الفكر النقـدي في الإســلام: المعتزلة أنموذجا

فئة: المشاريع البحثية السابقة

الفكر النقـدي في الإســلام: المعتزلة أنموذجا

الفكر النقـدي في الإســلام:

المعتزلة أنموذجا


العناصر:

1-أهداف المشروع

2-موجز عن مناهج الاشتغال في المشروع

3-تصميم المشروع

4-ملا حظة

5-الآجال

6-المواصفات الفنية لرقن الأبحاث

إنّ النّاظر في المكتبة العربيّة الحديثة يسترعي اهتمامه بلا شكّ كثرة الدّراسات التي جعلت من النقد محورا لها. وليست مضامين الفكرة النقدية الحديثة – أو بعضها على الأقل - غريبة عن تراثنا، إلاّ أنّه يعبّر عنها بألفاظ أخرى في أغلب الحالات كالرّدود والمناقضات. ومع ذلك، فإنّنا لا نعدم استخدام لفظي النّقد والانتقاد في كتب القدامى على غرار "انتقاد المستصفى"[1] لابن أبي الحديد الزيدي المعتزلي. ولا يعني غياب مصطلح النقد من كثير من كتب التراث خلوّها من النّقد؛ فالغزالي نقد الفلاسفة مستخدما مصطلح التهافت في كتابه "تهافت الفلاسفة". أما ابن رشد، فإنّه نقد الغزالي وردّ على حملته على الفلسفة بكتاب "تهافت التهافت".

ولا شكّ في رأينا أنّ غزارة البحوث النقديّة وجه من وجوه الانخراط في ثقافة العصر الحديث، فقد أدرك المفكّرون والفلاسفة الغربيّون الذين أثّروا بعمق في الثقافة والواقع الحديث أنّ النّقد نشاط مركزيّ من الأنشطة الضروريّة التي يتوجّب على العقل الإنساني ممارستها إن ابتغى التقدّم والنظر إلى المستقبل بإيجابيّة، وفي هذا الإطار نجد المشاريع النقدية الكبرى في الفلسفة الغربيّة الحديثة والمعاصرة على غرار مشروع كانط النّقدي من خلال كتابيه "نقد العقل المحض" (ط1، 1781م) و"نقد العقل العملي" (1788).

وقد أدرك العرب المسلمون منذ مطلع عصر النهضة أهميّة النقد والانتقاد، باعتبار أنّ مراجعة الموقف من الماضي ومن السلف مراجعة نقديّة شرط من شروط التخلّص من حالة التخلّف الحضاري عن الحضارة الغربيّة خاصّة، ولهذا أشاد محمد عبده بالنقد معتبرا أنّه "نفثة من الروح الإلهي في صدور البشر تظهر في مناطقهم سوقا للناقص إلى الكمال وتنبيها يزعج الكامل عن موقفه إلى طلب الغاية ممّا يليق به"[2]. وقد كان مصلحو عصر النهضة، وفي مقدّمتهم محمد عبده، واعين بأنّ النقد مسلك أساسي يترتّب على سلوكه توسّع المعارف والعلوم وتفتّق القرائح وتيقّظ الأذهان "فلولا الانتقاد ما شبّ علم عن نشأته، ولا امتدّ ملك عن منبته، أترى لو أغفل العلماء نقد الآراء وأهملوا البحث في وجوه المزاعم أكانت تتّسع دائرة العلم؟ وتتجلّى الحقائق للفهم ويعلم المحق من المبطل".[3]

إنّ النقد خروج عن السائد والمستقرّ من المسلّمات والبديهيّات. إنّه إبداع خلاّق ينشئ أفكارا جديدة قد تستهجن في البداية، لكنّها ما تلبث أن تنضج وتكتسب أنصارا وتأخذ في التوسّع إلى أن تصل إلى حدّ اختراق المنظومات المنافسة السائدة وإزاحة الأفكار القديمة التي أسبغت عليها ظلال من القداسة. الفكر النقدي إذن، هو فكر إشكالي شكّاك يطرح الأسئلة المحرجة ويراجع الآراء الموروثة والتصوّرات الرائجة والمستقرّة، ويسعى إلى بناء أفكار جديدة قد تكون لبنات لنظريّة في الفكر أو في الاجتهاد الديني أو السياسي أكثر استقامة وعدلا ومثالية في نظر أصحابها من النظريات السائدة أو أكثر قربا من الناس وأوفى التزاما بقضاياهم.

وعلى الرغم من وعينا بأنّ الفكر النقدي لا يسير في اتجاه واحد ولا تحتكره فرقة بعينها أو مذهب بذاته، وإنّما هو موجود في كلّ منظومة دينية أو سياسيّة أو فكريّة تقريبا، فإنّنا آثرنا انتقاء أنموذج واحد من نماذج الفكر النقدي في تراثنا الفكري الإسلامي هو الفكر الاعتزالي لما كان له من أثر بالغ في الفكر والواقع الإسلاميين قديما وحديثا.

وقد يخيّل للبعض، أنّ هذا المبحث ليس من المباحث الراهنة، وأنّه لا صلة له بشواغل عصرنا، وأنّه أخذ حظّه من البحث والدراسة غربا وشرقا، إلاّ أن المطّلع على واقع البحث العلمي في الجامعات العربيّة والغربيّة ليس بوسعه إلاّ تفنيد هذه الظّنون، ويكفي للتدليل على هذا الرّأي أن نذكر مثال الجامعة الحرة في برلين التي تحتضن فريق بحث ينشغل بمشروع المخطوطات الاعتزالية، وقد طبعت عدة مخطوطات لعلماء المعتزلة القدامى بإشراف أساتذة ينتمون إلى هذا الفريق (انظر مثلا الزمخشري "كتاب المنهاج في أصول الدين" ، تقديم وطبع سابين شميدتك (Sabine Schmidtke) ، بيروت، 1428 هـ/2007م).

إنّ اكتشاف مخطوطات جديدة للمعتزلة ولغيرهم من المسلمين ومن اليهود، وظهور بحوث جادة وعميقة حول فكرهم ألقى أضواء غير معهودة عليهم، وجعل الباحثين مدعوّين إلى إعادة النظر في المواقف النقديّة لممثّلي فرقة المعتزلة قصد رسم صورة محيّنة لشبكة صلاتهم بغيرهم من المسلمين وغير المسلمين ومراجعة أثرهم في الفكر الإسلامي خاصّة وفي الفكر الإنساني عامّة.

وعلى هذا الأساس، نقدّر أنّ انخراط الباحثين في دراسة الفكر النقدي للمعتزلة وتقويمه هو عمل حضاري ضروري تمليه الدّواعي العلميّة والمعرفيّة من جهة والدّواعي غير العلميّة أيضا.

لذا، فإنّ مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث تدعو الباحثين الذين كتبوا في مواضيع تدور على فكر المعتزلة النقدي وغيرهم من الباحثين المتخصّصين في قضايا الفكر الإسلامي إلى المساهمة في هذا المشروع البحثي لتجديد النظر في جانب من إنتاج المسلمين الفكري أثار من المواقف الخلافيّة بين مرحّب ومعارض ما يصعب حصره.

1- أهداف المشروع:

- إبراز أن الفكر الإسلامي يحمل في أحشائه منذ أقدم العصور علامات الحيويّة والحركة وحرقة الأسئلة، وأنّ من يسعى إلى تأكيد أنّه فكر تسليمي مؤسّس على الطّاعة والتصديق والرّأي الواحد، لا يعدو أن يكون مجانبا للحقيقة والواقع.

- ترسيخ صلة الفكر الإسلامي بواقعه تأثيرا وتأثّرا من خلال أنموذج الفكر الاعتزالي، فلا شكّ أنّ المواقف النقديّة لأعلام المعتزلة كانت استجابة لشواغل الواقع، وسعيا إلى تغييره نحو الأفضل.

- مراجعة الدراسات التي كتبت في موضوع الفكر النقدي للمعتزلة في كلّ المجالات الدينية والسياسيّة؛ فبعض هذه الدراسات مضى عليه عهد بعيد، وهي لذلك تحتاج إلى إعادة نظر تأخذ بعين الاعتبار ما صدر من مخطوطات جديدة للمعتزلة، وما نشر من دراسات حديثة ومعاصرة عنهم.

- تبيّن خلفيات الأفكار النقديّة للمعتزلة ورهاناتها التاريخية وحدودها المعرفيّة، وصلة كلّ ذلك بسياقات نشأة تلك الأفكار.

- توظيف المناهج الحديثة في قراءة الفكر النقدي للمعتزلة.

- الاهتمام بما يمكن أن ندعوه "تلقي الفكر النقدي الاعتزالي"؛ أي كيفيات استقبال هذا الفكر، إن بالترحيب والتأثر، وإن بالرفض وإغلاق الباب.

- التعمّق في دراسة صدى الفكر الاعتزالي في العصر الحديث على صعيد الفكر الإسلامي خاصّة، فمن المعلوم أنّ هذا الصّدى أدّى إلى ظهور تيّار المعتزلة الجدد في صفوف كثير من الباحثين العرب والمسلمين.

- النظر في راهنية الفكر الاعتزالي قديما وحديثا ومدى قدرته على المساهمة في بلورة فكر إسلامي نقدي ومستنير في عصرنا من خلال استلهام روحه النقدية المتوقدة، دون تبنّ لمضامينه القديمة.

2- موجز عن مناهج الاشتغال في المشروع بشكل عامّ:

ينتظر من الباحثين عدم الاكتفاء بعرض الأفكار وتحليلها، وإنما تجاوز ذلك إلى اعتماد المنهج التاريخي النقدي والمنهج المقارني من أجل توضيح السياقات التاريخية التي حفّت بنشأة تلك الأفكار، وحكمت تطورها وبيان مقاصدها ورهاناتها ومقارنتها بغيرها من الأفكار المماثلة أو المشابهة، إن داخل منظومة الفكر الإسلامي، وإن خارجها في المنظومات الدينية غيرالإسلامية. ولا يعني هذا إغلاق باب استخدام أدوات منهجية مغايرة مستلهمة من علم الاجتماع أو علم النفسأو من تحليل الخطابأو من الهرمنوطيقا.

3- تصميم المشروع:

1- مقاربة تاريخية لمسألة الفكر النقدي للمعتزلة: مصادره ومنابعه، أطواره التاريخية، الإطار الجغرافي لانتشاره ،عوامل الانتشار وطرقه.

2- مجالات النقد الاعتزالي:

أ- النقد الاعتزالي في إطار علم أصول الفقه (نقد الأخبار والأحاديث سندا ومتنا – نقد مبدإ عدالة الصحابة – نقد الإجماع – نقد القياس ...)

ب- النقد في مجال علم الكلام (مسائل التوحيد والعدل وخلق القرآن والإعجاز والألوهيّة والنبوّة وطبيعة النصّ القرآني، الخلافة أو الإمامة...)

ج- النقد في إطار علوم الفقه والتفسير والسيرة (مواقفهم من السحر والجنّ والتفسير العقلي للقرآن..)

د- النقد في ميدان علم الحديث (علم الجرح والتعديل)، نقد رواة الحديث

(انظر مثلا : البلخي، قبول الأخبار ومعرفة الرجال، بيروت، دار الكتب العلمية، 2000).

3- أعلام النقد الاعتزالي:

يمكن في هذا المحور التركيز على دراسة علم واحد من خلال تحليل مواقفه النقدية من مختلف المسائل الكلامية أو الأصولية أو غيرها:

أ- أعلام النقد في القرن الثالث للهجرة، انظر: إبراهيم النظام، الجاحظ، الأصم، أبو علي الجبّائي، الخياط...

ب- أعلام النقد الاعتزالي في القرنين الرابع والخامس: أبو مسلم الأصفهاني (موقفه من النسخ في القرآن)، القاضي عبد الجبّار (انظر مواقفه من خلال كتابه "المغني في أبواب التوحيد والعدل" و"تنزيه القرآن عن المطاعن"، أبو الحسين البصري "المعتمد في أصول الفقه.

ج- أعلام النقد الاعتزالي بعد القرن الخامس للهجرة: الزمخشري من خلال كتابيه: تفسير الكشاف والمنهاج في أصول الدين، ركن الدين محمود بن الملاحمي، كتاب الفائق في أصول الدين، 2007، تحفة المتكلّمين في الردّ على الفلاسفة.

ونلفت نظر الباحثين الكرام إلى أنّه بإمكانهم التركيز في دراساتهم على علم واحد أو على أكثر من علم، وندعوهم إلى تخصيص دراسات تأليفيّة لعلماء المعتزلة، تسعى إلى ضبط أطر جامعة لمصادر تكوينهم ومناهج دراساتهم وتدريسهم وأصولهم العرقيّة والاجتماعية وصلاتهم بالسلطة السياسيّة، فمن شأن مثل هذه البحوث أن تعمّق فهمنا لسياقات أفكارهم التاريخية.[4]

4- أثر الفكر الاعتزالي النقدي في الفكر الإنساني

أ- تأثير المعتزلة في اللاهوت المسيحي لدى السريان والأرثوذكس، وفي اللاهوت الكاثوليكي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر.

ب- تأثير المعتزلة في الفكر الديني اليهودي (الربّيون والقراءون) انظر مثلا المتكلم اليهودي يوسف البصير والمتكلم اليهودي، موسى بن ميمون والمتكلم ابن كمونة

(Wilfred Madelung and Sabine Schmidtke : Rational Theology in interfaith communication : Abu l-Hussayn al-Basri’s Mutazili Theology among the Karaites in the Fatimid Age. Leiden, Brill, 2006)

5- أثر المعتزلة في الفكر السني الأصولي وغيره: الحنفية أنموذجا

6- أثر المعتزلة في الفكر الكلامي السني:

أ- الماتريدية

ب- الأشعرية

7- أثر المعتزلة في الفكر غير السني: الإباضية أنموذجا

8- أثر المعتزلة في الفكر غير السني: الشيعة الإمامية أنموذجا

9- أثر المعتزلة في الفكر غير السني: الشيعة الزيدية أنموذجا

10- أثرهم في إفريقيّة خلال القرن الثالث للهجرة: انظر:

Mohamed Tabli, De L’itizal en Ifriqiya au IX siècle, Etudes d’histoire Ifriqiyenne, Tunis 1982

11- أثرهم في الأندلس

12- أثرهم في القرآنيين قديما وحديثا: انظر مثلا أحمد صبحي منصور

13- أثر الفكر النقدي الاعتزالي في الفكر الإسلامي الحديث في الهند: انظر مثلا نماذج من الأعلام الذين تأثّروا بالمعتزلة : السيد أحمد خان – السيد أمير علي...

14- أثره في مصر : محمد عبده the Mu'tazila and the Neo-Mu'tazilism of) Muhammad 'Abduh: The Debate between Faith and Reason by Paolo Nicelli, for Encounter n. 358 October 2010 )– أحمد أمين – محمد عمارة – حسن حنفي - نصر حامد أبو زيد

15 - أثره في إيران: عبد الكريم سروش ، مجتهد شبستري

16- أثره في العراق: أحمد القبانجي أنموذجا

17- أثره في أندونيسيا:هارون ناسوتيون Harun Nasution

18- أثره في باكستان:فضل الرحمان أنموذجا

19- تيار المعتزلة الجدد: أعلامه، أسسه وتقويمه (انظر توماس هيلد براندت، المعتزلة الجدد (Neo-Mutazilism) ط1، ألمانيا، دار بريل للنشر 2007 (بالألمانية).

20- نقائص الفكر الاعتزالي النقدي:حدوده وصلته بالابستيمية القديمة لا الحديثة

4- ملاحظة:

نلفت نظر الباحثين الكرام إلى أن غرضنا من هذا المشروع البحثي ليس الدعوة إلى إحياء الفكر النقدي للمعتزلة؛ فمن الضروري وضع القضية في إطارها التاريخي، حتى لا يظلم هذا التيار ولا يكون هناك إسقاط لقيم عصرنا ولاستحقاقاته المنهجية على أناس عاشوا منذ أكثر من 10 قرون. ولعلّ مقصدنا الأساسي من هذا العمل الدعوة إلى تجديد الروح النقدية في الفكر الإسلامي الحديث من خلال دراسة تجلّ أساسي من هذا الفكر النقدي في القديم، لكن دون أن يكون المضمون النقدي الحديث متماهيا مع النقد الاعتزالي القديم بالضرورة لأن اللحظة الاعتزالية تنتمي إلى فترة ما قبل الحداثة. وبناء على هذا يمكن التساؤل عن مدى اعتبار الفكر الاعتزالي فكرا نقديّا، بالمعنى المتداول لدينا للنقد أو أنّه كغيره يندرج بدوره ضمن الخطابات الدينيّة، وهل يصلح أن يكون ذلك الفكر القديم أنموذجا للاقتداء في العصر الحديث بعد ظهور قيم جديدة لا قبل للفكر القديم بها، وهذا ما يفتح الباب شارعا أمام التساؤل عن قيمة الدراسات الحديثة والمعاصرة الممجّدة للفكر الاعتزالي، فهل مفهوم الحريّة في الفكر الاعتزالي ينسجم مع قيمة الحريّة الّتي قدّمتها الحريّةالفكريّة، وإلى أيّ مدى يمكن تأصيل مثل هذه القيم الحديثة في الفكر الإسلامي القديم؟


[1]- هو المستصفى في علم أصول الفقه لأبي حامد الغزالي (ت 505 هـ).

[2]- محمد عبده، الأعمال الكاملة، تحقيق محمد عمارة، بيروت، المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، 1973، 2/162

[3]- المصدر نفسه، 2/162

[4]- انظر مثلا أرنولد هـ قرين، العلماء التونسيون (1873 م – 1915 م)، ترجمة حفناوي عمايريّة وأسماء معلى، تونس، المجمع التونسي، بيت الحكمة، دار سحنون للنشر، 1416 هـ/1995 م (نشر الكتاب في الأصل بالأنقليزية وطبع بدار بريل ليدن – هولاندا).