حلقة نقاش حول كتاب "الفنّ في زمن الإرهاب" للأستاذة أمّ الزين بنشيخة المسكيني

فئة: أنشطة سابقة

حلقة نقاش حول كتاب "الفنّ في زمن الإرهاب"  للأستاذة أمّ الزين بنشيخة المسكيني

انتظمت بمقرّ مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث وجمعية الدراسات الفكرية والاجتماعيّة، بتونس العاصمة، الأربعاء 18 يناير الجاري، حلقة نقاش حول كتاب "الفنّ في زمن الإرهاب" للأستاذة أمّ الزين بنشيخة المسكيني، وقد قدّم الأستاذ عمر العلوي قراءة في الكتاب، ثم قدّمت الكاتبة مداخلة موجزة، ليفسح المجال بعد ذلك لمداخلات الجمهور حول مسائل الكتاب ونقاش أفكاره. أدار الجلسة الأستاذ فيصل شلوف.

اهتمت مداخلة الأستاذ عمر العلوي بداية بتنزيل الكتاب في السّياق العام لاشتغال الكاتبة، ضمن تخصّصها الأكاديمي، فقد سبق لها أن نشرت كتابين في الجماليات، هما ''تحرير المحسوس، لمسات في الجماليات المعاصرة''، و''مؤانسات في الجماليات''، وتساءل عن الضرورة الحاسمة للكتابة الآن في هذا الموضوع، وبيّن من ثم أن السؤال الجوهري الذي يتأسس عليه الكتاب هو: لماذا الفنّ في زمن الكارثة؟ أو لماذا الفن في زمن الإرهاب؟ أو لماذا الشعراء؟ هذا السؤال الذي عملت الكتابة على تفعيل راهنيته من زاوية ما يخص أطفال سوريا الذين ذُكروا في نص الإهداء، لا باعتبارهم هوية شرقية ناجزة بل بوصفهم مثالا فحسب، وهي تؤصل السؤال في سياق التاريخ الطويل للفن من خلال نماذج طالت أمثلة فنية عديدة، كما راوحت بين أبعاد تعبيرية وفلسفية كبرى، رافقت التصوّر العام للظاهرة الفنية فكريا وفلسفيا من أجل إنتاج رؤية للعالم لا تخرج عن اعتبار الفن دافعا نحو الحياة ومحفّزا على الفعل الإنساني في الكون من جهة، وطاردا للموت والعدمية والتلاشي أو ذاك الفائض العدمي الذي تسميه الكاتبة ''إرهابا'' من جهة ثانية.  ويضمّ الكتاب، ثلاثة أقسام، الأوّل جاء بعنوان ''تأويل الإرهاب'' والثاني ''الفن في زمن الإرهاب'' والثالث ''في إستيطيقا المقاومة''، وخاتمة تناولت القلق حول ما ستؤول إليه الأمور في بلداننا العربية، تحت عنوان ''قلق في المستقبل''.

وأشار العلوي بعد ذلك، إلى السياقات الفلسفية الكثيرة التي اشتغلت عليها المؤلفة وفق رؤية جمالية مركزية لا تنظر إلى العمل الفنّي من زاوية الوجود التعبيري الرمزي للإنسان في الكون فحسب، وإنّما تستنطق البعد الرّابط بين جمالية الفن ومتغيّرات الوجود الماهوي للإنسان من حيث فعله في الواقع، ويؤسس على ذلك الرسالة التي يتضمّنها الفن، والتي عبّرت عنها الكاتبة في ثلاثة سياقات؛ بدءا من اعتبار الفنّ أحد أعداء الإرهاب اللدودين، وأن معركته معه هي معركة فنية بالأساس، ليهتم السياق الثاني باعتبار الفنَّ في زمن الإرهاب ضربا من المقاومة، وليس مجرّد فنّ للفنّ أو فنّ مجرد من الغايات الحياتية. أما السياق الثالث، فتعبّر عنه الكاتبة في مقابل ما تسمّيه انفعالات العقل الكسول، المتراوح بين التفاؤل والتشاؤم، ذلك أنه "ثّمة إستيطيقا للحبّ والسّعادة ترغب في أن تكون بحجم الكارثة"، هي إستيطيقا ابتكار "الحبّ المضادّ لثقافة السلع المتوحّشة"، وهي إستيطيقا السعادة بما هي رغبة في ما هو مستحيل، ضدّ واقع قد لا يكون سوى أضعف إمكانات البشر.

واختتم العلوي كلمته حول الكتاب بالقول، إنه يبتدئ بالإرهاب وينتهي بالسعادة، عكس عنوانه، ففي الأمكنة المتعاظمة للموت ثمة دائما متسع للحب ورسم السعادة حتى وإن بدا الأمر مستحيلا، وأضاف: "إن السعادة ضرب من الوفاء للمستحيل، أو للأحداث التي قال فيها الضحايا كلمتهم"، لذلك تختتم الكاتبة كتابها بالقول، إن الفن يصلح لاختراق المستقبل لأن المستقبل هو قدرتنا الدّائمة على جعل البشر قادرين على الفرح مرّة أخرى.

وأشارت الأستاذة أم الزين بنشيخة المسكيني، في تعقيبها الموجز، إلى أهمّية ما تضمّنته القراءة حول الكتاب، وقالت إن عملية القراءة هي من شأن القارئ، بكل ما فيها من إعادة إنطاق للنص، وكل ما يمكن أن تتأوّله وتصل من خلاله إلى ما لم يكن في حسبان الكاتب أن يقصده أصلا، واعتبرت أن الكتاب من دوره أن يقول نفسه بنفسه اعتمادا على الإشارات المضمّنة فيه، والتي تمتد إلى أعماق الظاهرة الفنية وتُسائل مكنوناتها انطلاقا من التسلسل التاريخي الذي يحاكي العملُ الفنيُّ في متونه ما أسمته ''هضاب الواقع'' وتداخلاته. لينتج ذلك كله في النهاية دعوة صريحة إلى الحياة، وموقفا واضحا من العدمية والتلاشي، اللذين يتجسّدان في الإرهاب. وأشارت إلى أن الكتاب ليس إلا محاولة لإنتاج خطاب مغاير، يقوم على دعوة الشباب للتعبير عن الحياة بالفن، وممارستها بالفن، في مقابل الخطاب العدمي السائد الذي يخترق الواقع العربي.

وأحيلت الكلمة من ثم إلى الجمهور، الذي ساهم في النقاش؛ وقد طرح البعضُ أفكارا عن الكتاب وحوله، وأفكارا أخرى عن الفن بصوَره العامةِ في علاقة بالعنف، وطُرحت مسألة أخرى مهمّة لا يتضمّنها الكتاب بالضرورة، ولكنها تنطلق منه باعتبارها بعدا من أبعاده، ألا وهي مسألة قراءة الأبعاد الجمالية في الفعل العنفي، أو هل ثمة تداخل بين الإرهاب والفن؟ وهل يمكن اعتبار الفن دائرة تمسح كل زوايا الفعل الإنساني بما في ذلك الفعل العدمي، وقدّم المتدخّلون بعض الأمثلة التي يعمد فيها الإرهابيون إلى الفن لإكساب الفعل العدمي طاقة أكبر على الاستقطاب والتأثير، وأشار البعض الآخر إلى خطورة التصوّر القائم على عدم الفصل الصارم بين الفن، باعتباره منجزا إنسانيا خيّرا في ذاته وإمكانيات توظيفه عدميّا.

كما أثيرت نقاط أخرى مهمّة في النقاش؛ ومن بينها أن الكتاب الذي تقدّمه الأستاذة أم الزين بنشيخة المسكيني، يحصر النظر في الفن، في بعده الوظيفي، فلا تتصوّره خارج ما تسميه ''فعل المقاومة''، وأن فعل المقاومة ذاته مرتبط أساسا بالتجاوب التاريخي، بمعنى أن كل عمل فني هو فعل مقاومة في عصر ما، في حين أننا عندما ننظر في سياق العمل الفني باعتباره ماهية خاصة بذاتها، فلا نجد معنى للزمن أصلا؛ أي أن أهمية العمل الفني هي في النهاية تكمن في تلك الجمالية المطلقة التي لا تستجيب بالضرورة لا للتحديد الوظيفي ولا للتحديد الزمني.

كما تساءل أحد المتدخّلين عن مدى أهمّية معنى ''الشهادة'' الموظف في الكتاب، في إشارة الكاتبة إلى الشهداء الذين يسقطون ضحايا للفن، وما فعله الإرهاب في قاعة الباتكلان في باريس مثلا، وقد وصفتهم بأنهم ليسوا شهداء الوطن أو العلم أو الدين. وكأنها تبحث لهم عن معنى آخر لشهادة ما، أو لقب آخر لموتهم؛ لكأنّ موتهم ''صغير''! في حين أنه (الموت) ربما يكون أكثر قداسة ورمزية بذاته، دون الحاجة إلى تمييزه بالألقاب.