ندوة: القضية النسائية اليوم...تقييم وتقويم

فئة: أنشطة سابقة

ندوة: القضية النسائية اليوم...تقييم وتقويم

أقامت مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" يوما علميا في صالون جدل للفكر والثقافة تحت عنوان: "القضية النسائية اليوم...تقييم وتقويم"، وذلك يوم السبت الموافق لـ14 ديسمبر2013.


عرف هذا اليوم حضور مجموعة من الفعاليات لتدارس أحد أهم المواضيع التي تخص الساحة العربية والإسلامية والمجتمع العربي بشتى ثقافاته وتوجهاته، والحديث هنا عن المسألة النسائية أو قضية المرأة. هذه القضية التي عرفت العديد من المستجدات والتحديات والانعطافات التي غيرت من مجرى الوقائع والأحوال في المنطقة (صدمة الحداثة، الاستقلال، تعديل مدونات الأسرة...)

افتتحت جلسة اليوم العلمي بكلمة الباحث المغربي والمنسق الجهوي لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" الأستاذ مولاي أحمد صابر، الذي أكد على أن مسألة المرأة مرتبطة بالدرجة الأولى بسؤال محوري، وهو سؤال التغيير، كما أشار إلى أن موضوع المرأة هم معرفي وليس إيديولوجي.

وتوزعت جلسات هذا اللقاء العلمي على جلستين، حيث تميزت الجلسة الأولى بإلقاء أربع مداخلات، تمحورت الأولى منها حول موضوع "الإسلام النسوي: التوفيق بين النصوص التراثية ومقتضى شروط الحداثة"، ألقتها الدكتورة مريم آيت أحمد، أستاذة التعليم العالي بشعبة الدراسات الإسلامية كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن طفيل القنيطرة، ومتخصصة في العقيدة والأديان المقارنة والفكر الإسلامي، في حديثها عن المرأة أكدت المحاضرة على أن مسألة التقييم والتقويم التي تخص القضية النسائية اليوم هي مسألة مرتبطة بالدرجة الأولى بالتاريخ الذي يحتاج إلى مراجعات من طرف المرأة نفسها. كما أكدت على أن هذه الأخيرة تعيش حيرة بين مستقبلها التمكيني المجتمعي ومآل جيل أبنائها، وجسدت المتداخلة هذه الحيرة في رهانات التجديد في الخطاب النسوي المتأزم التي تعرف تجاذبات بين تيارات إيديولوجية تجرها، إما لأقصى اليمين في تكريم قاتل للعقل والروح وسالب لمنهج الاستخلاف والعمارة في الارض، أو أقصى اليسار وفق مقتضيات المنظومة الثقافية والفلسفية الغربية المتحررة المنعتقة من تربتها وبيئتها وتراثها انعتاقا، مما يجعلها مسلوبة العقل والروح والعطاء لنموذج غريب عنها. ولعل السؤال الملح في فهم هذا التناقض المعرفي في التعامل مع قضية المرأة بازدواجية معايير نظرية غير واقعية ولا مفهومة، تضيف المتداخلة، تتطلب منا اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى النزول إلى مختبرات اجتهادات فقهائنا ومؤسساتنا الدينية والثقافية الشعبية والمجتمعية، للبحث عن مفهوم النسق التصوري الذي يتم تداوله غالبا في مجتمعاتنا بصور مختلفة.

وخصصت المداخلة الثانية لموضوع: "التحرير النسائي في القرآن: بناؤه النظري ووظيفته الإصلاحية"، ألقتها الأستاذة منية الطراز، أستاذة باحثة بمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام التابع للرابطة المحمدية للعلماء، من خلال مداخلتها تمكنت الأستاذة مونية الطراز من لفت الأنظار إلى مسألة مهمة، اعتبرتها أنها غابت عن الخطاب النسوي في الزمن السابق، ألا وهو مضمون التحرير النسائي نفسه الذي ظل يعبّر عن قضايا لا تعكس مشكلة الأمة التي تمثل المرأة عصبَها؛ فالمرأة المسلمة في مضمون التصور الإسلامي فاعلة عمرانية معنية بالاستخلاف كأفق ليس بعده أفق، بَيْد أن قضيتها حصرت في حق ضاع وجب انتزاعه من الرجل.

لقد صار من أوجب واجبات المرحلة الراهنة، تضيف الطراز، أن يلتزم التفكير في قضية المرأة بما يقضيه الخطاب الوجودي في القرآن الكريم المكتنز بأسباب السمو، وأصبح من الضروري أن يعكس الخطاب التحرري هوية المرأة المسلمة، ويعبّر عن انتمائها الحقيقي إلى الأصل المتين والقرآن العظيم الذي يحمل تصور الإعمار، ويعتبر المرأة إنسانا يحمل صفة خليفة الله في الأرض. من هذا المنطلق، حاولت المحاضرة أن تربط مسألة التحرير النسائي بالوعي النسائي من حيث تلازمهما في بناء شخصية المرأة المسلمة الحرة والفاعلة في محيطها الاجتماعي وفضائها الكوني، انطلاقا من الترشيد القرآني، ووفق ما يحمله تصوره.

وارتكزت المداخلة الثالثة الموسومة بـ"مسألة المرأة عند السلفية الجهادية: قراءة في تحولات الربيع العربي"، والتي ألقاها الأستاذ إدريس الكنبوري، كاتب وباحث متخصص في القضايا الدينية وصحفي بجريدة المساء، حول المرأة السلفية كونها أهم المكونات الاجتماعية التي برزت بشكل أقوى خلال أحداث الربيع العربي في عدد من البلدان، خاصة في البلدان التي ظهر فيها التيار السلفي على السطح بشكل مفاجئ في ضوء تلك الأحداث. ولعبت المرأة السلفية دورا مقدرا في إبراز قوة السلفيين في الشارع، حيث شكلت النساء النسبة الأكبر حجما بعد الشباب خلال تلك التطورات. كما أشارت ورقة الأستاذ الكنبوري إلى أن التيار السلفي الجهادي شهد خلال السنوات القليلة الماضية تحولا نوعيا فيما يتعلق بموقع المرأة في الحراك السياسي والحراك الاجتماعي، حيث أصبحت المرأة السلفية مشاركة في التظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات في قضايا تهم السلفيين، مثل قضية الاعتقال، وهو مظهر برز بشكل خاص خلال مرحلة الربيع العربي، حيث بتنا أمام ظاهرة جديدة هي خروج المرأة السلفية إلى الفضاء العام، رغم وجود جمود الموقف السلفي من هذا الخروج. لكن هذا التحول في موقع المرأة في الحياة العامة، لم يأت نتيجة تحول في موقف التيار السلفي من قضية المرأة بشكل عام، أو حصيلة اجتهادات في المواقف السابقة التي تؤكد عليها السلفية التقليدية، حيث يبقى موقف التيارين معا متناغما في العديد من النقاط، وهو ما لا يسمح بالحديث عن وجود "مسألة نسائية" لدى التيار السلفي الجهادي، لأن هذا التطور في الواقع العملي للمرأة، لم يواكبه تطور في الأساس النظري للسلفيين.

واختتمت الجلسة الصباحية بمداخلة الأستاذة إلهام البوزيدي، مهتمة بالخطاب النسوي وقضايا الحركات النسائية المعاصرة، فقد افتتحت مداخلتها بتأطير لغوي واصطلاحي لمفهوم الأنثى في معظم القواميس، ثم انتقلت إلى الصورة النمطية للمرأة في المتخيل بمختلف مجالاته الدينية والشعبية والأدبية والسياسية، متسائلة هل كان رسم هذه الصورة الدونية مقصودا أم عملية عفوية؟ أكدت الأستاذة إلهام البوزيدي، أن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن هذا المتخيل بفروعه المختلفة هو صناعة ذكورية، حيث حاول الذكر أخذ زمام الأمور بالسيطرة على المرأة التي تقاسمه هذه البسيطة، مبتدئا بالسيطرة على جسدها أولا، من خلال رسم مجموعة من القيود والموانع التي تقيد جسدها. ولعل أهم سلطة تم استغلالها في هذا الصدد، سلطة النصوص الدينية التي غذت المتخيل ومدته بالمقدس، مما جعله من المسلمات غير القابلة للنقاش. كما ارتبط بالبديهيات الإيمانية التي يمتزج فيها الكفر بالتكفير والشرك بالله. لينتقل التسلط على المرأة إلى جوانب أخرى كالجانب العقلي والنفسي من خلال الحكم عليها بالنقصان، من الناحية العقلية، والحكم عليها بأنها إنسان من الدرجة الثانية. وقد تحصن المتخيل الديني العربي بترسانة من النصوص المقدسة لترويض هذه الأنثى وإقصائها وتحجيبها واختزالها في الجانب البيولوجي (تجديد الخزينة البيولوجية للعائلة؛ أي تكثير سواد الأمة). فإذا كان المتخيل العربي الإسلامي قد ارتقى بالرجل من مرحلة الذكورة كمعطى بيولوجي، إلى الرجولة كمكتسب اجتماعي؛ فإنه لم يستطع أن يرقى بالأنوثة اجتماعيا، فبقيت وظيفتها بيولوجية أساسا، حتى إن مصطلح المروءة المشتق لغويا من المرأة ألصق بالرجل، ونزع منها انتزاعا، على اعتبار أنه يحيل على مجموعة من القيم الأخلاقية.

وتضمنت الجلسة المسائية، ثلاث مداخلات، حيث ناقشت الدكتورة نادية لعشيري في المداخلة الأولى موضوع المرأة المسلمة بين ثوابت الدين ومتغيرات الواقع؛ فقد افتتحت مداخلتها بالتأكيد على أن المرأة عانت في كل بقاع العالم ولقرون طويلة من البطريركية، وحرمت من حقوقها، بل وامتهنت كرامتها، إلى أن تطور الفكر الإنساني وتطورت العلوم، وتبين بالملموس أن الإنسان - بغض النظر عن جنسه أو لونه أو معتقده أو سنه- يبقى إنسانا، وهو الأمر الذي يضمن له حقوقا تم التنصيص عليها فيما يعرف اليوم بوثيقة حقوق الإنسان، بل وعد كل تمييز بين الرجل والمرأة على أساس الجنس خرقا لهذه الحقوق. ومعلوم أن الدول الإسلامية- باعتبارها جزءا لا يتجزأ من دول العالم- وجدت نفسها مضطرة لتبني هذه القوانين والالتزام بتطبيقها. و بالرغم من الإصلاحات التي حاولت جاهدا تكريس ثقافة حقوق المرأة، وقد يقول قائل: إنه لا ينبغي النظر إلى الأشياء بمنظار سوداوي، فقد أصبحت لدينا على الأقل قو انين، وأن البلد، المغرب كمثال، آخذ في إصلاح القضاء، وهذا صحيح، ولكن، وعلى الرغم من ذلك، تظل هناك مشاكل لا يقوى القانون وحده على حلها، وأقتصر هنا - توضح الباحثة- على مثال واحد يتعلق بثبوت الزوجية. لقد أكد المشرع في مدونة الأسرة على ضرورة توثيق عقد الزواج، لأن الناس في بعض مناطق المغرب القروية، لا يزالون يتزوجون ب"الفاتحة"، ولا يحرصون على توثيق الزواج. وقد منح المشرع الأشخاص الذين تزوجوا بهذه الطريقة أجلا يتحدد في خمس سنوات ليوثقوا عقود زواجهم، لكن بعد انتهاء المدة أن المسألة لم تتوقف، ولذلك تم تمديدها خمس سنوات أخرى، ولكن هل الزمن وحده كفيل بحل هذا الإشكال؟ طبعا لا، لأن الأمر يتعلق بعقليات يصعب تغييرها في وقت قصير؛ ففي كثير من مناطق المغرب، ولا سيما القروية منها، أغلب الناس - كي لا نسقط في التعميم إذا قلنا كلهم - مقتنعون بأن أفضل شيء للفتاة هو تزويجها، وكلما كان الزواج مبكرا، كلما كان الأمر أفضل. واختتمت الباحثة مداخلتها بالتأكيد عل أن مقاربة النوع، يجب أن تسعى إلى ردم الهوة بين الجنسين والعمل على ما هو اجتماعي وثقافي بالدرجة الأولى.

وتطرقت مداخلة الدكتور محمد بوشيخي الموسومة بـالاجتهاد الأصولي أمام اختبار الحداثة: قضية المرأة أنموذجا، إلى التحديات التي تواجه الخطاب الفقهي تجاه الحداثة، من خلال الاشتغال على موضوع المرأة، على اعتبار أن ظهور المرأة، كمكون اجتماعي يحمل طموحا تغييريا خلال العقود الأخيرة، خلخل نظام المجتمع التقليدي وأربك عملية الاجتهاد في مقاربة حقوقها ووضعها الاعتباري الجديد. فأصبحت المرأة من هذا المنظور فاضحة لمأزق الاجتهاد الأصولي الذي صار ملزما بإعادة النظر في أسسه المرجعية والاستفادة من مبتكرات العلوم الحديثة في تقويم بنيته الداخلية، حيث تساءل اليوم كيف تطورت حقوق المرأة؟ وفي أي اتجاه تبلورت مطالبها؟ وكيف تفاعلت معها الرؤية الأصولية للفقهاء؟ وهل يعبر واقع المرأة الحالي عن طموحها؟ وهل من آفاق لاستثمار المرجعية الإسلامية في حقل التدبير بدل اقتصار استعمالها كأداة تبرير؟ بعد انقضاء أكثر من قرن من دعوة قاسم أمين وأكثر من ثمانية عقود من دعوة الطاهر الحداد وتكفيره. ومن خلال ورقته، حاول المحاضر الوقوف عند هذه الأسئلة قصد دراسة الحالة المغربية على ضوء المتغيرات التي لحقت بمدونة الأحوال الشخصية سنة 2004 ومست بشكل جوهري وضع المرأة فيه. وأضاف المتدخل أنه في حالة التعامل مع مدونة الأسرة المغربية لسنة 2004، فنحن أمام نموذج يغري بالتتبع والدراسة كونه حقق نجاحا في التعاطي الإيجابي مع المطالب النسوية ذات النفس الحداثي في إطار فهم خاص للمرجعية الإسلامية، لكن في نفس الوقت لم تكن مستجدات قانون الأسرة الجديد، المعروف بمدونة الأسرة، ثمرة اجتهاد فقهي خالص، إذ كان جزء منها يوضع ضمن دائرة المحرم بالنصوص.

واختتمت الجلسة المسائية بمداخلة الدكتورة إيمان السلاوي تحت عنوان واقع البحث العلمي في موضوع المرأة، حيث أكدت المتدخلة على أن موضوع المرأة موضوع شائك، وكثيرة هي الوقفات والدراسات والكتابات والندوات والهيئات والمؤسسات المشتغلة بهذه بقضية، تلك حقيقة لا غبار عليها، ولكن مما لاشك فيه أيضا أنها كثيرة هي النزاعات والصدامات والتجاذبات التي تبصم النقاش في هذا الموضوع، حتى بات الحديث فيه جدلا لا يتوقف في مجتمعاتنا، مما أفقده المصداقية ونأى به عن التجرد لما فيه مصلحة المرأة. وبدا المشهد واقعا اجتماعيا تعيشه المرأة، يعج بالتناقضات والإكراهات والمعاناة والحيرة التصورية والفكرية، وفي المقابل وابل من الرؤى وصيب غزير من المشاريع المختلف حولها ونظريات متضاربة في المرجعيات المؤطرة والآمال المرجوة.

لقد رامت المحاضرة في ورقتها أربعة توجهات رئيسة: التوجه الرسمي، وتوجه الفقهاء والعلماء، وتوجه التيار الحداثي والعلماني، والتيار النسائي الإسلامي، مؤكدة على أن البحث العلمي هو التوجه الأمثل للتعاطي مع القضية النسائية.

وفي ختام هذا اليوم العلمي، أكد الأستاذ الباحث مولاي أحمد صابر على أن موضوع المرأة موضوع متشعب، وأن معالجته تتطلب الأخذ بعين الاعتبار ما هو ديني، ثقافي، وحقوقي أيضا. كما أكد على أن المتحدث الأول كان هو التاريخ بسياقاته، والتي عرفتها الديانات الثلاث بدون استثناء. لذلك، فإن اكتمال موضوع المرأة يتطلب فهما تاما لهذا التاريخ من جهة، وتجاوزا لكل الاغتيالات التي تعرض لها الموضوع من طرف الإيديولوجيات، سواء الإسلامية من جهة، أو الماركسية أو الليبيرالية من جهة أخرى.

ألبوم الصور