحجر والبقاء بالمنازل في غرف منفصلة لو أمكن". كما ناقش على ضوء هذا الكلام ثنائية الحقيقة والافتراض، إذ إن الإنسان في ظل هذه التحولات أصبح يعيش عالما افتراضيا بوصفه حلا آمنا. ما دفع العديد من المؤسسات إلى البحث عن السبل والوسائل التي تخدم الوضعية الجديدة؛ أي وضعية التباعد الاجتماعي. ولتوضيح أكثر، وقف الكاتب عند ما أعلن عنه مارك زوكربيرج، ومفاده أنَّ شركة فيسبوك تمَّ تغيير اسمها إلى ميتا meta/ ميتافيرس "وهو عالم افتراضيٌّ حيث يستطيع الأشخاص اللَّعب والعمل والتَّواصل، غالباً عبر استعمال السَّمَّاعات الخاصَّة بتقنية الواقع الافتراضيِّ".

وفي الفصل الثاني "كورونا وأزمة الثَّقافة"، ربط الكاتب بين ظهور فيروس كورونا وأثره على المشهد الثقافي، حيث تم إغلاق جميع المؤسسات الثقافية، ما أفرز أزمة ثقافية، والتي تعني حسب الكاتب: "الأزمة قد تعني خطراً معرفيَّاً أو ثقافيَّاً يُصيب عقل أو فكر المجتمع، ويستلزم تدخُّلاً لعلاجه عقليَّاً وفكريَّاً، وتجديد الأساليب والسُّلوكيَّات القائمة للتَّغلُّب على المشكلات". وفي هذا الجانب عرض الكاتب الجهود التي قدمها عدد من المثقفين أمثال طه حسين، وزكي نجيب محمود، ومحمد جابر الأنصاري وغيرهم، في تعاطيهم مع المسألة الثقافية. وإذا كانت الثقافة تختزن مجموعة من القيم، قيم الحياة، فإنها - يقول الكاتب- ليست مجرَّد علاج لقضايا المجتمع، ولكنَّها وقاية لازمة وأساسيَّة ضدَّ كلِّ ما هو حاليٌّ أو قادم بقوَّة ضدَّ القيم والأفكار الإنسانيَّة المتحضِّرة. كما تناول خمس ركائز أساسية للمواجهة الثقافية، وهي: الاستراتيجية الثَّقافيَّة الوطنيَّة- التَّعاون بين الحكومة والمجتمع والمثقَّفين- الرَّدع الثَّقافيُّ والفكريُّ- خلق كوادر وقدرات وطنيَّة لمواجهة الأخطار الثَّقافيَّة- تربية النَّشء والأطفال على الاستفادة من المنتجات الثَّقافيَّة.

وربط الكاتب في الفصل الثالث "ثقافة التريند بين الأداة والتَّأثير" لفظة تريند trend بالموضوعات والقضايا الرَّائجة ومؤشِّرات الاهتمامات المشتركة الَّتي يتناولها مستخدمو التَّطبيقات الاجتماعيَّة، حتى صارت ثقافة التريند ثقافة شائعة ورائجة بين العديد من المستخدمين، يقول الكاتب: "فكلَّ صباح جديد نُفاجَأ بأنَّ أغلب المستخدمين على مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ يستهلكون كلَّ وقتهم في تلك الموضوعات المحدَّدة مسبقاً من خلال شخصيَّات مؤثِّرة أو أحداث طارئة أو قضايا تناسب اهتماماتهم من الموضوعات الموجودة على ساحة النِّقاش". ولعل من أهم ما وقف عنده الكاتب بخصوص ثقافة التريند، ما تعلق بنشر الصور، ولا سيما المسيئة منها، وهي الصُّورة الَّتي تحمل بياناً سلبيَّاً لك أو عنك، ويؤدِّي ذلك إلى ضرر مادِّيٍّ ومعنويٍّ يقصد به (شخص - جماعة - معتقد دينيٌّ أو فكريٌّ أو سياسيٌّ). وعليه حدد الكاتب أنواع الإساءة في الإساءة لشخصيَّة، والإساءة لفئة أو مجتمع، والإساءة لمعتقدٍ دينيٍّ أو فكريٍّ أو سياسيٍّ. ويجدر التنبيه إلى أن ثقافة التريند استنزفت الكثير من طاقة مستخدميها في إثارة قضايا تافهة لا قيمة لها في حياة الإنسان. وأمام هذا الوضع، قدم الكاتب تيارا مناقضا لهذه السلوكيات، أسماه بتيار "الوعي"، والذي كلف نفسه مهمة محاربة التفاهة والتدهور الثقافي، ويستند هذا التيار كما يقول الكاتب إلى: "وجود نخبة واعية بالمخاطر والنَّتائج على المنصَّات الإلكترونيَّة، وكذلك تحقيق الشَّعبيَّة المطلوبة على تلك المواقع، فوجود وعي منتشر لا فائدة منه، وكذلك وجود وعي موجَّه أو مزيَّف مسألة خطيرة، وتؤثِّر على اتِّجاهات الناس، وربَّما تحدث انتكاسات نتيجة ذلك".

أما الفصل الرابع "الفيروسات الثَّقافيَّة"، فعرّف فيه الأستاذ محمد ريان الفيروسات الثقافية بوصفها معتقدات أو أفكارا وقيما فاسدة تصيب البناء الثَّقافيَّ والحضاريَّ، وهي فيروسات حصرها في: الجهل والخرافة والتَّخلُّف والأُمِّيَّة والتَّطرُّف والتَّعصُّب والتَّكفير والسَّلبيَّة والخضوع للسُّلطة والشَّخصَنة والتَّربية الثَّقافيَّة الخاطئة وتمجيد الماضي وثقافة الاستهلاك وتضخُّم البيانات والوعي الزَّائف والتَّنظير الزَّائد والتَّرفيه الزَّائد والتَّمسُّك بالرَّأي وفشل صناعة القرار والشَّائعات والأكاذيب وضياع الهويَّة وتزييف المشاعر؛ فمثل هذه الفيروسات تسهم في التَّأخُّر الحضاريِّ والثَّقافيِّ والإنسانيِّ بصفة عامَّة، وبالتالي لا بد من صدّها والحد منها، ولا بُدَّ من الانتباه إليها جيِّداً، حتَّى لا يحدث ما لا تُحمَد عواقبه.

وإلى جانب ما تقدم، تناول الكاتب موضوع الفيروسات الثقافة الرقمية، من خلال ملامسته لمفهوم الحرب الإلكترونية والسيبرانية، ويقصد به شكل جديد من الحروب الَّتي تختلف في الوسائل والأساليب وحتَّى النَّتائج، عن الحروب العسكريَّة. فالهرم السيبراني ينهض على ثلاثة مستويات، هي: إتاحة الوصول إلى المعلومات، والحفاظ على المعلومات، والسِّرِّيَّة. أما الأخطار الإلكترونية، فقسمها الكاتب إلى قسمين، هما:

*- المصادر غير المادِّيَّة: المتمثِّلة في البرامج والتَّطبيقات الضَّارَّة مثل: الفيروسات وبرامج الاختراق، وأدوات التَّصيُّد الإلكترونيِّ.

*- المصادر المادِّيَّة: وتشمل الأجهزة الَّتي تحتوي على رقائق إلكترونيَّة، أو كاميرات تجسُّس، أو غير ذلك مِمَّا يعدُّ شيئاً ملموساً ومحسوساً.

أما الهجمات، فتتوزع بين هجمات مباشرة وأخرى غير مباشرة، بينما يتم الدفاع عن طريق التَّحكُّم في مزوِّد خدمة الإنترنت، أو إنشاء جدران الحماية، وتنزيل مضادٍّ للفيروسات. وتظهر الوقاية من خلال نشر الوعي العامِّ بخطورة الهجمات الإلكترونيَّة على الأمن القوميِّ والخصوصيَّة الشَّخصيَّة

وانتهى الكاتب في الفصل الخامس الموسوم بـ "السِّياسات الثَّقافيَّة والتَّسويق الثَّقافيُّ"، من خلال ضبطه لمفهوم ثقافة إلى ثلاثة معاني حصرها في ما هو: حضاري، وفكري، وفي ما يتَّصل بفكرة الحقِّ الثَّقافيِّ الَّذي أشارت إليه المادَّة (27) من الإعلان العالميِّ لحقوق الإنسان، وتذكر أنَّه لكلِّ شخص حقُّ المشاركة الحرَّة في حياة المجتمع الثَّقافيَّة.

أما مفهوم السياسة الثقافية، فمفهوم جديد، بدأ عام 1960، حيث بدأت "بعض الدُّول الأعضاء في اليونسكو -منظَّمة الأمم المتَّحدة للتَّربية والعلوم والثَّقافة- تفصل الثَّقافة وشؤونها عن متطلَّبات التَّربية؛ لأنَّ الموضوعين وإن اتَّفقا في الجوهر والهدف، فإنَّهما يختلفان في المكوِّنات والعناصر". ومن ثمة أصبحت الثقافة عنصراً من عناصر التَّنمية الشَّاملة والمستدامة في الوطن العربي، فعلى الرغم من كون الثقافة ترتبط بالسلوك البشري الفكر الجماعيّ، فإنها أساس علاقة الإنسان بمحيطه وموطنه الطَّبيعيِّ، وبالتالي أصبح من اللازم تشكيل السِّياسات الثَّقافيَّة لصالح التَّنمية، باعتبارها شرطاً لا غنى عنه في البناء الحضاريِّ للأُمَّة العربيَّة؛ فالمؤسسات الحكومية وغير الحكومية مطالبة بتنظيم الثَّقافة وإدارتها، بما يوفِّر جسور التَّواصل بين الفنون وحياة النَّاس. وفي إطار حديثه عن السياسة الثقافية، حدد لها الكاتب ثلاثة أشكال، هي: السِّياسة الشُّموليَّة - السِّياسة اللِّيبراليَّة - السِّياسة التَّسلُّطيَّة.

وفي جانب التسويق الثقافي، وقف الكاتب عند مفهوم التسويق في جانبيه المادي والإنساني، كما استأنس بتعاريف أخرى للمفهوم، وخلص إلى أن التسويق: هو نشاط إنسانيٌّ واجتماعي يقوم على الفكر والإبداع، وعلى تحقيق متطلَّبات المجتمع والبيئة المحيطة؛ فهو لا يقتصر على المنتجات والأشياء المادِّيَّة، بل يشمل أيضاً الأفكار والمبادئ، وغيرها. كما عرف مفهوم المنتج الثقافي بأنه كلُّ ما يصدر عن أفراد أو جماعات أو مؤسَّسات أو جهات رسميَّة أو مبادرات تتضمَّن أفكاراً ورؤىً لها طابع ثقافيٌّ؛ سواء كان ذلك كتابا، أو فيلما، أو مقطوعة موسيقيَّة، أو مسرحيَّة، أو لوحة فنِّيَّة. ويتضمَّن الإبداع الثَّقافيُّ: (الأدب - النَّقد - الفكر - الفنَّ - الثَّقافة العلميَّة - الإبداعات الجديدة). كما يرتبط بالصناعة الثقافية لما يحتوي عليه من قيم ودلالات.

وأمام التطور الذي شهده المجتمع الإنساني، وبفعل الفجوة الرقمية، ظهر ما يسمى بالتسويق الإلكتروني للثقافة، فهو يساعد على وصول الرِّسالة الثَّقافيَّة في أقلِّ وقت ممكن والتَّكلفة تكاد تكون معدومة، وكذلك ضمان تسويق المنتج الثَّقافيِّ إلى الأقاليم البعيدة والهامشيَّة. ما أسهم في تأثير الوسائط الاجتماعيَّة والثَّقافيَّة الإلكترونيَّة على الثَّقافة المعاصرة عن طريق: النَّشر والانتشار، الاتِّصال والتَّواصل، الإنتاج والتَّفاعليَّة.

أما الفصل السادس الذي عنونه بـ "التَّخطيط الثَّقافيُّ"، فقد استهل فيه الكاتب موضوع التخطيط الثقافي بالإشارة إلى أزمة التخطيط في الأمة العربية، والسبب هو غيابه أو الفشل فيه، أو أنه موجود ولكن بشكل صوري من دون تنفيذ؛ فهو في الغالب نظري وليس عملي. ومن خلال تعريفه للتخطيط، عرض الكاتب لأنواع عديدة منه، مثل التخطيط الاستراتيجي والتكتيكي والتشغيلي، كما حدده من حيث المدى؛ فمنه طويل ومتوسط وقصير المدى. وإلى جانب بعض أنواع التخطيط حسب الوظيفة، وقف الكاتب عند التخطيط الثقافي، وربطه بدعوات نادت بتخطيط يدعو إلى تكوين مجتمعات جديدة. وعلى الرغم مما قدمه الباحثون والمثقفون من جهود في كتاباتهم بخصوص التخطيط الثقافي، فإنه مع الفجوة الرقمية، والتحولات التي يعيشها المجتمع، أصبح لمفهوم التخطيط الثقافي حضور، فنشر ثقافة التَّخطيط وتكنولوجيا المعلومات هي جزء من عمليَّة التَّخطيط نفسها، يقول الكاتب: "نريد سياسة ثقافيَّة تقوم بالتَّخطيط الثَّقافيِّ الجادِّ إلى جانب التَّكامليَّة والشُّمول في اتِّخاذ القرار، ولا بُدَّ من ربط الثَّقافة بعمليَّة التَّنمية داخل الدَّولة وفتح الأبواب أمام الدِّبلوماسيَّة الثَّقافيَّة، ولن يتمَّ ذلك إلَّا بحرِّيَّة الفكر والمشاركة والمساندة من جميع فئات المجتمع".

ودعا الكاتب في الفصل السابع الموسوم بـ "الحملات الإلكترونيَّة في المجال الثَّقافيِّ (تطبيق عمليٌّ)" إلى ضرورة التصدي لكل الفيروسات الثقافية الإلكترونية؛ عبر القيام بحملات مضادة تروم فضح الأكاذيب، وتسهم في نشر الحقائق وزيادة الوعي. وقد وقف عند التمييز بين الحملات الإلكترونية والحملات التقليدية، فالأولى تقنيَّة وساحتها الإنترنت. أمَّا الثانية، فتعتمد على كل ما هو مكتوب ومرئي ومسموع. كما ذكر أن ثمة أسبابا جعلت من الحملات الإلكترونية أمر ا حتميا، وهي أسباب حصرها في ما هو اقتصادي وسياسي واجتماعي وجغرافي، كما فصّل في عدة مفاهيم ترتبط بهذه الحملات، ومنها على سبيل المثال كيفية إدارة الحملات الإلكترونية والبناء التَّنظيميُّ والإداريُّ للحملة.

وفي الفصل الأخير من الكتاب "نحو سياسة ثقافيَّة جديدة في ما بعد الكورونا"، أشار الكاتب إلى أن المثقف لم يعد ذلك القارئ الذي يبحث عن المعلومة فحسب، وإنما أصبح طرفا فاعلا في العمل الإبداعي؛ غير أن ملامح سياسة ثقافية جديدة تستدعي في نظر الكاتب عناصر حصرها في الهوية الثقافية على أساس أن ثقافة المجتمعات هي آخر ما تبقى من الهويات القديمة. أما مستقبل الثقافة، فيفرض مسايرة الركب الحضاري والنظر إلى التراث كقيم جمالية تفيد في الإنتاج الفكري والحضاري. ويسهم العنصر الثالث في إثراء مبادرات ثقافية بواسطة الإبداع والابتكار ما يؤكد على دور الثقافة في المجتمع. وهذا لن يتأتى إلا بتخطيط ثقافي كعنصر موالي، حيث "إعداد خرائط ثقافيَّة بكلِّ المناطق داخل الدَّولة؛ حتَّى يتحقَّق مبدأ العدالة الثَّقافيَّة كَمَّاً وكيفاً عند إعداد الخطط والبرامج، وخاصَّةً بالمناطق الهامشيَّة والمحرومة ثقافيَّاً، وتوفير قواعد بيانات مزوَّدة بأهمِّ الفاعلين والنَّاشطين الثَّقافيِّين والأماكن الثَّقافيَّة أو الَّتي يمكن استغلالها للأغراض الثَّقافيَّة وتطوير آليَّات الإدارة الثَّقافيَّة".

لقد لامس الكاتب في الموضوعات السالفة الذكر قضايا نحن في أمس الحاجة إلى النظر فيها إن لم نقل إعادة النظر، ولا سيما ما تعلق بموضوع الفيروسات الثقافية كما سماها الكاتب؛ فالمسألة الثقافية من هذا المنظور في حاجة إلى تصحيح والرقي بها نحو ما هو أفضل وأحسن لضمان رقي يتخطى التخلف وأسباب الانحطاط. وتماشيا مع ظروف العصر وتحولاته، أعطى الكاتب أهمية للثقافة الإلكترونية نظرا لدورها الفعال عبر سرعة انتشارها وبالتالي أثرها وتأثيرها على المجتمع، وحرصا منه على التوازن بين موضوعات الكتاب والإحاطة بالمسألة الثقافية، قدم حلولا للتخطيط والتسويق الثقافيين واعتماد حملات إلكترونية فعالة.

ويمكن القول، إن الكتاب يمثل جماع الأنساق الثقافية التي تميّز بها الكاتب؛ فالرجل متخصص وكاتـــب فــــي مجال تكنولوجيا المعلومــــــات والإعلام الجديد والثقافة الرقمية، ومهتم بقضية التسويق الإلكتروني للثقافة.

 

 

 

[1] - كاتـــب مصري متخصص فــــي مجال تكنولوجيا المعلومــــــات والإعلام الجديد والثقافة الرقمية ومهتم بقضية التسويق الإلكتروني للثقافة.