قراءة في كتاب: "نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره" لمحمد جبرون

فئة: أنشطة سابقة

قراءة في كتاب: "نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره" لمحمد جبرون

نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث ورشة علمية لمدارسة كتاب "نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره"، الفائز بجائزة المغرب للكتاب لسنة 2016، بحضور مؤلفه  محمد جبرون والباحث المغربي بلال التليدي، وذلك يوم السبت 21 يونيو 2016، بصالون جدل الثقافي الكائن بمقر المؤسسة بالرباط.

في بداية الورشة، تناول الكلمة الباحث بلال التليدي، حيث بيّن أهمية الكتاب وموضوعه، وأثنى على المجهود الذي بذله صاحبه، لينتقل بعد ذلك إلى تسجيل مجموعة من الملاحظات النقدية على الكتاب، وهي:

1-  أن الكتاب تأرجح بين البحث عن مظان الكلام السياسي، وبين بناء الأطروحة الفكرية والتفسيرية وتتبع الانزياحات التي وقع فيها الفكر السياسي الإسلامي بناء على الإطار المرجعي لتشكل الفكر السياسي.  هذا الاختيار المنهجي الذي التزمه الباحث، يمكن أن يشتت ذهن القارئ ويجعله غير قادر على التتبع والاختبار الدقيق لمقصود أطروحة الكتاب.

2-   مع كل الجهد الذي  بذله الكاتب لالتماس الكلام السياسي الإسلامي من مراجع ومظان متعددة ومتنوعة الاختصاصات، إلا أن كتب الحديث، وبشكل خاص كتب المسانيد التي تجمع أقوال الصحابة والتابعين كانت غائبة عن هذه المراجع، كما أن كتب تاريخ الصحابة لم تأخذ حظها من الاهتمام، وهي الكتب التي كان يمكن إخراج متن سياسي أساسي منها يغطي فترة طويلة من الزمن السياسي الذي يفصل بين دولة الرسول وبين عصر التدوين، وهي الفترة التي لم تنل حظها بشكل كاف من الدراسة بحكم ندرة المصادر والمظان.

3-    ثمة أفكار تبناها البحث أثارتها جهود سابقة، كان ينبغي الإشارة إليها وتعزيزها أو نقدها وبيان وجه الاستدراك عليها، ومن ذلك قضية أثر الثقافة الفارسية على الفكر الشيعي، والتي تناولتها غير واحدة من الدراسات، ومنها على وجه الخصوص الجهود المبكرة التي قام بها الدكتور محمد عابد الجابري في سلسلته نقد العقل العربي.

4-   لقد عزا الباحث أطروحته التفسيرية لانزياح الفكر السياسي الإسلامي عن العقلانية السياسية إلى إقحام النص في التداول السياسي  إلى التأثيرات الأجنبية، وحاول بناء هذه الأطروحة من خلال بيان الإحاطة التاريخية بأهمية العنصر الفارسي في الدولة العباسية والنفوذ الذي كان له في مواقع الدولة ومراكز ثقلها، والأثر الذي كان للثقافة الفارسية في صوغ المجال السياسي، وهو جهد مقدر يضاف إلى الجهود السابقة التي حاولت دراسة جوانب تأثير هذه الثقافة على بعض مكونات الفكر السياسي الإسلامي (الشيعة بمختلف طوائفها) لكن الأهم منه، مما يستوجبه التراكم المعرفي، هو الانتقال من دراسة علاقة الفكر الفارسي إلى الفكر السياسي الإسلامي إلى دراسة الكيفيات والسيرورات ضمن سياق تاريخي، أي  البحث عن كيفية تأثير الثقافة الفارسية في الفكر السياسي الإسلامي لجهة إقحام النص في المجال السياسي بدل  العقلنة والتقدير المصلحي في صوغ المجال السياسي، والاستعمال الكثيف للنص في معركة التأويل والتسويغ وشحذ التنافس حول دلالاته بين الفرق المتنافسة.

وفي رده على مداخلة التليدي، شدد مؤلف الكتاب محمد جبرون على أن موضوع الفكر السياسي الإسلامي يعد من القضايا البحثية الحيوية والمعقدة في السياق العربي الراهن، وذلك لاتصاله بعدد من الإشكالات والتناحرات السياسية والثقافية التي يعيشها العرب، فهو ليس موضوعا محايدا تجاه الراهن وتفاعلاته، بل يتداخل معه على أكثر من صعيد.

والظاهر، حسب جبرون، من خلال المعاينة الدقيقة لأزماتنا السياسية والثقافية المكلفة أن الكثير منها سببه تأخر البحث والاجتهاد في موضوع الفكر السياسي في المائة عام الماضية، فهيمنة التقليد وسطحية الوعي بالخصوصية ساهم في تعميم الجهل بالفكر السياسي الإسلامي، وصعب من مأمورية النهوض والتحديث.

إن كتاب "نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره"،  أراد من خلاله محمد جبرون، تحقيق هدفين رئيسين: الأول تصويب الوعي بكينونة الفكر السياسي الإسلامي وتقديم مظاهره المختلفة التي هي أغنى مما يتصور الكثيرون؛ والثاني مراجعة الوعي العربي وربطه بالخصائص والسمات الأصيلة للفكر السياسي الإسلامي، والتي يشكل الوعي بها مداخل ومسهلات ضرورية للتحديث والانتماء للعصر، وعلى رأس هذه الخصائص المدنية والعقلانية.

وقصد بيان ذلك، قسم محمد جبرون مداخلته  إلى قسمين: قسم خصصه للنتائج التي انتهى إليها من خلال مؤلفه؛ وقسم خصصه لمناقشة بعض الملاحظات التعقيبية التي جاءت في مداخلة الأستاذ بلال التليدي.

هكذا حاول جبرون على الخلوص إلى مجموعة من النتائج، يمكن تقديمها على النحو التالي:

- إثبات مدنية الواقعة السياسية الإسلامية الأولى التي ظهرت على هامشها أولى إرهاصات التفكير السياسي الإسلامي، والمتمثلة في "دستور" المدينة أو عقد الصحيفة، الذي تعامل معه الرسول والصحابة والمسلمون من بعدهم على أنها وثيقة تاريخية مدنية تؤطر وضعا سياسيا تاريخيا. فالصحيفة كأساس أول شرعية سياسية في المجال الإسلامي، وكذا الدولة التي شيدت على أساسها بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث مؤسساتها وأجهزتها وأساليب الحكم التي اعتمدتها هي إنجاز تاريخي مدني تكاد تخلو خلوا تاما من أثر الوحي.

- بل الأهم والأكبر من هذا، أن السياسات والأحكام والاختيارات التي نفذتها هذه الدولة من خلال قيادتها المتمثلة في النبي المرسل من عند الله كانت سياسات وأحكاما مدنية في منطلقها وأساسها، ولم تكن وحيا من الله، وإن معظم التدخلات السياسية الإلهية في هذه الدولة هي تدخلات تعقيبية أو بعدية، في دلالة واضحة على أن الأصل في السياسة هو العقل والمدنية.

- إن الفكر السياسي الإسلامي الذي نشأ وظهر في ظل هذه المنطلقات والمبادئ سيكون بالضرورة فكرا مدنيا عقلانيا يخوض في السياسة وشؤونها، باعتبارها شأنا مدنيا واستنادا إلى العقل، وهو ما تجسد بشكل واضح في الفكر السياسي الإسلامي قبل عصر التدوين، غير أن القول بالطابع المدني والعقلاني لهذا الفكر لا يجب أن يحجب عن نظرنا تفاعله الوثيق مع الظروف التاريخية التي سادت في المائة الأولى، والتي كان من آثارها ما يلي: خوض الفكر السياسي الإسلامي في إشكالات الدولة في هذا العصر، وخاصة إشكالية شرعية الإمام، وحرج الانتقال من مجتمع قبلي، حر، ومستقل، إلى مجتمع سياسي، خاضع للدولة، مع ما يعنيه هذا الانتقال من تفاعل (إيجابي أو سلبي) مع تدخلات الدولة، واستبدادها، ماليا، وسياسيا.

بعد ذلك انتقل محمد جبرون للتعقيب على مداخلة بلال التليدي، حيث لفت انتباهه، والقول لجبرون، إلى بعض جوانب نقص مؤلفه، والتي وعد أنه سيعمل على تداركها واستيفائها في دراسات وأعمال قادمة، وخاصة ما تعلق بالدور الذي يمكن أن تسهم به كتب الحديث والمسانيد وكتب تاريخ الصحابة في كشف جوانب من الفكر السياسي الإسلامي قبل عصر التدوين، وأيضا مسألة التفاعل مع ما كتبه المرحوم الجابري في موضوع التأثير الفارسي في الفكر السياسي الإسلامي.. إلخ.

 وفي سياق التفاعل مع ملاحظات بلال القيّمة دائما، أشار جبرون إلى نقطتين رئيستين: 

- إن كتاب نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره  من حيث المنهج حاول أن يجمع بين مقاربتين تاريخية وفكرية فلسفية، فمن جهة سعينا إلى توثيق العبارة السياسية الإسلامية وتتبع ظروف نشأتها وتطوراتها النوعية في علاقتها بالزمان والمكان، ومن جهة ثانية اشتغل على غاياتها ومغازيها وخاصة خلال الحديث في الدلالة العقلانية والمدنية لهذه العبارة.

- أما فيما يتعلق بإسهام المرحوم محمد عابد الجابري في دراسة وبحث بعض الجوانب من هذا الموضوع، وخاصة ما تعلق بالتأثير الفارسي في الثقافة السياسية الإسلامية، فهو أمر، يقول محمد جبرون،  لا ينكره، مستدركا أن وجهته تختلف عن وجهة الجابري، كما أنه لم يسع للتوسع في هذا الباب حفاظا على توازن البحث والدراسة. مشيرا إلى أن التأثير الفارسي وكيفية تسربه للثقافة العربية الإسلامية من القضايا البحثية الحيوية التي سينشر فيها عملا في لاحقا.

  

البحث في الوسم
محمد جبرون