قنديل: الخطاب المقاصدي لم يولد من فراغ ولا يمكن أن نفصل أنفسنا عن التراث

فئة: أنشطة سابقة

قنديل: الخطاب المقاصدي لم يولد من فراغ ولا يمكن أن نفصل أنفسنا عن التراث

أكد الباحث الأردني يونس قنديل أن الخطاب المقاصدي لم يولد من فراغ ولا يمكن أن نفصل أنفسنا عن التراث، فيما شدد الباحث المغربي سعيد شبار أن واقع مسلمي اليوم يعيش على إيقاع الخلط الكبير بين الخطاب المُنزل والخطاب المُنجز، مضيفا أن فداحة هذا الخلط، تأتي في سياق يتميز بثقل دورات تاريخية كبرى في مجالات الحضارة والفكر والمعرفة لا ترحم، وبالتالي، مطلوب من مسلمي اليوم الحسم في هذا الخلط حتى لا نتيه أكثر.

وأضاف شبار في الجلسة العلمية الرابعة التي أدارها الباحث المغربي الطيب بوعزة ضمن لقاءات المؤتمر السنوي لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" والتي احتضنته مدينة مراكش بين 17 و18 مايو/ أيار 2014، أن الحسم في هذه الجدلية يتطلب التوقف عند خصائص ومحددات كل خطاب، والتي لا يمكن أن تتطابق بالضرورة، أو تختلف فيما بينها، وليس واقع المسلمين اليوم، سوى نتيجة حتمية لتفاعل هذا الخلط الكبير والتاريخي.

فمن خصائص الخطاب المُنزل، يضيف شبار، أنه مطلق وتام ومُكتمل، ومُنزه، وأشبه بنسق متكامل، ويُجسد وحدة كلية، وذات مشروعية تتجاوز الزمان والمكان، بخلاف خصائص ومحددات الخطاب المُنجز، الذي يتميز بأنه نسبي وقاصر، بل ومرهون لعوامل الزمان والمكان، ومعلوم أنه في المرحلة التأسيسية الأولى، في حقبة الصدر الإسلامي الأول، كان الخطاب المُنزل متحققا على أرض الواقع، ولكن بسبب مقتضيات التداول التاريخي، وقعت انقلابات حيث نشأت العلوم والفرق والمذاهب والطوائف والمذاهب، لتخضع الوحدة الفكرية للمسلمين إلى جزئية صغيرة، وأصبح كل جزء من هذه الأجزاء يعتقد ويروج بأنه المحدد النهائي والكلي للمرجعية الإسلامية.

وبالنتيجة، حسب المحاضر، تحول جزء من التراث داخل سقف معرفي معين (قد يكون مذهبيا أو طائفيا، صوفيا أو سياسيا...) إلى الناطق الوحيد باسم الحقيقة الدينية الكلية، وأصبح الخطاب المنجز يحل رويدا رويدا محل الخطاب المنزل، مع أن الأمر ليس كذلك ولا يمكن أن يكون كذلك.

من جهته، اعتبر الباحث يونس قنديل، أنه من المهم جدا تسليط الضوء البحثي على الخطاب الديني وتجديد هذا الخطاب وعلوم المقاصد في سياق عربي مفعم بالتحولات المضطربة والمضادة، وعندما نتحدث عن تجديد الخطاب الديني، فعلى المفكرين والباحثين والعلماء أن يستحضروا مقاصد الناس التي خرجت للشارع في الحراك العربي، بما يتطلب استحضار براديغم جديد في مشاريع تجديد الخطاب الديني عند مسلمي اليوم.

واعتبر قنديل أن نكبة الجيل الجديد في المنطقة تكمن في مواجهة الواقع، وليس في هواجس النهضة التي كانت حاضرة بقوة في مشاريع العديد من كبار المصلحين والمفكرين من قبل، متوقفا بالتفصيل والأمثلة عند ثلاثة مداخل في معرض الحديث عن المقاصد، أولها التوقف عند المدخل التاريخي ـ التأريخي، وثانيها الوظيفة التي كان يُناط بها العقل المقاصدي وإنتاجه للخطاب التداولي، وأخيرا، البنى والبنيات التي تأسس عليها الخطاب المقاصدي.

و لفت المحاضر إلى بعض المحطات في محاضرة المفكر اللبناني رضوان السيد التي ألقاها في المؤتمر و التي أثارت الكثير من الجدل والنقاش في جلسات المؤتمر وفي الحوارات الجانبية على هامش الحدث العلمي، حيث اعتبر قنديل أنه في جميع الحالات، لا يمكن أن نفصل أنفسنا عن التراث، وأنه لا يمكن التأسيس لسيرورة انتقالية نوعية في التاريخ بالرهان على انقطاعات تاريخية.

وأضاف المحاضر أن الخطاب المقاصدي لم يلد أصلا من فراغ، وإنما كان عملية عقلية وذهنية، حاولت التوفيق بين معطيات النص وبين الواقع واحتياجات الناس، آخدا على العديد من المشاريع الإصلاحية المعاصرة، كونها قامت باختزال التفسير في نموذج معين موازاة مع إقصائها لباقي التفاسير والاجتهادات، بخلاف مقتضيات الخطاب المقاصدي الذي عاش التنوع الهائل الذي مرت منه التجربة التاريخية الإسلامية في النظر إلى طبيعة الدين.

كما أكد قنديل أنه لا انفكاك عن فتح وإعادة فتح ملفات التاريخ والموروث لكي نستطيع فهم أحوال وتحديات اليوم، خاصة أننا نعيش في زمن يتميز بفقر التنظير السياسي وفشل الثقافة العربية في صياغة اجتماع قائم على قيم واضحة ومتوافق عليها، وموازاة مع ذلك، نعاين تيارات دينية تراهن على توظيف المقاصد لأغراض أيديولوجية، وذلك باسم "مقاصد الشريعة" والتي يمكن تأويلها على أنها المقاصد المضمرة والاستباقية، في النص القرآني، وبعبارة أخرى "مقاصد الله"، والحال أنه محال أن نعلم ذلك، لأن الآية الكريمة تقول: "تعلم ما نفسي ولا أعلم ما نفسك"، كما جاءت على لسان النبي عيسى عليه السلام.

وانتقد المحاضر أيضا إصرار بعض الاجتهادات الفقهية على اعتبارها حكما شرعيا، يكتسي مشروعية، وبالتالي يمثل حكم الشرع، بل يُصبح نفاذ الحكم أمرا لازما حتى لو تعارض مع أحكام واجتهادات أخرى.