تمثلات الشباب الجامعي للحجاب


فئة :  مقالات

تمثلات الشباب الجامعي للحجاب

تمثلات الشباب الجامعي للحجاب

لقد عاد الحجاب بقوة في نهاية القرن العشرين في عدد من الدول العربية كمصر والجزائر والمغرب وسوريا ولبنان ...في أجواء متأثرة بالهزائم السياسية، فاتخذت أحزاب وتيارات وشخصيات أصولية محافظة من الحجاب علامة حضور وسلطة وانتشار، مستندة بدعواتها إلى تبريرات دينية، وإلى رؤية محافظة لدور المرأة بمجملها، ونظرة سريعة إلى مشهد الحجاب يتضح أن هذا الحجاب ليس واحدا؛ فهو يتفاوت بين الحجاب الديني والحجاب السياسي والاجتماعي. وقد تلبسه النساء طوعا أو اختيارا، وقد يترافق بتحجيم دور المرأة وحقوقها، وقد يظل حياديا.

أما من ناحية الشكل، فلم نعد أمام شكل محدد للحجاب، بل أصبحنا أمام خليط من الحجابات، لقد بتنا اليوم نرى خروقا شاسعة بين الحجاب على النمط الوهابي الذي يغطي الجسم بكامله، بما في ذلك دائرة الوجه وراحة اليدين، مرورا بالتشادور الإيراني والبرقع الأفغاني والحجاب الإندنوسي، وصولا إلى الصيغة الشرقية التي يتساكن فيها غطاء الرأس مع الاحتفاظ بكافة الملابس العصرية التي لا تتميز عن تلك التي يلبسها غير المحجبات.انطلاقا من هذه الملاحظات نطرح السؤال التالي: ماهي مختلف التمثلات الاجتماعية للحجاب عند الشباب الجامعي المغربي؟

لقد قمنا ببحث داخل الجامعة المغربية لرصد مختلف تمثلات الشباب الجامعي للحجاب من الجنسين معا وباختلاف تكوينه؛ وذلك لمعرفة رؤية الشباب الجامعي للحجاب والحياة المعاصرة، وبالتالي مدى مساهمة اختلاف نوعية التكوين في التأثير على تمثلات الشباب الجامعي.

وقد توصلنا أن ليس هناك اختلاف في تمثل الشباب الجامعي لدواعي ارتداء الحجاب، وأن نوع التكوين والجنس لا يؤثران في تمثلاتهم؛ فطلبة الدراسات الإسلامية يشكلون % 94.87 والعلوم الإنسانية %73.17 لديهم تمثل ديني للحجاب مرتبط بطبيعة الحال بقيم اجتماعية أبرزها العفة والشرف، وهذا التمثل الديني يأتي استجابة لواجب ديني، باعتباره فريضة شرعها الإسلام وفرضها الله على المسلمة تكريما لها وحفاظا على مكانتها السامية من أن تمس بسوء حسب تعاليم الإسلام. ففي الإسلام يجب على كل امرأة مسلمة أن تلبس الحجاب الشرعي أمام الرجال الأجانب، بالإضافة إلى هذا نجد أن السلوك الاجتماعي للأفراد يتكون داخل المجتمع ومكوناته وتفاعلاته من ناحية أخرى، وتبقى القيم الدينية التأثير الأقوى في تشكيل السلوكيات والرادع الفاعل في تكوين مبادئ الإنسان تبعا لمعتقداته الدينية. ومن هنا يجب أن تتم الإشارة إلى أن الحجاب يكتسب أهمية كبيرة في الخطاب الإسلامي المعاصر، باعتباره مظهر الحشمة والعفاف والفضيلة في مقابل السفور الذي ينظر إليه في الخطاب الإسلامي، باعتباره باب الفجور ومادة الفساد والانحلال الأخلاقي مما يفسر ربط الشباب الجامعي من كلا الجنسين وباختلاف تكوينه الحجاب بالعفة والشرف.

وقبل الحديث عن الصورة النمطية التي يحملها الشباب الجامعي للمرأة المحجبة، لابد من الإشارة إلى أن الحجاب ليس حكرا على المجتمعات الإسلامية فقد عرفت مجتمعات سابقة عن الإسلام هذه الظاهرة الاجتماعية، ويتضح ذلك من خلال إلقاء نظرة على مجتمع الجزيرة العربية ما قبل الإسلام، حيث كانت النساء تغطين رؤوسهن فضلا عن ذلك، فقد سبقت الديانتان اليهودية والمسيحية الإسلام في فرض غطاء الرأس على المرأة. كما ثبت أن ديانات غير سماوية أخرى كالهندوسية فرضت على نسائها ارتداء غطاء الرأس.

وقد بينت جيرمين تيون Germane Tillion في كتابها "الحريم وأبناء العم" أن الحجاب ليس ظاهرة تقتصر على المجتمعات الإسلامية. وقد حاولت الباحثة الأنثروبولوجية تيون، تبديد رأي مسبق كان رائجا حتى بين أوساط المثقفين، وهو أن تحجيب المرأة يرجع إلى تعاليم الديانة الإسلامية التي تفرض الحجاب كواجب ديني على كل امرأة مسلمة. والحال كما أوضحت ذلك تيون، أن الحجاب ظاهرة متوسطية، تنتشر في مجموع بلدان البحر الأبيض المتوسط، بما فيها الشمال الذي يضم بلدانا غربية، كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان وإيطاليا. وترجع تيون سبب اقتسام البلدان المتوسطية لظاهرة تحجيب المرأة إلى كون هذه البلدان تشترك في نفس الثقافة التي تكونت عبر التاريخ منذ العصر الحجري الأول، وخصوصا منذ اكتشاف الزراعة في بلدان المتوسط.

غير أن تطور المجتمعات لم يحدث على إيقاع واحد: كمجتمعات شمال المتوسط قطعت مع العديد من مكونات هذه الثقافة التقليدية منذ زمن بعيد نظرا للقطائع الإبستمولوجية والحضارية التي شهدتها هذه المجتمعات بسبب الثورات العلمية والصناعية، وبالتالي الاجتماعية. ومعلوم أن العلم أصبح منذ بداية العصر الحديث يحتل مكانة تترسخ باستمرار في سلم تراتب المرجعيات المعرفية. الشيء الذي أدى إلى تقهقر الدين كمرجع معرفي إلى مراتب متأخرة، وتقدم العلم إلى المراتب الأولى، مما انعكس على الحياة الاجتماعية للأفراد برمتها. وبالمقابل، فإن مجتمعات جنوب المتوسط ظلت بمنأى عن هذه القطائع لأسباب تاريخية. ويمكن إلقاء نظرة على هذه المجتمعات منذ العصور التي لحقت العصر العباسي مباشرة لنعرف مدى الانغلاق الجغرافي والحضاري والمعرفي الذي ضربته هذه المجتمعات على نفسها، مما جعلها في معزل عن الطفرات المعرفية التي ميزت تاريخ المجتمعات الغربية، والتي كان لها أكبر الأثر على تغير عقليات العامة من الناس.

وتشير كثير من النوازل المتعلقة بالمغرب مثلا، إلى أن المرأة لم تكن تحتل هذه المكانة الدونية التي تحتلها اليوم. فقد كانت المرأة تعيش حياتها كالرجل خارج البيت، بل إن النظام الأسري في مراحل سابقة على العهد المريني كان نظاما أموسيا، يتميز بكون الزوج كان يقيم مع زوجته في بيت أهلها (بخلاف النظام الأبوي، الإقامة الذي أصبح يفرض الإقامة على المرأة مع زوجها عند أهله)، وكانت المرأة تحصل على كل الإرث الذي خلفه والدها حتى وإن لم يكن قد خلف مولودا ذكرا، كما بينت بعض النوازل ذلك، علاوة على ذلك، لم يكن تقليد تعدد الزوجات منتشرا في تلك الفترة، فقد كانت العادة هي عدم الجمع بين امرأتين، ولم تنتشر ظاهرة التعدد إلا مع الممالك التي أصبحت تحكم المغرب باسم النسب الشريف، مما جعل النسب ينتقل إلى جهة الأب كما هو الحال في المجتمعات المشرقية. وقد فرضت هذه القاعدة الجديدة في بناء الممالك على الأمر بتحجيب المرأة للاحتفاظ بها لأبناء عمومتها كآلة لإنجاب الذكور الذين يمثلون الزاوية الشريفة في مختلف مناطق المملكة.

ومن ناحية أخرى، كان للتحولات الاجتماعية المعاصرة أكبر الأثر على تحجيب المرأة، حيث إن انتقال الأسر القروية إلى المدن الحديثة التي كانت في طور النشأة في المرحلة الاستعمارية فرض عليها إخفاء نسائها عن أعين الغرباء. فالمرأة في المجتمع القروي كانت تعتبر أختا لكل أبناء الدوار مثلا، ولم يكن مفروضا عليها وضع غطاء على رأسها والتخفي عن أعينهم. لكن انتقالها إلى المدينة الحديثة مع أهلها، وخروجها إلى سوق العمل تحت الضرورة السوسيو اقتصادية جعلها تواجه عالما غريبا ومجهولا، وهو ما فرض عليها ارتداء الحجاب للاختفاء عن أعين المتلصصين والمتربصين ولتجنب التحرش الجنسي.

والملاحظ أن تحجيب المرأة لم يختف مع التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي عرفه المغرب بعد الاستعمار، بل يلاحظ أن النساء أصبحن يرتدين الحجاب أكثر فأكثر. ويرجع الهوار بنعدي، الباحث الجزائري، هذه إلى انتشار الثقافة الدينية المشرقية في المجتمعات المغاربية، وإلى رغبة النساء في التحايل على سلطة الذكور الأسرية للحصول على إذن بالعمل أو بالدراسة، وكذا إلى تجنب الأحكام الاجتماعية التي تجعل من المرأة التي تظهر بالخارج امرأة عديمة الشرف. لذلك، فإن النساء يرتدين الحجاب لإضفاء المشروعية على خروجهن للشارع، وتجنب التحرش الجنسي.

لكل هذه العوامل الثقافية والتاريخية، فإن الشباب الجامعي لا يختلف عن باقي مكونات المجتمع في مجمل هذه الصورة النمطية عن المرأة. فبالنسبة إلى عينتنا لاحظنا أنهم يعيدون إنتاج تلك الصورة النمطية عن المرأة ككائن ينبغي تحجيبه.

فقد تبين أن % 66.67 من الذكور و% 73.17 من الإناث عبروا عن رضاهم عن حمل إحدى قريباتهم للحجاب، وحسب تكوينهم شكل طلبة الدراسات الإسلامية %87.18 وطلبة العلوم الإنسانية %53.66، مما يعنى أن الصورة النمطية للمرأة المحجبة تظل مهيمنة في كل الأوساط الاجتماعية بما فيها الوسط الجامعي.

كما بينت نتائج البحث أن الطلبة من الجنسين وباختلاف تكويناتهم لا يعتبرون الحجاب سببا للحط من مكانة المرأة ولا رمزا لدونيتها، مما يدل على أن عامل الجنس والتكوين لم يكن له أي تأثير واضح على تمثلات وتصورات الطلبة الجامعيين. ومما لا شك فيه أن المرأة سواء كانت محجبة أو غير محجبة، فإنها تعاني الكثير في البلدان المتخلفة، ولا سيما العربية والإسلامية منها جراء تهميش دورها سواء كان بحكم التقاليد الدينية الموروثة أو القيم والعادات الاجتماعية البالية أو في ظل القوانين والسياسات السائدة، والتي لا تعتبرها عمليا إلا حاضنة للأطفال، وبالتالي تحرمها من التمتع بحقوقها وممارسة دورها على أساس أنها مواطنة أولا وقبل كل شيء.وعليه فلب المشكل يكمن في كيفية تمكين المرأة من إدراك معنى أن تكون حرة ومستقلة في قراراتها، وبالأحرى في مدى الوعي الذي تحمله بوضعها الاجتماعي وبحقوقها وممارسة حرياتها الشخصية ككائن إنساني على أساس حقها في المواطنة، وهذا لا يكون نتاج ليلة وضحاها، بل يحتاج إلى تهيئة الأرضية المناسبة لها من خلال خلق فرص متساوية أمامها للدخول بحرية إلى كافة ميادين الحياة فهنا تكمن إشكالية التمسك بظاهر القضية وليس بباطنها، فقضية المرأة الأولى تكمن في مدى تمتعها بحقوقها كاملة من حيث التفعيل والإقرار بحقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

الجديد الذي حمله البحث هو أن تكوين طلبة العلوم الإنسانية لم يؤثر على تمثلاتهم الاجتماعية للحجاب، فهم يميلون إلى الاعتقاد بأن الحجاب أكثر ارتباطا بالمحددات الدينية منه بالمحددات الاجتماعية، مثلهم مثل طلبة الدراسات الإسلامية، رغم أن مضامين البرامج التعليمية في شعب العلوم الإنسانية تتميز بكونها نقدية وأقل ارتباطا بالشريعة والدين. مما يدل على أن التربية الأسرية والتربية المدرسية والجامعية، القائمين على الهابتوس الأخلاقي والديني، أكبر الأثر في توحيد التمثلات الاجتماعية لمختلف الشرائح الاجتماعية حول الحجاب وعلاقته بالأخلاق (كالعفة) مثلا والدين (فريضة دينية) والحياة المعاصرة.