لقاء فكري حواري حول: "البهائيّة؛ دين جديد أم أنسنة للأديان؟"

فئة: أنشطة سابقة

لقاء فكري حواري حول: "البهائيّة؛ دين جديد أم أنسنة للأديان؟"

انعقد بمقرّ مؤمنون بلا حدود وجمعيّة الدّراسات الفكريّة والاجتماعيّة، بتونس العاصمة، الأربعاء 11 ديسمبر الجاري، لقاء فكري حواري حول: "البهائيّة دين جديد أم أنسنة للأديان؟"، ساهم فيه كلّ من الأستاذة حذام عبد الواحد، بمداخلة بعنوان: "من البابيّة إلى البهائيّة"، والأستاذ جمال الشّريف، بمداخلة بعنوان: "البهائيّة: القيم والأنشطة"، وكان اللّقاء افتتح بعرض فيلم قصير عن "البهائيّة والآراء حولها"، وأداره الأستاذ نادر الحمّامي.

 تتمحور فكرة الفيلم القصير حول تاريخ نشأة البهائيّة، ومحضنها الأوّل وانتشارها في العالم، ويطرح للمعالجة والفهم، أهم التّساؤلات الرّوحيّة والأخلاقيّة والفكريّة، من خلال استعراض نماذج من المنتسبين إلى البهائيّة، الذين مثّلوا عيّنات من أماكن مختلفة وأعراق متنوّعة من الشّرق والغرب، ومن النّساء والرّجال، وعبّروا عن ظروف لقائهم الأوّل بالعقيدة البهائيّة، في إطار البحث الذّاتي عن التّحرّر الفكري والمعرفي والإنساني. 

اهتمّت الأستاذة حذام عبد الواحد في مداخلتها بتعريف البهائيّة، وبيّنت كيف أنّها نشأت في رحم مجتمع شيعي في إيران وهو المجتمع الإمامي الاثني عشري في القرن التّاسع عشر، وقد مهّدت لظهورها البابيّة نسبة إلى علي محمد الشّيرازي الذي ادّعى أنّه الباب المستتر عن شيعته، فلقّب بالباب وسمّي أتباعه بالبابيّة. أمّا البهائيّة فتنسب إلى البهاء ميرزا حسين علي الذي اعتنق البابيّة في إيران ثمّ أعلن لاحقاً أنّه "الظهور الجديد" الذي بشّر به الباب ليتدرّج في الإعلان عن عقيدة البهائيّة سنة 1872 ميلادي.

وطرح الأستاذ نادر الحمّامي جملة من التّساؤلات، مدارها الأساسي يتعلّق بمدى إمكان اعتبار البهائيّة ديناً جديداً، خاصّة وأنّها تفرّعت عن الدّين الإسلامي باعتبارها فرقة، لتتحوّل بعد ذلك في نظر معتنقيها، إلى دين خاص يدّعي أنّه يؤسّس لشرائع بعينها ويؤمن برسول وبمبادئ وقيم تحاول أن تتميّز عن بقيّة الأديان الأخرى، وتساءل من ثمّ عن مدى حاجة العالم اليوم إلى دين جديد حتّى يحقّق القيم الإنسانيّة التي تعبّر عن خيريّة الإنسان، وهل ما إذا كان تحقيق القيم الإنسانيّة النّبيلة يمرّ وجوباً عبر الاعتقاد في دين وفي شرائع وفي خلاص أخروي، مؤكّداً أنّ جميع الأديان تلتقي حول الكثير من القيم النّبيلة، ولكن الإشكال يبقى في التّوظيف البشري الذي يمكن أن يدرك الخير كما يمكن أن يدرك الشّر بفهمه الخاص للدّين. 

وقد اهتمّ الأستاذ جمل الشّريف في مداخلته بالردّ على تلك التّساؤلات، مبيّنا أنّ ميل الإنسان إلى أيّ دين من الأديان ليس بالضّرورة قابلاً للتّحليل والفهم على أساس الاختيار العقلي، بل إنّه يعتمد أساساً على الميل الرّوحي والأخلاقي نحو قيم بعينها، قد يجد فيها الإنسان ذاته، ويجدها قادرة على أن تعبّر عمّا يطمح إليه وعمّا يتوافق مع روحانيّته، وأكّد من ثمّ على أهمّية فعل التّديّن بالنّسبة إلى الإنسان، من جهة ما أسماه "القدرة العظيمة" الكامنة في الدّين على التّأسيس الحضاري، وبيّن أنّ جميع الحضارات الإنسانيّة قد تأسّست على الدّين، واحتجّ في المقابل على ضعف الإيديولوجيّات الإنسانيّة التي تنزع إلى عدم إيلاء الدّين قيمة كبرى في حياة البشر، عن التّأسيس لحضارات عظيمة. 

وأشار بعض المتدخّلين في النّقاش، من الحضور، إلى أهمّية الاعتراف بقيمة الحرّية الدّينيّة في المجتمعات الحديثة، واعتبروا أنّ الاختلاف في العقائد والأديان لا يؤسّس للفرقة والتّباعد بين النّاس، بل إنّه يمكن أن يؤسّس للتّعايش والتّواصل، طالما التزم الجميع بالحفاظ على الفصل بين مستوى إيمانهم الذّاتي وإيمان الآخرين أو عدم إيمانهم، وطالما لم يحاول أيّ طرف من الأطراف أن يمارس أي نوع من أنواع السّلطة على المجتمع باسم الدّين، وطالما تمّ اعلاء القيم الإنسانيّة الكونيّة والاعتراف بها وتكرسها على أرض الواقع.