قراءة في كتابيْ "منزلة التمثيل عند ابن رشد" و"تمثيلات واستعارات ابن رشد" لفؤاد بن أحمد

فئة: أنشطة سابقة

قراءة في كتابيْ "منزلة التمثيل عند ابن رشد" و"تمثيلات واستعارات ابن رشد" لفؤاد بن أحمد

نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، يوم الجمعة 24 فبراير 2017، بصالون جدل الثقافي ندوة علمية، وهي عبارة عن مدارسة لكتابيْ منزلة التمثيل في فلسفة ابن رشد، وتمثيلات واستعارات ابن رشد، شارك فيها الدكتور محمد الوالي بورقة حول الكتاب الأخير، والدكتور مصطفى حنفي حول الكتاب الأول، وهما مع من تأليف الدكتور فؤاد بن أحمد.

في بداية الندوة، قدم مصطفى حنفي ورقة تحت عنوان: "استراتيجية البناء ومستويات التفكير"

في كتاب: " منزلة التمثيل في فلسفة ابن رشد" للكاتب فؤاد بن أحمد، سعت مقدماتها البحثية إلى قراءة حصيلة العمل الأكاديمي الموسوم ب :" منزلة التمثيل في فلسفة ابن رشد" للباحث المغربي فؤاد بن أحمد. وقد تعينت للدكتور حنفي عناصر التفكير في محتويات هذا التأليف وأقسامه من خلال مستوين منهجيين في القراءة أطلق عليهما: المستوى المنطقي، والمستوى التمثيلي التحليلي.

لقد سمح  المستوى الأول لحنفي  بمعاينة طريقة تفكير الكاتب في عرض وتحليل الآليات الاستدلالية في الصناعة المنطقية الكفيلة بمفهمة القول التمثيلي ودلالاته الخطابية المركبة في سلمية الأقاويل المنطقية الأخرى، وهي لحظة تروم بلورة جوانب من أشكال التوظيف الرشدي لآلية التمثيل؛ وذلك انطلاقا من قضية مفصلية تسلم بقلب مجال التفكير الفلسفي السائد في  تاريخ الفلسفة الرشدية والمعتمد على مسلمة التعارض بين النصوص الرشدية التي تنزل التمثيل منزلة عملية جمهورية غير علمية، والنصوص التي لا تكف عن استعمال المثالات والتمثيلات والاستعارات. وقد توخت المعطيات المتضمنة في هذا المستوى، متابعة الكاتب في عرضه وتحليله لخصوصية المثال على النحو الذي خطته ريشة ابن رشد في تحديد طرق الإقناع في أكثر من موضع.

أما المستوى الثاني، فقد انصرف فيه  الدكتور حنفي إلى إعادة ترتيب فصول القسم الثاني من الكتاب، والتي شكلت، في نظره، مرافعة الكاتب في فحوصه المنطقية لجوانب تقنية من تفاصيل الحوار الفلسفي الذي ينجزه الفيلسوف في غمرة انشغاله بتوظيف آليات التمثيل والاستعارة في الممارسة الفلسفية، وهي فصول مرتبة في إطار قضايا تمثيلية نقدية واضحة تنتمي إلى فضاءات  ابن رشد الفلسفية في لحظات التركيب والإنشاء للتعبير عن مواقف أو إبداء رأي أو نقد رأي مخالف، وهو أمر اعتبره حنفي  مفيدا في باب اختبار أشكال الحضور الكلامي والفقهي والفلسفي والعلمي لآليات التمثيل في الخطاب الرشدي.

بعد ذلك، تناول الكلمة الأستاذ محمد الولي، والذي خصّ ورقته بالقضايا التالية:

1. نظراً للعلاقات الوشيجة التي تربط التمثيل بالاستعارة، من الضروري تحديد الاستعارة أولاً. يرى الولي أنه حينما نبادر إلى تناول موضوع "الحب" يمكن القول: قد ينتهي الحب بالزواج. ولكن يمكن أيضاً القول: إن هذه المغامرة قد تنتهي بالزواج. في الحالة الأولى كنا نستعمل كلمة "الحبّ" بمعناه الحرفي، وفي الحالة الثانية كنا نستعمل بدلاً منها على سبيل الاستعارة كلمة "مغامرة". ندعو هذا الاستعمال الثاني استعارة لافتراض وجود علاقة مشابهة بين شيئين هما "الحب" و"المغامرة". إلا أن هناك ضرباً ثانياً من الاستعارة، يسمى التمثيل، من قبيل: "لقد اختفى من المدينة الشباب الذين قضوا في الحرب، كما لو أن السنة افتقدت ربيعها". في هذا المثال لا نجد التشابه قائماً بين شيئين، بل نجده قائماً بين علاقتين.

2. إلا أن من المفكرين المحدثين، يقول محمد الولي، من يميل إلى استعمال الاستعارة فيشمل بهذه التسمية التمثيل أيضاً، كما يفعل شايم بيرلمان في المصنف في الحجاج؛ ومنهم من يرجح استعمال مصطلح الاستعارة، فيشمل بها التمثيل، كما يفعل جُورجْ لَايكُوف في الاستعارة التي بها نحيا.

3. وليس هذا هو الإشكال الوحيد الذي يثيره هذان المصطلحان في نظر صاحب القراءة، فهو يرى أننا كنا إلى عهد قريب نعتقد أن الاستعارة والتمثيل لا يجري الحديث عنهما إلا حينما يكون الأمر متعلقاً بالشعر أو بالخطابة أو بكلام غير جِدِّي. هذا الوهم نشأ وترعرع في الدوائر العلمية العقلانية والتجريبية، حيث يسيطر اليقين (ديكارت ولوك). إلا أن هذا الوهم كانت له نهاية؛ فقد تبين منذ بدايات القرن الماضي أن الاستعارة والتمثيل ليسا مقصورين على الشعراء والخطباء، بل إنهما أداتان لا غنى عنهما في كثير من الحقول، حيث يعوض الاحتمال اليقين، خاصة في تلك الحقول التي لا تطمع المفاهيم والبرهنة التجريدية والتجريبية إلى الإحاطة بها.

4. من المجالات التي لا يفيد فيها العلم الدقيق المجالات الدينية والاجتماعية والنفسية وكل ما يند عن الحواس ولا يخضع للتجربة ولا للبرهنة الرياضية. في هذا السياق، نصادف خطاب الفلاسفة بشأن الدين. وهنا يتوقف محمد الولي عند بعض تمثيلات ابن رشد:

فهو يروي عن الأستاذ فؤاد بن أحمد قوله عن التمثيل عند ابن رشد: "شمل التمثيل بأمور الطب عند ابن رشد التمثيل بالصناعة الطبية، وبالطبيب وبأفعال الطبيب وآلاته، وبالصحة والمرض، وبالأغذية الدوائية، وبالرياضة، بالدواء وبالسموم... وقد استعمل ابن رشد هذا التمثيل في أمور الشريعة، لكنه استعمله أيضاً في سياق التمثيل للفلسفة"[1]،  ليعلق ينبغي التدقيق أكثر في أمر هذا التمثيل. هناك تمثيل ومُمَثَّلٌ له، وبعبارة البلاغية هناك مشبهٌ ومشبهً به. هناك موضوع الحديث أي الممثَّل له وأداة الحجاج الإضافية التي تُستَحضَر من خارج موضوع الحديث. يستحضر هذا الشيء لأجل الإقناع. وهذه التقنية هي نفسها التي تستعمل في الشعر، إلا أن الغرض في الحالتين مختلف؛ ففي الشعر يكون الغرض هو الإمتاع، وفي الفلسفة يكون هو الإقناع. 

5.  المثال الثاني الذي يسوقه محمد الولي يتعلق بما يسمى علوم "الآلة". مستشهدا بقول محمد عابد الجابري، نقلا عن الأستاذ ابن أحمد في شأن تمثيل الأداة للمنطق، أي الأداة ممثَّلٌ بها والمنطق ممثلٌ له: 

"ونحن نستعين بـ "آلات" العمل في شؤوننا اليومية والدينية، دون أن نتحرى في ذلك ما إذا كان مُنشِئها وصانعها مشاركاً لنا في الملة أو غير مشارك"[2]. الأداة في هذا السياق تمثيل للمنطق، وهي تنطوي على معاني الحياد الديني. إن السكين نذبح به الأضحية ولا يتأثر هذا بكون السكين صنعها مشرك. كذلك المنطق نستعين به، رغم أن واضعه غير مسلم.

يظهر من خلال هذين المثالين أننا نستعين، حسب الولي، لأجل الحجاج بالتمثيل، أو بصورة، كما يقول نقاد الأدب، وذلك لأجل إحداث الاقتناع بفكرة مجردة لا يمكن الوصول إليها بالبرهنة العلمية أو التجريبية. إن الطرق الموصلة إليها هي التمثيل وحسب.   

 [1] تمثيلات واستعارات ابن رشد، ص. 94

[2]  تمثيلات واستعارات ابن رشد، ص. 260