لقاء حول كتاب: ''جمالية السّيرة الشعبيّة العربيّة، مقوّماتها وخصائصها ودلالاتها''

فئة: أنشطة سابقة

لقاء حول كتاب: ''جمالية السّيرة الشعبيّة العربيّة، مقوّماتها وخصائصها ودلالاتها''

انتظم بمقر مؤمنون بلا حدود وجمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، الأربعاء 15 فبراير الجاري، لقاء حول كتاب: ''جمالية السّيرة الشعبيّة العربيّة، مقوّماتها وخصائصها ودلالاتها'' لصاحبته الأستاذة فوزية الصفّار الزّاوق، التي قدّمت مداخلة حول ظروف الكتابة الحديثة في السيرة الشعبية، وقدّم الأستاذ الحبيب العوّادي قراءة في الكتاب، وأدار اللقاء الأستاذ فيصل شلّوف.

استعرضت الأستاذة فوزية الصفّار الزاوق في مداخلتها، بدايةً، مفهوم السّيرة الشعبية العربية، وكيف تكوّنت، والمراحل الأساسية التي مرّت بها وساهمت في تشكيلها وصياغتها فنّيا، وطبعتها بطابع حكائي عربي قديم متصّل بهواجس الإنسان العربي وتخيّلاته، وانطلقت من ثمّ في عرض كيفيّات التلقّي الحديث للمدوّنة لدى النقّاد والدّارسين، واعتبرت أن الخوض في هذا الموضوع ليس يسيرا لأن السيرة الشعبية تمثّل جنسا أدبيا لم ينل، بعدَ كل ما كتب فيه، حظّا من الدرس كافيا، فلم تتوضّح فيه المصطلحات والمفاهيم التي تساعد على كشف أهم خصائصه. وفصّلت الدّراسات التي اهتمّت بالموضوع حديثا إلى دراسات عامّة، قالت إنّها لم تخرج عن التناول العرضي للموضوع، وأن فيها ضروبا من التلخيص السريع لبعض السير أشبه بالحكاية البسيطة، ودراسات خاصّة قالت إنها عُنيت بالسّير بشكل أفضل من الأولى فركّزت على سيرة أو سيرتين مما تذكر، ودراسات مفردة عالجت بعض السير بدقّة ووضوح، ووصفتها بأنها ذات قيمة علمية يمكن الاستفادة منها. واستعرضت بعد ذلك تفاصيل البنية السردية في السيرة الشعبية من متن وأساليب حكائية وأحداث وشخصيّات وإطار زماني ومكاني، وعرّجت على بعض القضايا الفنية المرتبطة بالسيرة؛ لعل أهمّها طبيعة الراوي وطرق الرواية وأساليبها. واعتبرت الأستاذة فوزية السيرة الشعبية العربية مسلكا مهمّا يمكن التعرّف من خلاله على أحوال السرد العربي القديم، وخلصت إلى طرح قضايا تخص التحديد الأجناسي لمدوّنة السيرة الشعبية.

وأشار الأستاذ الحبيب العوادي في مداخلته حول الكتاب إلى جملة من المسائل؛ بدءا بما يطرحه مصطلح ''خصائص'' فهي دراسة في الخصائص الجمالية للسيرة الشعبية، واعتبر أن هذا المصطلح قد استقطب جميع الإشكاليات المطروحة حول السيرة الشعبية في الدراسات الحديثة، وقد حاول التعبير عنها بشكل تفصيلي ودقيق كان يخلص في كل مرحلة من مراحله إلى التّساؤل، ويمكن إجمال ما أورد من تساؤلات منهجية في نقاط؛ لعلّ أهمّها ما أشار إلى مدى ارتباط السيرة الشعبية عند العرب بخصائص مميزة، وفيم تتمثل تلك الخصائص، وهل هي ذات طابع أجناسي مخصوص له علاقة بنوعية الخطاب المدروس؟ وفي أي سياق تتنزل؟ وهل ترتبط بطبيعة البناء الكلي للسيرة الشعبية أم ترتبط بالأشكال الرئيسية المستخدمة في تشكيل الخطاب السردي؟ أم لها علاقة بالمقومات الدلالية وبطبيعة الموضوعات والقضايا المطروحة في تلك السير؟ أم لها صلة بالأشكال الرمزية التي تراكمت على مر السنين والقرون، والتي تختزل هموم العصور المتتالية والأجيال المتعاقبة؟ وكيف تشكلت تلك الخصائص الخطابية من خلال الرّاوي الجماعي الذي يخترق نواميس المكان ونواميس الزمان، ليقترن بمفهوم سوسيولوجي حديث ينتمي إلى البنيوية التكوينية وسوسيولوجيا الأدب والفن... إلى غير تلك الأسئلة التي عبّر بها عن حيثيّات المادة الأساسية التي يعمل الكتاب على البحث فيها شكلا ومضمونا.

واعتبر أن استنباط الخصائص الحكائية في السيرة الشعبية عمل لا يمكن فصله عن المقومات الدلالية المحورية في المدوّنة، ومن ثم وصفَ ما قامت به الكاتبة في التعامل مع نصوص المدوّنة، وعرض المنهج الذي تناولت في إطاره المسألة، وقال إنها عملت على بيان جمالية السيرة الشعبية العربية، من خلال البحث والاستقراء والتّأويل المنطقي المنسجم مع طبيعة الإشكالية المطروحة ونوعية الأهداف المرسومة، والمتفاعل مع خصوصية المنهج القائم على وحدة النص واستقلاليته. وقال إن دراسة السيرة الشعبية العربية كما يقدّمها الكتاب تجعلنا نرتحل عبر التاريخ الحي المتحرّك من خلال عصور مختلفة لنقف على حركية النص الشعبي وتلوّنه بالبيئة الشفوية الأولى التي تنوقلت فيها الرواية واكتسبت نمطها الحكائي وصولا إلى النص المدوّن الذي تلوّن بزمانه ومكانه، فكان التاريخ والجغرافيا يخترقان النص ويعيدان تشكيله وفق مؤثرات عقدية وإيمانية ساهمت بشكل أساسي في تكوّن البنية الحكائية الإسلامية التي وظفت السيرة الشعبية وقامت باستعمالها لتقوية ما أسماه الحسّ الديني لدى المسلمين في القرون الأولى.

وختم مداخلته بالإشارة إلى جملة النتائج التي يعرضها البحث، ولعلّنا نذكر من بينها ما يهم صورة البطل الأسطوري في المخيال الإسلامي، وكيف ساهمت في التعبير عن آمال الإنسان العربي وواقعه ومعتقداته وطموحاته وآفاقه التخيّلية، وقال إن نص السّيرة الشعبية غزير الدلالات ويتضمّن طاقة رمزية متعددة الأبعاد، وهو ما جعل الكاتبة تذهب في دراستها إلى التعددية التأويلية وقد فتحت بذلك النص على مناهج وقراءات ونظريات حديثة ومتنوّعة.

واختتم اللقاء بمداخلات نقاش اهتم فيها المتدخّلون من الحضور، بالسيرة الشعبية العربية انطلاقا من اعتبارها مرحلة ذات أهمية تقع في صلب التراث العربي الإسلامي، ويمكن الاعتماد عليها في رسم تمثّل عام لكيفيات تعامل العرب والمسلمين مع النص عموما في سيرورته من مرحلة الشفوي إلى مرحلة المدوّن والمفاهيم التي ارتبطت به في كل تلك المراحل التي اجتازتها الثقافة العربية الإسلامية وصولا إلى العصر الحديث.

كما اهتم بعض المتدخلين بالسياق القولي الذي ارتبطت به نصوص السيرة الشعبية، وكيف أنها قد تلوّنت بدوافع العصر وبرهانات سياسية وثقافية، تظهر بكل وضوح أن النص الروائي الشعبي لا يخرج عن مستوى التعامل الوظيفي مثله مثل النص الديني، فلا يمكن أن يخلص النص بذاته دون ما يحيط به من هوامش تؤثّر في بنيته وترسم أهدافه وتعلّقه برهانات متجددة بشكل متواصل.