لقاء مفتوح: الاختراق الكولونيالي والتيارات السياسية والحقوقية في العالم العربي

فئة: أنشطة سابقة

لقاء مفتوح: الاختراق الكولونيالي والتيارات السياسية والحقوقية في العالم العربي

وسط حشد جماهيري كبير، تزامن وحضور العديد من كالات الأنباء المصرية والعربية والأجنبية، نظم مركز دال  للإبحاث والانتاج الإعلامي بالقاهرة يوم الإثنين 24أغسطس 2015م حوارا مفتوحا  مع المفكر الأردني – الفلسطيني الأصل-  جوزيف مسعد، والذي جاء بعنوان " "الاختراق الكولونيالي والتيارات السياسية والحقوقية في العالم العربي"، وأدار تفاصيله محمد عزت الباحث بمركز دال.

في البداية تحدث محمد عزت عن مسيرة الدكتور جوزيف مسعد أستاذ السياسة والفكر العربي الحديث بجامعة كولومبيا بنيويورك، مشيرًا إلى الدور البارز الذي لعبه مسعد في البحث والنقد وإعادة تعريف العديد من المفاهيم مثل القوميَّة، والثقافة، والهُويَّة، والاختراق الكولونيالي، والإسلام داخل بنية الفكر الليبرالي، بالإضافة إلى مجهوداته البحثية في تحليل الواقع المُعاش وأزمة التيارات السياسية والحقوقية في العالم العربي.

وأكد عزت أن الهدف من الحوار هو عرض آراء وأفكار جوزيف مسعد حول ما يسمى بعملية استدخال المنظومة الاستشراقية في الحكم على أنفسنا وعلى ثقافتنا، بما أصبح يسمى النقد الذاتي الواجب من منظور استشراقي على كل عربي ومسلم، ونوه إلى أن مفهوم "اختراق" الذي جاء في مستهل عنوان اللقاء رغم غرابته ورغم ما يحمله من مجاز جنسي يعود إلى توافقه مع الممارسات الإمبريالية التي ينظر إليها ناقدو الإستشراق؛ باعتبار ذلك يتوافق مع النظرة الاستشراقية التقليدية التي تحدد العلاقة بين الغرب والشرق الأوسط في علاقة جنسية، ويتوافق أيضًا مع التصور الصهيوني الذكوري الإستعماري؛ لذا فقد تكون الكلمة هي المُعبر عن التصور التقليدي في عمق الذهنية الإمبريالية.

وتابع عزت أن أهمية اللقاء تعود إلى كون المنظومة الإستشراقية المعرفية - بحسب جوزيف مسعد- ما زالت مسيطرة تماماً إلى وقتنا هذا، فالولايات المتحدة الأمريكية كما بين في كتابه الأخير "الإسلام في الليبرالية" تنفق ملايين الدولارات لتشجيع الإنتاج الأكاديمي الاستشراقي المعرفي عن العرب والمسلمين، الذين جرى تصويرهم من قبل المحافظين الغربيين، على أنهم يعشقون الديكتاتورية والاستبداد، وأن إرغامهم على الديمقراطية يعد نوعا من أنواع الإمبريالية الثقافية"، وأن اللقاء سيحاول وضع المجهود البحثيّ والفكريّ للبروفيسيور على محك قدرته على تفسير وتحليل الواقع المُعاش، ومحاولة استكشاف أثر الحداثة والإستشراق على فكر وهوية المفكر العربي، وأثر ذلك على التيارات السياسية والحقوقية.

من جانبه أكد الدكتور جوزيف مسعد أن خطاب الاستشراق هو محاولة لفهم الآخر الشرقي من خلال رؤية المفكريين الغربين، وأن هذا الخطاب الاستشراقي في جوهره يرتبط بالسلطة، وليس مرتبطا بالمعرفة الخالصة، فخطاب الاستشراق هو خطاب استعماري كولونيالي قائم على استغلال الاخر من خلال منظومة عسكرية وسياسة وإقتصادية متكاملة.

وأضاف مسعد أن واحدة من أزمتنا الكبيرة المعاصرة هى قدرة الغرب على جعل الكثير من العرب يرون أنفسهم وبيئتهم المحيطة بنظرة استشراقية، تتطابق مع نظرة المستشرق الأوروبي عن العرب، ومن هنا فلم تعد هناك حاجة للتواجد عسكرياً في الدول التي تسيطر عليها، فيكفي هذه الدول وجود مندوبين لها  من الطبقة البرجوازية التي تحكم المجتمعات العربية و تحمل ذات الأفكار الاستشراقية وتقوم بخدمة المسنعمر الغربي. 

وأشار مسعد إلى أن الولايات المتحدة عقب أحداث 11 من سبتمبر، تبنت بعض الافكار اليسارية التي كانت تروج في الستنيات من القرن الماضي، والتي تدعو لتحرير المرأة و الحفاظ على حقوق الاقليات وسعت لترويجها في دول العالم الثالث من خلال مؤسسات المجتمع المدني العربية التي تتلقي تمويل وتدريب أمريكي على حد قوله.

وأضاف مسعد نحن لسنا ضد تحرير المرأة ولا الدفاع عن حقوق الأقليات، ولكننا ضد ما تحاول واشنطن تصويره باعتباره الحل الوحيد لتحرير المرأة وللحفاظ على حقوق الأقليات، فالمشروع الأمريكي قائم بالأساس على استغلال المرأة وسحق الاقليات لكنه في ذات الوقت يرفع لافتات العدالة وتحرير الأنسان.

وأوضح مسعد أن الجرائم التي ترتكب في حق المرأة في الغرب وتحديدًا في أمريكا أضعاف ما يرتكب ضدها في الدول العربية، ونفس الأمر ينطبق على تهميش الأقليات، لكن النموذج الاستشراقي الكولونيالي يعطي هذه الجرائم عندما تحدث في الشرق مفهوم ثقافي، فيقال أن المنظومة الثقافية العربية والاسلامية بطبيعتها تؤسس للعنف والكراهية، في حين عندما ترتكب هذه الجرائم في الغرب يتم الحديث عن كونها جرائم فردية لا تعبر عن الثقافة الغربية.

وعن نشأة مفهوم القومية أشار جوزيف مسعد إلى أن الشعوب الشرقية لم تكن تعرف مفهوم القومية قبل الحملات الكولونيالية التي أحتلت دول المشرق وقسمتها، وأضاف مسعد: "تقوم القومية وما تبعها من مفهوم للوطنية على ثلاث مؤسسات ثلاث مؤسسات هى الجيش والقضاء والتعليم"، مشيراً إلى أن البرجوازية هى التي أنتجت فكرة الهوية لتخدم مصالحها.

كما أشار مسعد إلى أن هناك العديد من الجرائم التي ارتكبتها التيارات الليبرالية العربية، موضحاً  أن الليبرالية ليست حكراً على العلمانيين، فهناك العديد من الحركات الإسلامية التي تتبنى أفكارا ليبرالية أيضاً في ما يخص مفهوم الحكم وتوزيع الثروة.

وأضاف مسعد أنه في السنوات الاخيرة تبنت معظم التيارات الليبرالية العربية خطابا فاشيا، يفتقد إلى التسامح وقبول الآخر، مستدلاً بالهجوم الشديد من الليبرالين على كتابه "اشتهاء العرب"، في حين لم يواجهه الإسلاميون بردّ فعل مشابه، وأكد مسعد أن هذا لا يعني انحيازه للإسلاميين، بل إنه كثيراً ما ينقدهم، فالجهاديون في رأيه تواطؤوا مع المحتل الغربي ضد أوطانهم كما حدث في أفغانستان ويتكرر الآن في العديد من الدول العربية. مؤكدًا أن الدول الغربية التي ترفع شعارات العدالة والحرية والاخاء والمساواة لا تقدم أي دعم اقتصادي أو ثقافي أو اجتماعي لدول العالم الثالث، بل على العكس تزود الحكومات القميعة بالاسلحة وأدوات القمع وتدعم بقاء هؤلاء الحكام الذين يخدمون مصالحها.

 وعن الاتهامات التى تروج ضدد المفكريين المناهضين للإستشراق، والتي تشير إلى كون المناهج التحليلية المناهضة للإستشراق تقوم على الهدم دون تقديم بديل وتدعو للعدمية أجاب: "القول بأننا ان لم نتبع الغرب والمنظومة الاستشراقية فسوف نغرق في العدمية، كلام  مخيف، واتهام ساذج، وفي الواقع الحالي شديد التغير والتقلب من الصعب أن يتم تقديم بدائل نظرية جاهزة، أو استعراض خطط مستقبلية، لكن أظن أن الحلول تنبثق من المجتمع ذاته من خلال عمليات تفاوضية تعي أن الذات الغربية ليست تركيبًا جوهرانيًا وإن بقينا نتبع الغرب، فلن نجد عنده سوى العدمية والاستشراق الغربي".

وفي ختام الندوة تحدث جوزيف مسعد عن القضية الفلسطنية مؤكدا أن السلطة الفلسطينية الحالية هى سلطة إحتلال، مضيفًا أن القائمون على السلطة يقومون بخيانة الشعب الفلسطيني منذ "اسلو".

وأوضح مسعد أن حملة مثلا المقاطعة الاكاديمية للكيان الصهونية من أنجح السبل والحركات في مقاومة المحتل الاسرائلي وهذا لا يعني ان المقاطعة هي الوسيلة الوحيدة، ولكنها وسيلة ناجحة كأحد سبل المقاومة المهمة.

شهد اللقاء حضورا مكثفا من الباحثين والأكاديميين والمشتغلين بمجال الفكر والإعلام المصريين والعرب وبعض الدارسين والمهتمين الأمريكيين والأوربيين، وامتلات القاعة الرئيسية عن آخرها، وكذلك الفرعية طيلة اللقاء الذي استغرق نحو الساعتين والنصف.