قراءة في كتاب: "الجسد الأنثوي وهوية الجندر" للدكتورة خلود السباعي

فئة: أنشطة سابقة

قراءة في كتاب: "الجسد الأنثوي وهوية الجندر" للدكتورة خلود السباعي

نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، يوم الجمعة 13 يناير، بمقرها بالرباط، ندوة علمية عبارة عن قراءة في كتاب الدكتورة خلود السباعي، الموسوم ب"الجسد الأنثوي وهوية الجندر" شاركت فيها، بالإضافة إلى مؤلفة الكتاب، الأستاذتان، زينب النجار، من كل الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، والأستاذة زهرة الخمليشي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان.

   سعت ورقة  الدكتورة زينب النجار إلى الكشف ومن خلال هذا الكتاب، عن الأبعاد السوسيولوجية للعلاقة بين الجسد الأنثوي والتمثلات التي تحملها المرأة والمجتمع عن هذا الجسد، وعن التحولات التي أثرت في هذه العلاقة وفي هذه التمثلات، ذلك أن الجسد - كما ورد في الكتاب- ، تقول صاحبة الورقة،  مثل منذ القديم المظهر الخارجي للشخصية والواجهة التي يتم بواسطتها الإعلان عن الانتماء الثقافي والاجتماعي، والهوية التي تمنح للشخص إحساسه بالانتماء، الشيء  الذي أدى بمختلف الدراسات المعاصرة إلى إعادة النظر في مفهوم الجسد، باعتباره معطى ثقافيا وواقعة اجتماعية دالة، وخاصة جسد المرأة الذي يحمل بعادا تمس الأسرة وساليب التنشئة الاجتماعية ونماذج الخطاب حوله أبأبعادا تمس الأسرة وأساليب التنشئة الاجتماعية ونماذج الخطاب حوله.

 كل هذا يؤدي بنا في إطار قراءة النجار  لهذا الكتاب إلى طرح الإشكال التالي: ما هي الأبعاد السوسيولوجية لمضامين هذا الكتاب ؟ ما هي الأوضاع الاجتماعية للمرأة القروية في منطقة وادي لاو؟ وما تأثير المستوى السوسيو اقتصادي والثقافي على تمثلها لجسدها؟ هل علاقة المرأة القروية بجسدها تشكل تمثلا مؤطرا بالدلالات والقيم الاجتماعية والثقافية؟

 للجواب عن هذا الإشكال، حاولنا من خلال هذا الكتاب رصد ثلاث قضايا سوسيولوجية: الفقر والهشاشة ومستوى العيش، الصحة والتعليم، الهوية الجندرية.

   وتظهر الأهمية العلمية لقراءة هذا الكتاب، حسب الدكتورة زينب،  في كونها محاولة للكشف عن مختلف الأبعاد النظرية والمنهجية من الناحية السوسيولوجية لهذا الكتاب الذي تطرق لموضوع ذي حساسية خاصة، وهو جسد المرأة في وسط قروي، وإلى الدور الفعال للنساء كعامل محرك نحو التغيير، في إطار قلة الدراسات المنجزة حول هذا الموضوع اعتمادا على مصادر ومراجع علمية مختلفة، وعلى أدوات وتقنيات منهجية متنوعة (الملاحظة بالمشاركة، المقابلة). وأبرز من جهة أخرى على المستوى الميداني، أن تمثل المرأة القروية للجسد الأنثوي له انعكاسات على تقييمها لهويتها في بعده الفردي الأنثوي من جهة، ثم في بعدها الاجتماعي القروي من جهة ثانية، وذلك في ظل ما أصبح يميز الهوية القروية من تحولات تتجه نحو الأخذ بالممارسات الجديدة المستقاة من المجالات الحضرية مع الحفاظ على ما هو قروي؛ وذلك استنادا إلى عينة مكونة من نساء عازبات ومتزوجات ومسنات وشابات (دون تحديد العدد) تم اختيارهن بطريقة عشوائية بناء على ثلاثة متغيرات، وهي: مؤشر الانتماء السوسيو اقتصادي، مؤشر السن، مؤشر الحالة العائلية الزواجية. وهي كلها مؤشرات سوسيولوجية معتمدة من طرف المؤسسات الدولية المهتمة بقضايا التنمية في تحديد مستوى الفقر أو التنمية البشرية. أما مجتمع الدراسة، فتمثل في منطقة قروية هي "واد لاو" بجبالة ضمن إقليم تطوان.

   وقد قامت خطوات التحليل التي اعتمدتها المؤلفة على تعيين أشكال الخطاب حول الجسد، ثم تعيين التمثلات التي يتوفر عليها الخطاب، ثم استنتاج التقييم الذي تمنحه المرأة لهويتها القروية، في إطار سيكو اجتماعي، اعتمادا على مقاربة النوع، باعتبارها أحد الآليات المعاصرة التي من شأنها أن تقرب أكثر من فهم بعض السمات السيكو اجتماعية المميزة للمرأة القروية داخل سياقها الثقافي الاجتماعي والتاريخي.  ولهذا، فإن أهم المحاور المشكلة لهذا الكتاب هي الجسد ، الهوية، المرأة ، المجتمع.

من جهتها، بينت الدكتور زهرة أن الإشكالية الأساسية  التي أطرت هذه الدراسة  تمحورت في السؤال التالي: كيف تتمثل المرأة القروية في منطقة جبالة جسدها؟ وما هي انعكاسات هذا التمثل على إحساسها بهويتها القروية؟        

  هذا السؤال، تقول الدكتورة زهرة، حاولت الباحثة الإجابة عنه من خلال دراسة ميدانية معمقة لمنطقة واد لاو بشمال المغرب، معتمدة على المنهج الأنثروبولوجي خاصة الملاحظة بالمشاركة، ومعايشة أهل واد لاو والاطلاع عن حياتهم اليومية ونمط عيشهم ،علاوة على الملاحظة المباشرة الدقيقة، استندت على المقابلات والحوارات العميقة لفئات عمرية مختلفة من النساء  ومجالستهن.

 فقدمت وصفا دقيقا وشاملا للمجتمع المدروس، شمل معظم الظواهر الاجتماعية للمنطقة كالممارسات اليومية للنساء، والتراتب الاجتماعي وبنية القبيلة ونظامها الاجتماعي والأخلاق القبلية، والبنية الاقتصادية...   كما ارتكزت خلود السباعي، حسب الخمليشي،  في هذه الدراسة على مقاربة النوع الاجتماعي للتمييز بين الفطري البيولوجي والمكتسب (الثقافي) وتأثير هذا التداخل ما بين الطبيعي والمكتسب وبين الفردي والاجتماعي على خصائص الأنوثة والفهم الأعمق لها.

     وتوصلت الباحثة في هذه الدراسة، في نظر زهرة الخمليشي، إلى نتائج عديدة منها بالأساس؛ كيفية تشكل الهوية الجندرية والفرق بينها وبين الهوية البيولوجية، ثم انعكاسات الهوية الجندرية على حياة  النساء بواد لاو في المجالات مختلفة من حياتهن.

هذه النتائج يمكن حصرها في العناصر الآتية:

     - العمل من المجالات المهمة التي بينت الباحثة تأثيرات الجندر فيه، حيث تتميز النساء في منطقة واد لاو بمشاركتهن المتزايدة في الإنتاج من خلال العمل الزراعي وتربية الحيوانات بيع البعض من هذه المنتوجات. ووضحت الفجوة الكبيرة بين مشاركة  الرجال القليلة مقارنة مع النساء في قوة العمل المشاركة التي سمحت لهن بالملكية، لكن مع ضعف وانعدام مشاركتهن في القرارات الاجتماعية. - قلة انعدام مشاركة الأزواج للزوجات في العمل المنزلي ومهام رعاية الأطفال . - عدم المساواة بين الجنسين في فرص التعليم. - تعزيز الثقافة السائدة في المنطقة لللامساواة بين الرجال والنساء سواء في اتخاذ القرارات المصيرية أو التحكم في الجسد وتقييد العناية به وسيادة التمثلات التقليدية والنمطية لأدوار الرجال والنساء وللمرض والصحة، مما يؤثر سلبا على صحة النساء اللائي يجدن أنفسهن في ظل الأوضاع التي يعشنها محاصرات بالفقر والأمية وضعف البنيات التحتية في المنطقة ، الاحتفاظ بالتمثلات التقليدية للمرض وأشكال العلاج.  - ضعف وانعدام التنظيمات النسائية والمجتمع المدني بتوعية وتمكين النساء بالمنطقة وتعزيز قدراتهن  ومهاراتهن ؛ فأهداف الجندر المتمثلة   تطوير حياة النساء الاجتماعية الاقتصادية  والثقافية والسياسية متعثرة بهذه المنطقة كما في مناطق عديدة من المجتمع المغربي وخاصة في العالم القروي.

   ـجل التحولات التي تعرفها منطقة واد لاو بفعل الهجرة الداخلية والخارجية وبفعل انفتاح المنطقة على السياحة، وخاصة في فصل الصيف نتيجة موقعها المحاذي للبحر ، عمقت من أزمة الهوية عند ساكنتها ، كما أنها تحولات سطحية، ولم تستطع  النفاذ إلى عمق البنيات الاجتماعية والثقافية والسياسية لكيان  هذه القبيلة الجبلية ولساكنتها والنساء تحديدا.

  هذه عينة من النتائج المهمة التي خلصت إليها الدكتورة السباعي في عملها "الجسد الأنثوي وهوية الجندر" هذا العمل الذي اعتبرته الباحثة زهرة الخمليشي مرجعا أساسيا وإنجازا علميا وأكاديميا وازنا ومشروعا مفتوحا  في الآن ذاته على ما يمكن أن تقدمه دراسات أخرى من تطوير وإضافة وتجديد لخلاصاته ومضامينه.