حلقة نقاش حول كتاب ''كتابة السيرة النبوية لدى العرب المحدثين'' للدكتور حسن بزاينية

فئة: أنشطة سابقة

حلقة نقاش حول كتاب ''كتابة السيرة النبوية لدى العرب المحدثين'' للدكتور حسن بزاينية

نظّمت جمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية ومؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، السبت 28 مايو الجاري، بمقرّهما الكائن بتونس العاصمة، حلقة نقاش حول كتاب ''كتابة السّيرة النبوية لدى العرب المحدثين'' للدكتور حسن بزاينية، مع قراءة في الكتاب قدّمها د. محمد بن الطيب، وأدار الجلسة د. نادر الحمامي، بحضور ثلة من المثقفين والباحثين.

وافتتح د. نادر الحمامي اللقاء بكلمة ترحيبية بالمتدخلين والحضور، وقدّم لمحة عن الكتاب المحتفى به، فأشار إلى كونه في الأصل رسالة لنيل شهادة الدكتوراه قدّمت بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس. وأشار إلى أهمّية الموضوع وتأثيره في الحضارة العربية الإسلامية قديما وحديثا.

وأحيلت الكلمة إلى د. محمد بن الطيب الذي أشار في البداية إلى أنه تابع البحث منذ أن كان فكرة في ذهن صاحبه إلى أن صار إنجازا متحقّقا في الواقع. ثم قدّم لمحمة عمّا سمّاه بـ ''معمار الأطروحة''؛ أي بنيتها العامّة وتقسيمها ومنهج تبويبها وتفصيلها لموضوع كتابة السيرة، فعيّن أبوابها وفصولها تعيينا وصفيّا مفصّلا، وخلص إلى الحديث عن مسألة كتابة السيرة في مواضيع ثلاثة اعتبرها مهمة؛ ويهمّ الموضوع الأوّل منها استكشاف تاريخ تدوين السّيرة، وعلاقة العرب المحدثين بذلك التّاريخ منذ القديم وصولا إلى العصر الحديث. ويهم الموضوع الثاني البحث في اتجاهات الكتابة حول السيرة وحدّدها بثمانية اتجاهات، تنطلق كلّها من قراءة النصوص من الداخل، واستجلاء البعد المقاصدي لكتابة السيرة. في حين يهم الموضوع الثالث تبيُّن انفتاح كتابة المحدثين في السّيرة على التاريخ والتوظيف الأيديولوجي، واستعادة الخطاب التمجيدي القديم وإحياء المرويّات السنّية وإماتة غيرها.

وانطلق من ذلك نحو إعادة رصد لأهم النّتائج التي توصّل إليها البحث؛ ومنها اعتبار أن كتابة السّيرة الحديثة على يد الشّيعة كان لونا مخالفا للسائد، وخارجا عن تصوّراته التّاريخية، ولكنه لون مذهبي، فهو ينتصر لمواقف الإمامية في السّياسة، وأنّ تعدّد ألوان السّيرة الحديثة كان متأثرا أيضا بالعقيدة المسيحية، فقد تم التوسّل بتاريخ الكنيسة من أجل توحيد العرب النصارى والمسلمين على قاعدة الإيمان بإله واحد وتاريخ واحد، من أجل مقاومة الفتن والتصدّي للصهيونية، كما تأثرت كتابة السيرة الحديثة بالمنهج الاشتراكي لثورة يوليو الناصرية وتم تصوير النبي، باعتباره بطلا قوميّا.  

ثم عقّب بن الطيب على مسألة الوظائف، وقال بأن البحث يفيد بأن كتب السيرة الحديثة ذات وظائف هامشية ورئيسة، وفصّل في ذلك القول بأنّها إلى جانب الاضطلاع برصد الصورة الكبرى للنبي من خلال إعادة كتابة تاريخه، فإن كتب السّيرة الحديثة قد سعت إلى التكسّب بالتاريخ، والرّدود على مطاعن المستشرقين، من ذلك مثلا تفنيد تهمة عشق النساء وحب القتال عن النبي.

وقال بأن البحث يثير العديد من الاستفهامات ويناقشها، ومنها ما يتعلّق بما الذي أضافه كتّاب السيرة المحدثون إلى كتّاب السيرة القدماء؟ ومنها ما يتعلّق بمدى علميّة هذه الكتابة الحديثة، ومدى حضور الحس التاريخي والمعرفة المجرّدة فيها؟ ومنها ما يتعلّق بسرّ العودة القوية إلى كتابة السيرة؟

وخلص من طرح هذه الأسئلة إلى اعتبار أن قيمة الكتاب تكمن في أن الباحث أحسن من حيث استطاع فتح نافذة على أحوال الفكر العربي الحديث وعلاقة هذا الفكر بالمفكرين الغربيين (رؤية غير المسلمين إلى الإسلام).

وأشار في ختام كلمته إلى أن بعض الجوانب في هذا البحث تبقى محل نقد واجتهاد؛ من بينها مدى نجاح الباحث في اختيار النّماذج التي عوّل عليها في تقديم الصّورة الحقيقية لكتابة السّيرة لدى العرب المحدثين، قائلا بأنه ربما كانت هناك نماذج أخرى أقصاها الباحث وهي أهم من تلك التي اختار التّعويل عليها، وقال أن ما يراه الباحث ممثلا لمدونة السّيرة في العصر الحديث قد لا يراه غيره كذلك، وتساءل بعد ذلك عن سبب اهمال الباحث التيار الثالث الكبير من تيارات الإسلام، فقد اهتم بالسنّة والشيعة ولكنه أهمل الخوارج، خاصة ما تبقّى منهم، أي الفرع الإباضي، ورأى أنّه لو تم الاهتمام بدراسة كتابة السيرة لدى أعلام من الإباضية المحدثين، لتحقق للبحث مزيد من التوازن. كما أشار إلى أن الخيط الفاصل بين الاتجاهات والوظائف في البحث لم يكن بارز السّمات بما فيه الكفاية، فالاتّجاه قد يغدو وظيفة والوظيفة قد تغدو اتجاها.

واستعاد الكلمة د. نادر الحمامي فعرض بعض الملاحظات حول الكتاب؛ ومن بينها اختلاف النصوص المكتوبة حول سيرة النبي قديما وحديثا عن السّيرة في حدّ ذاتها، باعتبارها حدثا مندرجا في التّاريخ، بناء على فكرة أن عملية كتابة التّاريخ هي عمل استرجاعي للتاريخ وليست التاريخ في حدّ ذاته، وبذلك فما يسمى حقيقة تاريخية موضوعية كاشفة للتاريخ كما وقع تصبح بدون معنى في الحقيقة، لأنها تحمل هواجس الكاتب وانتظاراته من الحدث التاريخي، وبيّن ذلك من خلال أمثلة، فعندما يقال، على سبيل المثال، في نصوص السّيرة إن أوّل من أسلم من الرّجال علي بن أبي طالب، فإن ذلك يضفي على شخصية عليّ شرعيّة خلافة النبي، وهو ليس كما يقال، مثلا، إن أوّل من أسلم من الأحداث عليّ، لأن الحدث ليس راشدا بعدُ، وذلك ينزع عنه الشرعية لاحقا. وخلص بالتالي إلى تأكيد أن المسلمين كانوا يكتبون تاريخهم هم، وهواجسهم المتأثّرة بواقعهم من خلال عملية كتابة سيرة النبي قديما وحديثا. ثم عرض ملاحظة أخرى تخص تمثّل السّيرة لدى كُتّابها، باعتبارها نهاية التاريخ أو منتهاه، فما قبل السّيرة في كتب التاريخ هو تبشير بمحمد، والسّيرة هي نواة التاريخ وقلبه، وما بعد السيرة هو تحقّق لما ورد في السّيرة. وبيّن بأن هذا أساسا هو لبّ الفهم السّلفي للتاريخ الذي يقوم لا على اعتبار السيرة جزءا من التّاريخ، بل على اعتبارها نواة التاريخ التي لا مناص من العودة إليها لتحقيق الوعد الإلهي.

وأحيلت الكلمة إلى د. حسن بزاينية ليتحدث عن كتابه ويعقّب على بعض الملاحظات، فتحدّث عن حيثيّات النّظر في مدونة السيرة، وعن صعوبة النبش في الرؤى والمفاهيم والمحاولات الكبرى في قراءة السّيرة قديما وحديثا، وتبويب المادّة وفق ترتيب يراعي ثنائية المنهج والوظائف. وقال بأن هاجسه الأوّل في اختيار هذا الموضوع للبحث فيه كان محاولة الإضافة، وأنه قد اكتشف أن هذه المدوّنة ضخمة جدا عندما اطّلع على إحصاء يعود إلى سنة 1982 ورد في مقال لمحمود مراد، يقول إن ما ألّف في السّيرة، بداية من أواخر القرن التّاسع عشر، يفوق بأضعاف ما ألّف فيها خلال ثلاثة عشر قرنا.

وأشار إلى أن ذلك ما مثّل لديه قادحا للتساؤل والبحث خاصّة وأن اطّلاعه الأوّلي على بعض تلك المؤلفات في السّيرة لم يكن يضيف أيّ جديد على ما ورد في مدوّنات القدماء (ابن هشام وابن إسحاق وغيرهما...). وأكّد أن هاجسه في خضمّ البحث في كتابة السّيرة لم يكن البحث في الحقيقة التّاريخية ولا حقيقة ما احتوته من أحداث أو روايات، بقدر ما كان محاولة البحث عن تمثّل صورة النبي لدى المسلمين وتتبّع تطوّر تلك الصّورة في أذهان المعاصرين والمحدثين، قائلا بأن الصّورة هي التي تفعل في الحضارة أكثر من فعل الحدث التاريخي حقيقيا كان أم متخيّلا.

وفسّر اختياره لذلك بنزوع الدّراسات الحضارية عموما، لا إلى التّحقيق التّاريخي، بل إلى دراسة المخيال والصّورة وتحليل كيفيات تمثّل تلك الصّورة بالاستناد إلى الواقع، وهذا ما جعل كتابة السّيرة في العصر الحديث متداخلة مع السّيرة الذاتية والسّيرة القومية والسّيرة القُطرية والمذهبية... وقدّم مثالا عن ذلك يهم استحضار "المحن" التي عاشها الرّسول في "المحن" الشخصيّة والقومية التي يعيشها زعيم قومي أو أمّة.

وأشار بالتّالي إلى أن كتابة السّيرة لدى المحدثين كانت تعبّر عن صفحة من التّاريخ العربي الحديث والوجدان العربي الاسلامي، وهذه الصفحة لا تزال فاعلة في التاريخ العربي والإسلامي إلى اليوم.

وفي ردوده على بعض النّقاط التي أثارها المتدخلان قال بأن البحث في المصادر الحديثة التي تخصّ كتابة السيرة لدى الإباضيّة لم يُوقِع بين يديه إلا مصدرا وحيدا طبع في عُمان تحت إشراف الدّولة، وقد شارك في تأليفه بعض الإباضيين التّونسيين، وأنه لم يجد في هذه السيرة أي اختلاف، ولا أية دلالة مذهبيّة واضحة، يمكن أن يستفيد منها البحث في بيان وجهة النّظر الإباضية الحديثة حول حياة الرسول وسيرته، على خلاف ما وجد لدى الشيعة والسنة. ووصفها بأنها ''سيرة باهتة اكتفت بإعادة الروايات القديمة دونما توظيف ولا إضافة''.  

ودار نقاش بين الحضور والمتدخّلين والباحث، تناول نقاطا عديدة تخص التّأليف القديم والحديث في السّيرة والتّأثير الاجتماعي والسّياسي والأيديولوجي الذي مورس من خلال السّيرة النّبوية، باعتبارها تمثّلا لواقع تأسيسي، وباعتبارها علامة فارقة في التمثّل الإسلامي الحديث للواقع التّاريخي القديم، وهو ما يجعل من السّيرة تقفز من بوتقة اعتبارها حدثا تاريخيا عاديا كان له تأثيره في المسار الحضاري الإسلامي التأسيسي، إلى اعتبارها حدثا له انعكاس بالضرورة على الواقع الحديث، وهو ما يفسّر تلك ''الهبّة'' نحو التأليف في السيرة وتوظيفها وإعادة تمثّلها والبناء عليها والاستلهام من مفاصلها.