محاضرة: الإسلام ومعاداة السامية

فئة: أنشطة سابقة

محاضرة: الإسلام ومعاداة السامية

الأستاذ فوزي البدوي يحاضر عن "الإسلام ومعاداة السامية" في منتدى مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" الفكريّ


نظم المنتدى الفكري لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث لقاء فكرياً مع الأستاذ فوزي البدوي الذي ألقى محاضرة بعنوان: "الإسلام ومعاداة السامية"، أداره الدكتور نادر الحمامي وحضره نخبة من المثقفين والمتابعين لأنشطة المؤسسة.

وقال الدكتور الحمامي في كلمته التمهيدية للقاء، الذي انتظم يوم الثلاثاء 30 يونيو (حزيران) 2015، بالمقر المشترك لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث ورابطة تونس للثقافة والتعدد، إن الموضوع متعدد الزوايا، وقد اختار الأستاذ البدوي المدخل التاريخي لتناوله بالدرس. واعتبر الدكتور الحمامي أن هذه القضية إشكالية تمس الناحية التاريخية والدينية، كما تمس القضية الفلسطينية التي عادة ما تقارب من موقع الحماس والانفعال، مشيراً إلى أنه بالإمكان أيضاً مقاربتها من وجهة نظر علمية موضوعية، و"لا بد من نوع من البرود العلمي لتفهّم القضية"، حسب تعبيره.

وركز الأستاذ البدوي في مستهل مداخلته على دوافعه إلى التفكير في المسألة فأعرب عن أن اهتمامه بهذا الموضوع بدأ لما رفض جزء من طلبته دراسة اليهودية من خلال مسألة بعنوان: "تاريخ الحركة الصهيونية"، وأنه لما حاول إقناعهم بأهمية المسألة، احتجوا له بأن الرسول أمر بتعلم اليهودية لا بتعلم الصهيونية، حينها قرر الإبقاء على محتوى درسه كما هو، واكتفى بتغيير العنوان لتصبح المسألة المدروسة بعنوان "القضية الفلسطينية".

وذكر أن من دوافعه إلى دراسة هذه المسألة هو ما رفع في الشوارع من شعرات يعتبرها خطرة، وأهمها شعار "خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود" الذي رفع أمام البِيَعة في تونس، وشعار "خيبر خيبر يا صهيون، حزب الله قادمون" الذي رفع في لبنان، وغيرها من الشعارات.

وأما السبب الثالث الرئيس الذي جعله يقدم على الاهتمام بهذه المسألة فهو الأعمال الفنية التي تصنف في الخارج على أنها معادية للسامية مثل مسلسل "خيبر" ومسلسل "فارس بلا جواد"، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب على غرار "بروتوكولات حكماء صهيون" و"كفاحي" و"الكنز المرصود في قواعد التلمود" و"فطير صهيون"، وهي كتب في رأيه تدخل في تكوين الناشئة وتؤثر فيهم.

وقال الأستاذ البدوي إن مصطلح "معاداة اليهود" هو مصطلح يوحي بالعداء الديني، وهو سابق في الزمن لمصطلح "معاداة السامية" الذي ظهر في نهاية الدولة العثمانية أي في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وأشار إلى أن الذين يرفعون هذه الشعارات ("خيبر خيبر يا يهود.. وغيرها من الشعارات) يستندون إلى ما وقع مع يهود بني قريظة وعلى "الصحيفة" (دستور المدينة) لتبرير رفعها، غير أنهم في رأي الأستاذ البدوي "يرتكبون حماقات ويقدمون خدمات جليلة لما هو أخطر (الصهيونية).

وأشار الأستاذ البدوي إلى أن الصحيفة جاءت لتنظيم العلاقات بين سكان المدينة، واليهود من بينهم. وقد بدأ تحريرها في السنة الثانية للهجرة، وتضمنت أن "اليهود أمة مع المسلمين" وأنهم "أمة دون الناس"، أي إن الرابط بينهم وبين المسلمين يقوم على المصلحة. ولخّص الأستاذ البدوي مضمون الصحيفة في ثلاث نقاط رئيسة: أولها التأسيس لمفهوم الأمة والخروج بهم من القبيلة القائمة على رابطة الدم، إلى الأمة القائمة على الرابطة الدينية؛ وثانيها إخراجهم من القرية إلى المدينة لما صارت يثرب مدينة (والكلمة تعني في العبرية: الدولة)؛ وثالثها المرور من طور المشافهة إلى الكتابة. ورأى الأستاذ البدوي أن الرسول في هذه الفترة كان يضع اليهود بوصفهم جزءاً من أمته، وأن العلاقة ساءت سريعاً لتترجم عبر ما كان مع قبيلة بني النضير وخيبر، وفسر سوء العلاقة برفض اليهود نبوة محمد لأنهم رفضوا أن يكون النبي إلاّ من نسل داووديّ. ولما بدأ الإسلام منذ السنة الثانية هجرياً يتشكل مستقلاً، رأى أن الحل لتحديد علاقته باليهود هو أن يعتبرهم "أهل ذمة" من الناحية القانونية، و"أهل كتاب" من الناحية الدينية، ولم يعد يرى فيهم "خصماً دينياً بعد السنة الثانية للهجرة" حسب رأيه.

وذكر الأستاذ البدوي أن كتاب "محمد واليهود" لأحمد بركات بين أن "مجزرة بني قريظة" مفتعلة، وأن أقصى ما فعله الرسول هو قتل عشرة أنفار. وتساءل الأستاذ البدوي "من أين جاءت القصة عند ابن هشام؟"، فلاحظ أن الرواة كلهم يهود "اهتدوا" وخلطوا بين حادثتين: بني قريظة والانتحار الجماعي لليهود في "ماسادا"، وهما حدثان متشابهان في نظره.

واستخلص الأستاذ البدوي أننا نحن المسلمين لم نعاد اليهود لأسباب دينية عقائدية قديماً، غير أن المعطيات الجديدة التي طرأت على العلاقات الإسلامية اليهودية مع بداية انهيار الدولة العثمانية، فدخلت في ثقافتنا "تهمة الدم" وهي اتهام اليهود بأنهم يقتلون صبياً مسيحياً في عيد الفصح ويمتصون دماءه سخرية واستهزاء من صلب المسيح، التي تطورت وأصبح الاعتقاد أن اليهود يستعملون دماء ضحيتهم في شعائرهم الدينية وفي أعيادهم، وبخاصة في عيد الفصح اليهودي، حيث أُشيع أن خبز الفطير غير المخمر الذي يُؤكل فيه يُعجَن بهـذه الدمـاء.

وما شجع على تنامي هذه الأفكار حسب الأستاذ البدوي هو تنامي الصراع العربي الإسرائيلي، والواقع أن التاريخ القديم في عناصره الأساسية لا يدل على وجود عداء ديني، وأما الكتب التي تأتينا اليوم فمصدرها أوروبي يغذي معركة أخرى أخطر بكثير من مسألة معاداة السامية: الصهيونية المسيحية.

فإذا كان الاعتقاد سائداً بأن المسيح سيعود في آخر الزمن إلى موطنه فلسطين ليبيد اليهود الذين يرحبون اليوم بهذه الفكرة، فتقدم المسيحية المسلمين قرباناً على حد عبارة الأستاذ البدوي، فإن الفكرة الأساسية لـ"المسيهودية" أن يسوع كان يهودياً وأن أتباعه الأوائل كانوا يهوداً، وأنه لم يؤسس كنيسة ولا مسيحية. ولم يعد الذين اتبعوه يهوداً حتى أن بولس لما جاء وجد مشكلاً: كيف يدخل الوثنيون في هذه الديانة خصوصاً أن الدخول إلى المسيحية يقتضي المرور عبر اليهودية أولاً واليهودية تقتضي الاختتان، فكان الحل هو إيجاد فكرة "ختان القلب"، وكلفه ذلك أن خرج عليه اليهود المسيحيون الأوائل (Les judéo-chrétiens) فطوردوا إلى الجزيرة العربية واستقر بعضهم في مغارات قمران.

وتعقيبا على محاضرة الأستاذ البدوي رأى الدكتور نادر الحمامي أن الشعارات التي أشار إليها المحاضر عن "خيبر" وغيرها، إنما تندرج ضمن ما يسميه "موجة تزييف الوعي" وأن ذلك يستدعي إعادة النظر في التاريخ. ثم فتح باب النقاش أمام الحاضرين الذين تفاعلوا مع المحاضر ومحتوى مداخلته تفاعلا إيجابياً أثرى النقاش.