قراءة في كتاب: "ديمقراطية على المقاس: سوسيولوجية إنتاج النخبة" للدكتور حسن قرنفل

فئة: أنشطة سابقة

قراءة في كتاب: "ديمقراطية على المقاس: سوسيولوجية إنتاج النخبة" للدكتور حسن قرنفل

نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث مدارسة لكتاب "ديمقراطية على المقاس: سوسيولوجية إنتاج النخبة" للدكتور حسن قرنفل، يوم الجمعة 17 مارس 2017، بصالون جدل الثقافي، الكائن بمقر المؤسسة بالرباط، شارك فيها، بالإضافة إلى الدكتور حسن قرنفل، كل من الأستاذين، الدكتور محمد الياقين، والدكتور عبد الدين حمروش.

حاول هذا الأخير، تأطير مداخلته بوضعها ضمن الإنتاج العام للدكتور حسن قرنفل، الباحث في علم الاجتماع، الذي صدرت له عدة مؤلفات عددها الباحث عبد الدين حمروش في ما يأتي:

      -النخبة السياسية والسلطة: أسئلة التوافق (1997)؛

      - المجتمع المدني والنخبة السياسية: إقصاء أم تكامل (2000)؛

      - الشغل بين النظرية الاقتصادية والحركة النقابية (2006)؛

      -أهل فاس: المال والسياسة (2007).

    وبالمقارنة بين عناوين تلك الكُتب، وجد حمروش أن الثابت فيها لا يكاد يفارق مفهوم "النخبة". وسواء تمّ التعبير عن ذلك صراحة، من خلال مفهوم النخبة نفسه، أم ضمنا من خلال لفظ "أهل"، فإن المُؤلِّف، حسب القارئ،  ظل يقارب موضوعاته السوسيولوجية، من منطلق "الفئة" التي يرصدها، وبالتالي يدرسها في علاقتها بالمجتمع، سياسيا كان أم مدنيا أم اقتصاديا. وبالعودة إلى الكتاب الأخير، موضوع المدارسة، يرى حمروش أن عنوانه لا يشذ عن العناوين السابقة، وإن كان مفهوم "النخبة" لا يجد مكانه إلا في العنوان الفرعي، أي سوسيولوجيا إنتاج النخبة.

    والملاحظ أن العنوان، لدى الدكتور قرنفل، يقول صاحب الورقة، غالبا ما يرد في صيغتين: إحداهما رئيسة والثانية فرعية. وبخلاف صيغة العنوان الرئيس للكتاب، التي جاءت مُنطوية على حكم سياسي صريح، انحازت صيغة العنوان الفرعي إلى مضمونها الأكاديمي، من خلال اعتماد مفاهيم محددة، من مجال علم الاجتماع السياسي (سوسيولوجيا، إنتاج، النخبة). ومن هنا، يمكن البناء على التفاوت في صيغتي العنوان المذكورين، من أجل البحث في إمكانية وجود "هيكلية مفترضة، توزعت فصول الكتاب وموضوعاته بحسبها.

    بالعودة إلى تصفُّح فهرس "المحتويات"، يرى حمروش أن الكتاب ضمّ أربعة فصول، علاوة على مقدمة وخاتمة في بداية الكتاب ونهايته. وللإشارة، فإن مفهوم "النخبة" لم يظهر له أثر، ضمن عناوين الفصول الأربعة، إلا في الفصل الثاني. وبالفعل، فقد ورد المفهوم في الفصل المذكور بصورة قوية، تكاد تفسِّر العنوان الفرعي المُختار من قِبَل المُؤلف لكتابه. بين "سوسيولوجيا إنتاج النخبة" و"دينامية إنتاج النخب المحلية"، تنعقد وشائج دلالية عديدة، بين عنوان الكتاب الفرعي وعنوان الفصل الثاني الداخلي.

    وعلى الرغم من مركزية مفهوم "النخبة"، إلا أن الدكتور قرنفل لا يفرد له أية إحاطة نظرية. ويبدو أن اتصال كُتب المُؤلِّف، من حيث التركيز على المفهوم المذكور، أضحت تعفي من أي خوض نظري من هذه الناحية. وهكذا، يمكن القول إن النخبة المعنية، التي يرصدها الكتاب الأخير، لا تخرج عن إطار تلك التي تفرزها الانتخابات، كانت محلية أم برلمانية. إن الأمر يتعلق بإنتاج النخبة السياسية، وليس غيرها من النخب المدنية أو الاقتصادية...أو حتى العسكرية التي لم يقاربها السوسيولوجي قرنفل إلى اليوم.

    يبدو أن المقاربة، المعتمدة في الكتاب، تنحاز إلى ما يمكن تسميته، حسب عبد الدين حمروش، سوسيولوجيا الانتخابات. والحال كذلك، فإن الباحث ظل مَعنيّا برصد العوامل الأكثر تأثيرا في تحديد الاختيارات السياسية. وبالمناسبة، فقد ألفينا ذات الباحث يعيد صياغة موضوع الكتاب، مع بعض من التعديل من قبَلنا، من خلال طرح الأسئلة التالية:

-         ما هي أهمية العامل الاقتصادي في توجيه الناخب إلى اختيار حزب معين أو مترشح محدد؟

-         ما مدى سعي الناخبين إلى تحقيق مكاسب مادية من خلال العملية الانتخابية؟

-         هل هناك اعتبارات غير اقتصادية تحدد الاختيارات السياسية؟

-         أيهما أكثر تأثيرا في تحديد اختيار الناخب: شخصية المترشح أم هيأته السياسية؟

    إن مختلف الأسئلة، الصريح منها أو الضمني، تجد معالجات لها في الكتاب. غير أن السؤال الكبير، الذي لم يطرحه المُؤلِّف في مقدمته، في نظر حمروش، هو ذلك الذي يتعلق بمدى تدخّل "الإدارة" في صنع خريطة الانتخابات، ومن ثمّ إنتاج النخب السياسية، المحلية والبرلمانية. وعلى الرغم من ذلك، فإن السوسيولوجي (صاحب الكتاب) لم يفوت الفرصة دون مقاربة السؤال الأخير، في تجاوب ملحوظ مع ما يفصح عنه عنوان الكتاب الرئيس من حكم، على طبيعة الانتخابات المغربية الت كانت تجري في عهد مضى.

من جهته، ذهب الدكتور محمد الياقين إلى أنه  من بين المراحل التي استدرت بغزارة مداد أقلام العديد من الباحثين المنتمين إلى حقول متنوعة، وعلى رأسهم المشتغلون في حقول العلوم السياسية والقانون الدستوري، وبشكل أقل الباحثون في السوسيولوجيا والأنثربولوجيا، تلك التي عرف فيها المغرب، مع مطلع التسعينيات، مخاضا عسيرا في مسار التحول السياسي، والذي توج بتجربة التناوب التوافقي (حكومة عبد الرحمان اليوسفي 1997).

وفي هذا الإطار، يسلط كتاب "ديمقراطية على المقاس: سوسيولوجيا إنتاج النخبة" المزيد من الأضواء على هذه المرحلة. ويندرج عمل المؤلف ضمن مشروع بحثي متواصل الحلقات حول إنتاج وإعادة إنتاج النخب السياسية والاقتصادية بالمغرب المعاصر، والذي دشنه بأطروحة لنيل دكتوراه السلك الثالث، إذ يروم المساهمة في التحليل السوسيولوجي لآليات وسيرورات إنتاج النخبة السياسية عبر الاشتغال على محطة أساسية في مسلسل وسمه البعض بالديموقراطي واعتبره آخرون مسارا انتقاليا.... وهو ما يطرح، في نظر محمد الياقين، العديد من الأسئلة بخصوص طبيعة إسهامه وإضافته النوعية لمشروع المؤلف، من جهة، ولرصيد سوسيولوجيا المغرب وللمقاربة العلمية لآليات إنتاج النخب، بالمقارنة مع إسهامات الباحثين في العلوم السياسية، من جهة أخرى. كما يطرح العديد من الأسئلة بخصوص مسألتي الصلاحية والراهنية واللتين تحيلان على إشكالات تثيرها طبيعة العمل – الذي يصنف في خانة السوسيولوجيا السياسية-  بما أن مادته ومعطياته تعود بنا إلى ما ينيف على العشرين سنة.

إن تفكيك إواليات وتحليل منطقيات اشتغال النسق الاجتماعي برمته، وضمنه النسق الفرعي السياسي بصدد تحليل آليات وسيرورات إعادة إنتاج النخبة بالمغرب، امتثالا لنهج توليفي يجمع التحليل الوظيفي والبنيوي والنسقي، أتاحا للمؤلف، حسب صاحب الورقة الثانية، بلورة تحليلات متعددة الأبعاد، ليصهرها في بوتقة منظور كلي يرصد العلاقة القائمة بين السلطة والمجتمع من زوايا عديدة؛ وتفادي السقوط في شرك اختزال التحليل في العمل على آليات اشتغال السلطة أو الدولة أو المؤسسة الحزبية.  فبالإضافة إلى كل هذا ينصب عمل قرنفل على آليات اشتغال "نظام" الأعيان وبنيات الأحزاب والثقافة السياسية. إن حياكة "ديموقراطية على المقاس" تنسج على منوال التدخل الوازن والقوي للدولة في "إنتاج المجتمع" وعلى مراقبة "إنتاج النخب" وعلى ضخ "جرعات "صغيرة" كفيلة بتوجيه مسار التغير الاجتماعي.

تكمن قوة الكتاب، حسب الياقين، في اعتماده مقاربة مونوغرافية تحيط بالعديد من جوانب موضوعه، إذ يحفل بوقائع ومعطيات وأرقام عديدة وتفاصيل هامة تتخللها استنتاجات أو تنتهي إليها. وإذا كنا، حسب محمد الياقينن، نلمس هيمنة أسلوب الوصف والحضور القوي للمقاربة المونوغرافية على حساب التنظير؛ فذلك راجع في اعتقاده (=القارئ) إلى الموقع الذي يحتله الكتاب ضمن مشروع حسن قرنفل إذ يمكن اعتباره جزءا ثانيا لعمل نشر منذ عقدين. يقصد بذلك كتاب "النخبة السياسية والسلطة أسئلة التوافق: مقاربة سوسيولوجية للانتخابات التشريعية في المغرب" الذي ينهض على مجهود تنظيري قوي وأصيل.

البحث في الوسم
حسن قرنفل إنتاج النخبة