هل للنبيّ سنّة؟


فئة :  مقالات

هل للنبيّ سنّة؟

هل للنبيّ سنّة؟

ملخّص البحث:

وردت كلمة سُنَّة في القرآن ثلاث عشرة مرّة مفردة، ومرّتين جمعا. وقد وردت مضافة إلى اللّه تعالى: سنّة اللّه، وإلى الأوّلين: سنّة الأوّلين، ولم ترد مضافة إلى النبيّ أو الرّسول. وليس في القرآن تركيبات من قَبيل: سنّة النبيّ أو سنّة الرّسول أو سنّة محمّد.

ومع ذلك، فالسّؤال الذي يطرحه البحث: هل للرّسول سنّة؟ وخاصّة في مفهومها التشريعيّ؛ أي هل لنبيّ من أنبياء اللّه ورسله أن يشرّع شيئا في دين اللّه؟ وهل شرّع نبيّ قبل محمّد؟ وهل شرّع محمّد؟

ما يشجّع على طرح تلك الأسئلة هو الغموض المتعلّق بالموضوع؛ فما نقرؤه وما نسمعه عن طبيعة السنّة النبويّة، واختلاف الآراء حولها، وتقسيمها إلى تشريعيّة وغير تشريعيّة، يجعل الطّرح الإشكالي لهذا الموضوع وجيها ومطلوبا.

ولا تهمّنا السنّة غير التشريعيّة في هذا البحث، فهي ليست محلّ إشكال.

وقد عرضنا آراء القدماء والمعاصرين في هذه المسألة، وركّزنا على المدخل اللغويّ تعريفا، ومقارنة النّصوص تحليلا ونقدا.

تعريف السنّة:

نبدأ بعرض رأي الإمام الشّوكاني (ت1250هـ) في تعريف السنّة، وهو في حدّ ذاته مثال على الاختلاف أو الإشكال المطروح، حيث قال: «وأمّا معناها شرعا، أي في اصطلاح أهل الشّرع، فهي قول النبيّ وفعله وتقريره. وتطلق بالمعنى العامّ على الواجب وغيره في عرف أهل اللّغة والحديث. وأمّا في عرف أهل الفقه، فإنّما يطلقونها على ما ليس بواجب. وَقِيلَ فِي حَدِّهَا اصْطِلَاحًا هِيَ: مَا يُرَجَّحُ جَانِبُ وُجُودِهِ عَلَى جَانِبِ عَدَمِهِ تَرْجِيحًا لَيْسَ مَعَهُ الْمَنْعُ مِنَ النَّقِيضِ. وَقِيلَ هِيَ مَا وَاظَبَ عَلَى فعله النبيّ، وَقِيلَ هِيَ فِي الْعِبَادَاتِ: النَّافِلَةُ، وَفِي الْأَدِلَّةِ: مَا صَدَرَ عَنِ النَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ».[1]

كلام الشّوكاني هذا يدلّ على أنّ المحدّثين والفقهاء اعتمدوا الحديث مرجعًا للتّشريع، وجعلوا للدّين تبعا لذلك مرجعين: الأوّل: القرآن، والثّاني: ما سمّوه سنّة النبيّ. وقسّموا الدّين كلّه تبعا لذلك، إلى نوعين: الأوّل: الفرض، والثّاني: السنّة، ممّا يجعلنا نطرح سؤالا نراه مهمّا، وهو: هل الفقه الإسلاميّ المتوارث، والمطبّق برمّته، هو فقه النبيّ أم فقه المحدّثين؟

رجعنا إلى كتب اللّغة لتحديد مفهوم السنّة، بعيدا عن مفهوم الفقهاء، فوجدنا تعريفات كثيرة، اخترنا منها تعريف الزَّبيدي (ت1215هـ) الذي قال في كتابه تاج العروس: «السنّة: السّيرة حسنة كانت أو قبيحة. والسنّة الطّريقة المحمودة المستقيمة، والسنّة: الطّبيعة، والسنّة في الأصل سِنَة الطّريق وهو طريق سنّه أوائل النّاس، فصار مسلكا لمن بعده».[2]

نلاحظ أنّ التّعريف اللّغوي مستقلّ بكيانه، وبعيد من حيث التّوجيه عن التّعريفات الفقهيّة المعقّدة بالحدود والمصطلحات، ولكنّنا وجدنا مصطلحا آخر جعله الفقهاء مقابلا للسنّة، وهو البِدعة، بينما السنّة نفسها هي بدعة من ناحية التّاريخ ونشأة المصطلح؛ فكلّ منهما يتمثّل في أمر حدث في مجتمع، ولم يكن موجودا من قبلُ، سواء أكان ذلك الأمر حسنا أم قبيحا، نافعا أم مضرّا، موافقا لعرف المجتمع وقيمه وأخلاقه أم مخالفا.

لن نتعرّض إلى تعريف السنّة اصطلاحا نظرا لتعدّد تعاريفها؛ إذ هي تختلف باختلاف المرجعيّة المعتمدة؛ ذلك أنّ للأصوليّين تحديدهم الاصطلاحيّ للسنّة، وللمحدّثين تعريفهم الخاصّ. وللفقهاء تعريف ثالث مختلف، ولغيرهم جميعا أقوال عدّة. وقد فُسّر ذلك الاختلاف بتفسيرات عديدة هي نفسها لا تتّفق على شيء.

والسّؤال الممهّد لهذا الموضوع هو: هل شرّع نبيّ قبل محمّد؟

ننظر أوّلا في الآية الآتية من سورة آل عمران: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)﴾.

إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فهو نبيّ ابن نبيّ، وقد أعلمنا اللّه تعالى أنّ التّوراة لم تنزل بعدُ. والتّوراة المعنيّة في الآية، ليست توراة اليهود في العهد القديم الشّائعة، وإنّما هي صحف موسى الّتي أخذها موسى في الألواح.

استعمل القرآن مصطلح التّوراة؛ لأنّ عزرا الكاتب أو الكاهن (Esdras) سمَّى كتابه الوضعيّ التّوراة. وتوارث اليهود تلك التّسمية.[3]

فلا علاقة في الحقيقة لتوراة اليهود المنسوبة إلى عزرا بإبراهيم ولا بموسى ولا بإسحاق وابنه يعقوب. كانت صحف إبراهيم هي كتاب اللّه، والإسلام هو دين اللّه، ولا ندري ما في صحف إبراهيم ولا ندري أيضا ما حرّم اللّه من طعام على المسلمين، ومن ضمنهم بنو إسرائيل.

فماذا عالجت الآية إذن؟

يبدو أنّها اهتمّت بتصحيح دلالة مصطلح التّوراة، ويبدو أيضا أنّ أحبار اليهود في المدينة أثاروا جدلا، كعادتهم في نقد القرآن والاحتجاج بأسفارهم الوضعيّة، حول بعض المحرّمات من الأطعمة في العهد القديم لم يحرّمها القرآن على المسلمين.

وحسمًا لذلك الجدل اليهوديّ، أمر اللّه أحبارهم: ﴿فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. وليس لليهود إلاّ توراة عزرا. وما زاد عليها أحبارهم أو ما حذفوا منها أو ما حرّفوا منها. واللّه تعالى يريدهم أن يأتوا بصحف موسى، وهذا مستحيل عليهم؛ لأنّ توراة موسى اندثرت تماما إثر وفاة موسى، فكأنّ القرآن ينفي مطلقا أن تكون التّوراة اليهوديّة هي توراة موسى.

وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ إفحام لأحبار اليهود في المدينة، فهم يعلمون أنّ أسفارهم ليست توراة موسى. ومن ناحية ثانية، ليس لهم أيّ دليل قطعيّ على ما حرّم إسرائيل على نفسه، وهم يعلمون أنّ إسرائيل، وهو يعقوب، حرّم من تلقاء نفسه بعض الأطعمة على نفسه.

ولا يعنينا ما حرّم إسرائيل على نفسه من الأطعمة؛ فالأطعمة المحرّمة على اليهود لم يحرّمها يعقوب، وإنّما كهّان بني إسرائيل وأحبارهم الّذين لم يؤمنوا بما أنزل على موسى. وتلك الأطعمة المحرّمة يذكرها الأصحاح الحادي عشر من سفر اللاّويين، والذي يطلق عليه أحبار اليهود اسم: «دليل شرائع التّطهير»؛ ففيه حوالي خمسين فقرة تبيّن ما أحلّه لهم الرّب يهوه لليهود، وما حرّمه عليهم. ومنها، بعض ما حرّم إسرائيل على نفسه، وأكثرها من تحريم الكهنوت اليهوديّ، وممّا حرّم ذلك السِّفر على اليهود لحوم الإبل وألبانها.[4]

ويبدو أنّ ما أثار حفيظة اليهود في المدينة هو أنّ القرآن لم يحرّم لحوم الإبل وألبانها.

توضيح مصدر التّشريع في الدّين الإلهيّ:

لأسباب خاصّة به، امتنع يعقوب عن تناول بعض الأطعمة، وسواء أعلن هو تحريم تلك الأطعمة على نفسه أم لم يعلن، فقد فهم بنوه أنّه حرّمها بمفهوم التّشريع الدينيّ. أمّا بنو إسرائيل، فاعتبروا ذلك شأنا خاصّا، فلم يحرّموا على أنفسهم تلك الأطعمة. وسار الأمر كذلك إلى أن ظهر موسى وأرسله اللّه نبيّا رسولا إلى بني إسرائيل في مصر.

والقرآن يسمّي الّذين آمنوا بموسى: «الذّين هادوا»، ويسمّي الّذين كفروا منهم بموسى وكتابه وآمنوا بعزرا وتوراته: اليهود. وبين موسى وعزرا ثمانية قرون، وبين داود وعزرا ثلاثة قرون؛ فمتى حرّم اللّه على بني إسرائيل ما حرّم إسرائيل على نفسه؟

﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) النّساء﴾.

يتّضح من الآيتين أنّ كلّ الأطعمة كانت حلالا على بني إسرائيل في زمن يعقوب، رغم أنّه حرّم بعضها على نفسه. فاللّه تعالى لم يجعل تحريم يعقوب تشريعا إلهيّا، لم يقع التّحريم في زمن يعقوب، ولم يقع التّحريم في زمن داود، ولم يقع التّحريم في زمن يوسف. لقد حرّم اللّه على بني إسرائيل ما حرّم إسرائيل على نفسه في زمن موسى؛ لأنّ الّذين هادوا هم الّذين آمنوا بموسى وخرجوا معه من مصر.

وتبيّن الآيتان أسباب التّحريم، وهو: الصدّ الكثير عن سبيل اللّه، وأخذ الرّبا وأكل أموال النّاس بالباطل. وليس من بين الأسباب تحريم يعقوب على نفسه بعض الأطعمة. وكلّ تلك المحرّمات مذكورة في صحف موسى. لذلك طلب اللّه تعالى من أحبار اليهود في المدينة أن يأتوا بالتّوراة؛ لأنّها واحدة عند اللّه: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) آل عمران﴾. ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) المائدة﴾. وبذلك يكون عزرا قد قام بسرقة أدبيّة، عندما سمّى سِفره التّوراة.

﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) الأنعام﴾.

بقراءة الآيات السّابقة، تبيّنت لنا المراحل التاريخيّة وما حرّم اللّه على بني إسرائيل، وزمن ذلك التّحريم وأسبابه. وفي هذه الآية ضبط للأطعمة الّتي حرّمها الله على بني إسرائيل في زمن موسى.

قال الطّاهر ابن عاشور(ت1973) في شأن ما حرّم يعقوب: «ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ إِلَيْهِ، بَلْ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، فَبَعْضُهُ أَرَادَ بِهِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ بِحِرْمَانِ نَفْسِهِ مِنْ بَعْضِ الطَّيِّبَاتِ الْمُشْتَهَاةِ، وَهَذَا مِنْ جِهَادِ النَّفْسِ، وَهُوَ مِنْ مَقَامَاتِ الزَّاهِدِينَ، وَكَانَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ أَوْ بِالْعَزْمِ. وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلْأَنْبِيَاءِ فِي التَّشْرِيعِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي نَفْسِهِ فِيمَا أُبِيحَ لَهُ، وَلَمْ يَدْعُ إِلَيْهِ غَيْرَهُ».[5]

تحيلنا الآية (94) من آل عمران إلى نبيّين آخرين فَعلا ما فعل يعقوب.

الأوّل: هو يونس الذي خرج مغاضبا قومه وغادرهم؛ لأنّهم لم يؤمنوا به؟ وحسب بيانات القرآن، فقد ظنّ أنّ من دوره هداية النّاس حسب مزاجه، فحاسبه ربّه فعرّضه إلى امتحان عسير. فعرف يونس ذنبه واستغفر وأناب، وبقيّة القصّة معروفة.

والثّاني: هو النبيّ محمّد، عندما حرّم على نفسه ما أحلّ اللّه له، يبتغي مرضاة أزواجه، وعاتبه اللّه على ذلك: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) التّحريم﴾؛ فهل يمكن أن نجد في ذلك دليلا على أنّ اللّه تعالى اختصّ بالتّشريع، ومنعه على أنبيائه ورسله؟

إشكاليّة التّشريع والمشرّع؟

وردت في القرآن أربع كلمات في مفهوم التّشريع، هي: شَرَع، شَرَعوا، شِرْعَة، شَرِيعة.

﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) الشّورى﴾.

هذه الآية من أغرب الآيات بناء، ومن أعجبها مضمونا، ومن أكثرها إشكالات. وقد تفطّن الفخر الرّازي (ت606هـ) إلى ذلك، خلافا للكثيرين من المفسّرين مثل الطّبري وغيره، فقال: «بَقِيَ فِي لَفْظِ الْآيَةِ إِشْكَالَاتٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحا، وَفِي آخِرِهَا وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَفِي الْوَسَطِ وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي هَذَا التَّفَاوُتِ؟ وَثَانِيهَا: أَنَّهُ ذَكَرَ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى سَبِيلِ الْغَيْبَةِ فَقَالَ: مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالْقِسْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّكَلُّمِ فَقَالَ: وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يَصِيرُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: شَرَعَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فَقَوْلُهُ شَرَعَ لَكُمْ خِطَابُ الْغَيْبَةِ وَقَوْلُهُ وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ خِطَابُ الْحُضُورِ، فَهَذَا يَقْتَضِي الْجَمْعَ بَيْنَ خِطَابِ الْغَيْبَةِ وَخِطَابِ الْحُضُورِ فِي الْكَلَامِ الْوَاحِدِ بِالِاعْتِبَارِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ. فَهَذِهِ الْمَضَايِقُ يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْهَا وَالْقَوْمُ مَا دَارُوا حَوْلَهَا».[6]

اعتبر الرّازي أنّ في الآية تفاوتا باعتبار ترتيب الأنبياء فيها، ولا ندري ماذا يقصد بالتفاوت إذ لم يوضّحه. ولعلّ التفاوت، عنده، هو ما اعتبره خِطَاب الْغَيْبَةِ وخطَاب الْحُضُورِ. فالمفروض، في المنطق البشريّ، أن يبدأ بخطاب الحضور. والغريب أنّ الرّازي لم يرَ فرقا بين وصّى ووصّينا وأوحينا، ولا فرقا بين اسمي الموصول ما والّذي.

نأخذ بعض الإضاءات من تفسير التّحرير والتّنوير لابن عاشور: «التَّوْصِيَةُ: الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مَعَ تَحْرِيضٍ عَلَى إِيقَاعِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ. وَمَعْنَى كَوْنِهِ شَرَعَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا: أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ مِثْلُ مَا أَمَرَ بِهِ نُوحًا وَحَضَّهُ عَلَيْهِ. وَالْمُرَادُ: الْمُمَاثَلَةُ فِي أُصُولِ الدِّينِ مِمَّا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنَ الصِّفَاتِ، وَفِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ مِنْ كُلِّيَّاتِ التَّشْرِيعِ، وَأَعْظَمُهَا تَوْحِيدُ اللَّهِ، ثُمَّ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ».[7]

في الآية إيضاحات عديدة. ابتداؤها بذكر نوح منطقيّ؛ لأنّه أوّل نبيّ إلى بني آدم. والتثنية بمحمّد منطقيّة في ربط الآية بين مبتدأ دين اللّه مع نوح، واختتامه بمحمّد. يكون التّذكير بأبرز أنبياء اللّه بين نوح ومحمّد وهم: إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى. وورود وَصَّيْنَا هو رفع لكلّ التباس عن مصدر الوصيّة فلو وردت: وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّى بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى، لحدث التباس شديد فيمن هو الموصي، ولأمكن جعل اسم الموصول ما، هي ما النّافية للجنس. والفرق بين اسمي الموصول في الآية هو أنّ ما، تحيل إلى الوحي الماضي وقد اندثر، والّذي تشير إلى الوحي الحاضر الجديد. وقد نسِب الوحي إلى المُوحَى إليه: إليك.

ولئن كانت الوصيّة هي الْأَمْر بِشَيْءٍ مَعَ تَحْرِيضٍ عَلَى إِيقَاعِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فإنّ الوصيّة الإلهيّة لا تكون إلاّ بوحي إلهيّ شفويّ أو مكتوب. وبدأ بنوح لأنّه لم يُنزّلْ عليه كتاب، وقد وقع التّوضيح في قوله تعالى: ﴿إنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ والنبيئين مِنْ بَعْدِهِ (163) النِّسَاء﴾. فالوصيّة الإلهيّة وحي.

ولا نجد تماثلا، كما ذهب إلى ذلك ابن عاشور، بل تقرّ الآية بوحدة الدّين الإلهي من حيث العدد والغرض والوظيفة. ألم تر أنّ كلّ جمل الآية ارتبط بواو العطف الجامعة؟

﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة﴾.

في هذه الآية تذكير ومزيد من التّوضيح بأنّه لا كتاب إلاّ كتاب اللّه ولا حقّ ولا أحكام، أي ولا تشريع، إلاّ ما جاء في القرآن منذ نوح إلى محمّد. فالقرآن ليس من سنّة نبيّ ولا رسول. وليس لأيّ نبيّ ولا لأيّ رسول أن يحكم بغير ما في الكتاب. وأمر اللّه لرسوله واضح جليّ لا يحتاج إلى تأويل بعيد: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾. فلو كان للرّسول مجال في التّشريع لما نهاه اللّه، بل إنّ التّشريع في الدّين الإلهيّ، وفق الآية السّابقة، هو باطل سواء أكان من الرّسول أو من غيره.

الشّرعة والمنهاج:

ونجد في الآية أمرا جديدا: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾. فما الشّرعة وما المنهاج؟ يحتار المرء عندما يقرأ تفسير اللّفظتين في تاج العروس: «اخْتلفت أَقوال المُفسِّرين فِي تَفْسِير الشِّرْعَةِ والمِنهاجِ فَقيل: الشِّرْعَةُ: الدِّينُ، والمِنهاجُ: الطَّريقُ، وَقيل: هما جَميعا الطَّريق، والمُرادُ بالطَّريق هُنَا الدِّينُ، وَلَكِن اللّفظَ إِذا اختلَفَ أُتِيَ بِهِ بأَلفاظٍ يُؤَكَّدُ بهَا القِصَّةُ والأَمْرُ، وَقَالَ ابنُ عبّاسٍ: شِرْعَةً ومِنهاجا: سَبِيلا وسُنَّةً. وَفِي المُفردات عَن ابنِ عبّاسٍ: الشِّرعَةُ: مَا ورَدَ بِهِ الْقُرْآن، والمِنهاجُ: مَا وردَ بِهِ السُّنَّة. وَقَالَ قَتادَةُ: شِرْعَةً ومِنهاجا: الدِّينُ واحِدٌ والشَّريعةُ مُختلفة. وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَوْله تَعَالَى: على شَريعَةٍ: على دينٍ ومِلَّةٍ ومِنهاجٍ، وكُلُّ ذلكَ يُقَال».[8]

أن يكون للّفظة الواحدة عدّة معان حقيقيّة ومجازيّة، حتّى إنّها تعني الشّيء وضدّه، فهذا من خصائص اللّغات، نجده في العربيّة وفي غيرها. أمّا أن يكون لِلَفظتين مختلفتي الجذر والصّيغة المعنى نفسه، فهذا لم يقل به لغويّ قديما وحديثا حسب علمنا. فالغريب حقّا أن يقول الفرّاء: على شَريعَةٍ: على دينٍ ومِلَّةٍ ومِنهاجٍ. والأدهى من ذلك أن يقول ابن عبّاس: شِرْعَةً ومِنهاجاً: سَبِيلا وسُنَّةً. لأنّ مصطلح سنّة طارئ في الملّة، إذا اقتبسنا تعبير ابن خلدون.

قال ابن عاشور: «الشِّرْعَةُ وَالشَّرِيعَةُ: الْمَاءُ الْكَثِيرُ مِنْ نَهْرٍ أَوْ وَادٍ. وَسُمِّيَتِ الدِّيَانَةُ شَرِيعَةً عَلَى التَّشْبِيهِ لِأَنَّ فِيهَا شِفَاءَ النُّفُوسِ وَطَهَارَتَهَا. وَالْمِنْهَاجُ: الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ، وَيَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ رَدِيفٌ فِي الْمُشَبَّهِ بِأَنْ تُشَبَّهَ الْعَوَائِدُ الْمُنْتَزَعَةُ مِنَ الشَّرِيعَةِ أَوْ دَلَائِلُ التَّفْرِيعِ عَنِ الشَّرِيعَةِ أَوْ طُرُقُ فَهْمِهَا بِالْمِنْهَاجِ الموصّل إِلَى السَّمَاء».[9]

لا ندري لماذا يصِرّ بعض اللّغويّين وكلّ المفسّرين على أنّ الشّرعة هي المنهاج. فلو كان الأمر كذلك لقالت الآية: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً مِنْهَاجًا. أي دون عطف. فواو العطف، هنا، للتّفرقة أي إنّ معنى الجملة هو: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً ولِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ مِنْهَاجًا. فالشّرعة ليست المنهاج والمنهاج ليس الشّرعة.

قال الزَّبيدي: «النَّهْج: الطَّريقُ الواضِحُ البَيِّنُ. وَفِي التَّنْزِيل: لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً (الْمَائِدَة: 48) المِنْهَاجُ: الطَّريقُ الْوَاضِح. وأَنْهَجَ الأَمْرُ والطَّريقُ: وَضَحَ. وأَنْهَجَ: أَوْضَحَ. ونَهَجَ الطَّريقَ: سَلَكَه».[10]

في هذا التّفسير، لم يذكر الزَّبيدي الشّرعة ولا الشّريعة، فهل يعني ذلك أنّه لا علاقة لغويّة أو معنويّة بين الشّريعة والمنهاج؟

لئن وقع التّفريق بين الشّرعة والمنهاج تفريقا واضحا في الآية، فلأنّها تفسير وتوضيح لقوله تعالى في سورة الفاتحة: ﴿اهدنا الصّراط المستقيم﴾. وما الصّراط إلاّ المنهاج. والمنهاج أوسع وأعمّ من الشّريعة. فهو المخطّط أو المشروع المراد تحقيقه. والمشروع الّذي يريد اللّه من كلّ شعب مسلم أن يحقّقه هو الإسلام، انطلاقا من القرآن واعتمادا على ما فيه من التّشريع الإلهيّ لا يتجاوزه إلى تشريع غيره. وتخصيص كلّ شعب بشريعة ومنهاج يعني أنّ المشروع الحضاريّ الّذي يقترحه اللّه تعالى على النّاس هو مشروع حيّ يتناسب مع كلّ شعب في المكان والزّمان، بتجدّد الفقه وليس بتجديد الّدين.

﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) الشورى﴾. تقرّر الآية أنّ كلّ تشريع من خارج القرآن لم يأذن به اللّه لأنبيائه ورسله ولا لغيرهم. فلا وجود في القرآن لسنّة تشريعيّة للأنبياء.

فما معنى سنّتي في كتب الحديث؟

نجد في كتب الحديث عديد الرّوايات الّتي ورد فيها: سنّتي؛ أي إنّ النبيّ يذكر سنّته. نعرض منها بعض النماذج، لنرى في أيّ مفهوم يذكر النبيّ سنّته، إن ذكر حقّا.

وجدنا روايتين عند البخاري ومسلم عن أنس بن مالك مع اختلاف في اللّفظ واتّفاق في المضمون. فصلنا بينهما بخطّ مائل، تقول الرّواية:

«جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ / نَفَر مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ» وأنّهم «سألوهنّ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ / عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ». وقرّر أولئك النّفر: «أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا / فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ». وسمع النبيّ، فذهب إليهم وقال: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». كذا عند الاثنين.[11]

لا يهمّ مدى مرتبة الرّواية وتصنيفها، فهذا صناعة حديثيّة. ما يهمّنا المعنى والوظيفة، فالرّواية تعالج ظاهرة في المجتمعات الإنسانيّة منذ أقدم العصور. يبدو أنّهم ثلاثة أصدقاء قرّروا لأنفسهم منهجا في حياتهم: أن يتعبّدوا بغير ما ورد في القرآن، وبغير ما طبّق النبيّ وبغير ما تقتضيه سنّة الحياة الّتي سنّها اللّه لعباده. هو الزّهد في الدّنيا خارج حدود الزّهد، وهي الرّهبنة الّتي لم يكتبها اللّه على أحد، وهو التخلّي عن العمل والتنصّل من المسؤوليّة. فماذا عَنى النبيّ بقوله سنّتي؟

قال ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) في شرح رواية البخاري: «فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورِينَ هُمْ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُثْمَان بن مَظْعُون. قَوْلُهُ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي: الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ: الطَّرِيقَةُ لَا الَّتِي تُقَابِلُ الْفَرْضَ وَالرَّغْبَةُ عَنِ الشَّيْءِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ مَنْ تَرَكَ طَرِيقَتِي وَأَخَذَ بِطَرِيقَةِ غَيْرِي فَلَيْسَ مِنِّي. وَلَمَّحَ بِذَلِكَ إِلَى طَرِيقِ الرَّهْبَانِيَّةِ فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا التَّشْدِيدَ».[12]

من الغريب أن يسأل عليّ بن أبي طالب عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ. والأغرب هو شرح ابن حجر، فقد استغلّ الرّواية ليثبت سنّة النبيّ التشريعيّة، إذ فسّر قول النبيّ: سُنَّتِي بالطَّرِيقَة لَا الَّتِي تُقَابِلُ الْفَرْضَ. فالطَّرِيقَةُ عنده هي السنّة. وهذا تحريف لكلام النبيّ؛ لأنّه لم يسنّ شيئا في الدّين؛ قوله سُنَّتِي لا تزيد عن قوله عادتي. لذلك، نتساءل: هل قال النبيّ سُنَّتِي؟

في غربة الإسلام وإحياء السنّة:

للتّرمذي في سننه روايتان حول الغربة والإحياء:

الأولى: إِنَّ الإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ. [13]

والثّانية: إنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ إِلَى الحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا. وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ الحِجَازِ مَعْقِلَ الأُرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ الجَبَلِ. إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي.[14]

إذا اعتبرنا الغربة في مفهومها الأوّل، هو أن يكون الشّخص في غير قومه، أو أن يقع حدث في مجتمع غير معتاد، أو يكون أصل الشّيء مجهولا عند النّاس، فإنّ دين اللّه غريب منذ نوح، وهو اليوم غريب. والإسلام غريب لدى سكّان الأرض من حيث عدد المسلمين ومن حيث إنكار كونه دينا إلهيّا. وفي الرّواية الثّانية، مفهومان غريبان أيضا:

الأوّل: تشبيه الدّين بالحيّة واستعمال فعل أَرَزَ. قال الزَّبيدي: «أَرَزَت الحَيَّةُ تَأْرِزُ أَرْزَاً: لاذَتْ بجُحْرِها وَرَجَعتْ إِلَيْهِ. وَمِنْه الحَدِيث: إنَّ الإسلامَ لَيَأْرِزُ إِلَى المدينةِ كَمَا تَأْرِزُ الحيَّةُ إِلَى جُحْرِها. وَقَالَ الأَصْمَعِيّ: يَأْرِزُ أَي ينضَمّ ويَجتمِعُ بعضُه إِلَى بعض فِيهَا. وأَرَزَ الرّجلُ! يَأْرزُ أُروزاً انْقبضَ وتجَمَّعَ وثبتَ».[15]

أرزُ الحيّة هو خوفها وهروبها والاختباء في جحرها، وجعل الزّبيدي الدّين كالحيّة: يخاف ويهرب ويختفي في المدينة. هو تشبيه نقص، وقد يحيل إلى الأدب الأخرويّ الّذي يجعل من المدينة المكان الوحيد الّذي لا يدخله المسيح الدجّال.

والثّاني: جعل الحجاز معقل الدّين أي ملجأه وحصنه، وهذا من باب العصبيّة القبليّة والإسلام كونيّ.

وقوله: طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي. يلمّح أنّ الغرباء هم المحدّثون والفقهاء، وهذا من كلام من نصّب نفسه محيِي السنّة والدّين. جملة ما أفسد النّاس عامة جدّا؛ لأنّ كلّ شيء يمكن أن يتعرّض إلى الفساد والتّحريف. فحتّى القيم والأخلاق والدّين عرضة لذلك، وليس السنّة وحدها.

وللتّرمذي رواية أخرى: «عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ: اعْلَمْ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ! قَالَ: مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّهُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي، فَإِنَّ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا. وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ لَا تُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِ النَّاسِ شَيْئًا».[16]

اخترنا هذه الرّواية كأنموذج للنّظر فيها من حيث السّند والمتن.

أوّلا: من حيث السّند: أثبت المحدّثون أنّ كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزني من أكبر الوضّاعين.[17]

والمشهور والمتّفق عليه أنّ مؤذّن الرّسول هو بلال بن رباح الحبشي، فمن يكون عَمْرو بْنَ عَوْفٍ هذا الّذي خاطبه الرّسول؟ أليس هو جدّ كثير بن عبد اللَّه، الرّاوي، كما ورد في نصّ التّرمذي؟

ثانيا: من حيث المتن: تهمّنا هنا صيغة الخطاب. لأنّ مقولة إحياء السنّة وابتداع البدعة تملأ كتب الحديث. من قبيل: مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي. وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ.

تطلّب نزول القرآن أكثر من عشرين عاما، وأكمل اللّه دينه وأتمّ نعمته على المؤمنين قبل شهرين من وفاة الرّسول. فكيف يكون للرّسول سنّة وبأيّ مفهوم اصطلاحيّ للسنّة؟ وإذا لم توجد السنّة، فلن تظهر البدع. فمصطلحا سنّة وبدعة مجهولان في عهد النبوّة. وقول التّرمذي، أو الرّاوي: أُمِيتَتْ بَعْدِي دليل على أنّ السنّة لم يقع اغتيالها في عهد النبوّة، وهو دليل على عدم وجودها. وكيف يمكن إماتة سنّة ولو وجدت؟ إن كان بتركها من أغلب المسلمين، فذلك لأنّها ليست سنّة.

أوهام المحدّثين في السنّة والبدعة:

قال ابن الجوزي (ت597هـ): «كِتَابُ السُّنَّةِ وَذَمِّ الْبِدَعِ. بَابُ إحياء السنّة ثمّ ظهور البدع: عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ فَعَمِلَ بِهَا كَانَ لَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنَ النَّاسِ لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا. وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فَعَمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنَ النَّاسِ لا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ وَالْمُتَّهَمُ بِهِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَضَرَبَ عَلَى حَدِيثِهِ فِي الْمُسْنَدِ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ وَلا يُكْتَبُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ. وَقَالَ ابْنُ حَبَّانَ: رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةً مَوْضُوعَةً لا يَحِلُّ ذِكْرُهَا فِي الْكُتُبِ».[18]

وقال: «عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لا يَذْهَبُ مِنَ السُّنَّةِ شَيْءٌ حَتَّى يَظْهَرَ مِنَ الْبِدْعَةِ مِثْلُهُ وَتَظْهَرُ الْبِدْعَةُ حَتَّى يَنْشَأَ فِي الْبِدْعَةِ مَنْ لا يَعْرِفُ السُّنَّةَ فَإِذَا رَأَى السُّنَّةَ قَالَ هَذَا بِدْعَةٌ فَمَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بها أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهُمْ شَيْئًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ حَبَّانَ: كَادِحٌ يَرْوِي عَنِ الثِّقَاتِ الْمَقْلُوبَاتِ فَلْيَسْتَحِقَّ التَّرْكَ».[19]

نكتفي بهذا كأدلّة على أنّه لا يثبت الكثير عن الرّسول في السنّة والبدعة؛ فلا اللّحية سنّة ولا اللّباس سنّة ولا كيفيّة الأكل والشّرب سنن. ببساطة، ليس التشكّل المظهريّ الّذي يتشبّث به بعض النّاس ويريدون فرضه، من السنّة النبويّة في شيء. وأمّا البدع، فإنّها كلّ جديد يظهر في المجتمع، وكلّ ما خالف التأزّم النّفسي والتحجّر الفكريّ.

وقد تبيّن من القرآن أنّ التّشريع في الإسلام من خصائص اللّه تعالى، ولم يسمح به إلى أنبيائه ورسله. وقد عرض علينا القرآن مثلين واقعيين من التّحريم؛ حدث الأوّل من قِبل يعقوب والثّاني من محمّد. وكان التّحريمان أمرين شخصيّين لم يتجاوزا شخصي النبيّين. ورغم ذلك، قال اللّه تعالى: لمَ تحرّم ما أحلّ اللّه لك؟

فدور النبيّ والرّسول هو أوّلا وأخيرا التّبليغ. ومن مستلزمات التّبليغ التّوضيح والتّبيين؛ وذلك يكون بتطبيق النبيّ جهرا ما أوحي إليه من أحكام الله وأوامره ونواهيه كي تتجسّد بالفعل والقول، فيراها المسلمون ويطبّقونها كما رأوها وكما سمعوها من نبيّهم أو رسولهم. وهذا المبدأ ليس منغلقا؛ لأنّ الرّسل والأنبياء ليسوا مجرّد أداة تنفيذ، بل لهم اجتهاداتهم الخاصّة في الدّعوة. فإذا اجتهد الرّسول وأخطأ عاتبه الله ومُحِيَ ذلك الاجتهاد. وإذا اجتهد وأصاب سكت الكتاب المنزّل إليه، وصار اجتهاد الرّسول تشريعا إلهيّا.

وهذا التّشريع الإلهيّ باجتهاد الرّسول هو ما يعرفه المسلمون بالضّرورة. فمثلا، لا خلاف أنّ الصّلوات اليوميّة خمس، وأنّ أوقاتها معلومة وأنّ كيفيّة أدائها معلومة، رغم أنّه لم يرد شيء في القرآن في ذلك؛ فالقرآن يمحو السنّة التشريعيّة.

ومن أكبر المقولات التحريفيّة القول إنّ القرآن إلى السنّة أحوج من السنّة إلى القرآن. قال محمّد ناصرالدّين الألباني (ت1999م): «القرآن إلى السنّة أحوج من السنّة إلى القرآن. نعم، وهذا القول مأثور عن مكحول الشّامي رحمه الله، وأيضًا مشهور عن الأئمّة. قال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله، يعني: أحمد بن حنبل وسُئل عن الحديث الذي روي أنّ السنّة قاضية على الكتاب، فقال: ما أجْسَرُ على هذا أن أقوله، إنّ السنّة قاضية على الكتاب. إنّ السنّة تفسّر الكتاب وتبيّنه، ذكره ابن عبد البرّ».[20]

هذا كلام يلزم مكحولا وابن عبد البرّ ومن صدّقهما في ادّعائهما، إن قالا ذلك، ولا يلزم المسلمين بأيّ وجه. فالمقولة تعتبر القرآن مستعصيا على الفهم والتدبّر، بينما قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) فُصِّلت﴾. وقال: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) الشّعراء﴾. وإمّا أنّ القرآن ناقص تكمله السنّة. ورغم أنّ صاحب هذا الكلام، حنبليّ، فإنّه لم يلتفت إلى قول ابن حنبل: ما أجْسَرُ على هذا أن أقوله، إنّ السنّة قاضية على الكتاب. ولطّف في القول فاعتبر أنّ السنّة تقتصر على تفسير الكتاب وتبيينه.

وربّما ينطبق قول الضحّاك بن مزاحم (ت107هـ): «يأتي على النّاس زمان يكثر فيه الأحاديث حتّى يبقى المصحف بغباره لا ينْظَر فيه» على هذا النّسق من التّفكير والنّظر.[21]

وإذا كان بنو إسرائيل ضلّوا بكتب ورثوها عن آبائهم، كما قال محمّد بن سيرين (ت 110هـ).[22]

فإنّنا نلاحظ أنّه يقع استعمال مصطلح السنّة عامّا، فلا أحد يدري معناه الاصطلاحيّ بالضّبط. فهو متوارث عن الآباء بالتّسليم، فلا يجوز فيه إلاّ القبول والتّعليم، ولكن إذا كان الله تعالى اختصّ بالتّحليل والتّحريم والنّهي والاجتناب، ولم يرخّص في ذلك لرسله وأنبيائه، فبأيّ وجه ينتصب فقيه أو محدّث قاضيا ومفتيا يشرّع ما لم يشرّعه الله؟

ولكن هل هذا النّقد يعني أنّه لا توجد سنّة نبويّة في المطلق؟

هنا وجب التّفريق بين سنّة تشريعيّة وغير تشريعيّة. للرّسول سنّة بل سنن، وكلّ إنسان لديه سنن وعادات وطرائق في حياته. وإذا كان محور القرآن هو اللّه تعالى، إذ كلّ حدث فيه وكلّ خبر وكلّ حكم ينطلق من اللّه ويعود إليه في دورات لولبيّة دقيقة ومنتظمة، فلا غرابة أن تكون سيرة الأنبياء والرّسل في القرآن أبرز المحاور في النصّ القرآنيّ. أليسوا الواسطة بين اللّه وعباده؟ وقد خصّ اللّه بعض أنبيائه ورسله بما شاء أن يختصّوا به. فقد اتّخذ أحدهم خليلا وآخر كليمًا، وميّز ثالثا بانفراده في كيفيّة خلقه. فهل خصّ اللّه تعالى رسوله محمّدا بما لم يخصّ به نبيّا آخر؟ تكون الإجابة عن هذا السّؤال هي المبيّنة لأبرز سنن الرّسول في القرآن.

قال تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) القلم﴾.

لا ندري هل خاطب اللّه تعالى غير الرّسول من أنبيائه ورسله بمثل هذا الخطاب المليء لطفا ورحمة وعناية. ولئن وردت الآية الأولى في صيغة القسم، فليست قسما، وإنّما للفت الانتباه إلى أهميّة ما سيذكره اللّه بعدها. وما بعدها هو إخبار وصفيّ للرّسول، وهي أوّل آية في القرآن بدئت بحرف، ولا ندري العلاقة بين "نون" والقلم، والمهمّ هو أنّ الآية الأولى توطئة لوصف الرّسول.

﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾: جاءت بعد نفي الجنون عن الرّسول. وفي هذا تنزيه مطلق من اللّه تعالى لعقل رسوله. وعقل الرّسول هو أكبر العقول وأكملها وأرجحها، فتكون الآية النتيجة الحتميّة لذلك العقل. فللّرسول سنّتان: العقل وهي سنّة فطريّة وضعها اللّه فيه، وسنّة مكتسبة وهي الخلق. وقد اعترف الرّسول في قوله: «أدّبني ربّي فأحسن تأديبي» بفضل اللّه ومنّه، وتواضع حقيقيّ إيجابيّ. ومن أغرب ما يلاحظ أنّ هذا الحديث لم يذكره أئمّة الحديث وأنكروه.[23]

ويروى عن عائشة بعد أن سئلت عن خلق النبيّ: «حَدِّثِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ اللَّهُ: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ. خُلُقُ مُحَمَّدٍ الْقُرْآن».[24]

وصف اللّه تعالى خلق النبيّ وصفا مؤكّدا بأنّه عظيم. ويعتبر هذا استعظاما. لم يستعظم اللّه شخص النبيّ واستعظم خُلقه. ولا يستعظم الله شيئا إلاّ لأنّه أعظم الأشياء في تقديره أو من أعظمها. ولم يستعظم اللّه في القرآن خلق أيّ نبيّ آخر؛ فهي ميزة خاصّة بالرّسول محمّد. وعجبا لقوم يؤكّد اللّه عظمة خلق رسولهم وهم ينكرون حديثا يدلّ على نفس الشّيء ويستنكرونه!

«أدَّبَنِي رَبّي فَأَحْسّنّ تَأْدِيبِي».[25]

وفي رواية: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ أَدَّبَنِي وَأَحْسَنَ أَدَبِي ثُمَّ أَمَرَنِي بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ».[26]

هو الاعتراف بفضل اللّه وهو التواضع الإيجابيّ، وهو الدّليل على خلقه العظيم. ورغم ذلك، فإنّ من العلماء المحدّثين من اعتبره موضوعا: «حَدِيث: أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي: سنده ضعيف جدّا. وأخرجه أبو سعد ابن السّمعاني في أدب الإملاء بسند منقطع. وبالجملة، فهو كما قال ابن تيميّة: لا يعرف له إسناد ثابت».[27]

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) التوبة﴾. ضمير الخطاب في الآية لا يخصّ قريشا ولا العرب أجمعين. الخطاب موجّه إلى كلّ بني آدم.

﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾: يعزّ عليه ما تأتونه وما يصيبكم من العنت. والعنت اسم جامع يشمل: «الفَسَاد والإِثْم والهَلاَك والغَلَط والخَطَأ والجَوْر وَالأَذَى والمَشَقَّة الشَّدِيدَة والوُقُوعُ فِي أَمْر شَاقَ». قالَ الأَزْهَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ. «أَي عَزِيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُكُمْ، وَهُوَ لِقَاءُ الشِّدَّةِ والمَشَقَّة وَقَالَ بعضُهم: مَعْنَاه: عزيزٌ أَي شديدٌ مَا أَعَنَتَكُمْ، أَي مَا أَورَدَكُم العَنَتَ والمَشَقَّةَ».[28]

هل بعد هذا دليل على إنسانيّة محمّد الشّاملة؟ هو يتألّم ويحزن لكلّ ما يصيب الإنسانيّة من كوارث وجوائح ومجاعات. وكم تمنّى أن تؤمن الإنسانيّة لتجنّب نفسها عذاب الآخرة.

﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾: هنا يقع تخصيص المؤمنين. والرّسول يتألّم ويحزن إذا ما أورد مؤمن نفسه الهلاك في الدّنيا وخاصّة في الآخرة. وفي هذه الجملة، جمع اللّه للرّسول الرّأفة والرّحمة من علامات إنسانيّته وخلقه. ولقد ذكر اللّه في القرآن لكلّ نبيّ أخلاقا إلاّ أنّه لم يجمع الرّأفة والرّحمة لأيّ نبيّ غير الرّسول.

وتكملة لما اعتبرناه سنن النبيّ، نكتفي بذكر الآيات الّتي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بخلق الرّسول:

- في (آل عمران: 159): اللّين في المعاملة ونفي الفظاظة والقسوة.

في (الأحزاب: 21): الأسوة الحسنة

في (الأحزاب: 53): الحياء.

لماذا اعتبرنا خلق الرّسول سننه؟

السّبب الأوّل: هو القرآن، إذ نجد فيه مقابلة تامّة بين محمّد النبيّ الرّسول، وبين محمّد البشر الإنسان. ففي خصوص الرّسالة، فإنّ محمّدا النبيّ الرّسول مغيّب تماما لا نجد له دورا إلاّ في تبليغ رسالة ربّه وتبيينها وتوضيحها عمليّا وتطبيقيّا.

ولقد جعل القرآن للنبيّ الرّسول خطوطا حمراء، هي حدود اللّه، وحذّره من تجاوزها بل من الاقتراب منها: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) البقرة﴾. ﴿لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء (272) البقرة﴾. ﴿إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت (56) القصص﴾. ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (6) المنافقون﴾. ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ (20) آل عمران﴾. ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة﴾. ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ (99) المائدة﴾. ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) النّحل﴾.

كثرة الآيات الّتي لا يتغيّر مضمونها المحدّد لدور الرّسول في تبليغ الرّسالة تنفي أن يكون له أيّ دور في التّشريع، وقد نهر اللّه رسوله؛ لأنّه حرّم على نفسه ما أحلّ له اللّه، فكيف يجوز له أن يشرّع للمسلمين؟

وقد رأينا أنّ الرّسول ومعه المقاتلون في سبيل اللّه مغيّبون أيضا، بل إنّ محمّدا الزّوج غُيّب في حلّ مشاكله العائليّة، سواء كانت لأمر يخصّ النبوّة أو غيره.

مقابل ذلك التّغييب في شأن الرّسالة، فإنّنا نجد حضورا متميّزا مشعّا لمحمّد الإنسان؛ فقد جمع له القرآن كلّ الفضائل وأسمى القيم الأخلاقيّة الإنسانيّة، وهو ما لا نجده لغير محمّد في القرآن. وهذه المقابلة الّتي تبدو غريبة، هي من حكمة اللّه وعدله ورحمته بعباده. فقد شرع لهم من الدّين أيسره لا حرج فيه. وعرض عليهم الإسلام مشروعا حضاريّا هو أحسن المناهج. وأراد اللّه أن يعرض على عباده أنموذجا فريدا هو واحد منهم لا يميّزه عنهم أيّ شيء إلاّ في أمرين: العقل والخلق.

السّبب الثاني: هو محمّد نفسه

«إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»: لقد حدّد هو دوره كنبيّ رسول في نفس الحدود القرآنيّة: لم يبعث لفرض الإسلام ولا للتّشريع. «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى دَارًا فَأَحْسَنَهَا وَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ. فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا، وَيَقُولُونَ: لَوْلَا مَوْضِعُ هَذِهِ اللَّبِنَةِ. فأنا مَوْضِعُ تِلْكَ اللَّبِنَةِ، جِئْتُ فَخَتَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ».[29]

لهذا الحديث صيغ كثيرة كلّها تؤديّ نفس المضمون: رجل بنى دارا أو قصرا في أحسن ما يكون هندسة وبناء لكن تنقصه لبنة واحدة ليكتمل جماله وبهاؤه. ما تلك اللّبنة وقد بنى القصر الأنبياء السّابقون؟ الرّجل يحيل إلى كلّ الأنبياء والرّسل قبل محمّد. فأولئك الرّجال هم الأنبياء السّابقون. ولقد نشروا كلّهم الإسلام كما أوحى به لهم ربّهم، فلا تكون اللّبنة نقصا في دين اللّه. تلك اللّبنة هي الأخلاق الّتي انفرد محمّد بوضعها في مكانها من القصر وهي المكمّلة لمكارم الأخلاق.

فلا عجب أن يختم اللّه وحيه إلى محمّد في آخر أيّام حياته بالآية الشاملة الجامعة: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3) المائدة﴾.

لم تنزل هذه الآية على أيّ نبي رسول من قبل، وإكمال الدّين لا يعني أبدا أنّ دين اللّه كان ناقصا في زمن نبيّ من الأنبياء منذ نوح.

فكلّ نبيّ وكلّ رسول بعث قبل محمّد، إنّما بعث لقومه في محيط جغرافيّ محدّد ينشر فيه رسالته. ودور النبيّ ودور الرّسول منحصر في المكان والزّمان والفضاء. لم يكن الدّين في الإسلام، في يوم من الأيّام، غير كاف للمسلمين. لأنّ الدّين في كلّ وقت هو عبارة عن المقدار الذي شرعه الله للمسلمين.

فالثّابت في الدّين الإلهيّ، منذ أوّل نبيّ على الأرض إلى محمّد، هو الإيمان بالغيب المطلق أي بالله إلها واحدا لا شريك له، والإيمان بالقيامة والحساب والجنّة والنّار. وأمّا الشّعائر الدينيّة فمنها ما هو دائم كالصّلاة والصّوم، ومنها ما هو حديث كالحجّ والقتال في سبيل الله. كذلك يتغيّر التّحليل والتّحريم بما يصلح للمجموعة المسلمة في مكان وزمان.

كان دين اللّه كاملا مناسبا لكلّ قوم في الزّمان والمكان في فرائضه وأحكامه، وإنّما كان الإسلام ناقصا تنقصه تلك اللّبنة. ولختم الوحي وانتهاء الرّسالة أبديّا، أكمل اللّه دينه بالتّشريع المناسب لكلّ بني آدم إلى يوم القيامة. وأكمل محمّد خاتم الأنبياء مكارم الأخلاق. وبذلك، صار الانسجام كليّا بين الدّين كتشريع، وبين الإسلام كمشروع حضاريّ متجدّد.

السّبب الثّالث: الكنز الفريد في تراث الإنسانيّة:

لقد اجتهد الكثيرون في جمع ذلك الكنز فسمّاه بعضهم فضائل النبيّ وغيره دلائل النبوّة وآخرون الشّمائل المحمّديّة أو رياض الصّالحين أو التّرغيب والتّرهيب. ولقد خصّص أبو حامد الغزالي(ت505هـ) في إحياء علوم الدّين فصلا في بيان جملة من محاسن أخلاقه الّتي جمعها من بعض العلماء والتقطها من الأخبار.[30]

وتكملة لما اعتُبر من الصّفات والشّمائل الفريدة، نكتفي بذكر أربع صفات أخرى لها علاقة مباشرة بخلق الرّسول، ونجاحه بين النّاس، رغم كثرتها التي لا تُحصى:

الأولى: هي اللّين في المعاملة ونفي الفظاظة والقسوة، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران﴾.

الثّانية: الأسوة الحسنة. قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب﴾.

الثّالثة: زهده في الدّنيا، وهي قناعة مبدئيّة وشخصيّه لديه، لم يبن قصرا ولا منزلا خاصّا به ولم يلبس الحرير، ولم يتحلّ بالذّهب والجواهر، وكان قادرا على ذلك، ولكنّه لم يحرّم كلّ ذلك على المسلمين. وكان يكتفي من الأكل بأقلّه يسدّ به الرّمق. وقناعته تلك بالقليل الضروريّ في الحياة كانت أحد أبرز الأسباب التي ميّزت حياته العائليّة بالبساطة والتوكّل والاعتدال.

الرّابعة: غضبه، يغضب للّه إلى أن تحمرّ وجنتاه وتظهر حدّة غير معهودة في كلامه، ولكنّه لم يغضب لنفسه أبدا. لم ينتقم لنفسه مهما كان السّبب، وكان العفو منهجه مع النّاس جميعا.

خاتمة البحث:

عرض البحث مشكلة فهم مصطلح السنّة الذي يبدو أنّه لم يكن موجودا قبل زمن الشّافعي (ت204هـ) الذي أسّس أصول الفقه، وبالتّالي القول بمصادر التّشريع من قرآن وسنّة وقياس، ثمّ شاع عند المسلمين بالتّبعية والتّقليد.

ومحلّ الاجتهاد والتّمحيص في هذا البحث هو اعتبار أنّ الأنبياء ليست لهم سنّة تتعلّق بالتّشريع أو التّحليل والتّحريم، بل يقتصر دورهم على البلاغ المبين. وهذا واضح في قوله تعالى: ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) المائدة﴾. وفي آيات أخرى مثل: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) النّحل﴾ أو: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) يس﴾.

فكأنّ هذا الحصر والتّركيز على البلاغ المبين، يلغي الحقّ في الإضافة إلى الدّين أو التّشريع باسم الله. أمّا التّشريعات الاجتماعيّة والسياسيّة وغيرها، فهي ليست محلّ إشكال أو نظر.

عرض البحث مفهوم السنّة عند بعض علماء الإسلام ولاحظ اختلافا كبيرا في تعريفاتهم وتنظيراتهم للموضوع، وطرح سؤالا يتعلّق بوظيفة الأنبياء جميعا، وهو: هل شرّع أحد منهم شيئا في الدّين الإلهي؟ واخترنا نموذجا هو يعقوب بن إبراهيم عليهما السّلام، باعتباره يُستدعى شاهدا على دور الأنبياء في التّشريع والتّحليل والتّحريم، وبينّا خطأ ذلك الفهم. واستعرضنا ما جاء في القرآن حول ذلك. وعالجنا موضوع الشّرعة والمنهاج وبيان الفرق بينهما واخترنا أمثلة تبيّن أوهام المحدّثين في فهم السنّة والبدعة، وبينّا في ختام البحث لماذا اعتبرنا أخلاق النبيّ وأفعاله هي سننه.

 

قائمة المصادر والمراجع:

أ) عربيّة:

- الألباني، محمّد ناصر الدّين، منزلة السنّة في الإسلام، الدار السلفيّة، الكويت، 1404-1984.

- البخاري، محمّد بن إسماعيل، الجامع المسند الصّحيح، تحقيق: محمّد زهير الناصر، دار طوق النّجاة، ط1، الرّياض، 1422هـ.

- التّرمذي، محمّد بن عيسى (ت 279هـ) الجامع الكبير أو سنن الترمذي، تحقيق بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1998م.

- ابن الجوزي، عبد الرّحمن بن علي، العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، إدارة العلوم الأثريّة، ط2، فيصل آباد، باكستان، 1981

- ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ.

- ابن حنبل، أحمد بن محمّد (ت 241هـ) المسند، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسّسة الرّسالة، ط1، بيروت، 1421هـ- 2001م.

- الرّازي، فخر الدّين، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي، ط3، بيروت، 1420هـ.

- الزَّبيدي، مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، دار الفكر، ط1، بيروت، 1414هـ.

- السّمعاني، عبد الكريم بن محمّد(ت562هـ) أدب الاملاء والاستملاء، دار الكتب العلميّة، ط1، بيروت، 1981م.

– السّخاوي، محمّد بن عبد الرّحمن، المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، دار الكتاب العربي، ط1، بيروت، 1985م.

- السّيوطي، عبد الرّحمن بن أبي بكر، المحاضرات والمحاورات، دار الغرب الإسلامي، ط1، بيروت، 1424هـ.

- الشّوكاني، محمّد بن علي، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ من علم الأصول، دار الكتاب العربي، ط1، بيروت، 1419-1999. ج1، ص95

- ابن أبي شيبة، أبو بكر (ت 235هـ) المصنّف في الأحاديث والآثار، تحقيق كمال يوسف الحوت، مكتبة الرّشد، ط1، الرّياض، 1409هـ.

- ابن عاشور، محمّد الطّاهر، تفسير التّحرير والتّنوير، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس، 1984.

- ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله (ت 463هـ) جامع بيان العلم وفضله، دار ابن الجوزي، ط1، الرّياض، 1414-1994

- عبد الملك، بطرس، قاموس الكتاب المقدّس، رابطة الكنائس الإنجيليّة في الشّرق الأوسط، منشورات مكتبة المشعل، ط6، بيروت، 1981.

- الغزالي، أبو حامد محمّد بن محمّد (ت 505هـ) إحياء علوم الدّين، دار المعرفة، بيروت، 1998.

- المزّي، يوسف بن عبد الرّحمن (ت742هـ) تهذيب الكمال في أسماء الرّجال، تحقيق بشاّر عواد معروف، مؤسّسة الرّسالة، ط1، بيروت، 1400-1980

- أبو يعلى، أحمد بن علي، المسند، دار المأمون للتّراث، ط1، دمشق، 1984م.

ب) أجنبيّة:

- Richard Friedman, Qui a écrit la Bible ? La prodigieuse quête des auteurs de l'Ancien Testament, Paris, Exergue, 1re éd. 1997, p74

- Frederic Moeubus, Role D'esdras Dans Le Retablissement Du Peuple Juif, imp. Bonnal, Toulouse, France. 1959.p.16

[1] - الشّوكاني، محمّد بن علي، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ من علم الأصول، دار الكتاب العربي، ط1، بيروت، 1419-1999. ج1، ص95

[2] - الزَّبيدي، مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، دار الفكر، ط1، بيروت، 1414هـ. ج18، ص300

[3] - Richard Friedman, Qui a écrit la Bible ? La prodigieuse quête des auteurs de l'Ancien Testament, Paris, Exergue, 1re éd. 1997, p74

Also: Frederic Moeubus, Role D'esdras Dans Le Retablissement Du Peuple Juif, imp. Bonnal, Toulouse, France. 1959.p.16

[4] - عبد الملك، بطرس، قاموس الكتاب المقدّس، رابطة الكنائس الإنجيليّة في الشّرق الأوسط، منشورات مكتبة المشعل، ط6، بيروت، 1981، ص808

[5] - ابن عاشور، محمّد الطّاهر، تفسير التّحرير والتّنوير، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس، 1984. ج4، ص9

[6] - الرّازي، فخر الدّين، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي، ط3، بيروت، 1420هـ. ج27، ص587

[7] - ابن عاشور، محمّد الطّاهر، تفسير التّحرير والتّنوير. ج25، ص50. مرجع سابق.

[8] - الزّبيدي، تاج العروس، ج21، ص260. مرجع سابق.

[9] - ابن عاشور، تفسير التّحرير والتّنوير، ج6، ص223. مرجع سابق.

[10] - الزّبيدي، تاج العروس، ج6، ص252. مرجع سابق.

[11] - البخاري، محمّد بن إسماعيل، الجامع المسند الصّحيح، تحقيق: محمّد زهير الناصر، دار طوق النّجاة، ط1، الرّياض، 1422هـ. ج7، ص2. حديث رقم 5063. وعند مسلم، ج2، ص1020. رقم 1401

[12] - ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ. ج9، ص105

[13] - التّرمذي، محمّد بن عيسى (ت 279هـ) الجامع الكبير أو سنن الترمذي، تحقيق بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1998م. ج4، ص314

[14] - المرجع السّابق، ج4، ص314، حديث رقم 2630. وقال عنه التّرمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

[15] - الزّبيدي، تاج العروس، ج8، ص4. مرجع سابق.

[16] - التّرمذي، السّنن. ج4، ص342. مرجع سابق.

[17] - المزّي، يوسف بن عبد الرّحمن (ت742هـ) تهذيب الكمال في أسماء الرّجال، تحقيق بشاّر عواد معروف، مؤسّسة الرّسالة، ط1، بيروت، 1400-1980. ج24، ص137

[18] - ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، إدارة العلوم الأثريّة، ط2، فيصل آباد، باكستان، 1981. ج1، ص135

[19] - المرجع السّابق. ج1، ص136

[20] - الألباني، محمّد ناصر الدين، منزلة السنّة في الإسلام، الدار السلفيّة، الكويت، 1404-1984. ص12

[21] - ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله (ت 463هـ) جامع بيان العلم وفضله، دار ابن الجوزي، ط1، الرياض، 1414-1994.ج1، ص279

[22] - ابن أبي شيبة، أبو بكر (ت 235هـ) المصنّف في الأحاديث والآثار، تحقيق كمال يوسف الحوت، مكتبة الرّشد، ط1، الرياض، 1409

[23] - أورده ابن الجوزي في العلل (1/178، رقم 284)، وقال: لا يصحّ وفيه مجهولون وضعفاء. وذكره السّخاوى في المقاصد (ص39، رقم 45) وضعّفه. وأيضا العجلونى (ص72، رقم 164). وحجّة الرّافضين لهذا الحديث قديما وحديثا هي: المعنى صحيح لكن لا يعرف له إسناد ثابت أو: على الرّغم من صحَّة معنى الحديث فإنه بهذه الصيغة لم يصدُر عن النبي بطريق صحيح عند أكثر علماء الحديث. وهي حجّة أوهى من بيت العنكبوت لأنّها تقدّس أهل الحديث.

[24] - أبو يعلى، أحمد بن علي، المسند، دار المأمون للتّراث، ط1، دمشق، 1984م. ج8، ص275

[25] - السّيوطي، عبد الرّحمن بن أبي بكر، المحاضرات والمحاورات، دار الغرب الإسلامي، ط1، بيروت، 1424هـ. ص306

[26] - السّمعاني، عبد الكريم بن محمّد(ت562هـ) أدب الاملاء والاستملاء، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1981م. ج1، ص1

[27] - السّخاوي، محمّد بن عبد الرحمن، المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، دار الكتاب العربي، ط1، بيروت، 1985م. ص73

[28] - الزّبيدي، مرتضى، تاج العروس. ج3، ص94. مرجع سابق.

[29] - ابن حنبل، أحمد بن محمّد (ت 241هـ) المسند، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسّسة الرّسالة، ط1، بيروت، 1421هـ- 2001م. ج23، ص167

[30] - الغزالي، أبو حامد محمّد بن محمّد (ت 505هـ) إحياء علوم الدّين، دار المعرفة، بيروت، 1998. ج2، ص 357