سينما دال: عرض فيلم (رجم ثريا)

فئة: أنشطة سابقة

سينما دال: عرض فيلم (رجم ثريا)

 سينما دال  وحضور يتجاوز حدود المساحة

أربعة مشاهد وسياق واحد


التأثير العاطفي هو الجوهر، أي إنه القوة والكيفية، وهو موضوع تعبير، ذلك أنه لا يوجد مستقلاً عن شيء يعبر عنه مع أنه مختلف عنه تماماً".

هكذا لخص دولوز دور السينما وماهيتها، فعبر الصورة تصل الرسالة البصرية إلى عقل المشاهد بأقل مقاومة، حيث تعيد بتأثيرها العاطفي الطاغي تشكيل وعي الجمهور، وتكثيف محتوى الرسالة التنويرية في صورة مرئية، تخاطب وجدان المشاهد لتعيد تحديد أولوياته ومنطلقاته.

هكذا جاءت فكرة "سينما دال" محاولة لإحداث نوع من التكامل بين الأدوات المعرفية، من خلال معايشة الواقع، عبر إلتقاط أطراف الخيوط، بقراءة حاولت أن تكون أكثر وعيا لظروف الراهن واحتياجاته، وترجمة ذلك بعرض أفلام ذات طابع تنويري، تحمل بين ثنايا الصورة مضمون الرسالة وأهدافها، وبالتالي فهي ليست سينما تجارية، أو مجرد عروض عادية تعرض ما هو رائج، وإنما هي فكرة تحاول تطوير آليات تشكيل الوعي، لما للصورة من قدرة على الوصول إلى أكبر عدد ممكن، بفضل قدرتها على التسلل بمرونة فائقة إلى حيت محددات السلوك ومواطن الإدراك.

والمستهدف الرئيسي هو الشباب الذي يظل رهان مركز دال الدائم، يخوض معهم وبهم مغامرة فكرية وإنسانية، طموحها بلا سقف، أو تعقيدات أيديولوجية تكبلها، المغامرة معهم لا تتوقف أبدا، وفريق العمل حريص على الانتباه واستطلاع الانطباعات والانفتاح على أفكارهم بشكل دائم .

ومع نجاح الفكرة، والجماهيرية التي اكتسبتها بشكل يفوق التوقعات، بادر القائمون بتطويرها من خلال اختيار نوعيات معينة من الأفلام تحاول استشراف مستقبل جديد تسوده قيم التسامح والتنوير، مع ترتيب الأفكار من خلال نشرة يتم الإعداد لها، تروج لمنظومة الأهداف، وتتناول رسالة الفيلم المعروض.

مشاهد عديدة يرصدها القائمون بعين الاهتمام والتحليل المنهجي من خلال متابعة نادي سينما دال كل أربعاء، نحاول أن نقترب منها أكثر في السطور التالية:

مشهد أول:

رجل يخرج من المصعد وقد اصطحب طفله وزوجته وأمه موجهًا السؤال لأقرب شخص أمامه: هل هنا سينما دال؟ فيجيبه أحدهم نعم، بعدها تتجه الأسرة الصغيرة مهرولة إلى حيث قاعة العرض لمشاهدة الفيلم المعروض.

يقف مخرج الفيلم عند باب المصعد وهو يتابع المشهد قائلا للمنظمين: ما تفعلونه حقا غير مسبوق، أن تخرج أسرة من بيتها في هذا الموعد؛ لتبحث عن مكان في سينما دال لمشاهدة فيلم تسجيلي ! هذا إنجاز.

كان سيناريست الفيلم قد اتصل قبل العرض بساعات يطمئن في قلق حول عدد الحضور، متسائلا عن إمكانية الإتصال بالبعض لضمان وجود جمهور! وعندما دخل إلى قاعة السينما تبدد قلقه تماما، وهو يشاهد مجموعات كبيرة من الشباب وقد اتخذوا أماكنهم في قاعتي العرض، جمهور أكد أنه الأكبر الذي يشاهد الفيلم، إنهم ببساطة جمهور سينما دال .

مشهد ثاني:

عشرات الاتصالات يستقبلها مركز دال يوميا قبل موعد عرض فيلم "عن يهود مصر...نهاية الرحلة" للاستفسار عن كيفية الوصول، ومئات من المشتركين على صفحات التواصل الاجتماعي يسارعون إلى الإنضمام لحضور أمسية عرض الفيلم.

 قبيل العرض تدخل ماجدة هارون ابنة المناضل المصري اليهودي شحاتة هارون، ورئيسة الطائفة اليهودية إلى قاعة السينما تتأبط ذراع المخرج أمير رمسيس، تبدو الدهشة على ملامحها وهي تقول:"ما كل هذا الشباب؟". يبدأ العرض ويظهر التأثر على الحضور الذين اكتشفوا أن من تجلس إلى جوارهم على الأرض من شدة الزحام هي اليهودية المصرية الوطنية ماجدة هارون، وسرعان ما تحاصر جموع الشباب الضيفة يسألونها عن حياتها وأحوالها، وقد تحول الحزن إلى ابتسامات وضحكات ترسل عبر المكان رسالة التسامح، فرسالة دال تستحيل إلى حقيقة، ورهانها علي الشباب يؤتي ثماره، فالصورة النابضة بالصدق تخلق المودة وتنزع الكراهية أينما وجدت.

مشهد ثالث:

كان الجمهور على موعد مع عرض الفيلم الفلسطيني "عمر"، احتشدت الجموع  في قاعة سينما دال الرئيسية واكتظت القاعة المساعدة عن آخرها، ولا زال الجمهور يتوافد بكثافة، فقضية فلسطين نبتة تنمو وتتجدد في روح الشباب وتثمر مع كل جيل، ومهما أساءت  السياسة إليها فالفن قادر على تصفية الخلافات، والشباب الذي بكى مشهد تأبين نادية هارون اليهودية المصرية  في فيلم "عن يهود مصر" هو نفسه من استوعب في خشوع رسالة أختها ماجدة :"بأن التراث اليهودي المصري ملك للمصريين" وهم أيضا من بكى حينما قالت في أسى أنها:"تخشى من انقراض الطائفة اليهودية ..وأن آخر الديناصورات كان حزينا قبل أن يموت"، هو نفسه الجمهور الذي تفاعل مع عمر وقصة حبه أثناء تعذيبه على يد ضباط الموساد، ومنهم من شعر بانتصار بسيط بعد قتل عمر لضابط المخابرات الإسرائيلي في النهاية

 من خلال المشهدين تظهر الرسالة، ويدرك الجمهور دون توجيه الاختلاف الشاسع بين يهودي مصري مثل شحاتة هارون يتقاسم مع أبناء الوطن لقمة العيش وبين احتلال يرتدي مسوح اليهودية لابتزاز ضمائر العالم، ولتسويغ ممارساته الإرهابية في فلسطين المحتلة، هنا يتشكل وعي قادر على إدراك الحقائق والتمييز بينها.

 مشهد رابع

الأعداد تتوافد قبل العرض بساعة، في ترقب للفيلم الإيراني "رجم ثريا"، بدأ الجدل بين الحضور قبل عرض الفيلم، أحدهم يرى أنه فيلم إيراني فارسي يتناول جريمة اقترفها إيرانيون بحق "ثريا" - بطلة الفيلم والأغلبية ترى أن الفيلم يعكس ذكورية المجتمعات الشرقية.

يبدأ العرض وسط زحام شديد وتنافس حول الجلوس على المقعد الأقرب للشاشة، سرعان ما تحول إلى تنافس لإيجاد موقع لقدم بين الزحام، مع إصرار البعض على الحضور برغم التكدس، واعتذار القائمين على الفاعلية للعشرات على عدم قدرة المكان على استيعاب المزيد.

حقق الفيلم تجاوبا وتفاعلا كبيرا، دموع تمتزج بصيحات الاستهجان، وسط جدل ساد الحوارات الجانبية حول مفاهيم الذكورية وحقوق المرأة وحد الرجم وغيرها من الأفكار، عشرات الصخور قذفت في بركة راكدة فأحالتها إلى نهر جار ومتجدد من الأفكار والرؤى بين الحاضرين على اختلاف توجهاتهم.

ولعل دموع الفتيات – صاحبات الحضور الأكبر في هذا اليوم- خير دليل على وعي يمتد في الوجدان تكثفه الصورة وتجسده  الدموع على "ثريا" الضحية البائسة.

وليس أدل من تعليق مشاهدة لعلها لخصت كل ما دار من تفاعل وما أثاره الحدث من مشاعر مختلطة ننقلها بأسلوبها كما كتبته على صفحة دال دون تدخل :

" الفيلم مفيش كلام يوصفه... هو مأساوي بس رائع مش راكبين على بعض بس مش عارفه

حقيقي مفيش كلام يوصفه.. وبجد كل بنى أدم لازم يشوفه 

لأول مرة اشوف فيلم مفكرش في اي حاجة تانية غير في كل تفصيله فيه... ساعتين كاملين

مخي متشتتش للحظة في أي حاجة غير الفيلم... مفيش غير أول لقطة في الرجم مستحملتش

وقررت اني مش هبص لحد ما المشهد ده يخلص، بس حقيقي مع تاني طوبة مشتحملتش الص

وت كمان وابتديت أعيط وخرجت من الفيلم ... 

وانا بره كان ليا فرصه اني أشوف ردود أفعال الناس وكانت منقسمة لناس علامات الذهول ماليه وشها وفاتحه بقها على الأخر، وناس علامات الذهول على وشها برضه بس حاطين ايديهم على بقهم، وناس فاتحه عياط، وناس مستحملتش زيي وخرجت، وناس حاطة ايديها على عنيها مش عايزة تبص يدوب كل كام ثانية يبص ويغمض تاني، وفي واحد فقد وعيه!! أه والله أغمى عليه وخرجوه من السينما وقعدوا خمس دقايق يفوقوا فيه "حمد لله على السلامة"...

مشهد العربيه الأخير لما عطلت واضح اننا كلنا انفعلنا معاه جامد.. كنت واقفه بتفرج من بره وكان في واحد من المنظمين واقف جنبي قال السينما كلها هتنزل تزق معاه وليقته بصلي وقالي إطمنى هتمشي "تقريبا كنت إبتديت أزعق وهدخل في مرحله انهيار" ... المهم انه لما علق على انفعالات الناس وحتى لما طمنى ان العربيه هتمشي انا عيني متشاليت من على الشاشة لا علشان أشوف رد فعل الناس ولا حسيت اني إطمنت ان العربية هتمشي... عيني فضلت متسمرة على الشاشة!! 

في أسئله عايزة أعرف إجابتها بجد: 

هو الصحفي ده لسه عايش؟

لو لأ مات ازاي؟

  أطفالها وبعض الشخصيات اللي في الفيلم لسه عايشين؟ لو أه هما عايشين عادي كدة محدش

فكر ينتحر أو يقتل نفسه؟

  هيا الناس دي شافت الفيلم ده؟

هما دول ناس أساساً؟"