هل هدم الرسول بولس المسيحية بأساطيره الوثنية؟

فئة :  مقالات

هل هدم الرسول بولس المسيحية بأساطيره الوثنية؟

هل هدم الرسول بولس المسيحية بأساطيره الوثنية؟

لعل أفضل من كتب في تاريخ المسيحية ونشأتها الباحث الفرنسي Charles Guignebert شارل جينيبير 1867 – 1939 مؤرخ فرنسي ومتخصص في دراسة تاريخ المسيحية، تميز دور الرسول بولس الخطير في اللاهوت المسيحي، بأن نقل رسالة يسوع المسيح من شكلها الديني عبر التراث اليهودي إلى شكلها الوثني الفلسفي الغنوسي الرواقي الكهنوتي، فصار بولس المؤسس الحقيقي للمسيحية، وقد حولت رسائله وتاريخه الروماني كله إلى تأسيس دين جديد لا علاقة له برسالة يسوع المسيح. لقد نشأ بولس متأثرًا بالأفكار والأساطير والعبادات الوثنية، حتى باتت جزءًا من تاريخ المسيحية. ربط الرسول بولس الإيمان بيسوع المسيح على أساس قيامه من الموت ”وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُم”(1) الخطيئة التي ورثناها بسبب خطيئة آدم تحولت إلى هدف ديني جديد مستقل عن الشريعة اليهودية ومناقضاً لها، وإن كنا موجودين قبل أو بعد الخطيئة، لا تكون لنا علاقة بها كما ورد في سفر حزقيال: ”اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ”(2)

لقد ابتدأ بولس في أول عهده بالمسيحية، أنه أزال المعتقدات الدينية التي درج عليها اليهود ”بسبب فكرة البعث أصبح الإيمان أساس دين جديد لم يلبث أن انفصل عن اليهودية، واتخذ صورة الطريق الإلهي نحو النجاة، وبسببها تسربت آثار الأسطورة الشرقية القديمة التي تدور حول فكرة إله يموت ثم يبعث ليسير بأتباعه نحو حياة الخلد ... تحول مسيح يهودي ... إلى مسيح ومنقذ وابن الله.”(3)

وُلِد بولس في مدينة طرسوس، عاصمة ولاية كيليكية التابعة للإمبراطورية الرومانية، في أسرة يهودية. وتقع كيليكية في جنوب الأناضول وتمتد إلى السواحل الشمالية الشرقية للبحر المتوسط، وقد ازدهرت فيها المدارس اليونانية نظرًا لأهميتها في الدراسات الفلسفية. وكان معظم أساتذتها ينتمون إلى المذهب الرواقي، وبما أن بولس نشأ في مدينة ذات ولاء فكري للفلسفة، فقد نما لديه أسلوب تفكير فلسفي مميز.

كان الطريق التجاري بين أورشليم (القدس) وطرسوس مفتوحًا، وقد نشأ بولس في أرض يونانية، وكان كغيره من اليهود متعصبًا ليهوديته، فاضطهد المسيحيين وحاربهم. وقد شكّل تحوّله الشخصي إلى الإيمان بالمسيح قصة متناقضة في سردها؛ نسجها بنفسه أثناء رحلته إلى الشام ليجد له مكانًا بين أتباع المسيح. وقد لفت الأنظار إليه لحماسه وقوة أسلوبه، الذي تدرب على الحوار والجدل.

مثّلت مدن جنوب الأناضول وبلاد ما بين النهرين مركزًا لعدد كبير من الآلهة الوثنية، وكانت تحظى بمكانة كبيرة في تاريخ المعتقدات خلال الفترة التي عاش فيها يسوع المسيح، مثل الإله أدونيس في الشام، ومردوخ وتموز في بلاد الرافدين. وحتى الإله الفارسي "ميثرا"، الذي امتلك صفات إلهية عبدته الشعوب الهندية والإيرانية، وكان منبثقًا عنه الدين الزرادشتي، وقد ذُكر في أقدم الكتب المقدسة. وكان تموز يُعبد في المناطق التي عاش فيها بولس، وورد ذكره في سفر حزقيال كإله للموت والبعث، وكان طقس موته وقيامته من أبرز الطقوس الدينية في حضارة بلاد الرافدين، وقد امتلأت الأساطير السومرية بقصص عنه.

يشبه هذا التراث الوثني إلى حد كبير ما نادى به بولس حين نقل هذه العقائد إلى تعاليم يسوع المسيح. لقد اندمج هذا التفاعل الفكري بين الخيال المثيولوجي والفكر الفلسفي ليكوّن في عقل بولس تصورًا عن كيان بشري إلهي، يمزج بين الخيال والواقع. إنها نقلة عبقرية بلا شك، استطاع من خلالها تحويل المعتقد الوثني إلى صورة بشرية إلهية، رغم ما سببته من ضرر في جوهر العقيدة المسيحية.

وبحسب الأسطورة، وُلد ميثرا في 25 ديسمبر، وكان يُعد "ابن الشمس". وعند بلوغه، قَتل ثورًا في معركة، ثم قام من الموت وصعد إلى السماء على عربة من نار. وقد اعتمد مجمع نيقية عام 325م هذا التاريخ عيدًا لميلاد المسيح، حيث يصادف أطول ليلة وأقصر نهار، ومن ثم يبدأ النهار بالازدياد، أي النور. اعتمده الإمبراطور قسطنطين، أول من اعتنق المسيحية من الأباطرة، وأقره البابا ليبيريوس رسميًا عام 354م. وهو في أصله احتفال وثني، تم تحويله ليصبح عيد ميلاد المسيح.

نلاحظ أن فكرة موت وبعث الآلهة أصبحت تقليدًا شائعًا في المثيولوجيا الدينية للشعوب. وكان الاحتفال بموت تموز في موعد الانقلاب الصيفي من أبرز المعتقدات الوثنية التي يمكن مقارنتها بميلاد يسوع المسيح. فقد عانى كثير من الآلهة، ذاقوا الموت ثم عادوا للحياة، وهم يُعدّون خالدين في عالم علوي بعيد، لا تدركه حواس البشر، بل يتصل به الإنسان وجدانيًا. وهذا الشعور هو ما شكّل الرابط بين الإله والمُؤمن العابد، إذ يعتقد الإنسان أن خلوده ينبع من خلود إلهه.

من هنا، يمكن القول إن بولس سعى إلى تحويل التراث الوثني للآلهة إلى ميراث بشري في شخص يسوع المسيح. فهذه الخطيئة التي صارت المحور العقائدي عند الرسول بولس “مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إلى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إلى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ"(4) لقد خالف بولس التشريع الديني في تاريخ العهد القديم، ونصًب نفسه مشرّعاً خاصًّا، مفترضاً ان النفس لا تحمل أوزار وذنوب نفس أخرى، فلا يوجد مسوّغ أن يحمل الأبناء أخطاء آبائهم. إن تاريخ اليهود واضح لم يحمّل ذنوباً ارتكبها الآباء، ولم يوجب الناموس على الأبناء أن يدفعوا ديون آبائهم، هكذا لم يوجد مسوّغ أن تدفع البشرية خطيئة آدم، فلا ذنب لهم فيها. لو دققنا النظر في كامل كتابات الأناجيل الأربعة، لم نجد تعاليم يسوع المسيح في وجوب تسديد ذنب آدم من سلالته التي ورثت خطيئته، لكننا وجدنا كتابات بولس لم نلمس وجود يسوع المسيح وما أقره في هذا المعتقد المهم. ”بالإضافة إلى العديد من الأسئلة حول حقيقة أصول بعض تعاليم بولس، والتي تطرحها الشخصيات التاريخية، بعض لاهوتيي العصر الحديث أيضا ذكروا أن تعاليم بولس تختلف بشكل ملحوظ عن تعاليم يسوع كما وردت في الأناجيل”(5)

عند البحث في تاريخ العقائد الوثنية التي ترعرع عليها الرسول بولس في مدينة طرسوس، وجدنا العديد من الآلهة الحجرية يعود تاريخها إلى مئات السنين من أصول فارسية، يونانية، الإله هرقل ”سندان”: ”كان أبرز وثني في الأساطير الإغريقية في مدينة طرسوس، كان نصف إنسان ونصف إله والده الإله زيزس منحته والدته الخلود، بطل إلهي، فهذا الإله كان ضمن أنصاف الآلهة بين البشرية والوثنية، لم يكن مبدأ بولس في عقيدة الصلب والفداء جديدة العهد؛ أي لم تكن من مخترعات بولس، وإنما هذا ” الخلاص بتقديم أحد الآلهة ذبيحة فداء عند الخطيئة قديم العهد جدًّا عند الهنود الوثنيين وغيرهم ... يقدمون بروشا، وهو الذكر الأول قرباناً، جاء في كتاب التزيا برهمانا ... وكان الوثنيون يقدمون البشر ذبيحة أيضاً ... ذبيحة فداء عن الخطيئة ... وكان الرومان واليونان يقحمون أنفسهم ذبيحة للآلهة استرضاء لها ... في مصر صاروا يقدمون الابن البكر”...(6)

كانت الطقوس اليهودية ومفهوم الإله الواحد القوي جذاباً لعدد من اليونانيين الذين يعيشون في طرسوس، والذين مارسوا طقوساً يهودية معينة، وكرموا الإله اليهودي يهوه، لكنهم ظلوا وثنيّين. إن ما ينفي أو يثبت نزاهة الإنسان بما قال وأسند من قول فيما ادعاه أمام الملأ خاصة في قضية عقائدية خطيرة كادعائه النبوة ونزول الوحي عليه، فهذا ما يجعل الناس أمام موقف حاسم في تقرير حقيقة من ادعى، وإلا يكون هذا الإنسان بلا مبدأأ وليس لوجوده أو لكتاباته مهما أكثر منها لا قيمة لها دينيًّا وأخلاقياً، لنفحص ما قاله الرسول بولس في سفر الأعمال في نصين متناقضين بشكل لا يقبل التأويل على غير محمل، بما ادعاه عن نبوته، بحسب رواية بولس كيف اهتدى للمسيحية؛ أخبرنا أنه عندما اقترب بولس ورفاقه من دمشق وفي وسط النهار حدث أمر غريب في حياته لم يكن متوقعاً؛ إذ أبرق نور مشرق من السماء فسقط على الأرض وصوت يتحدث معه” شاول شاول لماذا تضطهدني” فقال من أنت يا سيد؟ قال أنا يسوع الذي أنت تضطهده، قم وادخل المدينة، فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل”، ودخل بالحال إلى مجامع اليهود وصار يبشـّر بالمسيح” هذه الرواية يدحضها العقل السليم، يبطلها الاستدلال وفقدان الدليل من الرجال الذين كانوا معه. لنفحص كلام بولس هذا مع رجاله الذين سافروا معه لنعرف حقيقة ادعائه: ”وَأَمَّا الرِّجَالُ الْمُسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا صَامِتِينَ، يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلاَ يَنْظُرُونَ أَحَدًا”(7) تناقض هذا النص في سفره: ”وَالَّذِينَ كَانُوا مَعِي نَظَرُوا النُّورَ وَارْتَعَبُوا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَ الَّذِي كَلَّمَنِي”(8) سمعوا الصوت لكن لم يشاهدوا أحداً، نظروا إلى النور لكنهم لم يسمعوا؟ فهذا بإجماع التفاسير رواية ملفقة، فهم لم ينظروا ولم يسمعوا؛ أي لم يروا المسيح، لذا فهم شهود نفي لرواية لا دليل على حقيقة وقوعها، ولا إثبات من قبل رجاله الذين كانوا معه. رواية كهذه رغم أنها لا ترقى لإقناع طفل صغير تحولت إلى حقيقة كونية يؤمن بها العالم المسيحي كلّياً. المتحدث هنا بولس تكلم عن نفسه، لقد أراد من خلال روايته إثبات صحة ادعائه، رغم محاولته التدليس على النص، لكنه في السفر نفسه نسي ما كتبه في الأصحاح 7 كي ينفي ما كتبه في الأصحاح 22 لقد أبطل بنفسه ادعاء نبوته. فهل نعتمد على كلامه كحقيقة كونية ورجاله الذين كانوا معه أنكروا ادعاءه؟ فهذا إقرار يبعد النزاهة والروحانية، ويثبت بشكل قاطع أسلوبا افتقد للمصداقية بهدف إظهار وجوده الشخصي كزعيم ديني أراد أن يحل محل يسوع المسيح. وهذا ما فعله بولس، بقي ساعياً يتجول في رحلاته التبشيرية كي يثبت أن عقيدة يسوع المسيح شأنه الشخصي. برواية أخرى ادعى أنه ارتقى إلى السماء، افتقدت هذه الرواية كذلك مصداقية حدوثها لقد قال عن نفسه: ”أعرف إنسانا في المسيح قبل أربع عشرة سنة أفي الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لست أعلم، الله يعلم اختطف هذا إلى السماء الثالثة وأعرف هذا الإنسان أفي الجسد أم خارج الجسد لست أعلم، الله يعلم أنه اختطف إلى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوع لإنسان أن يتكلم بها”(9) فهذا الاعتراف عن نفسه، اختطف إلى الفردوس. لـفق رواية بطريقة ساذجة ” أفي الجسد أم خارج الجسد؟ كما يبدو لنا منطق لا يركن إليه العقل، فهو لم يعرف ماذا حل به، يجعلنا نفكر باضطرابه الذهاني، تماماً كما تعرض لحالة ذهانية عندما كان في طريقه لدمشق مع الرجال الذين أنكروا رواية سماعه الصوت ورؤيته للبرق. فبماذا تختلف هذه الرواية عن تلك؟ إذا كان من ادعى عنهما أنهما شاهدا وسمعا لم يشاهدا بريقاً، ولم يسمعا صوتاً، فكيف سيكون ادعاء اختطافه للفردوس حقيقة، ولم يشهد له أحد بذلك؟ إن الصعود إلى السماء حالة وثنية تعود لتاريخ معتقدات امتدت آلاف السنين، سواء بعد الموت أو صعودهم، وهم أحياء: ”يعتقد وثنيو الهند بقيام کرشنا من الموت وبصعوده إلى السماء بجسده وأنه لما كان صاعداً ظهر نور أضاء الأرض والسماء وكان محيطاً به أرواح سماوية/ وكان نور تلك الليلة التي قام فيها من بين الأموات كالنور الذى ظهر حين ولادته في بيت فسودينا وأن نوره تبعه إلى الفردوس وشاهده الناس، وقالوا: هو ذا كرشنا صاعداً إلى وطنه في السموات..”(10) يذكر باري ويلسون Wilson Barrie باحث كندي في العلوم الإنسانية والدراسات الدينية، أن بولس يختلف عن يسوع من حيث أصل رسالته، وتعاليمه وممارساته(11) وهو بذلك جنح بها إلى تاريخ قديم سابق خالف بشكل شديد تاريخ اليهود الذين ألغوا تاريخ الوثنية في الإله مردوخ، ودخلوا في علاقة جديدة مع إله موسى. كتب بولس 14 رسالة معظمها خلال رحلاته التبشيرية إلى أهل غلاطية، تسالونيكي، كونثوس، أهل رومية، كولوسي، فيليبي، تيموثاوس، والرسالة إلى العبرانيين، جميعها رسائل خالية من تعاليم المسيح، فهي تعاليمه الخاصة به، بأفكاره وقناعاته وميوله الدينية، فلم يتطرق إلى حياة المسيح، وهي رسائل بعيدة عن لغة المسيح، فلقد كان المسيح يتحدث باللغة الآرامية، وكانت رسائل بولس باللغة اليونانية، فلم يتم الاعتراف بهذه الرسائل إلا في سنة 325 ميلادي في مجمع نيقية؛ أي بعد مضي قرون على كتابتها. رسائل ركزت على المحتوى اللاهوتي والفكري لعقيدة الدين المسيحي، فهي النص التشريعي للدين المسيحي، عند مقارنة رسائل بولس وتعاليم المسيح، سنجد اختلافاً واسعاً، ليس هناك علاقة تربط بين تعاليم يسوع المسيح والرسائل الشخصية لبولس. تضمت عقيدة بولس ”الخلاص”، وهي العقيدة المركزية فلقد وضع كل أعمال يسوع على محك عقيدة الخلاص، وأضاف من خياله الخاص أعمالا لم تكن ضمن أعمال المسيح. لقد كتب في سفر أعمال الرسل أن يسوع المسيح هو المخلّص وأنه ابن الله، هكذا صار المسيح المشروع الفكري والعقائدي لبولس ليرسم منه شخصية الله المتجسدة فيه، فهو ابن الله من أجل خلاص البشر. وكي يتم مراده في تفرده بالديانة المسيحية اختار طريق خروجه من أورشليم، وهو في طريقه إلى دمشق مدعياً أن المسيح ظهر إليه شاكياً اضطهاده.

لقد غيّر بولس شريعة العهد القديم في مسألة الصلب، وحاول تحويل لعنة الصلب والمصلوبين إلى "صلب الفداء" ككفارة عن الخطيئة. آمن بولس بالتعميد من خلال غطس جسد المخلّص في الماء، ولحظة خروجه تُعدّ رمزًا لقيامته من الموت إلى حياة جديدة. هكذا تمكّن بولس من تثبيت معمودية المسيح، مبشّرًا بموته وقيامته من بين الأموات.

 

نقل بولس المسيحية من دين التوحيد إلى عقيدة التثليث، ودعا إلى ألوهية المسيح وألوهية الروح القدس. وقد ادعى أن كل ما جاء به من اجتهادات في المسيحية كان نتيجة لوحيٍ نزل عليه، وأنه رأى المسيح رغم أنه لم يلتقه في حياته.

ويتفق العديد من الباحثين في شأن المسيحية على أن الكراهية كانت دافعًا لبولس في سعيه لهدم المسيحية من داخل تعاليمها، فكان يهدم المعتقد من خلال مظاهر إيمانية خادعة، محوّلاً إياها إلى كهنوتٍ غريبٍ متناقض، وقد نجح في ذلك حتى تمكّن من تأسيس العديد من الكنائس.

لم يخبرنا تاريخ المسيحية أن بولس استشار تلاميذ المسيح في التعاليم التي بشّر بها الناس، حتى إن تعاليمه التي قدّمها لليونانيين وصلت إليهم عن طريقه وحده، دون أن يعلموا حقيقة تعاليم المسيح. الأمر المؤسف أن تعاليم المسيح كانت شفهية، بينما كانت تعاليم بولس رسائل مكتوبة، فلم تُحفظ تعاليم المسيح؛ إذ انتهى عصر ذلك الجيل الذي سمع وتعلّم منه، في حين بقيت تعاليم بولس هي السائدة، حتى أصبحت الإطار الشرعي لمجموعة العقائد التي أسست الكنيسة.

لقد وقعت شريعة العهد الجديد أسيرةً لتعاليم بولس، فكان تأثيره جوهريًّا؛ إذ سبقت كتاباته تدوين كتابات تلاميذ المسيح. هؤلاء تأثروا برسائله التي كُتبت قبلهم، فصاغوا منها جوهر عقيدتهم، معتقدين أنها تمثل عقيدة يسوع المسيح. لقد فات الأوان لإنقاذ المسيحية من رسائل وتعاليم بولس؛ إذ تمكّن من تأسيسها بالشكل الذي أراده.

اليوم، يعرف العالم المسيحي أن التعاليم التي تُقرأ، والطقوس التي تُمارس، والوصايا التي تُنشر، تعود في جوهرها إلى بولس. فكل ما يُنسب إلى المسيحية اليوم هو في الواقع تعبير عن ديانة جديدة أسسها بولس، وهي التي انتشرت وأصبحت واقع العالم المسيحي وستبقى كذلك.

بحسب روبرت ماكنير برايس (Robert McNair Price)، أستاذ الكتابات النصية في مركز التحقيق والفلسفة والدين في مدرسة جونّي كولمن اللاهوتية في ميامي، فإن دوره المتشكك في تاريخ المسيحية وعلم الأساطير قد أثار الانتباه، وأشار إلى أن ”رسائل بولس تكشف عن نفسها للقارئ الفطن أن لديها بالضبط نفس النوع من القيود التي لدى الأناجيل كلًّا منهما تجميعات من الشظايا وقطع من النصوص ساهم بها واختلقها مؤلفون ومجتمعات مختلفة جدًّا من حيث الميول اللاهوتية”(12) إن الارث اللاهوتي الذي اختلقه بولس ينم عن وثنية متأصله في تفكيره وتربيته، حتى صار أسلوب حياة لم ينفصم عنه إلى أيام عمره الأخيرة قبل إعدامه، فولادة إله وثني من عذراء وتحويله إلى طبيعة بشرية كان الهدف الأسمى والشديد الذي سعى إليه بولس في إثبات حقيقة حدوث تاريخ لاهوتي جديد بشخص المسيح، منطلقاً من التاريخ الوثني اليوناني الذي حوّل اللوغوس Logos الكلمة أن تكون فكراً بشريًّا ألبسه شكلا ناسوتياً ليحل محل التفكير الأفلاطوني في خياله مع الفكر الغيبي. لهذا، فالإله المخلّص الذي اختلقه بولس تحول إلى مبدأ عقائدي جعله بولس طريق حياته كلها مؤكداً تفرده بهذا المبدأ الذي أحجم عن التفكير أو الإتيان به أصحاب الأناجيل الأربعة من تلامذة المسيح: ”لقد اعتقد سكان سيام بإله ولد من عذراء يدعونه الإله المخلص واسمه بلغتهم كودم، وأمه فتاة عذراء حسنة المنظر أتاها وحي من الإله، فهجرت الناس وذهبت إلى الأحراش التي قلّ أن يجتاز بها الناس وانتظرت الحمل بالإله، كما أتاها الوحي وفي يوم من الأيام بينما كانت تصلّي حبلت من أشعة الشمس التي وقعت عليها، وعندما أحست بالحمل ذهبت من هنالك إلى شاطئ بحيرة ما بين سيام وكبوديا، وهنالك وضعت غلاما سماوياً ولما شب صار مثال ومنبع الحكمة وفعل العجائب”(13) بهذا الإيمان الوثني ثبـّت بولس تاريخ المسيحية. لقد أبعد بولس تاريخها الروحاني من شكله التوراتي إلى خرافات الأساطير التي ذهبت برسالة المسيح، وطمست ما استطاعت أن تطمسه من وثائق ديانته وتاريخ أتباعه الأوائل إلى إرث وثني غير مقبول، فتحولت إلى طقوس كهنوتية ممقوتة تعبث بها الخرافات والتصورات ذات التراكيب الوثنية. لقد تمتع بولس بخاصية الكذب والنفاق بشكل لم يعهده أحد في تاريخ مساوئ الأخلاق، فهو من أكثر الناس تحايلاً في استدراج المواقف لصالحه، الأمر الذي لا يجوز فعله عند المؤمن، فهذا اعتراف واضح في رسائله ”فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ. وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ للهِ، بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ”(14) فهل من يتكلم بطريقة نفاق وكذب، وهو يعرف بكذبه ونفاقه أن يكون حقًّا قد خطفه الله لسمائه الثالثة وأنزل عليه الوحي؟ إن الرجل يبرر الكذب كما جاء في رسالته إلى أهل رومية في الأصحاح 3: "فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟ هل يحتاج الله لكذبه كي يزداد ايمانهم به؟ فهذا أسلوب لا يتماشى مع رجل مؤمن برسالة يسوع المسيح. يظهر تجاوز بولس على الذات الإلهية واضحاً ومتناقضاً لرسالة يسوع المسيح في العديد من رسائله، مما يجعله خارج إطار اللاهوت المسيحي، ولم يمثل حقيقة رسالة يسوع؛ فعلى سبيل المثال في رسالته إلى أهل رومية ”وأمّا الآخَرونَ، فأقولُ لهُم أنا لا الرّبّ: إذا كانَ لأخٍ مُؤمنٍ اَمرَأةٌ غَيرُ مُؤمِنَةٍ رَضِيَتْ أنْ تَعيشَ معَهُ، فَلا يُطَلّقْها”(15) لقد كان رد العهد القديم على فقرة بولس: ”هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: لاَ تَسْمَعُوا لِكَلاَمِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَكُمْ بَاطِلًا. يَتَكَلَّمُونَ بِرُؤْيَا قَلْبِهِمْ لاَ عَنْ فَمِ الرَّبِّ”(16) بحسب تفسير هذه الفقرة في سفر ارميا للقمص تادروس يعقوب للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، قال:هذا النص فيه التأديب الإلهي يوبخ الرعاة الأنانيين والأنبياء الكذبة وكل القيادات الفاسدة؛ فالله يتسلم رعاية شعبه بنفسه. فبولس قال: ”أقول لهم أنا، لا الرب” الرد كان بحسب الكتاب المقدس ”يتكلمون برؤيا قلبهم لا عن فم الرب” بهذا تكون نبوة بولس قد سقطت، فهو لم يعمل بحسب الكتاب كما أخبرنا سابقاً. لو تأملنا العمل التطوعي الذي قام به بولس، متنقّلًا في أعماله التبشيرية، وهو يقدّم لاهوتًا لا علاقة له بتاريخ المسيحية، لأدركنا ما أراد أن يخبرنا به الباحث الفرنسي إتيان جيلسون (Étienne Gilson) ”أن نتغاظى عن وعظ وكرازة القديس بولس عن النعمة واللطف الإلهي التي سينبثق منها المذهب الأوغسطيني وأن نختصر إنجيل القديس يوحنا، وأن نتجاهل نظرية الكلمة word التي عرضها في افتتاحية إنجيله”(17). إنها المسيحية العملية التي تخلو من أي عنصر نظري. أشار إتين جلسون، الفيلسوف المؤرخ للفلسفة الفرنسية، باحث ومفكر في الفلسفة المسيحية، إلى وقوع المسيحية داخل الفكر الفلسفي مما أخرجها عن مسارها الروحاني، وجعلها فريسة بيد منظّرين أمثال بولس ويوحنا، حيث أبعدوا المسيحية عن إطارها الصافي وعن امتدادها الطبيعي لتاريخ العقيدة اليهودية في العهد القديم. إن بولس وغيره أمثال يوحنا أسسوا الفكر اللاهوتي المسيحي، وأن الأجيال التي جاءت من بعدهم استخرجوا نتائج نظرياتهم، حتى إن كلمة الرسول لا تطلق إلا على بولس دون غيره. إن الأجيال التي عرفت وسمعت عن تاريخ يسوع المسيح لم تتمثل أفكارهم بشخصية إلا وقرأوا نهجاً فكرياً تحدق فيه بولس بدل يسوع المسيح، نحن بهذا، نرى شخصية تاريخية تمثلت بيسوع المسيح، لكنها فكراً لاهوتياً تمثل بالرسول بولس في الحياة المسيحية داخل وخارج الكنائس. مما يزيد الأمر وضوحًا، أن الباحث الفرنسي إتيان جيلسون أشار إلى أن تأثير بولس السلبي في تاريخ المسيحية تمثل في انبثاق المذهب الأوغسطيني منها. فما هو هذا المذهب؟ إنه السوتيريولوجيا (علم الخلاص)، الذي يتمحور حول فكرة الخلاص الروحي. لقد بدأت هذه العقيدة في الديانة البوذية، بهدف تحرير الروح من العبودية للمادة، حيث يُنظر إلى الخلاص على أنه حالة من الانطفاء الكامل، لا يعيش فيها الإنسان في العالم المادي، بل يقتل شهواته ويتحرر من الماديات، فيتخلص من رغبات الجسد، ويمنحه الله الخلاص. لقد تسربت هذه التعاليم إلى العديد من الفلسفات والديانات، كالهندوسية، واليونانية، والزرادشتية، مما يجعلها عقائد ذات مصدر وثني. وقد انتشرت هذه المعتقدات في ديانات بلاد ما بين النهرين، حتى وقعت المسيحية فريسة لها على يد بولس، الذي حولها إلى عقيدة الصلب، والتجسد، والفداء، وجعل من دم المسيح وموته وقيامته من بين الأموات أساسًا للخلاص. أما الشكل الطقسي الذي يتمثل في تقديم يسوع المسيح قربانًا لفداء البشر، من خلال شرب دمه وأكل جسده (رمزيًا في الكنائس)، فهو امتداد لفكرة وثنية صاغها بولس، وأدخلها في التاريخ اللاهوتي للمسيحية. لم يكن هذا هو ناموس يسوع المسيح، الذي عاش يهوديًّا ومات من أجل شريعة موسى، واستمر في السير ضمن تاريخها. إن هذا المعتقد يخبرنا، في حقيقته، عن أصل وثني دخيل على المسيحية، لنفهم معاً: ”... كيف كانت الوحدة تتم بين المؤمن والمنقذ في عبادات مختلف الآلهة المنقذين ... طقسين يثيران الانتباه، وهما التعميد بالدم ومأدبة القربان. إننا نجد عبادة الفريجيين للآلهة سبيل وللآلهة اتيس كما نجد بعض الديانات الآسيوية الأخرى تلك التي تؤمن بالإله ميثرًا... يحفر من أجله خندق فينزل فيه المريد ... يذبح عليها الثور وينهمر الدم في الحفرة فيتلقاه الذي بها يغمس فيه سائر جسمه وبعد إتمام التعميد تنزع أعضاء الذكر من الأضحية .. تقدم قربانا للآلهة”(18) إن أي مسيحي في العالم لو فكّر قليلاً وتعمق في الطقوس الكنائسية التي يستحضر فيها المسيح، بجسده ودمه سيشعر بقلب المؤمن الواعي أن تأسيس دين سماوي بهذا الشكل الوثني لا يقبله الله، ولا يسوع المسيح، وأن بولس الذي قلبَ تاريخ المسيحية إلى علاقة وثنية تعبدية لا ينبغي أن يتقبلها المؤمن. إن بولس هو مَـن أعطى المعنى الفلسفي الوثني لعقيدة كانت سائدة في عصره، ولم تكن الأناجيل عبر تاريخها الطويل في العهد القديم ولا في تاريخ الآباء الأوائل ولا تلامذة يسوع من أقرّ طقساً وثنيًّا أن يكون ضمن خدمة يسوع الرسالية. لقد بات التعميد هدف الانتساب الرسمي للكنائس في العالم المسيحي، فلا يكون مسيحياً من رفض التعميد. صار العماد قيامة للروح والجسد كموت يسوع المسيح وقيامته فهو عماد شراكة المسيح، وهذا انتهاك لرسالته التي رأى فيها أن صالح الأعمال أساس الحياة الأبدية لقيامة الروح والجسد، وليس من خلال موته وقيامته. إن تاريخ الرسل بأكمله وفي كل أسفارهم عبر آلاف السنين لم يصرح للمعتمد بغفران الخطايا لولادته مرة ثانية ولادة روحانية جديدة، وكأنه انتقل من العدم إلى الوجود ليكون ابن الله، فهذا تعليم كنائسي ألغى دور الله في تثبيت إرادته الكونية كخالق كلي القدرة؛ ذلك أن المعمودية وضعت الله بما تريده الكنائس في اختيار طريقة المؤمن وعلى الله المثول لما تراه. إن تلك الشعائر والطقوس الدينية لم تقدم أي دليل حي حقيقي لتعاليم المسيح خلال خدمته على الأرض، فتلك المعاني والأسرار هي فقط ما كتبه بولس في رسائله. إن أوجه التطابق الشامل بين ما دعاه بولس في تشويه القيم الروحانية للمسيحية وزجها في أتون خرافات الوثنية الهندية اليونانية حتى تفرد بولس بها لوحده، فهو: ”مؤسس هذه المسيحية، إن الأسطورة الأساسية في هذا الدين الجديد تقول بموت كائن إلهي للتكفير عن خطايا البشر، وإن الخلاص الوحيد هو الإيمان بهذه التضحية والتوحد الديني بها، لقد استقى بولس بعض ذلك من المصادر الهلينية وافترى هذا الدين، كما خلط ذلك بما استوحاه من الغنوسية والأديان الباطنية ... إن صهر هذه العناصر المهرطقة بعناصر يهودية ومزجها بكتابات يهودية أعيد تأويلها وتقديسها أدى إلى ابتداع خليط فريد، وقد كان بولس وحده وراء ذلك”(19) هذه هي العقيدة التي أرادها بولس لرسالة المسيح السماوية، وثنية، قيامة من الموت بعد الصلب، إله بشري تجسد في إله سماوي، ارتدى الناسوت وأهان اللاهوت على الصليب، متوسلاً خاضعاً. إن أول ما يُبطل هذه العقيدة بسرعة هو التأمل في صلب يسوع؛ فرغم صلبه، استمرت البشرية في آثامها. فلا كفارة أزالت الخطايا، ولا مسيح جديد جاء ليفتدينا بدمه. لأن الخلاص، في حقيقته، ليس بالدم المسفوك، بل بما يقدمه المؤمن من عمل صالح—تلك الشريعة التي عاش يسوع المسيح من أجلها، وأراد إكمالها. فهل أتمّ دوره؟ كلا، لأن بولس نجح فيما أراد، وحقق هدفًا وثنيًا ظل خالدًا في تاريخ المسيحية.

إن من يبحث عن كلمة الله، لا يطلبها في منابع الوثنية والأحكام الفلسفية، ولا في أساطير علاها الغبار، عله يجد فيها ما يوافق هواه ليؤمن. لقد صاغ بولس تاريخًا مجهولًا للمسيحية بمقولات ملفقة، شكّلت تشويهًا وتحريفًا للعقيدة، على النحو الذي أصبحت عليه طبيعة المجتمعات المسيحية اليوم. إنها مسيحية ملفقة، منسوجة على يد بولس الوثني، الذي قطع جذورها الروحانية الصافية، وألبسها معتقداته الوثنية السائدة في عصره.

فقد غرقت معالم المسيحية في الأساطير، وفي تراث التفسيرات الفلسفية اليونانية والهندية والفارسية. لقد وُلدت المسيحية الحاضرة مع بولس، وأصبحت تعاليم المسيح لا تُذكر إلا كأثر من آثار فرقة يهودية اندمجت في تيار من العقائد القديمة. أما مسيحية بولس، ذات الطابع الهيليني-اليوناني، فهي شيء مختلف تمامًا: لاهوت جديد، غيبي، خرافي، لا يمتّ إلى رسالة يسوع بصلة.

وقد عاصر بولس فيلون الإسكندري، الفيلسوف اليهودي، في وقت كانت فيه مصر ولاية ضمن الإمبراطورية الرومانية. وكان فيلون قد طوّر النصوص المقدسة اليهودية لتتوافق مع الفلسفة اليونانية، مما يوضح المناخ الفكري الذي تأثر به بولس، وأسهم في تشكيل رؤيته اللاهوتية، كان هذا الاندماج الفكري مصدر انبعاث لاهوت جديد غريب الأطوار في المسيحية الناشئة ”فاقتبس بولس الكلمة المتجسدة Logos التي أطلق عليها فيلون ”ابن الله”، فصارت المسيحية ضحية أفكار صوفية غامضة استطاع بواسطتها بولس أن يُبعد المسيح الواقعي وأقواله وتعاليمه ليحل محله مسيح خيالي جمع التعاليم الوثنية واليهودية والفلسفية حتى أصبحت مسيحية دينية ميتافيزيقية”(20) فحلت بنوة المسيح من الشكل التديني عند اليهود ”على كل من وضعت التقوى عليه” فهو ابن الله، إلى الشكل اللاهوتي الاندماجي في الطبيعة الإلهية عند بولس، فصار يسوع هو الشكل الإلهي في ناسوته البشري، في بنوة لا انفصام فيها يكون يسوع المسيح هو الله ”الكلمة” المتجسدة. إن تفسيره للمسيحية في المعتقدات اليونانية، كان بالشكل الذي تقبلوا فيه دعوته بما تتلاءم مع طريقة تفكيرهم وفهمهم للاهوت فليون الإسكندري. لقد أنشأ بولس لاهوتاً لا أسانيد فيه غير مفاهيم اللاهوت اليوناني مسبغاً عليه نهجاً عقائدياً كنائسياً مازال ليومنا هذا حافلاً بعقيدة بولس هي المسيحية التي حلت محل يسوع المسيح.

 

المراجع ومصادر البحث:

1 1 كورنثوس 15 :17

2 سفر حزقيال 18 : 20

3 المسيحية نشأتها وتطورها، شارل جينيبير .... ص 52

4 12:رومية 5

5 Maccoby, Hyam, The Mythmaker: Paul and the Invention of Christianity (Harpercollins, October 1987), p. 14

6 ص 29-30، العقائد الوثنية في الديانة النصرانية. محمد طاهر التنير. دار الشواف للنشر، مصر. القاهرة. دار الشواف، الرياض العليا شارع الثلاثين.

7 أعمال الرسل 9 : 7

8 أعمال الرسل 22 : 9

9 –رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس، أصحاح 12

10 – العقائد الوثنية في الديانة النصرانية. محمد طاهر التنير،محمد محجوب. ص 105. دار الشواف للنشر.

11- Wilson, Barrie A. (2008). How Jesus Became Christian. New York; Toronto: St. Martin's Press. chapters 9, 10, 12

12 - Robert M. Price, The Amazing Colossal Apostle, (Signature books, 2012) p.viii. 978-1-56085-216-2

13 – العقائد الوثنية في الديانة النصرانية. محمد طاهر التنير، محمد محجوب، ص 53. دار الشواف للنشر.

14 –رسالة كورنثوس الأولى أصحاح 9- 20 : 22

51 – رسالة كورنثوس الاولى 7 الفقرة 12

16 – سفر ارميا 23 : 16

17 – ص 38، اتين هنري جيلسون، روح الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط، ترجمة عبد الفتاح امام. جامعة الكويت. مكتبة مدبولي.

18 –المسيحية نشأتها وتطورها – ص 75

19 – بولس وتحريف المسيحية، هيم ماكبي، منشورات المعهد الدولي، للدراسات الإنسانية، من اجل الحقيقة 3، ص ص 29 -30. ترجمة سميرة عزمي.

20 – بولس والمسيحية، ص 60، دكتور محمد ابو الغيط، طبعة اولى 1980 م، دار الطباعة. القاهرة.


مقالات ذات صلة

المزيد