محاضرة الأستاذ عبد المجيد الشرفي: ''مرجعيّات الإسلام السّياسي''

فئة: أنشطة سابقة

محاضرة الأستاذ عبد المجيد الشرفي: ''مرجعيّات الإسلام السّياسي''

الأستاذ عبد المجيد الشرفي يتحدّث عن: ''مرجعيّات الإسلام السّياسي''


في إطار أنشطته الفكريّة، نظّم المنتدى الفكري لمؤسّسة مؤمنون بلا حدود بالتّعاون مع رابطة تونس للثقافة والتعدّد بمقرّها بتونس العاصمة الثلاثاء الثامن من يوليو الجاري لقاء مع الأستاذ الدكتور عبد المجيد الشرفي، لتقديم أحدث كتبه: "مرجعيات الإسلام السّياسي". وقد شهد اللقاء حضوراً مكثّفاً لعدد من المثقفين والأكاديميين التونسيين، كما عرف اهتماما إعلاميّا خاصّاً.

كلمة الأستاذ احميدة النيفر:

أشار الأستاذ احميدة النيفر في كلمته، بعد التّرحيب بالضّيوف وبالأستاذ الشرفي، إلى أن هذا اللقاء يتنزّل في إطار مواصلة البرنامج الرّمضاني الذي يقوم على الاحتفاء بالكتب حديثة النّشر، والتي تلامس القضايا الحيّة، وبيّن بأنّ ذلك يعتبر إسهاماً في إعادة بناء الذات اعتماداً على بناء الفكر والثقافة.

كلمة الأستاذ طاهر بن يحيى:

تناولت الكلمة التّعريف بالأستاذ الشرفي والإشارة إلى مسيرته العلمية والأكاديمية، كما تطرّقت بعد ذلك إلى الكتاب ''مرجعيات الإسلام السياسي''، فبوّبته ضمن أهم الكتب المؤثّرة في المسار التّاريخي والفكري العربي الإسلامي، بالنظر إلى أهمّية القضايا التي يطرحها والإشكاليات التي يثيرها، إضافة إلى المواقف والتأويلات التي يحتوي عليها، والتي تحتاج بدورها إلى مساءلة ومراجعة متواصلة.

كلمة الأستاذ نادر الحمامي:

اهتمت الكلمة بسؤال: إلى من يتوجّه هذا الكتاب؟ ولم تُرجّح أنّه يتوجّه إلى الجماعة العلمية الأكاديميّة بقدر توجّهه إلى القارئ عموماً دون تحديد مسبق لطبيعته أو انتمائه أو قناعاته الفكريّة والإيديولوجيّة. ولذلك، فهو كتاب يُقرأ بسهولة. ثم أنّه لا يعدّ ردّة فعل على بعض التّحولات السّياسية والاجتماعيّة التي جدّت في تونس أو خارجها، وإنّما هو يبوب في إطار التّفاعل أو المرور من الانفعال إلى الفعل، ومساءلة ما يُعتقد بأنّه من الثّوابت ولا يمكن الانزياح عنه.

كلمة الأستاذ عبد المجيد الشرفي:

قدّم الأستاذ الشرفي الكتاب من الناحية المادية، وبين أن دواعي تأليفه كانت تعود إلى فكرة المساهمة في سلسلة كتب موجزة ومبسّطة وقريبة من شرائح اجتماعية وثقافية واسعة، ولذلك فقد احتفظ فيه بالأسلوب الشفوي، ولم يرد أن يقحم فيه إحالات إلى مصادر تراثية أو نظريّات إلا نادراً. وبيّن أن هذا الكتاب ليس له من أهداف سوى المساعدة في إيجاد الحلقة المفقودة التي يشتكي منها العديد من الدارسين والباحثين؛ أي تلك الحلقة المفقودة بين أهل الاختصاص والقراء من غير المختصين من الذين كانوا يحاولون متابعة مشروعه الفكري، ولم تكن لديهم أدوات القراءة للعمل الأكاديمي.

وبين الأستاذ الشرفي أن الكتاب يتموضع في مفترق بين الفكر القديم والحديث، وينطلق من تساؤلات عديدة تضع في الاعتبار القطيعة الحاصلة في الفكر العربي الإسلامي بين فكر أنتج في عصر غير عصرنا وفكر آخر أنتج من طرف معاصرين، وقد أشار إلى أن هذه القطيعة لا تبدو منطقية، ففي حين يباشر المفكّرون الغربيّون تراثهم الديني المسيحي ولا يقعون في تلك القطيعة التي تولّد نوعاً من الفصام الذهني، يعاني العرب والمسلمون، ممن يحاولون التوفيق بين التّراث القديم والعصر الحاضر، نوعاً من التمزّق الذي ينعكس على ردود الفعل تجاه تلك المعادلة إما بالرفض المطلق لما قاله القدماء، وإما بتبنّي المقولات القديمة التي أنتجت في ظروف غير ظروفنا.

وقد أشار الأستاذ الشرفي إلى أن وراء هذا الكتيّب أزمة معرفية، حاول أن يخرج منها بطريقته التي توخّى فيها الصّدق مع النفس قبل الصدق مع القراء دون تحسّب مما يمكن أن يواجهه، قائلاً: ''لا أعير أهمية لردود الفعل، وخاصّة إذا لم تكن مبنيّة على التّفكير، وتكون عاطفيّة وأساسها الانفعال''.

وقد بين الأستاذ الشرفي أن هذا الكتاب يعبّر عن رغبة قديمة لديه، وهي الطّموح إلى إنشاء مركز للبحوث الدّينية، ليحقق غايات مهمّة من قراءة التّراث، يقول: '' إن إنشاء مركز مستقل للبحوث الدّينية هو مشروع متأكّد اليوم، ويجب ألاّ يقتصر على نشر البحوث، بل ينبغي أن يتوجّه إلى الجمهور العريض بغضّ النّظر عن اختلاف مستوياته''. وأكّد أن مثل هذا المشروع يمكن أن يلعب دوراً ثقافياً وسياسياً في توجيه المجتمع نحو الحلول التي تستجيب لمتطلبات عصرنا ومتطلّبات الوفاء لموروثنا.

النّقاش:

دار نقاش مكثّف من طرف الحضور، تناول العديد من المسائل التي تضمّنها الكتاب، وامتدّ إلى المنهج العام لكتابات الأستاذ الشرفي عموماً، وعقّب على توجّهاته الفكرية واختياراته المنهجيّة، ويمكن أن نجمل بعض تلك النقاط في الآتي:

ذهب متدخّلون في النقاش إلى التساؤل عن القيمة العمليّة الحقيقيّة لمثل هذه الدّراسات والبحوث الأكاديمية، وعن مدى تأثيرها في الواقع العملي للإنسان المسلم اليوم، وبالتّالي فإن ذلك يطرح تساؤلاً عميقاً عن الجدوى العمليّة للإنتاج النّظري في العلوم الإنسانية عموماً، وكيف أن ما يكتبه مفكّرون كبار يظلّ بعيداً عن تقديم الحلول الكفيلة بتغيير الواقع الرّاهن العربي والإسلامي الذي يشكو من أزمات عديدة.

واتّهم بعض المتدخّلين الخطاب الذي أسس له الأستاذ الشرفي بالعداء الصّريح للدّين، وأشاروا إلى امتداد هذا العداء في المدرسة الفكرية التي أسّس لها الشّرفي، والتي غدت مؤثّرة بدورها في المشهد الفكري والأكاديمي بالجامعة التّونسية، ممّا عمّق الطّابع الإقصائي لكل ما يتعلّق بالتأسيس على الدّين، والانطلاق منه سياسيّا وفكريّا.

كما أشار متدخّلون إلى الميل ''الصّريح'' في كتاب الشرفي الأخير، كما في كتاباته العديدة، إلى مهاجمة تجربة الإسلام السّياسي، والوقوف حيالها موقف النقيض الإيديولوحي، وتساءلوا عن الدّوافع الحقيقيّة، الظاهرة والخفيّة، التي تقف وراء هذا الموقف من التّجربة السّياسية التي خاضتها الحركات الإسلامية في العالم العربي. وهل ما إذا كان ذلك يعود إلى أسباب سياسيّة انتمائيّة أو حزبيّة غير معلنة بالضّرورة في خطاب الأستاذ الشرفي.

وأشار بعض المتدخلين في النقاش إلى ما يرونه عدم اعتراف، في كتابات الأستاذ الشرفي عموماً، بتطوّر الخطاب السّياسي للحركات الإسلامية، والإبقاء على ذات الأفكار المسبقة القديمة في التّعامل مع الإنتاج الفكري والسّياسي لأعلام إسلاميّين في السّاحة السّياسية التّونسية، وتساءلوا هل ما إذا كان ذلك يعود إلى تضارب حقيقي بين الاختيارات التي تستند إليها رؤية الأستاذ الشّرفي التي ''تدّعي'' لنفسها الحداثة، مع الاختيارات التي يميل إليها الخطاب السّياسي الإسلامي، والتي تربط مفاهيم الحداثة بعاملي الهويّة والانتماء.

ردّ الأستاذ الشرفي:

بيّن الأستاذ الشرفي أن الغاية التي رمى إليها هي غاية قارة فيما أنتج من كتابات، وهي أن يفكّر القارئ بنفسه لا بغيره، وأن هذا هو الهدف ومن الطبيعي أوّلا أن تتعدّد التّأويلات والقراءات، وثانياً ألاّ يكون هناك رضاء كلّي من القارئ الذي ينتظر حلولاً عمليّة، لأن الحلول العمليّة التي تأتي في مرحلة لاحقة هي نتيجة الإرادات الحرّة لا الحلول المُمْلاة، وقد عبّر عن ذلك بقوله: "إن النّقد الذي أقوم به إنّما الغاية منه هي حمل القارئ على أن يبذل جزءاً من الجهد الذي بذلته في هذه القضايا"..

وبين الأستاذ الشرفي أن هناك خلطاً، متوقّعا وسائدا بكثرة، بين الدّين والتّدين، فإذا ما توجّه النّقد إلى أشكال التّدين في الماضي والحاضر فلا يعني ذلك نقداً للدّين، وأكّد على أن موقفه هذا ليس من باب التقيّة قائلاً: ''لأنني - بصفتي مسلما- أعتبر أن إسلامي يفرض علي أن أواجه هذه الأشكال بالنّقد وخاصة لأنّها أشكال منسجمة مع بيئة تاريخية لم تعد موجودة اليوم".

وأشار الأستاذ الشرفي إلى أنّه، رغم عدم انتمائه السّياسي لأي حزب من الأحزاب سواء من قبل أو الآن، لا يخفي اختياراته السّياسية أو المجتمعيّة، فقد كان من المحرّرين للكتاب الأبيض الذي صدر منذ أيام، والذي يركّز على أهمّية الدولة في تونس اليوم، وهو اختيار يمكن أن يناقش ولكن له مبرّراته بالنسبة إليه، وقد ردّ على الرأي الذي اتّهمه بالانحياز قائلاً: '' أنا منحاز إلى التقدّم ومنحاز إلى العقلانية، لأن الله مكّننا من ملكة العقل لإعادة النّظر فيما أقرّته ومراجعته".

وقد علّق على الرّأي الذي اتّهمه بالتحامل على رموز الإسلام السياسي في تونس، قائلاً: "عندما أنقد، فإنني لا أتحامل على الأشخاص في حد ذاتهم، ورغم أنني قد وجدت صعوبة في قراءة ما كتب راشد الغنوشي لكنني حمّلت نفسي أن أقرأ كتاباته، وقلت إن'' كتابات راشد الغنوشي سطحيّة ومليئة بالتناقضات''، ولا أرى في الحقيقة أي تطوّر في خطاب حركة النهضة عموماً وفكرها منذ الاتجاه الإسلامي إلى اليوم".

وختم الأستاذ الشرفي كلمته بالتأكيد على أن اختياراته هي غير الاختيارات التي يتبناها الإسلام السياسي بجميع تنويعاته وتفريعاته، وقد علّل ذلك بقوله: " لأن هذه الاختيارات، إنّما تساير الرّأي العام والرّأي العام في بلداننا متخلّف، وأنا أريد أن يشعر قرّائي بأنّنا متخلّفون لأن بناء الذّات لا يكون إلا بهذا الوعي، ولا يكون على أساس الأوهام، فلو بقينا خارج الحداثة ولم نسهم فيها لا يمكن لنا بالتالي التأثير في مساراتها".

ألبوم الصور