فرضية خلق العالمَ في السياقات الوسيطية: يحيى النـحوي والكندي


فئة :  أبحاث محكمة

فرضية خلق العالمَ في السياقات الوسيطية: يحيى النـحوي والكندي

فرضية خلق العالمَ في السياقات الوسيطية: يحيى النـحوي والكندي

ملخص البحث:

هل توجد نسخة عربية ليحيى النحوي المعروف بـ John Philoponus، كما توجد نسخة عربية لأرسطو وأفلوطين؟؛ أي النحوي كما أُوّل عربيا- إسلاميا خلال العصر الوسيط. سنُعنى في هذه المقالة بمناقشة فرضية خلق العالم؛ كيف تصورها النحوي[1] ولأي باعث استعادها الكندي. نستهل ذلك بفحص بعض النظريات الفلسفية القديمة بشأن أصل العالم، استنادا إلى نصوص فلسفية (ثيولوجية[2]، كلامية) من سياقات نظرية مختلفة؛ منها ما يفيد "الحدوث/ الخلق" كما جاء على لسان "تيماوس"، ومنها ما يفيد "القدم" كما ادعى أرسطو في "السماء". وقد أخذ برقلس Proclus (412 - 485م) - في العصر اليوناني المتأخر- على عاتقه تسويغ رأي أرسطو في ضوء تقليد فلسفي محدث (الأفلاطونية المحدثة) آمن بإمكانية التقريب بين رأيي الحكيمين، فصاغ بشأن ذلك 18 حجة يدعم بها زعم المعلم الأول، وإن استدعى الأمر تأويل الرأيين معا حتى يتوافقا، علما أن نص أفلاطون ظل موضع خلاف. لقد كانت مهمته فضلا عن تأكيد وحدة الفلسفة الوثنية، الرد على ثقافة نصرانية صاعدة، تنكر على الناظرين في هذه الفلسفة خوضهم في المسألة لتأكيد القدم لا الخلق. الملفت للنظر في سياق كهذا - وهي محطة حاسمة - أن الانتساب إلى تقليد الأفلاطونية المحدثة لم يمنع يحيى النحوي John Philoponus (490 - 570م) في القرن 6م، وهو نصراني المعتقد ويوناني الثقافة، من نقض وتفنيد كل من تصور أرسطو (في الرد على أرسطو طاليس) وحجج برقلس (في الرد على برقلس في قدم العالم) لإثبات الحدوث استنادا إلى فكرة "الخلق من عدم". من جملة ما قد يفترضه الناظر في ردود النحوي واعتراضاته، هو أن تصوره للعالم - والذي هو نقد صريح للكوسمولوجيا الأرسطية الوثنية - لم يكن مجرد موقف كلامي- ثيولوجي، وإنما مراجعة نقدية للعلم الأرسطي. لقد كان موقفه موقفا ملهما لعلماء الكلام والفلاسفة في السياقات الإسلامية الوسيطية؛ أمثال الكندي والنظام والخياط...ونظرا لمركزية النحوي في تشكل الميتافزيقا والكلام في العالم الإسلامي، خصصنا هذه الورقة لمناقشة بعض أدلته على حدوث العالم، من قبيل: دليل التركيب، القوة المتناهية، امتناع التسلسل إلى مالانهاية، ولأهمية هذا الأخير تدارسنا - وباقتضاب - أمر استعادته وصيغ حضوره عند فيلسوف العرب أبو يوسُف يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْكِنِدي (801 - 873م).

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

[1]. هل فعلا ينتمي النحوي إلى العصر الوسيط، أم أنه ينتمي إلى العصر اليوناني المتأخر (أوج المدرسة الإسكندرية والأفلاطونية المحدثة)؟ على مستوى التقليد الفلسفي (الردود والاعتراضات، الجمع بين رأيي الحكيمين...) فهو ينتمي إلى العصر اليوناني المتأخر، لكنه – تاريخيا – ينتمي إلى العصر الوسيط (القرن6 م). قد يصح هذا الرأي وقد لا يصح، فالأمر موضع خلاف. لتفاصيل أكثر عن المسألة انظر:

D’Ancona, Cristina (2019), “Philoponus, or ‘Yaḥyā al-naḥwī’. An Overview”, Studia graeco-arabica 9, p. 203-43. P, 206 ff.

[2]. ملحوظة: استعملنا الثيولوجيا والكلام في سياق حديثنا عن رؤى النحوي ونحن ندرك جيدا درجة الاختلاف بين الخطابين؛ فمقدمات المتكلم هي غير مقدمات الفيلسوف أو الثيولوجي، (لتفاصيل أكثر نحيل القارئ الكريم على نص لموسى بن ميمون ضمن دلالة الحائرين، فقد ميز بين الخطابين) كما نعلم أن أدلة النحوي هي أدلة كلامية في المقام الأول وإن تضمنت عناصر ثيولوجية (أرسطية، أفلاطونية، أفلاطونية محدثة) لهذا استعادها علماء الكلام في السياق الإسلامي. نقول، إن مرد هذا الاختيار إلى أمرين اثنين: بما أن موضوع النظر لا يخص أدلة النحوي وحدها، فهو يشمل إلى جانب ذلك أدلة كل من أرسطو وبرقلس؛ فمقدمات استدلالاتهم على قدم العالم مقدمات فلسفية لا تخلو من عناصر ثيولوجية، والنحوي نفسه -كما سيتضح - يوظف هذه المقدمات في سياق تدليله على حدوث العالم، لهذا فخطابه يتضمن عناصر كلامية وثيولوجية إلى جانب عناصر فلسفية. لهذا استعملنا مصطلح الثيولوجيا دون أن نتقصد الخلط بين الخطابين؛ فالنحوي متكلم نصراني، لكن ذلك لم يمنعه من استخدام مقدمات عقلية فلسفية وثيولوجية في الرد على خصومه