اللّقاء الفكري حول: "الإسلام والثّقافات المحلّية جنوب الصّحراء الإفريقيّة"

فئة: أنشطة سابقة

اللّقاء الفكري حول: "الإسلام والثّقافات المحلّية جنوب الصّحراء الإفريقيّة"

حتضنت كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة، يوم الأربعاء 12 فبراير الجاري، اللّقاء الفكري حول "الإسلام والثّقافات المحلّية جنوب الصّحراء الإفريقيّة "، والذي نظّمته مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث وجمعيّة الدّراسات الفكريّة والاجتماعيّة بالتّعاون مع وحدة البحث في الأنثروبولوجيا والمجالات والمعارف والآفاق بكلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة، وقد أدار اللّقاء الأستاذ نار الحمّامي، وساهم فيه كلّ من الأستاذين رمزي بن عمارة من تونس وسليمان منغاني من مالي.

وتولّى السيّد كمال جرفال عميد كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة، إلقاء كلمة افتتاحيّة رحّب فيها بالضّيوف والحضور من طلبة ومتابعين، وبيّن خلالها أهمّية اللّقاء الذي يتنزّل ضمن إطار مبحث الدّراسات الإفريقيّة، وهو مبحث لا يزال في حاجة إلى مزيد الاهتمام الأكاديمي به. وبيّن من ثمّ الأستاذ نادر الحمّامي أهمّية انفتاح الفضاءات الجامعيّة على الأنشطة والفعاليات الفكريّة والثّقافيّة، ليتكامل الدّرس الأكاديمي مع أكبر قدر ممكن من الرّوافد التي بإمكانها إثراؤه وتحقيق الإفادة المرجوّة منه في الكثير من المسائل، والتي من بينها ما يتعلّق بالثّقافات الإفريقيّة جنوب الصّحراء، وأشار إلى جملة الدّوافع التي تقف وراء برمجة هذا اللّقاء وتنظيمه، وأهمّها العمل على تسليط الضّوء على علاقة الثّقافات الإفريقيّة بالدّين، والبحث في عوامل التّأثير والتّأثّر والتّفاعل، وما أسفر عنه ذلك من سياقات ثقافيّة واجتماعيّة ذات خصوصيّة، تستدعي البحث والنّظر.

وأحيلت الكلمة إلى الأستاذ رمزي بن عمارة، فقدّم مداخلته بعنوان: "الحركة الإسلاميّة في نيجيريا بين الاختلاف والخلاف"، وذكر بداية بعض المعطيات الجغرافيّة والديمغرافيّة واللّغويّة الرّاهنة حول نيجيريا، مشيرًا إلى أهمّيتها في إفريقيا من وجوه متعدّدة، رغم نقص الاهتمام الأكاديمي بهذا البلد والكتابة عنه، وأورد من ثمّ بعض الدّراسات الأساسيّة التي اهتمّت بالسّياقات الثّقافيّة والدّينيّة في هذا البلد، وأغلبها دراسات وبحوث غربيّة. وبيّن أنّ الجانب الدّيني في نيجيريا مهمّ، وأنّه يتوزّع بين المسيحيّة والإسلام، وهما ديانتان وافدتان على نيجيريا، وأنّ هذا البلد حاضن لديانات ذات أصول إفريقيّة قديمة متعدّدة تسمّى "الدّيانات الإفريقيّة التّقليديّة"؛ واهتمّ في هذا السّياق بقدوم الإسلام إلى هذه المنطقة، مؤكّدًا أنّ ذلك لم يرتبط بحركة الفتوحات الإسلاميّة، وإنّما ارتبط بحركة القوافل التّجاريّة القادمة من المشرق الإسلامي نحو غرب إفريقيا، والتي كان لها أثر عميق في نقل القيم الدّينيّة الإسلاميّة إلى المجتمع النّيجيري، وقد تضمّنت الكتابات الفقهيّة في معظم المذاهب الإسلاميّة. ووصف الأستاذ بن عمارة المسألة الدّينيّة في نيجيريا بأنّها متشعّبة ومتداخلة بسبب تداخل المرجعيّات الدّينيّة واختلافها، وقال: "إنّ الخلاف الدّيني في نيجيريا يعود إلى كثير من العوامل التي يتداخل فيها الدّيني والسّياسي والعُرفي"، وبيّن انطلاقًا من ذلك مسألة الاختلاف بين الحركات الإسلاميّة؛ فقد انطلق الإسلام في نيجيريا باعتباره متصوّفًا عبر انتشار الطّريقة القادريّة القادمة من المشرق الإسلامي، والتي تعدّ الأقدم في نيجيريا، وقد استمرّ تأثيرها إلى حدود السّبعينيات من القرن العشرين، عندما بدأت الحركات السّلفيّة تمارس تأثيرًا أكبر في المجتمع النّيجيري عن طريق مؤسّسة القضاء، ثمّ في نهاية السّبعينيات عندما بدأت تظهر الحركات الشّيعيّة التي تأثّرت بالثّورة الإيرانيّة، وصولاً إلى جماعة "بوكو حرام" الجهاديّة ذات الأصول السّلفيّة التي ظهرت في السّنوات التّسعين من القرن العشرين. وبيّن بن عمارة أنّ جميع هذه الحركات تتداخل من حيث المرجعيّات ويوجد بينها خلاف عميق، وقد ردّ الخلاف إلى محاور عديدة؛ أوّلها خلاف الصّوفيّة ضدّ الصّوفيّة، وخلاف الصّوفيّة ضدّ السّلفيّة، وخلاف الشّيعة ضدّ السنّة، وخلاف المسلمين ضدّ "بوكو حرام"، وخلاف المسلمين ضدّ غير المسلمين.

وأشار الأستاذ سليمان منغاني، في مداخلته التي عنونها بـ "الإسلام الإفريقي: التّوصيف والتّوظيف"، إلى أنّ الاهتمام بالإسلام الإفريقي في السّياق الرّاهن يندرج ضمن الاهتمامات الدّوليّة بمنطقة إفريقيا جنوب الصّحراء، واعتبر أنّ الحديث عن إفريقيا من هذه النّاحية خطير ومهمّ في الوقت نفسه، كما اعتبر أنّ الحديث عن الإسلام الإفريقي هو استئناف للحوار الثّقافي بين شمال الصّحراء الإفريقيّة وجنوبها، وقسّم المتدخّل كلمته إلى أربعة محاور أساسيّة؛ اهتمّ في المحور الأوّل بالمعطيات المنهجيّة لفهم الإسلام في إفريقيا، على اعتبار أنّ الحياة بالنّسبة إلى الإفريقي الكلاسيكي تفقد كلّ معنى ممكن إذا لم تستند إلى الوازع الدّيني، واعتبر بالتّالي أنّ القراءة التّجزيئيّة للوضع الدّيني في إفريقيا لا يمكن أن تستقيم منهجيًّا، ثمّ اهتم في المحور الثّاني بخصوصيّات الذّات الإفريقيّة الكلاسيكيّة وأصول المنطقة الإفريقيّة وحضاراتها الأولى ضمن المستوى الأركيولوجي، قائلاً: "إنّ ذلك يساعدنا في فهم كيف تمّ اللّقاء بين المعتقدات الإفريقيّة القديمة والإسلام، واعتبر أنّ دون فهم هذه المعطيات، لا يمكننا فهم خصوصيّات الإسلام في المنطقة، وبيّن أنّ الموروث الثّقافي الإفريقي أسهم كثيرًا في تقبّل الأفارقة للإسلام، فلمّا أتى وجد أرضيّة تأسّس عليها، وأنّه لم يكن منبتًّا أو مُسقطًا على البيئة الإفريقيّة بقدر ما كان نابعًا منها ومتجاوبًا مع طبيعتها الثّقافيّة والرّوحيّة. واهتمّ في المحور الثاّلث بخصوصيّات الإسلام في منطقة إفريقيا جنوب الصّحراء، وقال: "إنّنا نجد هناك اختلافًا بين الإسلام الإفريقي والإسلام العربي"، واعتبر أنّ قيمة الانتماء إلى المجموعة في الثّقافات الإفريقيّة أسهمت في تسهيل الانتماء إلى الإسلام، وبيّن في هذا المحور الدّور الذي لعبته الطّرق الصّوفيّة في إفريقيا، حيث "تصدّت للاستعمار، وكانت حصنًا منيعًا سياسيًّا وحضاريًّا، لجأ إليه الأفارقة حتى يحافظوا على الثّقافة الإسلاميّة الموجودة". وأشار في المحور الرّابع الذي وسمه بـ"الإسلام الإفريقي جنوب الصّحراء بين مخاتلات الأدلجة ومحاولات الأنسنة" إلى الدّعاية الاستعماريّة التي وظّفت الإسلام الإفريقي لأغراض إيديولوجيّة مشوّهة، كما فعلت الدّعايات القوميّة والعرقيّة الإفريقيّة أيضًا، ما جعل الإسلام يبقى محلّ تجاذب بين أطراف متعدّدة.