مؤتمر "مؤمنون بلا حدود" يختتم أشغاله بمراكش حول الخطاب الديني

فئة: أنشطة سابقة

مؤتمر "مؤمنون بلا حدود" يختتم أشغاله بمراكش حول الخطاب الديني

أوضح الدكتور مسفر بن علي القحطاني من المملكة العربية السعودية، أن مصطلح الأنسنة في الفكر المعاصر يختلف في مضمونه بين علماء الفكر الغربيين وعلماء الفكر عند المسلمين والعرب، مثله مثل عديد من المصطلحات الفكرية الجديدة التي دخلت الفكر العربي الإسلامي، والتي غالبا ما تواجه عبر ثلاثة مواقف في الفكر العربي، إما بالرفض وعدم قبولها، إنكارا لها كونها جديدة على ثقافتنا، وإما بالتماهي والانسياق وفق مدلولاتها وطابعها الخاص، أو فحصها وقبول الجديد فيها وتطويرها حسب الخصوصية الخاصة بالمجتمع العربي والإسلامي، وهذا الأمر يسري على عدد من المصطلحات الكثيرة الواردة على المجتمع الفكري العربي والإسلامي، كالفلسفة والمنطق والليبرالية والرأسمالية وغيرها، بل ومازال الفكر الغربي ينتج لنا العديد من النظريات والتنظيرات التي مازلنا نواجهها بالطريقة نفسها أو أكثر.

جاء هذا التوضيح لدى مشاركة الدكتور مسفر بن علي القحطاني من المملكة العربية السعودية، بمداخلة بعنوان "إشكالية الأنسنة في الخطاب الديني المعاصر"، خلال الجلسة الفكرية السادسة، المندرجة ضمن فعاليات اليوم الثاني من المؤتمر السنوي لـ "مؤسسة مؤمنون بلا حدود" الذي شهدته مدينة مراكش يومي 17 و18 مايو (أيار) 2014، تحت شعار "الخطاب الديني: إشكالياته وتحديات التجديد".

وهي ذات الجلسة السادسة، التي عرفت أيضا تدخل كل من: الدكتورة ناجية الوريمي من تونس، والدكتور يحيى اليحياوي من المغرب، والدكتور علي مبروك من مصر، برئاسة الدكتور خميس بن راشد العدوي من سلطنة عمان.

وأضاف مسفر بن علي القحطاني، أن الفكر الغربي في تعامله مع مستجدات المصطلحات، بات يتعامل بشكل متسارع، لا يعتبر فيه التريث بقدر ما يعتبر الإنتاجية الفكرية أساس كل شيء، وهو ما جعله ينتقل لمصطلحات فكرية ما بعدية، كما بعد الحداثة، وما بعد التاريخ، وما بعد الإيديولوجية، أو تلك الحتميات النهائية، كما موت الإله، وموت الإنسان، وموت المؤلف.

أما الثقافة الإسلامية والعربية في هذا المجال، فإنها كما يقول الدكتور مسفر مازالت تغوص في القديم وتحاول أن تستوعب أو تبتلع ذلك الجديد، حيث يلاحظ أن الكثير من المصطلحات الفكرية القديمة مازال مستعصيا بشكل أو بآخر على الفهم العربي الاسلامي، إما لأنها لا تستطيع أن تتجاوزه إلى أخذ مواقع واضحة، وإما لأن الجدال الفكري ينطلق لحدود اللانهاية، ومصطلح الأنسنة من بين هذه المصطلحات التي يسري عليها ما يسري على الآخر.

ويعود تاريخ طرح مصطلح الأنسنة إلى ما يقرب منتصف القرن التاسع عشر في الفكر الغربي، وكان يقصد به نسقا تربويا يستهدف تكوين الشخصية الإنسانية واعطاءها كرامتها وقيمتها، قبل أن تأتي فكرة ماركس حول تعريف الإنسان الكلي، ليتبعه العديد من الفلاسفة الأوروبيين، وهي الموجة التي كانت موجهة بالأساس ضد الكنيسة آنذاك للانقلاب على موروثها، الذي كان متحكما في الرقاب بشكل كبير.

أما مصطلح الأنسنة في التراث الإسلامي فإنه لم يستخدم كما كان في الفكر الغربي، إذ أن الغرب كان يريد جعل الإنسان آلهته التي لم يؤمن بها خلال مسيحيته، بينما الإسلام كان يرى الإنسان كقيمة عليا، جاء مع الوعي الإلهي وليس متعارضا معه، بالإضافة إلى أنه ليس مصدرا للوحي كما يعتبر في الفكر الغربي.

وأضاف مسفر أن عودتنا لـ "الأنسنة" بمفهومها النقي، ضمن مستقبل الخطاب الديني المعاصر، ضرورة معاشية وحاجة دينية تلبي رغباتنا في التجديد نحو آفاق أوسع لإعمال الدين وتطوير وجودنا في العالم، وذلك من خلال العدوة للأصل والمسلمات التي يجب أن تكون واضحة وجامعة ودافعة.

أما الباحثة التونسية ناجية الوريمي، التي كانت مداخلتها بعنوان "خطاب التجديد الديني وأزمة المنهج"، فقد تطرقت لتوضيح أن تحديد الخطاب الديني في العالم العربي والإسلامي لا يمكن أن يتم في ظل تغييب منهج أو مناهج واضحة، تساعدنا على ضرورة تجديد هذا الخطاب، وذلك من خلال طرحها مقاربة للتجديد الديني في الفكر الغربي والفكر العربي الإسلامي، وهي المقارنة التي تظهر حسب الدكتورة أن الفكر الغربي كان يعتمد بالأساس على فصل المناهج، وهو ما ساهم في إعادة قراءة النص الديني الغربي بشكل أعمق.

أما في الجانب العربي، برأيها، فقد كان الأمر بعيدا شيئا ما عن النقاش العميق وهو ما أنتج اصطدامات بين علماء الفقه وعلماء الكلام وصل لحد "تفسيق" الفريق الأول للفريق الثاني واستباحة دمائه في كثير من المواقف التاريخية، مشيرة إلى أن هناك إضاءات في الفكر العربي ساهم فيها كل من المفكرين الراحلين: محمد عابد الجابري، ومحمد أركون، اللذين قدما للفكر العربي إسهامات جليلة، رغم بعض الإخفاقات أو المغالطات، التي شابت بعض طروحاتهما، والتي لم يسعها الوقت لتبيانها.

أما الدكتور المغربي المتخصص في الإعلام يحيى اليحياوي فقد فضل الحديث من زاويته الإعلامية في موضوع "الخطاب الديني في الفضائيات: الدعاة الجدد أنموذجا"، وطرح إشكالية غزو القنوات الفضائية، وبالأخص منها تلك التي أصبحت تعرف "بالقنوات الدينية"، مبرزا مجموعة من الإشكاليات التي بدأت تطرح نفسها في الميدان الإعلامي العربي، الذي بات يتوفر على أكثر من 1200 قناة عربية، تأخذ فيها مجموعة 104 قناة "دينية" مكانها، كبديل إعلامي ديني، يحمل هدف ما أسماه "موسطة المكنون الديني على مستوى الصورة"، وهو الأمر الذي يطرح مجموعة من التساؤلات الجدية حول من يمول هذه القنوات، ومن يروج لها، وما يتم الترويج له فيها.

وأضاف اليحياوي أن الأمر الأكثر خطورة في هذا الأمر هو كون ما يقارب 96 قناة من هذه القنوات يخضع في انتاجيته وتسييره للقطاع الخاص، بينما لا يبقى للإعلام الرسمي سوى 8 قنوات عبر العالم العربي بأكمله، الأمر الذي يجعل المتلقي أمام صنفين حقيقيين من الإعلام العربي بين "إعلام ديني"، وآخر "غير ديني"، مبديا في ذات الوقت تحفظه على مصطلح "الإعلام الديني"، بقوله إن "مصطلح الديني لا يمكن أن يطبق على هذا النوع من الإعلام، مادامت الرسالة الإعلامية والوسيط الإعلامي والمستقبِل واحد"، كما ربط الدكتور اليحياوي ما سبق بظاهرة الدعاة الجدد عبر هذه القنوات، الذين قال عنهم بأنهم باتوا يعتمدون على الخطابة البلاغية الدينية عوض الخطاب الديني، كما أن ما يقدمونه من مواد يصب فقط في إطار اصلاح الفرد كفرد، أو ما أسماه بالفردانية، التي قد لا تعير للمجموعة أي اهتمام.

المداخلة الأخيرة في الجلسة السادسة كانت للدكتور علي مبروك من مصر بعنوان "ملاحظات أولية حول الخطاب الديني وتجديده"، تطرق فيها لتوضيح العلاقة المعرفية للمفاهيم الجديدة في عدة مجالات من بينها نوع الدولة، والحمولات الإيديولوجية التي تحاصرها، أو مصطلح التجديد وما يترتب عنه من فهم قد يأخذ إلى إشكاليات، من قبيل هل نحن بصدد تجديد الخطاب، أي طلاء الخطاب القديم فقط، أم نحن بصدد البحث عن خطاب جديد يعوض القديم؟

وأضاف الدكتور علي مبروك أننا اليوم بصدد وضع مفهوم حقيقي لروابط المصطلحات والمفاهيم المنضبطة في مناهجنا، وهو التحدي الذي يجب التعامل معه بحزم كبير بالاعتماد على نقد حقيقي وفعال.

واختتم المؤتمر الثاني لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، المخصص لموضوع "الخطاب الديني: إشكالياته وتحديات التجديد"، مساء يومه الأحد 18 مايو (أيار) بمراكش، بتوزيع الشهادات على المحاضرين، الذين أثروا المؤتمر بمداخلاتهم القيمة، ونقاشاتهم الجدية، وملاحظاتهم المفيدة، حول القضايا التي رغبت المؤسسة المنظمة للمؤتمر في إثارتها، من خلال الانفتاح على رموز الفكر العربي المعاصر، والباحثين الشباب المجدين.

وفي كلمة له في الجلسة الختامية أبى سماحة الشيخ عامر زين الين، مستشار سماحة الشيخ عقل طائفة الموحدين للدروز، إلا أن يشكر مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" على تنظيمها لهذا المؤتمر، وإشراك كوكبة من أهل العلم والثقافة والأدب فيه، كما نوه باختيار تنظيم المؤتمر في المغرب، حيث يوجد المقر الرسمي للمؤسسة.

ودعا سماحة الشيخ عامر زين الدين المؤسسة إلى تنظيم مزيد من اللقاءات في مختلف البلدان العربية حول المواضيع المرتبطة بالدين، وعلى رأسها تجديد الخطاب الديني، المهم والضروري اليوم، في ظل التشنجات والصراعات التي يعرفها العالم العربي الإسلامي.

ومن جهته قدم المدير العام لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، محمد العاني شكره لجميع المشاركين في المؤتمر الذين ناهزوا 500 مثقف ومفكر وباحث من أكثر من 20 دولة عربية وأجنبية، معتذرا للحاضرين عن أي تقصير يمكن أن يكون قد بذر عن غير قصد، واعدا المشاركين بتنظيم لقاءات أخرى في مستقبل الأيام.