خمسون عاما على رحيل فرانكو: ماذا بقي من ديكتاتوريته؟

فئة :  ترجمات

خمسون عاما على رحيل فرانكو: ماذا بقي من ديكتاتوريته؟

خمسون عاما على رحيل فرانكو: ماذا بقي من ديكتاتوريته؟

المؤلف: صوفي بابي[1]

ترجمة وتقديم: عبد المنعم الكيواني[2]

تقديم المترجم

انطلاقا من اهتمامي بالتاريخ السياسي للقرن العشرين بصورة محددة، ارتأيت نقل هذه المقابلة الغنية إلى العربية، التي أجراها الموقع الفكري المتميز والمتشعب من حيث اهتماماته الأكاديمية الراهنية: دي كونفيرسايشن The Conversation مع المؤرخة الفرنسية المتخصصة في التاريخ الإسباني الحديث صوفي بابي عن الديكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو ذائع الصيت، وعن أدواره في الانقلاب وفي حرب الأهلية خلال سنوات (1936-1939) بمناسبة مؤلف هام[3] لها عن هذا الموضوع وعن تلك المرحلة الحاسمة من تطور إسبانيا المعاصرة.

إنه واقع تاريخي وفكري يدخل في صميم التاريخ السياسي والعلوم السياسية، كما أنه ذو معنى عميق بالنسبة إلى الفلسفة والفكر السياسي المعاصر، خاصة في إطار ما يعرف بالتوتاليتارية Le Totalitarisme التي ميزت القرن العشرين؛ إذ يجد المتأمل المقارن للدول الشمولية المعاصرة بدءًا بإيطالية الفاشية مرورًا إلى ألمانيا النازية وشرقًا بالاتحاد السوفياتي الستاليني، أنها لا تختلف كثيرًا عمّا عرفته إسبانيا على عهد ديكتاتورية فرانكو، الذي كان يسير بخطى ثابتة على محج الزعماء التوتاليتاريين الغربيين، خاصة وأن هذا الديكتاتور الإسباني قد كان على تواصل ملتزم مع هتلر وساهم من جهته وبكيفية بارزة في الحرب العالمية الثانية عبر دعمه لدول المحور بجميع الإمكانيات البشرية والمادية، مما يجعل إسبانيا هي الأخرى جزءًا لا يتجزأ من ظاهرة كونية غطت سماء العالم الغربي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وهي ظاهرة الشمولية الفريدة من نوعها.

إن هذا النص يمكنه أن يكون بالغ الأهمية في الفكر واللغة العربيين، لسببين، أولا أن دراسة الشمولية وأشكال السلطوية الأخرى قد تركزت على الأنظمة النازية والفاشية والستالينية في القرن العشرين، وهي تتناسى بذلك الدور الفعال لسياسة فرانكو في القرن الماضي. ثم ثانيا، يمكن لهذا المقال أن يمكّن الشعوب التي تعيش الاستبداد أو خرجت لتوّها من ديكتاتورية قمعية من فهم أنه حتى الدول المتمدنة في حاضرنا هذا، قد كانت بالأمس القريب تعيش وضعا سياسيا لا يقل سوءًا عما نحن عليه اليوم، ومع ذلك حدث الانعتاق من قبضة الشمولية، وبرز إلى الوجود التحول اللولبي في مسار التاريخ باتجاه الحلم الديمقراطي، بوصفه الفضاء الأرحب للعيش المشترك الذي أدركه الفكر البشري حتى وقتنا الراهن، وبالتالي بإمكان الدولة العربية، نظامًا ومجتمعًا، أن تتحلى بالمسؤولية وتحقق الحلم السياسي والاجتماعي في أن يصير لهذه الحضارة كلمة واعتبارًا عالميًّا.

الحوار المترجم[4]

إن واقعة وفاة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو في 20 نونبر من عام 1975 قد فتحت الطريق أمام إمكانية تحقيق الديمقراطية في إسبانيا. ومع ذلك، فإن الأربعة عقود التي مارس خلالها السلطة في بلاده، قد تركت أثرا لم يتلاش بعد. صوفي بابي Sophie Baby هي أستاذة محاضرة في التاريخ المعاصر بــجامعة بورغون الأوربية l’Université Bourgogne Europe (الفرنسية)، كما أنها متخصصة في النزعة الفرانكاوية Franquisme والتحول الديمقراطي في إسبانيا، حيث صدر لها عام 2024 مؤلف مهمّ يحمل عنوان: "الحكم على فرانكو: الإفلات من العقاب، والمصالحة، والذاكرة" ضمن نشرات لاديكوفيرت La découverte؛ إذ تتم العودة في هذه المقابلة (التي أجراها موقع The Conversation مع المفكرة) على طريق الزعيم (كوديلو Caudillo) وعن دوره في الحرب الأهلية الممتدة من سنة 1936 إلى 1939 وفي القمع الذي نفّذهُ نظام حكمه، ودون نسيان رهانات الذاكرة حول ذكرى ذلك العصر الذي يرَوِّعُ إسبانيا المعاصرة حتى اليوم.

الموقع: هل بإمكانك تذكيرنا بمن يكون فرانسيسكو فرانكو، وبالطريقة التي وصل بها إلى السلطة؟

صوفي بابي: فقد ولد فرانكو في عام 1892 في قرية الفيرول El Ferrol بغاليسيا، وهو ضابط رسمي برز اسمه في حرب الريف (المغربية) ما بين سنوات 1921 و1926، التي كانت الحرب الوحيدة التي تخوضها إسبانيا في تلك الفترة. وعند إتمامه لعامه الثالث والثلاثين أصبح فرانكو واحدًا من الجنرالات الأوروبيين الأكثر شبابا. وبعد إعلان الجمهورية الإسبانية الثانية عام 1931 سيشغل الرجل مواقع عسكرية ذات مرتبة عالية. وفي 1936، سينْضم بكيفية متأخرة للانقلاب العسكري الذي يتربص من أجل الإطاحة بالجمهورية الفتية، ومع أن هناك جنرالات آخرين غيره حرضوا بقوة على هذا الانقلاب، إلا أن فرانكو قد لعب دورًا رئيسًا في ذلك.

الموقع: ما هي القيم التي ينتهض عليها هذا النظام الجديد

صوفي بابي: إن النظام الفرانكاوي يميل إلى الحركة الوطنية[5] Le Movimiento Nacional، الذي صار الحزب الوحيد المسموح به في إسبانيا. إنها حركة وطنية كاثوليكية، ومعادية لليبرالية، كما أنها في العمق هي كيان مناهضة للشيوعية، ومعادية للإصلاحات العلمانية والاجتماعية الخاصة بالجمهورية. وتركز الفرانكاوية على الكتائب، إنها نظام يستلهم الفاشية الإيطالية؛ إذ تمزج أيديولوجيته بين القومية والنزعة المحافظة والورع الديني المستمد من الصليبيين ضد النزعة المعادية لإسبانيا المتعيِّنة في الشيوعية وفي الماسونية والليبرالية.

الموقع: ما هي الحصيلة البشرية الخاصة بالحرب الأهلية ثم تلك الخاصة بنظام فرانكو؟

صوفي بابي: يتعين التمييز بين الحصيلة الدقيقة للحرب الأهلية الواقعة في الفترة ما بين 1936 و1939 من جهة، وبين حصيلة القمع الفرانكاوي من جهة ثانية، اللتين يختلطان مع مرور الزمن. علمًا بأن هذه الحصيلة الإجمالية ليست دقيقة بكيفية نهائية؛ إذ مازلنا لا نمتلك قائمة دقيقة تضم أسماء وأعداد الضحايا، لكن المؤرخين يشتغلون ليل نهار، وترتيب حجم الخسائر يمكن الاعتماد عليه اليوم.

إننا نرى أن الحرب الأهلية قد خلفت خمس مائة ألف (000 500) ضحية، ومن ضمنهم مائة ألف (000 100) من الجنود الذين تساقطوا في الجبهة، مما يعني أنهم أقلية. كما تم إعدام حوالي مائتي ألف (000 200) خلف الستار، من ضمنهم تسعة وأربعين ألفا (000 49) داخل المنطقة التي كانت تحت نفوذ الجمهوريين، ومائة ألف (000 100) في المنطقة التي كان يسيطر عليها الموالين لفرانكو. أما ما تبقى من الضحايا، فهي تشتمل على مخلفات الحرب، والنازحين، وضحايا المجاعة وتفجيرات المدن.

وبعد سنة 1939 سيستأنف القمع الفرانكاوي نشاطه؛ وذلك من خلال ما يقارب خمسين ألفا (000 50) من الإعدامات في الأربعينيات من القرن العشرين. وعلاوة على ذلك، فقد غمرت إسبانيا مجاعة خطيرة، ليس بسبب العزلة البسيطة التي وقعت فيها البلاد الناتجة عن الحرب العالمية الثانية، مثلما أعلنت ذلك دعاية فرانكو، ولكن بسبب سياسة الاكتفاء للنظام الذي أقام الرهان على الاكتفاء الذاتي، عبر توقيف الواردات ولاسيما الأسمدة، وتحديد الأسعار رسميا، ثم طلب الإنتاج، وهكذا تم ترك الشعب ضحية السوق السوداء وضحية الجوع، من أجل حصيلة مائتي ألف (000 200) من الوفيات على الأقل.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن التقديرات تشير إلى أنه منذ بداية الأربعينات من القرن الماضي كان في إسبانيا ما يقرب مليون سجين، منهم ثلاث مائة ألف (000 3000) بالسجن، بالإضافة إلى أن أزيد من نصف مليون شخصًا يوجد بما يقرب مائتين (200) من معسكرات الاعتقال موزعة على كل أرجاء إسبانيا، والتي كانت موجودة إلى حدود سنة 1947. وتبعا لذلك، فإن حوالي مائة ألف (000 100) من سجناء معسكرات الاعتقال لقوا حتفهم خلال هذه الفترة.

من جهة أخرى، هنالك مائة وأربعين ألفا (000 140) من المفروض عليهم العمل القسري قد مرّوا من معسكرات الأشغال الخاصة بالنظام التي واصلت وظيفتها خلال سنوات الخمسينيات. هذا في حين أن خمسمائة ألف (000 500) من الأشخاص فروا من قمع فرانكو، مع أن الثلتين منهم لم يعودوا.

فقد تم تصنيف النظام الفرانكاوي بوجه مكشوف خلال الصراع العالمي في صف هتلر وموسوليني، حيث ساهم فرانكو بشكل كبير في انتصار المعسكر الوطني من خلال إرسال عشرات الآلاف من الجنود والطائرات وكل عتاد الحرب؛ إذ ظل يتأرجح موقفه بين الوضع الحيادي وتجنب القتال؛ ذلك أن فرانكو قد التزم عند لقائه بهتلر في هينداي[6]Hendaye خلال أكتوبر من عام 1940 بالانضمام إلى الحرب في الوقت المناسب الذي لم يظهر بعد. لكن الحلفاء لم ينخدعوا؛ ذلك أن إسبانيا فرانكو قد كانت منبوذة من قبل المجتمع الدولي، ولن تستطيع الانضمام إلى منظمة الأمم المتحدة قبل سنة 1955.

الموقع: واليوم ماذا عن الاعتراف بضحايا الحرب والنظام معًا؟

صوفي بابي: لقد نفذ النظام الفرانكاوي سياسة جارحة ومستدامة؛ إذ تقوم أولا على تمجيد الأبطال وشهداء الحملات الصليبية. فقد حصل ضحايا المعسكرات الوطنية على قبور عليها أسماؤهم وعلى آثار خاصة تكريما لهم. إنها الآثار « a los caídos » المنتشرة في قرى شبه الجزيرة. إضافة إلى أنهم حصلوا على معاشات كما لو أنهم قدماء المحاربين، أو معطوبي الحرب، الأرامل أو اليتامى؛ إذ لم يكن الحال نفسه بالنسبة إلى من كانوا موجودين في المعسكر المهزوم، المحكوم عليهم بالإقصاء، ثم بالبؤس والنسيان، هذا ما يتحدث عنه بول بريستون[7] Paul Preston بسياسة الانتقام. فقد ظل الاضطهاد مستمرًّا بلا توقف حتى نهاية النظام؛ ذلك أن الإعدامات السياسية الأخيرة يقدر وقوعها في أسابيع قليلة قبل وفاة الديكتاتور. أمام هذا الاختلال ضد الجماعات ضحايا معسكرات الجمهورية، الذين انتظموا خلال سنوات الستينيات والسبعينيات، من أجل المطالبة بالتعويض بمجرد أفول نجم فرانكو، معلنين مطلب جبر الضرر ثم الاعتراف.

خلال سنة 2025، أعلنت حكومة بيدرو سانشيز[8] Pedro Sánchez الذكرى الخمسينية، "خمسون سنة من الحرية"، من أجل الاحتفاء بالمكتسبات الديمقراطية وبالنضالات ضد الفرانكاوية؛ إذ يتركز الاهتمام على من ناضلوا، وبالنسبة إلى البعض، الذين أضاعوا حياتهم على مذبح هذه المعركة من أجل الحرية؛ إذ تسجَّل هذه المبادرة ضمن سياسة الذاكرة التي دُشّنت مع حدث استخراج جثة فرانكو[9] عام 2019. فقد كان جثمانه مدفونًا حتى الآن داخل كاتدرائية بــ de Valle de los Caídos في قشتالة شمال شرق مدريد، التي كان قد شيّدها سجناء النظام. وبمجرد وصول بيدرو سانشيز للسلطة، وضع أولوية نقله إلى القبو الخاص بأسرته؛ وذلك في انسجام مع قانون الذاكرة الديمقراطية لسنة 2022، هو ما يقطع مع منطق التكافؤ بين المعسكرين الاثنين، بشكل يدين بشدة الديكتاتورية، ويؤكد في الوقت نفسه السمو الحتمي للشرعية الديمقراطية على الشرعية الفرانكاوية.

الموقع: أمام سياسات الذاكرة المنسوجة من قبل اليسار، ما هي مواقف اليمين التقليدي واليمين المتطرف؟

صوفي بابي: إنه لمن المؤكد أن اليمين-سواء اليمين المحافظ التقليدي، والحزب الشعبي (pp)، أو تكوين اليمين المتطرف فوكس Vox، الذي ظهر سنة 2014-قد كان معارضًا باستمرار لسياسات الذاكرة هذه، الذي تم النظر إليها بوصفها تعرِّض إسبانيا للانقسام، أو تعيد إحياء الحرب الأهلية الخاصة بالأمس، حيث ترى هذه الأحزاب أنه لا يتعين إعادة فتح الجروح القديمة، حتى لو كان هناك إجماع اليوم، محلّيًا على الأقل، على ضرورة تعريف وإعادة جثث المفقودين. لكنهم يعارضون بجميع الأشكال إعادة تمكين الضحايا، كما يرفضون بكل الأشكال مسؤولية الدولة عن ذلك.

إن اليمين، الذي لم ينفصل عن ديكتاتورية الفرانكاوية، والذي رفض بأغلبية إقرار دستور 1978، فإنه، ومنذ بداية سنوات القرن الحالي، استحوذ على ميراث التحول الديمقراطي، ولوّح بالتوافق، وبالإجماع، والمصالحة كذرائع لرفض سياسات الذاكرة.

الموقع: كيف يتم التعامل مع مسألة الرموز الفرانكاوية في الفضاء العمومي؟

صوفي بابي: إن أول قانون تذكاري لسنة 2007 الذي تبنته الحكومة الاشتراكية لجوزي لويس رودريكيز زباطيرو José Luis Rodríguez Zapatero، قد التزم بمسح من الفضاء العمومي كل الرموز الفرانكاوية المنتشرة في كل مكان: منها تغيير أسماء الشوارع، ومسح شعارات الكتائب (النير والسهام)، الحاضرة في كل العمارات العمومية، ثم تفكيك تماثيل الفروسية خاصة فرانكو، وتقويض عدد من الآثار الدالة على مجد النظام وعلى صليبيته La Croisade؛ لأنها تعلي بطريقة مفرطة في الوضوح قيم الفرانكية. وقد أعلنت الحكومة في الآونة الأخيرة إحصاء باقي الرموز التي لا تزال في مكانها؛ ذلك أن تفكيك التماثيل تعيد إلى الواجهة موجة ما تمت ملاحظته في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى، ولا سيما في المملكة المتحدة، بعد حركة "حياة السود مهمة" Black Lives Matter. لكن في إسبانيا، لم يكن مثل ذلك الحماس الشعبي. وعلى العكس من ذلك، إن ذلك يكشف عن سياسة تؤدي إلى ما هو أعلى من طرف السلطات العامة.

الموقع: اليوم ماذا بقي من شخصية فرانكو؟

صوفي بابي: إن الذكرى الخمسينية على موت فرانكوا قد أنشأت سؤالًا مركزيًّا: أيّ ذكرى علينا إحياؤها بالضبط؟ هل موت الديكتاتور؟ ما بقي، إنه، أقول، في الغالب الجهل. في المنهج الدراسي الكلاسيكي، الجزء المخصص لتدريس تاريخ إسبانيا في القرن العشرين (20) مركز جدا. وهذا يقود إلى نوع من الجهل العام تكوّنه في الواقع الفرانكاوية، ويشجع على نظرة ملطفة جدا لهذا النظام.

هنالك خطاب أسري واجتماعي يستمر في بعض الأوساط، وخاصة عند اليمين وفي بعض الجهات مثل مدريد أو قشتالة، حيث يميل إلى التقليل من حجم القمع الفرانكاوي، من أجل استبعاد أي مقارنة لفرانكو مع هتلر أو حتى موسوليني، ومن ثمة تثمين فوائد النظام. إلى درجة الاعتبار، من أجل خمسينية شعبية، حسب استطلاع حديث، بأن سنوات الديكتاتور فرانكو قد كانت جيدة، حتى أنها جيدة جدا، بالنسبة إلى الإسبانيين، حيث نلاحظ عودة بادية لهذه النظرة الإيجابية للنظام الفرانكاوي خلال العشر سنوات الأخيرة؛ وذلك بفضل صعود فوكس Vox: عدد غفير من الشبان شاركوا في تكريم فرانكو، وأنشدوا في الشارع الشعار الكتائبي Le Cara al Sol، حتى إن بعض أساتذة الثانوي قد تأسفوا حينما رأوا التلاميذ يتخذون من فرانكو بطلا للتاريخ الإسباني بمناسبة واجباتهم الدراسية.

إن هذا يفسر، ولو جزئيا، سياسة الحكومة الاشتراكية الحالية، المتوجهة خصوصا للشباب، التي تؤكد ليس فقط على قسوة النظام عبر الانحياز إلى ردّ الاعتبار للضحايا، ولكن أيضا عن النتائج الملموسة لغياب الحرية، وعن أهمية الكفاح ضد الفرانكاوية، وعن المكتسبات الديمقراطية.

خاتمة

في دراساتها عن الشمولية[10]، ركزت حنه أرنت على النظام السياسي النازي مع هتلر، ثم في الاتحاد السوفياتي على عهد ستالين؛ لأن هاذين النظامين من وجهة نظر الفيلسوفة قد حازا سمات خاصة ومنفردة على كل ما عداها من الأنظمة الديكتاتوريات المعاصرة لها أو السابقة على القرن العشرين، والحال أن تطور البحوث التاريخية والسوسيولوجية تبين مدى أهمية إعادة النظر في هذا التصور؛ فالواقع يؤكد في حالة فرانكو أن نظامه لم يتخلف عن ارتكاب أي مما قامت به الشموليات العالمية في عصره، خاصة وأنه كان على اتصال بالزعماء التوتاليتاريين، وشارك من بعيد في الحروب التي خاضتها على مستوى الخارج.

أما من ناحية الداخل، فقد جسد نظام فرانكو كل سمات الشمولية، بدءًا بالقمع المفرط ثم معسكرات الاعتقال والإعدامات وغيرها من أشكال السيطرة على الأفراد والجماعات، مما يجعل إسبانيا النصف الأول من القرن العشرين بوصفها جزءًا لا يتجزأ من السياسة التوتاليتارية الغربية العامة.

[1]- صوفي بابي أستاذة محاضرة في التاريخ الغربي المعاصر بجامعة بورغون الأوربية بفرنسا.

[2]- عبد المنعم الكيواني أستاذ للفلسفة في الثانوية التأهيلية الحكومية (المغرب)، وباحث في الفلسفة الحديثة والمعاصرة

[3]- Sophie Baby, Juger Franco ? Impunité, réconciliation, mémoire, la découverte, Paris, (2024).

[4]- Sophie Baby, Cinquante ans après la mort de Franco, que reste-t-il de sa dictature ? In The Conversation, le 19 Novembre 2025.

Le Site: https://theconversation.com/cinquante-ans-apres-la-mort-de-franco-que-reste-t-il-de-sa-dictature-269085

[5]- الحركة الوطنية هي ذلك الإطار السياسي والأيديولوجي ذو الصبغة الشمولية تماثل تقريبا ما قام به الحزب النازي في ألمانيا الهتلرية، الذي أشرف على تأسيسه الجنرال الإسباني فرانسيسكو فرانكو مباشرة بعد الانتصار الكبير الذي أنجزه في الحرب الأهلية، واستمرت هذه الحركة طيلة حكمه إلى حدود وفاته، حيث ستجد نهايتها عام 1977 وانهيارها، فقد كان هذا الكيان السياسي هو الوحيد المسموح بوجوده ونشاطه في كل إسبانيا من قبل النظام السياسي السائد.

[6]- هينداي هي مدينة ساحلية صغيرة نسبيا، إذ تقع جغرافيا في أقصى جنوب غرب فرنسا على الحدود مع دولة إسبانيا، كانت تحت النفوذ الألماني على عهد النازية، لأنها كانت ضمن المناطق الفرنسية المحتلة من قبل الجيرمان.

[7]- بول بريستون (1946-) هو مؤرخ إنجليزي مختص في التاريخ الإسباني، وكاتب كبير عن الحرب الأهلية الإسبانية التي قضى ردحا من الزمن في درسها يتجاوز الخمسين سنة من التقصي المعرفي والعلمي.

[8]- بيدرو سانشيز ينتمي لحزب العمال الاشتراكي الإسباني، وهو رئيس الحكومة الإسبانية الحالية.

[9]- في يوم الخميس 30 من شتنبر عام 2019 سمحت المحكمة العليا، وبعد سلسلة ماراطونية بين مؤسسات الدولة، ولاسيما طلب الإذن من أسرة الميت ومؤسسة فرانسيسكو فرانكو، استطاعت الحكومة استخراج جثة الدكتاتور. كان يوما تاريخيا لا يقارن، حيث قال بمناسبتها رئيس المؤسسة المعنية إميليو سيلفا: إنها المرة الأولى، وبشكل رمزي، سيكون الجنرال فرانكو مجبرًا على طاعة أحد أوامر الديمقراطية.

« La première fois que, symboliquement, le général Franco se voit obligé d’obéir à un ordre de la démocratie ». Emilio Silva, le président de la Fondation Francisco Franco.

[10]- حنه أرنت، أسس التوتاليتارية، ترجمة أنطوان أبو زيد، دار الساقي، بيروث، لبنان، الطبعة الثانية، 2016