الندوة العلميّة الدوليّة: "الإيمان والعقل؛ الإشكالات الفلسفية - اللاهوتية الراهنة حول الدين"

فئة: أنشطة سابقة

الندوة العلميّة الدوليّة: "الإيمان والعقل؛ الإشكالات الفلسفية - اللاهوتية الراهنة حول الدين"

احتضن مقر مؤسسة مؤمنون بلا حدود بتونس العاصمة يومي 25-26 مارس الجاري، الندوة العلميّة الدوليّة "الإيمان والعقل: الإشكالات الفلسفية - اللاهوتية الراهنة حول الدين"، وقد شهدت أشغال الندوة مداخلات متنوعة تمحورت حول مسائل الإيمان والعقل والميتافيزيقا والدين والديني والسياسي والهرمينوطيقا الدينية ومسائل اللاهوت الفلسفي وعلم الكلام الجديد.

وقد افتتحت الندوة بكلمة ترحيبية باسم المؤسسة قدّمها الدكتور نادر الحمامي، وأعقب ذلك كلمة منسق أعمال الندوة د. الطيب بوعزة الذي بسط لمحة عامة عن المجالات المفهومية والمضمونية التي تروم الندوة التحرك في إطارها؛ لتنطلق بعد ذلك أعمال الجلسة العلمية الأولى، التي ترأسها د. عبد الواحد العلمي، بمداخلة د. محمد بن ساسي بعنوان ''واضع النواميس، واضع الملة في فلسفة الفارابي السياسية والدينية'' وقد اهتمت المداخلة بالموقف الحقيقي للفارابي من علاقة الفلسفة بالملة، وهل هذه العلاقة علاقة توازي أم محاكاة؟ وأي دور للفقه والكلام؟ وهل يمكن لتحليلات الفارابي أن تعين على ما يسمى الكلام الجديد أو تحل معضلة العلاقة بين الدين والفلسفة أو بين الأديان والفلسفة، باعتبار أن الفارابي يقر بتعدد الملل المختلفة الفاضلة بالتزامن؟ وقد أعقب ذلك د. المنجي الأسود بمداخلة بعنوان ''الإيمان والعقل عند ابن سينا من خلال رسالته في القضاء والقدر''، وقد حاول فيها صاحبها الإجابة عن جملة من الأسئلة المهمة في ضبط العلاقة بين ثنائية العقل والإيمان؛ ثنائية ظهر طرفاها في كثير من الأحيان متنافرين بسبب الخصومة الأيديولوجية التي تلبست بها على مر تاريخ الفلسفة الإسلامية. ولعل فكر ابن سينا قد اجتمعت فيه هذه الثنائية من خلال معالجاته الثرية لمسألة الإيمان معالجة فلسفية سمحت له في كثير من الأحيان بتعقل الإيمان، ويبدو ذلك جليا في رسالته " القضاء والقدر" التي كشفت عن موقف الفيلسوف من مسألة إيمانية على غاية من الأهمية. ثم أحيلت الكلمة إلى دة. أم الزين بنشيخة المسكيني التي قدمت مداخلة بعنوان ''الفن والدين: أي وعد بالأمل'' وقد عملت من خلالها على استعادة السؤال الفلسفي الثالث للفيلسوف الألماني إيمانوال كانط حول "ماذا يمكنني أن آمل؟" ضمن أفق مساءلة مغايرة للعلاقة بين الدين والفنّ بما هما يتقاطعان على ضفّة الأمل. وتقودنا في ذلك جملة من الأسئلة المؤرقة لنا اليوم: أيّ أمل لجيل بدأ اليأس يستولي على أبنائه في سياق سياسات الدمار المتوحّشة التي تهدّد إمكانيّة أن يبقى ثمّة عالم يحضننا؟ من أيّة جهة نحدّق بالأمل نحن الذين ننتمي إلى إنسانيّة صار اليأس عنوانها الكبير الذي ترسمه السياسات بحروف مرتعشة على بوّابة المستقبل؟ وتمت قراءة مداخلة د. عبد الجبار الرفاعي الذي تعذر عليه حضور أعمال الندوة، وكانت بعنوان ''علم الكلام الجديد'' واهتم فيها بالإرهاصات الأولى للنواة الجنينية لعلم الكلام الجديد في الهند نهاية القرن التاسع عشر مع السيد أحمد خان، الذي لم يكرّر ما هو سائد من آراء في التفكير الديني في الإسلام، بل قدم اجتهادات في تأويل القرآن، وتفسير ماهية الوحي، تخرج على السائد والموروث. وقد كانت أطروحات أحمد خان مؤذنة ببروز عطاءات معرفية تجديدية في المسألة الكلامية، حاول الرفاعي إبرازها باستحضار إسهامات محمد إقبال وعبد الكريم سروش في (بسط التجربة النبوية)، وفضل الرحمن وشبستري. واختتمت أعمال الجلسة بنقاش بين الحضور والمتدخلين امتد إلى جملة من القضايا الأساسية التي طرحت في المداخلات.

أما أعمال الجلسة الثانية، فقد ترأسها د. فتحي المسكيني وانطلقت بمداخلة د. مصطفى العارف، بعنوان ''الدين في أفق العقل: نزع الأسطورة عن الدين بين بول ريكور ورودولف بولتمان''، سعى فيها إلى مقاربة المنهج الهرمينوطيقي المعاصر للمسألة الدينية. واهتم بإسهام رودولف بولتمان الذي جعل من مهمته نزع الطابع الأسطوري عن الفكر الديني والدين بشكل عام، وأشار إلى أن بولتمان لم يهتم بالإسلام، بل انصب اهتمامه على المسيحية خاصة، وتساءل كيف يمكن أن نفيد منه في المجال الإسلامي. ثم قدم د. منوبي غباش مداخلته بعنوان ''الديمقراطية والدين''، وبحث فيها تأثير الدين في المجتمعات الراهنة بما فيها تلك التي ترسخت فيها الديمقراطية وأشار إلى أن الدين مازال قادرا على تشكيل الوعي الجمعي وتوجيهه، سواء من خلال الثقافة الشعبية أو عبر المؤسسات الدينية-السياسية. وأن الدين ولئن انحسر تأثيره في بعض المجتمعات الغربية فإنه لم ينعدم تماما. وخلص إلى أن الأطروحة التي تقول بفقدان الدين لقيمته المعيارية والتشريعية بالتزامن مع استقرار الديمقراطية كنظام حكم وكشكل للمجتمع على غاية من الوجاهة. وبين بأنها مع ذلك لا تختزل حقيقة العلاقة بين الديمقراطية والدين. واختتمت أعمال الجلسة الثانية بنقاش بين الحضور والمتدخلين ساهم في إثرائه رئيس الجلسة الذي عقب على بعض المسائل التي طرحت في المداخلات.

وقد شهد ثاني أيام الندوة دمج الجلستين الثالثة والرابعة نظرا لتغيّب بعض المتدخلين المبرمجين مسبقا، فكانت الجلسة الختامية برئاسة د. الطيب بوعزة، واستهلت بمداخلة د. الحبيب الحباشي، بعنوان ''الحداثة الفلسفية بين الاعتقاد والعلم'' وقد تعرضت المداخلة إلى مسارين متناقضين ومتصارعين، كما أطلق عليهما المتدخل، هما مسار العقلانيات العلمية الذي أخذ في توسيع نطاقه، ليشمل الإنسانيات بعد أن حقق انتصارات عظيمة في الطبيعيات، ومسار الاعتقادات الذي أسفر اليوم عن وجه قبيح من العنف الاعتقادي المقيت مبثوث في كل مكان حتى صار حال المجتمع الإنساني مطوقا  باحتراب أهلي طائفي داخلي واصطدام ثقافي حضاري خارجي. وقد أعقب ذلك د. يونس الأحمدي، الذي قدم مداخلته بعنوان '' الثيولوجيا والحداثة في مشروع ارنست ترولتش'' واهتم فيها بأعمال اللاهوتي وعالم الاجتماع الألماني إرنست ترولتش Ernst Troeltsch (1865-1923) في إطار جملة من المراجعات النقدية في تاريخ الحداثة والموقف من اللاهوت الديني  قلما ينتبه إليها من قبل الدارسين العرب، واختار أن يعبر عنه باسم "الطريق الثالث": فلا هو بالمفهوم اللاهوتي الخلاصي الذي ينبري للدفاع عن ثيولوجيا متعالية، ولا هو بالفعالية الإيديولوجية التي تصادر وجود المعطى الديني استنادا إلى مبررات متشبهة بالحداثة مثلما عبرت عنها النبوءات الوضعانية ونظريات الشك والوهم والاغتراب؛ ليتناول بعد ذلك الكلمة د. عبد الواحد العلمي، وكانت مداخلته بعنوان "المنزلة الإبستمولوجية للمعتقدات "الشاهدية" في بناء المعرفة الدينية'' وعرض في مساهمته كيف تمت مقاربة ما يسميه بعض الفلاسفة بـ "معتقدات شاهدية"، داخل الفلسفة التحليلية للدين؟ وبين المنزلة والقيمة الإبستمولوجية لهذا النوع من المعتقدات مقدما أهم النظريات وأبرز الإشكالات الفلسفية المرتبطة بالشاهد والمعرفة المؤسسة على الشاهد. وقد قدم د. محمد محجوب في ختام الجلسة مداخلة بعنوان '' في الإيمان والعقل: الفلسفة وكلام الله (في حدود المقاصديات)''، واستعرض فيها تحولات القول الفلسفي في الكلام الإلهي، وهي التّحولات التي حددها باعتبار الفلسفة كتفسير للقصد الإلهي من خلال أمثلة من المقاربات الكلاميّة والفلسفيّة القديمة والوسيطة، واعتبار تحولات الفلسفة من خلال اللاهوت الفلسفي إلى ضرب من الدّفاع عن الحقيقية الدينيّة، كما أشار إلى تحولات الفلسفة مع الهرمينوطيقا إلى محاولات لإدراك "أفق تدلال الكلام الإلهي". وخلص من ثم إلى طرح السّؤال الجوهري لهذه الورقة: هل يمكننا القول، وإلى أي مدى، إن التأويليّة تمكّن الفلسفة ممّا به تستطيع أن تفهم الدّين أحسن ممّا يفهم الدّين نفسه؟ واقتضت الإجابة عن هذا السّؤال محاورة للمقاصديّات المختلفة تبيّن حدود دعواها كمناهج للفهم والتّحديث.

وقد اختتمت الندوة أشغالها بجلسة حوارية مع د. محمد محجوب، أدارها د. عبد الواحد العلمي من خلال طرح مجموعة من الأسئلة التفاعلية على المحاور، مما وسّع دائرة المواضيع التي طرقها الحوار استنادا إلى مجموعة مهمة من القضايا التي اشتغل عليها د. محمد محجوب وعبر عنها في بحوثة وكتاباته.