قراءة علمية حول كتاب: "الاتجاه الفوضوي في فلسفة سارتر" للدكتور عبد الحي أزرقان

فئة: أنشطة سابقة

 قراءة علمية حول كتاب: "الاتجاه الفوضوي في فلسفة سارتر" للدكتور عبد الحي أزرقان

في إطار أنشطتها المستمرة، نظمت مؤسسة مومنون بلا حدود للدراسات والأبحاث مدارسة لكتاب "الاتجاه الفوضوي لفلسفة سارتر" لكاتبه عبد الحي أزرقان، يوم الجمعة 16 يونيو بصالون جدل الثقافي التابع لمقرها بالرباط، شارك فيها، بالإضافة إلى مؤلف الكتاب، كل من الدكتور محمد الغيلاني والدكتور مروان لحميداني، أستاذي الفلسفة بجامعة مكناس.

سعى مروان لحميداني في قراءته لمؤلف الأستاذ عبد الحي أزرقان إلى تتبع مسار الحجة لديه  من تحليلات سارتر الأنطولوجية إلى مقاربته للمجموع العملي و الاجتماعي/السياسي، حيث رأى أنه يدافع عن أطروحة مفادها أن جذور التوجه الفوضوي حاضرة منذ كتاباته الأولى، وستتخذ ملامح أوضح في كتاباته اللاحقة.

ينطلق المؤلف، في نظر لحميداني، من نقد التأسيس الذاتي الذي استأثر بالفلسفة منذ اليونان وصولا إلى المرحلة الحديثة، ويتتبع مظاهر انزياح سارتر عن التأسيس الذاتي وتوجهه نحو ربط الأساس بالإنسان الفرد المشخص، لكن الطابع الوجودي للحرية بما هي فعل تعديم مقترن بالوعي الفردي يجعل الفاعلية الإنسانية مقترنة بالنفي، يكون بهذا المعنى نشاط الحرية مطابقا لخاصية النفي المميزة للوعي الإنساني.

هكذا تجسد الثورة انطلاقا من ذلك الفعل الأصيل للحرية بما هي رفض وهدم وتعديم مستمر، مما يؤكد، حسب مروان لحميداني، صلاحية فرضية القراءة التي يقترحها الكاتب لفهم عمل فلسفة سارتر، وهي أخذه بالنزعة الفوضوية وتأصيل عناصرها في كتاباته.

من جهته، قدم محمد الغيلاني ورقة تحت عنوان: "الفوضوية السياسية في فلسفة سارتر: قراءة في كتاب الاتجاه الفوضوي لفلسفة سارتر" حاول فيها أن يتناول أشكال تسرب الاستلاب إلى التشكيلات الاجتماعية التي يقوم المؤلف بتوصيف أهم معالهما في فلسفة سارتر، حيث نجده، حسب الغيلاني، يكشف عن نواتج تمأسس الممارسة الإنسانية، والتي تنبني على نوعين من البنيات. توقف  صاحب الورقة عند البنيات المباشرة وكيف تساهم في إنتاج الاستلاب؛ ثم قام بمراجعة المستوى الثاني من هذه البنيات التي يصنفها الكاتب بوصفها بنيات أساسية تنتج التحرر.

تحتل الوحدة موقعا مركزيا في فلسفة سارتر؛ فهي تمثل أساس العلاقات الإنسانية. وقد حاول الغيلاني أن يبين أن ما يهم سارتر هو طبيعة الوحدة التي تفرزها هذه البنيات؛ فمن جهة، هناك وحدة تنتج الاستلاب، وهي وحدة خارجية تنبني على الواقع المادي، أساسها قائم على الغيرية؛ ومن جهة ثانية، وحدة أخرى هي ثمرة الحرية تخدمها وتنتفي فيها الغيرية.

وعليه، فقد ركز محمد الغيلاني  على موقع وطبيعة الوحدة التي يؤكد عليها سارتر بما هي مقياس كل علاقة إنسانية، لذلك عد سارتر الوحدة الحقة  تلك التي تتحقق فيها الإنسانية كما لو أنها فرد واحد والمقصود من ذلك، أن تتطابق الممارسة الإنسانية كافة بهدف تحقيق غاية واحدة. كيف يفسر سارتر تحقق الحرية/التحرر بانتفاء الغيرية؟

كيف بمكن التحرر من الاستلاب؟ يدفع سارتر بالأطروحة التالية: الوحدة الخارجية تؤدي إلى تعميم الاستلاب داخل المجتمع. ولذلك، سيرفض سارتر في كتاب الوجود والعدم الاعتراف بأية وحدة بين الممارسات، نجده يقر بالاستلاب ويرفض الوحدة في مظهريها الداخلي والخارجي، فلا وجود لذات جماعية سواء بحسبانها ذاتا فاعلة أو منفعلة، هنا يمثل المصير جحيما.

لقد تابع الغيلاني في قراءته لكتاب الأستاذ عبد الحي أزرقان التفسيرات التي يدفع بها سارتر في كتابه دفاتر الأخلاق، حيث نجده يميز بين نمطين من الوحدة: وحدة زائفة ووحدة حقيقية، بينما في كتابه نقد العقل الجدلي، نجده يعتني بالفكرة التي بسطها في دفاتر الأخلاق مع الاعتراف بالوحدتين، حيث يصل الأولى بالاستلاب والثانية بالحرية/التحرر.

فبأي معنى، يتساءل الغيلاني، يمكن القول إن ما ينتج عن العلاقات البين فردية هو وهم الذات الجماعية الناتج بدوره عن وهم الانسجام الداخلي. وما الذي تنتهي إليه تجربة الذات الجماعية؟

للإجابة عن هذا التساؤلات، قام صاحب الورقة بمراجعة الحجج التي يعتمدها سارتر في دفاعه عن الفردية ودحضه الجماعية.

يتصور سارتر أن الانتماء إلى جماعة (نحن) يحصل كشعور باستلاب جذري للوجود في ذاته، فالفرد هنا يكون مكرها على تحمل كيان كلي لا يشكل معه وحدة وإن كان ينتمي إليه، يصف سارتر هذا الانتماء بتجربة الذل والضعف.

وقد ختم محمد الغيلاني ورقته بتناول منظور سارتر للمؤسسة وللسلطة؛ فانسجاما مع فوضوية سارتر، نجده يذهب إلى نقد كل أشكال المأسسة، لأنها تعكس برأيه تراجع التحرر الفعلي للفرد. تعد المؤسسة، في تصور سارتر، انعكاسا لفقدان (شفافية وسيولة) الممارسة الفردية؛ فكلما تضخمت السلطة احتاجت إلى المؤسسة. بناء على هذه الحجة، توقف عند موقف مؤلف الكتاب من غياب نموذج مجتمعي في فلسفة سارتر، فهو يعتقد ألا وجود لمجتمع نموذجي إلا بالمعنى الذي يقوض فيه الفرد المؤسسة، لأنها رمز الاستلاب.