معجم المصطلحات القرآنية المُعرَّفة في مؤلفات محمد أبو القاسم حاج حمد


فئة :  مقالات

معجم المصطلحات القرآنية المُعرَّفة في مؤلفات محمد أبو القاسم حاج حمد

يجد المرء نفسه، بعد قراءة كتاب "العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والإنسان والطبيعة"، أمام مُؤلَّف، من صنف الموسوعات المعرفية، التي تُبشِّر بمشروع فكري مستقبلي واعد، متكامل الأركان.

وإذا كانت حقيقة الكتاب هكذا، فمن الصعب تقديم قراءة، قد تقع في محظورين؛ التسرع في إطلاق الأحكام، واختزال المضامين المستفادة. ولذلك فقيمة الكتاب/المشروع، تدفع القارئ أن يتفاعل معه بطريقة مغايرة، تهدف إلى فهم أدق وأعمق لأطروحة المؤلف.

وبالنظر العميق في الكتاب، يصل القارئ المتبصر إلى خلاصة أساسية؛ أن أبا القاسم حاج حمد أعطى أهمية "للغة القرآن"، إذ اعتبرها هي المدخل إلى رحابه، وضمن هذه اللغة، يوجد المِفتاح، الذي هو المصطلح، وميز بين استعمال الله سبحانه للغة العربية، واستعمال الإنسان العربي لها، ودعا إلى إنتاج قاموس قرآني، أو معجم مفهومي لمصطلحات القرآن، وعمل على ذلك في مشروعه، فأعاد تعريف الكثير من المصطلحات القرآنية تعريفات جديدة تخالف السائد المشهور.

ومن هذا المنطلق، حاولت أن أتفاعل مع هذا الكتاب، باقتراح مشروع بحث، يُشكل مدخلا رئيسيا لفهم أطروحة المؤلف، يتصف بالاختصار والدقة والتنظيم والترتيب عنوانه: "معجم المصطلحات القرآنية المُعرَّفة"[1].

1- تعريف معجم المصطلحات القرآنية المُعرَّفة

يُقصد بمعجم المصطلحات القرآنية المعرفة، ذلك المعجم الذي يقوم على تتبع المعاني أو المفاهيم، التي أعطيت للألفاظ أو المصطلحات، عبر استعمالها في نص من النصوص[2].

ويقصد بالمصطلحات القرآنية، كل أسماء المعاني وأسماء الصفات المشتقة منها في القرآن الكريم، مفردة كانت أم مركبة، ومطلقة كانت أم مقيدة، وعلى الصورة الاسمية، أم على الصورة الفعلية التي تؤول بالاسمية[3].

وقد عمل أبو القاسم حاج حمد، على تتبع مفاهيم المصطلحات القرآنية، كما استعملها القرآن الكريم في نصوصه، فقدم بذلك دراسة مفهومية متميزة لمصطلحات القرآن الكريم، أنتجت تعريفات جديدة، تستحق الجمع والترتيب، في معجم المصطلحات القرآنية المُعرَّفة[4].

2- هدف معجم المصطلحات القرآنية

من المشاكل المفهومية، المنتشرة بغزارة في التراث الإسلامي، وجود "مصطلح واحد" له أكثر من تعريف، أو وجود تعريفات متعددة "لمصطلح واحد"، والتفاسير القرآنية لم تسلم من ذلك، فتجد لفظا واحدا في القرآن الكريم، فُسِّر بأكثر من تعريف. ولذلك؛ أكد حاج حمد أن مصطلحات القرآن الكريم، لاي مكن أن تحتمل إلا تعريفا واحدا، ولا يمكن أن يكون للتعريف إلا مصطلحا واحدا[5]، مُستنِد في هذا القول، على النظام المفهومي للقرآن الكريم، الذي يعادل الكون في بنائيته.

ومن هذا المنطلق، دعا ع حاج حمد في دراسته للمصطلح القرآني، إلى إنتاج معجم مفهومي للمصطلحات القرآنية، وذلك عن طريق إعادة تعريف هذه المصطلحات، وفق رؤية تُميز بين "العائد" المعرفي للغة العربية في الاستعمال البشري، وبين "العائد" المعرفي للغة العربية في الاستعمال الإلهي، ثم بين أهمية استثمار منهجية القرآن المعرفية في التحليل واكتشاف معاني المصطلحات القرآنية، وكل ذلك في إطار فسلفة جدل الغيب والإنسان والطبيعية.

وأنتج هذا المجهود البحثي التحليلي للمصطلح القرآني في نصوصه، تعاريف جديدة، تخالف الكثير من التعريفات التراثية المشهورة، تتميز بالدقة والابتعاد عن التعدد في المعاني التي تصل إلى درجة التضاد والتناقض[6].

ويهدف هذا العمل المعجمي، إلى جمع وتصنيف هذه التعريفات، التي هي زبدة سنوات تدبر أبي القاسم حاج حمد، ثم القيام بالترويج له في التداول العربي الإسلامي، قصد مساعدة المبتدئين والباحثين، في الوصول السريع إلى تعريفات حاج حمد للمصطلح القرآني. وهذا المبتغى، صعب المنال، إذا ما أراد القارئ، أن يصل إلى تعريف مصطلح ما، في مؤلفاته المتعددة.

3- منهج حاج حمد في تعريف المصطلح القرآني

إن هدف أبي القاسم حاج حمد في دراسة المصطلح القرآني، هو الوصول إلى تعريف محدد للمصطلح، ولتحقيق هذا الهدف، سلك خطة تحليلية هي كالآتي:

-   دراسة اللغة العربية زمن تنزيل القرآن، هذه الحقبة التاريخية، تؤشر على وضع عقلي للإنسان العربي، انعكس على لغته، ويوضع حاج حمد أن اللغة ما هي إلا مرآة لواقع عقلي لأمة من الأمم، فالأمة تتكلم وفق ما تفكر. والعربي في هذا الزمن، كان تفكيره يتعامل مع الظواهر في كثرتها وتعددها، كذوات مستقلة، وكأجزاء متناثرة لا رابط بينها ينظمها، وهذا التصور للأشياء، تعمل اللغة على نقله، وهو ما سماه حاج حمد بنظرية "العائد المعرفي" للغة[7].

-   دراسة اللغة العربية زمن التدوين، لا باعتبارها صناعة لغوية من "نحو وصرف وبلاغة.." فقط، بل ببيان أن هذه الصناعة اللغوية، تدل على "المنطق العربي" في هذه الفترة، فاللغة ليست حروفا وكلمات وجملا وعلاقات تركيبية فيما بينها ونصوصا متسقة، بل هي في عمقها تعبر عن نظام عقلي للإنسان العربي، الذي قعد القواعد، وضبط المنهج، وفق فلسفة ومنطق معين[8].

-   دراسة لغة القرآن، باعتبارها "لغة مثالية"، أي أن القرآن استعمل "اللغة العربية" بمنهجية معجزة؛ حافظ على القالب اللغوي، غير أنه أفرغه من مضمونه، وسكب فيه مضمونا معرفيا جديدا، للتعبير عن مقاصده الكلية في إطار جدلية الغيب والإنسان والطبيعة. ويُبين أبو القاسم حاج حمد، أن القرآن نزل منجما، لكن الله تكفل بإعادة ترتيبه وفق نظام يعادل نظام الكون في بنائيته وحركته، فاكتسبت اللغة العربية في القرآن الكريم عائدا معرفيا جديدا، مفارقا لعوائد العقل العربي في التفكير[9].

من خلال الدراستين يتضح، أن حاج حمد، عند دراسته لفظا من ألفاظ القرآن، فهو لا يستدعي العائد المعرفي للغة العربية زمني التنزيل والتدوين، بل يستحضر العائد المعرفي القرآني، المتمثل في "جدل الغيب والإنسان والطبيعة"، ليؤكد على "الثورة الدلالية" التي حققها القرآن الكريم في استعماله للغة العرب، والوصول في النهاية إلى خلاصة البحث، صياغة تعريف مدقق للمصطلح القرآني.

هذا المجهود النهائي، يستحق أن يجمع في عمل معجمي تحت اسم: "معجم المصطلحات القرآنية المعرفة"، وفق خطوات محددة.

4- مراحل تنفيذ المشروع البحثي

إن هذا العمل المنهجي، يسترشد بما راكمه معهد الدرسات المصطلحية، بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، في العمل المعجمي المصطلحي[10].

أ- مرحلة الإعداد

-   جمع المعطيات: وذلك بالرجوع إلى كل مؤلفات أبي القاسم حاج حمد، واستخراج كل تعريف ورد فيها، كيفما كان نوعه، ولأي لفظ ظن أنه مصطلح قرآني، لاستقصاء جميع المصطلحات بجميع تعريفاتها، ووضع كل تعريف في جذاذة إلكترونية خاصة، تشمل موضع ورود اللفظ في القرآن "السورة والآية"، ومكان ورود التعريف في مؤلفات أبي القاسم حاج حمد.

ب- مرحلة التصنيف

-   بعد جمع الجذاذات، وعنونت كل واحدة منها بالجذر اللغوي للمصطلح المعرف، حتى يسهل تصنيف المصطلحات وترتيبها ترتيبا ألفبائي.

ج- معايير الإنجاز وضوابطه

المصطلح القرآني المعرف، المطلوب جمعه وتصنيفه، هو:

-   المصطلح القرآني، كل لفظ قرآني مفرد أو مركب، اسما كان أو على الصورة الفعلية الي تؤول بالاسمية، باستثناء أسماء الذوات من الأعلام، كمحمد، وإبراهيم، ومريم.

اعتبار القول الشارح تعريفا، إذا روعيت فيه الشروط الآتية:

-   ما شرح معنى اللفظ بإثبات صفاته، أي؛ سمات مفهومه الدلالية التي يتميز بها، عن مفهوم غيره، سواء جمعها كلها أو بعضها.

-       ما شرحه بسلب بعض الخصائص عنه، سواء منعها كليا أو بعضها.

-       ما شرحه بالفاظ مكافئة له أو ببعض البيانات القريبة.

-       ما شرحه بنظائره وأشباهه.

-       ما شرحه بالتشبيه وضرب المثل.

-       ما شرحه إلى ما يتفرع عنه من أقسام.

-       ما شرح اللفظ المتواطئ العام بخاصه، والمطلق بمقيده.

-       استبعاد ما شرح شرحا لغويا قاموسيا فقط

-       ومن الناحية الشكلية يتم إثبات التعريف طال أم قصر.

د- ضوابط تنظيم المادة المعجمية

-   إيراد الألفاظ المفردة تبعا للترتيب الألفبائي، وحسب ضابط الجذر اللغوي لا صورة الاشتقاق التي هو عليها. مثلا مصطلح التفسير، يوضع ضمن باب الفاء، لأن جذره: فسر.

-   الألفاظ المركبة، التي هي من قبيل الضمائم الاصطلاحية، قد ترتب بحسب المصطلح المضموم إليه اصطلاحيا مثل: "سبيل الله"، توضع في باب السين جذر "سبل" لأنه يشكل النواة المفهومية المميزة للضميمة. وقد يرد المصطلح المركب في جذري طرفي الضميمة، ويذكر في واحدة، ويحال عليه في الأخرى، "الأمة القائمة": حيث يرد المصطلح في باب الألف، جذر "أمم" وباب القاف جذر "قوم"، ولكن تعريف الضميمة يذكر في الأول دون الثاني تجنبا للتكرار.

-   أما إذا كانت المصطلحات من قبيل المعطوفات فتصنف مرتين: كرة في باب المعطوف وجذره، ومرة في باب المعطوف عليه وجذره. مثلا: شرعة ومنهاجا، تذكر شرعة في شرع ومنهاجا في نهج، مع أن الآية واحدة، ونص التعريف قد يكون واحدا جامعا لهما.

-   توثيق التعريفات بذكر: اسم السورة، ورقم الآية المشتملة على اللفظ، ثم اسم الكتاب وصفحته، على هذا المثال: "الأعراف: 6، تشريعات العائلة في الإسلام: 106"

-       تذييل المعجم بالفهرس التالية:

أولا: فهرس المصطلحات المعرفة مرتبا المصطلحات والجذور.

ثانيا: فهر س المصادر والمراجع

ثالثا: فهرس الموضوعات

خاتمة:

إن هذا المشروع البحثي، يعتبر مقدمة رئيسية، لفهم منهج أبي القاسم حاج حمد في دراسة المصطلح القرآني، كما أنه يبين حجم المصطلحات التي درسها، والتي لم يدرسها، قصد التفكير في استثمار ذات المنهج لدراسة المصطلح أخرى.

كما أن هذا العمل، هو ملخص منظم ومرتب، لأهم ما عمل عليه في مشروعه، إعادة تعريف المصطلحات القرآنية، لتصحيح الفهم الخاطئ لها. وإذا لم يصل هذا التعريف إلى عموم الناس، فإن جهد أبي القاسم حاج حمد، سيبقى منزويا في الرفوف، ولا سبيل إلى إخراجه، إلا بواسطة معجم سهل التناول والتداول.


[1] محمد أبو القاسم حاج حمد، العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والإنسان والطبيعة، تقديم ومراجعة: محمد العاني، الناشر: دار الساقي، الطبعة الأولى، السنة: 2012، ينظر الصفحة: 736، "إن التحليل الدقيق للقرآن، يتطلب "قاموسا قرآنيا جديدا" يعتمد في فكرته على تحديد معاني المفردات كما يحددها القرآن نفسه، وكما يستخدمها". وينظر، محمد أبو القاسم حاج حمد، منهجية القرآن المعرفية: أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية، الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع بالتعاون مع مركز دراسات فسلفة الدين وعلم الكلام الجديد، الطبعة الأولى، السنة: 1424هـ - 2003م، ص 101، "لهذا يتطلب العلم القرآني قاموسا السنيا معرفيا يستند في تحديد دلالات ألفاظ القرآن المنهجية والمعرفية إلى نظرية "العائد" المعرفي أو المرجع أو الوسيط". نلاحظ أن حاج حمد كان يلح على إعداد هذا المعجم، وعمله كان في هذا الاتجاه، وما نصبو إليه في هذا العمل المعجمي، ليس إعادة ما تفاصيل كل ما كتب، بل قطف التمرة، قطف "تعريفات المصطلح القرآني" والترويج لها عبر معجم سهل التداول والتناول.

[2] الشاهد البوشيخي، نحو معجم تاريخي للمصطلحات القرآنية المعرفة، طبع وتصميم: مطبعة آنفو-برنت، فاس، الطبعة: 2، السنة: 2009، ص 6

[3] نفس المرجع ص 6

[4] محمد أبو القاسم حاج حمد، العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والإنسان والطبيعة، تقديم ومراجعة: محمد العاني، الناشر: دار الساقي، الطبعة الأولى، السنة: 2012، ينظر الصفحة: 736، "إن هذا القاموس الذي سيكون شاغلي لفترة طويلة من الزمن، سيكشف عن استخدامات قرآنية للمفردات قل أن فكر فيها العرب أنفسهم، وسيساعد في جلاء مفهوميات كثيرة ظلت مكنونة في القرآن".

[5] نفس المرجع ينظر الصفحة: 65، "إن المفردة اللغوية وفق ضوابط الاستخدام الإلهي لها لا تعطى سوى معنى واحد، محدد ومتميز عن غيره، من دون تشابه أو ترادف، وإن العائد المعرفي للمفردة في سياق الكلام العربي، ليس بالضرورة عائدها، المعرفي في البيان القرآني".

[6] محمد أبو القاسم حاج حمد، العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والإنسان والطبيعة، تقديم ومراجعة: محمد العاني، الناشر: دار الساقي، الطبعة الأولى، السنة: 2012، ينظر الصفحة: 63، "قولنا أن القرآن يرقى بمستوى المفردة إلى المصطلح، بحيث ينتفي منطق المشترك الذي يحمل أكثر من دلالة للمفردة الواحدة، او المترادف الذي يحمل معنى واحدا لعدة مفردات، إنما يندرج في إطار تحقيق لغة القرآن، كلغة مثالية خلافا للغة العادية أو الطبيعية، وذلك وفق منظورنا للفارق بين الاستخدام الإلهي للغة والاستخدام البشري. فالصفة المرجعية للقرآن تتطلب البحث فيه، عن هذه المثالية اللغوية الضابطة لبنائيته ومنهجيته".

[7] محمد أبو القاسم حاج حمد، العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والإنسان والطبيعة، تقديم ومراجعة: محمد العاني، الناشر: دار الساقي، الطبعة الأولى، السنة: 2012، ينظر الصفحة: 731/735

[8] نفس المرجع: 671

[9] نفس المرجع: 62/63/64

[10] فريدة زمرد، المعجم التاريخي للمصطلحات القرآنية المعرفة في تفسير الطبري، الناشر: معهد الدراسات المصطلحية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز - فاس، ضمن سلسلة مشروع المعجم التاريخي للمصطلحات التراثية المعرفة، طبع وتصميم: مطبعة آنفو- برانت، فاس، طبعة الأولى سنة النشر: 2005، ص 9/10/11