جيل دولوز: السينما وإستطيقا السامي


فئة :  مقالات

جيل دولوز: السينما وإستطيقا السامي

جيل دولوز: السينما وإستطيقا السامي

ملخص:

تسلط هذه الدراسة الضوء على إستطيقا السينما من خلال الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، مبرزا التقاطع الحاصل بين الصورة السينمائية وإستطيقا السامي على مستوى انفتاحها على المستحيل واللانهائي وقدرتها على إحداث صدمة تدفع العقل وتجبره على التفكير في ذاته وفي الكل. وتحررها من إستطيقا الجميل الخاضع لمنطق التمثل. علاوة على أن السينما تجسد اكتمال التجريبية الترنسندنتالية بوصفها "المنهج" الذي يوجه فلسفة جيل دولوز كفلسفة ترحالية مناقضة لفلسفات الذات.

تقديم:

بلا شك، تعد السينما من أعظم ابتكارات القرن العشرين؛ فهي جزء لا يتجزأ من الفنون المعاصرة التي استطاعت أن تدمج كل الفنون في الشاشة من خلال الصورة والحركة والصوت. وأخذت مكانتها في حياتنا لما تحمله من قدرة على إبداع صور جمالية والتعبير عن الوجدان بأنماط مختلفة، وصارت قادرة على إحداث تغيير في كيفية تفكير الإنسان من خلال الأشكال المستقلة والمتفردة التي ابتكرها هؤلاء المؤلفون، «مع ذلك السينما جزء من تاريخ الفن والفكر»[1]. ولطالما أقام الفلاسفة حواراً مع السينما، بدءًا بهنري برغسون Henri Bergson (1859 - 1941) إلى حدود آلان باديو Alain Badiou (1937). مرورا بسيغفرد كراكوي Siegfried Kracauer (1889 -1966) ووالتر بنيامين Benjamin Walter (1892 - 1940) وتيردور أدورنو Theodor Adorno (1903 - 1969) وميرلوبونتي Mauric Merleau-Ponty (1908 - 1961) وجيل دولوز Gilles Deleuze (1925 - 1995) وستانلي كافيل Stanley Cavell (1926 - 2018) وجون ليك نانسي Jean-Luc Nancy (1940 - 2021). ومدار هذا الحوار أربعة تيارات كبرى[2]: التيار الأول يهتم بـ "ماهية السينما"، باعتبارها فناً وبجمالياتها وتقنياتها. في حين يهتم التيار الثاني بفحص أفلام معينة تتضمن "أفكاراً فلسفية". أما التيار الثالث، فينصب اهتمامه حول "المشاهد والمتفرج" قصد إدراك وفهم نفسيته وتجربته في قاعات السينما. وأخيراً الاتجاه الرابع الذي يمثل توجهاً اجتماعياً ويحلل الظاهرة السينمائية بوصفها "فناً للجماهير". وتندرج دراسة دولوز للسينما في إطار التيار الأول، باعتباره «تياراً أنطولوجيا» يهتم بماهية السينما وجمالياتها وتقنياتها وعملياتها الخاصة المشكلة لها، أو "سينما الفلسفة" أو "سينما الفكر" كما يحلو له أن ينعتها، ليس بالمعنى الذي يمكن أن نفهم منه أن الشخصيات أو الأفلام السينمائية تحمل أفكاراً بالمعنى الفلسفي، لكن بالمعنى الذي يمكن للصورة السينمائية من إبداع أفكارها الخاصة، الأمر الذي يتوجب على الفيلسوف التقاطها قصد إبداع مفاهيم جديدة ومعالجة إشكالات على مسطح جديد، «عندما نقول إن شخصيات رسني Resnais من الفلاسفة، فإننا بالتأكيد لا نريد أن نقول إن هذه الشخصيات تتحدث عنه فلسفياً، ولا أن رسني يطبق الأفكار الفلسفية على السينما، لكنه يبتكر سينما الفلسفة، سينما الفكر، شيئاً جديداً تماماً في تاريخ السينما»[3]. وقد اتخذ دولوز من إستطيقا السامي* الأرضية الفلسفية لإستطيقا السينما، حيث ستسمح له بالانخراط في إستطيقا ترحالية تقيم علاقة بين الفكر والفن، ومؤسسة على استعادة سؤال جذري للتصور الكانطي للعلاقة بين الملكات.

لهذا سنحاول في هذا المقال، دراسة الأرضية الفلسفية لإستطيقا السينما عند دولوز مع إبراز مشروعية تأسيسها على إستطيقا السامي.

1. الإستطيقا والتجريبية الترنسندنتالية:

تتسم إستطيقا دولوز بالجِدَّةِ والأصالة، لكونها موجهة من خلال "التجريبية الترنسندنتالية"* متخذا من سؤالي الإحساس والفن الموضوعان الأساسيان لهما. ويمكن الاستدلال على مشروعية هذا الادعاء من خلال السينما التي خصص لها دولوز عملين مستقلين: سينما 1: (الصورة - حركة) (1983) * وسينما 2: الصورة - زمن" (1985)*، حيث عثر في إستطيقا السامي ما سمح له باستكمال برنامجه للتجريبية العليا*؛ أي بوصفها المجال الذي يسمح باستجلاء علاقة الحساسية بالفكر من خلال الآصرة المميزة التي تقيمها السينما بين الفكر والصورة. لذلك سنحاول في البدء إبراز دلالة الإستطيقا في نشأتها مع كل من بومغارتن وكانط، تم نحدد دلالتها عند دولوز من خلال التجريبية الترنسندنتالية والمبررات التي سمحت له باتخاذ إستطيقا السامي الأرضية الفلسفية لإستطيقا السينما.

أ. الإستطيقا كسؤال للحساسية

إن مصطلح "الإستطيقا" مشتق من الكلمة اليونانية (إيستيزيس) Aisthésis، التي تدل على الحساسية أو الإحساس والشعور. وصار بفضل بومغارتن* (1714-1762) Alexander Baumgarten مجالاً مستقلاً بذاته في نهاية القرن 18 وبداية القرن 19؛ إذ خصص موضوعه لـ "علم المعرفة الحسية". فشكلت بذلك الحساسية الموضوع الأساسي للإستطيقا، في هذه المرحلة، المرتبطة بالمعرفة الحسية أو الإدراك الحسي، وكذا المظهر المحسوس* المتمثل في الانفعال. لذلك توجد حسب بومغارتن ملكة للحساسية تشبه ملكة العقل، تقدم مضموناً متفرداً، لكن مجالها أدنى وأقل نبلاً من المجال العقلي؛ لأنها تزودنا بمعارف مشوشة ورغم ذلك فإنها ضرورية وتعد جزءاً من المعرفة، «مجال الحسي هو بالفعل أدنى من مجال العقلي، والمعرفة المرتبطة بهذا الأخير أنبل وأشرف من المرتبطة بالمجال الحسي، لكن مع ذلك فهي معرفة»[4]. من تم، تصير ملكة الحساسية، حسب هذا المنظور، ملكة مستقلة للمعرفة بوصفها الموضوع المميز للإستطيقا.

غير أن الإستطيقا* ستأخذ دلالة مغايرة مع كانط (1724 - 1804) بفضل اعتماده على المنهج الترنسندنتالي الذي سمح له بالكشف عن المبادئ الأولية والقبلية المؤسسة للحساسية التي لا علاقة لها بالجمال، في نقد العقل الخالص(1781). بهذا المعنى، فالإستطيقا ستمثل نظرية في المعرفة الحسية تخص دراسة موضوع الحدوس المحضة[5] والأشكال القبلية للحساسية[6]. في حين ارتبطت الإستطيقا في كتاب نقد ملكة الحكم (1870) بالحكم الجمالي، فما تغير هو أن كانط وجد مبدأً وموضوعاً للإستطيقا يرتبط بالفن. بالتالي ستأخذ الإستطيقا مع كانط معنيين: معنى ترنسندنتالي تأسس لـ "نظرية للحساسية المحضة"، ومعنى سيكولوجي، وسيكون مجالها "نقد الذوق"، «لذا يجْدر بنا إما أن نرفض هذه التسمية ونحتفظ بها لذلك التعليم الذي هو علم حق، (وبذلك نقترب من لغة وفكرة القدماء الذين كان تقسيم المعرفة إلى حسية وعقلية شهيرا جدا عندهم)، وإما أن نتبع المعنى المعطى لهذه التسمية في الفلسفة الاعتبارية وأن نعطي للإستطيقا حينا معنى ترنسندنتالياً وحينا آخر دلالة سيكولوجية»[7].

هكذا، ستشكل الإستطيقا في نشأتها سواءً مع بومغارتن أو مع كانط أفقاً حقيقياً للتفكير في مجال الإحساس، لكنها ظلت خاضعة للصورة الدوغمائية والأخلاقية للفكر التي تعتقد أن اليقين والوضوح حاصل في المعرفة العقلية، وأن الفكر يتضمن قبلياً إرادةً خيرةً لبلوغ اليقين فقط ينبغي إعمال العقل بناءً على المنهج. أما الإحساس والانفعال لا يقدم إلا معرفة مشوشة وغامضة رغم ضرورتها؛ وذلك راجع إلى خضوع الفكر الحديث لمنطق التمثل المحكوم بمبدأي التطابق والهوية، ليسهم مبحث الإستطيقا في نشأته في توسيع الهوة الفاصلة بين المجال العقلي والحسي، أو بمعنى آخر تكريس مواجهة بين العقل والإحساس. بالإضافة إلى أن كانط أفرغ الحسي من موضوعه الأساس المتمثل في الفن، حسب دولوز، مما أدى إلى تفكيك مصطنع بين الإستطيقا بوصفها نظرية للحساسية وبين الإستطيقا بوصفها نظرية للفن، نتيجة خضوع المقولات الكانطية لمنطق التمثل.

ب. الإستطيقا نحو تأليف بين الحساسية والفن:

لفهم دلالة الإستطيقا عند دولوز، لا بد من فهمها من خلال مستويين متداخلين: المستوى الأول، الذي يسمح لنا بفهم التوجه العام الموجه لتصوره للإستطيقا؛ أي بوصفها استئنافاً للمنعطف الجمالي النيتشوي الذي يمثل "قلباً للأفلاطونية"*، باعتبارها توجها حكم تاريخ الفلسفة، وبموجبه تم جعل «عالم الحقيقة» معارضا لـ «عالم الظاهر»، بمعنى آخر تجاوز رؤية "الفيلسوف - النظري" التي حكمت تاريخ الفلسفة برؤية "الفيلسوف – الفنان" الذي جعل كلا من الجمال والإحساس الأفقين الموجهين لرؤية الفيلسوف بعيداً عن أغلال الصور المنطقية واعتماداً على وسائل جديدة للتفلسف لتجديد صورة الفكر. لذلك، فإن اللقاء الذي عقده دولوز بين الفلسفة والسينما على مستوى إمكانية التفكير هو تجذِّير للقلب النيتشوي للأفلاطونية قصد الانزياح عن المنظور الذي حكم التراث الفلسفي، الذي اعتقد أن الصورة ليست إلا سيمولاكراً ونسخة رديئةً للواقع؛ أي قلباً لصورة الفكر التي نشأة مع أفلاطون وتأسست منهجياً مع ديكارت، صورة اخُتزلت في اعتبار "الحقيقة" هي المنتهى إلى صورة تعتبر "المعنى" هو ما يمكن بلوغه بناء على علامات وصور، «ليس السيمولاكر نسخة مبتذلة. إنه ينطوي على قوة إيجابية تنفي الأصل والنسخة، والنموذج وإعادة الإنتاج»[8]. المستوى الثاني، الذي يمثله البرنامج الفلسفي الموجه لهذا المنعطف: «التجريبية الترنسندنتالية». فقد استند دولوز في منظوره الفلسفي للإستطيقا كسؤال في الحساسية على التجريبية الترنسندنتالية قصد التأليف بين المجال الحسي والمجال الفني، «بهذا المعنى، …. فإنها ]التجريبية الترنسندنتالية[ توحد بين جزئي الإستطيقا التي هي للأسف مفككة، إلى نظرية لأشكال التجربة والأخرى إلى نظرية العمل الفني كتجريبية»[9]. وينسجم ذلك، مع منظوره الساعي إلى التوحيد بين العقل والحس؛ بمعنى أنها إستطيقا تتوافق مع منظوره للأنطولوجيا كتواطؤ* لتجاوز المنطق الثنائي والتراتبي. جاعلاً من إستطيقا السامي الأرضية الفلسفية للسينما على اعتبار أنها تعد إحدى مجالات "الفكر"، ولكونها إستطيقا تنفتح على تجربة المستحيل واللانهائي، وتقوم على مبدأ الصدام بين العقل والمخيلة؛ أي تتجاوز حدود إستطيقا الجميل التي تخضع لمسطح التمثل المناقض للاختلاف في ذاته وللصيرورة. بالإضافة إلى أن دولوز وجد في إستطيقا السامي النقطة الحاسمة لاستكمال تصوره "للتجريبية العليا".

تشكل التجريبية الترنسندنتالية "المنهج"* العام الموجه لفلسفة دولوز، كما أنها تعد أسلوباً في التفكير ابتغى من خلالها تجديد تيار فكري يدعى بـ "التعددية"* بوصفها فلسفة تقوم على التجريب والنزعة الحيوية التي تعتبر الحياة شعارا وقيمة عليا. إنها فلسفة الفعلي الهادفة إلى تجذير سؤال التفكير في شروط التجربة الواقعية. لهذا وافق كلا من نيتشه وبرغسون، في نقدهما لمسألة الشروط القلبية للمعرفة عند كانط، لكونها تؤسس لشرطية التجربة الممكنة كشروط تقيم خارج ما تشرطه. من تم، فالتجريبية الترنسندنتالية تعبر عن "مقاربة" سعى من خلاله دولوز لتحديد شروط التجربة الواقعية حتى تتوافق مع كل حالة على حدة، وليست تعبيراً عن شروط التجربة الممكنة التي تأتي شروطها عامة وفضفاضة لما تشرطه، «تدل كذلك التجريبية الترنسندنتالية أن الشروط لا تكون بتاتا عامة لكن مناسبة وفقا للحالات»[10]؛ وذلك بأن يحتكم الترنسندنتالي في أحكامه على التجريبي لاستكشاف الميادين والقطاعات، وليس بناء على نسخ الترنسندنتالي على التجريبي، كما اعتقد كانط. وتدل التجريبية الترنسندنتالية على نمط من التجريبية تسمح بفحص كيف يتم إجبار اللامحسوس واللامفكر واللامتخيل على التفكير، ويحمل ممارسة الملكات إلى حدودها القصوى[11]. إنها تجريبية تسمح بوضع التفكير مباشرة مع التجربة، وفقاً للنزعة الواقعية النيتشوية أو البرغسونية[12]، التي سعى من خلالها دولوز إلى نقد مفهوم الذات الماهوية؛ أي إن الـ "تجريبية الترنسندنتالية"[13] تتجاوز الطرح الذي يقول بأسبقية الموضوع على الذات، أو أن الذات تؤسس للتجربة، وتقر مقابل ذلك بأنهما يحصلان بشكل مشترك وموحد في حركة حيوية، «لم تعد هناك صور، وإنما علاقات حركية بين عناصر غير مشكلة؛ لم تعد هناك ذات، وإنما تفردات ديناميكية بدون ذات، تؤسس تنسيقات جماعية»[14].

تستند التجريبية الترنسندنتالية على خصائص موضوعات الالتقاء* التي تجسد ما يُرغم على التفكير، «إن الفكر لا يفكر إلا وهو مرغم ومكره»[15]. إنها تجريبية تجسد "الاختلاف الخالص"، يعني، الشدة أو ما يدعوه دولوز بـ "الاختلاف الاشتدادي". خلافاً لموضوعات التعرف التي تنتج فِكراً مُهادناً وآمناً يمثل أحد أشكال الصورة الوثوقية للفكر الخاضعة لمسلمة التمثل، «مسلمة التعرف أول خطوة نحو مسلمة التمثل»[16]. ولا يمكن أن تكون خصائص موضوعات الالتقاء إلا محسوسة، تحدث من خلال حس مشترك مستهدف من خلال ملكات متعددة، خلاف ما تصوره كانط لكيفية اشتغال الملكات، في نقد العقل الخالص؛ بمعنى خضوع المحسوس للحواس في الموضوع الذي يمكن أن يكون حسياً أو تذكراً أو تخيلاً أو وتصوراً، «لا تدرك الحساسية إلا ما يمكنه أن يكون كذلك بواسطة ملكات أخرى، ويرد من خلال حس مشترك إلى موضوع الذي يجب أن يكون كذلك مستوعباً بواسطة الملكات الأخرى»[17]. لذلك جعل دولوز من الفن كمجال للمحسوس الأرضية المناسبة لإعادة صياغة تصور جديد للتجريبية، خاصة الفن المعاصر لما يمتلكه من إمكانات لتجاوز صورة التمثل كإحدى الصور الوثوقية التي هيمنت على الفكر الفلسفي، «يغادر العمل الفني مجال التمثل ليصير تجربة، تجريبية ترنسندنتالية أو علماً للحسي»[18].

ت. السامي ونظرية الملكات:

على اعتبار أن الحساسية هي ما بها تعطى الأشياء، فإنها تقوم على الشدة المشكلة لحدودها الخاصة، «إنها الشدة، الاختلاف في الشدة، التي تشكل الحدود الخاصة للحساسية»[19]. لذلك، فالشدة ليست حسية، بل إنها تمثل كيان الحسِّي، كما أن الشدة تحمل الحساسية إلى «النقطة القصوى لاضطرابها»[20]. فالشدة هي الاختلاف في ذاته لا هي اختلافات كيفية ولا اختلافات ممتدة؛ لأن «الاختلاف وراء كل شيء ولكن لا يوجد أي شيء وراء الاختلاف»[21]، وما به تعطى الأشياء، «الاختلاف هو ما به المعطى يعطى»[22]. فإن الاختلاف هو الشيء ذاته، والعمق الداخلي الذي به تعطى الظاهرة اختلافها. بالتالي، فإن عبارة اختلاف الشدة أو الشدة كاختلاف شديد هي تحصيل حاصل؛ * لأن الشدة ما هي إلا الاسم الآخر للاختلاف، «عبارة "اختلاف في الشدة" هي تحصيل حاصل، الشدة هي شكل الاختلاف كسبب للحس. وكل شدة هي تفاضلية، إنها اختلاف في حد ذاته»[23]؛ فكيف تمكن دولوز من إبراز كيفية تأثير الحساسية على الفكر؟

لقد أكد دولوز أن من بين مهام الفلسفة هو محاولة فهم طبيعة "الملكات"*وكيفية اشتغالها، وتتطلب هذه المهمة حسبه «تجريبية ترنسندنتالية»[24] قادرة على وصف كل ملكة على حدة. وتوصل أن نقد ملكة الحكم* يحمل بين ثناياه إشكال "تكوّن الملكات ونشأتها"؛ أي كيفية تولد وحصول التناغم، «التوافق الحر غير المًحدد للملكات هو أساس، الشرط لكل توافق؛ الحس المشترك الجمالي هو أساس، الشرط لكل حس مشترك.[...] كيف يمكن تفسير أن ملكاتنا، المختلفة في طبيعتها، تدخل عفوياً في علاقة منسجمة؟ [...] هو الاستعمال الوحيد: جعل التكوّن للحس المشترك جمالي، إبراز كيف للتوافق الحر للملكات هو أساسٌ متولد»[25]. مبرزا أن تحليل كانط للحكم الجمالي يحصل من خلال مستويين: مستوى تحليل الجميل بوصفه "تناغماً حراً وغير محدد" بين المخيلة والفهم، ومستوى تحليل السامي كـ "تناغم بين المخيلة والعقل". لكن أهمية تحليلية كانط للسامي أنها تعد ضرورة لفهم نشأة التناغم والتوافق الحاصل بين المخيلة والفهم، «يصبح حكم السامي بالنسبة لدولوز التجربة الحاسمة»[26]. فالتناغم الناتج بين العقل والمخيلة، في حكم السامي، لا يحصل إلا من خلال توثر وضغط أو نتيجة حسرة مؤلمة، وهو ما عبر عنه دولوز بعبارة "التناغم المتنافر"[27]. فالمخيلة تُجبر العقل، في تجربة السامي، على مواجهة حدوده القصوى التي تطال التجربة بشكل عام أو حدود التمثل، حيث تستدعي المخيلة العقل لفهم أفكاره في أشكال*. أو بتعبير آخر فمن خلال التنافر يعيد السامي تشكيل تناغم جديد*، «يصل إلى فكرة أن الملكات لابد أن تكون بينها علاقات مرتبكة ببعضها البعض، أنها تتصادم مع بعضها، تم تتصالح مع بعضها، لكن ثمة معركة بين الملكات لا يعود فيها أي معيار، حيث لا تعود خاضعة لمحكمة. يدخل مفهومه عن السامي، الذي فيه تدخل الملكات في تنافر، في تناغمات متنافرة»[28].

لقد سمحت نظرية الملكات في تجربة السامي لدولوز أن يخلُص إلى فكرتين أساسيتين: أولاً، أن "الفكرة لا تنتمي إلى العقل ذاته"، لكنها تصدر عن "برانية" كاضطراب أو اختلال الذي يمر عبر مجموع الملكات؛ أي البدء من الحساسية وصولاً إلى الفكر، «صحيح أنه في الطريق المؤدي إلى ما يجب التفكير فيه، كل شيء يبدأ من الحساسية. من الاشتدادي إلى الفكر، فدائماً ما يأتي الفكر إلينا بواسطة شدة. امتياز الحساسية يظهر كأصل في كوْن أن ما يُجبر على الإحساس وما لا يمكن أن يكون إلا محسوساً هما الشيء الواحد ذاته في اللقاء»[29]. هذا ما يبرر "برانية الفكرة" التي تمارس عنفاً على الحساسية، أو ما يدعوه دولوز موضوع الالتقاء الذي من خاصيته أنه موضوع «لا يمكنه أن يكون إلا محسوساً»[30]، فما يُحدث عنفاً للفكر هو اختلال للمحسوس وعدم انتظامه بالمقارنة مع المجال التمثيلي، الذي يرغم الحساسية على الدخول في نظام لا يمكنه أن يكون أبداً متوافقاً مع الحس المشترك، «على العكس، يُنشأ موضوع اللقاء فعلياً الحساسية في الحس. إنه ليس الحسي (....) بل هو ما نحسه. إنه ليس كيفية بل هو علامة. إنه ليس كائناً حسياً، بل هو كيان الحسي. إنه ليس المعطى، بل هو ما به يكون المعطى معطى»[31]. ثانيا، لا يختزل دولوز "التناغم المتنافر" بين المخيلة والعقل، لكن سيعمم هذا التنافر على مجموع الملكات، الحساسية والمخيلة والذاكرة والفكر، «يجب أن نحمل كل ملكة إلى نقطة اختلالها القصوى*»[32]. وما يبرر هذه الممارسة هو أن كل الملكات هي متواجهة، من جانبها، في حدودها القصوى: اللامحسوس بالنسبة إلى الحساسية، اللامتخيل أو "الاستيهام" بالنسبة إلى المخيلة، اللامتذكر بالنسبة إلى الذاكرة، وأخيراً اللامفكر بالنسبة إلى الفكر. فكل ملكة "تخرج عن حدودها"*؛ أي تكسر حدود الحس المشترك المرتبط ببادئ الرأي، فيحصل تباعد بين الملكات نتيجة "اختلال تام في الحواس" *، «تنافر الملكات، سلسلة قوة فتيل بارود حيث تواجه كل ملكة حدها، ولا تستقبل من الأخرى (أو لا توصل إلى الأخرى) غير عنف يضعها في مواجهة مع عنصرها الخاص، كما تواجه تنافرها أو فرادتها»[33]. مع ذلك، يحتفظ دولوز بتسلسل سببي ينطلق من المحسوس ليرتفع إلى الفكر؛ «لأن كل شيء ينطلق من خلال الحساسية»[34]

هكذا، نخلص أن إستطيقا دولوز تعد سؤالا حول الحساسية بما هي بحث عن منطق الإحساس من خلال "الفن" كمقام ومحل للمحسوس في علاقته بالفكر؛ إذ يلتقي الفن مع الفكر في مسألة المحسوس؛ أي تحرير الفكر من الحس المشترك من خلال إجبار الحواس على مغادرة تُخُومِها. من ذلك السينما لكون الصورة - حركة أو "سينما الرواد" بمقدورها إحداث فكر حقيقي يعبر عن الكل. ويمكن نعث إستطيقا دولوز بالإستطيقا الترحالية أو اللاتمثلية لتعارضها مع فلسفات التمثل المؤسسة على مقولات الهوية والذات. وفي مقابل ذلك، جعل من الفن المعاصر اللاتشخيصي الإمكان الحقيقي لتجديد الفكر.

2. السينما وإستطيقا* السامي:

بعدما كشف دولوز، في نصين أساسيين نشرهما سنة (1963) فلسفة كانط النقدية ومقاله الموسوم بـ فكرة التكوين في إستطيقا كانط، عن وجود تجربة متفردة تتمثل في التجربة الإستطقية للسامي. سيعود بعد عشرين سنة من خلال منجزه حول السينما: سينما (1) صورة - حركة (1983) وسينما (2) صورة - زمن (1985) خاصة الفصل المعنون بـ (سينما وفكر) ليجد التطبيق العملي لهذه الإستطيقا، التي تعبر من جهة عن العلاقة التي تقيمها بين الفكر والفن، أو بين الفلسفة والصورة، «سمح تصور كانط للسامي للحديث عن إستطيقا جديدة ترتبط بعلاقة الفكر بالفن: وبالتالي إستطيقا تؤسس لرؤية جديدة بين الإنسان والعالم: علاقة الصورة بالفكر»[35]. ومن جهة ثانية، شكلت إستطيقا السامي النقطة النهائية التي استند عليها دولوز لاستكمال تأسيس "التجريبية الترنسندنتالية" «نقطة نشأة كل المجال الترنسندنتالي»[36]. لهذا اعتبر نقد ملكة الحكم بمثابة ثورة في تفكير كانط لكونه غادر مجال الشروط إلى مجال تكوّن ونشأة الملكات، وكذلك الأرضية الفلسفية لإستطيقا السينما المتحررة من مقولة "جمال الأشكال"، حتى تتناسب مع الفكر المنفتح على اللانهائي ككلٍّ متحررٍ من سلطة الحواس ومدركٍ من خلال الحدس، كما يتقاطع السامي مع السينما في "تجربة الصدمة" التي تدفع العقل وتجبره على التفكير في ذاته والتفكير في الكل، «ينبغي على الصورة السينمائية أن يكون لها تأثير الصدمة في الفكر، وأن تجبر الفكر على التفكير في ذاته كتفكر في الكل. إنه التعريف ذاته للسامي»[37]. لماذا اتخذ دولوز إستطيقا السامي أرضية لإستطيقا السينما؟

أ. من الجميل إلى السامي:

لا ترتبط السينما كأحد المجالات الفنية المعاصرة فقط بإظهار الجميل، بل إنها كذلك تتضمن القبيح والمرعب. لذلك لا ترتبط إستطيقا السينما عند دولوز بإستطيقا الجميل كشعور متولد عن الشيء (تمثل)، بل إنها تعبر عن إستطيقا السامي لكونها تجسد علاقة خاصة بين الفكر والفن. فالجميل بالمنظور الكانطي حكم إحساس على شكل رضا وليس حكما معرفيا؛ أي إن تصوره للحكم الجمالي يتأسس على تصوره للذات المُشرِّعة كمبدأ للحكم الموضوعي الكوني، «لكي نميز الشيء، هل هو جميل أو غير جميل، فإننا لا تعيد تمثل الشيء إلى الذهن من أجل المعرفة، بل إلى مخيلة الذات (ربما مرتبطة بالفهم) وشعورها باللذة أو الألم»[38]. لذا انتقد دولوز هذا المنظور لكونه يقف على أرضية التمثل*، «حيث نجد موهبة خنق كل حياة بالبحث عن مبدأ أول مجرد والإقرار به. كلما اعتقدنا في مبدأ أولي كبير، فإننا لن ننتج سوى ثنائيات كبيرة وعقيمة»[39]ـ علاوة على أن الافتراض الذي دفع بكانط إلى منح الإحساس بالجمال معياراً كونياً ثابتاً ومشتركاً بين جميع البشر «مستمدة من افتراض ثبات الطبيعة البشرية»[40]؛ أي إن خضوع مقولاته وترسيمة العقل بشكل عام والفن بكيفية خاصة إلى توزيع تناسبي ثابت، اعتقاداً منه في وحدة الملكات نتيجة تصوره للذات كوحدة شفافة، هو ما سمح من جهة بظهور النزعة الذاتية التي أسهمت في تشيد صرح الحداثة الغربية، لكن من جهة ثانية رسخت لنزعة مثالية تسير نحو اتجاه الكلي، الذي يمثل إحدى الخصائص المميزة للمبادئ القبلية.

ما يجعل من إستطيقا السامي الأرضية المناسبة للسينما هو كونها تتحرر من قيود "الشكل الجمالي"، أو بتعبير دولوز ترتبط بـ موضوع "منعدم الشكل" أو بـ "شكل مشوه"[41] مما يجعلها إستطيقا تنفتح على "اللامحدود" وتشكل الأرضية الفلسفية لجمالية أفقها العلاقة الحاصلة بين "الفن والفكر" أو العلاقة بين "الصورة والفكر"، يقول كانط: «ومع ذلك، ثمة فروق مهمة بين الاثنين بارزة للعينين[حكم الجميل وحكم السامي]. فجمال الطبيعة يتعلق بشكل الموضوع، الذي يقوم في التحديد؛ وفي مقابل ذلك، فإن السامي يمكن أن يوجد أيضا في موضوع غير ذي شكل، بمقدار اللامحدود فيه أو بفضله، وتضاف إليه بالفكرة شموله»[42]. لهذا تنسجم إستطيقا السامي مع ماهية السينما المتجهة نحو "الكل" والمنفصلة عن الخاص؛ أي ترتبط بالصورة السينمائية التي تسمح بالتفكير في الروابط والعلاقات بين الإنسان والطبيعة، وخير دليل على ذلك هو احتفاء دولوز بسينما إيزنشتاين لكونها تهتم بالصيرورة ومتحررة من "التمثل العضوي" ومن "قيود الحبكة والقصة" بفضل المونتاج، «ومن هنا يبرز إيزنشتاين أولوية المونتاج: فليست الذات في السينما هي الفرد، وليس موضوعها هو الحبكة أو القصة؛ موضوعها هو الطبيعة، والذات فيها هي الجماهير، أو فردية الجمهور، وليس فردية شخص ما»[43]. بالتالي، شكلت السينما* كمجال من مجالات الفن أهم الرهانات، إضافة إلى مجالي الرواية والفن التشكيلي، لتجاوز الصورة الدوغمائية التي حكمت تاريخ الفلسفة، أي التصور الذي جعل الفكر مجرد تمثل للواقع. وتحرير الفن من الشكل* كأساس ونموذج للجمال، أكسب العمل الفني حرية ستجعله الأرضية القادرة على احتضان فكر متحرر من منطق الهوية والتعرف والتمثل. ولكون الصورة السينمائية تعبر عن السيمولاكر كقوة للاختلاف في ذاته المتحرر من منطق التراتبية والتفاضلية، «الفن لا يحاكي، بل لأنه في البدء يكرر، ويكرر كل التكرارات بفعل قدرة داخلية (المحاكاة نسخة، لكن الفن سيمولاكر، فإنه يقلب النسخ إلى سيمولاكرات). حتى التكرار الأكثر آلية ورتابة واعتيادية وتنميطاً تجد موقعها في العمل الفني»[44].

ب. السامي والصدمة الفكرية:

تظهر قوة السينما الكلاسيكية في قدرتها على ابتكار سينما السامي، بالمعنى الكانطي، لكونها تمثل اللحظة التي تخضع فيها المخيلة لضغط الصور لتوصلها إلى حدها؛ أي تجبر الفكر لتفكر الكل، «سينما السامي هي سينما تجبر تَفكُر الكل وليس الإنسان فقط»[45]؛ بمعنى آخر إن السينما تصير وسيلة وآلية لقوة التفكير من خلال كونها تحدث صدمة تجبر على التفكير الحقيقي؛ ذلك ما يتجسد في سينما الرواد الذين خصهم دولوز بالدراسة والبحث، (إيزنشتاين، غرانس، ميرنو ولانغ)؛ لأن تصور هؤلاء السينمائيين يوافق منظور السامي الذي بموجبه تتحرر المخيلة عن طريق الصور – حركة وتدفعها إلى حدودها القصوى، «لديهم كلهم تصور السامي للسينما، حيث يتم إثارة المخيلة بالصور - حركة ودفعها إلى حدها الأقصى»[46]. فالحركة الآلية، التي تعد الماهية «الفنية للصورة»[47] السينمائية، قادرة من منظور دولوز على إحداث صدمة* للفكر تؤدي إلى اهتزازات وتؤثر مباشرة في الجهاز العصبي والدماغي، وتعد هذه الصدمة بمثابة عنف تجبر الفكر على التفكير على نحو حقيقي في الكل، «يحدث صدمة للفكر، ويوصل الاهتزازات إلى غشاء الدماغ، ويؤثر مباشرة في الجهاز العصبي والدماغي»[48]. وتعد السينما السوفياتية خير مثال على ذلك، كما بين دولوز من خلال تحليلات المخرج السينمائي إيزنشتاين S. Eisenstein (1898 – 1948) * النقدية؛ إذ تمثل حسبه سينما "اللكمة"*؛ أي سينما المجسدة لتجربة الصدمة التي تتعرض لها المخيلة وتدفعها إلى حدوده القصوى، وبعد ذلك تجبر الفكر على التفكير في الكل* بوصفه كلية فكرية تتجاوز المخيلة، «بالفعل، ما يشكل السامي هو أن المخيلة تتعرض لصدمة تدفعها إلى حدها الأقصى، وتجبر الفكر على التفكير في الكل ككلية فكرية تتجاوز المخيلة»[49].

ذلك، ما دفع دولوز إلى التمييز بين ثلاثة أشكال لإستطيقا السينما: إستطيقا السامي الرياضي* لغانس Abel Gance (1889 – 1981)** وإستطيقا السامي الدينامي كما هي لدى مورناو F. Murnau (1888 – 1931)* ولانغ Fritz Lang (1890 – 1976)*، تم كشف دولوز عن تجربة السامي الجدلي في سينما إيزنشتاين، «السامي رأيناه سابقا، يمكن أن يكون رياضيا مثل غانس أو ديناميا كما عند مورناو ولانغ، أو جدليا كما عند إيزنشتاين»[50]. ليتوقف عند تحليل إيزنشتاين الجدلي لـ "الصدمة الفكرية" الناتجة عن الصدام الحاصل بين الصور السينمائية وفق وضعيات ترتبط إما بمكوناتها المهيمنة أو وفق مركبات ومكونات الصور التي تعبر عن السينما الكلاسيكية: "صورة – حركة". متجاوزاً تصور بودفكين Poudovkine (1893 - 1953)* الذي تمسك بالوضعية البسيطة للصدمة، «الصدمة هي الشكل ذاته لتواصل الحركة في الصور»[51]. فالصدمة الفكرية تتشكل عند إيزنشتاين من ثلاث لحظات متداخلة فيما بينها: تنطلق اللحظة الأولى من الصورة إلى الفكر أو من المدرك إلى المفهوم أو "الكل"، حيث ينشـأ الكل في مجال السينما عن الصورة استناداً على عملية المونتاج، «يخضع هذا الكل للمونتاج، مع أنه ينجم عن الصورة»[52]. لذلك نعت إيزنشتاين المونتاج بـ "العملية الفكرية" أو بـ "مونتاج – فكر" الذي يتمكن من إحداث صدمة تجبر الفكر على التفكير، ويدعى هذا النوع من السينما "السينما الفكرية"، «الكل هو المفهوم، لذلك سميت السينما "سينما فكرية"، والمونتاج بـ "مونتاج - فكر". فالمونتاج داخل الفكر هو "العملية الفكرية" بالذات، أو هو الذي - بتأثير الصدمة - يمعن النظر في الصدمة»[53]. واستخلص إيزنشتاين بناءً على تحليلاته العينية لفيلمي (المدرعة بوتومكين) و(الخط العام) ترسيمة تجريدية للصدمة، «للصدمة تأثير على العقل، إنها تجبره على التفكير، وعلى التفكير في الكل»[54]. إذ لا يمكن تفكر هذا الكل وتعقله إلا على أساس أنه التمثل المباشر للزمن الذي يحصل نتيجة الحركة المطلقة. أما ما ينشأ عن مثل هذا الشكل من الصدمة ليس مجرد تأثير منطقي أو تحليلي، بل تأليفي تؤثر من خلاله الصور بكيفية دينامية على الدماغ بأكمله. من ثم، ينظر إيزنشتاين كجدلي إلى الصدمة الناتجة عن الصورة السينمائية باعتبارها شكلاً صدامياً، وينظر إلى فكرة الكل كشكل تعارضي أو بوصفه شكل تحول عن الأضداد، «من صدمة عاملين ينشأ مفهوم»[55]. بعد اللحظة الأولى التي تحدث فيها إيزنشتاين عن صدمة تؤدي إلى الانتقال من المدرك إلى المفهوم تحدث عن اللحظ الثانية التي لا تنفصل عن الأولى؛ أي التي تنطلق من المفهوم إلى الانفعال أو «تعود من الفكر إلى الصورة»[56]. ويتم الانطلاق في هذه اللحظة من فكرة الكل وليس من "الصورة - الحركة" إلى "الكل"؛ بمعنى أن الصورة هي بمثابة كثلة تشكيلية ومادة إشارية محملة بسمات وخصائص تعبيرية وبصرية وصوتية متزامنة وغير متزامنة تؤلف ما يدعوه دولوز أشكالاً متعرجة*، وعناصر فعل، وإشارات وخيالات ومتتاليات غير نحوية، لذلك تتحرر الصورة من أن تصير "لوغوساً" موحداً للأجزاء، لتعبر في المقابل عن الانفعال والنشوة، «من هذا المنطلق تؤلف الصور كتلة تشكيلية ومادة إشارية محملة بالسمات التعبيرية والبصرية والصوتية والمتزامنة أو غير المتزامنة، أو أنها تؤلف أشكالاً متعرجة، وعناصر فعل، وإشارات وأطيافا ومتواليات غير نحوية، إنها لغة أو فكرة بدائيتان، بل هي بالأحرى حوار ذاتي داخلي، حوار ثمل، يعبر بصور وكنايات ومجازات مرسلة واستعارات وتبادلات معكوسة وتجاذبات»[57]. ثمة ترابط إذاً بين "السينما الفكرية" مع "الفكر الحسي" أو "الذكاء الانفعالي"؛ أي ثمة ترابط بين العضوي والشجي. أما اللحظة الثالثة، فتتحدد من خلال هوية المفهوم والصورة؛ أي إن «المفهوم هو بذاته داخل الصورة، والصورة هي بذاتها داخل المفهوم»[58]؛ ذلك ما يجعل الصورة تتحرر من العضوي والشجي؛ أي من البراكسيس أو "الفكر - الفعل"، حيث يدل "الفكر - الفعل" على علاقة الإنسان بالعالم وبالطبيعة. فالصورة السينمائية تنطلق من الخارج نحو الداخل ومن الديكور نحو الشخصية ومن الطبيعة نحو الإنسان؛ أي إنها تحقق بفعل السامي وحدة حسية حركية بين الطبيعة والإنسان. بالتالي تمتلك السينما، حسب دولوز، القدرة والقوة على إحداث الصدمة التي تجبر الفكر على التفكير الحقيقي المتجاوز لحدود الإمكان المنطقي أو النظر إليها كفن صناعي وكجهاز آلي عقلي لا تستخلص إلا أفكاراً شكليةً وصوريةً. لهذا رفض دولوز اختزال السينما في اعتبارها، فقط، فناً للجماهير، بل إن بمستطاع الصورة السينمائية أن تنجز تحولاً للفكر من الإمكان إلى القوة، «تحوّل إلى قوة ما كان محض إمكانية»[59].

ت. السامي والمستحيل:

استحضر دولوز في إطار محاولته الكشف عن طبيعة الحركة المطلقة التي تميز الصور السينمائية، تصور كانط للسامي الرياضي، مبيناً أنه إذا كانت وحدة القياس الرقمي متجانسة يمكن المضي قدماً إلى ما لانهاية بكيفية مجردة. أما إذا كانت وحدة القياس متغيرة، فإن المخيلة تصطدم بأحد من الحدود؛ أي إن المخيلة تعجز عن فهم مجموع الحركات والأحجام، غير أن "الفكر - النفس"، مطالب وفق حاجة خاصة إلى استيعاب مجمل الحركات في الطبيعة أو في الكون ككل كوني؛ أي على الفكر أن يبلغ ما تتجاوزه كل مخيلة بوصفها «مجموع الحركات ككل وكحد أعلى مطلق للحركة»[60]. من ثم، فإن الحركة مطلقة تتماهى بذاتها مع ما هو غير قابل للقياس، مثل القبة السماوية والبحر الذي لا تخوم له؛ لأن تجربة السامي هي تجربة الحكم التي تكون فيها المخيلة غير قادرة على تقديم واستيعاب الكل، سواء في قوته، في حين أن الفكر هو القادر على إحداث فكرة للكل، المتجلية في تجارب تعبر عن العظمة وضخامة الطبيعة، مثل السماء الخارقة والقوى المحيطية والأعاصير...، تولد فينا فكرة الكل القابل للتفكر، «الفكر والنفس، بمقتضى حاجة خاصة به، يجب أن يستوعب في كلّ مجموع الحركات في الطبيعة أو الكون»[61].

بالتالي تشكل إستطيقا السامي الكانطي اللحظة التي يتواجه فيها الفكر مع المستحيل؛ بمعنى أن السامي هو مجال حدوث «تجربة استحالة التجربة»[62]؛ وذلك ما يبرر كيف أن المخيلة، حسب كانط، تتجه إلى أبعد من المحسوس لتتجاوز كل مقياس ومعيار للحواس، «السامي هو الذي، بمجرد إمكان تعقله، يكشف عن وجود ملكة في النفس تتجاوز كل مقياسٍ الحواس»[63]. وبهذا المعنى، تغادر الإستطيقا الكانطية التحديد الكلاسيكي لبومغارتن كـ "علم بالمحسوس"، وتصير أفقاً للمستحيل تتحرر بفعله المخيلة من سلطة الفهم نتيجة العنف الذي يمارسه العقل عليها؛ أي بفعل حدوث صدمة، تخول لها معانقة المجال المافوق حسي* المتحرر من الزامات الشكل الجميل، «من خلال عنف العقل، فإنها تتحرر من كل إكراهات الفهم، إنها تدخل في توافق مع العقل لأجل اكتشاف ما يخفيه الفهم، يعني مقصده الما فوق حسي، الذي هو كذلك كأصله الترنسندنتالي»[64]. ويتمثل الأصل الترنسندنتالي للمخيلة ونقطة تكوُّنِها في توجهها نحو المستحيل ونحو الما فوق حسي، حيث تصير النفس «âme» هي الحل للمنهج التكويني الموجود في ما بعد الملكات. كما أنها تمثل بتعبير دولوز "نقطة التركيز" لجل الملكات في توجهها نحو التجربة المستحيلة ونحو الوحدة الما فوق حسية. من ثم، لا تعد النفس ملكة، بل إنها تتضمن الأصل الترنسندنتالي لكل الملكات، ولكل إمكانات المعرفة الإنسانية، «الاكتشاف لما يسميه كانط النفس، يعني الوحدة المافوق حسية لكل ملكاتنا، "نقطة التركيز"»[65]. هكذا، توصل دولوز إلى أن كانط تمكن من تقديم شكل آخر للزمن في تجربة السامي غير الزمن المتعاقب، لا باعتباره حاضراً متغيراً لكن ككل مفتوح، يتسع لرحابة المستقبل والماضي، فلم يعد الزمن مجرد تعاقب في الحركات واللحظات، وإنما «الزمن كتزامنية وتزامن»[66]. لهذا تنفتح إستطيقا السامي على أفق الكل الذي يعد الحد المطلق للحركة، أو بمعنى آخر الزمن كتزامنية التي تعد السينما الأرضية المناسبة والقادرة على ابتكار هذا النوع من الحركة والزمن، إضافة إلى مجالات أخرى يمكن أن تجسد هذا النمط من الحركة والزمن كالفن التشكيلي والموسيقى وحتى الأدب.

خاتمة:

حاصل القول، وجد دولوز في إستطيقا السامي الأرضية الفلسفية لإستطيقا السينما القائمة على العلاقة بين الفن والفكر؛ لأنها تجربة تفتح الفكر على اللانهائي وتتقاطع مع الصورة السينمائية في تجربة الصدمة التي تدفع العقل وتجبره على التفكير في ذاته والتفكير في الكل؛ أي إن مجال السينما يصير أحد مجالات الفكر لقدرته على إحداث الصدمة التي تجبر الفكر على التفكير الحقيقي. ونقطة اكتمال التجريبية العليا، التي تقوم على نقد جذري لفلسفات الفن القائمة على النزعة الذاتية. إضافة إلى تحررها من مفهوم "الشكل الجميل" أسهم في إحداث قلب للأفلاطونية؛ لأن قوة العمل الفني المعاصر تتجسد كسيمولاكر متضمن لقوة إيجابية تنفي مبدأ التمييز بين الأصل والنسخة وبين النموذج والاستنساخ، مما يسمح بتجاوز منطق التفاضل والتراتبية؛ فلا وجود لوجهة نظر متميزة ولا مكان للتفاضل ولا محل للتراتبية.

 

المصادر والمراجع المعتمدة:

1-         Deleuze Gilles, Cinéma 2. L'Image-Temps, Paris, Minuit, 1985

2-         Deleuze Gilles, Cinéma, 1. L'Image-Mouvement, Paris, Minuit, 1983

3-         Deleuze Gilles, Différence et répétition, Paris, PUF, 1968

4-         Deleuze Gilles, Empirisme et subjectivité, . Essai sur la nature humaine selon Hume édition PUF, Paris, 1953

5-         Deleuze Gilles, La Philosophie critique de Kant, édition PUF, Paris, 1963

6-         Deleuze Gilles, L'Île déserte et autres textes. Textes et entretiens 1953-1974, éd. David Lapoujade, 2002

7-         Deleuze Gilles, Logique du sens, Les Éditions de Minuit, Paris, 1969

8-         Gilles Deleuze, Cours sur le cinéma, Cours Vincennes, Cours du 10/11/1981, http: //www. Webdeleuze. Com/texte/294

9-         Clyde Paquin, Philosophie du point de vue au cinéma: Gilles Deleuze et le renversement des notions d’objectivité et de subjectivité, Mémoire présenté à la Faculté des études supérieures et postdoctorales, Mai 2017, PDF.

10-  François Zourabichvili, Le vocabulaire de Deleuze, Ed. Ellipses, 2003

11-  George Pascal, pour connaître la pensée de Kant, coll. « pour connaître», 1957

1-         Nabais Catrina Pombo, Gilles Deleuze: philosophie et littérature, Ed. L'Harmattan, Paris, 2013

1-         Pierre Montebello, Cinéma, subjectivité et aliénation chez Deleuze. www.europhilosophie.eu.

2-         Pierre Montebello, Deleuze, philosophie et cinéma, Paris, Librairie Philosophique J. VRIN, 2008

2-         Robert Sasso et Arnaud Villani, Le vocabulaire de Gilles Deleuze, Les Cahiers de Noesis n° 3, Printemps 2003

3-         Sauvagnargues Anne, Deleuze, L’empirisme transcendantal, PUF, Paris, 2009

12-  Talon Carole- Hugon, L’esthétique, Paris, PUF, coll. «Que sais – je ? 2004

13-      دولوز جيل وبارني كلير، حوارات: في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ترجمة أحمد العلمي وعبد الحي أزرقان، إفريقيا الشرق، المغرب، 1999

14-      دولوز جيل، سينما: الصورة – الزمن (الجزء الثاني)، ترجمة جمال شحيد، منظمة الترجمة العربية، 2015

15-      مطر أميرة حلمي، فلسفة الجمال، أعلامها ومذاهبها، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، 1998.

16-      كانط إيمانويل، نقد ملكة الحكم، ترجمة غانم هنا، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، 2005

 

[1] Gilles Deleuze, Cinéma 1 l’image- mouvement, Paris, Minuit, 1983.p. 8

[2] Clyde Paquin, Philosophie du point de vue au cinéma: Gilles Deleuze et le renversement des notions d’objectivité et de subjectivité, Mémoire présenté à la Faculté des études supérieures et postdoctorales, Mai 2017, PDF, p. 10

[3] جيل دولوز، سينما: الصورة – الزمن (الجزء الثاني)، ترجمة جمال شحيد، منظمة الترجمة العربية، 2015، ص ص. 271، 272

* تتعدد الترجمات المقدمة لمفهوم Sublime المشتق من الكلمة اللاتينية sublimis: منها الجليل [الذي اعتمده كل من إبراهيم زكريا في كتابه كانت أو الفلسفة النقدية والغامدي في ترجمته لكتاب نقد ملكة الحكم] والسامي [كترجمة للكلمة الألمانية erhaben التي اقترحها غانم هنا في نقد ملكة الحكم (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2005)] والرائع* [الذي اقترحته الكاتبة التونسية أم الزين بنشيخة المسكيني في عملها: الفن يخرج عن أطواره أو مفهوم الرائع في الجماليات المعاصرة من كانط إلى دريدا، (نشر وتوزيع جداول، الطبعة الأولى، 2011): ونشير أن أم الزين بنشيخة خصصت هذه الدراسة لمفهوم السامي منذ نشأته مروراً بكانط إلى حدود ليوتار]. ويعود ذلك إلى تعدد دلالاته التي تتراوح بين معاني السمو والرفعة والعظمة والكثرة والفخامة والغرابة والفزع والهلع والترهيب والترغيب والروعة والترويع، أدت إلى ترجيح إحدى المعاني على الآخر: «لكن الرائع متعدد اللغات. لقد ولد يونانيا فكان peri hupsous. وصار لا تينيا فكان sublimis وإنجليزيا فكان greatness وألمانيا فسمي erhaben. وإذا كانت هذه اللغات تتأرجح في دلالة "الرائع" بين معاني السمو والرفعة والعظمة والكثرة والفخامة والغرابة والفزع والهلع والترهيب والترغيب والروعة والترويع، كل ذلك معاً، فإن الفلاسفة من لونجان الروماني إلى بوركا الإنجليزي إلى كانط الألماني إلى دريدا أو ليوتار الفرنسي إلى نغري الإيطالي قد رجحوا في كل مرة أحد هذه المعاني على سائرها» [أم الزين بنشيخة المسكيني في عملها: الفن يخرج عن أطواره أو مفهوم الرائع في الجماليات المعاصرة من كانط إلى دريدا، نشر وتوزيع جداول، الطبعة الأولى، 2011، ص. 14)].

* التجريبية الترنسندنتالية Empirisme transcendantal: كما يدعوها دولوز بـ "التجريبية العليا" Empirisme supérieurأو بـ "التجريبية الجذرية" Empirisme radicale .

* Cinéma 1. L'Image-Mouvement, 1983

* Cinéma 2. L'Image-Temps, 1985

* يمتد تشكيل دولوز لبرنامجه للتجريبية الترنسندنتالية بدءاً بعمله حول هيوم الموسوم بـ التجريبية والذاتية (1953)، إلى حدود مقاله الأخير الموسوم بـ المحايثة: حياة...(1995). وما مكن دولوز من تأسيس التجريبية العليا هو إعادة قراءته لكانط وفق تجريبية هيوم، «جذّر دولوز النقد الكانطي مستثمراً برنامج هيوم» Cf. Sauvagnargues, Anne. Deleuze, l'empirisme transcendantal, p. 31.

* ألكسندر غوتليب بومغارتن Alexander Gottlieb Baumgarten (1714- 1762): فيلسوف ألماني، تأثر بليبنتز وكريستيان ولف. درس الفلسفة والآداب، واهتم بالفنون الجميلة التي قدم نظرية عامة بخصوصها. من أهم مؤلفاته الإستطيقا (1750) . يعد أول من استعمل مصطلح الإستطيقاÆsthetica باللاتينية من خلال مؤلفه الموسوم بـ تأملات فلسفية حول بعض الموضوعات المرتبطة بماهية الشعر (1735) Méditations philosophiques sur quelques sujets se rapportant de l'essence du poème, 1735.، وبعد ذلك ألف كتاباً عنونه بـ الإستطيقاÆsthetica ou Esthétique, 1750. باللغة الألمانية سنة (1750).

* Sensible: يترجم إما بالحسي أو بالمحسوس

[4] Talon Carole, L’esthétique, p. 23

* شرح كانط الدواعي التي حملته لاستخدام مصطلح الإستطيقا في ملاحظة كتبها سنة 1787؛ أي في معرض التعديلات التي أجراها في الطبعة الثانية من كتاب نقد العقل الخالص، التي أعلن من خلالها عن فشل مشروع بومغارتن لتأسيس الإستطيقا كعلم يختص بنقد الذوق لأن مصدره تجريبي لا يمكن أن تكون قوانينه قبلية، يقول: «الألمان وحدهم من يستعمل اليوم لفظ إستطيقا للدلالة على ما يسميه الآخرون نقد الذوق وتستند هذه التسمية إلى الأمل الخائب الذي أمله المحلل الرائع بومغارتن من إخضاع حكم نقد الجميل إلى مبادئ عقلية ورفع قواعده إلى مستوى العلم لكن ذلك الجهد ذهب سدى لأن تلك القواعد أو المعايير (نقد الجميل) هي من حيث مصادرها الأساسية أمبيرية فقط ولا يمكنها البتة أن تصلح كقوانين قبلية متعينة بحيث وفقاً لها أن ينتظم حكمنا الإستيطيقي. وهذا الأخير هو بالأحرى ما يشكل المحك الحقيقي لصحة القواعد» (إيمانويل كانط، نقد العقل المحض، ترجمة موسى وهبة، ص. 60).

[5] George Pascal, pour connaître la pensée de Kant, coll. « pour connaître», 1957, p.30

[6] Ibid., p. 31

[7] إيمانويل كانط، نقد العقل المحض، ترجمة موسى وهبة، مركز الإنماء القومي، 1988، ص. 60

* خصص دولوز نصا بعنوان (أفلاطون والسيمولاكر) نشر في كتابه "منطق المعنى" 1969، (ص. 336- 347) ونشر قبل ذلك في مجلة الميتافيزيقا والأخلاق سنة 1967. مبيناً أن الأفلاطونية تشير كتوجه طبع تاريخ الفكر إلى فلسفة أنشأت ميتافيزيقا تقسم الوجود إلى وجود عقلي وحسي، كما تميِّزُ بين الحقيقي والظاهر. وإزاء هذا الوضع الأنطولوجي المصطنع بفعل الجدل أعلن نيتشه كما هو الحال مع فلاسفة سابقين له أمثال كانط وهيغل، على ضرورة تقويض الأفلاطونية وقلبها. حيث وجه نيتشه نقده للتصور الأفلاطوني لكونه ميز بين الماهيات وعالم المظاهر، «يبدو أن العبارة [قلب الأفلاطونية] تريد قول: تقويض عالم الماهيات وعالم المظاهر». [ Gilles Deleuze, Logique du sens, p. 292] وفي نفس الإطار بين دولوز العنصر القيمي الذي منح الوجود منظوراً أخلاقياً اعتبر على إثره الوجود مذنباً ينبغي تبريره، وأن الدافع الأساس من وراء نظرية المثل عند أفلاطون يتمثل في تمييزه بين شكلين للصور، صور تتخذ من المثال أو الأصل جوهر الحقيقة الساعي إلى تحقيق المطابقة، وصور تمثل السيمولاكر Simulacre (النسخ المشوهة)، أي الصور التي لا تتطابق مع المثال والنموذج الأصلي، ولا تمتلك أساساً. فالدافع إذن هو التمييز بين النسخ الجيدة القائمة على أساس ونسخ رديئة تعبر عن اللاتشابه، «إن الدافع الكامن وراء نظرية المثل ينبغي أن يبحث عنه من جهة إرادة الانتقاء والتصنيف. يتعلق الأمر بإقامة الاختلاف والتمييز بين "الشيء" ذاته وصوره، بين الأصل والنسخة، بين النموذج والنسخة المشوهة» [Gilles Deleuze, Logique du sens, p. 292.]. فنتج عنه تاريخ فلسفي يحتفي بالنسخ الأصلية على النسخ المشوهة، هذه الأخيرة تم قمعها والسعي نحو طمسها وإقبارها. من ثم، تتأسس قراءة دولوز للفلسفة الأفلاطونية - من خلال النقد النيتشوي - على رؤية أنطولوجية ترفض التقسيمات التي تتم على مستوى التمييز بين الأصل والنسخة والنموذج والنسخ المشوهة (السيمولاكر). وبالتالي إدانة للتراتبية التي تتأسس على رفض الاختلاف وكل ما لا يمثل الماهية والتطابق.

[8] Gilles Deleuze, Logique du sens, éd. Minuit, collection «critique» 1969, p. 302

[9] Gilles Deleuze, Différence et répétition, p. 364

*التواطؤ Univoque: التواطؤ يعني أن الوجود يقال بمعنى واحد، والمعنى نفسه عن الله والإنسان والحيوان والنبات، «المهم هو أن نستطيع تصور عدة معان تتمايز صوريا، لكن تنتسب إلى الوجود كما تشير إلى مسمى وحيد أنطولوجيا، صحيح أن وجهة النظر هذه لا تمنعنا من اعتبار أن هذه المعاني متناسبة Analogue وأن وحدة الوجود هي عبارة عن تناسب Analogie » (Différence et répétition, p. 50 ). إذن فالوجود يقال بالمعنى الواحد نفسه على كل ما يقال.(Différence et répétition, p. 52) 

* نشير أن دولوز رغم تحفظه على مسألة المنهج الذي هيمن على تاريخ الفكر بفعل فلسفة ديكارت، فإنه مع ذلك يعتمده بشكل ضمني من خلال التجريبية الترنسندنتالية دون الخضوع لنزعة مذهبية محكومة بأطر فكرية قبلية.

* Pluralisme

[10] François Zourabichvili, Le vocabulaire de Deleuze, Ed. Ellipses, 2003, p. 36

[11] Robert Sasso et Arnaud Villani, Le vocabulaire de Gilles Deleuze, Les Cahiers de Noesis n° 3, Printemps 2003, p. 127

[12] Anne Sauvagnargues, Deleuze, l'empirisme transcendantal, p. 31

[13] Gilles Deleuze, Empirisme et subjectivité. Essai sur la nature humaine selon Hume, PUF, Paris, 1953, pp. 92 - 117

[14] جيل دولوز وكلير بارني، حوارات: في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ص. 119

* موضوع الالتقاء rencontre: الأمور التي ترغم على التفكير هو، «موضوع التقاء أساسي rencontre fondamentale، وليس موضوعا للتعرف» (D.R, p. 182). وتتسم موضوعات الالتقاء بالضرورة المطلقة، يعني أنها تعبر عن عنف أصلي وعن غرابة وإكراه يحْدُث للفكر، قادرة على إخراجه من حيرته الطبيعية أو من إمكانيته الأبدية: مادام لا وجود لفكر إلا للاإرادي، الذي يثيره إكراه في الفكر. لهذا فإن الضروري يُنشأ الفكر بكيفية مطلقة، أما العرضي في العالم فيتم بواسطة التحطيم effraction، «إن أول ما في الفكر هو التحطيم والعنف، إنه العدو ولا شيء يستلزم الفلسفة، الكل ينطلق من كره الفلسفة Misosophie » pp.181.182. لا يجب الاعتماد على الفكر لإرساء الضرورة النسبية إلى ما يفكر فيه، لكن على العكس ينبغي الاعتماد على عرضية الالتقاء مع ما يرغم على التفكير، من أجل إقامة وتقديم الضرورة المطلقة لفعل ولشغف التفكير. ويعد أفلاطون من منظور دولوز أول من أدرك التمييز بين موضوع الالتقاء وموضوع التعرف، ورغم ذلك، بدل الارتفاع إلى الممارسة المفارقة أو المتعالية transcendant، انتهى بالعودة إلى الممارسة التجريبية. بين ذلك من خلال ثلاث هيئات للشكل: التناقض الكيفي، «هيئة للشكل المتناقض أو التناقض الكيفي»، التشابه، «إنه يمثل شكلا للتشابه في التذكر» والهوية، «ذلك الشكل للهوية الواقعية» (Gilles Deleuze, Différence et répétition, pp. 184- 185). بحيث أن الهيئة الأولى هي الأكثر بدائية وبالأحرى الحاسمة جدا. لأنه في كل مرة نخلط موضوع التعرف مع كيفية نسقط بالضرورة في مأزق التشابه والهوية، يعني في عالم التمثل: «بالأحرى أن أفلاطون، الذي كتب نص الجمهورية، كان أيضا أول من أقام الصورة الوثوقية» (Gilles Deleuze, Différence et répétition, PUF, Paris, 1968, p.185)

[15] Gilles Deleuze, Différence et répétition, Paris, PUF, 1968, p. 188

[16] Ibid., p. 190

[17] Gilles Deleuze, Différence et répétition, p. 182

[18] Ibid., p.79

[19] Ibid., p. 305

[20] Ibid., p. 186

[21] Ibid., p. 80

[22] Ibid., p. 419

* Tautologie

[23] Gilles Deleuze, Différence et répétition, p. 287

* أشير أن الباحثة كاترينا بامبو نابياس Catrina Pambo Nabais خصصت في كتابها الموسوم بـ جيل دولوز: فلسفة وأدب الصادر سنة 2013 عن دار Harmattan L’ في القسم الأول المعنون بـ (بروست وساشر مازوش: المقولات، القانون، الجنون: (من جدول الملكات إلى الأنطولوجيا الجهوية للماهيات) [من الصفحة 55 إلى غاية الصفحة 90] حيزاً مهماً لتيمة الملكات التي تعد من أعقد الإشكالات التي تناولها دولوز في مشروعه الفلسفي، التي بسط القول فيها بدءً، حسب المؤلفة، من كتابه حول هيوم التجريبية والذاتية (1961) إلى غاية كتابه فلسفة كانط النقدية (1963) ومقاله (فكرة التكوّين في إستطيقا كانط) (1963) مع عقد مقارنة بين مضمون تصوره للعلاقة بين الملكات كما تصورها كانط من خلال إعمال المنهج التكويني في مقال نشره بعد عشرين سنة بعنوان (حول أربع صيغ شعرية التي يمكن أن تلخص الفلسفة الكانطية) الذي نشره في المجلة الفلسفية سنة (1984).

[24] Catrina Pombo Nabais, Gilles Deleuze: philosophie et littérature, p. 62

* شكل هذا النص الكانطي بالنسبة إلى دولوز جواباً على الاعتراض الذي وجهه كل من فخته J. Gottlieb Fichte (1762 – 1814) وسليمان ميمون Salomon Maimon (1753 /1800) لتجاهل كانط لمتطلبات المنهج التكوين في النقديين الأوليين، حيث تمكن من إدراج اعتراضات ميمون على وجه الخصوص التي قدمها سنة (1790) تحت عنوان دراسة في الفلسفة الترنسندنتالية، لتفتح حسب دولوز بعداً جديداً للفلسفة الترنسندنتالية سمحت بأن تصير نظرية لشروط إمكانية التجربة، بدل أن تكون نظرية شرطية، «لتصبح تشكلاً ترنسندنتالياً، ثقافة ترنسندنتالية، تكون ونشأة ترنسندنتالية» (Deleuze Gilles, L'Île déserte et autres textes, p. 86)

[25] Deleuze Gilles, L'Île déserte et autres textes. Textes et entretiens 1953-1974, éd. Lapoujade, 2002, p. 85

[26] Catrina Pombo Nabais, Gilles Deleuze: philosophie et littérature, p. 78

[27] Deleuze Gilles, L'Île déserte et autres textes. p. 87

* Formes

* يقول كانط في نقد ملكة الحكم: «الشعور بالسامي فهو لذة تنبثق إلا بطريق غير مباشر، لأنها تنتج عن الشعور بتوقف القوى الحيوية إبان لحظة قصيرة يتلوها مباشرة انطلاقا لهذه القوى أقوى وأكبر؛ ولهذا فإن لا يبدو أنه لعب، بل أمر جاد يشغل الخيال» (إيمانويل كانط، نقد ملكة الحكم، ترجمة غانم هنا، فقرة 23، ص. 153).

[28] جيل دولوز وكلير بارني، ألف باء، ص. 96

[29] Gilles Deleuze, Différence et répétition, p. 188

[30] Ibid., p.269

[31] Ibid., p. 182

* الاختلال والاضطراب الذي تعرفه الملكات هو ناتج عن عنف يحدده دولوز في: العنف الذي يجبر الملكة على الممارسة والفعل. وعنف يجبر الملكة على إدراك واستيعاب ما هي مخولة لإدراكه، وقدرة غير قابلة للإدراك (غير قابلة للقياس) من وجهة نظر الممارسة التجريبية. لهذا تكتشف كل ملكة الشغف والانفعال الذي يخصها، يعني اختلافها الجذري وتكرارها الأبدي وعنصرها التفاضلي والمتكرر.

[32] Gilles Deleuze, Différence et Répétition, op. cit., p.186

* Sortie de ses gonds: تترجم هذه العبارة بخارج قفازيه أو خارج حدوده.

* يستعير دولوز هذه الصيغة من الشاعر آرثر رامبو:

«Arriver à l’inconnu par le dérèglement de tous les sens, ...un long; immense et raisonné dérèglement de tous les sens» Arthur Rimbaud.

[33] Gilles Deleuze, Différence et Répétition, op. cit., p. 184

[34] Ibid., p. 188

* ما نخلصه من خلال السؤال الإستطيقي لدولوز أن إستطيقا السينما لا تعبر عن إستطيقا الجميل كشعور متولد عن الشيء (تمثل) بل الإستطيقا تحضر لديه بالمعنى الذي يعده سؤالا حول الحساسية بما هي بحث عن منطق الإحساس، وفي المقابل البحث عن الآليات القادرة على إنتاج فكر حقيقي يبتعد عن الصورة الدوغمائية، فكان طريقه إلى ذلك هو السينما لكون الصورة حركة أو سينما الرواد بمقدورها إحداث فكر حقيقي يعبر عن الكل.

[35] Gilles Deleuze, Cours sur le cinéma, Cours Vincennes, Cours du 10/11/1981, http: //www. Webdeleuze. Com/texte/294

[36] Catrina Pombo Nabais, Gilles Deleuze: philosophie et littérature, p. 76

[37] جيل دولوز، سينما: الصورة – الزمن (الجزء الثاني)، ترجمة جمال شحيد، بتصرف، ص. 255

[38] إيمانويل كنط، نقد ملكة الحكم، ترجمة غانم هنا، ص. 101

* يدل التمثل على طريقة في التفكير أو ما سماها دولوز بـ "صورة الفكر"، ويقوم على مبدأين: أولاً، تصور المعرفة كوحدة متناهية ومنغلقة لا إمكان للاستثناء أو الصدفة أو الحظ فيها. وثانيا، التطابق، أي تصور الهوية كأصل في الاختلاف، «لهذا فإن عالم التمثل يتسم بعدم قدرته عن تفكير الاختلاف في ذاته؛ وفي الآن ذاته عن التفكير في التكرار لذاته» Gilles Deleuze, Différence et répétition, p.180.

[39] جيل دولوز وكلير بارني، حوارات: في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ص. 72

[40] أميرة حلمي مطر، فلسفة الجمال، أعلامها ومذاهبها، ص. 120

[41] Gilles Deleuze, Philosophie critique du Kant, p. 79

[42] إيمانويل كنط، نقد ملكة الحكم، ترجمة غانم هنا، ص. 153

[43] جيل دولوز، سينما، الصورة – زمن. (الجزء الثاني)، ترجمة جمال شحيد، المنظمة العربية للترجمة، 2015، ص. 260

* يميز دولوز بين السينما الرواد والمبتذلة التي تعبر عن الفن الجماهيري: «يمكن أن نقول دائما أن السينما غرقت في إنتاجاتها السيئة (....)عندما يكون العنف ليس هو عنف الصورة والاهتزازات، لكن عنف تمثلي، نسقط في اعتباط دموي، عندما تكون العظمة ليست في التركيب لكن في مجرد تمثل خالص وتضخمي، ليس ثمة تحفيز وإثارة دماغية ونشأة التفكير . إنه بالأحرى قصور عند المؤلف والمتفرجون؛ بينما نجد أن المستوى المتدني السائدة (رداءة) في الفن التشكيلي لم تمنع الرسامين الكبار، غير أن ليس لديهم الشروط ذاتها للفن الصناعي، حيث الدعاية للأعمال المريعة (البغيضة) تؤدي إلى التشكيك في الأهداف والقدرات المهمة. بالتالي تموت السينما في رداءتها الكمية» Cinéma, imagetemps, p. 213-214.

* يحضر مفهومي الشكل والصورة بقوة في تاريخ الفن بقوة لاعتبارات جمالية شكلت حجر الزاوية في الإبداع الفني؛ ذلك ما يفسر وضعية مادة – شكل كأساس لميلاد الإستطيقا ولكل تأمل نظري في فلسفة الفن منذ الفلسفة اليونانية إلى حدود الفلسفة المعاصرة. فإذا توقفنا عند التعريف الأفلاطوني للفن بوصفه "مرآة عاكسة"، فإنه يختزل وظيفة الفن في المحاكاة، بحيث تم استبعاد الفن التشخيصي عن المدينة لكونه لا يعدو أن يكون مجرد سيمولاكر أو ما يدعوه بصورة الصور. ويزكِّي هذا المنظور العلاقة الجوهرية التي أقامها أفلاطون بين الصورة والمثال كعلاقة بين موضوع معين ونموذجه، وبين الصورة والنسخة، أي بين النسخة والنسخة المشوهة أو الشيء وصورته. وقد خلص دولوز إلى أن هذا التوجه تولد عنه نوعين من الصور: النوع الأول هو عبارة عن نسخ تقوم على أساس رصين ومتين قوامه الشبه، والنوع الثاني بمثابة سيمولاكرات أو نسخ لا أساس لها وقوامها اللاتشابه. مما دفع بأفلاطون بناءً على نظريته للمثل للانتصار للنسخ على السيمولاكرات وبقمعها وتقييدها لئلا تطفو في السطح وتفرض نفسها في كل الاتجاهات. وفي المقابل تمجيد الأيقونة بوصفها نسخة جيدة لقيامها على أساس وتمتعها بالتشابه، «النسخة هي صورة تتمتع بالتشابه، أما السيمولاكر فهو نسخة بلا تشابه» Gilles Deleuze, Logique du sens, éd. Minuit, collection «critique» 1969, p. 297. لذلك ارتبطت الصورة في المنظور الأفلاطوني بتزييف للصورة الأصلية، والشكل بدلالته اليونانية القديمة بـ eidos وmorphé أي كل ما يمنح شكلاً للمادة المشوهة، كما خضع الفن لمبدأ التمثل لخضوعه لمفهوم النموذج أو الأساس «هكذا، فإن الأفلاطونية تؤسس كل المجال الذي ستعترف به الفلسفة بأنه مجالها: مجال التمثل المليء بالنسخ الأيقونات، ولا يتحدد عن طريق علاقة خارجية مع موضوع ما، وإنما من خلال علاقة داخلية جوهرية مع النموذج أو الأساس» Ibid., p. 298 – 299

[44] Gilles Deleuze, Différence et Répétition, p. 357

[45] Pierre Montebello, Deleuze, philosophie et cinéma, Paris, Librairie Philosophique J. VRIN, 2008, p. 37

[46] Pierre Montebello, Cinéma, subjectivité et aliénation chez Deleuze, p. 2. www.europhilosophie.eu.

[47] Gilles Deleuze, Cinéma 1 l’image- mouvement, p. 203

* يميز دولوز بين العنف الناتجة عن الصورة – الحركة باعتبارها تمثل الماهية الحقيقية للصورة السينمائية وبين العنف الشكلي الناتج عن الصدمة المتولدة عن الأشياء المتمثلة. لهذا بين دولوز أن شرط إحداث تغيير في الفكر وفي العالم من خلال السينما يفترض شرط الصورة – حركة، «في السينما الرديئة، كان على الصدمة أن تختلط مع العنف - الشكلي للأشياء المتصورة، بدل أن تتوصل إلى ذلك العنف الآخر المنبعث من الصورة- الحركة التي تطور اهتزازاتها في سلسلة متحركة تغور فينا». [سينما 2، الصورة – الزمن، ص. 253.]

[48] جيل دولوز، سينما: الصورة – الزمن 2، ص. 251

* سرجي إيزنشتاين Sergueî Eisenstein (1898 – 1948): مخرج ومنظر سينمائي سوفياتي.

* Poing de coup

* يأخذ دولوز مفهوم الكل عن برغسون، أي باعتبار الديمومة ككل منفتح، "الكل ينتزع منه المعنى"، على خلاف بعض المفكرين الذين ذهبوا إلى اعتبار أن الكل لا معنى له، فالديمومة هي تغير في الكل وليست تحولا كما يحصل في الحركة المصطنعة (الحركة الفيزيائية)؛ أي إن كل حركة هي إزاحة أو انتقال ومن ثمة "وقوع تأثر وجداني للعالم"، بشرط أن يؤخذ "الكل"، باعتباره ما يقع واقعيا، ومختلف عن الأجزاء، ولا ينبغي أن يوضع الكل والجزء في نفس المستوى "الأجزاء موجودة في المكان: و"الكل هو الزمن الواقعي".

[49] سينما؛ الصورة – الزمن (الجزء الثاني)، بتصرف، ص. 253

* من الجذير بالذكر أن كانط ميز في كتابه نقد ملكة الحكم بين شكلين للسامي: السامي الرياضي والسامي الدينامي، حيث عرف السامي الرياضي بأنه تجربة تنتج عن العظمة في المقدار ويرتبط بالحركة الذهنية، أي تفاعل ملكة المخيلة مع ملكة النزوع أو الرغبة. لهذا، فإن عظمة السامي الرياضي غير قابلة للمقارنة والقياس (مثال السماء اللامتناهية المرصعة بالنجوم). في حين أن السامي الدينامي تجربة ترتبط بالعظمة في القوة ويشير إلى الطبيعة كقوة هائلة (رهبة أو خشية) (مثال العاصفة الهائلة التي لا تبقي ولا تذر).

** أبل غانس Abel Gance (1889 – 1981): مخرج وكاتب ومنتج سينمائي فرنسي، يعد من أحد رواد اللغة السينمائية.

* فريدريك مورناو Fridrich Murnau (1888 – 1931): مخرج ألماني، يعد من أبرز ممثلي المذهب التعبيري.

* فريتز لانغ Fritz Lang (1890 – 1976) مخرج ألماني من أصول نمساوي.

[50] Gilles Deleuze, Cinéma 1 l’image- mouvement, p. 205

* فيزفولد بودفكين Poudovkine Vsevolod (1893 – 1953): مخرج وكاتب سناريو سوفياتي من أهم منظري المونتاج.

[51] Gilles Deleuze, Cinéma 1 l’image- mouvement, p. 205

[52] جيل دولوز، سينما؛ الصورة – الزمن (الجزء الثاني)، ص. 254

[53] نفس المرجع، عن الترجمة العربية بتصرف، ص. 254. (Cinéma 2, p. 206)

[54] نفس المرجع، بتصرف، ص. 254. (Cinéma 2, p.205)

[55] نفس المرجع، بتصرف، ص. 255

[56] نفس المرجع، ص. 255

* ZIGZACS

[57] جيل دولوز، سينما؛ الصورة – الزمن، (الجزء الثاني)، ص. 255

[58] نفس المرجع، ص. 259

[59] جيل دولوز، سينما: الصورة – الزمن (الجزء الثاني)، ص. 252

[60] Gilles Deleuze, Cinéma 1 l’image- mouvement, op. cit., p.69

[61] Ibid., p. 69

[62] Catrina Pombo Nabais, Gilles Deleuze: philosophie et littérature, p. 79

[63] إيمانويل كنط، نقد ملكة الحكم، غانم هنا، ص. 160

* Suprasensible

[64] Deleuze Gilles, L'Île déserte et autres textes, p. 88

[65] Deleuze Gilles, L'Île déserte et autres textes, p. 98

[66] Gilles Deleuze, Cinéma 1 l’image- mouvement, op. cit., p. 69